مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم | عنوان الخطبة | معد الخطبة | التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
17 | القول الفصل المجتبى في حكم الاحتفال بمولد النبي المصطفى | د. عثمان صالح تروري ـــ عضو الاتحاد في مالي | 02 / 03/ 1443هـ الموافق 08/ 10 / 2021م | الأمانة العامة |
الموضوع: ” القول الفصل المجتبى في حكم الاحتفال بمولد النبي المصطفى ”
الحمد لله الذي منّ على المؤمنين ببعثة محمد بشيرا ونذيرا ولا يقبل من القربات إلا ما وافق هديه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل من شرط الإيمان التحاكم إلى نبيه، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله المبعوث قدوة لمن كان يرجو ثواب ربه، صلوات ربي وسلامه عليه الأتمان الأكملان عليه وعلى آله وصحابته وعلى كل من اهتدى بهديه وتمسك بسنته إلى يوم لقائه بربه.
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون اتقوا ربكم وآمنوا برسوله حق الإيمان، واعلموا أن الإيمان برسوله هو الوجه الثاني للإيمان به كصفحتي عملة واحدة، ومن لوازم هذا الإيمان تصديقه في كل ما أخبر به، وطاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه، وتجريد متابعته وعدم سلوك طريق غير طريقه، وكمال التأسي والاقتداء به، وعدم الغلو في حقه أو التقصير والجفاء، وأخيرا التحاكم إليه وإلى ما جاء به في سائر الأمور التي تشجر بيننا والرضى بحكمه، وإذا لم تتحقق هذه الأمور فليس لإيماننا بمحمد صلى الله عليه وسلم معنى .
أيها المؤمنون: إننا في زمان قد اشتعلت فيه نار الضجيج والتنازع حول حكم الاحتفال بمولد النبي r فمن مؤيد ومن معارض، وقد ذكرنا آنفا أن من لوازم الإيمان بهذا النبي الذي اختلفنا في حكم الاحتفال بمولده التحاكم إليه وإلى ما جاء به في سائر الأمور التي تشجر بيننا والرضى بحكمه قال تعالى: ]فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء 65، ولا يحكم النبي r إلا بما أعطاه الله تعالى لذا قال تعالى أيضا في السورة نفسها )…فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا[ النساء 59.
أيها المؤمنون فلنعمل بمفاد هذه الآيات في مسألتنا لنتوصل إلى القول الفصل المجتبى في حكم الاحتفال بمولد الحبيب المصطفى من خلال الإجابة عن التساؤلات التالية:
أيها المؤيدون متى بدأتم الاحتفال بمولد النبي r ؟
وما أدلتكم من على ثبوته من الكتاب والسنة ؟
وأيها المعارضون بم ولم لا الاحتفال بمولد النبي r ؟
الجواب عن السؤال الأول :
بدأ الناس الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته بستة قرون فكان أول من أحدثه الملك المظفر أبو سعيد كوكبوري ملك إربل في آخر القرن السادس أو أول القرن السابع الهجري، كما ذكره المؤرخون كابن كثير وابن خلكان وغيرهما.
الجواب عن السؤال الثاني: (لم تحتفلون بمولد النبي r ؟) أدلتنا هي :
1/ أنه ينبئ عن محبة النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته واجبة
2/ في المولد إحياء لذكر النبي صلى الله عليه وسلم
3 / هي سنة حسنة وقد قال صلى الله عليه وسلم (مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا …) الحديث
4 / أن النبي نحر يوم النحر في حجه عدد عمره صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك إشارة إلى الاحتفال بمولده.
5 / أن أبا لهب فرح بمولده وأعتق أمته التي بشرته به فرؤي في المنام بعد وفاته أن العذاب يخفف عنه في كل يوم من أيام الاثنين.
6 / أن الله تعالى جعل ميلاد عيسى بشرى لأمه وللنصارى، فلما لا الاحتفال بميلاد محمد وهو أعظم من عيسى عليهما السلام.
