
مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم | عنوان الخطبة | معد الخطبة | التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
215 | فضائل الحج والبلد الحرام | الشيخ صالح بن محمد آل طالب – خطيب مسجد الحرام | 27 /10 /1446هـ الموافق 25/04 /2025م | الأمانة العامة |
الموضوع: فضائل الحج و البلد الحرام
الحمد لله جعل بيتَه الحرامَ مثابةً للناس وأمنًا، هدانا لأقوم السُّبُل وشرعَ لنا أفضلَ الشرائِعَ فضلاً منه ومنًّا، أحمده تعالى وأشكرُه، وأُثنِي عليه وأستغفرُه حرَّم الحُرُمات أنفسًا وأشهرًا وبقاعًا، وتابعَ مواسمَ الخيرات علينا تِباعًا، وجعلَ خيرَ الناسِ أخلَصَهم لله وأشدَّهم لنبيِّه تأسيًّا واتباعًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمدُ ، وله الشكرُ إعلانًا وإسرارًا وجهرًا، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه علَّم أمَّتَه العبادات وأوضحَ لهم المناسِك، ودلَّهم على طُرق الخير وأبانَ لهم المسالِك، له حُجَّةٌ لا يزيغُ عنها إلا هالِك، بشَّر به الأنبياءُ قبلَه، وهداه ربُّه لخير قِبلة، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد:
فاتقوا الله حقَّ تقواه، وسارِعوا إلى مرضاته واستعِدُّوا ليوم لِقاه؛ فإن اليومَ عملٌ ومُهلة، وغدًا حسابٌ وجزاء، وسيلقَى كلُ عاملٍ ما عمِلَ.
أيها المؤمنون: تستقبِلُ الأمةُ موسمًا عظيمًا من أيام الله تعالى، وركنًا من أركان الإسلام العِظام، موسمٌ تُغفَرُ فيه الذنوبُ والخطايا، وتُقالُ فيه العثَرات وتُقبَلُ الدعوات، موسمُ الحجِّ إلى بيت الله العتيق، شِعارُ الوحدة والتوحيد، وموسمُ إعلان العهود والمواثيق وحفظِ الحقوق والكرامات، وحقنِ الدماء وعصمةِ النفوسِ والأموال، وما فاضَت به الوصايا في خُطبة الوداع.
وها هي طلائعُ الحُجَّاج تُضيءُ مُحيَّاهم أباريقُ الحرم، وينتظِمُ عِقدُهم في رِحابِه الطاهرة، آمِّين البيتَ الحرام يبتغون فضلاً من ربهم ورِضوانًا، يحطُّون رِحالَهم عند بيت الله العتيق، ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾ (آل عمران 96)
مُلبِّين النداءَ القديمَ المُتجدِّد: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ (الحج 27 -28 ) ويُؤدُّون ركنَ الإسلام الخامسَ، ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ (آل عمران 97) ويُلبُّون بالتوحيد: لبَّيكَ اللهم لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لبَّيك، إن الحمدَ والنعمةَ لك والمُلك، لا شريكَ لك، يأمَلون من الله القَبول، ويرجُون رحمتَه ويخافُون عذابَه.
يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: (العُمرة إلى العمرة كفَّارةٌ لما بينهما، والحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنة)؛ متفق عليه. وفي “الصحيحين” أيضًا يقول الصادقُ المصدوق – صلى الله عليه وسلم -: (من حجَّ هذا البيتَ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ كيوم ولدَتْ أمُّه) – أي: نقيًّا من الذنوب والخطايا -.
وأخرج ابن حبان في “صحيحه” عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (الغازي في سبيل الله، والحاجُّ إلى بيت الله، والمُعتمِر وفدُ الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم).
وفي رحلة الإيمان الخالدة مُضاعفةُ الصلوات، وتكثير الحسنات، وإجابةُ الدعوات، ومواقفُ الرحمات في مِنَى ومُزدلِفة وعرفات.
وإذا ذكرتَ تلك الصعُوبات فاذكُر حين يُباهِي اللهُ بحُجَاج بيته ملائكةَ السماوات، ويقول – سبحانه -: (هؤلاء عبادي جاءوني شُعثًا غُبرا، أُشهِدكم أني قد غفرتُ لهم) فيُعتِقُهم من النار، ويكتبُ لهم السعادةَ الأبديَّة.
فمن نصوص الوحيين أدركنا من فضائل الحج: 1- أداء الفريضة (تلبية نداء الله ) 2- غفران الذنوب 3- سبب لدخول الجنة 4- مضاعفة الأجر 5- يُباهِي اللهُ بك ملائكةَ السماوات، وفضائل أخرى
أيها المسلمون: الحديثُ عن الحجِّ وفضله يحدُو الأرواحَ، ويبعثُ الأشواقَ لإجابة نداء الرحمن لحجِّ بيت الله الحرام، فيا خسارةَ من قعدَت به همَّتُه واستولَى عليه كسلُه، فلم يلحَق بركبِ الإيمان، قال – عليه الصلاة والسلام -: (تعجَّلوا إلى الحجِّ؛ فإن أحدَكم لا يدري ما يعرِضُ له)؛ أخرجه الإمام أحمد.
وعن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال: “لقد هممتُ أن أبعثَ إلى الأنصار فينظرُوا من كانت له جِدَةٌ فلم يحُجَّ فليضرِبوا عليهم الجِزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين”؛ قال المُنذري: إسناده حسن.
فبادِروا بالحجِّ – أيها المسلمون -، واغتنِموا أعمارَكم قبل أن يُحالَ بينكم وبين ما تشتَهون فتعجَزون أو تموتون.
عباد الله: وفي الحجِّ شرفُ الزمان والمكان؛ فالمكان: بلدُ الله الحرام، والزمان: عشرٌ مُعظَّمةٌ في أشهرٍ مُحرَّمة: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ (البقرة: 197) وهذه البُقعة عظَّم الله حُمرتها غايةَ التعظيم، وجعل إجلالَها من التقوى وسببًا للتقوى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ ( الحج: 32 )
وحرَّم تنفيرَ صيدِها وعضدَ شوكِها فضلاً عن قطع شجرها وقتل صيدِها؛ فكيف بحُمرة المُسلم فيها؟
حتى إن مجر رادة الشر في الحرَم مُوجِبٌ للعذاب؛ قال الله – عز وجل -: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ (الحج :25)
وفي وصف أشهُركم هذه أشهر الجج إنها محرمة ما عدا شوال، قال ابن كثيرٍ – رحمه الله -: “كان الرجلُ يلقَى قاتلَ أبيه في الأشهُر الحرم فلا يمُدُّ إليه يدَه”. وقال أيضًا: “إن الظلمَ في الأشهُر الحُرم أعظمُ خطيئةً ووِزرًا من الظلم فيما سواها”.
إذا كان الأمرُ كذلك؛ فإنه لا ذنبَ بعد الشرك أعظمُ من قتل النفس المؤمنة، وسفك الدم الحرام في الشهر الحرام ظلمًا وعُدوانًا.
لقد سبقَ الإسلامُ كل المُحاولات البشرة لإيجاد منطقةٍ آمنةٍ وزمنٍ آمِن، وإن شئتَ فقل: زمانًا ومكانًا مُحرَّمًا منزوعَ السلاح يأمَنُ الناسُ فيه وينعَمون بالسلام، وهذا من أعظم مقاصِد الإسلام الذي قصدَ إلى إشاعة الأمن والسلام، فالواجبُ على المسلمين أن يستشعِروا هذه الحُرمة، ويُعظِّموا الأشهُر الحُرم، خصوصًا بعد عامٍ عصَفَت فيه الفتنُ واضطرَبَت الأحوالُ، وأُزهِقَت أنفسٌ واختلطَت أمور.
ومن الناس من تشابَهت عليهم الأزمِنة، واختلفَت في أفهامهم الأمكِنة؛ فكأنما الأشهُر الحُرُم حِلٌّ لأشدِّ المُحرَّمات – وهي الدماء -، وكأنما البلادُ في بعث الفتنةِ بها سواء، وكأننا نعيشُ زمنَ الخبر النبوي المُتحقِّق في آخر الزمان -: (يكثُر الهَرج – وهو القتل -، ولا يدري القاتلُ فيمَ قتَل، ولا المقتولُ فيمَ قُتِل، وهي فتنٌ الراقِدُ فيها خيرٌ من القاعِد، والقاعِدُ خيرٌ من الماشي). وغفلَ المخذولُ عن قول الله – عز وجل -: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ (النساء 93)
أيها الناس: لقد حانَ الوقتُ لإلقاء السلاح، وحقنِ الدماء، والاستجابةِ لأصول الحقوق التي وصَّى النبي – صلى الله عليه وسلم – بها في حجَّة الوداع، وأرسَى قواعدَها بقوله: (إن دماءَكم وأموالكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ كحُرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهرِكم هذا).
آنَ الأوان لأَن يُراجِعَ المعنيُّون واقِعَهم، وأن يحترِموا الأشهُر الحُرم، وأن تتغلَّب المصالحُ على المفاسِد، ومكاسِبُ الأمة على مصالح الأفراد؛ صيانةً للنفوس والحقوق، وحال العباد والبلاد، والله لا يحبُّ الفساد. ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأبانَ طريقَ الإيمان، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه ومن تبِعَهم بإحسانٍ.
أما بعد، أيها المسلمون: من حُرمَة مكة المكرمة: أن سَفكَ الدم فيها بغير حقٍّ أشدُّ حُرمةً من غيرها، قال – عليه الصلاة والسلام -: «لا يحِلُّ لامرئٍ يُؤمِنُ بالله واليوم الآخرِ أن يسفِكَ بها دمًا»؛ متفقٌ عليه.
ولا يُخافُ أهلُها بحملِ سلاحٍ فيها، قال – عليه الصلاة والسلام -: «لا يَحِلُّ لِأَحَدِكُم أنْ يَحْمِلَ بِمكةَ السلاحَ»؛ رواه مسلم.
