مشروع خطب الجمعة في إفريقيا

 

رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر

237 أركان الإيمان مكتب الأمانة العامة/ قسم المشاريع 19 /03/1447هـ الموافق 12/09/2025م الأمانة العامة

 

الموضوع: ” أركان الإيمان ”

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ آل عمران 102.

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ﴾ أي: واتقوا الأرحامَ أن تقطعوها ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ النساء 1.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]. مَن يطعِ اللهَ باتِّباعِ كتابِه، ويطعِ الرسولَ باتِّباع سُنَّتِه، فقد فاز فوزًا عظيمًا.

أمّا بعد:

فإنَّ خيرَ الكلامِ كلامُ الله، وخيرَ الهَدْي هَدْي محمد ﷺ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، و﴿ إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾ الأنعام: 134.

أيها المسلمون: يقول الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 136]، ويقول سبحانه: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، وقال سبحانه مبينًا علمه بكل ما سيقع، وأن كل شيء من القدر مكتوب عنده: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحج: 70]، ويقول النبي ﷺ: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيرِه وشرِّه)، فهذه أركان الإيمان الستة: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيرِه وشرِّه.

إخوة الإسلام: الإيمان اعتقادٌ وقولٌ وعمل، اعتقادٌ بالقلب، وقولٌ باللسان، وعملٌ بالجوارح، يزيدُ بالطاعات، وينقصُ بالمعاصي، فليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدَّقَتْه الأعمال الصالحة، فمن آمن وعمل صالحًا في سرِّه وعلانيته فهو المهتدي الصادق، ومن أظهر الإيمان وأبطن الكفر والمعاصي فهو المنافق، ولا يدخل الجنة إلا من كان مؤمنًا يعمل الأعمال الصالحة في سرِّه وعلانيته، قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأنعام: 48]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا ﴾ [الطلاق: 11]، وقال تبارك وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ .المائدة: 5.

أيها المصلّون: الإيمان بالله أن نؤمن بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، فنؤمن بأن الله هو الربُّ الخالق المالك المدبِّر لجميع ما في الكون، وأنه وحده الإله الحق المستحق للعبادة دون ما سواه، وكل معبود غيره فعبادتُه باطلة، قال الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [الحج: 62]، ونؤمن بأسماء الله الحسنى وصفاتِه الكاملة العليا، قال الله تعالى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه: 8]، وقال سبحانه: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180]، فالله واحد أحد، لا شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته ولا في أسمائه وصفاته، ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ الشورى: 11، ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 – 4]، الصمد الكامل في صفاته، المقصود في حاجات عباده، فالله هو الواحد الذي لا مثيل له، ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65]، هو الخالق وما سواه عبدٌ مخلوق، ﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾ الشعراء: 213، ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ الجن: 18.

أيها المسلمون: والإيمان بالملائكة أن نؤمن بأن الله خلقهم من نورٍ لعبادته وتنفيذ أوامره، وأنهم: ﴿ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ الأنبياء: 26، 27، ﴿لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبياء: 19، 20]، وقد وكَّلهم الله بأعمال يقومون بها بأمره ومشيئته، كما قال تعالى: ﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ﴾ [النازعات: 3 – 5]، فمنهم جبريل، وكَّله الله بالوحي ينزله من عند الله على من يشاء من أنبيائه، ومنهم ميكائيل، وكَّله بالمطر والنبات، ومنهم ملَكُ الجبال الموكَّل بها، ومنهم ملائكة موكَّلون بالأجِنَّة في أرحام الأمهات، ومنهم الملائكة الموكَّلون بكتابة الأعمال، كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 10 – 12]، ومنهم ملَكُ الموت، وكَّله الله بقبض الأرواح، وله أعوانٌ من الملائكة، ومنهم الملائكة الموكَّلون بالإنسان في قبره، ومنهم مالِكٌ خازنُ النار، وله أعوانٌ يتولَّون عذابَ أهلِ النار، وهم الزبانية، ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾ المدثر: 31.

أيها المسلمون: والإيمان بجميع الرُسُل واجبٌ، فنؤمن بكل رسول أرسله الله، قال الله تعالى: ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 136، 137]، فاليهود والنصارى آمنوا ببعض الرُّسُل وكفروا ببعض، وهذا كفرٌ مبين، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 150 – 152]، فيجب أن نؤمن أن الله تعالى بعث رُسُله لهداية الناس، وأقام بهم الحُجَّة، ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15]، وهم أكملُ الناس عقلًا، وأعظم إيمانًا، وأكثرهم صلاحًا، مؤتمنون صادقون، وهم بشرٌ كانوا يعبدون الله، ويدعون الناس إلى عبادة الله، ولم يدَّعُوا لأنفسهم شيئًا من الألوهيَّة، ولا يدَّعون علم الغيب، ولا التصرُّف في الكون، وخاتمُهُم محمدٌ سيدُ الأنبياء والمرسلين لا نبيَّ بعده، ويجب على جميع الناس الإيمانُ به واتِّباعُه، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، بعثه الله للإنس والجن، والعرب والعَجَم، ﴿ قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ الأعراف: 158.

ونؤمن بأن دين الإسلام الذي أرسل الله به رسولَه محمدًا ﷺ هو الدين الذي ارتضاه لعباده، ولا يقبل الله من أحدٍ دينًا سواه، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ آل عمران: 85.

عباد الله: والإيمان باليوم الآخر هو الإيمان بيوم القيامة الذي يبعث الله فيه عباده أحياء للحساب والجزاء، فنؤمن بقدرة الله على بعث عباده بعد أن صاروا ترابًا وعِظامًا، فهو على كل شيء قدير، فيقوم الناس من قبورهم لربِّ العالمين، ﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ الأنبياء: 104، ﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [النحل: 40]، فيجمع الله الأوَّلين والآخرين في أرض المحشر، ﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [إبراهيم: 47، 48]، فيحاسب الله الخلائق يوم القيامة، ويُعطى كلُّ إنسان صحيفة أعماله بيمينه أو بشماله وراء ظهره، ﴿ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ الإسراء: 13، 14.

