مشروع خطب الجمعة في إفريقيا

رقم الخطبة

عنوان الخطبة

معد الخطبة

تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة

المراجعة والنشر

252

شهر رجب بين الإتباع والابتداع

 د. عثمان صالح تروري ـــ عضو الاتحاد في مالي

06/07/1447هـ الموافق 26/12/2025م

الأمانة العامة

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا

رقم الخطبة عنوان الخطبة معد الخطبة تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر

252 شهر رجب بين الإتباع والابتداع د. عثمان صالح تروري ـــ عضو الاتحاد في مالي 06/07/1447هـ الموافق 26/12/2025م الأمانة العامة

الموضوع: ” شهر رجب بين الإتباع والابتداع ”

الحمد لله مرسل النعم على العباد مدرارا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فضل أياما وشهورا، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله خير خلقه طرا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم على الخير بإحسان إلى يوم تبعث الخلائق إلى مولاهم نشورا.

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى ربكم أيها المؤمنون، فإن تقواه مكفرة للذنوب والآثام يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ الأنفال 29

وبين لنا النبي ﷺ المراد بهذه الأربعة فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) البخاري.

ولقد فضل الله تعالى أياما وليالي من هذه الأشهر المفضلة، ففضل ليلة القدر في رمضان وفضل يوم عرفة والأيام العشرة في ذي الحجة، وفضل يوم عاشوراء في المحرم وخصص الله تعالى بعض هذه الأشهر بعبادات لحكمة يعلمها فجعل شهر رمضان شهر الصوم الواجب، وجعل شهر ذي الحجة شهر حج بيته الحرام وشرع الصوم في يوم عاشوراء شكرا لنعمته كما ثبت ذلك في نصوص السنة.

أيها المؤمنون: ولقد حل عليكم أحد الأشهر الحرم الأربعة وهو شهر رجب الذي بين جمادى وشعبان، ولقد علمنا أن له فضلا عاما لكونه واحدا من الأشهر الحرم الأربعة، ولنتساءل هل له فضل خاص ؟ وهل لبعض أيامه فضل خاص؟ وهل شرع لنا النبي صلى الله عليه وسلم عبادة خاصة فيه؟ فالجواب عن هذه التساؤلات كما يلي: لم يرد في هدي نبيكم لشهر رجب شيء من الفضائل الخاصة، ولم يثبت ليوم من أيامه فضل خاص ولم يشرع لكم نبيكم عبادة خاصة من صوم أو صلاة في يوم من أيامه أو في ليلة من لياليه يقول ابن حجر رحمه الله: (لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه .. حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رويناه عن غيره). تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب، لابن حجر، ص6، وانظر: السنن والمبتدعات للشقيري، ص125.

وقال أيضاً: (وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب أو في فضل صيامه، أو صيام شيء منه صريحة: فهي على قسمين: ضعيفة وموضوعة،…) المرجع نفسه، ومن الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي يستند إليها بعض الناس في تخصيص شهر رجب بفضائل ما يلي:

– (خمس ليال لا ترد فيهن الدعوة: أول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان، وليلة الجمعة وليلة الفطر وليلة النحر) قال فيه المحققون إنه:حديث موضوع. السلسلة.

– إن في الجنة نهرا يقال له: رجب (ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل) من صام من رجب يوما واحدا سقاه الله من ذلك النهر). قال فيه المحققون إنه : حديث باطل، السلسلة .

حديث: (اللهم بارك لنا في رجب و شعبان و بلغنا رمضان) رواه أحمد و الطبراني في الأوسط وقال عنه الهيثمي: رواه البزار وفيه زائدة بن أبي الرقاد قال البخاري منكر الحديث وجهله جماعة. انظر:كتاب مجمع الزوائد للهيثمي 2 / 165 طبعة دار الريان لعام 1407هـ و ضعفه النووي كما في الأذكار و الذهبي كما في الميزان 3 / 96 طبعة دار الكتب العلمية لعام 1995م.

– حديث: (فضل شهر رجب على الشهور كفضل القرآن على سائر الكلام) قال ابن حجر إنه موضوع انظر:كتاب كشف الخفاء 2 / 110 للعجلوني طبعة مؤسسة الرسالة لعام 1405هـ و كتاب المصنوع لعلي بن سلطان القاري 1 / 128 طبعة مكتبة الرشد لعام 1404هـ

– حديث: (رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي) رواه الديلمي وغيره عن أنس مرفوعا لكن ذكره ابن الجوزي في الموضوعات بطرق عديدة وكذا الحافظ ابن حجر في كتاب تبيين العجب فيما ورد في رجب، انظر : كتاب فيض القدير للمناوي 4 / 162 و 166 طبعة المكتبة التجارية الكبرى لعام 1356هـ ،و كتاب كشف الخفاء للعجلوني 2 / 13 طبعة مؤسسة الرسالة لعام 1405هـ

