| مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
| رقم الخطبة | عنوان الخطبة | معد الخطبة | تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
| 247 | حسن المعاملة مع الآخرين | قسم المشاريع | 30/05/1447هـ الموافق 21/11/2025م | الأمانة العامة |
الموضوع:” حسن المعاملة مع الآخرين”
إن الحمد لله، نحمَده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران: 102.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ النساء: 1
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ الأحزاب: 70، 71.
أما بعد:
فيا أيها الناس: في هذه الدنيا يعيش المرء مع الآخرين، ولا يمكن له العيش بمفرده منعزلًا عن الناس، منغلقًا عنهم، وكما قيل ما سمي الإنسان إنسانًا إلا لأنه يأنس بالغير، ويؤنس به.
وهذا شيء واضح واقعي، ولكن ليس كل أحد يصلح للمعاشرة والمصاحبة، وقد لا تجد في الناس بين المائة إلا واحدًا وهم يعزون ويقلون مع تقدم الزمن؛ كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر قال ﷺ “إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة”.
قال القاضي: “معناه لا تكاد تجد في مائة إبل راحلة تصلح للركوب، وطيئة سهلة الانقياد، فكذا تجد في مائة من الناس من يصلح للصحبة فيعاون صاحبه ويلين له جانبه” أ. هـ.
معاشر المسلمين: من هذا المنطلق وجب على الجميع أن يعرف من يصاحب، وكيف يصاحب.
وفي الحقيقة أنه لا يكاد يصفو للمرء صاحبٌ على خلق سليم، فلا بد من خلل في كل شخص، ولكن الناس يتفاوتون فمستقل ومستكثر، وخير الأصحاب من يملك كيف يعامل صاحبة بالحسنى، وهذا هو موضوع خطبتنا لهذا اليوم: المعاملة الحسنة بين الناس.
أيها المسلمون: إن المسلم مطالب أن يحسّن معاملته في كل شيء، بدءًا بمعاملته مع الله -سبحانه- في أدائه لعباداته، قال تعالى : ﴿وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ البقرة: 195.
إن إحسان المعاملة مع الآخرين سبب لدخول الجنة؛ كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي مسعود البدري قال ﷺ: (حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَىْءٌ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ رَجُلاً مُوسِرًا يُخَالِطُ النَّاسَ فَيَقُولُ لِغِلْمَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ فَقَالَ اللَّهُ لِمَلاَئِكَتِهِ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ فَتَجَاوَزُوا عَنْه).
وحسن المعاملة مع الآخرين، سبب لنيل رحمة الله، أخرج البخاري في صحيحه من حديث جابر قال ﷺ : (رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى).
بل إن حسن المعاملة مع الآخرين، تنفع العبد ولو قلت ودقت في أعين الناس فهي عند الله بالمنزلة العظيمة؛ كما أخرج مسلم من حديث أبي ذر قال ﷺ : (لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق).
وأخرج الترمذي في جامعه من حديث أبي هريرة قال ﷺ: (من أنظر معسرًا، أو وضع عنه، أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله).
أيها المؤمنون: إن أول ما يؤمر العبد به من حسن المعاملة بعد الله هو معاملة والديه، وذلك بالإحسان إليهما، وقد قرن الله حقهما بحقه في أكثر من موضع: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ الإسراء: 23. وقال: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾ الأحقاف: 15.
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ فقال”أمك”، قال: ثم من؟ قال: “أمك”، قال: ثم من؟ قال: “أمك”، قال: ثم من؟ قال: “أبوك”.
ومن بعد الوالدين، الأهل والأزواج والعيال، أخرج الترمذي في جامعه من حديث عائشة قال ﷺ: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”.
قال المناوى: “وكان أحسنَ الناس عشرة لهم حتى أنه كان يرسل بنات الأنصار لعائشة يلعبن معها، وكانت إذا هويت شيئًا لا محذور فيه تابعها عليه، وإذا شربت شرب من موضع فمها ويقبلها وهو صائم، وأراها الحبشة وهم يلعبون في المسجد وهي متكئة على منكبه، وسابقها في السفر مرتين فسبقها وسبقته، ثم قال: “هذه بتلك” وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة، وفي الصحيح أن نساءه كن يراجعنه الحديث، وتهجره الواحدة منهن يومًا إلى الليل، وجرى بينه وبين عائشة كلام، حتى أدخل بينهما أبا بكر حكمًا، كما في خبر الطبراني” أ. هـ.
وأخرج البخاري ومسلم من حديث عن أبي هريرة قال ﷺ: (استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا).
أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال ﷺ: (لا يفركن مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها غيره).
لقد أوصى النبي ﷺ بالنساء خيرًا، حتى وهو في سكرات الموت: فليتق الله أقوام يظلمون نساءهم، وليتق الله أقوام جعلوا القوامة للزوجة، فقادت البيت للهاوية، وذلك ظلم لها للسماح لها بقيادة المنزل، وليست له بأهل.
ثم من بعد الأهل والأولاد، العمال والعاملات الذين يعملون معك، أخرج مسلم في صحيحه من حديث ابن مسعود قال ﷺ: (إذا جاء خادم أحدكم بطعامه فليقعده معه، أو ليناوله منه، فإنه هو الذي ولي حره ودخانه).
ثم بعد ذلك الجيران، أخرج ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قيل للنبي ﷺ: “إن فلانة تصوم النهار، وتقوم الليل، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال: “لا خير فيها هي في النار” قيل: فإن فلانة تصلي المكتوبة، وتصوم رمضان، وتتصدق بأثوار من إقط، ولا تؤذي أحدًا بلسانها؟ قال: “هي في الجنة”.
وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر قال: قال لي النبي ﷺ -: “إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك”.
وأخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر قال ﷺ: “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه”.
اللهم ارزقنا حسن المعاملة، والراحة النفسية، يا رب العالمين. أقول قولي هذا…
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلى الله على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن لآثارهم اقتفى
أما بعد:
يا أيها الناس: لا شيء أثقل عند الله في الميزان يوم القيامة من حسن الخلق، أخرج الإمام أحمد وأبو داود من حديث أبي الدرداء، قا ل ﷺ: “ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق”
معاشر المسلمين: لقد كان النبي ﷺ آية لمن أراد حسن المعاملة مع الآخرين، ولهذا أثنى الله عليه في كتابه، فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ القلم: 4.
وقال: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ آل عمران: 159.
ومن طالع سيرة النبي ﷺ استفاد الشيء الكثير في كيفية معاملة الناس، وكسب ودهم، ولهذا دخل الناس في دين الله أفواجًا، أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: “كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَقٌّ فَأَغْلَظَ لَهُ فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُ النَّبِىِّ ﷺ، فَقَالَ النَّبِىُّ ﷺ -: “إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً” فَقَالَ لَهُمُ: “اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ” فَقَالُوا: إِنَّا لاَ نَجِدُ إِلاَّ سِنًّا هُوَ خَيْرٌ مِنْ سِنِّهِ؟ قَالَ: “فَاشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ -أَوْ خَيْرَكُمْ- أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً”.
وأخرج مسلم في صحيحه من حديث عائشة قالت: “ما ضرب رسول الله ﷺ بيده خادمًا له قط، ولا ضرب امرأة، ولا ضرب بيده شيئًا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا خير بين شيئين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما، حتى يكون إثمًا، فإذا كان إثمًا كان أبعد الناس من الإثم، وما انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه إلا أن تنتهك حرمات الله، فيكون هو ينتقم لله -عز وجل-“.
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أنس قال: “كنت أمشي مع النبي ﷺ وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي ﷺ قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال: مر لي من مال الله الذي عندك؟ فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء”.
أخرج البخاري في صحيحه من حديث عبد الله -رضي الله عنه- قال: “لما كان يوم حنين آثر النبي ﷺ أناسًا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسًا من أشراف العرب، فآثرهم يومئذ في القسمة، قال رجل: والله إن هذه القسمة ما عُدل فيها، وما أريد بها وجه الله، فقلت: والله لأخبرن النبي ﷺ فأتيته فأخبرته، فقال: “فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله، رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر”.
وقد كانت المرأة تأخذ بيد النبي ﷺ في سكك المدينة فيقضي لها حاجتها، وكان يمازح الكبير والصغير بالمعروف، ولا يقول إلا حقًا، أخرج البخاري ومسلم واللفظ لمسلم من حديث أنس بن مالك قال: كان رسول الله ﷺ أحسن الناس خلقًا، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير، قال أحسبه قال: كان فطيمًا، قال: فكان إذا جاء رسول الله ﷺ فرآه، قال: “أبا عمير ما فعل النغير؟” قال: فكان يلعب به”.
أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة قال: قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا؟ قال: “إني لا أقول إلا حقًا”.
أيها الناس: لقد كان النبي ﷺ على درجة عالية من الخلق، وحسن المعاملة، حتى أحبه الصغير قبل الكبير، والعدو قبل الصديق، ولكن كانت معاملته مع الناس بلا إفراط ولا تفريط، وإنما كان يمزح ويخالط الناس بقدر، فهو ينفعهم ويفيدهم من غير أن يملوه أو يملهم، أو يحرجوه أو يحرجهم، وعلى هذا يجب أن يسير من أراد الراحة في الدنيا فالناس لا يملكون إلا بذلك.
عباد الله: إِنَّ الله وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.
اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه،
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي،
وعن بقية الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
مشروع خطب الجمعة في إفريقيا |
||||
رقم الخطبة |
عنوان الخطبة |
معد الخطبة |
تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة |
المراجعة والنشر |
246 |
أحكام الجنازة |
فضيلة الشيخ فوزان بن فوزان |
23/05/1447هـ الموافق 14/11/2025م |
الأمانة العامة |
الموضوع:” أحكام الجنازة “
الحمد لله ربِّ العالمين، حكمَ بالموت على بني الإِنسان ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَام﴾ الرحمن:26-27.
وبعدَ الموت يودَعُون في القبور إلى يوم البعث والنشور، وأحمَدُه على كل حال.
وأشهَدُ أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبيرُ المتعال، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله أرسله بالهُدى ودينِ الحق، وبقمع الكفرِ والضلال، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه خيرِ صَحْبٍ وآله، وسلَّمَ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيُّها الناسُ: اتقوا الله -تعالى-، وتَذَكَّروا الموتَ، وقُربَ نزوله، فاستَعِدُّوا له بالأعمالِ الصالحةِ، والتوبةِ مِنَ الذنوب والسيئات، فإنَّ نسيانَ الموت يُقسي القلبَ، ويرغبُ في الدنيا، عن أبي هُريرة -رضي الله عنه- قال: قالَ رسولُ الله ﷺ: (أكثروا من ذكرِ هادمِ اللذات) يعني الموت. رواه ابنُ ماجة.
(إذا أمسيتَ فلا تنتظرِ الصباحَ، وإذا أصبحتَ فلا تَنتظر المساءَ، وخُذْ من صحتِك لمرضِك، ومن حياتِك لموتِك) رواه البخاري.
وعن عبدِ الله عن النبي ﷺ قال: (الجنةُ أقربُ إلى أحدكم من شِراكِ نعلِهِ، والنارُ مثلُ ذلك) رواه البخاريُّ وغيره.
عباد الله: إن تذكُّرَ الموتِ، يُزَهِّدُ في الدنيا، ويُحفزُ على العملِ الصالح، وعلى التوبة من الذنوب، والتخلُّصِ من مظالم العباد، وإعطاءِ الناس حقوقَهم، ولَمَّا كان الموت نهايةَ حياةِ الإنسان في هذه الدنيا، وقد شَرَعَ الله -سبحانه- للأمواتِ أحكاماً تجبُ معرفتُها وتنفيذها في أموات المسلمين، تُعْرَفُ بأحكامِ الجنائز، كانَ واجباً علينا معرفَتُها.
قال الإِمام ابنُ القيم -رحمه الله-: “كان هَدْيُ النبي ﷺ: في الجنائز أكملَ الهدي، مُخالفاً لهَدْيِ سائر الأمم، مشتملاً على الإِحسان إلى الميت ومعاملته بما ينفَعُه في قبرهِ ويوم معاده، وعلى الإِحسان إلى أهلهِ وأقاربه، وعلى إقامة عبودية الحي لله وحده فيها يعاملُ به الميت.
وكانَ من هَدْيهِ في الجنائز: إقامةُ العبودية للربِّ -تبارك وتعالى- على أكملِ الأحوال، والإِحسانُ إلى الميت وتجهيزُه إلى الله على أحسنِ أحواله وأفضلِها. ووقوفُه ﷺ: ووقوف أصحابهِ صفوفاً يحمَدُون الله، ويستغفرون للميت، ويسألون له المغفرةَ والرحمةَ، والتجاوز عنه، ثم المشيُ بينَ يديه إلى أن يُودِعُوه في حُفرته، ثم يقومُ هو وأصحابه بينَ يديه على قبرهِ، سائلين له التثبيتَ، أحوجَ ما كان إليه، ثم يتعاهدُهُ بالزيارة له في قبرِه، والسلام عليه، والدعاء له، كما يتعاهَدُ الحيُّ صاحبَهُ في دارِ الدنيا.
فأولُ ذلك: تعاهدُه في مرضِه، وتذكيرُهُ الآخرةَ، وأمرُه بالوصيةِ، والتوبةِ، وأمرُ مَنْ حَضَرَ بتلقينِه: شهادةَ أن لا إلهَ إلا الله، لتكونَ آخرَ كلامه.
فقد أجملَ الإِمامُ ابنُ القيم -رحمه الله- في هذه الكلمة الطيبة أحكامَ الجنائز، ونحن نفصِّلُها حسبَ الإِمكان.
فأولُ هذه الأحكام: أنه يُسْتَحَبُّ تلقينُ المحتضر: “لا إلهَ إلا الله”؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “لَقِّنُوا موتاكم “لا إلهَ إلا الله”رواه مسلم.
وذلك لتكونَ هذه الكلمة الطيبة آخرَ كلامه، ويُخْتَمَ له بها، فقد جاء في الحديث الذي رواه الإِمام أحمد وغيره مرفوعاً: “مَنْ كان آخرَ كلامه: “لا إلهَ إلا الله”، دَخَلَ الجنة”. ولأنَّ الشيطانَ يعرضُ للإِنسانِ في حالة احتضارِهِ، ليُفْسِدَ عقيدتَه، فإذا لُقِّنَ هذه الكلمةَ العظيمة، ونَطَقَ بها، فإنَّ ذلك يطرُدُ الشيطان، ويذَكِّرُه بعقيدةِ التوحيد.
ومن هذه الأحكام: أنه إذا ماتَ يُسرعُ في تجهيزِهِ: من تغسيله وتكفينه، والصلاة عليه، ونقله إلى قبره؛ لقولِ النبي ﷺ “لا ينبغي لجيفةِ مسلمٍ أن تُحْبَسَ بينَ ظهراني أهلِه” رواه أبو داود.
قال الإِمام ابنُ القيم -رحمه الله-: و”كانَ من هَدْيهِ ﷺ الإِسراعُ بتجهيزِ الميت إلى الله، وتطهيره، وتنظيفه، وتطييبه، وتكفينه في الثياب البِيض”.
قال: “وكانَ يأمُرُ بغَسْلِ الميت ثلاثاً أو خمساً أو أكثرَ بحسب ما يراهُ الغاسلُ، ويأمرُ بالكافورِ في الغَسْلةِ الأخيرة، وكان يأمرُ مَنْ وَلِيَ الميتَ أن يُحْسِنَ كفنَه، ويكفنَه بالبياض، وينهى عن المغالاتِ في الكفنِ.
والرجلُ يتولَّى تغسيلَه الرجالُ، والمرأةُ يتولَّى تغسيلَها النساءُ. ويجوزُ للرجل أن يغسلَ زوجتهَ. وللمرأةِ أن تغسلَ زوجَها.
ومن تعذَّرَ غسلُه لعدمِ الماء، أو لكونِ جسمه محترقاً، أو متقطعاً، لا يتحملُ الماءَ، فإنه يُتَيَّمُ بالترابِ، وإن تعذَّرَ غَسْلُ بعضِه غُسِلَ ما أمكنَ غسلُه منه، ويُمِّمَ عن الباقي.
والسقطُ يُصَلَّى عليه، ويُدعى لوالديه، بالمغفرةِ والرحمة” رواه أحمد وأبو داود وغيرهما.
فإذا غُسِلَ الميتُ وكُفِّنَ، فإنه يصلَّى عليه، والصلاةُ عليه جماعةً أفضلُ لفِعله ﷺ، وفعلِ أصحابه.
قال الإِمام ابنُ القيم -رحمه الله-: “ومقصودُ الصلاةِ على الجنازة هو الدعاء للميت”.
