مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم | عنوان الخطبة | معد الخطبة | التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
198 | رَجَبُ مُضَرَ شهرٌ حرامٌ رَجَبُ مُضَرَ شهرٌ حرامٌ | قسم المشاريع | 03 /07 /1446هـ الموافق 03/01/2025م | الأمانة العامة |
الموضوع: ” رَجَبُ مُضَرَ شهرٌ حرامٌ”
الحمدُ لِلَّه وَسِعَت رَحمتُهُ كُلَّ شيءٍ، وعمَّ إحسانُه كلَّ حيٍّ، نَشْهَد أن لا إلَه إلَّا اللَّه وحدهُ لا شريكَ لَه ، لَه الملكُ وَلِه الحمدُ وَهْو عَلَى كلِّ شيءٍ قديرٌ , ونشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنَا مُحمداً عبدُ اللَّه ورسولُه , أرسلَهُ اللهُ بِالْهُدَى ودينِ الحقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّين كلِّه ولو كَرِهَ المُشركونَ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّم وبَارِكْ عَلَى مُحمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ , وأصحابِهِ وأَتبَاعهِ بِإحسَانٍ وإيمانٍ عَلَى الدَّوامِ.
أَمَّا بَعْدُ: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، تَكُونُوا خيرَ عبادِ اللَّه وأكرمَهم عَلَيْه وأقربَهم إلَيْه ، واذكروا وقوفـَكم بَيْن يَدَيْه، يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا
أيُّها الأخُ الْفَاضِل : للهِ الحِكمَةُ البالِغَةُ ولهُ الخلقُ والأمرُ, فَقَد فضَّلَ بعضَ الشُّهورِ عَلَى بعضٍ وبعضَ الأيامِ وبعضَ السَّاعاتِ عَلَى بعضٍ، حَتَّى الأنبياءِ الكرامِ عَلَيْهِم الصَّلاةُ والسَّلامُ فضَّلَ بَعْضهُم عَلَى بعضٍ, وما أُحدِّثُكم عنهُ الآنَ شَهْرٌ مُحَرَّمٌ ومُعظَّمٌ تَعظُمُ فيهِ الحَسَنَاتُ والسَّيئاتُ!؟ فَهَل ظنَنَتم أنَّ حَدِيثَنَا سَيكونُ عَن رمضانَ؟ كُلَا ولكنَّهُ حديثٌ عَن شَهرٍ وَصَفَهُ أَحدُ السَّلَفِ أنَّهُ شَهرُ وَضْعِ البَذْرِ لِرمضانَ, وما بعدَهُ شَهرُ السَّقْيِ, ورَمضانُ شَهرُ الجَنيِ والحَصَادِ، إِذَا أنتَ لَمْ تَزرَعْ وأَبصرتَ حَاصِداً نَدمتَ عَلَى التَّفريطِ فِي زَمنِ البَذرِ شَهْرٌنا مُحَرَّمٌ فَردٌ , يَقَعُ وَسَطَ العَامِ ,كانَ أَهلُ الجَاهِليَّةِ يُعظِّمونَهُ ويُقَدِّرُونَهُ، حَتَّى أنَّهم يَضَعونَ سِلاحَهم فَلا يقْتَتِلونَ فيهِ, ويَتَحَرَّونَ فِيْه الدُّعاءَ عَلَى مَن ظَلَمَ, ويَصُومُونَ فيهِ, ويَنحَرُونَ الذَّبَائِحَ يَتَقَرَّبُونَ بِها لِأَصنَامِهم ويُسَمُّونَها العَتِيرةُ.
ونُسِبَ إِلَى قَبِيلَةِ مُضَرٍ لِشِدَّةِ تَعظيمِها لهُ وُفِّي صَحِيح البُخاريِّ رحمَهُ اللهُ مَا يَدُلُّ عَلَى تَعظيمِ أهلِ الجاهِليةِ لِهَذَا الشَّهرِ فَقَد قَال الصَّحابيُّ الجَلِيلُ أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَجَبٍ قُلْنَا مُنَصِّلُ الْأَسِنَّةِ فَلَا نَدَعُ رُمْحًا فِيهِ حَدِيدَةٌ, وَلَا سَهْمًا فِيهِ حَدِيدَةٌ, إِلَّا نَزَعْنَاهُ وَأَلْقَيْنَاهُ شَهْرَ رَجَبٍ)
نَعَم يَا مؤمنونَ: إنَّهُ شَهرُ رَجَبٍ ذلِكَ الشَّهرُ الحرامُ جاءَ الإسلامُ فزادَهُ تَشرِيفَاً وتَكرِيماً وتَحرِيماً وأبطَلَ كُلَّ مُعتقداتِ الجاهليَّةِ فيهِ, وأحبطَ أعمالَهم, وخَالَفَ فِيْه هَديَهُم.