أقول ما أصغيتم إليه وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من الذنوب والخطايا إنه بر رحيم كريم فاستغفروه وهو خير المسئول.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وصلواته وسلامه عل أشرف المرسلين

أيها المؤمنون: اعلموا أن الناس قد أحدثوا في رجب استنادا على الهوى وعلى بعض الأحاديث الضعيفة أعمالا كثيرة يحسبونها قربة، ولكن القربة ما شرعه الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جملة هذه الأعمال:

1 / صيام رجب كله: ويستندون في ذلك على حديث باطل وهو حديث: (صوم أول يوم من رجب كفارة ثلاث سنين، والثاني كفارة سنتين، ثم كلّ يوم شهراً)

                  انظر: كتاب فيض القدير للمناوي 4 / 210 طبعة المكتبة التجارية الكبرى لعام 1356هـ .

2 / صلاة الرغائب:

أولاً: صفتها: وردت صفتها في حديث موضوع عن أنس عن النبي ﷺ أنه قال: (ما من أحد يصوم يوم الخميس (أول خميس من رجب) ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة يعني ليلة الجمعة اثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة و إنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ ثلاث مرات، و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اثنتي عشرة مرة، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، فإذا فرغ من صلاته صلى عليّ سبعين، فيقول في سجوده سبعين مرة: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت العزيز الأعظم، ثم يسجد الثانية فيقول مثل ما قال في السجدة الأولى، ثم يسأل الله تعالى حاجته ، فإنها تقضى) .. قال رسول الله ﷺ: (والذي نفسي بيده، ما من عبد ولا أَمَة صلى هذه الصلاة إلا غفر الله له جميع ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر، وعدد الرمل، ووزن الجبال، وورق الأشجار، ويشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممن قد استوجب النار) إحياء علوم الدين / تبيين العجب .

ثانياً: كلام أهل العلم حولها:

قال النووي في فتاواه: (هي بدعة قبيحة منكرة أشد إنكار، مشتملة على منكرات، فيتعين تركها والإعراض عنها، وإنكارها على فاعلها) فتاوى النووي 57 . وقال ابن النحاس: (وهي بدعة، الحديث الوارد فيها موضوع باتفاق المحدثين ) تنبيه الغافلين 496. وقال ابن تيمية: (وأما صلاة الرغائب: فلا أصل لها، بل هي محدثة، فلا تستحب، لا جماعة ولا فرادى؛ فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي ﷺ نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام أو يوم الجمعة بصيام، والأثر الذي ذكر فيها كذب موضوع باتفاق العلماء، ولم يذكره أحد من السلف والأئمة أصلاً) الفتاوى.

3 /الاحتفال بالليلة السابعة والعشرين من رجب بالزعم أن الإسراء والمعراج وقع فيها: يقول ابن رجب: (لم يقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة، ليس فيها ما يقطع به) لطائف المعارف 233. وقد ذكر ابن حجر في فتح الباري الخلاف في شهره أنه قيل فيه إنه: رجب وقيل: ربيع الآخر، وقيل رمضان، وقيل شوال.

ولو فرضنا على أنه ثبت تعيين ليلة الإسراء والمعراج لَما شرع لأحد تخصيصها بشيء؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من صحابته أو التابعين لهم بإحسان أنهم جعلوا لليلة الإسراء مزية عن غيرها، فضلاً عن أن يقيموا احتفالاً بذكراها.

4 / تخصيصه بالذبح: لا بأس في الذبح في رجب كبقية شهور السنة، وأما تخصيصه أو تخصيص يوم فيه بالذبح فلم يصح ذلك في هدي النبي ، ويزيد فعله قبحا ما يحوم حوله من اعتقادات وخرافات باطلة … وقد روى ابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا فرعة ولا عتيرة) قال هشام في حديثه والفرعة أول النتاج والعتيرة الشاة يذبحها أهل البيت في رجب ( صحيح ) الإرواء1180،الصحيح 2520 – 2521 ابن ماجه .

وبعد: أيها الأحبة في الله: فلا بأس في الاجتهاد خلال شهر رجب في الطاعات المطلقة بكل أنواعها قياما وصياما وصدقة، فتكون فاضلة بفضل الشهر لا غير، وورد حديث في النهي عن الصيام فيه وهو ما رواه ابن ماجه عن ابن عباس أن النبي ﷺ نهى عن صيام رجب وقد قال المحققون فيه إنه ضعيف جدا _ سلسلة الضعيفة 404.

ولذا يبقى الأمر على أصله وهو مشروعية العبادة المطلقة في رجب، وبقاء رجب في إطار الفضل العام لكونه من أشهر الحرم.

