مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
222 تقوى الله د. أحمد عبد الله بُولي ـــ عضو الاتحاد في مالي 10/12/1446هـ  الموافق 06/06/2025م الأمانة العامة

 

 

الموضوع:تقوى الله

الحمد لله الذي أعدّ السعادة الأبدية لعباده المتقين نشهد أن لا إله إلا هو إله الأولين والآخرين، ونصلي ونسلّم على إمام المتقين محمد وعلى آله الأتقياء وصحبه المتقين، ومن تبع نهج التقوى إلى يوم ينفع المتقين تقواهم.

عباد الله:

أوصيكم وإياي بتقوى الله عزّ وجلّ في المخبر والمظهر، ولنعلم أن التقوى هي وصيّة الله للأولين والآخرين، فقد قال سبحانه في محكم تنزيله: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا﴾ النساء 131

 

ولنعلَمْ أن التقوى وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه وأمته جمعاء، فقد قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه للرسول أوصني، فقال له عليه الصلاة والسلام:

(عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهُ جِمَاعُ كُلِّ خَيْرٍ…) أخرجه الإمام أحمد. وكان الرسول لا يبعث أميرا على سرية إلا أوصاه بالتقوى.

 

ولنعلم أن التقوى وصية السلف الصالح كذلك، فهذا أبوبكر t يقول في خطبته:

أما بعد: فإني أوصيكم بتقوى الله وأن تثنوا عليه بما هو أهله.

وهذا عمر بن الخطاب t كتب إلى ابنه عبد الله: أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله، فإن من اتقاه وقاه.

واستعمل علي t على سرية رجلاً فقال له: أوصيك بتقوى الله عز وجل الذي لا بد لك من لقائه وهو يملك الدنيا والآخرة.

 

 

ولكن ما هي التقوى ؟

يجيب على هذا السؤال خرّيج جامعةٍ محمد الصحابيّ الجليل أبو هريرة t،

 قال: هل أخذت طريقا ذا شوك، قال السائل: نعم، قال: فكيف صنعت ؟

قال: إذا رأيت شوكا عزلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه، قال: ذاك التقوى.

وقال ابن مسعود t: التقوى أن يطاع الله فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.

 

وإليكم أهمَّ سمات المتقين :  

  • إقامة الشعائر التعبدية كالصلاة والصيام وغيرهما بإقامة ظاهرها كإتمام وتدبّر ما يقوله ويفعله، وهذا العنصر الأخير هو الفارق بينهم وبين غيرهم.
  • الإنفاق في سبيل الله بنفس مطمئنّة لا تخاف الفقر.
  • الصبر والمصابرة، قال تعالى عنهم: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ البقرة 177

 الخلق الحسن الذي يصل إلى درجة ضبط العواطف، وتحمّل سيّئات الآخرين، فهم كاظمون لغيظهم عافون عن الناس.

 ومن سماتهم أنهم رجّاعون توّابون لما يبدر عنهم من أخطاء، فسرعان ما يستغفرون ربهم مبتعدين عن الكبر والعُجب أو التهاون بالصغائر.

 قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ الأعراف 101.

 

 

ثمرات التقوى في العاجل والآجل:

أيها الأخ المسلم فإن التقوى بهذا المعنى يضفي على صاحبها آثارا عظيمةً في الدنيا والآخرة وعلى المجتمع، ودونكم غيضًا من فيض:

  • التقوى سبب لتيسير أمور الإنسان، قال سبحانه: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا @ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ الطلاق 2 ـ 3

 وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ الطلاق 4، وإن في قصة عوف بن مالك الأشجعي لعبرةً للمعتبرين.

قال أكثر المفسرين فيما ذكر الثعلبي إن هذه الآية نزلت في عوف بن مالك الأشجعي روى الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس قال: جاء عوف بن مالك الأشجعي إلى النبي فقال يا رسول الله: إن ابني أسره العدو وجزعت الأم، فما تأمرني فقال : (اتق الله واصبر وآمرك وإياها أن تستكثرا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فعاد إلى بيته وقال لامرأته: إن رسول الله أمرني وإياك أن نستكثر من قول (لا حول ولا قوة إلا بالله)، فقالت نِعْمَ ما أمرنا به فجعلا يقولان، فغفل العدو عن ابنه فساق غنمهم وجاء بها إلى أبيه، وهي أربعة آلاف شاة؛ فنزلت الآية. تفسير القرطبي ج18 ص160

 

  • التقوى سبب لفتح البركات من السماء والأرض وحصول الأرزاق على الفرد: المتقي، والمجتمع المتقي، يقول الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ الأعراف 96
  • التقوى سبب لنيل ولاية الله، فقد قال تعالى: ﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ﴾ الأنفال 34

 

الله أكبر، والعاقبة للمتقين. أقول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

  

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ولي المتقين، والصلاة والسلام على إمام المتقين.

عباد الله:

اعلموا أن ثمرات التقوى كثيرة، ومنها علاوةً على ما سبق:

  • التقوى عامل قويّ لعدم الخوف من كيد الكائدين وضرر الكافرين، وحسد الحاسدين، قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾ آل عمران 120
  • التقوى سبب لنيل العلم وحصول بركته، فقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ الأنفال 29
  • أهل التقوى تحصل لهم البشرى والاطمئنان في الحياة سواء أكان بالرؤيا الصالحة أو بمحبة الناس لهم، والثناء عليهم، ثم يحفظهم الله في ذريتهم من بعد مماتهم، قال سبحانه: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ @ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ @ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ يونس 62-64

 

عباد الله:

فسقياً لإيماننا وتزوّداً من التقوى علينا أن نكثر من الصيام في هذا الشهر شهر شعبان، فعن عائشة رضي الله عنها قالت:

(لم يكن النبي  يصوم من شهر أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله)، وفي رواية (كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا) متفق عليه.

 

ألا وصلّوا وسلّموا على الرسول التقي وعلى آله وصحبه وسلّم.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

 

 

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
221 عِيدِ الأَضْحَى المُبَارَكِ 1446هــ قسم المشاريع 10/12/1446هـ  الموافق 06/06/2025م الأمانة العامة

 

 

الموضوع:عِيدِ الأَضْحَى المُبَارَكِ

الحَمدُ لِلَّه، جَعَلَنَا مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِلِبَاسِ الإيمَانِ خَيْرِ لِبَاس..

اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر، لا إلَه إلَّا اللَّه، وَاَللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر ولله الْحَمْد..

نَحْمَدُهُ سُبحَانَهُ علَى مَا هَدَانَا، ونَشكُرُهُ تعالَى علَى مَا أَعْطَانَا وأَوْلانَا، ونَشهَدُ أَنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، يَعْلَمُ سِرَّنَا وجَهْرَنَا، ولا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيءٌ مِنْ أمرِنَا، ونَشهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُولُه، أَشْفَقَ علَيْنَا ونَصَحَنَا، وعلَى البَيْضَاءِ تَرَكَنَا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ، وعلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ تَسلِيمًا كَثِيرا..

 

أَمَّا بَعْدُ:

فأُوصِي نَفْسِي وإيَّاكُمْ بتقوَى اللَّه تَعَالَى، اتَّقُوا اللَّهَ عِبادَ اللَّه، اتَّقُوهُ حَقَّ التَّقْوَى، فَبِتقواهُ: تَسْمُو الضَّمَائِرُ، وتُقْبَلُ الشَّعَائِر، وبِهَا النَّجَاة؛ يَومَ تُبْلَى السَّرَائِر؛ ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا مريم 72.

أيُّها المُسْلِمُون: هنيئًا لكُمْ هَذَا العِيد، وبارَكَ اللهُ يَومَكُمُ المَجِيد، تقبَّلَ اللهُ منكمُ الطَّاعات، وأدَامَ عليكُمُ المَسَرَّات، وأعَادَ هَذَا العِيدَ عَلَيْنَا وعليكُمْ وَعَلَى المُسلِمينَ بالخَيرِ والسَّعادة، والعَفْوِ والعَافِيَة.

اللهُ أَكْبَر .. اللَّه أكبرُ؛ فِي أَدْبَارِ الصَّلوَات، اللَّه أَكْبَر؛ فِي العَشْرِ المُبارَكَات، اللَّه أَكْبَر؛ فِي العِيدِ وُفّي عَرَفَات.. اللَّه أَكْبَر؛ عِندَ إلقَاءِ الجَمَرَات، وباسمِ اللهِ واللهُ أَكْبَر؛ عِندَ ذَبْحِ الأُضْحِيَات.. اللَّه أَكْبَر؛ عِندَ مُحَاذَاةِ الحَجَر، وَاَللَّه أَكْبَر؛ عِندَ إرَادَةِ السَّفَر.. وَاَللَّه أَكْبَر، أكبرُ مِنْ كُلِّ شَيء، ذَاتًا وقُدْرَةً وقَدْرا، وعِزَّةً ومَنَعَةً وجَلَالا ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ الإسراء 111. فاللهُ أكبَرُ كَبِيرًا، والحمدُ للهِ كَثِيرًا، وسُبحَانَ اللهِ بُكرةً وَأَصِيلَا.

 

يَومُكُمْ هذَا؛ يَومُ إعلَانِ التَّوحِيد، والبرَاءَةِ مِنَ الشِّرك: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُ﴾ التوبة 3؛ فامْلَؤُوا قُلُوبَكُمْ تَعظِيمًا لِلَّه؛ وحُبًّا وتَوحِيدا، وإِجْلَالاً لَهُ؛ وخَوْفًا وتَمْجِيدا.. اسْتَشْعِروا عَظَمَتَهُ سُبحَانَه، وأَنتُمْ تَرْكَعُونَ لَهُ وَتَسْجُدُون، واسْتَشْعِروا عَظَمَتَهُ عَزَّ وَجَلَّ وأَنتُم تُضَحُّونَ لَهُ وَتَتَهَادَوْنَ.. اسْتَشْعِروا عَظَمَتَهُ سُبحَانَهُ وعَظِيمَ تَدْبيرِه: فيمَا يَمُرُّ بِكُمْ مِنْ أحدَاث، ومَا تَرَونَهُ مِنْ تَقَلُّبَاتِ النَّاسِ والأُمَم؛ سُبحَانَهُ وبحمدِه: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن﴾ الرحمن 29؛ ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ الطلاق 12.

اللهُ أَكْبَر؛ خَضَعَتْ لِعَظَمَتِهِ الجِبَاه، وَاَللَّه أَكْبَر؛ طَابَتْ بذِكْرِه الشِّفَاه.. حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَاد؛ أَنْ يَعْبُدُوهُ ولاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، قَال ﷺ: (أَتَدْرِي مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ إذَا فَعَلُوا ذَلِك؟.. أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ) مُتَّفَق عَلَيْه. ألَا فقُومُوا بِحَقِّ اللهِ عليكُم، واجْعَلُوا اللهَ ذُخْرَكُم ومَلْجَأَكُم، ومَقْصِدَكُمْ ومَفْزَعَكُم، أَكْثِرُوا مِنَ اللَّهَجِ بذِكْرِهِ وشُكْرِه، فمَا مِنْ عِبَادَةٍ عُبِدَت، ولا فَرِيضَةٍ فُرِضَت؛ إلَّا لِذِكْرِهِ وتَعْظِيمِه، وإجْلَالِهِ وتَوْحِيدِه، هُو المُسْتَحِقُّ وحدهُ لأكمَلِ الثَّناء، وأجَلِّ الحَمْدِ والتَّعظِيم، تَعَالَى وتَقَدَّس، وجَلَّ وعَزَّ؛ أنْ يكونَ لَه شَرِيكٌ أَو نَظِير، أَو وَالِدٌ أَو ولَد: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ سورة الإخلاص.

مَنْ تعَلَّقَ بهِ كفَاه، ومَنِ اعْتَمَدَ عَليهِ وقَاه، ومَنْ لجَأ إليهِ حَفِظَهُ وتوَلاَّه، هُوَ المَلاذُ عِندَ الشَّدَائد، والمَلْجَأُ عِندَ المصَاعِب، مَنِ الَّذِي دَعَاهُ فلَمْ يُـجِبْه، ومَنِ الَّذِي سَأَلهُ فلَمْ يُعْطِه، ومَنِ الَّذِي ناجَاهُ فَخيَّبَه، ومَنِ الَّذِي تَقرَّبَ إليهِ فأبْعَدَه؛ هُو سُبْحَانَه كَاشِفُ الضُّر، ومُجِيبُ المُضْطَر، ألَا لَهُ الخَلْقُ وَالْأَمْر: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ الأنعام 17-18.

اللَّه أَكْبَر؛ كَمْ أَوْلَى مِنَ الآلاءِ والمِنَن، وَاَللَّه أَكْبَر؛ كَمْ أَبْلَى مِنَ البَلاءِ الحَسَن.

مَنْ عَرَفَ اللهَ وعَظَّمَه؛ أَدْرَكَ أنَّ الدُّنْيا دَارُ بَلاءٍ وعُبُور، ولَيْسَتْ دَارَ نَعِيمٍ وَحُبُور، ﴿وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ آل عمران 185، ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾ غافر 39. مَنْ عَرَفَ اللهَ وعَظَّمَه؛ أَدْرَكَ أنَّ الدُّنْيا ليسَتْ دارَ تَقَاطُعٍ وتَدَابُر، وليسَتْ مكَانَ تَبَاغُضٍ وتَحَاسُد.. مَنْ عَرَفَ حقيقةَ الدُّنيا، وآمنَ بالآخرةِ ولِقَاءِ اللَّه: أدَّى الأمَانة، وأحسَنَ الجِوَار، وعَادَ الْمَرِيض، ووَصَلَ الرَّحِم، وأطعَمَ الجَائع، وأعطَى الفَقِير، ووَفَّى حَقَّ الأَجِير، وحاسَبَ نفسَهُ قبلَ الحِسَاب، وأدَّى الحقوقَ مَا دامَ فِي زَمَنِ المُهْلَة، واحتَسَبَ عِندَ اللهِ: عفْوَهُ عمَّنْ ظلمَه.. مَنْ عَرَفَ اللهَ: اسْتَوصَى بأهلِ بَيتِهِ خيرًا، واحتَسَبَ عِندَ مَوْلَاه: نَفَقَتَهُ عَلَى أهلِهِ وعِيَالِه؛ كمَا فِي الْحَدِيث: (دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبيلِ اللَّه، ودِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَة، ودِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بهِ عَلَى مِسْكِين، ودِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى عِيَالِك، أعظَمُها أجرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِك) عن أبي هريرة t، رواه مسلم.

 

اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر، لا إلَه إلَّا اللَّه، وَاَللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر ولله الْحَمْد..

عِبادَ اللَّه: وإنَّ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّه: تَعْظِيمَ هَذَا اليَومِ، وما يَتْلُوهُ مِنَ الأيَّامِ المَعْدُودَات؛ ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب﴾ الحج 32. فاقْدُرُوهَا حَقَّ قَدْرِها، واعمُرُوها بطَاعَةِ اللهِ وذِكرِه، وأكثِرُوا فِيهَا مِنْ حَمدِه وشُكرِه، ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ البقرة 203.

فَاَللَّه أَكْبَر .. اللَّه أَكْبَر كبيرًا، والحمدُ لِلَّه كثيرًا، وسبحان اللَّه بُكرةً وَأَصِيلَا، وصلَّى اللَّه وسلَّم عَلَى نبِيّنا مُحمدٍ وَعَلَى آلِه وصحبِه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

وأستغفِرُ اللهَ لِي وَلِكَم، ولسائرِ المسلمينَ مَن كلِّ ذنبٍ، فاستغفِروه وكَبِّرُوهُ وَتُوبُوا إلَيْه، إنَّه كَان لِلْأَوَّابِين غَفُورًا.

 

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ ربِّ العَالمين، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وليُّ الصَّالِحِين، وَأَشْهِد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه الْأَمِين، بلَّغَ الرِّسَالة، وأدَّى الأمَانة، وجاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ جِهادِه حَتَّى أتاهُ الْيَقِين، صلَّى اللَّه عَلَيْه وَعَلَى آلِه وَصَحِبَه أَجْمَعِين.

أمَّا بَعْدُ:

 

فاتَّقوا اللهَ عِبادَ اللَّه؛ فتقوَى اللهِ مِفتَاحُ الْأَخْلَاق، وبَابُ الْأَرْزَاق، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبالطلاق 2-3. الصَّبرُ عَنْ محَارِمِ اللَّه؛ أيسَرُ مِنَ الصَّبرِ عَلَى عَذَابِه، ومَنْ رَغِبَ فِي المكْرُمَات؛ فَلْيَجْتَنِبِ الـمُحَرَّمات.

اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر، لا إلَه إلَّا اللَّه، وَاَللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر ولله الْحَمْد..