7 / أنه من البدعة الحسنة مثل قيام الليل جماعة في رمضان الذي قال فيه عمر (نعمت البدعة هذه).
8 / نقصد فيه التقرب إلى الله تعالى لا غير، وشكره على ميلاد النبي r وبعثته.
أيها المؤمنون فهذه جملة من الأدلة التي يعتمد عليها المؤيدون، فعلى ما يعتمد المعارضون ؟ سيأتيكم ذلك بعد الجلسة بنبأ يقين،
أقول قولي وأستغفر الله الجليل لي ولكم …………..
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على محمد المصطفى
أيها المؤمنون: لقد استمعتم إلى الإجابة عن التساؤلين الأولين المتمثلة في بداية الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ولم الاحتفال به، فلنصغ الآن إلى الإجابة عن التساؤل الأخير ألا وهو: بم ولم لا الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فالجواب كالتالي:
1 / لأنه ليس هناك دليل ولو واحد من الكتاب ولا من السنة ولا من فعل الصحابة ولا من فعل التابعين لهم بإحسان في القرون المفضلة، يثبت الاحتفال بالمولد، وقد علمتم الآن أن المولد لم يبدأ إلا في القرن السادس الهجري، وقد نبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حدوث مثل هذه الأمور وبين لنا موقف السلام فيها في قوله r في حديث العرباض بن سَارِيَةَ (إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ بَعْدِي، فَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ ضَلَالَةٌ) الترمذي، أحمد وآخرون .
2 / أنه ليس هناك قول فصل ثابت لا من الكتاب ولا من السنة في أن مولده كان في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، فقد ثبت اليوم في الحديث وأما الشهر وعدد اليوم فيه فلم يثبت، ولذا اختلف العلماء فيه: فمن قائل إنه في رمضان ……
3 / أن الاحتفال بالمولد يتضمن من المنكرات وما يخل بالأدب نحو النبي r ومن نماذج ذلك:
- جمع المهد والصابون كما يحصل للمولود الجديد.
- وضع النساء الحناء على أقدامهن وأيديهم كما يفعلن عند ولادة المولود الجديد.
- زيارة القبور والطواف بها في بعض المناطق.
- جمع المياه في الآنية ليلة الاحتفال ثم توزيعها بدعوى البركة فيها.
- اختلاق الأكاذيب والخزعبلات وإحياء الليل بها.
4/ أن ما اعتمد عليه المحتفلون فهي إما كلام واه لا يصلح للاستدلال به في الدين، وإما تعسف وتحريف للنصوص، وبيان ذلك كالتالي:
أ – قولهم إن الاحتفال بالمولد ينبئ عن محبة النبي r، فيقال في ذلك : إذا كان فيه إنباء بمحبته صلى الله عليه وسلم فلماذا صحابته الذين أحبوه كل الحب وفدوه بآبائهم وأمهاتهم وبذلوا أنفسهم وأموالهم وكل ما لهم في سبيل محبته لم يحتفلوا بمولده r، ولماذا عندما أراد عمر وضع التاريخ للمسلمين لم يضعه باعتبار ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، ألم يكن يحبه ؟! أو أنت تحبه أكثر من عمر ؟ ! حاشا وكلا، فقد شهد الله تعالى لنا على حب الصحابة للنبي r وكفى بالله شهيدا.
ب – قولهم إن فيه إحياء لذكر النبي r، فيقال في ذلك: إن الله قد أحيى ذكر نبيه r حيث قرن اسمه r باسمه تعالى في الشهادة، فلا يؤذن مؤذن، ولا يصلي مصل ولا يعظ واعظ إلا ويذكر اسمه r وهذا عمل متكرر يوميا وفي ذلك كفاية، لأن كل ما تجاوز حده انقلب إلى ضده. وزد على ذلك أن إحياء ذكره يكون بمتابعته في القيل والفعل لأن لسان الحال أبلغ من لسان المقال.