وتُوزنُ أعمال العباد، ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾ الأعراف: 8، 9، ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ الزلزلة: 1 – 8.

ونؤمن بكل ما جاء في القرآن والسُّنَّة من أخبار ذلك اليومِ وأهوالِه، وأشدُّ ذلك المرورُ على الصراط المنصوب على جهنم، قال الله تعالى: ﴿ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ ﴾ [القمر: 6 – 8]، فيُدعى الناسُ إلى المرور على الصراط، وهو كما قال النبي ﷺ: (مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلالِيبُ، المُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ، وَكَأَجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا)، ويُعطى كلُّ مؤمن نورًا على قدر أعماله الصالحة التي عملها في الدنيا، فمنهم مَنْ نورُه كالجبل، ومنهم مَنْ نورُه كالشجرة، ومنهم مَنْ نورُه كطرفِ إصبعِه، يُضيءُ مرةً ويُطفَأ أخرى، قال الله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ الحديد: 12 – 15.

اللهم الطف بنا عند المرور على الصراط، وثبِّت أقدامنا، وأتمم لنا نورنا، واغفر لنا وارحمنا، اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي جعل الجنة ثوابًا للمؤمنين الصالحين، وجعل النار مثوى الكافرين والفُجَّار والمنافقين، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

أما بعد:

فيا أيها الناس، الدنيا أمد، والآخرة أبد، فلنتَّقِ الله، ولنستعد ليوم لقائه، ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ العنكبوت: 4 – 6.

أيها المسلمون: الإيمان يدعو صاحبه للخشوع والتوبة، والاستعدادِ للقاء ربه، قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ الحديد: 16.

أيها النّاس: ومن أركان الإيمان أن نؤمن بالقدر خيره وشرِّه، وهو تقدير الله تعالى للمقادير بما سبق به علمُه، واقتضته حكمتُه، قال الله تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 3]، وقال جَلَّ جلالُه: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، فكل شيء بقضاء وقدر حتى الحياة والموت، كما قال الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ﴾ [آل عمران: 145]، بل ما من حشرة فما فوقها من الدوابِّ إلا وقد كتب الله رزقها، ويعلم أين تستقر في حياتها في مسكنها، وأين تكون بعد موتها، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6]، فكل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ، ولا تسقط ورقة من أي شجرة في أي بقعة في أي لحظة إلا بتقدير الله ومشيئته، وذلك مكتوب عنده، كما قال الله تعالى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59]، وقال الله سبحانه: ﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ﴾ [الأحزاب: 38]، والله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يعلم بكل ما سيكون في حياتنا، وبعد موتنا، أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ محمد: 19.

إخوة الإيمان: كلُّ شيء خلقه الله في الكون قد علم الله بوقوعه قبل أن يقع، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، قال الله سبحانه: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحج: 70]، ولا يكون شيءٌ في السماوات والأرض إلا بمشيئة الله وتقديره، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وكل شيء في الكون فقد خلقه الله، ولا خالقَ إلا اللهُ وحده.

عباد الله: القدر سرُّ الله في خلقه، يجب الإيمان به من غير تكلف، فهو كالشمسِ لا يزداد الناظر إليها إلا ضعفًا في بصره، ولا يجوز الاحتجاج بالقدر على المعاصي، فقد جعل الله للعبد اختيارًا وقدرة ومشيئة، وأمره أن يفعل الخير ويترك الشر، فإن فعل الخير باختياره ومشيئته فقد علم الله ذلك منه، وإن اختار الشر فقد علم الله ذلك منه، فالقدر سابقٌ لا سائق، ومشيئة العبدِ تحت مشيئةِ الله، كما قال الله تعالى: ﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ التكوير: 27، 28.

أيها المسلمون: هذه أركان الإيمان الستة التي يجب علينا الإيمان بها: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، فمن آمن بها علمًا وعملًا فهو من الفائزين، وله الحياة الطيبة في الدنيا، والثواب العظيم في الآخرة، وإن حقق المسلمون الإيمان نصرهم الله على أعدائهم، ولا نجاة لنا من الخسران في الدنيا والآخرة إلا بتحقيق الإيمان والأعمال الصالحة، قال الله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، وقال سبحانه: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47]، وقال: ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 – 3]، أقسم الله بالعصر وهو الزمن، كما يقال: عصر النبي، وعصر الصحابة، والعصر الحاضر والماضي، والله يقسم بما شاء، أقسم بالعصر ليؤكد لنا هذا الخبر المخيف، أقسم أن جميع الناس في خسارة، جميع الناس إلى النار والعياذ بالله، إلا من اتصف بأربع صفات، ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾.

فلنحقق أيها المسلمون الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ولنحذر أن نكون من المنافقين أو الغافلين، ولنعمل الأعمال الصالحة التي تصدق الإيمان، ولنتواصى بالحق، وهو الإيمان والعمل الصالح، نتواصى بالقرآن والسنة، ولنتواصى بالصبر على طاعة الله، والصبر عن المعاصي، والصبر على الأقدار المؤلمة، ونعلم أنها بقضاء الله وقدره، وبذلك نكون من الفائزين بالجنة.

اللهم حبِّبْ إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكَرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، اللهم أتْمِم لنا نورنا، واغفر لنا وارحمنا، اللهم إنا نسألك الرضا بعد القضاء، ونسألك برد العيش بعد الموت، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زيِّنا بزينة الإيمان، واجعلنا هُداةً مهتدين، اللهم إنا نسألك الجنة وما قَرَّب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قَرَّب إليها من قول أو عمل، اللهم اجعلنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.