والحيواناتُ آمنةٌ بأمان الله في العَرَاء، والطيورُ سابِحةٌ في الفَضاء، وأشجارهُا تُرفرِفُ بالأمنِ فلا تُقطَع، والأمْوالُ المفقودةُ لا تُلتقَطُ كسائرِ البُلدان، قال – عليه الصلاة والسلام -: «لا يُختَلى خَلاها، ولا يُعضَدُ شجرُها، ولا يُنَفَّرُ صيدُها، ولا تُلتَقَطُ لُقَطَتُها إلا لمُعَرِّفٍ»؛ متفقٌ عليه.
شبّه – عليه الصلاة والسلام – حُرمةَ الأموالِ والأعراضِ والدماءِ بحُرمَتها، لعلوِّ منزلَتِها عند الله، فقال: «إنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ كحُرمةِ يومِكم هذا، في بلدِكم هذا، في شهرِكم هذا»؛ متفقٌ عليه
اللهم وحِّد به كلمةَ المسلمين، وارفع به لواءَ الدين، ..
اللهم أصلِح أحوال المسلمين، اللهم أصلِح أحوال المسلمين، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، واجمعهم على الحق والهدى، اللهم احقِن دماءهم، وآمِن روعاتهم، وسُدَّ خُلَّتهم، وأطعِم جائعَهم.
اللهم احفَظ الحُجَّاج والمُعتمِرين، ويسِّر لهم أداء مناسِكهم آمِنين، يا حيُّ يا قيُوم يا ذا الجلال والإكرام.
نستغفِرُ الله، نستغفِرُ الله، نستغفِرُ الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيُّوم ونتوبُ إليه.

_المؤتمر العام الثالث لاتحاد علماء إفريقيا بدكار_
بعد استضافة باماكو المؤتمر التأسيسي (الأول) في عام 2011م برئاسة رئيس الجمهورية في حينه الجنرال أمادو توماني توري رحمه الله؛ ثم المؤتمر العام الثاني في مكة المكرمة قبلة المسلمين؛ دكار تستضيف المؤتمر العام الثالث لاتحاد علماء إفريقيا يومي 26 و27 تحت شعار “الوقف عبادة وتنمية” .

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم | عنوان الخطبة | معد الخطبة | التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
214 | تَعْظِيم قَدَر الصَّلَاة | قسم المشاريع | 20 /10 /1446هـ الموافق 18/04 /2025م | الأمانة العامة |
الموضوع: ” تَعْظِيم قَدَر الصَّلَاة “
الحَمْدُ للهِ، ذي العِزَّةِ القَاهِرَة، والحِكْمَةِ البَاهِرة، لا إلهَ إلَّا هُو، لَه الحَمْدُ فِي الأُولى والآخِرَة، أحمدُه سُبحَانَهُ وأشكرُهُ عَلَى نِعَمِهِ البَاطِنَةِ والظَّاهِرَة، وأشهدُ أن لا إلَه إلَّا اللَّه وحدَهُ لا شَرِيك لَه شهادةَ الحقِّ وَالْيَقِين، وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه أعلَى منارَ الدِّين، صلَّى اللهُ عَلَيْه، وَعَلَى آلهِ وصَحبِه، وسلَّمَ تسليمًا كَثِيرًا.
أمّا بعد:
عبادَ اللَّه: فأُوْصِي نَفْسِي وإيَّاكُم بتقوَى اللهِ عزَّ وَجُلّ، اتَّقوا اللهَ رَحِمَكمُ اللَّه، فمَنِ اتَّقى اللهَ نَجَا، وَمَنّ عَصَاه خَاب وشقى، وسَوفَ يُبعَثُ النَّاس فِي يُوم عَظِيم، فأعِدُّوا لذلكَ اليَومِ عُدَّتَهُ، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ البقرة 281.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُون: أوَّلُ صِفَةٍ للمُتَّقينَ فِي كتابِ اللَّه؛ بعدَ الإيمَانِ بالغَيب، إقَامةُ الصَّلاة: ﴿الْم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾ البقرة 3. وأوَّلُ وَاجِبٍ بعدَ التَّوحِيد: الصَّلاة؛ قالَ اللهُ لِمُوسَى عَلَيْه السَّلَام مِنْ غَيرِ وَاسِطَة: ﴿ِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾، وقالَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لمُعاذٍ : (فَلْيَكُنْ أوَّلَ مَا تَدعُوهُمْ إلَيْه : عِبَادَةُ اللهِ عزَّ وجَل، فَإِذَا عَرَفُوا اللهَ فأَخْبِرْهُمْ أنَّ اللهَ فَرَضَ عَليْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَومِهِمْ ولَيلَتِهِمْ) مُتَّفَق عَلَيْه .
أَحَبُّ أعمَالِ بَني آدمَ إِلَى اللَّه: الصَّلاة، سُئِلَ النبيُّ ﷺ: أيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّه ؟ قَال: (الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِها)، قَيْل: ثُمّ أيٌّ؟ قَال: (ثُمّ بِرُّ الوَالِدَين) قالَ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَه اللَّه: (الصَّبرُ عَلَى المُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَات، وأدَاؤُها فِي أوقَاتِها، والمُحَافَظَةُ عَلَى برِّ الوالدَين؛ أَمْرٌ لازِمٌ مُتكرِّرٌ دائمٌ؛ لا يَصْبِرُ علَى مُراقَبَةِ أمرِ اللهِ فيهِ إلَّا الصدِّيقُون).
مَنْ أرَادَ تَحقِيقَ السَّعادَة، وكَثْرَةَ الرِّزْق، والبَرَكةَ فِيْه، والعَوَاقِبَ الحَسَنَة، وإجَابَةَ الدُّعاء؛ فإنَّ مَطْلُوبَهُ: فِي الصَّلاةِ، والاصْطِبَارِ عَلَيْهَا. كمَا قالَ تعالَى عَنْ زكريَّا عَلَيْه السَّلَام بعدَ أنْ دَعَا ربَّه: ﴿ِفَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ.. ﴾ آ عمران 39، وقالَ جَلَّ وعَلا: ﴿ِوَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ طه 132.
عِبادَ اللَّه: ومِنْ عَظِيمِ قَدْرِ الصَّلاةِ عِندَ ربِّكُمْ جَلَّ فِي عُلَاه: أنْ عَظَّمَ سُبحَانَهُ كلَّ عَمَلٍ مُتَعَلِّقٍ بالصَّلاة؛ فالوُضُوءُ لِلصَّلاة؛ يُكَفِّرُ الخَطَايا، (ومَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ أَو رَاحَ؛ أعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الجنَّةِ نُزُلاً كلَّمَا غَدَا أَو راحَ)، وكلُّ خُطْوَةٍ تَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاةِ حَسَنَة، تَرفَعُكَ عِندَ اللهِ دَرَجَة، والأُخْرَى تَضَعُ عَنْكَ سَيِّئة، ومَنْ دَخَلَ المَسْجِدَ دَعَتْ لَهُ المَلائِكةُ تَقُول: اللهُمَّ صَلِّ عَلَيْه، اللهُمَّ ارحَمْه، مَا لَم يُحْدِث. ورَكْعَتَا الفَجْر؛ أيْ: سُنَّتُها؛ خَيرٌ مِنَ الدُّنيَا ومَا فِيهَا فَكَيْف بفريضتها و(أَحَبُّ البِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا)…أوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَليهِ العَبدُ يَومَ القِيامَةِ مِنْ عَمَلِهِ: صَلَاتُه، فإنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفلَحَ وأَنجَحَ، وإنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ واللهِ وخَسِرَ، هِي صِلَتُكَ الوَاصِلَةُ بالمولَى سُبحَانَه، ولذلكَ فهِيَ مِنْ أعظَمِ أسبَابِ دُخُولِ الجنَّة، ورُؤيةِ وَجْهِ اللهِ الكَرِيم، قالَ ﷺ: (إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُم؛ كمَا تَرَونَ هذَا القَمَرَ لا تُضَامُونَ فِي رُؤيتِه؛ فإنِ اسْتَطَعْتُمْ ألَّا تُغْلَبُوا علَى صَلَاةٍ قبلَ طُلوعِ الشَّمْسِ وقبلَ غُرُوبِها فَافْعَلوا) مُتَّفَق عَلَيْه . فأعلَى مَا فِي الجنَّةِ رُؤيةُ اللَّه، وَمَنّ أَعْظَم أَسْبَاب حُصُولِهَا الصَّلَاة وَخَاصَّة هَاتَانِ الصَّلاتَان: الفَجْرُ والعَصْر.
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾.
بارَكَ اللهُ لِي وَلِكَم فِي القرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعَنِي وإيَّاكُم بِمَا فيهِ مَن الآياتِ والذكرِ الْحَكِيم، أَقُول قَوْلِيّ هَذَا، وأستغفرُ اللَّه لِي وَلِكَم ولسائرِ المُسلمينَ وَالْمُسْلِمَات مَن كلِّ ذنبٍ، فاستغفِروه، إنَّه هُو الْغَفُور الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسَانِه، وصلَّى اللهُ عَلَى عَبْدِهِ ورسُولِهِ الدَّاعي إِلَى رِضْوَانِه، صلَّى اللهُ عَلَيْه، وَعَلَى آلهِ وأصحَابِه، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْد:
عِبادَ اللَّه: أوْجَبَ اللهُ علَى الرِّجَالِ أداءَ الصَّلاةِ جَمَاعةً فِي المسَاجِد، فقالَ سُبحَانه: ﴿وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾، وهَمَّ ﷺ بتَحْرِيقِ بُيُوتِ المُتَخَلِّفينَ عَنْ صَلاةِ الجَمَاعة، وَلَمّ يُرخِّصْ لِرَجُلٍ أعمَى لا قَائِدَ لَه، وَبَيْتِه بَعِيد عَن الْمَسْجِد وَطَرِيقِه لِلْمَسْجِد تحفه الْهَوَامّ وَالسِّبَاع بالتَّخَلُّفِ عَنْ صَلاةِ الجَمَاعة؛ بَلْ قالَ لَه: (هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بالصَّلاة؟). قالَ: نَعَم، قالَ: (فأَجِبْ) فَكَان بَعْد ذَلِك لا يَتَخَلَّف عَن صلاةٍ بَل كَان مؤذناً لِرَسُول اللَّه فِي مَسْجِدِه أَلَا وَهْو الصَّحَابِيّ الْجَلِيل عَبْد اللَّه بن أَم مَكْتُوم.