وقالَ شيخُ الإِسلام ابن تيمية -رحمه الله- على قوله تعالى ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ ﴾ التوبة:84.
لمَّا نهى الله نبيه عن الصلاة على المنافقين كان دليلاً على أن المؤمنَ يُصَلَّي عليه قبلَ الدفن، ويقامُ على قبرِهِ بعدَه.
ودلَّت الآية أيضاً على أنَّ الصلاةَ على المسلمين من أكبرِ القُربات، وأفضلِ الطاعات، ورتَّبَ الشارعُ عليها الجزاءَ الجزيل، كما في الصحاح، وغيرِها.
ودلَّت الآيةُ على أنَّ الصلاةَ عليه كانت عادةَ النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسلمين، وأمراً متقرراً عند المسلمين.
وكُلَّما كَثُرَ المصلُّون كان أفضلَ، لِما رَوَىَ مسلم في صحيحه: “ما مِنْ ميتٍ يُصَلِّى عليه أمةٌ من المسلمين يبلُغُونَ مئةً، كلُّهم يشفَعُون له، إلا شُفِّعُوا فيه.
ومَنْ فاتته الصلاةُ على الميت قبلَ دفنه، صَلَّى على قبره، لِما في الصحيحين من حديث أبي هريرة وابنِ عباس: “أنَّ النبي ﷺ صلَّى على قبرٍ، وذلك أنَّ امرأة سوداء كانت تَقُمُّ المسجدَ، ففقَدَها رسولُ الله ﷺ، فسأَلَ عنها، فقالوا: ماتت، فقال: أَفَلا كُنتم آذنْتُموني؟” قال: فكأنَّهم صَغَّرُوا أمرها، فقال: “دُلُّوني على قبرِها” فدلُّوه، فصلَّى عليها.
ثم بعدَ الصلاةِ على الميتِ يبادرُ بحملِهِ إلى قبره.
ويُستَحَبُّ للمسلمِ حضورُ الصلاة على أخيه المسلم، وتشييعُ جنازته إلى قبره، بسكينة وأدبٍ، وعدمِ رفع صوت، لا بقراءة ولا ذكر، ولا غير ذلك، فعن أبي هُريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله ﷺ -: “مَنْ شَهِدَ الجنازةَ حتى يُصَلِّى عليها فله قِيراطٌ، ومَنْ شَهِدَها حتى تُدْفَنَ فله قيراطانِ” قيل: وما القيراطانِ؟ قال: “مثل الجبلينِ العظيمين” متفق عليه.
ويُسَنُّ توسيعُ القبر وتعميقه، ويوضَعُ الميتُ فيه موجهاً إلى القبلة على جنبهِ الأيمن، ويُسَدُّ اللَّحْدُ عليه سدّاً مُحْكَماً، ثم يُهالُ عليه الترابُ.
ويُرْفَعُ القبر عن الأرضِ قدرَ شِبْرٍ، ويكونُ مسنَّماً، أي: محدّباً، وذلك ليُرى فيُعْرَفَ أنه قبر فلا يُوطأَ، ولا بأسَ أن يُجعلَ علامةٌ عليه، بأن يوضَعَ عليه حجرٌ ونحوه، ليعرِفَهُ مَنْ يريدُ زيارته للسلام عليه، والدعاء له.
ولا تجوزُ الكتابةُ على القبر، لا كتابة اسم الميت، ولا غيرها. ولا يجوزُ تجصيصُه، ولا البناءُ عليه.
ولا تجوز إضاءةُ المقابر بالأنوار الكهربائية، ولا غيرها، لحديثِ جابر قال: “نَهَى رسولُ الله ﷺ أَنْ يُجَصَّصَ القبرُ، وأن يُعْقَدَ عليه، وأن يُبْنَى عليه” رواه أحمد، ومسلم، والنسائي، وأبو داود، والترمذي وصحَّحه.
ولفظُه: “نَهَى أن تُجَصَّصَ القبورُ، وأن يُكْتَبَ عليها، وأن يُبْنَى عليها، وأنْ توطأَ”.
ولم يكن من هَدْيِهِ ﷺ تعليةُ القبور، ولا بناؤُها بآجُرٍّ، ولا بحجرٍ ولبن، ولا تشييدُها، ولا تطيينُها، ولا القِبابِ عليها، فكلُّ هذا بدعةٌ مكروهة مخالفةٌ لهَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم، وقد بَعَثَ عليَّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- إلى اليمن أن لا يَدَع تمثالاً إلاَّ طَمَسَه، ولا قبراً مُشْرِفاً إلا سَوَّاه”.
فسنتُه تسويةُ هذه القبورِ المشرفة كلها، ونهى أن يُجَصَّصَ القبرُ، وأن يُبنَى عليه، وأن يُكتبَ عليه، وكانت قبورُ أصحابِهِ لا مشرفةً ولا لاطئةً.
وهكذا كانَ قبرُهُ الكريم، وقبرا صاحبيه. فقبرُهُ صلى الله عليه وسلم مسنم مبطوحٌ ببطحاء العرضةِ الحمراء، لا مبنيٌّ ولا مُطَيَّنٌ.
وهكذا كانَ قبرا صاحبيه. وكانَ يُعَلِّمُ قبرَ مَنْ يريدُ تعرُّفَ قبرهِ بصخرةٍ.
ونهى صلى الله عليه وسلم عن اتخاذِ القبورِ مساجدَ، وإيقادِ السُّرُجِ عليها، واشتدَّ نهيُه في ذلك، حتى لَعَنَ فاعِلَه، ونهى عن الصلاةِ إلى القبور، ونَهَى أُمَّتَه أن يتخذوا قبرهَ عيداً، ولَعَنَ زوَّاراتِ القبور.
وكان هديُه: أَنْ لا تُهانَ القبورُ وتوطأ، وألا يُجْلَسَ عليها، ويتكَّأَ عليها، ولا تُعَظَّمَ بحيثُ تُتَّخَذُ مساجدَ، فيُصَلَّى عندها وإليها، أو تتخذُ أعياداً وأوثاناً. وكان إذا زارَ قبورَ أصحابه يزورُها للدعاء لهم، والترحُّم عليهم، والاستغفارِ لهم.
وهذه هي الزيارةُ التي سنَّها لأمته، وشَرَعَ لَهُم وأمرَهُم أن يقولوا إذا زاروها: “السلامُ عليكم أهلَ الديارِ من المؤمنين والمسلمين، وإنَّا إنْ شاء الله بكم لاحقون، نسألُ الله لنا ولكم العافية”.
وكانَ هديُهُ: أن يقولَ ويفعَلَ عند زيارتها من جنسِ ما يقولُه عند الصلاة على الميت من الدعاء، والترحُّمِ والاستغفار.
فأبى المشركون إلا دعاء الميت، والإِشراك به، والإِقسام على الله به، وسؤال الحوائج، والاستعانة به، والتوجه إليه.
بعكس هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم، فإنه هديُ توحيدٍ وإحسانٍ إلى الميت، وهَدْيُ هؤلاءِ شِرْكٌ وإساءةٌ إلى نفوسهم، وإلى الميتِ.
وهم ثلاثة أقسام: إما أن يدعو الميتَ، أو يدعو به أو عندَه. ويرَوْنَ الدعاءَ عنده أوجبَ وأولى من الدعاء في المساجد.
أيها المسلمون: ومن البدعِ المُحْدَثَةِ: القراءة عند الجنائز، أو عند القبور، قراءةُ الفاتحة أو قراءة شيءٍ من القرآن.
يزعُمون أنَّ ذلك ينفَعُ الميتَ، وهذا بدعةٌ؛ لأنَّه لم يكن من سنةِ الرسولِ -صلى الله عليه وسلم-، ومن عوائدِ الكُفَّار، ومَنْ يُقَلِّدُهم من جهلةِ المسلمين، إلقاء أكاليل الزُّهورِ على القبور.
ومن عوائدِ الكُفَّار ومَنْ يُقَلِّدُهم من جهلة المسلمين اليومَ: إعلانَ الإِحدادِ على الأمواتِ، ولُبْسُ السواد، وتنكيسُ الأعلام، وتعطيلُ الأعمال الرسمية من أجلِ ذلك، والوقوفُ والصمتُ بضعَ دقائق لروح الميت، وما أشبهَ ذلك من عوائدِ الجاهلية الباطلة.
فيجبُ على المسلمين الحذرُ من تقليدهم، والتشبه بهم.