وإنَّ مِنْ أجَلِّ الأعمَالِ فِي هذهِ الأيَّام: التقَرُّبَ إِلَى اللهِ بذَبْحِ الأضَاحِي، وَهْي سُنَّةُ أَبِينَا إبْرَاهِيم، ونبيِّنا محمَّدٍ عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ والسَّلام.. مَا عَمِلَ ابنُ آدمَ يَومَ النَّحرِ عمَلاً أحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ إرَاقَةِ دَمٍ.. واللهُ بكَرَمِهِ يُخْلِفُهَا عَلَى عَبدِهِ رَحْمَةً مِنهُ وفَضْلًا، ويُسَنُّ لمَن أرادَ أنْ يُضَحِّي أنْ يختَارَ مِنَ الأضَاحِي أطيَبَها وأفضَلَها، وأسمَنَها وأكرَمَها.. فاختارُوا لأنفُسِكم، واجتَنِبوا المَعِيبَ مِنْهَا، وأخْلِصُوا للهِ أعمَالَكُم، تقبَّلَ اللهُ ضحَاياكُم.

وأيامُ الذَّبْحِ أَرْبَعَة؛ تبدأُ مِنْ بعدِ صَلاةِ العيدِ إِلَى غُروبِ شمسِ آخرِ أيّامِ التَّشْرِيق، وهُوَ اليومُ الثّالثَ عَشَر، والذَّبحُ فِي يَومِ العيدِ أفضلُ ممَّا بعدَه، ومَنْ كَان يُحسِنُ الذَّبحَ فلْيَذْبَحها بنَفْسِه، ويُسمِّي ويُكبِّر؛ لَمَّا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْن أنَّ النبيَّ ﷺضَحَّى بكبشَينِ أملَحَينِ أقرَنَين، ذَبَحَهُما بيدِهِ وسمَّى وكبَّر. والسُّنَّةُ أنْ يأكُلَ مِن أُضحيتِه، ويُهدِي مِنها، ويَتَصَدَّق.

فبَادِرُوا إِلَى سُنَّةِ رَسُولِكم، مَنْ أقْدَرَهُ اللهُ عَلَى هذهِ السُّنَّةِ ولَمْ يَعْزِمْ؛ فلْيَسْتَعِنْ باللهِ ولا يَعْجَز، ومَنْ كانَ قَد عَزَمَ عَلَى الأُضْحِيَة؛ فلْيَحْمَدِ اللهَ ولْيَطِبْ بِهَا نَفْسًا، وليَشْكُرِ اللهَ عَلَى تَوفيقِه..

وكبِّرُوهُ رحمكمُ اللَّه: عَلَى مَا هَدَاكُم، ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَالحج 37.

اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر، لا إلَه إلَّا اللَّه، وَاَللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر ولله الْحَمْد..

عبادَ اللَّه: هذَا يَومُ التَّسَامُح، يَومُ التَّصَافُح، يومُ التَّرَاحُم.. فتَصَافَحُوا، وتَسَامحوا، وترَاحَمُوا، وَكُونُوا عِبادَ اللهِ إخوانًا، كُونُوا لِقَرَابَاتِكُمْ وأَهْلِيكُمْ وجِيرَانِكُم؛ كَمَا تحبُّونَ أنْ يكونَ اللهُ لَكُم، فالجَزاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَل، ومَنْ غَدَا مِنكُم مِنْ طَريقٍ فَلْيَرجِعْ مِنْ طَريقٍ أُخرَى إنْ تيسَّرَ لَهُ ذَلِك؛ اقْتِدَاءً بسُنَّةِ سَيِّدِ المُرسَلِينَ.

 

اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر، لا إلَه إلَّا اللَّه، وَاَللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر ولله الْحَمْد..

تَقَبَّلَ اللهُ طَاعَاتِكُمْ وصَالِحَ أعمَالِكُمْ، وَتَقَبَّلَ صَدَقَاتِكُم ودُعَاءَكُمْ وَضَحَايَاكُم، وضَاعَفَ حَسَنَاتِكُم، وَجَعَلَ عِيدَكُمْ مُبَارَكًا، وأيّامَكُمْ أَيَّامَ سَعَادَةٍ وَفَضْلٍ وَإحْسَانٍ وَعَافِيَة ..

أَعَادَ الله عَلَيْنَا جميعًا وعلَى المُسلِمِينَ مِنْ بَرَكَاتِ هَذَا العِيد، وجَعَلَنَا فِي القِيَامَةِ مِنَ الآمِنِين، واحَشَرَنَا تحتَ لِوَاءِ سَيِّدِ المُرْسَلِين.

اللَّهُمَّ أَعْطِنَا ولا تَحْرِمْنَا اللَّهُمَّ أَكْرَمَنَا ولا تُهنا اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ، وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ، وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ.

اللَّهُمّ صلِّ وسلِّم وبارِك عَلَى عبدِك ورسولِك نبيِّنا مُحَمَّد، وَعَلَى آلِه وَأَزْوَاجِه وذُرِّيَّته، وارضَ اللَّهُمّ عَن الْخُلَفَاء الرَّاشِدِين: أَبِي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وَعَن سَائِر الصحابةِ أَجْمَعِين، والتابعين وَمَنّ تبِعَهم بإحسانٍ إِلَى يَوم الدّين، وعنَّا مَعَهُم بِعَفْوِك وَإِحْسَانِك يَا أَكْرَم الْأَكْرَمِين.

اللَّهُمّ أعِزَّ الإسلام وَالْمُسْلِمَين، وأذِلَّ الشِّرْك والمشركين، واحمِ حوزةَ الدّين، وَانْصُر عِبَادَك الْمُؤْمِنِين ..

اللَّهُمّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وأصلِح أَئِمَّتِنَا وَوُلَاة أُمُورِنَا. اللَّهُمّ يَا حَيّ يَا قَيُّوم، اشْف مرضانا وَمَرْضَى الْمُسْلِمِين، وَارْحَم مَوْتَانَا وَمَوْتَى المسلمينَ يَا رَبّ الْعَالَمِين.

اللَّهُمّ احْفَظ الْحَجَّاج وَالْمُعْتَمِرِين، ورُدَّهم إِلَى أَهْلِيهِم سَالِمِين غَانِمِين، وَتَقْبَل مِنَّا ومنهم صَالِح الْقَوْل وَالْعَمَل، بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَم الرَّاحِمِين.

﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾

سُبْحَان رَبِّك رَبّ الْعِزَّة عَمَّا يصِفون، وسلامٌ عَلَى المُرسلين، والحمدُ لِلَّه رَبّ الْعَالَمِين.

 

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
220 فَضْل عَرَفَة وَبَعْض أَحْكَام الْأُضْحِيَّة وَيَوْم الْعِيد قسم المشاريع 03/03/1446هـ  الموافق 30/05/2025م الأمانة العامة

 

 

الموضوع:فَضْل عَرَفَة وَبَعْض أَحْكَام الْأُضْحِيَّة وَيَوْم الْعِيد

 

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِلَهِ الْبَرِيَّات، مَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِمَوَاسِمِ الْخَيْرَات، لِيَغْفِرَ لَهُمُ الذُّنُوبَ وَالزَّلَّات، وَيُجْزِلَ لَهُمْ عَظِيمَ الأَجْرِ وَالْهِبَات، أَشْكُرُهُ تَعَالَى وَقَدْ خَصَّ بِالْفَضِيلَةِ أَيَّامَاً مَعْدُودَات، فَالْمُوَفَّقُ مَنِ اغْتَنَمَهَا بِالطَّاعَات، وَالْمَغْبُونُ مَنْ فَرَّطَ فِيهَا وَسَوَّفَ وَتَرَدَّدَ حَتَّى ضَاعَتْ عَلَيْهِ الأَوْقَات، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عَلَّمَ الأُمَّةَ مَا يَنفْعُهَا وَوَجَّهَهَا لِصَحِيحِ الْعِبَادَات، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَعَلَى آلِهِ الطَّاهِرِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِين، وَعَنِ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين.  

 

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَهِيَ وَصِيَّةُ اللهِ لِلأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهالنساء 131.