ج – قولهم: إنه من السنة الحسنة الواردة في الحديث، فهذا فهم باطل نظرا إلى سبب ورود الحديث وهو: كما ذكره الإمام أحمد في مسنده وغيره أن النبي r خطب فَحَثَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَأَبْطَئُوا حَتَّى بَانَ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ جَاءَ بِصُرَّةٍ فَتَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ السُّرُورُ فَقَالَ: (مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهُ وَمِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْقَصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهُ وَمِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْقَصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ) هذا اللفظ للدارمي .
وقال العلماء في قَوْله (سُنَّة حَسَنَة) أَيْ طَرِيقَة مَرَضِيَّة يَقْتَدِي فِيهَا وَالتَّمْيِيز بَيْن الْحَسَنَة وَالسَّيِّئَة بِمُوَافَقَةِ أُصُول الشَّرْع وَعَدَمهَا. شرح ابن ماجه للسندي.
د – قولهم: إن النبي r نحر في حجه ثلاثا وستين بيده (كما رواه ابن ماجه وغيره ) وفي ذلك إشارة إلى مولده فيقال في ذلك: إن النبي r لم يرد منه تعليل لهذا الفعل، وإن الصحابة الذين شاهدوا الموقف لم يستنبطوا منه هذا الفهم فأنى لكم به ؟!، وزد على هذا أنه لم يكن في شهر ربيع الأول، وإنما كان في ذي الحجة.
هـ – وقولكم إن أبا لهب فرح بمولده ……، فيقال في ذلك: لو كان هذا الفرح صادقا فلماذا لم يؤمن به وأنزل في شأنه سورة في القرآن، ثم إن إحكام الشرع لا تبنى على الرؤى والأحلام إلا ما كان من الأنبياء.
و – أما قولهم بأن ميلاد عيسى كان بشرى ….. فيقال فيه: أن الله تعالى أكرم نبيه بعدم ذكر مولده في القرآن، وذكر مولد عيسى لرفع ما اختلقته النصارى حوله من افتراءات، فهذا وليس غير.
ز – وأما قولهم إنه من البدعة الحسنة مثل قيام الليل، فيقال فيه: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقسم لنا البدعة إلى حسنة وإلى سيئة، والثابت إن كل بدعة ضلالة، والبدعة هو ما أحدث في الدين على غير مثال سابق من الكتاب أو من السنة (والسنة تشمل سنة النبي وسنة الخلفاء الراشدين من بعده)، أما قيام الليل في رمضان جماعة فقد ثبت فيه الدليل السنة قولا وفعلا.
ح – وأخيرا قولهم إنه يقصد به التقرب إلى الله وشكره، فيقال فيه: إن من شروط قبول القربة عند الله تعالى موافقتها لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فلا يكون لإرساله معنى لو كان كل يفعل ما يراه حسنا ثم يقبل منه. ومن كان يريد شكر الله تعالى على مولد النبي صلى الله عليه وسلم وبعثته فعليه التأسي به في صيام أيام الاثنين حيث روى مسلم وغيره عنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r (سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَقَالَ فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ).
أيها المؤمنون فبعد هذا العرض الموجز يتبين لنا أن القول الفصل في حكم الاحتفال بالمولد هو عدم مشروعيته وأنه من البدعة في الدين، ولنختم الكلام بمقولة لإمام أهل السنة مالك بن أنس قال مالك رحمه الله تعالى: (سنَّ رسول الله r، وولاة الأمر بعده سنناً الأخذُ بها تصديقٌ لكتاب الله عز وجل واستكمالٌ لطاعة الله، وقوة على دين الله، من عمل بها مهتد، ومن استنصر بها منصور، ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى). شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي ص7.
اللهم اجعلنا من المعظمين لنبيك حق التعظيم، المتبعين لهديه حق الاتباع غير مفرطين فيه ولا مفرطين، وصلوا وسلموا على محمد وعلى الآل والصحب أجمعين.
أضف تعليقاً