كيفَ يَطْمَئِنُّ فِي حَيَاتِه: السَّاهِي عَنْ صَلَوَاتِه؟!، وكيفَ يَهْنَأُ فِي مَعَاشِه؟ مَنْ يَنَامُ عَنْ صَلَوَاتِهِ فِي فِرَاشِه؟!، بَلْ كيفَ يَرجُو المُضَيِّعُ للصَّلوَات: الهِدَايةَ مِنَ اللهِ إِلَى الخَيراتِ والبَركَات، وَقَد أَخَلَّ بأعظَمِ أركَانِ دِينِهِ بعدَ التَّوحِيد. ألَا فاتَّقوا اللهَ عِبادَ اللَّه، تَعَاهَدُوا أَهْلِيكُمْ ومَنْ تَحتَ أيْدِيكُم؛ بالمُحَافَظَةِ علَى الصَّلوَات، عَلِّمُوهُمْ أركَانَها وشُرُوطَها، وآدابَ الوُقوفِ بينَ يَدَيْ المولَى جَلَّ فِي عُلَاه. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾، مَنْ ضَيَّعَ صَلَاتَهُ فمَاذا يَرتجِي، ومَنْ حَافَظَ عَلَيها وأقَامَهَا فمَاذَا فَقَد.
ألَا فاتَّقوا اللهَ عِبادَ اللَّه، وأَقِيمُوا الصَّلاةَ للهِ كمَا أَمَر.
رِضَا المولَى عَنْ عَبْدِهِ: فِي الصَّلاة، تُكَفِّرُ السيِّئات، تَرفَعُ الدَّرَجَات، جَامِعَةٌ لِكُلِّ خيرٍ، تَنْهَى عَنْ كُلِّ شرٍّ، فِيهَا صَلَاحُ الحَالِ وَالْمَآل، وفيها التَّوفِيقُ وسَعَادَةُ البَال، ورَغَدُ العَيْشِ وبَرَكَةُ المَال، وطُمَأنِينَةُ البُيُوت، وانْشِرَاحُ الصُّدور، وصَلَاحُ الذُّريَّة. يَقولُ تَعَالَى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ طه 132.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّد، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَحَبَّتَهُ وَاتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، اللَّهُمَّ احْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ وَأَسْقِنَا مِنْ حَوْضِهِ وَأَدْخِلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ وَاجْمَعْنَا بِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيم، وَوَالِدِينَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والْمُسْلمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، اللَّهُمّ أعزَ الإسلامَ والمسلمينَ وأذلَ الشركَ والمشركينَ، ودَمِّرْ أعداءَك أعداءَ الدِّينِ، وَأَرِنَا فِيهِم يومًا عَجْائبَ قُدرتِك يَا ربَّ الْعَالَمِين، اللَّهُمّ انصرْ أُمَّةَ محمدٍ وأَخرجْهم مَن الظلماتِ إِلَى النورِ.
اللَّهُمّ احْفَظ المسلمينَ فِي كلِ مكانٍ يَا ربَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ بِسُوءٍ فَأَشْغِلْهُ فِي نَفْسِهِ وَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَى نَحْرِهِ، وَاجْعَلُهُ عِبْرَةً لِلْمُعْتَبِرِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَا حَيُّ يَا قَيُّوم، اللَّهُمَّ وَحِّدْ صُفُوفَهُم وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُم عَلَى الْقُرْآنِ والسُّنَّةِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ. اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم | عنوان الخطبة | معد الخطبة | التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
213 | الترغيب في الحج والترهيب في تركه | الشيخ عبد العزيز بن أحمد الغامدي – خطيب المسجد النبوي | 13 /10 /1446هـ الموافق 11/04 /2025م | الأمانة العامة |
الموضوع: ” الترغيب في الحج والترهيب في تركه “
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَتَمَّ عَلَى عِبَادِهِ الْمِنَّةَ، الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَكَمَلَ لَهُمُ الْمِلَّةَ، الْحَمْدُ للهِ الَّذِي شَرَعَ لَهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا يُقَرِّبُهُمْ لِلْجَنَّةِ.. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الْمُسْتَحِقُّ لِلثَّنَاءِ وَالْحَمْدِ إجْلالًا وَتَعْظِيمًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ إِلَى الْخَلْقِ بَشيرًا وَنَذِيرًا.. أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ وائْتَمِرُوا بأَمْرِهِ، وبَادِرُوا بحَقِّهِ، وَلا تَتَهَاوَنُوا فتَهُونُوا عَليهِ ﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾ الحج 18
عباد الله، قال الله سُبَحانَهُ: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ آل عمران: 97، وقال عليه الصلاةُ والسلامُ: (بُنيَ الإِسلامُ على خمسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ محمدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيتِ، وَصَومِ رَمَضَانِ).
وَعَن أبي هريرةَ – رضي الله عنه – قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ اللهَ قَد فَرَضَ عَلَيكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا)، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟! فَسَكَتَ حتى قالها ثَلاثًا، فقال رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: (لَو قُلتُ: نَعَم، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا استَطَعتُم)، ثم قال: (ذَرُوني مَا تَرَكتُكُم )
إخوة الإسلام، متى استَطَاعَ المُسلِمُ وَتَوَفَّرَت فِيهِ شُرُوطُ وُجُوبِهِ وَجَبَ أَن يُعجِّلَ بِأَدَاءِ فَرِيضَةِ اللهِ فِيهِ، وَلم يَجُزْ لَهُ تَأخِيرُهُ وَلا التَّهَاوُنُ بِهِ، يقول الشيخُ ابنُ بَازٍ – رحمه اللهُ -: (مَن قَدَرَ عَلى الحَجِّ ولم يَحُجَّ الفَرِيضَةَ وَأَخَّرَهُ لِغَيرِ عُذرٍ فَقَد أَتَى مُنكَرًا عَظِيمًا وَمَعصِيَةً كَبِيرَةً، فَالوَاجِبُ عَلَيهِ التَّوبَةُ إِلى اللهِ مِن ذَلِكَ وَالبِدارُ بِالحَجِّ). ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: (تَعَجَّلُوا إِلى الحَجِّ – يَعني الفَرِيضَةَ -؛ فَإِنَّ أَحَدَكُم لا يَدرِي مَا يَعرِضُ لَهُ)، وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -:
(مَن أَرَادَ الحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ؛ فَإِنَّهُ قَد يَمرَضُ المَرِيضُ، وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ، وَتَعرِضُ الحَاجَةُ(
فَلْيَحمَدِ اللهَ – عز وجل – مَن مُدَّ في عُمُرِهِ وَأُنسِئَ لَهُ في أَجلِهِ، فَهَا هُوَ مَوسِمُ الحَجِّ قَد أَشرَقَت شَمسُهُ، وَهَا هُمُ الحُجَّاجُ قَد بَدَؤُوا يَأتُونَ مِن أَقصَى الأَرضِ شَرقًا وَغَربًا، بَعضُهُم لَه سَنَوَاتٌ وَهُوَ يجمَعُ نفقة هذا الحج؛ يَقتَطِعُها مِن ماله؛ حتى جمع ما يُعِينُهُ على أَدَاءِ هَذِهِ الفَرِيضَةِ العَظِيمَةِ، وَالبعض مِنَّا في هَذِهِ البِلادِ قَد تَيَسَّرَت لَهُ الأَسبَابُ وَتَهَيَّأَت لَهُ السُّبُلُ، وَمَعَ هَذَا يُؤَخِّرُ وَيُؤَجِّلُ، قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ – رضي الله عنه -: (لَقَد هَمَمْتُ أَن أَبعَثَ رِجَالاً إِلى هَذِهِ الأَمصَارِ، فَلْيَنظُرُوا كُلَّ مَن كَان لَهُ جِدَةٌ ولم يحُجَّ فَيَضرِبُوا عَلَيهِمُ الجِزيَةَ، ما هُم بِمُسلِمِينَ، مَا هُم بِمُسلِمِينَ(
فيَا مَن لم تحُجُّوا وأنتم قادرون – اتقوا الله، وَبَادِرُوا إِلى أَدَاءِ هَذِهِ الفَرِيضَةِ العَظِيمَةِ وَأَسرِعُوا؛ فَإِنَّ هذه الطاعات ييسرها الله، وَلا يُقعِدَنَّكُمُ الشَّيطَانُ وَلا يَأخُذَنَّكُمُ التَّسوِيفُ، وَلا تُلهِيَنَّكُمُ الأَمَانِيُّ البَاطِلَةُ أَو تَخدَعَنَّكُمُ الحِيَلُ الكَاذِبَةُ، فَتُؤَخِّرُوا الحَجَّ كُلَّ عَامٍ إِلى الذي يَلِيهِ، فَإِنَّ أَحَدَكُم لا يَعلَمُ أَينَ هُوَ العَامَ القَادِمَ أَفَوقَ التُّرَابِ أَم تحتَهُ؟! وَتَأَمَّلُوا في حَالِ الأَجدَادِ كَيفَ كَانُوا يحُجُّونَ، وَكَيفَ سَارُوا عَلَى أَقدَامِهِم وَامتَطَوا رَوَاحِلَهُم شُهُورًا وَلَيَاليَ وَأَيَّامًا لِيَصِلُوا إلى البَيتِ العَتِيقِ وَيَقضُوا تَفَثَهُم، وَنحنُ وَللهِ الحَمدُ في نِعمَةٍ لم يَسبِقْ لها مَثِيلٌ، لَكِن مِنَّا مَن يُلَبِّسُ عَلَيهِ الشَّيطَانُ وَيَفتَعِلُ لَهُ الأَعذَارَ.