قالَ اللهُ تَعَالَى : ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ .
وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ قالَ: (السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ).و
فِي الصَّحيحينِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ أنَّهُ قَالَ: (لاَ فَرَعَ، وَلاَ عَتِيرَةَ) وَالْفَرَعُ أَوَّلُ نتَاجِ الإبلِ أَو الغَنَمِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لَطِوَاغِيتِهِمْ , وَالْعَتِيرَةُ الذَّبيحَةُ فِي شَهرِ رَجَبٍ.
عبادَ اللَّه : ولَمَّا طالَ الأَمَدُ بِالمُسلِمينَ، وابتَعَدَوا عَن زَمَنِ الرِّسَالَةِ , تَبِعَ طَائِفَةٌ مَن أهلِ الرَّفضِ والتَّصَوُّفِ, تَبعوا أَهلَ الجَاهِليِّةِ الأُولى فِي تَعظيمِ رَجَبٍ, بَل زَادُوا عَلَيْهِم ، دَفَعَهُم إِلَى ذَلِكَ أَوهَامٌ خَاطِئَةٌ، وَجَهْلٌ مُستَحكِمٌ، تَحتَ قِيادَةِ الشُّيُوخِ الضَالِّينَ، وأَصحَابِ العَمَائِمِ المُنحَرِفِينَ، قَومٌ يَتَأَكَّلُونَ بِالبِدعَةِ، ويَستَرزِقُونَ بِإضْلالِ العَامَّةِ، دَخَلوا عَلَيْهِم باسمِ العِبَادَةِ تارةً, وباسمِ مَحَبَّةِ رَسُولِ اللهِ تارةً أُخرى؛ فاخَتَرَعُوا كَذِبَةَ الاحتِفالِ بِحَادِثَةِ الإِسرَاءِ والمِعرَاجِ وأنَّها فِي رَجَبٍ، وَأَحيَوا لَيلَتَها بالعِبادَةِ ، فَرَدَّ عَلَيْهِم شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ فقالَ: “لَم يَقُم دَليلٌ مَعلُومٌ لا عَلَى شَهرِها ولا عَلَى عَشرِها ولا عَلَى عَينِها، بَل النُّقُولُ فِي ذَلِكَ مُنقَطِعَةٌ مُختَلِفَةٌ” ولِمَزِيدٍ مَن غِوايَةِ المُسلمينَ وإضلالِهم فَإِنَّ أَئِمَّةَ المُبتَدِعَةِ كذَلِكَ ابتَدَعوا عِبَادَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ فِي شَهرِ رجبٍ، فَهُم يَفتَتِحُونَ أَوَّلَ لَيلةِ جُمُعَةٍ فيهِ بِصَلاةٍ مُنكَرَةٍ فِي نِيَّتِها وَهَيأَتِها يُسَمُّونَهَا صَلاةَ الرَّغَائِبِ.
قَالَ ابنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ: “لَم يصحَّ فِي شَهرِ رَجَبٍ صلاةٌ مَخصُوصَةٌ , والأحاديثُ المَرويَّةُ فِي فَضلِ صَلاةِ الرَّغَائِبِ فِي أوَّلِ لَيلةِ جُمُعَةٍ فيهِ كَذِبٌ وبَاطلةٌ, وَهْي بِدعَةٌ عندَ جُمهورِ العُلمَاءِ”
ثمَّ عَمَدَ المُبتَدِعَةُ إِلَى الحثِّ عَلَى صيامِ أَيامِهِ وَأَفتَوا بِفَضِيلَتِها، وَقَد ثَبَتَ عَن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّهُ كانَ يَضرِبُ أكُفَّ رِجَالٍ يَصوُمُونَ رَجَباً حَتَّى يَضعوا أيدِيَهم فِي الطَّعَامِ ويقولُ لَهُم :لا تَشَبَّهُوهُ بِرَمَضَانَ “وَقَصَدَ بَعضُ الرَّجَيَّةِ إِلَى إخراجِ زَكَاتِهم فِيهِ تَحرَّياً لِفَضْلِهِ. وَمَع الأسفِ الشَّدِيدِ ستَرونَ فِي الأَيَامِ المُقبِلَةِ أناساً بعضُهم مَن أَصْحَاب الطُّرقِ الصُّوفِيَّةِ, وبعضُهم مَن الرَّوافضِ, وطائِفةٌ مُبتَدِعَةٌ جُهَّالٌ, يَتَحَرَّونَ عُمرةَ رجَبٍ ويرونَ فيهِ مزيَّةً وفَضْلاً ويسوقونَ أدلَّةً وأحاديثَ مَكذُوبَةً أَو ضَعِيفَةً، وسَتُشاهِدونَ عَبَّر الفضائِيَّاتِ احتِفالاتٍ تُقامُ يَزَعُمُونَ أنَّها بِمناسَبَةِ لَيلةِ الإسراءِ والمِعراجِ.