أيها المسلمون: إن الذي ينفَعُ الميتَ بعد موته، هو ما شَرَعَهُ الرسولُ ﷺ من المبادرةِ بقضاء ديونه، فإن المسلم مرتهَنٌ بدَيْنِهِ حتى يُقْضَى عنه، وتنفيذِ وصاياه الشرعية، والدعاءِ له، والتصدُّقِ عنه، والحجِّ والعمرة عنه، قالَ صلى الله عليه وسلم: “إذا ماتَ ابنُ آدم انقطَعَ عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جارية، وعلمٍ يُنتفع به، وولدٍ صالحٍ يدعو له”.
ومما يجبُ أن يُعْلَمَ: أنه يحرُمُ على النساء اتباعُ الجنائزِ، وزيارةُ القبور، لحديثِ أم عطية -رضي الله عنها- قالت: “نُهينا عن اتباعِ الجنائز”.
والنهيُ يقتضي التحريمَ. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: “أن رسولَ الله ﷺ (لَعَنَ زائراتِ القبور) صحَّحه الترمذي.
فالمرأةُ لا تزورُ القبور، لا قبرَ النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا قبرَ غيره، وإنما زيارةُ القبور خاصةٌ بالرجال.
فاتقوا الله -عبادَ الله-، ولا تَنْسَوُا الموتَ، فتغفُلوا عن العمل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون﴾ المنافقون:9-11
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله ربِّ العالمين ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ الملك:2.
وأشهَدُ أَنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خَلَقَ الخلقَ ورزقهم، ولم يتركْهُم هَمَلاً، بل أنزلَ عليهم الكتبَ، وأرسلَ إليهم رسلاً، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين تمسَّكُوا بسنَّتِهِ، ولم يرتَضُوا بها بدلاً، وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيًّها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلَموا أنَّ الله شَرَعَ الصبرَ عند المصائب، ووعدَ الصابرين بجزيلِ الثواب، ونَهَى عن التسخُّطِ والجَزَعِ، وتوعَّدَ على ذلك بأليمِ العقاب، فنهى سبحانه عن عادةِ الأمم التي لا تؤمنُ بالبعث والنشور؛ من لطمِ الخدود، وشَقِّ الجيوب، وحلقِ الرؤوس، ورفعِ الصوت بالندب، والنياحة، وتوابعِ ذلك.
أمَّا البكاءُ الذي لا صوتَ معه، وحُزْنُ القلب، فلا بأسَ بهما، وقد قالَ النبيُّ ﷺ : “تدمَعُ العينُ، ويحزَنُ القلبُ، ولا نقولُ إلا ما يُرضي الربَّ” رواه البخاري.
وتُستحبُّ تعزيةُ المصاب بالميتِ، وحثُّه على الصبرِ والاحتساب. ولفظُ التعزية: أن يقولَ: أعظمَ الله أجركَ، وأحسنَ عزاءَك، وغَفَرَ لميتِك.
ولا ينبغي الجلوسُ للعزاءِ، والإِعلان عن مكانِ الجلوس للعَزاءِ.
قال الإِمام ابنُ القيم -رحمه الله-: وكان من هَدْيهِ ﷺ: تعزيةُ أهل الميت، ولم يكن من هَدْيِهِ أن يجتمعَ للعَزاءِ، ويقرأَ له القرآنَ، لا عندَ قبره ولا غيره، وكلُّ هذا بدعةٌ حادثة مكروهة.
وكانَ من هَدْيهِ: السكونُ والرضا بقضاءِ الله، والحمدُ لله، والاسترجاعُ.
ويبرأُ مِمَّنْ خَرَقَ لأجل المصيبةِ ثيابَه، أو رَفَعَ صوتَه بالندب والنياحة، أو حَلَقَ لها شعره.
وكانَ من هَدْيِهِ: أَنَّ أهلَ الميت لا يُكَلَّفُونَ الطعام للناس، بل أمرَ أن يصنَعَ الناسُ لهم طعاماً يرسلونه إليهم، وهذا من أعظمِ مكارم الأخلاق، والشِّيَمِ، والحمل عن أهل الميت، فإنهم في شُغلٍ بمُصابِهم عن إطعامِ الناس.
وكان من هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم: تركُ نعي الميت، بل كان يَنْهَى عنه، ويقول هو عملُ الجاهلية.
وقد كَرِهَ حذيفةُ: أن يُعلِم به أهلُه الناسَ إذا مات، وقال: “أخافُ أن يكون من النعي”.
فهذا الذي حَذَّرَ منه ابنُ القيم يفعَلُه كثيرٌ من الناس اليوم، يجتمعون للعزاء، ويُعلنون عن مكانه في الصحف.
وبعضُهم يهيِّئُونَ مكاناً لاجتماع الناس، ويصنعونَ الطعامَ، ويستأجرون المُقرئين.
وقد روى الإِمام أحمدُ عن جرير بن عبد الله قال: “كُنَّا نَعُدُّ الاجتماعَ إلى أهل الميت، وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحةِ” ورجالُ إسناده ثقات.
فلا ينبغي جلوسُ المُصابِ في مكان لأجلِ العزاء، بل يخرجُ لعملِه كعادته قبل المصيبة، ومَنْ لَقِيَه في طريقه، فإنه يُعزيه التعزيةَ المشروعة، أو في أي مكان.
ويذكر أنه في بعضِ الجهات يأتي الناسُ من بعيدٍ وقريب لأجل التعزية، ويأتُونَ معهم بأغنام وأكياس من الطعام، تُجْمَعُ عند المصاب، فيُذْبَحُ من الأغنام، ويطبخُ منها ومن الطعام، ويُقَدَّمُ للناس مدةً معينة من الأيام.
وهذا العملُ بدعةٌ ومنكَرٌ، لا يجوزُ فعلُه، وصرفٌ للأموال والأوقات بغير فائدةٍ.
والواجبُ: العمل بسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا وفي غيره.
فإنَّ وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: إِنَّ الله وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.
اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه،
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي،
وعن بقية الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
رئيس لجنة الأوقاف في مكتب إدارة اتحاد علماء إفريقيا ومسؤول البرامج والمشاريع في مكتب الأمانة العامة وبعض الأعضاء من دول الاتحاد يشاركون في برنامج رحلة العمرة العلمية.
سافر رئيس لجنة الأوقاف في مكتب إدارة اتحاد علماء إفريقيا الشيخ الأستاذ عبد الفتاح حسن أحمد من الصومال ومسؤول البرامج والمشاريع في مكتب الأمانة العامة الأستاذ إبراهيم سيلا للمشاركة في برنامج رحلة العمرة العلمية، والمخصصة في المزيد…
رئيس لجنة الأوقاف في مكتب إدارة اتحاد علماء إفريقيا ومسؤول البرامج والمشاريع في مكتب الأمانة العامة وبعض الأعضاء من دول الاتحاد يشاركون في برنامج رحلة العمرة العلمية.
سافر رئيس لجنة الأوقاف في مكتب إدارة اتحاد علماء إفريقيا الشيخ الأستاذ عبد الفتاح حسن أحمد من الصومال ومسؤول البرامج والمشاريع في مكتب الأمانة العامة الأستاذ إبراهيم سيلا للمشاركة في برنامج رحلة العمرة العلمية، والمخصصة في هذه النسخة للأوقاف وطرق تفعليها في إفريقيا .
والبرنامج بالتعاون مع بعض شركاء اتحاد علماء إفريقيا المتعاونة مع جمعية منافع الحجاج والمعتمرين والزوار.
والبرنامج يستمر من فترة 13 إلى 20 من شهر نوفمبر 2025م الجاري .
وتمنياتنا لهم بالتوفيق والنجاح.
مع خالص الشكر والتقدير وتحيات مكتب الأمانة العامة/ قسم الإعلام والمعلوماتية
| مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
| رقم الخطبة | عنوان الخطبة | معد الخطبة | تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
| 245 | يوم القيــــــــــــــامــــــــــــــــــــــــــة | الشيخ عمر بن عبد الله المشاري خطيب الحرم | 16/05/1447هـ الموافق 07/11/2025م | الأمانة العامة |
الموضوع:” يوم القيامة “
الحمد لله القائل في كتابه ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثًا ﴾: النساء: 87 ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله -أيها المؤمنون-، واعملوا صالحاً كما أمركم الله بذلك، واجعلوا التقوى زادكم ليوم معادكم، يقول الله تعالى ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ * فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ يس: 51-54 ينفخ في الصور نفختان: نفخة الفزع والموت، ونفخة البعث والنشور التي يخرج الناس من قبورهم يأتون أفواجاً إلى أرض المحشر، يقومون قياماً طويلاً، ومن هول ذلك اليوم ينسون أنسابهم، وكلٌّ ينشغل بنفسه، يريد لها النجاة، ولا يسأل أحدهم عن حال غيره حتى ولو كان صديقاً حميماً، يُحشرون حفاة عراة غرلاً، قالت عائشة -رضي الله عنها- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: “الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟ فَقَالَ: “الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ“، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “يَطْوِي اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- السَّمَوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ “(أخرجه مسلم.