فيَا مَن لم تحُجُّوا وأنتم قادرون – اتقوا الله، وَبَادِرُوا إِلى أَدَاءِ هَذِهِ الفَرِيضَةِ العَظِيمَةِ وَأَسرِعُوا؛ فَإِنَّ هذه الطاعات ييسرها الله، وَلا يُقعِدَنَّكُمُ الشَّيطَانُ وَلا يَأخُذَنَّكُمُ التَّسوِيفُ، وَلا تُلهِيَنَّكُمُ الأَمَانِيُّ البَاطِلَةُ أَو تَخدَعَنَّكُمُ الحِيَلُ الكَاذِبَةُ، فَتُؤَخِّرُوا الحَجَّ كُلَّ عَامٍ إِلى الذي يَلِيهِ، فَإِنَّ أَحَدَكُم لا يَعلَمُ أَينَ هُوَ العَامَ القَادِمَ أَفَوقَ التُّرَابِ أَم تحتَهُ؟! وَتَأَمَّلُوا في حَالِ الأَجدَادِ كَيفَ كَانُوا يحُجُّونَ، وَكَيفَ سَارُوا عَلَى أَقدَامِهِم وَامتَطَوا رَوَاحِلَهُم شُهُورًا وَلَيَاليَ وَأَيَّامًا لِيَصِلُوا إلى البَيتِ العَتِيقِ وَيَقضُوا تَفَثَهُم، وَنحنُ وَللهِ الحَمدُ في نِعمَةٍ لم يَسبِقْ لها مَثِيلٌ، لَكِن مِنَّا مَن يُلَبِّسُ عَلَيهِ الشَّيطَانُ وَيَفتَعِلُ لَهُ الأَعذَارَ.
عباد الله، إِنَّ فَضلَ الحَجِّ عَظِيمٌ وَأجرُهُ كَبِيرٌ، وَهُوَ يجمَعُ بَينَ العِبَادَةِ البَدَنِيَّةِ وَالمَادِيَّةِ، وَالأَحَادِيثُ في فَضلِهِ وَعَظِيمِ أَجرِهِ وَأَثرِهِ كَثِيرَةٌ، قال – صلى الله عليه وسلم -: (مَن حَجَّ هَذَا البَيتَ فَلَم يَرفُثْ ولم يَفسُقْ رَجَعَ كَيَومِ وَلَدَتهُ أُمُّهُ)، وَسُئِلَ – صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الأَعمَالِ أَفضَلُ؟! قال: (إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ)، قِيلَ: ثم مَاذَا؟! قال: (جِهَادٌ في سَبِيلِ اللهِ)، قِيلَ: ثم مَاذَا؟! قال: ( حج مَبرُورٌ)، السنن الكبير للبيهقي . وقال – عليه الصلاةُ والسلامُ -: (تَابِعُوا بَينَ الحَجِّ وَالعُمرَةِ، فَإِنهما يَنفِيَانِ الفَقرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلَيسَ لِلحَجَّةِ المَبرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الجَنَّةُ)، وقال – صلى الله عليه وسلم -: (مَا مِن يَومٍ أَكثَرَ مِن أَن يُعتِقَ اللهُ فِيهِ عَبدًا مِنَ النَّارِ مِن يَومِ عَرَفَةِ). وَمَعَ هَذَا الأَجرِ العَظِيمِ وَالثَّوابِ الجَزِيلِ فَإِنَّ أَيَّامِ الحَجِّ قَلِيلَةٌ معدودة.
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ البقرة: 197.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم -.وأقول ما سمعتم، وأستغفر الله….
الخطبة الثانية
عباد الله، من عزم على الحج فإنه يجب عليه أن يتفقه في أحكام هذا الحج والطريقة الصحيحة لأداء هذا النسك العظيم، فقد قال – صلى الله عليه وسلم -: (خذوا عني مناسككم ) وعليه أن يتعلم من أهل العلم ويسألهم عما أشكل عليه، حتى يعبد الله على بصيرة.
أيُّهَا الإِخوَةُ الكرام، يسأل البعض عن الحج مع الديون، وربما يكون الفهم الخاطئ يؤخر البعض عن أداء هذه الفريضة، وللبيان فإنها لا تخلُو مِن أَن تَكُونَ دُيُونًا حَالَّةً أَو مُؤَجَّلَةً، فَإِن كَانَت مُؤَجَّلَةً فَلا إِشكَالَ، وَإِنْ كَانَت حَالَّةً وَقَدَرَ عَلَى دَفعِهَا وَعَلَى نَفَقَةِ الحَجِّ لَزِمَهُ أَنْ يحُجَّ، وَإِنْ اجتمع عَلَيهِ الحج والدَّين في وقت واحد وَلم يَستَطِعْهُما مَعًا فَلْيُقَدِّمْ الدَّين الذِي يُطَالَبُ بِهِ، وَلْيُؤَخِّرِ الحَجَّ إِلى أَن يَستَطِيعَهُ؛ وَأَمَّا إِذَا كَانَ عَلَى الإِنسَانِ دَينٌ طَوِيلُ الأَمَدِ، كالأقساط، وَهُوَ وَاثِقٌ مِن أَنَّهُ كُلَّمَا حَلَّ عَلَيهِ قِسطٌ أَوفَاهُ، فَإِنَّهُ في هَذِهِ الحَالِ إِذَا تَوَافَرَ عِندَهُ المَالُ وَقتَ الحَجِّ فَعليه أن يحج فريضته؛ ولا حرج عليه؛ لأن نفقة الحج لا تؤثر على سداد أقساط هذه الديون.
فَاتَّقُوا اللهَ – عِبَادَ اللهِ -، وَاحرِصُوا عَلَى فَرَائِضِهِ، وَتَقَرَّبُوا إِلَيهِ بها، فَإِنَّهَا أَحَبُّ ما يتقرب به العباد إليه سبحانه، وَتَزَوَّدُوا مِنَ النَّوافِلِ وَاستَكثِرُوا مِنهَا يُحبِبْكُمْ وَيُوَفِّقْكُم وَيَجعَلْ لَكُم نُورًا تَمشُونَ بِهِ وَيَغفِرْ لكم، قال -تعالى ذِكرُهُ- في الحَدِيثِ القُدسِيِّ: (وَمَا تَقَرَّبَ إِليَّ عَبدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِليَّ ممَّا افتَرَضتُ عَلَيهِ، وَمَا يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إِليَّ بِالنَّوَافِلِ حتى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحبَبتُهُ كُنتُ سمعَهُ الذِي يَسمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الذِي يُبصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ التي يَبطِشُ بها، وَرِجلَهُ التي يَمشِي بها، وَإِنْ سَأَلَني لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ استَعَاذَني لأُعِيذَنَّهُ)
اللهم يسِّر لحجاج بيتك حجهم…..
وصلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادي شفيعِ الورَى طُرًّا؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن الآلِ والصحابة أجمعين، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بفضلِك يا كريم.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمُشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل بلدنا آمنًا مُطمئنًّا، وسائر بلاد المسلمين.

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم | عنوان الخطبة | معد الخطبة | التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
212 | وَقَفَات مَع النَّفْس بَعْد رَمَضَان 1446هــ | قسم المشاريع | 06 /10/1446هـ الموافق 04/04 /2025م | الأمانة العامة |
الموضوع: “ وَقَفَات مَع النَّفْس بَعْد رَمَضَان “
الحمدُ للهِ الَّذِي منَّ عَلَيْنَا بإدراكِ شهرِ الصيامِ؛ ومتَّعَنا بطاعتِه فِيْه إِلَى أنْ بَلَغَنَا عيدَ الفطرِ وَنَحْن بصحةٍ وسلامٍ؛ وَأَشْهِد أن لا إلَه إلَّا اللَّه وَحَدَّه لا شَرِيك لَه، وأشهدُ أن محمداً عَبْدَه وَرَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَعَلَى آلِه وَأَصْحَابه وَسُلِّم تسليماً كثيراً.
أَمَّا بَعْد:
أَيُّهَا الْإِخْوَة: اتَّقُوا اللَّه حَقّ التَّقْوَى واشكروه عَلَى مَا منَّ بِه عَلَيْكُم مَن الطاعةِ واسألوهُ القبولَ.. وجميلٌ أن نقفَ بَعْد شهرِنا وقفاتٍ تهمُّنا فِي حياتِنا الدنيويةِ والأخرويةِ؛ نخرجُ مَع كلِ واحدةٍ مِنْهَا بعبرةٍ وموعظةٍ.
أولُها: وقفةُ اعتبارٍ لسرعةِ تَقْضِي اللياليَ والأيامَ؛ فَبَعْد مَا كُنّا نرجُو اللهَ وندعُوه بلوغَ الشهرِ وإتمامَه والسعادةَ بالعيدِ، فَإِذ بِنَا نفرحُ بإدراكِهما؛ ثُمّ يَنْصَرِفَان عَنَّا مُودعَين شَاهِدَيْن؛ فهنيئاً لِمَن أودَعَهما الخيرَ. وهكذا الأيامُ بطيئةٌ فِي التَحَرِي سريعةٌ فِي التَّقَضِّي:
وإنا لنفرحُ بالأيامِ نقطعُها _ وكلُ يومٍ مَضَى يُدني مَن الأجلِ
يقولُ الحسنُ -رحمهُ اللهُ-: “مَا مَن يومٍ ينشقُ فجرُه إلَّا وَيُنَادِي يَا ابنَ آدَم: أَنَا خلقٌ جديدٌ؛ وَعَلَى عملِك شهيدٌ فتزوِّدْ مِنِّي فَإِنِّي إِذَا مضيتُ لا أعودُ إِلَى يومِ القيامةِ”. ويقولُ: “يَا ابْن آدَم إِنَّمَا أنتَ أيامٌ؛ كُلما ذهبَ يومٌ ذَهَب بعضُك”.