عِبَادَ الله: هَا نَحن فِي أيامِ عَشرِ ذِي الْحُجَّة وَهْي الَّتِي سمَّاها اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابه ﴿الأيامَ الْمَعْلُومَات، كَمَا فسَّرها ابنُ عباسٍ رَضِي اللَّه عَنْهُمَا فلنكثر فِيهَا مِن الأعمالِ الصالحةِ فَهِي خيرُ أيامِ الدُّنْيَا وموسمُها خيرُ الْمَوَاسِم والمُوفقُ مَن يُوَفِّق فِيهَا للعملِ الصَّالِح، فَإِن أَي عَمَل صَالِح فِيهَا أَحَبّ إِلَى اللَّه مِن أَي عَمَل فِي غَيْرِهَا وخيرٌ وَأَزْكَى، فَلَّنَجْتَهَد فِي جَمِيع الْأَعْمَال الصَّالِحَة ولنُرِي ربَنا مَا يُرضيه عنَّا وَيَكُون مُثَقِّلاً لِمَواْزِيْنَنا يُوم الْعَرْض عَلَيْه جَلّ وَعُلَا.

 

عِبَاد اللَّه: وَمِن أعظمِ أيامِ الْعَشْر بَل مِن أَفضَلِ أَيامِ السَّنةِ يُوم عَرَفَة، أَكمَلَ اللهُ فيهِ المِلَّةَ، وأَتمَّ بهِ النِّعمَةَ.

ولأَجلِ أَن نَستفِيدَ مِن هَذا اليَومِ المُبَاركِ مَطْلُوب مِنَّا أنْ نَتَفَرَّغ لِلعِبَاْدةِ فِي هَذَا اليومِ، ونَترُكَ المشَاغِلِ والأعمالِ وَنُأجِلَهَا، وَهَنِيئاً لِمَن صَام هَذَا اليومِ؛ فقدْ بيَّنَ ﷺ مَا يتَرتَّبُ عَلَى صِيامهِ مِنَ الفضلِ العَظِيمِ؛ فَقَال: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ) رواهُ مُسلمٌ.

وللدُّعَاءِ يَومَ عَرفةَ مَزِيَّةٌ علَى غَيرِهِ، فإنَّ النبيَّ -ﷺ- قالَ: (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ) رواهُ التِّرمِذيُّ. ولْيَحرِصِ المُسلِمُ عَلَى الدُّعاءِ فِي هذَا اليومِ العَظِيمِ اغتنامًا لفِضلِهِ ورَجاءً للإجابةِ والقَبُولِ، وأنْ يَدعوَ لنفسِهِ ووالِدَيْهِ وأَهلِهِ وللإِسلامِ والمسلِمِينَ.

 

عبادَ اللهِ: إنَّ تَقرِيبَ القَرِابِينِ وذَبحَ الأَضَاحِي للهِ -عزَّ وجَلَّ- عِبادَةٌ عَظِيمَة، وكانَ ﷺ يُدَاوِمُ علَى فِعلِ الأُضحِيةِ عشرَ سِنينَ مُنذُ أنْ قَدِمَ المدينةَ… وهذِهِ العِبادةُ تَأتِي شُكرًا للهِ عَلَى النِّعْمَة، وإحياءً لسُنَّةِ إبراهيمَ الخليلِ، وتذكيرًا للمُسلمِ بصَبرِ إبراهيمَ وإسماعيلَ، وإيثَارِهِمَا طَاعةَ اللهِ ومحبَّتِهِ عَلَى محبَّةِ الوالدِ والوَلدِ، كمَا وتَأتِي تَوسِعةً عَلَى النَّفسِ وأَهلِ البيتِ، ونَفعًا للفَقِيرِ، وأَجرًا لِمَنْ تَصدَّقَ بهَا.

 

أَيُّهَا المؤمنونَ: الأُضحِيةُ سُنَّةٌ مُؤكَّدةٌ عندَ جُمهُورِ أهلِ العِلمِ، بَل قَال بَعْض أَهْل الْعِلْم بِوُجُوبِهَا عَلَى الْقَادِر مِمَّا يُبَيِّن أهميتها.

عِبادَ اللهِ: لا يَنبغِي أَبدًا للقَادرِ أَنْ يُفَوِّتَ هذِه الفُرصَةَ الثَّمِينةَ، وكانَ رَسولُ اللهِ -ﷺ- يَكرَهُ للأَغنِياءِ أَنْ يُهْمِلُوا هذِهِ السُّنَّةَ، إِلَى دَرجَةِ أنَّه قَالَ: (مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ، وَلَمْ يُضَحِّ، فَلا يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنَا).

وعلَى المُسلِمِ أنْ يَعتَنِيَ باختِيارِ الأُضحِيَةِ، وكلَّمَا كانتِ الأضحيةُ أَكْمَلَ فِي ذَاتِهَا وصِفَاتِهَا وأحسنَ مَنظَرًا وأغْلَى ثَمنًا فهِي أَحَبُّ إِلَى اللهِ وأعظمُ لأجرِ صَاحِبِهَا، قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ رحمه الله: “والأجرُ فِي الأُضحيةِ عَلَى قَدْرِ القِيمَةِ مُطْلقًا” اهـ.

ولقدْ كانَ المسلمونَ فِي عَهدِ رسولِ اللهِ -ﷺ- يُغَالُونَ فِي الهَدْيِ والأضَاحِي، ويختارونَ السَّمِينَ الحَسَنَ، قالَ أَبو أُمَامَةَ بنُ سَهْلٍ رَضِي اللهُ عَنهُ : “كُنَّا نُسَمِّنُ الأُضْحِيةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ”؛ وتَسمِينُ الذَّبِيحَةِ مِن تَعظِيمِ شَعَائِرِ اللهِ، كَمَا قالَ ذَلِك ابنُ عبَّاسٍ -رَضِي اللهُ عَنهُمَا-، فِي قَوَّلَه تَعَالَى ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ الحج 32.

 

نَسألُ اللهَ العظيمَ ربَّ العرشِ العظيمِ أن يُوفِّقَنَا وإيَّاكُم لتعظِيمِ شَرَائعِه وشَعَائِرِه، وأَن يجْعَلَنَا مِنَ المؤمِنِينَ المُخْبِتِينَ المسلمينَ التَّائِبِينَ العَابِدِينَ القَانِتِينَ.

أقولُ قَوْلِي هَذَا، وأستغفرُ اللهَ لِي وَلِكَم فاستغفرُوه، إنَّه هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحَدَه وَالصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَى رَسُول اللَّه وَآلُه وَصَحِبَه.

أمَّا بَعْدُ:

 

عبادَ اللهِ: لَقَدْ بيَّنَ سُبحانه الحكمةَ مِن ذَبحِ الأضَاحِي والهَدايَا بقولِهِ: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ الحج 37.

قَال الشَّيخُ السَّعدِيُّ -رحمهُ اللهُ-: “ليسَ المقصودُ مِنْهَا ذَبْحَهَا فَقَطُ. ولا يَنالُ اللهَ مِن لُحُومِهَا ولا دِمائِهَا شَيءٌ؛ لِكونِهِ الغَنيَّ الحميدَ، وإنَّما يَنالُهُ الإخلاصُ فيهَا، والاحتِسَابُ، والنِّيَّةُ الصَّالِحةُ، ولهَذا قالَ: ﴿وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ الحج 37.، فَفِي هَذَا حَثٌّ وتَرغِيبٌ عَلَى الإِخلاصِ فِي النَّحْرِ، وأنْ يكُونَ القَصدُ وَجهَ اللهِ وحْدَهُ، لا فَخرًا ولا رِياءً، ولا سُمعَةً، ولا مُجرَّدَ عَادةٍ، وهكَذا سَائِرُ العِباداتِ إنْ لَم يَقتَرِنْ بِهَا الإِخلاصُ وتَقوى اللهِ، كانتْ كالقُشُورِ الَّذِي لا لُبَّ فيهِ، والجَسَدِ الَّذِي لا رُوحَ فيهِ”. اهـ.

وإِلى الذِينَ عَجَزوا عَن شِرَاءِ الأُضحيةِ وَمَنّ حَال بَيْنَهُم وَبَيَّنَهَا ضِيق ذَات الْيَد يُقَال لَه أَبْشِر بِالْخَيْر يَا عَبْد اللَّه فَإِن النِّيَّة الصَّادِقَة تَبْلُغ مَكَان الْعَمَل وَيُقَال لَهُم: هَنِيئًا لكُمُ البُشْرى؛ فقَدْ ضَحَّى عنكُم رَسُولُ اللهِ -ﷺ-فإنَّه -ﷺ- لَمَّا قَضَى خُطبَتَه ونَزَلَ مِن مِنْبَرِه أُتِيَ بِكَبْشٍ فذَبَحَهُ بيدِهِ، وقالَ: “بِسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي”.

