مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم | عنوان الخطبة | معد الخطبة | التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
152 | د. أحمد عبد الله بُولي ـــ عضو الاتحاد في مالي | 13 /08 /1445هـ الموافق 23/02 /2024م | الأمانة العامة |
الموضوع: ” التوبة إلى الله ”
الحمد لله الذي فتح لعباده باب التوبة رحمة وتكرما، نشهد أن لا إله إلا هو إله الأولين والآخرين، ونصلي ونسلم على من حث أمته على التوبة من كل صغيرة وكبيرة، وعلى آله وصحبه ومن نهج نهجهم إلي يوم ينفع التائبين توبتهم.
أما بعد: عباد الله، إن الله يدعونا جميعا في كتابه العزيز إلى التوبة النصوح، فقال جل وعلا: ]وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [ النور 31.
وقال سبحانه: ]وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ [ الزمر 54 وقال تعالى : ]وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ [ هود 3
وقال الرسول r: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ فِي كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ) مسلم عن الأغر بن يسار. وعن أنس بن مالك قال : قال الرسول r:
(للهُ أفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرهِ وقد أضلَّهُ في أرضٍ فَلاةٍ) متفق عليه.
وعن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : (كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ لَا فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ عز وجل فَاعْبُدْ اللَّهَ تعالى مَعَهُمْ وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ عز وجل وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ فَقَاسُوا، فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ) متفق عليه.
وفي رواية في الصحيح: (فَكَانَ إلى القَريَةِ الصَّالِحَةِ أقْرَبَ بِشِبْرٍ فَجُعِلَ مِنْ أهلِهَا).
وفي رواية في الصحيح: (فَأَوحَى الله تَعَالَى إِلى هذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي، وإِلَى هذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي، وقَالَ: قِيسُوا مَا بيْنَهُما، فَوَجَدُوهُ إِلى هذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ).
إخوة الإيمان: اعلموا أن للتوبة شروطا خمسةً:
- الإخلاص لله بأن يكون قَصَد الإنسان بتوبته وجه الله ، لا يقصد بذلك مراءاة ولا التقرب إلى الناس ولا لدفع أذيتهم.
- الندم على ما فعل من المعاصي، وذلك دليل صدق توبته.
- الإقلاع عن الذنب فورا، وهذا من أهم شروطه.
- العزم على أن لا يعود في المستقبل إلى المعاصي.
- كينونة التوبة في زمن تقبل فيه التوبة أي قبل حلول الموت وقبل طلوع الشمس من مغربها، ودليل الأول : قوله سبحانه: ]وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [ النساء 18
ودليل الثاني قوله سبحانه: ]هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ [ الأنعام 158 وبعض الآيات هو طلوع الشمس من مغربها قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (الهجرة لا تنقطع حتى تنقطع التوبة، والتوبة لا تنقطع حتى تطلع الشمس من مغربها) أحمد وأبو داود .
بيان أقسام العباد في دوام التوبة :
القسم الأول : تائب يستقيم على التوبة إلى آخر عمره فهو السابق إلى الخيرا .
القسم الثاني: تائب قد سلك طريق الاستقامة في أمهات الطاعات وترك كبائر الذنوب إلا أنه لا ينفك عن ذنوب تعتريه لا عن عمد، وكلما أتى شيئا منها لام نفسه وندم، فهذه هي النفس اللوامة، فهؤلاء لهم حسن الوعد؛ إذ قال الله سبحانه: ]الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ[ النجم 32
القسم الثالث : أن يتوب ويستمر على الاستقامة مدة ثم تغلبه شهوته في بعض الذنوب ، فيقدم عليها لعجزه عن قهر شهواته إلا أنه مع ذلك مواظب على الطاعات وترك جملة من الذنوب لكن يعد نفسه بالتوبة عن الذنب، فهذه النفس هي المسماة بالنفس المسؤولة، قال تعالى:
]وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ التوبة 102.
القسم الرابع: أن يتوب ويجري مدة على الاستقامة ثم يعود للذنوب منهمكا فيها من غير أن يحدث بالتوبة نفسَه ويصرّ عليها، فهي النفس الأمارة بالسوء، ويخاف على صاحبها سوء الخاتمة والمصير الوخيم. راجع مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة المقدسي ص278.
إخوة الإيمان : فلنبادر إلى الانضمام إلى أصحاب القسم الأول، ولنجاهد الأنفس لتستطيب طعم الطاعات وتعاف من طعم المعاصي.
أستغفر الله ربي وأتوب إليه إنه هو التواب الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله محب التائبين القائل: ]إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [ البقرة 222
والصلاة والسلام على خير من تاب وأناب وعلى آله وأصحابه التائبين .
عباد الله: إن في الإعراض عن التوبة آثارا سلبية في الدنيا قبل الآخرة:
- ومنها أن عدم التوبة سبب لضيق الرزق وجلب الفاقة، فقد ورد في الحديث: (إن الله ليحرم العبد رزقه بذنب أصابه) مسند أحمد
- نيل الظلمة في القلب والوحشة الشديدة التي تجعل الأرض تضيق بصاحبها، وقد يتفكر في الانتحار ليتخلص مما يعانيه من ضيق الصدر.
- تعسير الله جميع أموره عليه و الإخفاق في كل ما يقبل عليه.
- نزع مهابته وكرامته من كل القلوب، فيصير مهانا ذليلا عند خلق الله جزاء وفاقا، لأنه استخف بعظمة الجبار القهار فاجترأ على عصيانه فجازاه الله بإهانته عند خلقه.
- نزع البركة عن كل ما كسب وامتلك . فالمعاصي تمحو البركات.
ولنذكر أن علامة الشقاء أربعة :
- نسيان الذنوب الماضية وهي عند الله محفوظة.
- ذكر الحسنات الماضية ولا يدري أقبلت أم لا ؟
- نظر الإنسان إلى من فوقه في الدنيا .
- ونظره إلى من دونه في الدين .
وعلامة السعادة أربعة :
- ذكر الذنوب الماضية.
- نسيان الحسنات الماضية.
- ونظر الإنسان إلى من فوقه في الدين.
- ونظره إلى من دونه في الدنيا. راجع كتاب الاستعداد ليوم المعاد لابن حجر العسقلاني.
إخوة الإيمان لنتب إلى الله جميعا فنفلح في العاجل والآجل
هذا وصلوا وسلموا على البشير النذير.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
أضف تعليقاً