اللهم وصل وسلم على نبينا محمد وأهل بيته وأزواجه وذريته.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
236 أَسْبابُ ظُهُورِ الْبِدَع مكتب الأمانة العامة/ قسم المشاريع 12/03/1447هـ  الموافق 05/09/2025م الأمانة العامة

 

الموضوع: ” أَسْبابُ ظُهُورِ الْبِدَع

الْحمدُ للهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ، تَعَالَى وَتَنَزَّهَ عَنِ الشَّبِيْهِ وَالنَّظِيرِ وَالْمُعِينِ وَالظَّهِيرِ، أَحْمَدُهُ سُبْحانَهُ وَأَشْكُرُهُ، أَعْطَى الْكَثِيرَ، وَتَجاوَزَ عَنِ التَّقْصِيرِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْبَشِيرُ النَّذِيرُ، وَالسِّرَاجُ الْمُنِيرُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبارَكَ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهمْ بِإِحْسانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

أمّا بعد

عِبادَ اللهِ: اتقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ الاعْتِصامَ بالكِتابِ والسُّنَّةِ نَجاةٌ مِنَ الوُقُوعِ في الْبِدَعِ والضَّلالِ‏،‏ قالَ تَعالَى‏:‏ ‏﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾‏‏ [الأنعام: 153]، قال ابنُ مَسْعودٍ t‏:‏ ‏خَطَّ لَنا رسولُ اللهِ r خَطًّا، فقالَ: «هذا سَبِيلُ اللهِ»، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمالِهِ، ثُمَّ قالَ‏:‏ ‏«وَهَذِهِ سُبُلٌ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْها شَيْطانٌ يَدْعُو إِلَيْه» ‏،‏‏ ثُمَّ تَلَا ﴿‏وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏﴾ [رواه أحمد والدارميُّ‏‏] .‏

 

فَمَنْ أَعْرَضَ عنِ الكِتابِ والسُّنَّةِ تَنازَعَتْهُ الطُّرُقُ الْمُضِلَّةُ، والبِدَعُ الْمُحْدَثَةُ ‏‏والبِدْعَةُ هِي: ما يَتَقَرَّبُ بِه العَبْدُ إلى اللهِ بِغَيْرِ ما شَرَعهُ اللهُ، وَلَا شَرَعَهُ رَسُولُهُ r، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ تَحْرِيمًا شَدِيدًا، حَتَّى لَوْ صَلَحَتْ نِيَّةُ فاعِلِها أَوْ مُعْتَقِدِها؛ لِقَوْلِهِ r:  «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ» [رواه النسائي، وصححه الألباني]، وَقَدْ شَدَّدَ الشَّرْعُ فِي تَحْرِيمِها؛ لِأَنَّها زَيادَةٌ في الدين، الذي أَتَمَّ الله عَلَيْنا النِّعْمَةَ بكماله ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾  [المائدة:3].

 

قال السَّلَفُ: (الشَّيْطانُ أَفْرَحُ بِالبِدْعَةِ مِن الْمَعْصِيَةِ، لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ يُتابُ مِنْها، والبِدْعَةَ لا يُتابُ مِنْها).

وَصَدَقُوا في ذلك، فإِنَّ مُرْتَكِبَ المعاصِيَ، وَإِنِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً يَعْلمُ أَنَّه عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَأَنَّه عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ إِذَا لَمْ يَتُبْ، وَأَمَّا مَنْ يَتَقَرَّبُ إلى اللهَ بِالبِدَعِ فإنه يَرَى أَنَّه يَتَعَبَّدُ اللهَ بِعَمَلِهِ، وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى مَنْ يُنْكِرُ عَلَيْه، وَيَتَفانَى فِي الدَّعْوةِ إلى بِدْعَتِهِ، وَأَخْطَرُ مِنْ ذلك أَنَّهُ يَتَّبِعُهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَيُصَدِّقُونَه، وَيُحْسِنُونَ الظَّنَّ بِه، وَيُدافِعُونَ عَنْه؛ لِأَنَّهُ مِنْ وِجْهَةِ نَظَرِهِمْ يَدْعُو إِلَى اللهِ، وَهَذا هُوَ مَكْمَنُ الخَطَر! انْظُرُوا إلى مَا يَفْعَلُهُ الْمُتَصَوِّفَةُ وَغَيْرُهُم، فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَبَرُّكِ بِالأَشْخاصِ والأَماكِنِ والبِقاعِ، وَتعْظِيمِ القُبُورِ، والغُلُوِّ فِي أَصْحابِها، انْظُرُوا إلى الخَوَارِجِ وما يَفْعَلُونَه بِالْمُسلِمينَ، مِنْ سَفْكِ الدِّماءِ، وَقَتْلِ الأبْرِياءِ، واسْتِحْلالِ الدَّمِ الحَرامِ، بِاسْمِ الجِهادِ وَنُصْرَةِ الدِّينِ، إنَّهُم يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم عَلَى خَيْرٍ وهُدًى، وأَسبابُ ظُهُورِ البِدَعِ يا عِبادَ اللهِ كَثيرَةٌ مِنْها:

 

1 ــ الجَهْلُ بِأَحْكامِ الدِّينِ: وَكُلَّمَا امْتَدَّ الزَّمَنُ وَبَعُدَ النَّاسُ عَنْ آثارِ الرِّسالَةِ قَلَّ العِلْمُ وَفَشَا الجَهْلُ، قالَ رسولُ اللهِ r: ‏«‏إِنَّ اللهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ قُلُوبِ العِبادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَماءِ، حَتَّى إذا لَمْ يُبْقِ عالِمًا اتَّخَذَ الناسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»، فَلَا يُقاوِمُ البِدَعَ إلا العِلْمُ والعُلَماءُ.