ألا فاتقوا الله أيها المؤمنون، وتدبروا في مر الأيام وانصرام الليالي وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ…، اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ

وصلوا وسلموا على النذير البشير الذي قال المولى في شأنه  إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وسلم, اللهم أحل علينا الشهر بالأمن والأمان والصحة والبركة والتوفيق للعمل الصالح وزدنا فيه إيمانا وتقوى، واحفظنا فيه بما تحفظ به عبادك الصالحين

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا

رقم الخطبة

عنوان الخطبة

معد الخطبة

تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة

المراجعة والنشر

251

منزلة الصحابة رضي الله عنهم في الكتاب والسنة

فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط

28/06/1447هـ  الموافق 18/12/2025م

الأمانة العامة

الموضوع: ” منزلة الصحابة رضي الله عنهم في الكتاب والسنة “

الحمد لله الذي أعزَّ أولياءَه، وجعل لهم في قلوب الخلائق وُدًّا، أحمده – سبحانه – القاهرُ فوق عباده والأعزُّ جُندًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولم يتَّخِذ صاحبةً ولا ولدًا، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسوله أتقَى الخلق طُرًّا وأسخاهم يدًا، اللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وصحبِه صلاةً وسلامًا دئمَين أبدًا.

أما بعد:

فاتقوا الله – عباد الله -، واعبُدوه واشكُروا له وأنيبُوا إليه، واذُروا أنكم مُلاقُوه، فأعِدُّوا لهذا اليوم عُدَّتَه، ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ لقمان: 33.

أيها المسلمون: إن آثار الإيمان الصادق والعمل الصالح الذي يُبتغَى به وجهُه – سبحانه -، ويُقتدَى فيه بنبيِّه – صلوات الله وسلامُه عليه – لتربُو على العدِّ، وتجِلُّ عن الحصر، وإن من حُلو ثمار الإيمان وطِيب غِراسِه ما يجعلُ الله لأهله في قلوبِ خلقِه من محبَّةٍ راسِخةٍ، ووُدٍّ مكينٍ،  ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ مريم: 96.

 

وأعظمُ ما في هذا الوُدِّ – يا عباد الله – أنه آيةٌ بيِّنة على حبِّ الله تعالى، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في “صحيحيهما” – واللفظُ لمُسلم – رحمه الله – عن أبي هريرة – t- أن رسول الله – ﷺ- قال: «إن اللهَ إذا أحبَّ عبدًا دعا جبريل فقال: إني أحبُّ فلانًا فأحِبَّه»، قال: «فيُحبُّه جبريل، ثم يُنادي في السماء فيقول: إن اللهَ يحبُّ فلانًا فأحِبُّوه، فيُحبُّه أهلُ السماء، ثم يُوضعُ له القبولُ في الأرض، وإذا أبغضَ عبدًا دعا جبريلَ فيقول: إني أُبغِضُ فلانًا فأبغِضه، فيُبغِضُه جبريلُ، ثم يُنادِي في أهل السماء: إن اللهَ يُبغِضُ فلانًا فأبغِضُوه»، قال: «فيُبغِضُونَه، ثم يُوضَع له البغضاءُ في الأرض».

 

ويقول التابعيُّ الجليلُ زيدُ بن أسلم العدويُّ – رحمه الله -: “من اتَّقى اللهَ أحبَّه الناسُ ولو كرِهوا”.

أي: أن لا تجِدُ في الناس إلا مُحبًّا له، مُثنِيًا عليه، مادِحًا له، ولو أراد بعضُهم أن يُبغِضَه لم يستطِع إلى ذلك سبيلاً.

ولا عجبَ، فهذه عاقبةُ الإيمان والتقوى التي أورثَت أهلَها منزلةَ الولاية التي بشَّرهم بها ربُّهم، وأخبرَ أنهم لا يخافُون ما يستقبِلون من أهوالٍ يوم القيامة، ولا يحزَنون على ما ترَكوا خلفَهم في الحياة الدنيا، ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ  الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ يونس: 62، 63.

 

كما بلغَ من كريم مقامِهم عند مولاهم – سبحانه – أن جعلَ من ناصبَهم العداءَ مُحارِبًا له – عز وجل -، كما جاء في الحديث الذي أخرجَه البخاري في “صحيحه” عن أبي هريرة t أنه قال: قال رسولُ الله – ﷺ -: «إن الله تعالى قال: من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ ..» الحديث.

أي: أعملُ به ما يعملُه العدوُّ المُحارِبُ. والمقصودُ: أنه تعرَّض بهذه المُعاداة لإهلاك الله إياه.

وفيه – كما قال أهل العلم -: تهديدٌ شديدٌ؛ لأن من حاربَه الله أهلكَه.

وإذا ثبتَ هذا في جانب المُعاداة، ثبتَ في جانب المُوالاة أيضًا؛ فمن والَى أولياء الله أكرمَه الله.

وإن من أعظم من تجبُ محبَّتُه ومُوالاتُه – يا عباد الله -، ويجبُ الحذرُ من مُعاداته: صحابةَ رسول الله – ﷺ- الذين اختارَهم الله لصُحبة نبيِّه – عليه الصلاة والسلام -، وجعلَهم نقلَة دينه، وحمَلَة كتابه، ورضِيَ عنهم وأفاضَ في الثناء عليهم وتزكيتِهم، فقال – عزَّ اسمُه -: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ التوبة: 100.