 

أَيُّهَا المؤمنونَ: وآخِرُ هذِه العَشْرِ الفَاضلَةِ، هوَ أَعظمُ الأيَّامِ عِندَ اللهِ، كمَا صحَّ عنهُ -ﷺ- أَنَّه قَالَ: (إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَوْمُ النَّحْرِ) رَوَاه وأبو دَاودَ وصحَّحَهُ الأَلبَانِيُّ.

والفَرَحُ فِيهِ مِنْ مَحَاسِنِ هذَا الدِّينِ وشَرَائِعِهِ؛ فعَنْ أَنسٍ -رِضيَ اللهُ عَنهُ- قالَ: قَدِمَ ﷺ ولأهلِ المَدِينةِ يَومَانِ يَلعَبُونَ فِيهمَا فِي الجَاهِليةِ، فقالَ: (قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ وَلَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ يَوْمَيْنِ خَيْرًا مِنْهُمَا، يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ).

ومِن أَعظَمِ شَعائِرِ الإِسلامِ فِي هَذَا اليومِ، أَداءُ صَلاةِ العِيدِ وقَد صَلاَّهَا النبيُّ -ﷺ- ودَاوَمَ علَى فِعلِهَا هُو وأَصحَابُهُ والمسلمونَ بَل ذَهَب بَعْض أَهْل الْعِلْم أَنَّهَا وَاجِبَة فِي حَقّ الرِّجَال، وَيَسُنّ الجُلُوسُ لِسمَاعِ خُطبَةِ العِيدِ، وعَدمُ الانِشغالِ عَنها بشيءٍ كالتهنِئةِ أَو رَسائِلِ الهَاتِفِ الجَوَّالِ أَو غَيرِ ذَلكَ.

 

تَقبَّلَ اللهُ مِن الجَميعِ صَالحَ العَملِ وأعَانَ ويَسَّرَ الفَوزَ بهذِه الأيامِ المبَاركَةِ.

اللهمَّ أَعنَّا عَلى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادتِكَ، اللهمَّ جَنِّبنا الفتنَ مَا ظَهرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ.

 الَّلهُمَّ اجْعَلْنَا مِمنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ.

اللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ وَأَرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ وَلا تَجْعَلْهُ مُلْتَبِسًا عَلَيْنَا فَنَضِلَّ.

 اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِيْنَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِيْنَ.

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا.

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ الْمَهْمُومِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ الْمَكْرُوبِينَ، وَاقْضِ الدَّيْنَ عَنِ الْمَدِينِينَ، وَاشْفِ مَرْضَاهُمْ، وَاغْفِرْ لِمَوْتَاهُم، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ.

 

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
219 كيف تؤدي مناسك الحج والعمرة الدكتور عثمان صالح تروري – عضو الاتحاد 26/11/1445هـ  الموافق 22/05/2025م الأمانة العامة

 

 

الموضوع:كيف تؤدي مناسك الحج والعمرة

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أفضل من حج واعتمر وأمر أمته بأخذ مناسكهم عنه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه أمهات المؤمنين وأصحابه ما لبى ملب بحج بيت ربه.

 أَمَّا بَعْدُ:

فاتقوا الله أيها المؤمنون، وتذكروا بمفارقتكم أهليكم إلى الحج يوم مفارقتكم لهم إلى القبور، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى.

وبعد أن أحرمتم من الميقات، وأكثرتم من التلبية على الطريق إلى مكة، فعند دخولكم فيها فاستعروا عظمة تلك البلدة، وهي خير بلاد الأرض وأحبها إليه وإلى رسوله كما قال صلى الله عليه وسلم (إِنَّكِ، لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَيَّ…) ابن ماجة.

  • وإذا وصلتم مكة ففي الغالب يتوجه الحجاج إلى منازلهم، ثم منها إلى المسجد الحرام لإتمام العمرة ويتم ذلك على النحو التالي:
  • إذا دخلت المسجد فعليك بالالتزام بآداب المسجد من: تقديم اليمنى، الدعاء،……
  • تقطع التلبية قبل بدء الطواف ومن السنة أن يكشف الرجل عن كتفه الأيمن جاعلا وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر
  • ثم تبدأ الطواف من الحجر الأسود، فإذا تسنى لك الوصول إلى الحجر الأسود فقبله، وإلا فأشر إليه قائلا الله أكبر، والطواف يكون بسبعة أشواط
  • وأثناء الطواف تذكر الله وتدعوه بما تشاء من خيري الدنيا والآخرة،
  • وإذا وصلت الركن اليماني إن تيسر لك فاستلمه دون تقبيل وإلا فواصل ولا تشر إليه، ويسن الدعاء بقوله: ]رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[ بين الركن اليماني والحجر الأسود.
  • ويسن للرجال الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى (وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطي) وهذا في طواف القدوم فقط.
  • وإذا اكتملت الأشواط السبعة يغطي الرجال أكتافهم المكشوفة
  • تصلي ركعتين خلف المقام إن تيسر وإلا ففي أي مكان من المسجد، تقرأ في الأولى بسورة الكافرون وفي الثانية بالإخلاص.
  • وبعد الفراغ من ذلك يسن الشرب من ماء الزمزم.
  • وبعد ذلك تتوجه إلى المسعى بدء بالصفا، وعند الصعود على الصفا يسن قول: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ)،
  • ثم تصعد الصفا وتقف عليه مستقبلا الكعبة وتحمد الله تعالى وتكبره ثلاثا وتدعو وتكثر من الدعاء رافعا يديك قائلا: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ).
  • ثم تنزل من الصفا قاصدا المروة وتدعو وتذكر الله تعالى بما تشاء وتسعى سبعة أشواط، فمن الصفا إلى المروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوط وهكذا.
  • ويسن للرجال الإسراع بين الضوئين الأخضرين ( بطن الوادي ).
  • وإذا صعدت المروة فافعل مثل ما فعلت على الصفا.
  • وإذا كملت سبعة أشواط فعلى الرجال الحلق أو القصر، والحلق أفضل، وعلى النساء قصر قدر أنملة.
  • وبهذا تتحلل من العمرة وتنتظر الحج.

 

 

وأثناء هذا الانتظار عليكم بالحرص على الصلاة في المسجد الحرام، والإكثار من الطواف بالبيت،  فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ t قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ r (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ ) رواه أحمد .

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: (مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ) رواه ابن ماجه .

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ]الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ[ البقرة 197

قلت ما أصغيتم إليه والله تعالى أسأل المغفرة والرحمة لي ولكم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي فرض حج بيته الحرام، والصلاة والسلام على رسوله خير الأنام

أيها المؤمنون: فإذا أتم الحاج المعتمر عمرته، وانتظر الحج فإن أعمال حجه يبدأ من اليوم الثامن إلى اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، والأعمال المشروعة في هذه الأيام هي كالتالي:

* أعمال اليوم الثامن :

  • الإحرام للحج في المنزل قائلا: لبيك حجا
  • الخروج إلى منى وقت الضحى، وفي الغالب يبدأ الحجاج الخروج من الليل لأجل الزحمة.
  • وإذا وصل منى صلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصرا بلا جمع، والفجر.

 

* أعمال اليوم التاسع ( يوم عرفة ) :

  • الخروج إلى عرفة وقت الضحى
  • الوقوف فيه من الزوال وصلاة الظهر والعصر فيه جمعا وقصرا، وعرفات كلها موقف.
  • الإكثار من الدعاء والذكر فيه بعد الصلاة إلى الغروب، وليكثر من قول: لا إله الله وحده لا شريك له ….. ، لما رواه مالك عن طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r: (قَالَ أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ) ويستقبل القبلة عند الدعاء .