وفي يوم القيامة تكون الأرض جميعاً قبضته والسموات مطويات بيمينه، قال تعالى ﴿ وَمَا قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ الزمر: 67.
عباد الله: من شدة أهوال القيامة: فرار المرء من أخيه وأُمِّه وأبيه وصاحبته وبنيه. إنَّ يوم القيامة عظيم لعظم ما فيه وشدَّته، وهو يوم البعث، قال تعالى ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ المؤمنون: 16. عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ ﴾ : قَالَ: “يَقُومُ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ” (أخرجه البخاري، ومقدار ذلك اليوم خمسون ألف سنة، فَقَالَ رَسُولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) : “كَيْفَ بِكُمْ إِذَا جَمَعَكُمُ اللهُ كَمَا يُجْمَعُ النَّبْلُ فِي الْكِنَانَةِ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْكُمْ“(أخرجه الحاكم وصححه. يُهوِّنه الله – تعالى- على المؤمنين، قال النبي – صلى الله عليه وسلم ) -“يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ مِقْدَارَ نِصْفِ يَوْمٍ مِنْ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، يُهَوِّنُ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كَتَدَلِّي الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ“(أخرجه ابن حبان وصححه الألباني.
وفي يوم القيامة تكون السماء كالمهل (وهو الرصاص المذاب من تشققها وبلوغ الهول منها كلَّ مبلغ)، ويُخسف بالقمر وتُجمع فيه الشمس والقمر، قال تعالى﴿ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ﴾ الْمَفَرُّ القيامة: 7-10
قال السعدي -رحمه الله-: “إذا كانت القيامة برقت الأبصار من الهول العظيم، وشخصت فلا تطرف“.
عباد الله: من مشاهد يوم القيامة ما قاله الله -تعالى- في سورة التكوير﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ﴾ لتكوير: 1-14 . إنَّه يوم تكوَّرُ فيه الشمس وتنكدر فيه النجوم وتسقط وتنتثر، وتُسيِّر فيه الجبال تمرُّ مرَّ السحاب، تكون كالعهن المنفوش، والبحار تُسجَّر، فتوقدُ على عظمها حتى تصبح ناراً تتوقد، يوم القيامة عظيم يكونُ فيه الناس كالفراشِ المبثوث.
عباد الله: من مشاهد يوم القيامة ورود المؤمنين على حوض النبي -صلى الله عليه وسلم- يشربون من مائه، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلاَ يَظْمَأُ أَبَدًا“(أخرجه الشيخان)، وقال عليه.
ثم بعد ذلك يُرفع لكل نبي حوضه فيسقى منه صالح أمته، قال النبي -صلى الله عليه وسلم : “( إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا وَإِنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً، وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً“(أخرجه الترمذي وحسنه الألباني.
ثم يقوم الناس مقاماً طويلاً ثم تكون الشفاعة العظمى لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بأن يُعجِّل الله حساب الخلائق، ثم يكون عرض الأعمال، ثم الحساب، ثم يؤتى أهل اليمين كتابهم باليمين -جعلني الله وإياكم ووالدينا منهم-، ثم يؤتى أهل الشمال كتابهم بالشمال -عياذاً بالله من ذلك-، وكلٌّ يقرأ كتابه ثم يكون الميزان توزن به الأعمال، قال تعالى﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ الأنبياء: 47.
وفي يوم القيامة تسوَّد وجوه أهل النار، ويُنجِّي الله أهل التقوى، قال تعالى ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ الله هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * تِلْكَ آيَاتُ الله نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ﴾ آل عمران: 106- 108.
وقَالَ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “يَجْمَعُ اللهُ – تَبَارَكَ وَتعالى- النَّاسَ، فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تُزْلَفَ لَهُمُ الْجَنَّةُ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: يَا أَبَانَا، اسْتَفْتِحْ لَنَا الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: وَهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ آدَمَ، لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى ابْنِي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللهِ” قَالَ: “فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلًا مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ، اعْمِدُوا إِلَى مُوسَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي كَلَّمَهُ اللهُ تَكْلِيمًا، فَيَأْتُونَ مُوسَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى كَلِمَةِ اللهِ وَرُوحِهِ، فَيَقُولُ عِيسَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيَقُومُ فَيُؤْذَنُ لَهُ، وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ” قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ؟ قَالَ: “أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ؟ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ، وَشَدِّ الرِّجَالِ، تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ، وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلَا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلَّا زَحْفًا” قَالَ: “وَفِي حَافَتَيِ الصِّرَاطِ كَلَالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنِ اُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ، وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا“(أخرجه مسلم.
عباد الله: أعدِّوا الزاد ليوم المعاد، واستعدوا له كلَّ استعداد.
يا من أراد السلامة والعافية والنجاة في الآخرة: اجتهد في الأعمال الصالحة، واجتنب كل إثمٍ وخطيئةٍ وتب إلى الله، ولا تُسوِّف فإنَّ الدنيا مهما رأيتها طويلة فهي جد قصيرة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وفق من شاء لطاعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران: 102 .
عباد الله: قال الحسن -رحمه الله-: “إِنَّ الْمُؤْمِنَ قَوَّامٌ عَلَى نَفْسِهِ، يُحَاسِبُ نَفْسَهُ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَإِنَّمَا خَفَّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَوْمٍ حَاسَبُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا شَقَّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَوْمٍ أَخَذُوا هَذَا الْأَمْرَ مِنْ غَيْرِ مُحَاسَبَةٍ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَفْجَأُهُ الشَّيْءَ يُعْجِبُهُ، فَيَقُولُ: وَالله إِنِّي لَأَشْتَهِيكَ، وَإِنَّكَ لَمِنْ حَاجَتِي، وَلَكِنْ وَالله مَا مِنْ صِلَةٍ إِلَيْكَ، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَيَفْرُطُ مِنْهُ الشَّيْءُ فَيَرْجِعُ إِلَى نَفْسِهِ، فَيَقُولُ: مَا أَرَدْتُ إِلَى هَذَا، مَا لِي وَلِهَذَا، وَالله لَا أَعُودُ إِلَى هَذَا أَبَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَوْمٌ أَوْثَقَهُمُ الْقُرْآنُ، وَحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ هَلَكَتِهِمْ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ أَسِيرٌ فِي الدُّنْيَا يَسْعَى فِي فِكَاكِ رَقَبَتِهِ، لَا يَأْمَنُ شَيْئًا حَتَّى يَلْقَى الله، يَعْلَمُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ عَلَيْهِ فِي سَمْعِهِ، فِي بَصَرِهِ، فِي لِسَانِهِ، فِي جَوَارِحِهِ، يَعْلَمُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ“.
فاتقوا الله -أيها المؤمنون- وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
عباد الله: إِنَّ الله وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
مشروع خطب الجمعة في إفريقيا |
||||
رقم الخطبة |
عنوان الخطبة |
معد الخطبة |
تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة |
المراجعة والنشر |
244 |
السبع الموبقات |
الشيخ .سعيد محسن الشمري |
09/05/1447هـ الموافق 31/10/2025م |
الأمانة العامة |
الموضوع: ” السبع الموبقات “
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ النساء: 1. أما بعد:
فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) رواه البخاري برقم 2615، ومسلم برقم 89.
يحذر النبي صلى الله عليه وسلم أُمَّتَه من الوقوع في الذنوب الْمُهلِكة، والكبائر العظيمة التي تُوبِق صاحبها وتُهلِكه، فالواجب على المسلم أن يبتعد عنها وما يقرب إليها، ويحذر الوقوع فيها، ويحذر إخوانه من ارتكابها، فمن وقع فيها فقد ظلم نفسه، وعرَّضها لعذاب الله تعالى ومَقْتِهِ.