وقال – سبحانه -: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا … ﴾ الآية الفتح: 29، وقال – عز وجل -: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ الفتح: 18، وقال تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ الحديد: 10.

 

ونهى النبي – ﷺ – عن سبِّ أحدٍ منهم، مُبيِّنًا أنه لا يبلغُ أحدٌ من المُسلمين مبلغَهم في المنزلة والفضل ولو أنفقَ ما أنفقَ من ماله، فقال – عليه الصلاة والسلام -: «لا تسبُّوا أصحابي؛ فلو أن أحدَكم أنفقَ مثلَ أُحدٍ ذهبًا ما بلغَ مُدَّ أحدهم ولا نصيفَه»؛ أخرجه الشيخان في “صحيحيهما”.

وفي “الصحيحين” أيضًا من حديث عمران بن حُصين – t- أن رسولَ الله – ﷺ – قال: «خيرُ الناس قرني، ثم الذين يلُونَهم، ثم الذين يلُونَهم». قال عمران: فلا أدري أذَكَر بعد قرنِه قرنَيْن أم ثلاثة.

 

وأخرج الشيخان عن أبي سعيد الخُدري – t- أنه قال: قال رسول الله – ﷺ -: «يأتي على الناس زمانٌ فيغزُو فِئامٌ من الناس، فيقولون: هل فيكم من صاحبَ رسولَ الله – ﷺ -؟ فيقولون: نعم، فيُفتحُ لهم. ثم يأتي على الناس زمانٌ فيغزُو فِئامٌ من الناس، فيقال:

هل فيكم من صاحبَ أصحاب رسول الله – ﷺ -؟ فيقولون: نعم، فيُفتَحُ لهم. ثم يأتي على الناس زمانٌ فيغزُو فِئامٌ من الناس، فيقال: هل فيكم من صاحبَ من صاحبَ أصحاب رسول الله – ﷺ -؟ فيقولون: نعم، فيُفتَحُ لهم».

وبيَّن رسولُ الهُدى – صلوات الله وسلامه عليه – أن حُبَّ الأنصار من علامة الإيمان الصادق، وأن بُغضَهم من علامات النفاق، فقال – صلوات الله وسلامه عليه -: «آية الإيمان حبُّ الأنصار، وآية النفاق بُغضُ الأنصار»؛ أخرجه الشيخان في “صحيحيهما”.

 

ومن ثَمَّ كانت هذه النصوصُ الصحيحة الصريحة مُستنَد أهل الحقِّ في موقفِهم من صحابة خير الورَى – صلوات الله وسلامه عليه -، فقال الإمام الطحاويُّ – رحمه الله -: “ونحبُّ أصحابَ رسول الله – ﷺ -، ولا نُفرِطُ في حبِّ أحدٍ منهم، ولا نتبرَّأُ من أحدٍ منهم، ونُبغِضُ من يُبغِضُهم وبغير الحقِّ يذكُرهم، ولا نذكُرهم إلا بخيرٍ، وحبُّهم دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ، وبُغضُهم كفرٌ ونفاقٌ وطُغيان”.

 

وإنما كان حبُّهم دينًا وإيمانًا وإحسانًا – يا عباد الله -؛ لأنه امتِثالٌ لأمر الله وأمر رسولِه – ﷺ -، ولأنهم نصَروا دينَ الله، وجاهَدوا مع رسول الله – ﷺ -، وبذَلوا في ذلك الدماءَ والأموالَ والأرواحَ؛ فكان لهم على الأمة في أعقاب الزمن – مع كمال المحبَّة لهم – دوامُ العناية بسِيَرهم، للإسفار عن وجهِ جمالِها وجلالِها، وما حفلَت به من مناحي السمُوِّ والشرَف والرِّفعة، ومعالِم الأُسوة والقُدوة.

 

والإمساكُ عن الخوض فيما شجَرَ بينهم، والكفُّ عن الحديث عما وقعَ بينهم، واعتقادُ أنهم مُجتهِدون مأجورون في كل ذلك، رضي الله عنهم وأرضاهم، وجزاهم عن الإسلام وأهلِه خيرَ ما يجزِي عبادَه الأبرارَ المُتقين الأخيار.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيِّه – ﷺ -، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنبٍ، إنه كان غفَّارًا.

الخطبة الثانية:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه.

أما بعد، فيا عباد الله: جاء عن الصحابيِّ الجليل عبد الله بن مسعود – t- قولُه: “من كان منكم مُستنًّا فليستنَّ بمن قد ماتَ؛ فإن الحيَّ لا تُؤمنُ عليه الفتنة، أولئك أصحابُ محمدٍ – ﷺ -، كانوا أفضلَ هذه الأمة، وأبرَّها قلوبًا، وأعمقَها علمًا، وأقلَّها تكلُّفًا، قومٌ اختارَهم الله لصُحبة نبيِّه وإقامَة دينِه، فاعرِفوا لهم فضلَهم، واتَّبِعوهم في آثارهم، وتمسَّكوا بما استطعتُم من أخلاقِهم ودينهم؛ فإنهم كانوا على الهُدى المُستقيم”.