وقد ورد فضل يوم عرفة في أحاديث كثيرة منها ما روي عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ t قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ) مسلم

  • مغادرة عرفة عند الغروب إلى المزدلفة وصلاة المغرب والعشاء فيها والمبيت بها

 

* أعمال اليوم العاشر ( يوم العيد ) :

  • صلاة الفجر بالمزدلفة، والإكثار من ذكر الله بعد الصلاة بالمشعر الحرام
  • مغادرة المزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس
  • التقاط سبع حصيات على الطريق إلى منى
  • رمي جمرة العقبة بالحصيات السبع ويكبر مع كل حصاة
  • ذبح الهدي
  • حلق الرأس أو قصره والحلق أفضل
  • طواف الإفاضة بالكعبة، وهو مثل الأول إلا أنه لا يكشف الكتف، ولا يسرع في الأشواط الثالثة الأولى.
  • يصلى ركعتين بعد الطواف، ثم يسعى بين الصفا والمروة كما فعل في العمرة.
  • ولا بأس من تقديم هذه الأعمال بعضها على بعض، فمن أدى ثلاثة منها تحلل تحللا أصغر فيباح له كل المحظورات إلا النساء، ومن أداها كلها فقد تحلل تحللا أكبر ويباح له كل المحظورات حتى النساء
  • العودة إلى منى للإقامة

 

* أعمال اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر :

  • الإقامة في منى والإكثار من ذكر الله تعالى أثناءها
  • رمي الجمرات بعد الزوال من كل يوم، وصفة رمي الجمرات كالآتي:

× يبدأ بالجمرة الدنيا فيرميها بسبع حصيات ويكبر مع كل حصاة، وإذا رماها تنحى يمينا ووقف مستقبلا القبلة، ودعا طويلا

× ينتقل إلى الجمرة الوسطى ويرميها بسع حصيات مثل الأولى، ثم يتنحى يمينا مستقبلا القبلة ويدعو طويلا

× ثم ينتقل إلى  جمرة العقبة ( الأخيرة )  ويرميها بسبع حصيات كالسابقة ، ولا يدعو بعده.

فإذا اكتمل له يومان أو ثلاثة نزل مكة، وقد انتهى له حجه، وإذا تقرر سفره طاف البيت طواف وداع، لما روي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:

( أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْحَائِضِ ) البخاري وليس من المشروع الخروج من المسجد على الظهر.

 

فهكذا يؤدى الحج والعمرة، والله تعالى نسأل أن يوفقنا جميعا لحسن أدائهما، وأن يتقبله منا بقبول حسن، وأن يرفع به درجاتنا في الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالين وحسن أولئك رفيقا، وصلى الله على سيدنا محمد وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

 

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
218

كيف تستعد للحج ووقفات مع فضل سيد المرسلين

الدكتور عثمان صالح تروري – عضو الاتحاد

19/11/1445هـ  الموافق 16/05/2025م الأمانة العامة

 

الموضوع:كيف تستعد للحج ووقفات مع فضل سيد المرسلين

الحمد لله حمدا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من قالها صدقا وعدلا نال بها جنات ربه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اختار يثرب دارا لهجرته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما حج حاج البيت الحرام ونال رضوان ربه.

أما بعد :

 

فاتقوا عباد الله، وراقبوه في سركم وعلنكم، وأطيعوا الله وأطيعوا رسوله لعلكم ترحمون: ]وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [ النساء 69

أيها المؤمنون: من توفرت فيه شروط وجوب الحج وأراد الحج فينبغي له القيام بالأمور التالية استعدادا له:

1 / إخلاص النية لله تعالى، وهو أن يقصد بحجه وعمرته وجه الله تعالى والتقرب إليه قال الله عز وجل: ]قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ @ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [ الأنعام 162-163

وليحذر كل الحذر من قصد حطام الدنيا، أو المفاخرة، أو حيازة الألقاب، أو الرياء والسمعة، أو اتخاذ الحج عادة … فإن ذلك كله سبب في بطلان العمل وعدم قبوله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ) مسلم.

2 / التوبة إلى الله تعالى: ويقصد بها الإنابة إلى الله تعالى من الشرك والمعاصي والإقلاع عنها والندم على ما مضى والعزيمة على عدم العودة إليها وإن كان عنده مظالم للناس ردها وتحلل منها . قال الله تعالى ].. وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [ النور 31.

3 / انتخاب نفقة طيبة من مال حلال،  فقد روي مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَقَالَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ).

والحج عبادة ودعاء، فدل هذا الحديث على أن أكل الحرام مانعة لاستجابة دعوة الداعي .

4 / التفقه في أحكام الحج والعمرة والسؤال عما أشكل عليه حتى يكون حجه على بصيرة وفق المنهج النبوي الشريف، فإن من شروط قبول العمل متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وموافقته بفعله، فقد كان يقول لأصحابه في الحج:  ( خذوا عني مناسككم .. )، ولا تتم المتابعة إلا بالعلم.

كما ينبغي له أيضا تعلم أحكام السفر و آدابه وخاصة في الطهارة والصلاة، مثل كيفية الصلاة في متن الطائرة، والجمع بين صلاتين، والتيمم …….

5 / اتخاذ رفقة صالحة، فإن المرء برفيقه وأحسن رفاق المرء في الحج العلماء المخلصون ……………

6 / كتابة الوصية ورد الودائع والوفاء بالديون قدر الإمكان، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: (مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ ) البخاري ومسلم .

7 / توديع الأهل والوصية لهم بالتقوى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَدَّعَنِي رَسُولُ اللَّهِ r (فَقَالَ أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ الَّذِي لَا تَضِيعُ وَدَائِعُهُ) ابن ماجه .

8 / دعاء الله تعالى التوفيق والقبول والاستعانة به تعالى في حسن أداء الحج.

9 / وينبغي طلب الدعاء من الحاج وغيره من المسافرين، فقد روي عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ r فِي الْعُمْرَةِ فَقَالَ أَيْ أُخَيَّ أَشْرِكْنَا فِي دُعَائِكَ وَلَا تَنْسَنَا) رواه الترمذي وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .

ولنحذر في طلب دعواتنا من الألفاظ غير الشرعية، ومن ذلك: قول بعض الناس: أعرض همي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو اكتب اسمي على الكعبة، وكذلك إعطاء الدخن للحجاج على أن يعطوه لطيور فاطمة …………..

قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله المبدئ المعيد، من هداه فهو السعيد السديد، ومن أضله فهو الطريد البعيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العرش المجيد، والبطش الشديد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله البشير النذير، أشرف من أظلَّت السَّماء، وأقلَّت البِيدُ، صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا وعلى آله وأصحابه أولي العون على الطاعة والتأييد، صلاةً دائمةً في كل حين تنمو وتزيد.

 

فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: أَنَّ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ لَهُ فحلانِ فاغَتَلَمَا، فَأَدْخَلَهُمَا حَائِطًا فَسَدَّ عَلَيْهِمَا الْبَابَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ r فَأَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ وَالنَّبِيُّ r قَاعِدٌ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي جِئْتُ فِي حَاجَةٍ، وَإِنَّ فَحْلَيْنِ لِي اغْتَلَمَا فَأَدْخَلْتُهُمَا حَائِطًا، وسَدَدْتُ الْبَابَ عَلَيْهِمَا، فَأُحِبُّ أَنْ تَدْعُوَ لِي أَنْ يُسَخِّرَهُما اللَّهُ لِي، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: (قُومُوا مَعَنَا، فَذَهَبَ حَتَّى أَتَى الْبَابَ،فَقَالَ: افْتَحْ، فَأَشْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى النَّبِيِّ r، فَقَالَ: افْتَحْ، فَفَتَحَ الْبَابَ فَإِذَا أَحَدُ الْفَحْلَيْنِ قَرِيبٌ مِنَ الْبَابِ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ r سَجَدَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ r: ائْتِنِي بِشَيْءٍ أَشَدُّ بِهِ رَأْسَهُ، وأُمْكِنُكَ مِنْهُ، فَجَاءَ بحطامٍ فَشَدَّ بِهِ رَأْسَهُ، وأَمْكَنَهُ مِنْهُ، ثُمَّ مَشَيَا إِلَى أَقْصَى الْحَائِطِ إِلَى الْفَحْلِ الآخَرِ، فَلَمَّا رَآهُ وَقَعَ لَهُ سَاجِدًا، فَقَالَ لِلرَّجُلِ: ائْتِنِي بِشَيْءٍ أَشَدُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَشَدَّ رَأْسَهُ وأَمْكَنَهُ مِنْهُ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَإِنَّهُمَا لا يَعْصيانِكَ، فَلَمَّا رَأَى أَصْحَابُ النَّبِيِّ r ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَيْنِ فَحْلَيْنِ لا يَعْقِلانِ سَجَدَا لَكَ أَفَلا نَسْجُدُ لَكَ؟ قَالَ:لا آمُرُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ، وَلَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا يَسْجُدُ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا) رواه الطبراني وصححه الألباني.

 

وعن أنس t: (أن النبي r أخذ حصيات في يده فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيرهن في يد أبى بكر فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيرهن في يد عمر فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيرهن في يد عثمان فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيرهن في أيدينا رجلا رجلا فما سبحت حصاة منهن ) رواه ابن عساكر

أيها المؤمنون: هذا هو رسول الله، هذا هو رسول الله تعظمه الدواب والجماد، صلى عليه بارئ العباد ما جرت الأقلام بالمداد.