 2 ــ وَمِنْ أَسْبابِ ظُهُورِ البِدَعِ اتِّباعُ الْهَوَى: فَمَنْ أَعْرَضَ عَنِ الكِتابِ والسُّنَّةِ اتَّبَعَ هَواه، كَمَا قال تعالى:‏ ‏﴿‏فإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ‏﴾ [القصص:50]، والبِدَعُ إنَّمَا هِيَ نَسِيجُ الْهَوَى الْمُتَّبَعِ.

3 ــ التَّعَصُّبُ لِلْآراءِ والرِّجالِ: فَإِنَّه يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ واتِّباعِ الدَّلِيلِ وَمَعْرِفَةِ الحَقِّ، قالَ تعالَى:‏ ‏‏﴿‏‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا‏﴾ [البقرة:170].

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا.. وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عَظِيمِ نِعَمِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أمَّا بَعْدُ

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

عِبادَ اللهِ: المحَبَّةُ الصَّادِقَةُ لِرَسُولِ اللهِ r، تَكُونُ بِالِاتِّباعِ وَالِاقْتِداءِ وَالتَّأَسِّي بِهِ حَيْثُ قالَ تَعالَى: ‏﴿‏قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّه وَيَغْفِر لَكُمْ ذُنُوبكُمْ وَاَللَّه غَفُور رَحِيم﴾ [آل عمران:31]، فَهَلْ تَكْفِي لَيْلَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ الْعامِ كُلِّهِ يُعَبَّرُ فِيها عَنْ هَذِهِ المحَبَّةِ لِرَسُولِ اللهِ r بِالْأَذْكارِ وَالْقَصائِدِ؟ فَهَذا الِاحْتِفالُ بِالْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ r، وَلَمْ يَفْعَلْهُ الصَّحابَةُ الْكِرامُ رِضْوانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ مَعَ ما فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ عَظِيمِ المحَبَّةِ لِرَسُولِ اللهِ r، إِنَّما تَمَثَّلَتْ مَحبَّتُهُمُ الصَّادِقَةُ فِي اتِّباعِ السُّنَّةِ، وَالْعَمَلِ بِها، وَتَطْبِيقِها، وَالدِّفاعِ عَنْها، وَنَشْرِها.

 

 

عِبَادَ اللهِ: اِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْأَمِينِ، فَقَالَ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيْلِ:

﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا﴾ الأحزاب 56.

 

اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ، وَارْضَ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ الَّذِينَ قَضَوا بِالْحَقِّ وَبِهِ كَانُوا يَعْدِلُونَ:

أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الْآلِ وَالصَّحَابةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنَّا مَعَهُم بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ.

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَدِمِ الْأَمْنَ وَالِاسْتِقْرَارَ فِي بِلَادِنَا وَبِلَادِ الْـمُسْلِمِينَ، وَاصْرِفْ عَنَّا وَعَنْهُمْ كُلَّ شَرٍّ وَبَلَاءٍ، وَاكْفِنَا وَإِيَّاهُمْ سَائِرَ الْأَهْوَاءِ وَالْأَدْوَاءِ.

اللَّهُمَّ اِرْحَمْ وَالِدِينا كَمَا رَبَّوْنا صِغارًا، وَأَعِنَّا عَلَى بِرِّهِمْ أَحْياءً وَأَمْواتًا. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

﴿سُبۡحَـٰنَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلۡعِزَّةِ عَمَّا یَصِفُونَ * وَسَلَـٰمٌ عَلَى ٱلۡمُرۡسَلِینَ * وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [الصافات 180-182]

 

 

الأستاذ الدكتور هارون المهدي ميغاالأستاذ الدكتور هارون المهدي ميغا

مالي

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا

رقم

عنوان الخطبة

معد الخطبة

التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة

المراجعة والنشر

235

حقيقة محبة الرسول ﷺ

مكتب الأمانة العامة/ قسم المشاريع

05 /03/1447هـ  الموافق 29/08/2025م

الأمانة العامة

الموضوع: ” حقيقة محبة الرسول صلى الله عليه وسلم “

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، نحمدُه – سبحانه – على نعمِه السوابِغ، وآلائِه البوالِغ.

 

وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، خصَّنا بعقيدةٍ بَلجَاء أفعَمَت العالمين بسُمُوِّها وسَناها، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه جلَّى معالِمَ رُقيِّ الحضارة وأقامَ صُواها، اللهم صلِّ عليه وعلى آلهِ صفوةِ الخليقَة سيرةً وأزكاها، وصحبِه الكرامِ البرَرَة البالِغين من ثُريَّا الأمجاد عُلاها، والتابِعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلِّم يا رب تسليمًا طيبًا مُبارَكًا لا يتناهَى.

 

أما بعد: فيا عباد الله إن مقام نبينا محمد ﷺ عظيم، وإنّ محبتَه ليست كمحبة أي شخص كائناً من كان، ذلك أنه ﷺ كمّله ربه الكمال البشري؛ واصطفاه لختم الرسالات؛ وبعثه للناس كافة بالرحمة والهداية، فمحبة النبي ﷺ عبادةٌ عظيمةٌ؛ نتعبد بها لله عز وجل؛ وقربةٌ نتقرب بها إلى الله، فهي أصل عظيم من أصول الدين؛ ودِعامة أساسية من دعائم الإيمان؛ كما قال تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ الأحزاب: 6، وكما قال رسول الله ﷺ: (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين) رواه البخاري.

وفي الصحيح أيضاً أن عمر – رضي الله عنه – قال: يا رسول اللّه؛ واللّه لأنت أحبُّ إليَّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال ﷺ: (لا يا عمر؛ حتى أكون أحب إليك من نفسك)، فقال: يا رسول اللّه؛ واللّه لأنت أحبُّ إليَّ من كل شيء حتى من نفسي، فقال ﷺ: (الآن يا عمر)، إذن محبة النبي ﷺ من الواجبات العظام على كل مسلم؛ وهي من صميم الإيمان؛ ولابد لهذا الحب أن يكون أقوى من أي حبٍّ لأي مخلوق؛ حتى من حبِّ المرء لنفسه.