 

وجاء عنه – t- أيضًا قولُه: “إن اللهَ تعالى نظرَ في قلوبِ العباد، فوجدَ قلبَ محمدٍ – ﷺ – خيرَ قلوبِ العباد، فاصطفاهُ لنفسِه، وابتعثَه برسالتِه، ثم نظرَ في قلوبِ العباد بعد قلب محمدٍ – ﷺ -، فوجدَ قلوبَ أصحابِه خيرَ قلوب العباد، فجعلَهم وُزراءَ نبيِّه، يُقاتِلون على دينِه”.

 

فاتقوا الله – عباد الله -، واعرِفوا لهؤلاء الصحبِ الكرام حقَّهم وفضلَهم وسابِقَتهم، فلَمُقام أحدهم ساعةً مع النبي – ﷺ – كما يقول حبرُ الأمة عبد الله بن العباس – رضي الله عنهما -: “لمُقامُ أحدهم ساعة مع النبي – ﷺ – خيرٌ من عمل أحدِكم أربعين سنة”. وفي رواية: “خيرٌ من عبادةِ أحدِكم عُمُره”.

واذكُروا على الدوام أن الله تعالى قد أمرَكم بالصلاة والسلام على خير الورَى، فقال – جل وعلا -: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب: 56.

 

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا خيرَ من تجاوزَ وعفا.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزةَ الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطُّغاةِ والمُفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفَهم، وأصلِح قادتَهم، واجمع كلمتَهم على الحق يا رب العالمين.

اللهم انصر دينكَ وكتابكَ، وسنةَ نبيِّك محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، وعبادكَ المؤمنين المُجاهِدين الصادقين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورِنا، يا سميعَ الدعاء.

اللهم أحسِن عاقبَتنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذابِ الآخرة.

اللهم احفَظ المسلمين في كل ديارِهم، وألِّف بين قلوبِهم، وقِهم شرَّ الفتن، اللهم قِنا والمسلمين شرَّ الفتن ما ظهرَ منها وما بطَن يا رب العالمين.

وصلَّى الله وسلَّم على عبدِه ورسولِه نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

وظيفة شاغرةوظيفة شاغرة في مكتب الأمانة العامة لاتحاد علماء إفريقيا لمنصبين : مسؤول العضوية والإجراءات ومسؤول البرامج والمشاريع

بيان اتحاد علماء إفريقيا حول زيارات بعض الأئمة والدعاة من إفريقيا للكيان الصهيوني المحتل

البيان رقم: 32

التاريخ 20/6/1447هـ = 12/12/2025م

 

الحمد لله القائل {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} والصلاة والسلام على نبينا القائل ” المؤمن للمؤمن كالجسد الواحد” وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فانطلاقا من المسؤولية الدينية لاتحاد علماء إفريقيا وحرصاً على المسؤولية الأخلاقية والأدبية له وتطبيقا لشعيرة النصيحة والتواصي بالحق ونصرة للمسجد الأقصى ومساندة لنضال إخواننا في فلسطين ضد الاحتلال الغاشم
يصدر الاتحاد هذا البيان حول ظاهرة زيارات بعض الأئمة ورجال الدين المسلمين من إفريقيا إلى فلسطين المحتلة في رحلات مرتبة وممولة من الكيان المحتل بدعوى إطلاعهم على الأوضاع العامة هناك والقيام بجولات سياحية موجهة تجسيداً للأخوة الدينية والتسامح الديني وفق الدعاية الإسرائيلية فإن الاتحاد يعلن رفضه المطلق واستنكاره التام لانخراط أئمة ورجال دين مسلمين من بعض البلدان الإفريقية في تلك الزيارات المشبوهة ويوضح ذلك في النقاط الآتية:
1) إنّه قد ثبت وتأكد لدى الاتحاد قيام عدد من الأئمة ورجال الدين المسلمين بالزيارة إلى الكيان الصهيوني المحتل بدعوة من جهات إسرائيلية.

 

2) إنّ زيارة رموز وقيادات علمائية إلى الأراضي المحتلة في هذه الظروف وهذا التوقيت وبتلك الطريقة من الدعوة تعتبر سقطة كبيرة وخطأ فادحاً يستلزم البيان والتوضيح والاعتذار للرأي العام الإسلامي لأنها بمثابة خروج على إجماع علماء الأمة وعموم المسلمين، والمنخرطون في تلك الزيارات لا يمثلون موقف الشعوب المسلمة في إفريقيا تجاه إخوانهم في فلسطين المحتلة.

3) إنّ تلك الزيارات تشير إلى إعطاء سلطات الكيان المحتل الغاصب شرعية لا يمتلكها .

 

4) يرى الاتحاد أنّ تلك الزيارة إلى الكيان المحتل قد يصنف ضمن أنواع التطبيع مما يشجعه على التمادي في ممارساته والمضي قُدماً في جرائمه ضد الأبرياء وإخواننا في فلسطين المحتلة.

 

5) يدعو الاتحاد إلى حق المقاومة بأنواعها كافة لرفع الاحتلال عن فلسطين كاملة، وعن الأقصى بصفة خاصة.

 

6) يدعو الاتحاد عموم المسلمين إلى اتخاذ تدابير لعدم تكرار مثل هذه الزيارات من خلال القيام بواجب النصيحة بالتي هي أحسن.

 

7) يندد الاتحاد بمواقف الدول والهيئات المساندة لاحتلال فلسطين تكريسا للظلم المستمر على أهل فلسطين منذ عقود وحتى الآن، والذي جلب الكثير من الأزمات في عالمنا اليوم.

 

8) سيعمل الاتحاد على استصدار فتوى شرعية من لجنة الإفتاء في الاتحاد عن حكم القيام بالزيارة إلى المناطق المحتلة وبدعوة من سلطات الاحتلال وكذلك ما يستتبع ذلك من أحكام وإجراءات.

 

9) ختاما، يحث الاتحاد جميع المسلمين على الدعاء لعلمائهم بالتوفيق والصلاح والسداد في القول وفي القرارات.

 

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

 

بيان اتحاد علماء إفريقيا حول  زيارات بعض الأئمة والدعاة من إفريقيا للكيان الصهيوني المحتل

IMG-20251215-WA0020الأمين العام وبعض أعضاء اتحاد علماء إفريقيا يشاركون في حفل تكريم معلمي القرآن الكريم بحج بيت الله الحرام الدورة العاشرة

شارك الأمين العام اتحاد علماء إفريقيا الدكتور سعيد محمد بابا سيلا مساء يوم الأحد 23 جمادى الآخر 1447م الموافق 14 ديسمبر 2025م في حفل تكريم معلمي القرآن الكريم بحج بيت الله الحرام الدورة العاشر التي تنظمها رابطة الدعاة في مالي سنويا المزيد…

الأمين العام وبعض أعضاء اتحاد علماء إفريقيا يشاركون في حفل تكريم معلمي القرآن الكريم بحج بيت الله الحرام الدورة العاشرة

شارك الأمين العام اتحاد علماء إفريقيا الدكتور سعيد محمد بابا سيلا مساء يوم الأحد 23 جمادى الآخر 1447م الموافق 14 ديسمبر 2025م في حفل تكريم معلمي القرآن الكريم بحج بيت الله الحرام الدورة العاشر التي تنظمها رابطة الدعاة في مالي سنويا.
وقد بلغ عدد المشاركين حوالي 59 معلما من مختلف المراكز والمدارس القرآنية من داخل العاصمة باماكو وخارجها، واستمر فعاليات المسابقة خلال يومين 22 – 23 جمادى الآخر 1447م الموافق 13 – 14 ديسمبر 2025م في مسجد آل الشيخ بمنظمة الفاروق
وتكونت المسابقة في محورين:
المحور الأول: دورة تكوينية حول مقومات معلم القرآن الناجح ثم الاختبار فيها.
المحور الثاني: الاختبار في حفظ القرآن وتجويده
ومن الأعضاء المشاركون
الدكتور عثمان صالح تراوري مقرر لجنة الإعلام والعلاقات العامة في مكتب إدارة الاتحاد
الدكتور إسماعيل دكوري عضو اللجنة المالية في المكتب
الدكتور إبراهيم جابي عضو الاتحاد
الدكتور هود كوني عضو الاتحاد
الأستاذ أحمد دكوري عضو لجنة الاعلام والعلاقات العامة في المكتب
وغيرهم من الدعاة والأئمة والطلاب.

وإليكم بعض اللقطات من الفعالية مع خالص الشكر والتقدير وتحيات مكتب الأمانة العامة قسم الإعلام والمعلوماتية.

بيان اتحاد علماء إفريقيا حول  زيارات بعض الأئمة والدعاة من إفريقيا للكيان الصهيوني المحتلبيان اتحاد علماء إفريقيا حول  زيارات بعض الأئمة والدعاة من إفريقيا للكيان الصهيوني المحتل

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم الخطبة عنوان الخطبة معد الخطبة تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
250 حقوق آل البيت الشيخ .خالد بن علي المشيقح 21/06/1447هـ  الموافق 12/12/2025م الأمانة العامة

 

الموضوع: “حقوق آل البيت”

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ آل عمران:102 . أما بعد:

عباد الله! الشريف في ذاته يفيض بالشرف على من حوله، والكريم في معدنه يسري كرمه في المحيطين به، وكذلك بعض البشر تفيض بركة على من حولها، وتتعداها إلى غيرها، كثير من سلالة إبراهيم عليه السلام غدوا أنبياء، وأنصار عيسى عليه السلام صاروا حواريين، وصحابة محمد شرفوا بالصحبة، وأزواجه أمهات المؤمنين ونسله استحقوا وصف الشرف والسادة.