 

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

watwan Lagazetteاخبار المؤتمر العام الثالث للاتحاد بدكار في الجرائد الرسمية القمرية (بلد رئيس الاتحاد).

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
217 الحج والعمرة خطوة بخطوة

د. عثمان صالح تروري ـــ عضو الاتحاد في مالي

11/11/1445هـ  الموافق 09/05/2025م الأمانة العامة

 

 

الموضوع ” الحج والعمرة  خطوة بخطوة”

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ،  وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أفضل من حج واعتمر وأمر أمته بأخذ مناسكهم عنه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه أمهات المؤمنين وأصحابه ما لبى ملب بحج بيت ربه.         أَمَّا بَعْدُ:

فاتقوا الله أيها المؤمنون، وتذكروا بمفارقتكم أهليكم إلى الحج يوم مفارقتكم لهم إلى القبور، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى.

وبعد أن أحرمتم من الميقات، وأكثرتم من التلبية على الطريق إلى مكة ، فعند دخولكم فيها فاستعروا عظمة تلك البلدة، وهي خير بلاد الأرض وأحبها إليه وإلى رسوله كما قال صلى الله عليه وسلم (إِنَّكِ، لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَيَّ…) ابن ماجة .

  • وإذا وصلتم مكة ففي الغالب يتوجه الحجاج إلى منازلهم، ثم منها إلى المسجد الحرام لإتمام العمرة ويتم ذلك على النحو التالي:
  • إذا دخلت المسجد فعليك بالالتزام بآداب المسجد من: تقديم اليمنى، الدعاء،……
  • تقطع التلبية قبل بدء الطواف ومن السنة أن يكشف الرجل عن كتفه الأيمن جاعلا وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر
  • ثم تبدأ الطواف من الحجر الأسود، فإذا تسنى لك الوصول إلى الحجر الأسود فقبله، وإلا فأشر إليه قائلا الله أكبر، والطواف يكون بسبعة أشواط
  • وأثناء الطواف تذكر الله وتدعوه بما تشاء من خيري الدنيا والآخرة،
  • وإذا وصلت الركن اليماني إن تيسر لك فاستلمه دون تقبيل وإلا فواصل ولا تشر إليه، ويسن الدعاء بقوله: ]رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[ بين الركن اليماني والحجر الأسود .
  • ويسن للرجال الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى (وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطي) وهذا في طواف القدوم فقط.
  • وإذا اكتملت الأشواط السبعة يغطي الرجال أكتافهم المكشوفة
  • تصلي ركعتين خلف المقام إن تيسر وإلا ففي أي مكان من المسجد، تقرأ في الأولى بسورة الكافرون وفي الثانية بالإخلاص.
  • وبعد الفراغ من ذلك يسن الشرب من ماء الزمزم .
  • وبعد ذلك تتوجه إلى المسعى بدء بالصفا ،وعند الصعود على الصفا يسن قول : (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ)،
  • ثم تصعد الصفا وتقف عليه مستقبلا الكعبة وتحمد الله تعالى وتكبره ثلاثا وتدعو وتكثر من الدعاء رافعا يديك قائلا : (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ).
  • ثم تنزل من الصفا قاصدا المروة وتدعو وتذكر الله تعالى بما تشاء وتسعى سبعة أشواط ، فمن الصفا إلى المروة شوط ، ومن المروة إلى الصفا شوط وهكذا .
  • ويسن للرجال الإسراع بين الضوئين الأخضرين ( بطن الوادي ).
  • وإذا صعدت المروة فافعل مثل ما فعلت على الصفا
  • وإذا كملت سبعة أشواط فعلى الرجال الحلق أو القصر، والحلق أفضل، وعلى النساء قصر قدر أنملة.
  • وبهذا تتحلل من العمرة وتنتظر الحج.

 

 

وأثناء هذا الانتظار عليكم بالحرص على الصلاة في المسجد الحرام، والإكثار من الطواف بالبيت،  فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ t قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ r (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ ) رواه أحمد .

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: (مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ) رواه ابن ماجه .

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ]الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ[ البقرة 197

قلت ما أصغيتم إليه والله تعالى أسأل المغفرة والرحمة لي ولكم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي فرض حج بيته الحرام، والصلاة والسلام على رسوله خير الأنام

أيها المؤمنون: فإذا أتم الحاج المعتمر عمرته، وانتظر الحج فإن أعمال حجه يبدأ من اليوم الثامن إلى اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، والأعمال المشروعة في هذه الأيام هي كالتالي:

* أعمال اليوم الثامن :

  • الإحرام للحج في المنزل قائلا: لبيك حجا – الخروج إلى منى وقت الضحى، وفي الغالب يبدأ الحجاج الخروج من الليل لأجل الزحمة.
  • وإذا وصل منى صلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصرا بلا جمع، والفجر.

 

* أعمال اليوم التاسع ( يوم عرفة ) :

  • الخروج إلى عرفة وقت الضحى –   الوقوف فيه من الزوال وصلاة الظهر والعصر فيه جمعا وقصرا، وعرفات كلها موقف.
  • الإكثار من الدعاء والذكر فيه بعد الصلاة إلى الغروب، وليكثر من قول: لا إله الله وحده لا شريك له ….. ، لما رواه مالك عن طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r: (قَالَ أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ) ويستقبل القبلة عند الدعاء .

وقد ورد فضل يوم عرفة في أحاديث كثيرة منها ما روي عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ t قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ) مسلم

  • مغادرة عرفة عند الغروب إلى المزدلفة وصلاة المغرب والعشاء فيها والمبيت بها

 

* أعمال اليوم العاشر ( يوم العيد ) :

  • صلاة الفجر بالمزدلفة، والإكثار من ذكر الله بعد الصلاة بالمشعر الحرام –    مغادرة المزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس
  • التقاط سبع حصيات على الطريق إلى منى – رمي جمرة العقبة بالحصيات السبع ويكبر مع كل حصاة
  • ذبح الهدي –  حلق الرأس أو قصره  والحلق أفضل
  • طواف الإفاضة بالكعبة، وهو مثل الأول إلا أنه لا يكشف الكتف، ولا يسرع في الأشواط الثالثة الأولى.
  • يصلى ركعتين بعد الطواف، ثم يسعى بين الصفا والمروة كما فعل في العمرة.
  • ولا بأس من تقديم هذه الأعمال بعضها على بعض، فمن أدى ثلاثة منها تحلل تحللا أصغر فيباح له كل المحظورات إلا النساء، ومن أداها كلها فقد تحلل تحللا أكبر ويباح له كل المحظورات حتى النساء
  • العودة إلى منى للإقامة

 

* أعمال اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر :

  • الإقامة في منى والإكثار من ذكر الله تعالى أثناءها
  • رمي الجمرات بعد الزوال من كل يوم، وصفة رمي الجمرات كالآتي:

× يبدأ بالجمرة الدنيا فيرميها بسبع حصيات ويكبر مع كل حصاة، وإذا رماها تنحى يمينا ووقف مستقبلا القبلة، ودعا طويلا

× ينتقل إلى الجمرة الوسطى ويرميها بسع حصيات مثل الأولى، ثم يتنحى يمينا مستقبلا القبلة ويدعو طويلا

× ثم ينتقل إلى  جمرة العقبة ( الأخيرة )  ويرميها بسبع حصيات كالسابقة ، ولا يدعو بعده.

فإذا اكتمل له يومان أو ثلاثة نزل مكة، وقد انتهى له حجه، وإذا تقرر سفره طاف البيت طواف وداع، لما روي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:

( أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْحَائِضِ ) البخاري وليس من المشروع الخروج من المسجد على الظهر.