قالَ الشَّيخُ ابنُ العُثَيمِينَ رحمهُ اللَّه : ليسَ لِشهرِ رَجَبٍ مِيزَةٌ عَن سِواهُ مَن الأَشهُرِ الحُرُمِ، ولا يُخصُّ بِعمرةٍ ولا بِصيامٍ ولا بِصلاةٍ ولا بِقَراءَةِ قُرآنٍ؛ بَل هُو كَغيرِهِ مَن الأَشهُرِ الحُرُمِ، وكلُّ الأَحَادِيثِ الوَارِدَةِ فِي فَضْلهِ ضَعيفَةٌ لا يٌبنى عَلَيْهَا حُكمٌ شَرعِيٌّ. اهـ.
أيُّها الكرامُ: فصَّلنا فِي بِدَعِ رَجَبٍ وإنْ لَمْ تَكُنْ مَوجودَةً عِنْدَكُم بحمدِ اللهِ, إنَّما بياناً للحقِّ, وتَحذيراً لِلخلقِ لأنَّ عدداَ مَن القَنواتِ الفضائِيَّةِ تُمطِرُ البلادَ الإسلاميَّةَ وابِلاً مَن الخُرافاتِ والبِدَعِ ، فَوَجَب أخذُ الحَيطَةِ والحَذَرِ, وتَعليمُ النَّاشِئةِ.
فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ: واتَّبِعُوا ولا تَبتَدِعُوا فَقد كُفِيتُم بِسُنَّةِ نَبِيِّكم: ﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ ﴾ واعلموا أنَّ البِدعَةَ أَشَدُّ فَتْكاً بِقلبِ العَبدِ مِن المَعصِيَةِ، وَأعظَمُ خَطَراً عَلَى الدِّينِ؛ وأَخطَرُ مَا فِي البِدعَةِ أنَّها مُشَاقَّةٌ لِلهِ تَعالَى فِي شَرعِهِ، واتِّهَامٌ لِنَبِيِّهِ بِعَدَمِ بَيَانِ دينِهِ؛ وصدَقَ رسُولُنا: «وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَيُ مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ» ومَحَبَّةُ الرِّسُولِ حقيقةً تَكونُ فِي اتِّبَاعِ أمرِهِ، واجتِنَابِ نَهيِهِ، والوُقُوفِ عِندَ سُنَّتِهِ وهَديِهِ. قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
نَفَعَنِي اللهُ وإيِّاكُم بِهديِ القُرآنِ العَظِيمِ, وبِسُنَّةِ سَيِّدِ المُرسلينَ واستغفرُ اللهَ لِي وَلِكَم ولِسائِر المُسلِمينَ فاستغفروهُ إنَّهُ هُو الغفورُ الرَّحيمُ.
الْخُطْبَة الثَّانية:
الحمدُ لِلَّه تعبَّدنا بالسَّمعِ والطَّاعة، وأَمَرَنَا بالسُّنةِ والجَمَاعَةِ، نشهدُ أَلَا إلَه إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، مَن يُطعِ اللهَ ورسولَه فَقَد رَشَدْ، وَمَنّ يَعصِ اللهَ ورسولَه فَقَد غَوَى , ونشهدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُه تَرَكَ أمَّتَهُ عَلَى البَيضَاءِ لا يَزيغُ عَنْهَا إلَّا أهلُ الضَّلال وَالْأَهْوَاء . اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عَلَى محمدٍ, وَعَلَى آلهِ وأصحابهِ وَمَنّ اهْتَدَى بهديِهِ إِلَى يومِ الدِّينِ.
(﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ . أَمَّا بَعْدُ:
إخوةَ الإسلامِ: والمؤمنُ الحَقُّ هُو مَنْ يُعظِّمُ شَعَائِرَ اللهِ تَعَالَى، يَمتَثِلُ أوامِرَهُ ويَجتنبُ نَواهِيَهُ، ويُسارِعُ فِي الخيراتِ، ويَقومُ بِالواجِبَاتِ، ويَحرصُ عَلَى المُستَحبَّاتِ ،كَارِهَاً الكُفْرَ والفُسوقَ والعِصيانَ، مُجانِباً المُحرَّمَاتِ، مُجاهداً نَفسَهُ عَلَى البُعدِ عَن المَكرُوهَاتِ. ونَحنُ فِي يومٍ عَظِيمٍ قَدرُهُ, وفيهِ سَاعَةُ رَحمَةٍ وإجابَةٍ, وُفِّي شَهرٍ حَرَامٍ, تعظُمُ فِيْه الحسناتُ والسَّيئاتِ، فَهَل مَن وقفَةِ مُحاسَبَةٍ وَتَأَمُّلٍ؟ أَلَم يَقُل لَنَا رَبُّنا جلَّ وَعُلَا : ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ رُويَ عَن ابنِ عَبَّاسِ رَضِي اللهُ عَنهما أنَّهُ قالَ: فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ أَي: فِي الأَشهُرِ كُلِّها، ثُمَّ اختَصَّ مَن بَينِ ذَلِكَ أَربَعَةَ أَشهُرٍ فَجَعلَهنَّ حَرَاماً وعَظَّمَ حُرُمَاتِهنَّ، وَجَعَلَ الذَّنبَ فيهنَّ أَعظَمَ، والعمَلَ الصَّالحَ والأجرَ فِيهَا أَعظَمَ.