أعظم هذه الموبقات المهلكات الشرك بالله عز وجل: حيث إن الشرك أعظم ذنب عُصِيَ الله تعالى به، وأعظم ما نهى الله عنه، وحقيقته صرف عبادة من العبادات إلى غير الله عز وجل، أو ما صرف ما لله تعالى لغيره، أو هو أن يجعل لله شريكًا في عبادته، أو شريكًا في ربوبيته، أو شريكًا في أسمائه وصفاته.
الشرك أكبر الكبائر وأعظم الذنوب: قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ النساء: 48. وقال تعالى: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ المائدة: 72
يترك المرء الشرك – صغيره وكبيره – لا يتوكل إلا على الله عز وجل، لا يخلص العبادة إلا لله عز وجل، لا يرائي في عبادة الله عز وجل، لا يدعو إلا الله عز وجل، لا يستغيث ولا يستعين ولا يسأل إلا الله عز وجل، لا يحلف إلا بالله عز وجل، لا ينذر إلا لله عز وجل.
ومن أعظم الْمُوبقات السِّحْر: السحر الذي هو شرٌّ وبلاء وفساد وكفر بالله عز وجل، والساحر شيطان كافر بالله عز وجل؛ حيث إنه لا يسحر إلا بالاستعانة بغير الله تعالى، يسجد لغير الله – أي الساحر – يستغيث بغير الله عز وجل، يستعين بالشياطين، يستنفع بهم ويستنفعون به، وأثَرُ السحر يظهر على بدن الإنسان وعقله، يفرقون بين المرء وخليله، وبين المرأة وزوجها.
قال تعالى: ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ﴾ البقرة: 102، ولكن ضرر السحر لا يقع إلا بإذن الله تعالى، ولا يضر إلا أن يشاء الله عز وجل: ﴿ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ … ﴾ البقرة: 102.
والساحر مُفْسِد شيطان، يجب على وليِّ الأمر قتله. عن جندب رضي الله عنه قال: (حدُّ الساحر ضربة بالسيف ) رواه الترمذي، قال المناوى: صحيح غريب، قال الذهبي في الكبائر: الصحيح أنه من قول جندب،
ولا يجوز للمسلم أن يأتي إلى السَّحَرة ونحوهم من العرافين والكهنة والمشعوذين.
عن جابر بن عبدالله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول، فقد كَفَر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.) رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، خَلَا عُقْبَةَ بْنَ سِنَانٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ؛
عن نافع، عن صفية، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أتى عرَّافًا فسأله عن شيء، لم تُقبَل له صلاة أربعين ليلةً (مسلم: السلام (2230)، وأحمد (4 /68،5/380)
يحفظ المرء نفسه من شر السحرة الأفَّاكين بالتوكل على الله عز وجل، وتفويض الأمر إلى الله عز وجل، والمحافظة على الصلوات، والأذكار الواردات، وسورة البقرة. عن زيد، أنه سمع أبا سلام، يقول: حدثني أبو أمامة الباهلي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((اقرؤوا سورة البقرة؛ فإن أخذها بركة، وتركَها حسرة، ولا تستطيعها البَطَلة( رواه مسلم (1/ 553/ 804) قال معاوية: بلغني أن البطلة: السحرة. أعاذنا الله عز وجل من شر السَّحَرة الفَجرة.
ومن أعظم الموبقات قتل النفس التي حرَّم الله عز وجل إلا بالحق: عن عبدالله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَزوالُ الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم( أخرجه الترمذي (1395)، تحقيق الألباني: صحيح، غاية المرام (439)
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ النساء: 93، ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ الإسراء: 33.
حرمة المؤمن عند الله عز وجل عظيمة، ينتقم الله عز وجل لعباده الذي قُتِلوا ظلمًا وعدوانًا “بشِّرِ القاتل بالقتل”.
يقِرُّ الله عز وجل عيون المؤمنين بهلاك الظالم الغاشم عاجلًا بإذن الله تعالى؛ فالإنسان بنيان بناه الله عز وجل وأكرمه بأنواع الكرامة، فلا يُعتدى عليه، بل من أشار على مؤمن بحديدة لعنته الملائكة حتى يضعها، فكيف إذا قتله؟!
نسأل الله تعالى أن ينتقم من النُّصَيرية الحاقدة، وأن ينصر إخواننا في الشام.
ومن أعظم الموبقات – عباد الله – الربا: الربا كبيرة من الكبائر، وصاحبها ملعون محارب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
الربا سبب الانهيار والفقر وغضب الله تعالى. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ البقرة: 278.
عن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لعن الله آكِلَ الربا، ومُوكله، وشاهديه، وكاتبه)) النسائي: (8/147)، ورواه مسلم (1958)
عن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما ظهر في قوم الزنا والربا، إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله جل وعلا)) رواه أحمد (3809)، تعليق الشيخ الألباني: حسن لغيره؛ (3/ 51)
ثم لتعلموا – عباد الله – أن من محاسن الدينِ الأمرَ بالإحسان إلى اليتامى، والقيام بشؤونهم، ورعاية أموالهم، وحفظها لهم، وحذَّر الله عز وجل من أكل أموال اليتامى ظلمًا. قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ النساء: 10.
فمن كان عنده يتيم وهو دون البلوغ، فَلْيُحسن إليه، وله أن يأخذ من مال اليتيم بالمعروف إن كان فقيرًا.
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ النساء: 6.
ومن الموبقات التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث التولي يوم الزحف: فإذا التقى الصفَّان، وزحف الجيش إلى العدو يريد قتاله، فإنه يحرم الفرار إلا متحرِّفًا لقتال، أو متحيزًا إلى فئة، وإذا فرَّ بلا عذر، فقد باء بغضب من الله عز وجل، ومأواه جهنم، وبئس المصير. قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ .الأنفال: 16. فالأصل في المجاهد الشجاعة والإقدام، فلا يقع في قلبه هلع ولا فزع، بل يقوي قلبه بالله تعالى.
وأما الموبقة السابعة التي ذكرها النبي فهي قذف المحصنات الغافلات: قذفهن ورمْيُهن بالفاحشة، ولا فرق بالحكم بين من قذف مؤمنةً، أو من قذف مؤمنًا، ولكن الله عز وجل ذكر المؤمنات المحصنات الغافلات؛ لأن أغلب القذف يقع على النساء المحصنات العفيفات الغافلات عن الفواحش، وقد كتب الله عز وجل على من قذف الحدَّ في الدنيا.
قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ النور: 4. المؤمن يحفظ لسانه، ولا يشيع الفاحشة؛ لأن القذف إشاعة للفواحش.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم؛ أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعملوا بطاعة الله، واجتنبوا معصية الله، توبوا إلى الله عز وجل، وأنيبوا إليه بالإيمان والعمل الصالح.
دعاكم ربكم إلى التوبة من الذنوب والآثام؛ فبابُ التوبة مفتوح.
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يقبل توبة العبد ما لم يُغَرْغِرْ) أخرجه أحمد (3 /117)، تعليق الشيخ الألباني: حسن لغيره؛ .
توبوا إلى الله عز وجل توبةً خالصةً لله عز وجل، ناصحةً لله عز وجل. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ التحريم: 8. التوبة نور للعبد من ظلمات الذنوب والمعاصي. – التوبة تجديدٌ للقلب وتطهير له.
التوبة تزكية للنفس – رزقني الله وإياكم التوبةَ النصوح، وثبَّتنا وإياكم على دينه القويم، وأن يعيذنا وإياكم من الشيطان الرجيم، وأن يتوفانا وإياكم على الإسلام والسُّنَّة، غير مبدِّلين ولا مُغيِّرين.
مشروع خطب الجمعة في إفريقيا |
||||
رقم الخطبة |
عنوان الخطبة |
معد الخطبة |
تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة |
المراجعة والنشر |
243 |
خطورة الزنا وسبل الوقاية منه |
د. علي وفا علي |
02/05/1447هـ الموافق 24/10/2025م |
الأمانة العامة |
الموضوع: ” مخاطر الزنا وسُبُل الوقاية منه”
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وخاتم النبيين، سيدنا محمد بن عبدالله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الأكرمين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد:
عبادا الله: فاتقوا الله واعلموا أن الإسلام دين العفة والطهر والنقاء، والعزة والقوة؛ ولذا حرم الله تعالى الفواحش ما ظهر منها وما بطن؛ لأن الفواحش مصدر الضعف والهلاك والذل والهوان؛ فقال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ الأعراف: 33. وأشد أنواع الفواحش وأخطرها : الزنا، تلك الجريمة المنكرة والفاحشة المدمرة التي تؤدي إلى الهلاك والهوان، والفقر والمرض، وغضب الله تعالى ومقته؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات – أي: المهلكات – وذكر منها الزنا) .