فهكذا يؤدى الحج والعمرة، والله تعالى نسأل أن يوفقنا جميعا لحسن أدائهما، وأن يتقبله منا بقبول حسن، وأن يرفع به درجاتنا في الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالين وحسن أولئك رفيقا، وصلى الله على سيدنا محمد وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
216 تعظيم الأشهر الحرم الشيخ أسامة خياط – خطيب مسجد الحرام 04 /11 /1446هـ  الموافق 02/05 /2025م الأمانة العامة

 

الموضوع: ” تعظيم الأشهر الحرم “

 

الحمد لله حمدَ مَنْ يرجو من الله النجاة وحُسْن العقبى، أحمده -سبحانه- على ترادُف نعمه التي لا تُحصى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى والصفات العلا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، النبي المجتبى والرسول المرتضى، صاحب الحوض والشفاعة العظمى، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أُولِي الريادة والزهادة والنهى.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وراقِبُوه وعظِّمُوه، وأنيبوا إليه وأطيعوه واحذروا أسباب سخطه، ولا تعصوه، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ البقرة 281

عباد الله: إن الله -تعالى- يختص بحكمته ورحمته ما شاء من الأزمنة والأمكنة بما شاء من العبادات والقربات التي يزدلف العباد القانتون المخبتون بها إليه، مبتغين بها الوسيلة في سَيْرِهم إلى ربهم، بحُسْن القدوم عليه، ويُمْن الوفود عليه، ولقد كان مما كتبه -عز اسمه- وافترضه على لسان خليله إبراهيم وولده إسماعيل -عليهما السلام-: تحريم أشهر من السنة وتعظيمها بتحريم القتال فيها، وتواتر ذلك التحريمُ حتى نقلته العرب بالتواتر القولي والعملي، وتلك هي الأشهر الأربعة التي أشار إليها -سبحانه- بقوله: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ التوبة 36

وبينها رسول الهدى ﷺ بقوله في خطبة حجة الوداع: “إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ –تَعَالَى- السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ؛ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ” الشيخان، من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-.

 

وإنما كانت الأشهر الحرم على هذه الصفة ثلاثة سرد وواحد فرد كما قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: “لأجل أداء مناسك الحج والعمرة، وحرم قبل شهر الحج شهر وهو ذو القعدة؛ لأنهم يقعدون فيه عن القتال، وحرم شهر ذي الحجة لأنهم يُوقِعُونَ فيه الحجَّ، ويشتغلون فيه بأداء المناسك، وحرَّم بعده شهرًا آخر؛ وهو المحرم ليرجعوا فيه إلى نائي بلادهم آمنين، وحرم رجبًا في وسط الحَوْل؛ لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب، فيزوره ثم يعود إلى وطنه آمنا”. انتهى كلامه -رحمه الله-.

وأما استدارة الزمان فهي عودة حساب الشهور إلى ما كان عليه من أول نظام الخلق الذي كتبه الله وقدره، فوقع حجه ﷺ في تلك السنة في ذي الحجة الذي هو شهره الأصلي، ذلك أنهم -كما قال أهل العلم بالحديث؛ كالإمام الخطابي والحافظ ابن حجر وغيرهما- كانوا على أنحاء: منهم من يسمي المحرم صفرا، فيحل فيه القتال ويحرم القتال في صفر ويسميه المحرم.

ومنهم من كان يجعل سنة هكذا وسنة هكذا، ومنهم من يجعله سنتين هكذا وسنتين هكذا، ومنهم من يؤخر صفر إلى ربيع الأول وربيعا إلى ما يليه، وهكذا إلى أن يصير شوال ذا القعدة وذو القعدة ذا الحجة، ثم يعود العدد على الأصل فكانوا يخالفون بين أشهر السنة بالتحليل والتحريم والتقديم والتأخير لأسباب تعرض لهم، منها: استعجال الحرب فيستحلون الشهر الحرام ثم يحرمون بدله شهرا غيره، فتتحول في ذلك شهور السنة وتتبدل. انتهى.

وذلك هو النسيء الذي ذمه الله -تعالى- وبين أنه زيادة في الكفر؛ لأنه تشريع ما لم يأذن به الله مضاف إلى أصل كفرهم بالله والشرك به فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ التوبة 37، فتشريع الحلال والحرام والعبادة -يا عباد الله- هو حق لله وحده، فمن شرَّع من عند نفسه شرعًا فقد نازع الله -عز وجل- في حقه، وذلك شرك بربوبيته كما دل عليه قوله -سبحانه-: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ الشورى 21

فيُضلون به سائر من يتبعهم من الكافرين، الذين يتبعونهم فيه ويتوهمون أنهم لم يخرجوا به عن ملة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-؛ حيث وطؤوا فيه عدة ما حرم الله من الشهور في ملته، وإن أحلوا ما حرمه الله وهو المقصود بالذات من شرعه لا مجرد العدل، وهذا كله من ظلم النفس في الشهر الحرام الذي نهى عنه ربنا بقوله: ﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ التوبة 36

وظلم النفس -يا عباد الله- يشمل كل محظور يوبق المرء فيه نفسه، ويدخل فيه: هتك حرمة الشهر الحرام دخولا أوليًّا محقَّقًا، وهذا الظلم للنفس كما يكون بالشرك بالله -تعالى- وهو أعظم ظلم لها، كما قال تعالى على لسان لقمان: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لُقْمَانَ: 13]، فإنه يكون أيضا بالتبديل والتغيير في شرع الله، والتحليل والتحريم لمجرد الهوى والآراء الشخصية والاجتهادات والاستحسانات التي لا يسندها دليل صحيح من كتاب ربنا، أو سنة نبينا ﷺ.

ويكون ظلم النفس أيضا: باقتراف الآثام واجتراح السيئات في مختلف دروبها، فالذنب سوء وشؤم وظلم للنفس في كل زمان؛ لأنه اجتراء على العظيم المنتقم الجبار، المحسن إلى عباده من نعم الخاصة والعامة، المتحبب إليهم بالآلاء وهو الغني عنهم، لكنه في الشهر الحرام أشد سوءا، وأعظم جرما، وأفدح ظلما؛ لأنه جَامِعٌ بين الاجتراء والاستخفاف وبين امتهان وانتهاك حرمة ما حرمه الله وعظَّمه واصطفاه، فكما أن المعاصي تغلظ في البلد الحرام لقوله -عز اسمه-:

﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ الحج 25، فكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام، ولهذا غلظت فيه الدية عند كثير من العلماء؛ كالإمام الشافعي -رحمه الله- وغيره.

قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: “إن الله اختص من الأشهر أربعة أشهر، جعلهن حراما وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيها أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم”، وقال قتادة -رحمه الله-: “إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيما، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء”. انتهى.

فاتقوا الله -عباد الله-، وعظِّمُوا ما عظَّم اللهُ، ومنها هذا الشهر الحرام الذي أظلكم، فعظِّمُوه بما شرَع اللهُ، وباتباع سنة الحبيب الهادي رسول الله ﷺ، وحذار من الابتداع حذار، حذار من الابتداع في دين الله ما لم يأذن به الله.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولجميع المسلمين من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي جعل لبعض الأزمان مزيدا من الفضل والحرمة، أحمده -سبحانه- على عميم الخير والنعمة، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، يشمل العباد في العفو والغفران والمنة، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، المبعوث إلى خير أمة، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ذوي الحجا والحكمة.

أما بعد فيا عباد الله: حَرِيٌّ بمن رضي بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا أن يحجز نفسه عن الولوغ في الذنوب، وينأى بها عن مزالق الخطايا، ويكفها عن التلوث بأرجاس الإثم، وأن يترفع عن دواعي الهوى والنزوات والشطحات الموبقات المهلكات وتسويل الشيطان وتسويل النفس الأمارة بالسوء، وخطرات الشيطان وخطواته، وأن يذكر على الدوام أن الحياة أشواط ومنازل، تفنى فيها الأعمار وتنتهي الآجال، وتنقطع الأعمال، ولا يدري المرء متى يكون الفراق لها، وكم من الأشواط يقطع منها، وإلى أي مرحلة يقف به المسير.

فالسعيد مَنْ سَمَتْ نفسُه إلى طلب أرفع المراتب، وإلى ارتقاء أعلى الدرجات من رضوان الله ومحبته وغفرانه، فاتقوا الله -عباد الله- باستدراك ما فات، واغتنام ما بقي من الأزمنة الشريفة والأوقات الفاضلة المباركة، والتزام المسلك الراشد والنهج السديد في هذا الشهر الحرام وفي كل شهور العام بالإقبال على موائد الطاعة، ورياض القربات والاستمساك بما صح وثبت عن سيد الأنام ﷺ، وَأَعْرِضُوا عن كل مبتدَع لا أصل له، في كتاب الله ولا في سنة رسوله ﷺ.

 

فاتقوا الله -عباد الله- وعظِّموا ما عظَّمه الله باتباع رسول الله ﷺ واذكروا على الدوام أن الله -تعالى- قد أمركم بالصلاة والسلام على خير الأنام فقال في أصدق الحديث وأحسن الكلام: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزال 56.

وصلِّ اللهم وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبِه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.