عبادَ اللهِ: إنَّ عدداً مِن إخوانِنا قَد لا يعلمونَ لِهذهِ الأشهرِ حُرمَتها وقَدرها، ولا يَعلمونَ أنَّها مَن شَعَائِرِ اللَّهِ واللهُ تَعَالَى يقولُ: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ وَإِذَا كَان المسلمُ مُطالباً عَلَى الدَّوامِ بِتعظِيمِ حُرُمَاتِ اللهِ وشَعائِرهِ فِي كُلِّ وقتٍ وحينٍ، فَإنَّ مُطالبَتَهُ فِي الأَشهُرِ الحُرُمِ آكَدُ وأوجَبُ. فَيَا اللهُ :كَم نَظلِمُ أَنفُسَنا بِارتكَابِ المَعاصِي والآثامِ، ونَحنُ مَنهيِّونَ عَن ذَلِكَ عَلَى الدَّوامِ، فَقد بَدأْنا بِشَهرِ أخذِ العُدَّة، فَمَا أخشاهُ, أنْ نكونَ مِمَّن كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ
إِلَى اللهِ المُشتكى: لَقَد كثُرِتِ لَدينَا المَآثِمُ، وظَهَر الفَسادُ فِي البَرِّ والبَحرِ، وتَلاعبَ الشَّيطَانُ بِنَا ، وأَضلَّ أُنَاساً عَن صِراطِ اللهِ المُستَقِيمِ، فَذَكَ صَريعُ الشَّهواتِ ، وآخرُ مَفتُونٌ بالشُّبهاتِ، وثَالثٌ غافلٌ عَن الأوامِرِ والصَّلواتِ ، ورابعٌ غَارِقٌ فِي مُعامَلاتٍ مُحرَّماتٍ ، وثُلَّةٌ مؤمنةٌ وإنْ قَلَّ عَدَدُهم، واستَحكَمَت غُربتُهم , يَنظرونَ بِنورِ اللهِ ، ويَهتَدُونَ بِهدْي القُرآنِ ، يَقتَدُونَ بسيِّدِ الأنامِ عَلَيْه الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَطُوبى لَهم ، ومَوعدُهم يَومَ التَّنَادِ، فَيا أَخَا الإسلامِ : رَاجِع نَفسَكَ، وتفكَّرْ فِي أَمرِكْ، وابكِ عَلَى خَطيئَتِكَ, فإنَّها ذِكرى تَنفعُ المؤمنينَ , وَمَوعِظَةٌ تُنَبِّهُ الغَافِلِينَ.
جعلَنا اللهُ جميعاً مِمَّن يستَمعونَ القولَ فيَتَّبِعونَ أحسنَهُ, اللهمَّ أَيْقَظَنَا مَن رَقَدَاتِ الغفلَةِ , وتَوفَّنا وأنتَ راضٍ عنَّا غيرَ غضبانٍ, اللهمَّ اعفُ عنَّا واغفر لَنَا وَارْحَمْنَا , وَاجْعَلْنَا هداةً مُهتدينَ غَيَّر ضَالِّين ولا مُضلِّينَ, اجْعَلْنَا بِكتابِكَ مُستمسكينَ وبسُنَّةِ نبيِّكَ مُهتَدينَ, اللَّهُمّ واغفر لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا ولجميع المسلمينَ خُذ بنواصيهم للبرِّ والتَّقوى, وَمَنّ العملِ مَا تُحبُّ وَتَرْضَى , وَاكْفِنَا وإيَّاهم شَرَّ الفِتنِ والبِدعِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وما بطنْ, اللَّهُمّ اُنْصُر دينكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّكَ وعبادِكَ المُؤمنينَ. اللَّهُمّ أعزَّ الإسلامَ وَالْمُسْلِمَيْن وأذلَّ الشِّركَ والمُشرِكينَ, وأَصلِح وَوَفِّق أَئِمَّتَنا والمُسلِمينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ.
أضف تعليقاً