عباد الله إن للزنا خطورة وعقوبته: علينا معرفتها فهي جريمة عظيمة تعدل القتل في الشناعة وسوء المصير، فالزاني المحصَن إذا ثبت زناه استُبيح دمه، فكان مثله في الحكم عليه مثل المرتد ومثل قاتل النفس؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة))، أيها المسلمون ليس هناك أكبر من هذه الجرائم الثلاث؛ لذلك كان الفاعل لواحدة منها مستباح الدم.
ولخطورة الزنا جاء مقرونًا في القرآن الكريم بالشرك والقتل، ووعد الله فاعله بمضاعفة العذاب عليه إلا أن يتوب من جرمه؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا ﴾ الفرقان: 68 – 70
ولقد اقترن حال الزاني بحال المشرك في كتاب الله؛ قال الله تعالى: ﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ النور: 3.، وليس هذا عجيبًا؛ لأن آثار الزنا وعواقبه وخيمة جدًّا على الفرد والجماعة، وعلى الزاني والزانية، وعلى زوجها وأهلها وولدها، وما ينتج عن السفاح من حمل، فهو جناية عليه وعلى المجتمع بأسره، فكم دمر الزنا بيوتًا وهدم مجتمعات! وكم أذلَّ من أناس! وكم أدخل على أناس من ليس منهم! وكم أخذ من الميراث من ليس له حق فيه! حتى قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: “لا أعلم بعد القتل ذنبًا أعظم من الزنا”؛ ومن ثَمَّ لا يجتمع الزنا والإيمان؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن …))؛ متفق عليه.
ومن العقوبة أيضًا أن يذوق الزاني ذلَّ تلك المعصية في أهله؛ لأنه دَيْنٌ لا بد من أدائه؛ فقد جاء في الحديث الذي رواه الطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بَرُّوا آباءكم تبرَّكم أبناؤكم، وعفُّوا تعفَّ نساؤكم)) ، فيا من يحاول الوقوع في الزنا، أو وقع فيه ولم يتب، كن على يقين وثقة بأن ساعة القصاص قريبة، وأن الديان موجود، فكما تدين تدان، وبالكيل الذي تكيل به لغيرك تكتال لنفسك، فالجزاء من جنس العمل ولو بعد حين
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأصحابه ومن اقتفى أثرهم.
عباد الله بعد أن عرفنا خطورة الزنا وعقوبته، علينا أن معرفة سبل الوقاية منها، إن الذي يمنع وقوع هذه الجريمة، ويضيِّق دائرتها هو ما أمر به الإسلام من أحكام وآداب وعقائد وأخلاق؛ وقد قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ الإسراء: 32. والمعنى: ابتعدوا عن أسباب الزنا، وعن المواضع التي يُحتمل فيها الوقوع في الزنا لِتَقُوا أنفسكم من شره وسوء مصيره.
ومن أسباب الوقاية من الزنا
. 1 قوة الإيمان بالله تعالى وتذكر الآخرة؛ لذا وجب على العبد ليعصم نفسه من الفواحش أن يقويَ إيمانه بالله، وأن يتقيَه ويخشاه ويحسن مراقبته لله سبحانه، ويستحضر هيبة الله وعظمته، ويتذكر وعيده وعذابه لمن خالف أمره وارتكب ما نهاه عنه، فإذا ملأت مخافة الله سبحانه قلب العبد، كان مبتعدًا عن نواهيه أشد البعد؛ يقول سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ ﴾ الأعراف: 201، 202.، وقد ضرب الله لنا مثلًا بيوسفَ عليه السلام الذي تواجدت حوله دواعي الجريمة، ولكنه استعصم بالله، و﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ يوسف: 23.
. 2 التزام النساء بالملابس السابغة المحتشمة التي هي كرامةٌ لهنَّ وحماية من الأذى؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾ الأحزاب: 59.
-
3. أدب غض البصر، وكف العيون الخائنة من البحث عن العورات؛ قال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ النور: 30، 31، فغضُّ البصر والسمع عما يثير الغرائز والشهوات من أغانٍ ماجنة، وأفلام عاهرة، وصور عارية – نجاةٌ للعبد وراحة لقلبه وعقله؛ لأن مدَّ البصر والسمع للشهوات هي الخطوات الأولى التي يقود بها الشيطان أولياءه للوقوع في الزنا.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((العينان تزنيان، واليدان تزنيان، والرجلان تزنيان، ويصدِّق ذلك أو يكذِّبه الفَرْجُ))؛ مسند أحمد.
. 4 عدم الخلوة بين الرجل والمرأة غير ذات المَحْرَمِ طهارة لقلوبهم وقلوبهن؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾ الأحزاب: 53. وفي الحديث الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم محذِّرًا: ((ولا يخلونَّ رجلٌ بامرأة؛ فإن الشيطان ثالثهما))؛ مسند أحمد.
وأخطر الخلوة تكون من الأقرباء؛ لأن دخولهم على البيت معتادٌ من غير نكير، فكان الخطر منهم أكبر والفتنة أمكن؛ لذا قال صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت))؛ متفق عليه، والحمو: هو قريب الزوج.
. 5 المباعدة بين مجالس الرجال ومجالس النساء حتى في المساجد دور العبادة، فللرجال أماكنهم وللنساء أماكنهن.
. 6 منع الاختلاط المحرم في أماكن التعليم والعمل وكل مجال يقود إلى الفتنة.
. 7 تيسير سبل الزواج؛ قال الله تعالى: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ النور: 32، والتزام العفاف لمن لا يقدر على تكاليف النكاح؛ قال تعالى: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ النور: 33، فمن عفَّ عن الحرام خوفًا من الله تعالى، أغناه الله تعالى ورزقه الحلال، فمن ترك شيئًا لله، عوَّضه الله خيرًا منه.
. 8 التزام الاستئذان والاستئناس؛ حتى لا تقع عين المسلم على عورات أو تلتقيَ بمفاتن.
. 9 تجنب الحديث عن الفواحش وأصحابها؛ لأن كثرة أخبارها تدعو النفوس إلى التهاون بها واستسهالها، ولا تزال تتكرر حتى تصير متداولة مألوفة غير مستنكرة؛ وقد قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ النور: 19.
10 . تجنب أصدقاء السوء الذين يزينون الحرام، ويتكلمون في الحرام، ويستسهلون الحرام، ويدلون عليه، فكم من صالح وصالحة من أسرة طيبة فسد وفسدت حياته بسبب صديق أو صديقة فاسدة! فصديق السوء ﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ ﴾ الحشر: 16.
اللهم حبِّبْ إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكَرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، اللهم أتْمِم لنا نورنا، واغفر لنا وارحمنا، اللهم إنا نسألك الرضا بعد القضاء، ونسألك برد العيش بعد الموت، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زيِّنا بزينة الإيمان، واجعلنا هُداةً مهتدين، اللهم إنا نسألك الجنة وما قَرَّب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قَرَّب إليها من قول أو عمل، اللهم اجعلنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
اللهم وصل وسلم على نبينا محمد وأهل بيته وأزواجه وذريته.
مشروع خطب الجمعة في إفريقيا |
||||
رقم الخطبة |
عنوان الخطبة |
معد الخطبة |
تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة |
المراجعة والنشر |
242 |
الحقوق الزوجية |
د. محمود بن أحمد الدوسري |
25/04/1447هـ الموافق 17/10/2025م |
الأمانة العامة |
الموضوع: ” الحقوق الزوجية”
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
عبادا الله فاتقوا الله واعلموا أن هناك حقوق مشتركة تجب لكل واحدٍ من الزوجين تجاه الآخَر، فمِنْ أهمِّ الحقوق المشتركة بينهما:
-
المعاشرة بالمعروف: فيُعاشِر كلٌّ من الزوجين صاحِبَه معاشرةً حسنة، فلا يؤذيه بالفعل ولا بالقول ولا بما يُستنكر شرعاً ولا عُرفاً ولا مروءة، وإنما بالصبر والرحمة واللُّطف والرِّفق. قال الله تعالى: ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21]، فالمودة والرحمة هي أصلُ حُسْنِ الصحبة، والمعاشرة بالمعروف، وهي سِرُّ السعادة بين الزوجين.
-
المُناصحة بينهما: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» رواه البخاري ومسلم. وبعض الأزواج يظن أنَّ قيام المرأة بالنصيحة له نوع من التطاول على حقِّه، وخَدش لكرامته، وللقوامة عليها، وهذا خطأ فادح؛ لأن التناصح مأمور به شرعاً.