عباد الله؛ كيف لا يكونُ ﷺ أحبَّ الخلق إلينا وهو أحبُّ الخلق إلى الله تعالى؛ فقد اتخذه الله خليلا؛ وأثنى عليه ما لم يثن على غيره من الخلق جميعا. كيف لا يكونُ ﷺ أحبَّ الخلق إلينا؛ وحبُّه من أصول إيماننا بربنا.

كيف لا يكونُ ﷺ أحبَّ الخلق إلينا؛ وهو أشرفُ الناسِ؛ وأكرم الناسِ؛ وأطهر الناسِ؛ وأعظم الناسِ في كل شيء.

كيف لا يكونُ ﷺ أحبَّ الخلق إلينا؛ وهو يحبنا ويشفقُ علينا؛ حتى إنه ﷺ أرجأ استجابة دعوته شفاعةً لأمته يوم القيامة، يقول تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ التوبة 128.

كيف لا يكون ﷺ أحبَّ الخلق إلينا؛ وقد بذل جهده الكبير في دعوة أمته؛ وإخراج الناس من الظلمات إلى النور.

 

وهنا يأتي السؤال: ما هي دلائل محبته ﷺ؛ ومظاهر تعظيمه؛ والتي يجب علينا أن نحققها في أنفسنا وبيوتنا ومجتمعاتنا؟

والجواب :

1 ــ بتقديم النبي ﷺ على كل أحد من الخلق، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ الحجرات 1.

 

2 ــ  سلوك الأدب معه ﷺ ويتحقق بأمور؛ منها:

  • الثناء عليه؛ والصلاة والسلام عليه؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ الأحزاب 56.

  • وأيضًا من الأدب معه ﷺ التأدبُ عند ذكره؛ بأن لا يذكره مجرد الاسم؛ بل مقرونا بالنبـوة أو الرسالـة؛ قال تعالى: ﴿ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ﴾ النور 63 قال سعيد بن جبير ومجاهد: المعنى قولوا: يا رسول الله؛ في رفق ولين، ولا تقولوا يا محمد بتجهم. وقال قتادة: أَمَرَهم أن يُشَرِّفوه ويُفَخِّموه.

  • وأيضًا من الأدب معه ﷺ توقيرُ حديثه؛ والتأدبُ عند سماعه وعند دراسته؛ كما كان يفعل سلفُ الأمة وعلماؤها في إجلال حديث رسول الله ﷺ، فهو ﷺ ما ينطق عن الهوى؛ إن هو إلا وحي يوحى؛ فمقام حديثه مقام عظيم، فالسنة قرينة القرآن في بيان دين الله؛ بل هي المبينة لما أجمل في القرآن، قال ﷺ: (ألا إني أوتيت القرآنَ ومثلَه معه) رواه الإمام أحمد في مسنده.

3 ــ من علامات محبة النبي ﷺ وتعظيمه:  تصديقُه ﷺ فيما أخبر به وعدمُ الترددِ في ذلك، وهذا من أصول الإيمان وركائزه العظام، فهو عليه الصلاة والسلام يخبر بما أوحى الله إليه.

 

4 ــ اتّباعُه ﷺ وطاعتُه والاهتداءُ بهديه؛ فطاعة الرسول هي العلامة البارزة لمحبته ﷺ؛ بل ومحبة رب العالمين، ولهذا قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ آل عمران 31، إن الاقتداء به ﷺ من أكبر العلامات على حبه: قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ الأحزاب 21؛ فالمؤمنُ الذي يحبُّ النبيَّ ﷺ هو الذي يتأسى به في كل شيء؛ في عبادته وفي أخلاقه وفي سلوكه وآدابه؛ وفي سائر تعاملاته مع الآخرين. ولذلك فنقول: إنّ مَن يحتفل بمولده ﷺ أو بهجرته أو بإسرائه لم يبرهنوا على دعواهم محبةَ النبي ﷺ، بل فعلُهم هذا يثبت ضعفَ محبتهم للنبي ﷺ، لأنهم يخالفون سنته وهديه ويبتدعون في دين الله. وعلامة المحبة الصادقة له صلى الله عليه وسلم اتباع هديه وسنته وما جاء به.

 

5 ــ من علامات محبته ﷺ عدمُ الغلو؛ استجابةً لوصيته، قال ﷺ : (لا تَطرُوني كما أطرت النصارى ابنَ مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبدُ الله ورسوله) البخاري.

 

6 ــ الدفاع عنه ﷺ ونصرتُه، وقد سطَّر الصحابةُ أروعَ الأمثلةِ وأصدقَ الأعمالِ في الدفاع عن رسول الله ﷺ وفدائه بالأموال والأولاد والأنفس. والدفاع عن النبي ﷺ بعد موته أنواع؛ نذكر منها:

1 ــ  نصرة دعوتِه ورسالتِه بكل ما يملك المرء من مال ونفس وجهد ووقت….

2 ــ بالدفاع عن سنته صلى الله عليه وسلم : بحفظها وتنقيحها وحمايتها ورد الشبهات عنها.

3 ــ بنشر سنته ﷺ وتبليغها. قال ﷺ: (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها)، وقال ﷺ: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثلُ أجور من تبعه)؛ ولا شك أن خير الهدي هدي نبينا محمد ﷺ.

أقول ما سمعتم وأستغفر الله..

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمدُ لله أسبغَ علينا نعَمًا تتالَت أفواجًا، وحذَّرَ ممن سعَى بالفتنِ بين المُسلمين وَدَاجا، والصلاةُ والسلامُ الأتمَّان الأكمَلان الأزكَيَان الأشرَفَان على النبي المُصطفى، وعلى آله وصحابتِه، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ وسارَ على نَهجِهم واقتفَى.