 فلكرم النبي – – كرمت ذريته، ولشرفه شرف آل بيته، وكانت مودة آل بيته ومحبته جزءاً من عقيدة أهل السنة والجماعة، رعوها على مر الزمان كما رعوا باقي الشريعة، وأقاموها كما أقاموا بقية أحكام الدين.

آل النبي – – بالمعنى الخاص هم أقاربه الذين حرمت عليهم الصدقة وأزواجه وذريته، خلافاً لما يدعيه الرافضة، فهم يضيفون ويدخلون في آل النبي – – الأئمة الاثنا عشرية، وهذا لم يرد فيه نص.

عباد الله! مذهب أهل السنة والجماعة في آل النبي – – معرفة قدرهم، وبذل المودة لهم، ومحبتهم وموالاتهم، شهدت بذلك عقائدهم المدونة وتفاسيرهم المبسوطة، وشروحات السنن وكتب الفقه، كيف لا وهم وصية نبينا محمد – -، هم وصيته وهم بقيته، يقول عليه الصلاة والسلام: “أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي” (رواه مسلم) وقال عليه الصلاة والسلام: “فاطمة سيدة نساء أهل الجنة” (رواه البخاري.

و أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: { قَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا، بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: ” أَمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ ” فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي» فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ؟ يَا زَيْدُ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ: نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ، قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ هَؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ }   وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي – – قال للحسن: “اللهم إني أحبه فأحب من يحبه، وقال الله -عز وجل- في كتابه الكريم وقرآنه العظيم:   ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا   الأحزاب:33، ومعلوم أن هذه الآية نزلت في أزواجه عليه الصلاة والسلام؛ لأن ما قبلها وما بعدها كله خطاب لهن رضي الله عنهن.

  وفي الصحيحين أن النبي – – قال لأصحابه: “قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وهذا يفسر اللفظ الآخر للحديث: “اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، فالآل هنا هم الأزواج والذرية خلافاً لما عليه الرافضة قبحهم الله، فإنهم لا يدخلون أزواجه في آله عليه الصلاة والسلام.

عباد الله! هذه بعض فضائل آل بيت النبوة كما حفظتها كتب السنة، والتزمها أهل السنة والجماعة، أنزلوهم منازلهم اللائقة بهم من غير إفراط ولا تفريط، ففي صحيح البخاري عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، أن أبا بكر -رضي الله تعالى عنه- قال: “ارقبوا محمداً في أهل بيته، وفي الصحيحين أن أبا بكر -رضي الله عنه- قال لـعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: “والذي نفسي بيده! لقرابة رسول الله – – أحب إليّ أن أصل من قرابتي، وفي صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- شهد بالرضا لـعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- والسبق والفضل.

 ولما وضع عمر -رضي الله عنه- الديوان بدأ بأهل النبي – -، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول لـلعباس: “والله لإسلامك أحب إليّ من إسلام الخطاب؛ لحب النبي – – لإسلامك، كما استسقى عمر -رضي الله عنه- بدعاء العباس، وأكرم -رضي الله عنه- عبد الله بن العباس وأدخله مع الأشياخ، كل ذلك في صحيح البخاري وغيره.

وقد روى إمام أهل السنة أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- في فضائل أهل البيت، وحفظ للأمة أحاديث كثيرة منها ما رووا عن عبد المطلب بن ربيعة -رضي الله عنه-، أن النبي – – قال لعمه العباس: “والله لا يدخل قلب مسلم إيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي“.

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: “ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويحبون أهل بيت رسول الله – – ويتولونهم، ويحفظون وصية رسول الله – – فيهم، حيث قال: “أذكركم الله في أهل بيتي” (رواه مسلم.

 وقال الطحاوي -رحمه الله تعالى-: “ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان، ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله – – وأزوجه الطاهرات من كل دنس وذرياته المقدسين من كل رجس فقد برأ من النفاق“.

إن مذهب أهل السنة والجماعة زيادة حبهم وتعظيمهم واقتفاء أثرهم، والدفاع عنهم وعن منهجهم، وعن منهج أهل بيت النبي – -، وقد اتخذوا ذلك ديناً وقربة إلى الله -عز وجل-، قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-: “لآله حق لا يشركهم فيه غيرهم، ويستحقون من زيادة المحبة والولاء والموالاة ما لا يستحقه سائر قريش، وقريش يستحقون ما لا يستحقه غيرهم من القبائل“.

وقال -رحمه الله تعالى- في موضع آخر: “وقد أوجب الله لأهل بيت رسول الله – – على الناس حقوقاً، فلا يجوز لمسلم أن يسقط حقوقهم ويظن أنه من التوحيد، بل هو من الغلو والجفاء، ونحن ما أنكرنا إلا ادعاء الألوهية فيهم، وإكرام مدعي ذلك، انتهى كلامه.

