الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونثني عليه الخير كله، نحمدك ربي وأنت الرحيم البر، حمداً كثيراً يتجدد في الآصال والبكر، ونشكرك على ما مننت به علينا من حلول يوم عرفة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليم بما بطن وما ظهر، سبحانه وبحمده، تعاظم ملكوته فاقتدر، وتعالى جبروته فقهر، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله ومصطفاه من البشر، ذو المجد الأغر، والوجه الأنور، والجبين الأزهر، والفضل الأظهر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه السادة الغرر، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ ما اتصلت عينٌ بنظر، وأذنٌ بخبر، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فيأيها المؤمنون : اتقوا الله تبارك وتعالى وأطيعوه وراقبوه ولا تعصوه، واعلموا رحمكم الله أن يوم الاثنين القادم يوم عرفة، يوم رفع الله قدره، وأعلى مكانه، وأظهر فضله، و هو خير يوم طلعت فيه الشمس، وهو يوم عظم الله شأنه وأقسم به في كتابه العزيز )وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ[، وفي مثله نالت الأمة المحمدية غاية عزها ومجدها عندما أكمل الله لها الدين وأتم عليها النعمة ورضي لها الإسلام دينا. )الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا…[ المائدة 3
ورد في فضله من السنة ما فيه كفاية , فمن ذلك :
1 : وهو يوم تنزل الرحمة وخيبة الشيطان قال رسول الله r قال :(مَا رؤي الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ، وَلاَ أَدْحَرُ، وَلاَ أَحْقَرُ، وَلاَ أَغْيَظُ مِنْهُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا يرَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ) الموطأ، وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: (الْمَغْفِرَةُ تَنْزِلُ عَلَى أَهْلِ عَرَفَةَ مَعَ الْحَرَكَةِ الْأُولَى، فَإِذَا كَانَتِ الدَّفْعَةُ الْأُولَى فَعِنْدَ ذَلِكَ يَضَعُ الشَّيْطَانُ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ يَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ). قَالَ: (فَتَجْتَمِعُ إِلَيْهِ شَيَاطِينُهُ فَيَقُولُونَ: مَا لَكَ ؟ فَيَقُولُ: قَوْمٌ قَدْ قَتَلْتُهُمْ مُنْذُ سِتِّينَ وَسَبْعِينَ سَنَةً غُفِرَ لَهُمْ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ ) . يَعْنِي مَنْ يَحْضُرُ مِنَ الْحَاجِّ بِعَرَفَةَ.
2 : وهو يوم العتاق الأكبر من النار عن عائشة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله r قال: (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ) البخاري
3 : وهو يوم تباهي الله تعالى بالمؤمنين، حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع أن النبيّ r قال : (إِنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ فَيَقُولُ لَهُمُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وحشرني وإياكم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى أيها المؤمنون :
-
اسعوا لنيل فضل هذا اليوم الأغر بملازمة التقوى لرب العزة والجبروت، قال تعالى )وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ[ البقرة 197، وفي مثل هذا يومه قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أيها الناس إن ربكم واحد ألا لافضل لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى )إِنَّ أَكرمكم عند الله أتقاكم[
-
اجتهدوا لنيل فضل هذا العظيم بالحفاظ على أسماعكم وأبصاركم، فقد قال نبيكم صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ مَلَكَ فِيهِ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ غُفِرَ لَهُ).
-
انتهزوا الفرصة لنيل خير هذا اليوم بالتوبة النصوح التي لا رجعة بعدها، قال تعالى )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ…[ التحريم 8
-
– اغتنموا هذا اليوم المبارك بالصيام فقد روى مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ).
ألا وصلوا – عباد الله – على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: )إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً[ الأحزاب:56
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الآل والصحب الكرام، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك، يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر اللهم أعداءك أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم ألف بين قلوب المسلمين، ووحد صفوفهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.
)إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[ النحل:90.
فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
أضف تعليقاً