ويقولُ آخرُ: وما المرءُ إلَّا راكبٌ ظهرَ عُمرِه _ عَلَى سَفرٍ يُفنِيه باليومِ والشهرِ
يبيتُ ويُضحي كلَّ يومٍ وليلةٍ _ بعيداً عَن الدُّنْيَا قريباً مَن القبرِ
الثَّانِيَة: لنعلمْ أن أَعْرَاضَ الْفُتُورِ وَالتَّثَاقُلِ عَنِ الطَّاعَاتِ بَعْدَ رَمَضَانَ تُصِيبُ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ، وَبَعْضُهُمْ قَدْ يَنْصَرِفُ لِلْمَعَاصِي مِنْ ضِيقِ مَا يَجِدُ مِنِ انْصِرَافِهِ عَنِ الطَّاعَاتِ.
وَمَنْ أَرَادَ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ بَعْدَ رَمَضَانَ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَضْبِطَ نَفْسَهُ بَعْدَ رَمَضَانَ؛ فَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَلْيُبَكِّرْ إِلَى المَسْجِدِ فِي كُلِّ فَرِيضَةٍ، وَلَا يَتْرُكُ فِيهِ السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ وَالْوِتْرَ وَسُنَّةَ الضُّحَى، وَلَا يَهْجُرِ الْقُرْآنَ، بَلْ يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ مَا تَيَسَّرَ، وَيَمْتَنِعُ عَما كانَ يمتنعُ عنهُ لحُرمَتِه وحُرمةِ شهرِ رمضانَ حَتَّى يُجَاوِزَ أَيَّامَ الْفُتُورِ، وسيجِدُ بَعْد ذلكَ نفسَه -إنْ شاءَ اللهُ- نَشِيطًا فِي الطَّاعَةِ كَمَا كَانَ فِي رَمَضَانَ.
الثالثةُ: اعْلَمُوا -رَحِمَنِي اللهُ وإياكم- أن أبوابَ الخيرِ مشرعةٌ ووسائلَه مُتاحةٌ، لَم ولنْ تغلقَ مَا لَم تُغرغرْ مِنَّا الروحُ، أَو تخرجُ الشَمسُ مَن مغربِها، مَن ذَلِك قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ، فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ”(رَوَاه أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَصَحِّحْه الألباني).
واعلم أن دَقيقةَ صمتٍ تمضِيها يمكنُك أن تغرسَ فِيهَا ستونَ نخلةً فِي قيعانِ الجنةِ، قَالَ النَّبِيِّ ﷺ: “مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ”(رَوَاه التِّرْمِذِيّ عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَصَحِّحْه الألباني).
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلامَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ“(رَوَاه التِّرْمِذِيّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَحُسْنِه الألباني).
أَيُّهَا الْإِخْوَة: مَن فَضْل اللَّه عَلَيْنَا أَنَّه لَم يَجْعَل لِمَغْفِرَة مَا تقدَّم مَن الذُّنُوب وقتًا أَو مكانًا معينًا، بَل جَعَل -سُبْحَانَه – سُبُل الْمَغْفِرَة مُتَعَدِّدَة ومتنوعة، فمثلًا فِي دقيقتينِ ونصفٍ يمكنُك أنْ تَعملَ عملاً وَعَدَ رسولُ اللهِ ﷺ عليهِ مغْفرةَ ذنوبِك وَإِنّ كَانَت مثلَ زبدِ البحرِ؛ فَقَالَ: “مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ“(رَوَاه التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَصَحِّحْه الألباني).
وَمن ذَلِك قَولُهُ ﷺ بَعْد مَا تَوَضَّأَ: “مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” (رَوَاه الْبُخَارِيّ عَن عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).
وُفِّي رِوَايَة: “مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ هَذَا الوُضُوءِ، ثُمَّ أَتَى المَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”؛ ثُمّ قَالَ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: وقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “لاَ تَغْتَرُّوا”؛ أَي بِهَذِه الْمَغْفِرَة وتعتمدوا عَلَيْهَا فتجسروا عَلَى الذُّنُوب.
وَمِنْ ذَلِكَ قَولُهُ ﷺ: “إِذَا قَالَ الإِمَامُ: (غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”(رَوَاه الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).
وَقَولُهُ ﷺ: “إِذَا قَالَ الإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلاَئِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” (رَوَاه الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).
وَعَلَيْه، فمَن وُفِّق لِصَلَاة الْجَمَاعَة يومًا كاملاً يُدْرَك الصَّلَاة كَامِلَة تَحْصُل لَه مَغْفِرَة مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ إحْدَى وَعُشْرَيْن مَرَّة، فَيَا لَه مَن فَضْل فرَّط بَعْضُنَا فِيْه.
وَمِنْ ذَلِكَ قَولُهُ ﷺ: “مَنْ قَالَ: حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا؛ غُفِرَ لَهُ” (رَوَاه أَبُو دَاوُد عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَصَحِّحْه الألباني).
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: حَضَرَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ الْمَوْتُ، فَقَالَ: إِنِّي مُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا مَا أُحَدِّثُكُمُوهُ إِلَّا احْتِسَابًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: “إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ لَمْ يَرْفَعْ قَدَمَهُ الْيُمْنَى إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَهُ حَسَنَةً، وَلَمْ يَضَعْ قَدَمَهُ الْيُسْرَى إِلَّا حَطَّ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ – عَنْهُ سَيِّئَةً فَلْيُقَرِّبْ أَحَدُكُمْ أَوْ لِيُبَعِّدْ، فَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ، فَصَلَّى فِي جَمَاعَةٍ غُفِرَ لَهُ، فَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّوْا بَعْضًا وَبَقِيَ بَعْضٌ صَلَّى مَا أَدْرَكَ وَأَتَمَّ مَا بَقِيَ؛ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّوْا فَأَتَمَّ الصَّلَاةَ كَانَ كَذَلِكَ” (رَوَاه أَبُو دَاوُد وَصَحِّحْه الألباني).
وَمِنْ ذَلِكَ قَولُهُ ﷺ: “مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ” (رَوَاه أَبُو دَاوُد عَن زَيْدٍ مَوْلَى النَّبِيِّ ﷺ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَصَحِّحْه الألباني).
ومثلُ هَذِه الفُرصُ الذهبيةُ كثيرةٌ حريُ بالمؤمنِ أَلَا يُفوّتَها؛ فاجتهدِوا -وَفَّقَنِي اللهُ وإياكم- باستثمارِها؛ فالعمرُ قصيرٌ. باركَ اللهُ لِي وَلِكَم فِي القرآنِ العظيمِ…
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِ الْعَالَمِين، وأشهدُ أَلَا إلهَ الا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَه إلَه الْأَوَّلَيْن وَالْآخِرِين، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه سَيِّد الْمُرْسَلِين صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَعَلَى آلِه وَصَحِبَه أَجْمَعِين.
يَقُوْل اللَّه -تَعَالَى -: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ الْبَقَرَة :281.
أَمَّا بَعْد:
أَيُّهَا الْإِخْوَة: الْوَقْفَة الرابعةُ: وَنَحْن نودعُ شهرَ الصيامِ والقيامِ الَّذِي حافظَ فِيه كثيرٌ مِنَّا عَلَى صلاةِ الوترِ مَع صلاةِ التراويحِ أَو القيامِ، وَهَذَا توفيقٌ مِنَ اللهِ -تَعَالَى -؛ جديرٌ بِنَا أَلَا نتركَ الوترَ بعدَهُ؛ وأقلُه ركعةٌ وَهْو سنةٌ مؤكدةٌ جداً.
فعَنْ عَلِيِّ بن أَبِي طَالِب t قَالَ: الْوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ كَصَلاتِكُمْ الْمَكْتُوبَةِ؛ وَلَكِنْ سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَقَالَ: “إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ” (رَوَاه أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَاللَّفْظ لَه وَصَحِّحْه الألباني).
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “مَنْ خَافَ أَنْ لا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ؛ وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنَّ صَلاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ” (رَوَاه مُسْلِم عَنْ جَابِرِ بن عبد الله -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-).
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “ثَلَاثُ آيَاتٍ يَقْرَأُ بِهِنَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثِ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ” (رَوَاه مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ t قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي ﷺ بِثَلَاثٍ لَا أَدَعُهُنَّ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ حَتَّى أَمُوتَ “أَوْصَانِي بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى فَإِنَّهَا صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ” (الْجَامِع الصَّحِيح لِلسُّنَن وَالْمَسَانِيد 27/ 97)، وَمَنّ فاتَه الوترُ لنسيانٍ أَو انشغالٍ سُنَّ لهُ أنْ يقضيَهُ مَن الغدِ، وَلَكِن شِفعاً.
أسألُ اللهَ – تَعَالَى – أنْ يُصلحَ أَحوالَنا ويُفقّهَنا فِي دِيننا..
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا
الَّلهُمَّ وفِّقنا جَميعاً لِما تُحبُّ وَتَرْضَى، وزيِّنا بِزِينَة الْإِيمَان والتقوى، وَاجْعَلْنَا هُدَاة مُهْتَدِين، واغفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا والمُسلمينَ أجمعينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَال الْمُسْلِمِين فِي كُلِّ مَكَانٍ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَاحِمِينَ
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاَةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلاَيَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين.

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم | عنوان الخطبة | معد الخطبة | التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
211 | عيد الفطر 1446هـ | الشيخ صلاح البدير– خطيب المسجد النبوي | 01 /10 /1446هـ الموافق 30/03 /2025م | الأمانة العامة |
الموضوع: ” خطبة عيد الفطر 1446هــ ”
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا…
الحمد لله الذي أنزلَنا ربيعَ فضلِه الخصيب، وأحلَّنا في ربوة كرمه الرحيب، وأكرَمَنا بالعيش المغدِق الناعم الرطيب، وجعَل الأعياد مربحًا للعبد التوَّاب الأوَّاب الثوَّاب المنيب، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، إليه أدعو وإليه أنيب، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله، ذو النَّسَب النسيب والحَسَب الحسيب، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاة ننال بها أجزلَ الأجر وأعظم النصيب.
أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله فإن الأمس مَثَل واليوم عَمَل، وغدا أَمَل، ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا﴾ الْمُزَّمِّلِ: 20
أيها المسلمون: لقد أظلَّكم عيدُ الفطر السعيد، الذي شامت بروقُه، وعلاكم شروقُه، ها هو العيد وقد نثَر في أرجائكم عبقَه الفوَّاح، ونشَر فيكم ضياءه الوضَّاح، وانبلج بأريجه نورُ الصباح، عيد أزهر بالمسرَّة والأفراح، وأسفَر بنسائم السَّكِينة والانشراح، عيد احلولى زمانُه ومكانُه، واعلولى محلُّه وميدانه، واعذوذب اسمُه وعنوانُه، فهنيئًا لكم يوم العيد السعيد، هنيئا لكم يوم الفطر المجيد.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: طوبى لكم يوم أكملتُم عدةَ شهركم، وأخرجتُم زكاةَ فطركم، وجلجلتُم بالتكبير لربكم، والتكبيرُ أبلغُ لفظ في معاني التعظيم، فعَظِّموا خالِقَكم حقَّ عظمته، وخافوا من بأسه ونقمته، ولا تغفلوا عن شكر فضله ونعمته، وانقادوا لأمره ونهيه، ولا تعارضوهما بترخُّصٍ جافٍ أو تشديد غالٍ أو علة تُوهِن صدقَ الانقياد، وعظِّموه ونزِّهوه، عما يقول ويفعل عَبَدةُ الأوثانِ والمشركون، ولا تخففوا صحائفكم بالبدع والمحدَثات، ولا تُفسِدوا دينَكم بالذهاب إلى السحرة والكهان، والدجالين والمشعوِذِينَ الذين يدَّعون علمَ المغيَّبات، وكَشْف المضمَرات، ولا تخدشوا إيمانَكم بتعليق الخيوط والحروز، والتمائم وسائر المعلَّقات، التي لا تجلب مالًا، ولا تدفع وبالًا، ولا تحمي عيالًا، ولا تُحبِطوا أعمالَكم بعبادة الرِّمم البالية، والعظام النَّخِرة، ولا تطوفوا بقبر، ولا تذبحوا عند قبر، ولا تستغيثوا بقبر كما يفعله عباد القبور والأوثان، ومن صان عقيدتَه وتوحيدَه لربه فقد استشعر معنى التكبير، وقام بواجب التعظيم للرب العظيم.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: إذا أشرَق العيدُ تهلَّلت الوجوهُ فرحًا وأشرقت، وتلألأت واستهلت، واستبشرت واستنارت، والفَرَح بالعيد سُنَّة المسلمين، وشعيرة من شعائر الدين، شرع في العيد إشهار السرور والأفراح، لا إشهار الحزن والنُّوَاح، ولا تذكُّر الأوجاع ونَكْث الجراح.
فأعلِنوا الأفراحَ وأظهِروها، وانشروا السعادةَ وعمموها، وبدِّدوا غيمةَ الأحزان، وروِّحُوا الأبدانَ، وأدخلوا السرورَ على الأهل والأقارب والجيران، وانفحوا بالمال نفحًا، وابسطوا اليدينِ إعطاءً ومَنْحًا، ووسِّعوا على العيال وأسعِدوا الأطفالَ، وجودوا بالتبسُّم وبَسْط الوجه، عن عمر بن الخطاب قال: سئل رسول الله ﷺ: “أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: إدخالُكَ السرورَ على مؤمن، أشبعتَ جوعتَه، أو كسوتَ عورتَه، أو قضيتَ له حاجةً” (رواه الطبراني في الأوسط).
فطوبى لكل منَّاح فيَّاح، ولكل رؤوف عطَّاف، يحنو على الفقراء والمساكين، ويُدخِل الفرحَ في قلوب اليتامى والمحرومين والمنكوبين، ويُشفِق على الأيامى والأرامل والمقطوعين، ويحدُب على الضعفاء والمكروبينَ، ويواسي المستضعفينَ والمشردينَ، وإدخال السرور على الوالدين وبرهما وإزالة ما يحزنهما ألزم وأوجب.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: عاد العيد لتعود جداول الحب وسواقيه، وتفيض مسايل الوُدِّ ومجاريه، فتطهر القلوب من أوضار الحقد والشحناء، وتغسلها من أدران الكراهية والبغضاء، عاد العيد لتنتشل نفحتُه كلَّ كئيب، وتسلِّي فرحتُه كلَّ مكلوم، وتواسِي بهجتُه كلَّ مهموم، جاء العيد ليغسل وجوهًا ارتسم الحزنُ على قسماتها، وخيَّم الأسى في ساحتها، وتسلَّل اليأسُ إلى باحتها، اللهف لا يرد فَوَاتًا، والتحسُّر لا يُحيي مواتًا.
فاستثِمروا العيد في علاج القلوب الكسيرة، ومداواة النفوس الحسيرة، وزورا المرضى والزَّمْنى والمكلومين، وأَعِيدُوا البسمةَ لمن فقدها، والفرحة لمن أضاعها.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: التهنئة بالعيد تزيد المودةَ وتوثِّق المحبةَ، والمصافحة تفتح جسورَ التعارف والألفة، فاجعلوا تصافُحَ الكفوف عنوان صفاء القلوب وسلامة الصدور، واصفحوا عمن زلَّ وأخطأ، واعفوا عمَّن ظلَم وأساء، وجُودوا بالمودة وبوحوا بالمحبة، وعبِّقوا عيدَكم برائحة العفو الزكية الذكية، وأعلِنُوا العفو وأظهِرُوه حتى يفوح عبيرُه ويطيب نميرُه، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيُعرِض هذا ويُعرِض هذا، وخيرُهما الذي يبدأ بالسلام، وأيُّ عيد للقلوب المتهاجرة، وأي بهجة للنفوس المتناحرة، وأي فرح للأيدي المتشاجرة، العيد مَيدانٌ للسلام والتآلُف، عيد تتآلَف فيه القلوبُ وتجتمع فيه الكلمةُ ويلتئم فيه الصدعُ، ويَخْزى فيه الشيطانُ، لا عيد لنفوس يقودها الكبرُ والغرورُ والظلمُ، ولا عيد لمن اغتسل غسل العيد ولم يغتسل من أدران الشحناء والبغضاء والعداوات، ولا عيد لمن لبس ثيابَ الأعياد على أدران الأحقاد.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه، إنه كان للأوابين غفورا.
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الحمد لله على سوابق نعمائه، وسوالف آلائه، أحمده أبلغَ الحمد وأكملَه وأتمَّه وأشملَه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاةً متضاعِفةً دائمةً إلى يوم الدين.
أما بعد فيا إخوة الإسلام: احذروا ركوب المعاصي، والانبعاث فيها والعَبَّ منها، والتساهل في خرق سياج الآداب، والتعدي على حمى الشريعة والدين، وتباعَدُوا عن المحرَّمات، واحذروا مقاربتها ومباشرتها، ولا تخالِطوا أسبابَها ودواعِيَها، شكرًا لله منكم على سوابغ إحسانه، وعظيم امتنانه، وأحسِنُوا جوارَ النِّعَم، تحفظوا النِّعَمَ الموجودة، وتجلبوا النعمَ المفقودةَ، وتستديموا عطاءَ الله وكرمَه وجودَه، فما أدبرت نعمةٌ بعدما أقبلت، ولا رُفِعت مِنَّة بعدما نزلت، ولا سُلِبَتْ كرامةٌ بعدما مُنِحَتْ إلا لعطايا لم تُشكَرْ، أو لخطايا تُظْهَر وتُشْهَر، والنعم إذا شُكِرَتْ قرَّت، وإذا كُفِرَتْ فرَّت، فادلفوا إلى باب التوبة والإنابة، واقطعوا حبائلَ التسويف، وامحوا سوابقَ العصيان بلواحق الإحسان، وحافِظُوا على الصلوات الخمس المفروضة حيث ينادَى بهن، ولا تتخلفوا عن الجماعة إلا مِنْ عُذرٍ، وأدوا زكاة أموالكم، وبادِرُوا بالحج ما استعطتُم،
أيها المسلمون: صِلُوا مَنْ قطَعَكم، وأعطُوا مَنْ حَرَمَكُمْ، واعفوا عمَّن ظلَمَكم، فليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمُه وصَلَها، ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، ولا تتعاملوا بصفقات الربا الخاسرة، وزياداته الظالمة، ومضاعَفاته الفاحشة، واحذروا جحدَ الحقوق، والتلاعب بأثمان السلع، والغش والنش والتطفيف في المكاييل والموازين، واحذروا أموال اليتامى والأوقاف والوصايا، لا تأكلوها ظلما وعدوانا، وأحسِنوا إلى نسائكم، وزوجاتكم، وأبنائكم، وبناتكم، وقوموا بالنفقة الشرعية اللازمة، وعاملوهم باللطف والعطف والمحبة والشفقة والرحمة، وصونوا ألسنتكم، واحفظوا فروجكم، وطهِّروا قلوبَكم من الغل والحقد والحسد والكراهية والبغضاء، وإياكم ومجالسَ الفسوق والفجور، واحذروا الخصومات والمشاحَنات، واقبلوا المعذرة، وأَقِيلُوا العثرةَ، ولا تقاطَعُوا، ولا تدابَرُوا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عبادَ الله إخوانا.
أيها المسلمون: هذا يوم التسامُح والتصافُح والتصالُح، فتراحموا وتلاحموا، وتسامحوا، وتصافحوا وتصالحوا حتى يكون فرحكم أفراحًا، وعيدكم أعيادًا.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: إن ضيفَكم قد رحَل، ورمضان قد أفَل، ولا منتهى من صالح العمل، فلا تغلقوا مصحفًا، ولا تمنعوا رغيفًا، ولا تحرموا لهيفًا، ولا تقطعوا إحسانًا، ولا تهجروا صيامًا، ولا تتركوا قيامًا، فما أحسنَ الإحسانَ يتبعه الإحسانُ، وما أقبح العصيانَ بعد الإحسانِ، ومَنْ صام رمضانَ ثم أتبَعَه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر، ومن لم يُخرِجْ زكاةَ الفطر فليبادِرْ إلى إخراجها فورًا، ومن أتى منكم من طريق فليرجع من طريق أخرى إن تيسَّر له ذلك؛ اقتداءً بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمات: اتقين الله ولا تبرجن ترج الجاهية الأولى، أسترن زيتكن ولا تفتتن المؤمنين، ولا تكفرن العشير وأكثرن الصدقات وأقمن الصلاة وأطعن أزواجكن.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
بشراكم يا من قمتُم وصمتُم، بشراكم يا من تصدقتُم واجتهدتُم، فقد ذهَب التعبُ، وزال النَّصَبُ، وثبَت الأجرُ إن شاء الله -تعالى-، تقبَّل اللهُ صيامكم وقيامَكم، وأعاد اللهُ عليكم هذه الأيامَ المباركةَ أعوامًا عديدةً وأزمنةً مديدةً، ونحن في صحة وعافية وحياة سعيدة، اللهم تقبَّل مساعينا وزكِّها، وارفع درجاتنا وأَعْلِهَا، اللهم أعطِنا من الآمال منتهاها، ومن الخيرات أقصاها، اللهم تقبَّلْ صيامَنا وقيامَنا ودعاءنا يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، وأدم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها وعِزَّها واستقرارَها وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم | عنوان الخطبة | معد الخطبة | التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
210 | زكاة الفطر وآداب العيد | الشيخ صلاح البدير– خطيب المسجد النبوي | 28 /09 /1446هـ الموافق 28/03 /2025م | الأمانة العامة |
الموضوع: ” زكاة الفطر وآداب العيد ”
الحمد لله العظيم المنَّان، أحمدُه وما أقضِي بالحمد حقًّا، وأشكرُه ولم يزَل للشكر مُستحقًّا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المالك للرقاب كلِّها رِقًّا، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسوله أشرف الخلائق خُلُقًا وخَلقًا، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين حازُوا الفضائلَ سبقًا، وسلَّم تسليمًا
أما بعد، فيا أيها المسلمون: اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران102.
أيها المسلمون: هذا رمضان قد دنا رحيلُه، وأزِف تحويلُه؛ فهنيئًا لمن زكَت فيه نفسُه، ورقَّ فيه قلبُه، وتهذَّبَت فيه أخلاقُه، وعظُمت للخير فيه رغبتُه.
هنيئًا لمن كان رمضان عنوانَ توبته، وساعةَ إيابه وعودتِه، ولحظة رجوعه واستقامته .. هنيئًا لمن غُفرت فيه زلَّتُه، وأُقيلت فيه عثرتُه، ومُحِيَت عنه خطيئتُه، وعفا عنه العفوُّ الكريمُ، وصفَحَ عنه الغفورُ الرحيم.
يا من قُمتم وصُمتم! بُشراكم رحمةٌ ورِضوان، وعِتقٌ وغفران؛ فربُّكم رحيمٌ كريمٌ جوادٌ عظيمٌ، لا يُضيعُ أجرَ من أحسن عملًا. فأحسِنوا به الظنَّ، واحمَدُوه على بلوغ الختام، وسَلُوه قبولَ الصيام والقيام.
وراقِبُوه بأداء حقوقه، واستقيموا على عبادته، واستمرُّوا على طاعته؛ فشهرُكم قد ودَّعَ وحانَ الفراق، فشهرُكم قد ودَّعَ وحانَ الفراق.
فيا شهر البركة غيرَ مودَّعٍ سنودِّعُك، وغير مقليٍّ سنُفارِقُك .. ولا ندري أتعود علينا؟ أم تخترِمُنا المنونُ فلا تعودُ علينا؟!
أيها المسلمون: ومن لطيف حكمة الله – عز وجل – وتمام رحمته، وكمال علمه وجميل عفوه وإحسانه: أن شرعَ زكاة الفطر عند تمام عدَّة الصيام؛ طُهرةً للصائم من الرَّفَث واللَّغو والمآثِم، وجبرًا لما نقَصَ من صومه، وطُعمةً للمساكين، ومُواساةً للفقراء، ومعونةً لذوي الحاجات، وشُكرًا لله على بلوغ ختامِ الشهر الكريم.
فعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: (فرضَ رسول الله ﷺ زكاةَ الفطر؛ طُهرةً للصائم من اللَّغو والرَّفَث، وطُعمةً للمساكين. من أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقةٌ من الصدقات)؛ أخرجه أبو داود وابن ماجه.
وتلزمُ الإنسانَ عن نفسه وعن كل من تجِبُ عليه نفقتُه، ومِقدارُها عن كل شخص صاعٌ من بُرٍّ أو شعيرٍ، أو تمرٍ أو زبيبٍ، أو أقِط، أو مما يقتاتُه الناس؛ كالأرز والدُّخلِ والذرة.
فعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: (فرضَ رسول الله ﷺ زكاةَ الفِطر صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ، على العبدِ والحُرِّ، والذكَر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر أن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة)؛ متفق عليه.
ومن أراد صاعًا وافيًا وكيلًا ضافيًا فليجعَله ثلاثة كيلو، ويُستحبُّ إخراجها عن الجنين وهو الحمل؛ لفعل عثمان – رضي الله عنه – ولا يجب.
ويبدأ وقتها من غروب شمس آخر يومٍ من رمضان، وينتهي بصلاة العيد، ويجوزُ إخراجُها قبل ذلك بيومٍ أو يومين، والأفضلُ أن تُخرَج يوم العيد قبل أن يخرُجَ إلى صلاة العيد – إن أمكنَه ذلك -، ومن أخَّرها عن وقتها عامدًا أثِمَ وعليه التوبة وإخراجُها فورًا، وإن كان ناسيًا فلا إثمَ عليه ويُخرِجُها متى ذَكَر.
وتُعطَى فقراء المسلمين في بلد مُخرِجِها، ويجوز نقلُها إلى فقراء بلدٍ أخرى أهلها أشدُّ حاجة، ولا تُدفَع لكافر، ولا حرجَ في إعطاء الفقير الواحد فِطرَتَين أو أكثر، وليس لزكاة الفطر دعاءٌ مُعيَّن أو ذكرٌ مُعيَّن يُقالُ عليها.
ومن لم يكن لديه صاعٌ يوم العيد وليلته زائدٌ عن قُوته وقُوت عياله وضروراته وحاجاته الأصلية لم تجِب عليه زكاة الفطر؛ لقوله ﷺ: (لا صدقةَ إلا عن ظهر غنًى)؛ متفق عليه.
وإذا أخذ الفقير زكاةَ الفِطر من غيره وفضَلَ عنده منها صاعٌ وجَبَ عليه إخراجُه عن نفسه، فإن فضَلَ عنده منها عدةُ آصُع أخرجَها عمَّن يمونُ، وقدَّم الأقرب فالأقرب.
فطِيبُوا بها نفسًا، وأخرِجُوها كاملةً غير منقوصة، واختارُوا أطيَبَها وأنفَعَها للفقراء.
ولقد أصدر لجنة الإفتاء لاتحاد علماء إفريقيا بجواز إخراج زكاة الفطر نقدا لأن الحكم يدور مع العلة. رائيس لجنة الإفتاء والإرشاد
ويُشرعُ التكبير ليلةَ عيد الفطر وصباح يومها إلى انتهاء خطبة العيد؛ تعظيمًا لله سبحانه، وشُكرًا له على هدايته وتوفيقه، قال جل وعلا: ﴿وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ البقرة 185. قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: (حقٌّ على المسلمين إذا رأَوا هلال شوال أن يُكبِّروا).
فاجهَروا بالتكبير من غُروب الشمس ليلة العيد إلى صلاةِ العيد في مساجِدِكم وأسواقكم، ومنازِلكم وطُرقِكم، مُسافِرين كنتم أو مُقيمين، وأظهِرُوا هذه الشعيرة العظيمة، ولتُكبِّر النساءُ سرًّا، وليَقصُر أهلُ الغفلة عن آلات الطَّرَب والموسيقى والأغاني المحرمة الماجنة، ولا يُكدِّروا هذه الأوقات الشريفة بمزامِر الشياطين وكلامِ الفاسقين.
أقولُ ما تسمعون وأستغفِرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفِرُوه إنه كان للأوابين غفورًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الهادِي من استَهداه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنَا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وخليلُه ومُرتضَاه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه ومن استنَّ بسُنَّته واهتدَى بهُداه.
أما بعد:
أيها المسلمون: صلاةُ العيد من أعلام الدين الظاهرة وشعائره العظيمة، فاخرُجُوا إليها مُتطهِّرين مُتجمِّلين مُتزيِّنين لابِسِين أحسنَ ثيابكم، حتى المُعتَكِف يخرُجُ إلى صلاةِ العيد في أحسن ثيابه، وليس من السنة خروجُه في ثيابِ اعتكافه.
ويخرُجُ النساء إلى صلاة العيد حتى الحُيَّض، يشهَدن بركةَ ذلك اليوم وطُهرتَه والخيرَ ودعوة المسلمين، ويخرُجن مُتستِّراتٍ مُحتشِماتٍ، غيرَ مُتطيِّباتٍ ولا مُتبرِّجات، ولا يلبَسنَ ثوبَ فتنةٍ ولا زينةٍ.
قال ﷺ: (لا تمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله، وليَخرُجن تَفِلاتٍ) – يعني: غير مُتطيِّبات -؛ أخرجه أبو داود.
ويُسنُّ لمن فاتَته صلاةُ العيد أو بعضُها قضاؤها على صفتها، ويُسنُّ الأكل يوم الفِطرِ قبل الخروج لصلاة العيد؛ فعن أنسٍ – رضي الله عنه – قال:
(كان رسول الله ﷺ لا يغدُو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكُلُهنَّ وِترًا)؛ أخرجه البخاري.
وصلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادي شفيعِ الورَى طُرًّا؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن الآلِ والصحابة أجمعين، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بفضلِك يا كريم.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمُشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل بلدنا آمنًا مُطمئنًّا، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وارحم موتانا، وفُكَّ أسرانا، وانصُرنا على من عادانا.