ومن ممن تطرفوا في حقهم  كروا على مسائل العقيدة فحرفوها، كل ذلك تحت شعار محبة آل البيت، ثم أخذوا يعيثون فساداً في بقية شرائع الدين، وأطاعوا شيوخهم في التحليل والتحريم بلا هدى، حتى صاروا كمن قال الله فيهم:  ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ التوبة:31، فعظموا المشاهد وعطلوا المساجد، ناهيك عن أكل أموال الناس بالباطل، واستحلال فروج الحرائر، وتكفير عموم الأمة، وكن العداوة والبغضاء للعرب الذين هم مادة الإسلام وأصل الإسلام، كل هذا يحدث ويكون تحت لافتات النصرة لآل بيت نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وآل البيت بريئون من أعمالهم وعقائدهم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه. عباد الله! ولآل بيت محمد – – حقوق أجملها بما يلي:

أولا: حقهم في الخمس والفيء كما قال الله عز وجل  ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ الأنفال: 41 ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: “فآل بيت النبي – – لهم من الحقوق ما يجب رعايتها، فإن الله جعل لهم حقاً في الخمس والفيء، وأمر بالصلاة عليهم، مع الصلاة على رسوله – -، لكن ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- أن آل بيت النبي – – إذا حرموا من الخمس والفيء وانقطع ذلك عنهم فإنه يجوز لهم أن يأخذوا الصدقة“.

ومن حقوقهم: اليقين الجازم بأن نسب رسول الله – -، ونسب ذريته هو أشرف الأنساب، قال النبي –-: “إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم“.

وأيضاً من حقوقهم: تحريم الزكاة عليهم، وذلك لكرامتهم وتنزيههم عن الأوساخ، ففي الصحيح أن النبي – – قال: “إن الصدقة لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس، لكن كما سبق إذا منعوا من الخمس والفيء فإن الزكاة جائزة لهم كما نص عليه ابن تيمية -رحمه الله-، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: “وأما تحريم الصدقة عليهم، فحرمت عليه -عليه الصلاة والسلام- وعلى أهل بيته؛ تكميلاً لتطهيرهم، ودفعاً للتهمة عنهم“.

ومن حقوقهم: زيادة محبتهم ومودتهم ونصرتهم، قال الله عز وجل: (﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى  الشورى:23 .

ومن حقوقهم: الدفاع عنهم. ومن حقوقهم: بغض شانئهم ومبغضهم. ومن حقوقهم: معرفة فضلهم وسابقتهم.  ومن حقوقهم: الصلاة عليهم.

عباد الله! وقد تسترت الرافضة بادعاء حبهم وموالاتهم، وأنهم وحدهم القائمون بهذا الحق، في حياتهم وبعد مماتهم، وأما سائر المسلمين فإنهم يعادون آل البيت ويكرهونهم، وبالغوا -قبَّحهم الله- في ذلك مبالغة واسعة، كان لها أثرها في القديم والحديث، وربوا أتباعهم وأولادهم على ذلك، ثم غالوا في حب علي -رضي الله عنه- حتى جعلوا له شيئاً من الألوهية طائفة منهم، كما أنهم بالغوا في كراهية من سواهم من صحابة رسول الله – -، والحق الذي لا يشك فيه أي مسلم أن الرافضة أكثر الناس استغلالاً لمكانة آل البيت، والمتاجرة فيهم، أحياءاً وأمواتاً، ويتسترون وراء ذلك لهدم الإسلام والنيل من القرآن، ادعاء تحريفه، وتكفير الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-.

وهم كما ذكر ابن الجوزي -رحمه الله تعالى-: “أنهم كالقرامطة، فإن القرامطة لما أرادوا الدخول على الناس، وأرادوا تقرير مذهبهم دخلوا على الناس من باب محبة آل بيت النبي – -، ثم بعد ذلك يغرسون في عقول أتباعهم أن أغلب آل البيت كفار، فإذا سئلوا: ما الدين الصحيح؟ قالوا: ما عليه الحكماء، ويقصدون بذلك مذهب الفلاسفة، إخوان الصفا الذي هو مذهبهم والذي هو كفر بواح“.

فأهل السنة والجماعة ولله الحمد وسط في آل بيت النبي – -، بين الناصبة الذين ينصبونهم العداء، وبين الرافضة الذين يغلون فيهم، بل يعرفون لهم حقوقهم التي تقدمت، ويؤمنون بالله عز وجل، ويعتقدون ذلك شريعة يدينون الله عز وجل بامتثاله.

اللهم إنا نسألك محبتك، ومحبة نبيك محمد – -، ومحبة آل بيته، اللهم إنا نؤمن بحبك وحب نبيك محمد – -، وحب آل بيته، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

الأستاذ خلفان خميس إسماعيلمن أعلام العلم والدعوة في إفريقيا

الأستاذ خلفان خميس إسماعيل

كينيا