أما بعد: فاتَّقُوا الله – عباد الله -؛ فإن تقوَاه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب.

روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – t: أَنَّ أَعْرَابِيَّا قَالَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ: مَتَىَ السَّاعَةُ؟ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟) قَالَ: حُبُّ اللهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ). قال أنس: فما رأيتُ المسلمين فرحوا بعد الإسلام بشيء ما فرحوا به،‏ فنحن نحب رسولَ الله ﷺ ولا نستطيع أن نعمل كعمله؛ فإذا كنَّا معه فحَسْبُنا.‏

عباد الله؛ إننا لم نشْرُفْ بصحبة نبينا محمد ﷺ؛ ولم نشرف بالجهاد معه؛ ولم نشرف بحماية شخصه؛ لم نشرف بالكفاح معه في دعوته إلى الله؛ لم تكتحل أعينُنَا برؤية وجهه المشرق؛ ومشاهدة سمته وهيئته ووقاره وأخلاقه وتواضعه وحلمه وشجاعته وحسن عبوديته لربه؛ ولم نحضَ بشرف خدمته؛ لم نحضَ بمعانقته؛ لم نحضَ بدعواته المباركة لأصحابه؛ لم نحضَ بالصلاة خلفَه؛ لم نحضَ بسماع صوته بالقرآن؛ لم نحضَ بسماع خُطَبِه؛ لم نحضَ بمجالسه المباركة؛ وسماع حديثه فيها.

ماذا بقي لنا من بركاته عليه الصلاة والسلام؟ بقي لنا الكثير ولله الحمد؛ بقي لنا الإيمانُ به؛ ومحبتُه؛ واتباعُه، والذودُ عن عرضه الشريف، وهذه سنته ﷺ حفظها الله؛ وذلك من حفظه سبحانه للقرآن فالسنة هي المفسرة للقرآن؛ فعلينا عباد الله أن نحرص على تعلم سنة نبينا ﷺ؛ وامتثالها والعمل بها في سائر أوقاتنا وأحوالنا؛ وأن نسعى لنشرها وتعليمها؛ لنحظى بمرافقته ﷺ في جنات عدن.

اللهم ارزقنا إجلالَ نبينا وتعظيمَ هديه وسنته.

اللهم ارزقنا تَعَلُّمَ وتعليم أحاديثه وسنته والعمل بها.

اللهم ارزقنا شفاعته؛ وأوردنا حوضه؛ واسقنا من يده الشريفة شربةً هنيئة لا نظمأ بعدها أبدًا.

اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد..

 

أيام الصين.الأمين العام في جمهورية الصين الشعبية من 24 -28 أوت 2025م
أيام الصين.
انتقال إلى مدينة ينتشوان،  عاصمة مقاطعة نيغيشيا، ذات الوجود الإسلامي التاريخي العريق.
وفي يوم الأربعاء 27 أوت 2025م شارك في حفل افتتاح  معرض الصين والدول العربية في دورتها السابعة في ينتشوان، وشارك فيها أكثر من خمسة وسبعين دولة، منها دول إفريقية المزيد…

الأمين العام في جمهورية الصين الشعبية من 24 -28 أوت 2025م
أيام الصين.
انتقال إلى مدينة ينتشوان،  عاصمة مقاطعة نيغيشيا، ذات الوجود الإسلامي التاريخي العريق.
وفي يوم الأربعاء 27 أوت 2025م شارك في حفل افتتاح  معرض الصين والدول العربية في دورتها السابعة في ينتشوان، وشارك فيها أكثر من خمسة وسبعين دولة، منها دول إفريقية، ألقى كلمتها ممثل رئيس دولة غانا.
وهذه المقاطعة  متقدمة جدا في مكافحة التصحر، والطاقة النظيفة.

 

أيام في أورومتشي جمهورية الصين الشعبية
ضمن برنامج وفد علمي زائر نظمه المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة في دولة الإمارات، قام أعضاء الوفد بزيارة إلى مدينة أورومتشي، عاصمة إقليم شينجيانغ ذاتي الحكم، والمعروفة تاريخيًا باسم تركستان الشرقية.
وتضمنت الزيارة جولة في أحد المساجد التاريخية بالمدينة، الذي يعود بناؤه إلى أكثر من قرنين وفق الطراز المعماري الصيني التقليدي. وقد خضع المسجد لعملية ترميم عقب الزلزال الذي ضرب المنطقة قبل عام تقريبا،
ليبقى المسجد أحد معالم الهوية الدينية والثقافية لمسلمي الإقليم.

مع تمنياتنا له بالتوفيق والنجاح الدائم.
العامة الأمانة / قسم الإعلام والمعلوماتية

 

خلاصة الخلاصة في نسف الإلحادمن مؤلفات ومنشورات الأعضاء
كتاب ” خلاصة الخلاصة في نسف الإلحاد ” بالعربية والفرنسية.
تأليف الدكتور أحمد عبد الله بولي عضو اتحاد علماء إفريقيا من مالي
الطبعة الثانية  1447هـ 2025م

الدكتور حسين محمد بواالدكتور حسين محمد بوا

أوغندا

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
234 صلاة المسافر مكتب الأمانة العامة/ قسم المشاريع 28 /02/1447هـ  الموافق 22/08/2025م الأمانة العامة

 

الموضوع: ” صلاة المسافر

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

 أما بعد:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ النساء:1، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ الأحزاب:70-71.

عباد الله: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 أيها الناس: جعل الله -تعالى- السَيْرَ في الأرض، ومشاهدة ما فيها من عجائب الخلق، والوقوف على أطلال السابقين، وآثار الغابرين؛ تذكرة للقلوب، وموعظة للنفوس، وعبرة بما مضى من القرون ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ﴾ الأنعام:11

وفيما يتعلق بعجائب المخلوقات في الأرض يقول الله –تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ﴾ العنكبوت:20.

وللناس في أسفارهم أغراض متنوعة؛ فمنها أغراض مشروعة ومنها أغراض غير مشروعة، ومنها ما يكون حتماً لا بدَّ للإنسان منه، ومنها أسفار للنزهة والترويح عن النفس، والمؤمن يعبد الله -تعالى- في حله وترحاله، ولا ينفك عن عبوديته لخالقه -سبحانه- بحال.

ولذا فإن الشارع الحكيم خص السفر بأحكام تناسب حال المسافر، فقابل مشقة السفر وعنته وغربة المسافر وشغله بالتخفيف عنه، فخفف عنه في فرائض العبادات.. في عددها وصفتها، ووضع عنه بعض النوافل، وكتب له أجرها مع أنه لم يعملها؛ لأن السفر قد منعه منها فعومل فيها كأنه قد عملها؛ تخفيفاً من الله -تعالى- على عباده، ومراعاة لأحوالهم؛ ولئلا يكون انقطاعهم عن النوافل سبباً لعزوف بعضهم عن السفر مع حاجتهم إليه؛ روى أبو موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ  “إذا مرض العبد أو سافر كُتب له مثلُ ما كان يعمل مقيما صحيحا“(رواه البخاري.

إن الصلاة أمرها عظيم، وشأنها كبير.. تلازم المؤمن ما لازمه عقله، فلم توضع عنه في سفر ولا مرض ولا خوف ولا غير ذلك، بل يؤديها على كل حال، إلا أن الله -تعالى- قد خفف عن العبد فشرع له التيمم إذا كان الماء يضره، كما أباح له الجمع في مرض إذا شق عليه أن يأتيَ بالصلاة في وقتها، وخفف عنه في حضور الجماعة، وخفف عن المسافر فزاد مدة المسح على الخفين إلى ثلاثة أيام بلياليها؛ لما يلحق المسافر من مشقة في كثرة نزع جواربه وخفافه، روى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: جعل النبي ﷺ ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم، يعني في المسح على الخفين؛ رواه مسلم.

ويبدأ المسافر حساب المدة من أول مرة مسح على جواربه، وليس من مجرد اللبس ولا من أول حدث.. إلا إذا أصابته الجنابة أو حاضت المرأة، فيلزم الغسل ولا مسح حينئذ.

وخُفف عن المسافر في الصلاة المفروضة فشُرع له قصر الرباعية إلى ركعتين، وأصل ذلك قول الله –تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ﴾ النساء:101 وجاء في حديث عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: (فُرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر) رواه الشيخان.

ولو أتم المسافر صحت صلاته لكنه خالف السنة، وقد نهى ابن عمر -رضي الله عنهما- عن ذلك نهياً شديداً، وقيل للإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: للرجل أن يصلي في السفر أربعاً؟ قال: “لا، ما يعجبني ذلك، السنة ركعتان“.

ولا يقصر الصلاة في بيته ثم يسافر؛ لأن النبي ﷺ لم يقصر إلا لما باشر السفر؛ ولأنه قد يعرض له ما يمنعه من السفر، ولو باشر السفر وقصر ثم عرض له ما يقتضي رجوعه فإنه لا يعيد صلاته ولو رجع من أول الطريق، أو فاتته الطائرة؛ لأنه أدى الصلاة كما أمر الله -تعالى- ولا يضره ما عرض له فأرجعه، ومن لم يتأكد حجزه فلا يقصر ولا يجمع؛ لاحتمال أن لا يسافر.

وإذا دخل عليه الوقت وهو مقيم ثم سافر فصلى الصلاة في السفر فيقصرها، قال ابن المنذر -رحمه الله تعالى-: “أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن له قصرها”.

وإذا صلّى المسافر خلف المقيم فإنه يصلي أربعاً مطلقاً حتى ولو لم يدرك معه إلا التشهد؛ لأنه مأمور أن يأتم بإمامه، سئل ابن عباس -رضي الله عنهما-: ما بال الرجل المسافر يصلي ركعتين ومع الإمام أربعا؟ فقال: “تلك هي السنة” رواه مسلم.  وإذا صلّى المسافر بمقيمين فإنه يقصر وهم يتمون بعد سلامه.

 

وإذا دخل المسافر مع إمام لا يدري هل يتم أم يقصر فينوي نية الإمام، إن قصر قصر معه، وإن أتم أتم معه.

ولما كان السفر محل تخفيف على المصلي فإن من السنة تقصير القراءة في صلاة السفر وعدم إطالتها، وقد ثبت عن عدد من الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم كانوا يخففون القراءة في أسفارهم فيقرءون في صلاة الفجر بقصار المفصل، ويتأكد التخفيف في المطارات وصالات القطارات، وموانئ السفن؛ لئلا تفوت الرحلة على المسافرين.

ومن التخفيف في السفر مشروعية الجمع فيه؛ لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: “كان رسول الله ﷺ يجمع بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سَيْرٍ ويجمع بين المغرب والعشاء” رواه الشيخان.

ويشرع الأذان للمسافر ولو كان وحده، وإذا جمع فيؤذن أذاناً واحداً ويقيم لكل صلاة، والأذكار التي بعد الصلاة الأُولى عند الجمع تسقط، وتبقى أذكار الثانية، لكن إذا كان الذكر بعد الأُولى أكثر من الذكر بعد الثانية فيأتي به كما لو جمع بين المغرب والعشاء فيأتي بأذكار المغرب بعد صلاة العشاء.

وإذا جمع المسافر بين المغرب والعشاء فله أن يوتر ولا يحتاج إلى الانتظار حتى يدخل وقت صلاة العشاء.

ولا يشترط في الجمع نية فلو صلى الظهر ثم بدا له أن يجمع معها العصر جاز له ذلك، لكن إن أراد جمع تأخير فينوي ذلك من وقت الأولى؛ لأنه لا يجوز له أن يؤخر الصلاة عن وقتها بلا عذر.

وإذا جمع في السفر ثم عاد إلى بلده ولم يدخل وقت الصلاة أو لم يصلوا بعد فلا يلزمه إعادة الصلاة، فإن أراد الصلاة معهم كانت الثانية له نافلة.

ومن صلى المغرب في المطار بعد دخول وقتها ثم أقلعت به الطائرة فرأى الشمس فصلاته صحيحة ولا يعيد.

وعلى المسافر أن يجتهد في تحرِّي القبلة بسؤال أهل البلد أو تعيينها بالأجهزة الحديثة أو بالنجوم لمن يعرف ذلك، فإن أخطأ مع تحريه وحرصه فلا شيء عليه وصلاته صحيحة، ولو اجتهد اثنان في تحديد القبلة مع معرفتهما، ويقين كل واحد منهما أن الصواب معه فيصلي كل واحد للجهة التي يتيقنها، ولا يجوز لأحدهما أن يتبع الآخر مع يقينه بخطئه.

ومن عجز عن تحديد القبلة أو عجز عن الصلاة إليها كما لو كان في الطائرة وهي في حالة إقلاع أو هبوط ووقت الصلاة سيخرج صلى إلى غير القبلة، فإن استطاع القيام صلى قائما في مقعده ويومئ للركوع والسجود، فإن منع من القيام صلى جالساً.

أسأل الله -تعالى- أن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يوفقنا للعمل بما علمنا؛ إنه سميع مجيب.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:

أيها المسلمون: من رحمة الله -تعالى- بعباده المؤمنين أنه -سبحانه- أباح لهم السفر؛ لما فيه من تحصيل مصالحهم، ثم خفف عنهم فيه لمظنة ما يلحقهم في أسفارهم من مشقة، وقد قال -سبحانه وتعالى: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ﴾ البقرة:185.

 

وواجب على العباد أن يشكروا الله -تعالى- على هذه النعمة العظيمة، وأن يقوموا بدينه في إقامتهم وفي أسفارهم، وأن يراقبوه -سبحانه- أينما كانوا؛ فإن أعين الناس إن غابت عنهم فعين الله -تعالى- ترقبهم، وهو يعلم سرهم وعلانيتهم: ﴿إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ الأحزاب:54.

 

إن من الناس من لا يستشعرون ذلك فإذا حطوا رحالهم في غير بلادهم أضاعوا الفرائض، وارتكبوا المحرمات، فطرحت نساؤهم وبناتهم حجابهن أو تخففن منه كأنهن لا يحتجبن تعبداً لله -تعالى-، وإنما لأجل الناس، ولا ينكر عليهن أولياؤهن ذلك، وهم مسئولون عنهم أمام الله -تعالى-، فكلكم راع ومسئول عن رعيته.

ومن الناس من يتهاونون بالصلاة في أسفارهم فيؤخرونها عن وقتها، ومنهم من يترك بعض فروضها فيصلي تارة ويترك تارة، والتهاون بالصلاة فيه وعيد شديد ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ مريم:59.

 

ويدخل في هذا الوعيد الشديد من يؤخرون الصلاة عن وقتها، ولا عذر لأحد في ذلك، ولا يصح أن يُحتج على تأخير الصلاة بالسفر ومشقته والاشتغال به؛ لأن الله -تعالى- قد خفف عن المسافر فشرع له القصر والجمع بحسب مصلحته، كما شرع له تخفيف الصلاة، وأجاز له أن يصلي على حاله إن خشي فوات الوقت ولو اختلت بعض شروط الصلاة وأركانها؛ فما عذر المكلف أمام الله -تعالى- إن ضيع فريضته بحجة السفر وقد خفف الله -تعالى- عنه؟!

 

ألا فاتقوا الله ربكم في إقامتكم وسفركم، وأقيموا له دينكم، وحافظوا على فرائضكم، وانتهوا عما حرم عليكم؛ فإنكم محاسبون على أعمالكم:

﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾ الحاقَّة:18.

 

الَّلهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الهُدَىَ وَالتُّقَىَ وَالعَفافَ وَالرَّشادَ وَالغِنَىَ، خُذْ بِنواصيِنا إِلَىَ مَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، وَاصْرِفْ عَنَّا وَعَنّ جَمِيع الْمُسْلِمِين السُّوُءَ وَالفَحْشاءَ، الَّلهُمَّ انْشُرِ الخَيْرَ فِي بِلادِنا وَبِلادِ المسْلِميِنَ، الَّلهُمَّ عُمَّنا باِلفَضْلِ يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكِرامِ، وَاصْرِفْ عَنَّا السُّوُءَ وَالفَحْشاءَ يَا حَيُّ يَا قَيُّوُمُ،

اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنا الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِنا وَكَرِّهْ إِلَيْنا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَاجْعَلْنَا مَن الرَّاشِدين، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار.

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاَةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلاَيَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِيْنَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِيْنَ،

اللَّهُمَّ اُنْصُرْ إِخْوَانَنَا المُسْتَضْعَفِينَ فِي كُلِ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ اُنْصُر أَهْل السُّنَةَ فِي كُلِ مَكَانٍ يَا قَويٌ يَا عَزِيزُ.

وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

الحفل الختامي لمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم في دورتها الـ 45الحفل الختامي لمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم في دورتها الـ 45
أقيمت مساء أمس الأربعاء 26 صفر 1447هـ الموافق 20 أوت 2025م الحفل الختامي لمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره في دورتها الخامسة والأربعين، الذي نظمته وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في رحاب المسجد الحرام المزيد…