اللهم كُن للمُستضعَفين من المسلمين يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعل دعاءَنا مسموعًا، ونداءَنا مرفوعًا يا كريمُ يا عظيمُ يا رحيمُ.

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم | عنوان الخطبة | معد الخطبة | التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
209 | فضل ليلة القدر | الشيخ عبد الرزاق عبد المحسن البدر | 21 /09 /1446هـ الموافق 21/03 /2025م | الأمانة العامة |
الموضوع: ” فضل ليلة القدر ”
الحمد لله العزيز الغفَّار، يخلق ما يشاء ويختار، أحمده -سبحانه وتعالى- على نِعَمِهِ الغِزار، وعطاياه الكثار، وفضله المدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المختار، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الأخيار، وصحابته الأبرار.
أما بعد: معاشر المؤمنين عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، ومراقبته في السر والعلن، والغيب والشهادة، ثم اعلموا -رحمكم الله- أن الله -عز وجل- متفرِّد بالخلق والاصطفاء والاختيار، كما قال الله -عز وجل: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ﴾ القصص:68 ، فهو -جل وعلا- يتصرف في هذا الكون ويدبر شؤونه كما شاء عن حكمة بالغة، ونعمة سابغة، وهو -جل وعلا- يصطفي من خلقه ما شاء من الأمكنة والأشخاص والأزمنة فيختصها بمزيد فضله، وواسع إنعامه، وجزيل مَنِّه، فلله الأمر من قبل ومن بعد.
عباد الله: وإن مما خصَّ الله -عز وجل- بوافر الفضل، وجزيل الإكرام، وعظيم البركة، ليلةً واحدة تمر مرة في العام، وهي في شهر رمضانَ المبارك، ليلة واحدة عظَّم الله أمرها، وأعلى شأنها، ورفع مكانتها، وخصّها بعظيم فضله، وجزيل بركته، إنها -عباد الله- ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر؟ إنها ليلة عظيمة خُصّت بخصائص عظيمة، وميزات كريمة، لم تكن لغيرها من الليالي.
إن -عباد الله- ليلة القدر لها شأن عظيم عند الله، ولها مكانة كبيرة في نفوس المسلمين، ومن فضائل هذه الليلة المباركة أن الله -عز وجل- اختصها بأن جعلها وقت نزول كلامه العظيم، وذكره الحكيم، فأنزل -عز وجل- كتابه العزيز في ليلة القدر، قال الله -عز وجل ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرَاً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ الدخان:3–6.
ويقول الله – تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ سورة القدر
ومن عظيم مكانة هذه الليلة -عباد الله- أن الله -عز وجل- جعلها ليلة مباركة، كما قال –سبحانه -: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ ، وبركة هذه الليلة بركة في الوقت، وبركة في العمل، وبركة في الثواب والجزاء عند الله -عز وجل-.
ومن بركة هذه الليلة وعظيم مكانتها عند الله أن جعلها خيرا من ألف شهر، أي خيرا من أكثر من ثلاث وثمانين سنة! ليلة واحدة -عباد الله- العمل فيها يفضل العمل على أكثر من ثلاث وثمانين عاما! فما أعظم بركتها! وما أوفر مكانتها! وما أعظم ثواب الله -عز وجل- فيها! ليلة واحدة خير من ألف شهر، أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. فما أعظمَ هذه الليلة -عباد الله-!.
ومن فضائلها أن الملائكة تتنزل فيها، وفيهم جبريل، يتنزلون بالخير والرحمة والبركة، فهم ملائكة رحمة يتنزلون بالخير والبركة: (﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾ القدر:4.
ومن شأن هذه الليلة وبركتها -عباد الله- أنها سلام حتى مطلع الفجر، فهي ليلة سالمة لا شر فيها؛ بل كلها خير ونعمة وفضل وبركة.
ومن شأن هذه الليلة -عباد الله- أنه يفرق فيها كل أمر حكيم، أي يكتب فيها -عباد الله- ما هو كائن من أعمال العباد إلى ليلة القدر الأخرى، والمراد بالكتابة هنا الكتابة السنوية، أما الكتابة العامة التي كانت في اللوح المحفوظ فهي إنما كانت قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة كما صحَّ بذلك الحديث عن رسول الله – ﷺ -.
ومن فضائل هذه الليلة -عباد الله- ما ثبت عن نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”.
فهي ليلة -عباد الله- عظيم شأنها، رفيعة مكانتها، عال قدرها، كثيرة خيراتها وبركاتها، والواجب علينا معاشر المؤمنين -عباد الله- أن نَقْدُر لهذه الليلة قدرها، وأن نعرف لها مكانتها وفضلها وبركتها، وأن نجتهد في تحري خيرها وبركتها بالجد والاجتهاد في العبادة، والإقبال على العبادة والطاعة.
لقد كان -عليه الصلاة والسلام- يستحثّ أمته، ويستنهض عزائمهم لتحري بركة هذه الليلة وخيراتها الموفورة، وبركاتها العظيمة؛ فالواجب علينا أن نتحرّى هذه الليلة المباركة بالجدّ والاجتهاد في الطاعة، والإقبال على العبادة، والنصح لأنفسنا بالتقرب إلى الله -عز وجل-.
ما أعظمَها خسارة أن تمر هذه الليلة مضيَّعة مهملة مفرَّطا في ما فيها من خير أو بركة! ما أعظمها من خسارة -عباد الله- أن تمر هذه الليلة على المسلم ولا شأنَ لها عنده ولا مكانة لها في قلبه فيُحرم من خيرها وبركتها! ما أعظمها من خسارة -عباد الله- أن تمر هذه الليلة والمرء مستمر في غيِّه، سادر في لهوه، مداوم على تفريطه وإضاعته!.
عباد الله: إذا لم تتحرَّك القلوب إقبالا على الله -عز وجل- في مثل هذا الوقت المبارك، والموسم العظيم، فمتى عساها تتحرك؟ إذا لم تُنب إلى الله وتتب إليه في مثل هذه الأيام فمتى تكون الإنابة ومتى تكون التوبة؟.
إنَّ الواجب علينا -عباد الله- أن نقبل على الله -عز وجل- إقبالا صادقا، تائبين إليه من ذنوبنا، سائليه -سبحانه- العافية، راجين رحمته، طامعين في فضله وعظيم ثوابه.
عباد الله: وإن مما ينبغي أن نهتم به في هذه الليلة ليلة القدر الإكثار من الدعاء، ولا سيما ذلكم الدعاء العظيم الذي علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، ففي الترمذي أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله، أرأيت إنْ علمتُ ليلة القدر أي ليلة هي، فماذا أقول؟ قال: “قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”.
ما أعظمها -عباد الله- من دعوة مباركة! وما أجملها في ليلة القدر المباركة! وهذه الدعوة -عباد الله- مناسبة لليلة القدر غاية المناسبة؛ لأن ليلة القدر -كما تقدم معنا- ﴿ فِيهَا يُفرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ أي: يكتب فيها ما هو كائن إلى ليلة القدر الأخرى، فما أجمل أن يُقبل العبد في ليلة الكتابة على الله -عز وجل- يسألها العافية! ومَن أعطي العافية في هذه الليلة فقد أعطي الخير كلَّه.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، اللهم إنك عفو تحبُّ العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، يا واسع المنّ، يا عظيم العطاء، نسألك يا حي يا قيوم أن تبلِّغنا ليلة القدر، وأن تعيننا على تحصيل أعظم الثواب، وأجزل الأجر، وأن لا تجعلنا من عبادك المحرومين يا ذا الجلال والإكرام.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صَلَّى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: معاشر المؤمنينَ عباد الله، اتقوا الله تعالى فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
ثم اعلموا -رحمكم الله- أننا نعيش هذه الليالي والأيام أزمنة فاضلة، وأوقاتا شريفة مباركة، وقد كان النبي – ﷺ – يجتهد في هذه العشر في الطاعة والعبادة والتقرب إلى الله بأنواع القربات ما لا يجتهده في غيرها؛ ففي صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في هذه العشر ما لا يجتهد في غيرها.
وثبت في الصحيحين عنها، رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله – ﷺ – إذا دخلت العشر شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأحيا ليلَهُ، وأيقظ أهله.
فهي -عباد الله- أوقات جد واجتهاد، وبذل وعطاء، وإقبال على عبادة الله، تلاوة لكتابه، وذكرا له -جل وعلا-، وقياما له بالصلاة، وتقرّبا إليه بأنواع القربات، وصنوف الطّاعات.
إنه -عباد الله- موسم جليل، ووقت فاضل، وسرعان ما يذهب، فينبغي علينا أن نستغلّ أوقاته الشريفة وساعاته المباركة بالجدّ والاجتهاد والإقبال على طاعة الله.
ومما ينبغي أن نتنبه له -عباد الله- في هذه الأوقات الفاضلة أن يحرص أولياء الأمور على العناية بأهلهم وأولادهم، فقد كان -عليه الصلاة والسلام- من شأنه في هذه الليالي إيقاظُ الأهل، فهذا ملحظ مهم، وجانب لا ينبغي التفريط فيه.
بل الواجب على أولياء الأمور العناية بأهاليهم وأولادهم إيقاظا لهم، وحثا لهم، واهتماما بهم؛ لئلا تضيع عليهم هذه الأيام الفاضلة والليالي الشريفة سُدَىً، فيستحثهم ويبين لهم مكانة هذه الليالي وعظيم شأنها عند الله.
ولا ينبغي -عباد الله- للمسلمين نساء ورجالا أن تضيع عليهم هذه الليالي في الأسواق وغيرها مفرطين في خيرها وبركاتها، ليال عظيمة سرعان ما تنقضي وتذهب.
وإنا لنسأل الله -عز وجل- أن يعيننا فيها على طاعته، وذكره، وشكره، وحسن عبادته، وأن يهدينا فيها إليه صراطا مستقيما.
هذا وصلوا وسلموا…