-
حقُّ الإنجاب: وهو أمْرٌ فِطري عند الرجل والمرأة، وينبغي لِمَنْ زهِدَ منهما في الولد أن يُراعي حقَّ الآخَر؛ ولهذا رأى الفقهاء – لَمَّا تحدَّثوا عن العَزْل – أن يكون بإذن الزوجة؛ مراعاةً لِحَقِّها في قضاء الوَطر، وحقِّها في الولد.
أيها المسلمون.. إنَّ الأصل في حقوق الزوجة على زوجها قولُ الله تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19]؛ وقوله: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا» حسن – رواه الترمذي.
ومن حقوق الزوجة على زوجها:
-
المهر: لقوله تعالى: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾ [النساء: 4]، والمهر نوع من أنواع الهدية، يُقدِّمه الرجل بين يدي عقد الزواج.
-
النفقة والسكن المُناسب: النفقة تلزم الزوجَ من حين عقد النكاح، يُعِدُّ له السكنَ المُناسب والمتاع، ويُوفِّر لها الطعامَ والشراب والكِسْوَة، ولا تُلزَم الزوجة بالنفقة ولو كانت ذاتَ مال – إلاَّ أنْ تتطوع به عن طِيبِ نفسٍ منها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» رواه مسلم.
ولقوله تعالى: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ﴾ [الطلاق: 6] أي: على قَدْرِ سعتكم وطاقتكم؛ فإنْ كان مُوسِراً يُوَسِّع عليها في المسكن والنفقة، وإنْ كان فقيرًا فعلى قَدْرِ الطاقة؛ ولقوله تعالى: ﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا ﴾ [الطلاق: 7.
-
تعليمُها أمورَ دينها: لأنَّ الزوج راعٍ ومسؤول عن رعيته، ويأذن لها أنْ تحضر مجالس العلم، وهو أمر يتساهل فيه كثير من الأزواج، ونَسُوا قولَه تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6]؛ وقوله تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ [طه: 132].
-
الصَّبر عليها: والعفوُ عنها، ومراعاة ما فيها من قصورٍ فِطري، والتغافل عما يصدر عنها؛ رحمةً بها وشفقةً عليها، وعملاً بوصية النبي صلى الله عليه وسلم: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» رواه البخاري ومسلم. وهو داخل في المعاشرة بالمعروف.
-
أنْ يرعاها إذا مَرِضَتْ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما؛ قَالَ: تَغَيَّبَ عُثْمَانُ – رضي الله عنه – عَنْ بَدْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [رقية] وَكَانَتْ مَرِيضَةً. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ» رواه البخاري. وكذلك يُساعدها فيما ثَقُل عليها من الحمْل، وعند الوضع.
عباد الله.. ومن حقوق الزوجة – إجمالاً: طلاقة الوجه، والكلمة الطيبة. ويجلس معها ويؤانسها ويُسامرها. ويتزيَّن ويتجمَّل لها. ويُسلَّم عليها إذا دخل البيت. ويحترم أهلها. ويصونها، ويحفظها، ويجعلها تشعر بالأمان معه. ويمنعها من جميع أنواع الفساد؛ ومن ذلك التبرج والسفور. ولا يمنعها من زيارة أهلها وأقاربها. ويُحْسِن الظنَّ بها، ولا يتخوَّنها. ويحفَظ هيبتها وكرامتها أمام الناس، ولا يعاملها معاملة الإماء. ويعمل على إعفافها، وتلبية رغباتها. ويُلاطفها ويُلاعبها ويُضاحكها. ويَستشيرها، ويحترم رأيها. ويَغار عليها ويصونها، ويحفظ عِرْضَها. ويَسْمُر معها يُحدِّثها ويستمع إلى حديثها. ولا يغيبَ عنها أكثر من أربعة أشهر. ولا يهجرها – إذا هجرها – إلاَّ في البيت. ويعدل بينها وبين الزوجة الأُخرى – إنْ كان معدِّداً. ولا يضايقها ليُكرِهَها على المُفارقة والتَّنازل عن حقها. ولا يُخرِجها من بيتها وقت العدة، ولا تَخرج هي كذلك. ويُنْفِق عليها ويُوفِّر لها سكناً إذا كان طلاقها رجعيًّا – كذا لو كانت حاملاً.
الخطبة الثانية
الحمد لله… عباد الله.. ومن حقوق الزوج على زوجته:
-
طاعته في غير معصية: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ؛ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» صحيح – رواه الترمذي. قال ابن تيمية – رحمه الله: (وليس على المرأة – بعد حقِّ اللهِ ورسوله – أوجَبَ من حقِّ الزوج) مجموع الفتاوى، (32 /260).
-
الاعتدال في الغَيرة: للمرأة أنْ تغار على زوجها – ولا سيما إنْ كان مُعدِّداً – ولكنْ في حدود الغَيرة المقبولة، ولقد كَثُرت المشاكل في البيوت؛ بسبب الغَيرة الغير مُنضبظة، فينبغي على الزوجة أن تُهذِّب غيرَتَها؛ فلا تتعمَّق في التجسس والتحسس، والتدقيق والمراقبة، فينهدم عشُّ الزوجية.
-
أنْ تحفظَه في غيابه: في نفسها وماله وولده؛ فلا تُدنِّس عِرْضَ زوجها، ولا تُضيع مالَه وولدَه؛ لأنها مؤتمنةٌ على ذلك، والرجل لا يعلم، فإذا خانَتْ هانَتْ، والخيانةُ الزوجية – من الطرفين – يترتَّب عليها فسادٌ في الدنيا والآخرة.
-
ألاَّ تخرُجَ من بيته إلاَّ بإذنه: أمَرَ اللهُ النساءَ بلزوم البيت والقرار فيه؛ كما في قوله سبحانه: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» رواه البخاري ومسلم. فيُفهم من الحديث: أنها إذا أرادت الخروجَ لا بد أنْ تستأذن، وأنَّ للزوج منعَ زوجته من الخروج إلاَّ ما استُثْنِيَ شرعاً.
-
أنْ تقوم بخدمته وخدمة أولاده: لأنَّ الخدمة واجبةٌ عليها؛ في حدود استطاعتها، وعليها أنْ تصبر على ما تُعانيه من تَعَبٍ ومشقة، ويدلُّ عليه حديث عليٍّ – رضي الله عنه؛ أنَّ فاطمةَ – رضي الله عنها؛ بنتَ رسول الله أتت النبيَّ تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ الرَّحَى، وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ، فسألته خادماً، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا – أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا – فَسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، فَهْوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ» رواه البخاري ومسلم.
وكانت نساء الصحابة – رضي الله عنهن – يخْدِمْنَ أزواجهن في بيوتهن وخارج بيوتهن إذا دعت الحاجة؛ بل كانت النساء إلى عهدٍ قريب يفعَلْنَ ذلك، ولا خيرَ في حدوث إشكالٍ بين الزوجين بسبب خدمة البيت، والخيرُ في تعاونهما جميعاً.
-
ألاَّ تتصدَّق من ماله إلاَّ بإذنه: لما جاء عن أبي أمامة – رضي الله عنه – قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لاَ تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِهَا إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا». فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَلاَ الطَّعَامَ؟! قَالَ: «ذَاكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا» صحيح – رواه أبو داود. فإنْ كان المُتَصَدَّقُ به يسيراً، من عادة الزوج أنْ يسمح بمثله؛ فللزوجة التصدُّق به، دون إذنه.
ومن حقوق الزوج – إجمالاً: ألاَّ تُدخِلَ أحداً في بيته إلاَّ بإذنه. ولا تُرهِقَه بالإكثار من النفقات. وتتزين له. وتشكره وتعْتَرِف بفضله ولا تجحده. وتصبر على فقره، وتُنفِق عليه – إنْ كانت غَنِيَّة. وتُحافِظ على كرامته ومشاعره في حضوره وغيابه. وتُوَفِّر له سُبُلَ الراحة النفسية والجسدية. وتُحْسِن استقباله عند قدومه من خارج المنزل. ولا تَمْتَنِع إذا دعاها للفراش. ولا تصوم نفلاً – وهو شاهد – إلاَّ بإذنه. ولا تطلب الطلاقَ بغير سببٍ شرعي صحيح. وتسترضيه إذا غضب. وتُعينه على الخير وتدله عليه.

















































