مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
236 أَسْبابُ ظُهُورِ الْبِدَع مكتب الأمانة العامة/ قسم المشاريع 12/03/1447هـ  الموافق 05/09/2025م الأمانة العامة

 

الموضوع: ” أَسْبابُ ظُهُورِ الْبِدَع

الْحمدُ للهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ، تَعَالَى وَتَنَزَّهَ عَنِ الشَّبِيْهِ وَالنَّظِيرِ وَالْمُعِينِ وَالظَّهِيرِ، أَحْمَدُهُ سُبْحانَهُ وَأَشْكُرُهُ، أَعْطَى الْكَثِيرَ، وَتَجاوَزَ عَنِ التَّقْصِيرِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْبَشِيرُ النَّذِيرُ، وَالسِّرَاجُ الْمُنِيرُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبارَكَ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهمْ بِإِحْسانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

أمّا بعد

عِبادَ اللهِ: اتقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ الاعْتِصامَ بالكِتابِ والسُّنَّةِ نَجاةٌ مِنَ الوُقُوعِ في الْبِدَعِ والضَّلالِ‏،‏ قالَ تَعالَى‏:‏ ‏﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾‏‏ [الأنعام: 153]، قال ابنُ مَسْعودٍ t‏:‏ ‏خَطَّ لَنا رسولُ اللهِ r خَطًّا، فقالَ: «هذا سَبِيلُ اللهِ»، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمالِهِ، ثُمَّ قالَ‏:‏ ‏«وَهَذِهِ سُبُلٌ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْها شَيْطانٌ يَدْعُو إِلَيْه» ‏،‏‏ ثُمَّ تَلَا ﴿‏وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏﴾ [رواه أحمد والدارميُّ‏‏] .‏

 

فَمَنْ أَعْرَضَ عنِ الكِتابِ والسُّنَّةِ تَنازَعَتْهُ الطُّرُقُ الْمُضِلَّةُ، والبِدَعُ الْمُحْدَثَةُ ‏‏والبِدْعَةُ هِي: ما يَتَقَرَّبُ بِه العَبْدُ إلى اللهِ بِغَيْرِ ما شَرَعهُ اللهُ، وَلَا شَرَعَهُ رَسُولُهُ r، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ تَحْرِيمًا شَدِيدًا، حَتَّى لَوْ صَلَحَتْ نِيَّةُ فاعِلِها أَوْ مُعْتَقِدِها؛ لِقَوْلِهِ r:  «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ» [رواه النسائي، وصححه الألباني]، وَقَدْ شَدَّدَ الشَّرْعُ فِي تَحْرِيمِها؛ لِأَنَّها زَيادَةٌ في الدين، الذي أَتَمَّ الله عَلَيْنا النِّعْمَةَ بكماله ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾  [المائدة:3].

 

قال السَّلَفُ: (الشَّيْطانُ أَفْرَحُ بِالبِدْعَةِ مِن الْمَعْصِيَةِ، لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ يُتابُ مِنْها، والبِدْعَةَ لا يُتابُ مِنْها).

وَصَدَقُوا في ذلك، فإِنَّ مُرْتَكِبَ المعاصِيَ، وَإِنِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً يَعْلمُ أَنَّه عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَأَنَّه عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ إِذَا لَمْ يَتُبْ، وَأَمَّا مَنْ يَتَقَرَّبُ إلى اللهَ بِالبِدَعِ فإنه يَرَى أَنَّه يَتَعَبَّدُ اللهَ بِعَمَلِهِ، وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى مَنْ يُنْكِرُ عَلَيْه، وَيَتَفانَى فِي الدَّعْوةِ إلى بِدْعَتِهِ، وَأَخْطَرُ مِنْ ذلك أَنَّهُ يَتَّبِعُهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَيُصَدِّقُونَه، وَيُحْسِنُونَ الظَّنَّ بِه، وَيُدافِعُونَ عَنْه؛ لِأَنَّهُ مِنْ وِجْهَةِ نَظَرِهِمْ يَدْعُو إِلَى اللهِ، وَهَذا هُوَ مَكْمَنُ الخَطَر! انْظُرُوا إلى مَا يَفْعَلُهُ الْمُتَصَوِّفَةُ وَغَيْرُهُم، فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَبَرُّكِ بِالأَشْخاصِ والأَماكِنِ والبِقاعِ، وَتعْظِيمِ القُبُورِ، والغُلُوِّ فِي أَصْحابِها، انْظُرُوا إلى الخَوَارِجِ وما يَفْعَلُونَه بِالْمُسلِمينَ، مِنْ سَفْكِ الدِّماءِ، وَقَتْلِ الأبْرِياءِ، واسْتِحْلالِ الدَّمِ الحَرامِ، بِاسْمِ الجِهادِ وَنُصْرَةِ الدِّينِ، إنَّهُم يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم عَلَى خَيْرٍ وهُدًى، وأَسبابُ ظُهُورِ البِدَعِ يا عِبادَ اللهِ كَثيرَةٌ مِنْها:

 

1 ــ الجَهْلُ بِأَحْكامِ الدِّينِ: وَكُلَّمَا امْتَدَّ الزَّمَنُ وَبَعُدَ النَّاسُ عَنْ آثارِ الرِّسالَةِ قَلَّ العِلْمُ وَفَشَا الجَهْلُ، قالَ رسولُ اللهِ r: ‏«‏إِنَّ اللهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ قُلُوبِ العِبادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَماءِ، حَتَّى إذا لَمْ يُبْقِ عالِمًا اتَّخَذَ الناسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»، فَلَا يُقاوِمُ البِدَعَ إلا العِلْمُ والعُلَماءُ.

 2 ــ وَمِنْ أَسْبابِ ظُهُورِ البِدَعِ اتِّباعُ الْهَوَى: فَمَنْ أَعْرَضَ عَنِ الكِتابِ والسُّنَّةِ اتَّبَعَ هَواه، كَمَا قال تعالى:‏ ‏﴿‏فإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ‏﴾ [القصص:50]، والبِدَعُ إنَّمَا هِيَ نَسِيجُ الْهَوَى الْمُتَّبَعِ.

3 ــ التَّعَصُّبُ لِلْآراءِ والرِّجالِ: فَإِنَّه يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ واتِّباعِ الدَّلِيلِ وَمَعْرِفَةِ الحَقِّ، قالَ تعالَى:‏ ‏‏﴿‏‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا‏﴾ [البقرة:170].

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا.. وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عَظِيمِ نِعَمِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أمَّا بَعْدُ

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

عِبادَ اللهِ: المحَبَّةُ الصَّادِقَةُ لِرَسُولِ اللهِ r، تَكُونُ بِالِاتِّباعِ وَالِاقْتِداءِ وَالتَّأَسِّي بِهِ حَيْثُ قالَ تَعالَى: ‏﴿‏قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّه وَيَغْفِر لَكُمْ ذُنُوبكُمْ وَاَللَّه غَفُور رَحِيم﴾ [آل عمران:31]، فَهَلْ تَكْفِي لَيْلَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ الْعامِ كُلِّهِ يُعَبَّرُ فِيها عَنْ هَذِهِ المحَبَّةِ لِرَسُولِ اللهِ r بِالْأَذْكارِ وَالْقَصائِدِ؟ فَهَذا الِاحْتِفالُ بِالْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ r، وَلَمْ يَفْعَلْهُ الصَّحابَةُ الْكِرامُ رِضْوانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ مَعَ ما فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ عَظِيمِ المحَبَّةِ لِرَسُولِ اللهِ r، إِنَّما تَمَثَّلَتْ مَحبَّتُهُمُ الصَّادِقَةُ فِي اتِّباعِ السُّنَّةِ، وَالْعَمَلِ بِها، وَتَطْبِيقِها، وَالدِّفاعِ عَنْها، وَنَشْرِها.

 

 

عِبَادَ اللهِ: اِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْأَمِينِ، فَقَالَ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيْلِ:

﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا﴾ الأحزاب 56.

 

اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ، وَارْضَ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ الَّذِينَ قَضَوا بِالْحَقِّ وَبِهِ كَانُوا يَعْدِلُونَ:

أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الْآلِ وَالصَّحَابةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنَّا مَعَهُم بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ.

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَدِمِ الْأَمْنَ وَالِاسْتِقْرَارَ فِي بِلَادِنَا وَبِلَادِ الْـمُسْلِمِينَ، وَاصْرِفْ عَنَّا وَعَنْهُمْ كُلَّ شَرٍّ وَبَلَاءٍ، وَاكْفِنَا وَإِيَّاهُمْ سَائِرَ الْأَهْوَاءِ وَالْأَدْوَاءِ.

اللَّهُمَّ اِرْحَمْ وَالِدِينا كَمَا رَبَّوْنا صِغارًا، وَأَعِنَّا عَلَى بِرِّهِمْ أَحْياءً وَأَمْواتًا. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

﴿سُبۡحَـٰنَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلۡعِزَّةِ عَمَّا یَصِفُونَ * وَسَلَـٰمٌ عَلَى ٱلۡمُرۡسَلِینَ * وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [الصافات 180-182]

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *