مشروع خطب الجمعة في إفريقيا

رقم الخطبة عنوان الخطبة معد الخطبة تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر

172 وقفات مع نهاية العامالهجري   الشيخ عبد الرحمن السديس خطيب الحرم المكي 21/12/1445هـ الموافق 28/06/2024م الأمانة العامة

الموضوع ” وقفات مع نهاية العام الهجري ”

إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، سبحانه وبحمده أيَّدَنا بمِنَحٍ لألاء، وأوردَنا موارِد الفضل والجُود والآلاء.

 

وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعلَ لنا من تصرُّم الزمان عِبرًا عِظامًا، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه خيرُ الناس قُدوةً وإمامًا، صلَّى الله وبارَك عليه، وعلى آله المُتألِّقين بدورًا وأعلامًا، وصحبِه البالغين من الهمَّة الشمَّاء مجدًا ترامَى، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ وسلَّم تسليمًا كثيرًا ما تعاقَبَ الملَوان وداما.

 

أما بعد: فاتقوا الله – عباد الله -؛ فالتقوى خيرُ زادٍ في المعاش والمعاد، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة: 197].

أيها المسلمون: في هذا الأوان الذي جدَحَت فيه يدُ الإملاق كأسَ الفراق، وأوشكَ العامُ على التمام والإغلاق، والتحدياتُ المُحدِقةُ بالأمة عديدة، والأحوالُ أزماتُها شديدة، والأيامُ في لُبِّها بالأماني مُبديةٌ مُعيدة، لا بُدَّ لأهل الحِجَى من وقفات، للعِبرة ومُراجعة الذات، والتفكُّر فيما هو آت.

 

وهذا ديدَنُ المُسلم الأريبِ اللوذَعيِّ، ومنهجُ اللَّقِن الأحوَذيِّ، حتى لا ينعكِس الأمل، أو يستنوِقَ الجمل، فيُبصِرُ كل إنسانٍ وَسمَ قِدحه، فتترقَّى همَّتُه، وتصفُو نفسُه، وتحسُنُ سيرتُه وسريرتُه.

 

الوقفةُ الأولى: وقفةُ اعتبارٍ وعِظة، لما في مرور الأيام والليالي من عِبرةٍ وموعِظة، فكم من خُطواتٍ قُطِعت، وأوقاتٍ صُرِفت، والإحساسُ بمُضيِّها قليل، والتذكُّر والاعتبارُ بمُرورها ضئيل، مهما طالَت مُدَّتُها، وعظُمَت فترتُها، وربما دامَت بعد ذلك حسرتُها.

ولا يتبقَّى من الزمان إلا ذكرَى ما تبدَّى، وطيفُ ما تجلَّى، وها هو انقلبَ بما لنا وما علينا في مطاوِيه، وآخرُ استهلَّ شاهِدًا على مُضيِّ الدهر في تعادِيه. فاللهم إنا نسألُك أن تُبارِك للأمة فيما قدَّرتَ فيه.

وليكُن منكم بحُسبانٍ – يا رعاكم الله -: أن الزمنَ أنفاسٌ لا تعُود، فمن غفلَ عنه تصرَّمَت أوقاتُه، وعظُم فواتُه، واشتدَّت حسراتُه، فإذا علِم حقيقةَ ما ضاع، طلبَ الرُّجعَى فحِيلَ بينَه وبين الاستِرجاع.

وما المرءُ إلا راكبٌ ظهرَ عُمره *على سفرٍ يُفنِيه باليوم والشهرِ

يبيتُ ويُضحِي كل يومٍ وليلةٍ * بعيدًا عن الدنيا قريبًا من القبرِ

ومن لم يتَّعِظ بزوال الأيام، ولم يعتبِر بتصرُّم الأعوام، فما تفكَّر في مصيره ولا أناب، ولا اتَّصَف بمكارِم أُولِي الألباب، يقولُ الرحيمُ التواب: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [آل عمران: 190].

 

فما أحوجَ أمَّتنا في هذه السانِحة البينيَّة أن تنعطِفَ حِيالَ أنوار البصيرة، فتستدرِك فرَطَاتها، وتنعتِقَ من ورطَاتها، وتُفعَمَ روحُها بمعاني التفاؤُل السنيَّة، والرجاءات الربانيَّة، والعزائِم العليَّة، وصوارِم الهِمَم الفتيَّة، كي تفِيءَ إلى مراسِي الاهتِداء والقِمَم، وبدائِع الخِلال والقِيَم، على ضوء المورِد المَعين، والنبع الإلهيِّ المُبين: هديِ الوحيين الشريفين، مُستمسِكةً بالتوحيد والسنَّة بمنهَج سلَف الأمة.

تحقيقًا لقولِ النبي – صلى الله عليه وسلم -: «تركتُ فيكم أمرَين لن تضِلُّوا ما تمسَّكتُم بهما: كتابَ الله وسُنَّتي»؛ أخرجه مالك في “الموطأ”.

باركَ الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكرِ الحكيم، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم من كل خطيئةٍ وإثمٍ، فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إنه هو الغفورُ الرحيم.

 

الخطبة الثانية :

الحمدُ لله مُقدِّر الأزمان والآجال، مُبدِع الكون على غير مِثال، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له ذو الكمال الذي يعجزُ عن وصفِه بليغُ البيان والمقال، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه خيرُ من عبَدَ ربَّه في الغِنى والإقلال، صلَّى الله عليه صلاةً تَترَى في الغُدوِّ والآصال، وعلى آله وصحبِه خيرِ صحبٍ وآل، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم المآل، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: فاتَّقوا الله – عباد الله -؛ فإن تقواه – سبحانه – أوثقُ الوثائِق، وبها تُكشفُ وجوه الحقائِق.

 

أمة الإيمان: وفي حوالِك الكُروب، ومعامِع الخُطوب، ومُدلهِمَّات الدُّروب، تشرئِبُّ طُلَى أهل الإيمان إلى إشراقات التفاؤُل والنصر وبشائر الانبِلاج، وتتطلَّع إلى أَرَج الانفِراج.

 

فمع أن أمَّتنا لا تزالُ رهينةَ المآسِي والنَّكَبات، والشَّتات والمُلِمَّات، فلا بُدَّ من الادِّراع بالتفاؤُل والاستِبشار والأمل، فالأملُ يُخفِّف عناءَ العمل، ويذهبُ باليأس والقُنوط والملَل، وبعد حُلكة الليل الشديد تُشرِقُ شمسُ يومٍ جديد.

بالتفاؤُل والأمل تتدفَّق روحُ العزيمة، وتتألَّقُ نسَمَاتُ النبُوغ، وتتأنَّقُ بواعِثُ الثقة والتحدِّي.

وهذه القوةُ الأخَّاذة، والكُوَّة النورانيَّة هي من أزاهير الشريعة الربانيَّة، والسيرة المُحمديَّة لرسول الهُدى – صلى الله عليه وسلم -، وإن حياتَه الكريمة – بأبي هو وأمي – عليه الصلاة والسلام – لأُنموذجٌ عمليٌّ للتدرُّع بالتفاؤُل والأمل والاستِبشار، في أحلَك الأزمَات، والنوازِل والمُلِمَّات.

 

وهجرتُه – صلى الله عليه وسلم – حدثٌ لو تعلَمون عظيم، فيه من الدروس والفوائِد، والعِبَر والفرائِد ما لا تحوِيه أجلاد، ولا يُوفِّيه جلَدٌ ولا اجتِهاد. فرغم خروجِه – عليه الصلاة والسلام – من أحبّذ البلاد إليه، إلا أنه كان مُتفائِلاً مُستبشِرًا. ولقد كان حدَثُ الهجرة أمرًا فارِقًا في تأريخ البشرية جمعاء.

 

ألا فاتقوا الله – عباد الله -، وتفاءَلوا بالخير، واستفتِحوا عامَكم بتوبةٍ نَصُوح من الزلاَّت والسيئات، وداوِموا على الأعمال الصالِحات، وأكثِروا من القُرُبات والطاعات، وسجِّلوا في صحائِف عامِكم الجديد ما يسُرُّكم في دُنياكم وأُخراكم.

 

ثم صلُّوا وسلِّموا – رحمكم الله – على البشير النذير، والسراجُ المُنير، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبير، فقال – سبحانه -: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

ألا وصلوا على البشير النذير …

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عضو الاتحاد من مالي المقيم في المملكة العربية السعوديةعضو الاتحاد من مالي المقيم في المملكة العربية السعودية فضيلة الدكتور يحيى بن بابا كلبلي استقبل في منزله بمكة المكرمة يوم الاحد 17/12/1445 كلا من فضيلة الدكتور عمر بامبا المدير التنفيذي لمكتب الأمانة العامة للاتحاد والدكتور محمد مدهير جابي والدكتور يوسف ميغا عضوا الاتحاد من مالي.
فبارك الله فيهم و شكر الله سعيهم و كتب ذلك في ميزان حسناتهم .

مع خالص الشكر والتقدير وتحيات مكتب الأمانة العامة.

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
171 تقوى الله د. أحمد عبد الله بُولي ـــ عضو الاتحاد في مالي 14 /12/ 1445 هـ 21/ 06/ 2024م الأمانة العامة

 

الموضوع: ” تقوى الله

الحمد لله الذي أعدّ السعادة الأبدية لعباده المتقين نشهد أن لا إله إلا هو إله الأولين والآخرين، ونصلي ونسلّم على إمام المتقين محمد وعلى آله الأتقياء وصحبه المتقين، ومن تبع نهج التقوى إلى يوم ينفع المتقين تقواهم.

عباد الله:

أوصيكم وإياي بتقوى الله عزّ وجلّ في المخبر والمظهر، ولنعلم أن التقوى هي وصيّة الله للأولين والآخرين، فقد قال سبحانه في محكم تنزيله: ]وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا[ النساء 131

 

ولنعلَمْ أن التقوى وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه وأمته جمعاء، فقد قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم أوصني، فقال له عليه الصلاة والسلام:

(عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهُ جِمَاعُ كُلِّ خَيْرٍ…) أخرجه الإمام أحمد. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يبعث أميرا على سرية إلا أوصاه بالتقوى.

 

ولنعلم أن التقوى وصية السلف الصالح كذلك، فهذا أبوبكر رضي الله عنه يقول في خطبته:

أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله وأن تثنوا عليه بما هو أهله.

وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى ابنه عبد الله: أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله، فإن من اتقاه وقاه.

واستعمل علي رضي الله عنه على سرية رجلاً فقال له : أوصيك بتقوى الله عز وجل الذي لا بد لك من لقائه وهو يملك الدنيا والآخرة.

 

ولكن ما هي التقوى ؟

يجيب على هذا السؤال خرّيج جامعةٍ محمد صلى الله عليه وسلم الصحابيّ الجليل أبو هريرة رضي الله عنه، قال: هل أخذت طريقا ذا شوك، قال السائل: نعم، قال: فكيف صنعت ؟

قال: إذا رأيت شوكا عزلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه، قال: ذاك التقوى.

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: التقوى أن يطاع الله فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.

 

وإليكم أهمَّ سمات المتقين :

  • إقامة الشعائر التعبدية كالصلاة والصيام وغيرهما بإقامة ظاهرها كإتمام وتدبّر ما يقوله ويفعله، وهذا العنصر الأخير هو الفارق بينهم وبين غيرهم.
  • الإنفاق في سبيل الله بنفس مطمئنّة لا تخاف الفقر.
  • الصبر والمصابرة، قال تعالى عنهم: ]وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ[ البقرة 177

الخلق الحسن الذي يصل إلى درجة ضبط العواطف، وتحمّل سيّئات الآخرين، فهم كاظمون لغيظهم عافون عن الناس.

ومن سماتهم أنهم رجّاعون توّابون لما يبدر عنهم من أخطاء، فسرعان ما يستغفرون ربهم مبتعدين عن الكبر والعُجب أو التهاون بالصغائر.

قال تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ[ الأعراف 101

 

ثمرات التقوى في العاجل والآجل :

أيها الأخ المسلم فإن التقوى بهذا المعنى يضفي على صاحبها آثارا عظيمةً في الدنيا والآخرة وعلى المجتمع ، ودونكم غيضًا من فيض:

  • التقوى سبب لتيسير أمور الإنسان ، قال سبحانه: ]وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا @ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [ الطلاق 2 ـ 3

وقال تعالى: ]وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا[ الطلاق 4، وإن في قصة عوف بن مالك الأشجعي لعبرةً للمعتبرين .

قال أكثر المفسرين فيما ذكر الثعلبي إن هذه الآية نزلت في عوف بن مالك الأشجعي روى الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس قال: جاء عوف بن مالك الأشجعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: إن ابني أسره العدو وجزعت الأم، فما تأمرني فقال صلى الله عليه وسلم: (اتق الله واصبر وآمرك وإياها أن تستكثرا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله) فعاد إلى بيته وقال لامرأته: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني وإياك أن نستكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فقالت نِعْمَ ما أمرنا به فجعلا يقولان، فغفل العدو عن ابنه فساق غنمهم وجاء بها إلى أبيه، وهي أربعة آلاف شاة؛ فنزلت الآية. تفسير القرطبي ج18 ص160

 

  • التقوى سبب لفتح البركات من السماء والأرض وحصول الأرزاق على الفرد: المتقي، والمجتمع المتقي، يقول الله تعالى: ]وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ… [ الأعراف 96
  • التقوى سبب لنيل ولاية الله، فقد قال تعالى: ]إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ…[ الأنفال 34

 

الله أكبر، والعاقبة للمتقين. أقول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله ولي المتقين، والصلاة والسلام على إمام المتقين.

عباد الله:

اعلموا أن ثمرات التقوى كثيرة ، ومنها علاوةً على ما سبق:

  • التقوى عامل قويّ لعدم الخوف من كيد الكائدين وضرر الكافرين، وحسد الحاسدين، قال تعالى: ]وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران 120
  • التقوى سبب لنيل العلم وحصول بركته، فقد قال الله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [ الأنفال 29
  • أهل التقوى تحصل لهم البشرى والاطمئنان في الحياة سواء أكان بالرؤيا الصالحة أو بمحبة الناس لهم، والثناء عليهم، ثم يحفظهم الله في ذريتهم من بعد مماتهم، قال سبحانه: ]أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ @ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ @ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[ يونس 62-64

 

 

عباد الله :

فسقياً لإيماننا وتزوّداً من التقوى علينا أن نكثر من الصيام في هذا الشهر شهر شعبان، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من شهر أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله)، وفي رواية (كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا) متفق عليه.

 

ألا وصلّوا وسلّموا على الرسول التقي وعلى آله وصحبه وسلّم.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

 

 

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
170 خطبة عيد الأضحى 1445هـ
د.  وليد بن محمد العباد خطيب في الرياض
10/12/1445هـ  الموافق 17/06/2024م الأمانة العامة

 

الموضوع ” خطبة عيد الأضحى 1445هـ ”

 

 

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ،

الحمدُ للهِ كما أَمَر، وأشكرُه وقد تَأذّنَ بالزّيادةِ لمن شَكَر، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له إقرارًا بربوبيّتِه وإرغامًا لمن جَحَدَ به وكَفَر، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه سيّدُ البشر، صلى اللهُ وسلمَ عليه وعلى آلِه وصحبِه ما تعاقبَ الشّمسُ والقمر.

أمّا بعدُ أيّها المسلمون: اتقوا اللهَ -تعالى- واشكروه على ما أنعمَ به عليكم من نعمةِ هذا الدّينِ العظيم، قالَ تعالى : ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾    المائدة: 3 ؛ فتمسّكوا بدينِكم، وعَضّوا عليه بالنّواجذ، ففيه عزُّكم وسعادتُكم.

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللُه أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمد.

أمّةَ الإسلام: لقد خطبَ نبيُّكم -عليه الصّلاةُ والسّلامُ- في مثلِ هذا اليوم، خُطبةً عظيمةً، قرّرَ فيها قواعدَ الدّين، وأكّدَ أهميّةَ العملِ بكتابِ اللهِ وسنّتِه؛ فقالَ فيها: “إنّي قَدْ تَركْتُ فِيكُمْ مَا إنْ أخَذتمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ؛ كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نبيِّه، أيّها النّاسُ! إن رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وإنّ أَبَاكُمْ واحِدٌ، كُلكُّمْ لآدمَ وآدمُ من تُراب، إنّ أَكرمَكُمْ عندَ اللهِ أتْقَاكُمْ، وليسَ لعربيٍّ فَضْلٌ على عَجميٍّ إلاّ بالتّقْوى، أَلاَ هَلْ بلَّغْتُ اللّهُمّ اشهد”.

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمد.

أيُّها المسلمون: ما أعظمَ الأعيادَ في الإسلام، تَبدأُ بالطّاعةِ والذِّكرِ والتّكبيرِ، وتُختتمُ بالمغفرةِ والعتقِ والتّكفير، فهنيئًا لكم في هَذَا اليَومِ العَظِيمِ وَالصَّبَاحِ الجَمِيلِ، فقد أَمَدَّ اللهُ في أَعمَارِكُم، وَأُفسِحَ في آجَالِكُم، فأدركتم العشرَ المباركات، وصمتُم وتصدّقتُم وسابقتُم فيها إلى الخيرات، واجتهدتُم في يومِ عرفةَ بما رفعتُم من الدّعوات، فحُقَّ لكم اليومَ أنْ تفرحوا بالعيدِ، وتلبسوا الجديد (  ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾    يونس: 58

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمد.

أيّها المسلمون: بعدَ عامٍ دراسيٍّ طويل، تَخلّلتْه مواسمُ التّقوى والحجِّ والصّيام، تَزوّدتُم خلالَه بالعلمِ والإيمان، تَستقبلونَ إجازةَ نهايةِ العام، فاستقيموا فيها على طاعةِ ربِّكم، واستغلّوا وقتَ فراغِكم فيما يَنفعُكم في دينِكم ودنياكم، مع الحرصِ على وضع  البرنامجِ النقيّة للأولاد، ليكون على علم في أمور دينهم.  نَستودعُ اللهَ دينَكم وأمانتَكم وخواتيمَ أعمالِكم.

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمد.

أيّها الآباءُ والأمّهات: كونوا قدوةً حسنةً لأولادِكم، وربّوهم على الفضيلةِ والرّشاد، والجدِّ والاجتهاد، وجنّبوهم مزالقَ الكسلِ والشّرِّ والفساد، وراقبوهم بِحُبّ، ووجّهوهم برفق، واحتضنوهم بوُدّ، و أَعيدوا لأُسْرَتِكم تماسُكَها وألفتَها ومحبّتَها، فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيّتِه.

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمد.

أيّها الشّبابُ والفتيات: حافظوا على صلاتِكم فهي عمودُ الدّين، وتأدّبوا بآدابِ الإسلام، وتَجنّبوا قرناءَ السّوء، واحذروا مِن المخدّرات ومخاطر الشّبكات ومواقعِ الشّبهات، أصلحَكم اللهُ وحفظَكم من كيدِ الشّياطين، ورفعَ بكم رايةَ الوطنِ والدّين.

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمد.

أيّتُها المؤمناتُ العفيفات! أنتنَّ شقائقُ الرّجالِ ومصانعُ الأبطال، ولقد كرّمكُنَّ الإسلامُ وأوصى بكُنَّ خيرًا، فأطعْنَ اللهَ ورسولَه، واقْتدينَ بالصّحابيّات، وتَمسّكنَ بالحجاب، وتَحصّنَّ بالعلمِ الشّرعيّ، وأَكثرْنَ مِن الذّكرِ والقرآنِ والصّدقةِ والدّعاء، وأَبْشرْنَ بجنّةٍ عرضُها الأرضُ والسّماء، أَصلحَ اللهُ نساءَ المسلمين، و وقاهنَّ شرَّ التّبرّجِ والسّفور، وجَمَّلهنّ بالسّترِ والحياءِ والدّين، وصرفَ عنهنّ كيدَ الكائدين، وحفظهنَّ بحفظِه وهو خيرُ الحافظين.

اللهُ أكبرُ كبيرًا، والحمدُ للهِ كثيرًا، وسبحانَ اللهِ بكرةً وأصيلاً، فاستغفروا ربَّكم ثمّ توبوا إليه إنّه كانَ غفورًا رحيمًا.

الخطبة الثانية:

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمد.

اللهُ أكبرُ كبيرًا، والحمدُ للهِ كثيرًا، وسبحانَ اللهِ بكرةً وأصيلاً، وصلّى اللهُ على نبيِّنا محمد، وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا.

أمّا بعدُ أيّها المسلمون: اتّقوا اللهَ ما استطعتم، و أطيعوه فما أسعدَكم إنْ أطعتُم (﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ  ﴾   آل عمران: 102

أمّةَ الإسلام: إنّكم في يومِ عيدِ النّحرِ أعظمُ الأيّامِ عندَ الله، وفيه يَجتمعُ مِن العبادةِ ما لا يَجتمعُ فيما سواه، ففي ذلك اليومِ يُؤدِّي الحجّاجُ معظمَ مَناسكِهم، وتَشتركونَ معهم بإراقةِ دماءِ الهدايا والأضاحي، تقرّبًا إلى اللهِ -عزَّ وجلّ-، وإعلانًا للتّوحيدِ وإقامةً لذكرِ الله ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾   الأنعام: 162- 163

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمد.

فضحُّوا تَقبّلَ اللهُ منكم، فما عَمِلَ ابنُ آدمَ يومَ النّحرِ عملاً أحبَّ إلى اللهِ مِن إراقةِ دمٍ، وإنَّ الدّمَ ليقعُ مِن اللهِ بمكانٍ قبلَ أنْ يقَعَ على الأرض، فطيبوا بها نفسًا. وكلوا منها وأَهدوا وتَصدّقوا، وأكثروا مِن ذكرِ اللهِ وشُكرِه وتقواه، قالَ -جلّ في  علاه : ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾  الحج: 37

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمد.

تقبّلَ اللهُ طاعتَكم، وجعلَ عيدَكم مباركًا سعيدًا، وعملَكم صالحًا رشيدًا، وأتمّهُ عليكم بالقبولِ والغفران، وأَعَادَهُ عَلَيْكم بِالصّحةِ والعافيةِ والأمنِ وَالإِيمَانِ، وكلُّ عامٍ وأنتم بخير.

اللهُ أكبرُ كبيرًا، والحمدُ للهِ كثيرًا، وسبحانَ اللهِ بكرةً وأصيلاً، وصلّى اللهُ على نبيِّنا محمد، وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا.

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم؛

 

ألا وصلوا على البشير النذير …

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
169 أحكام الأضحية

د. عثمان صالح تروري  ـــ عضو في مالي

07/12 /1445هـ  الموافق 14/06/2024م الأمانة العامة

 

الموضوع ” أحكام الأضحية”

 

الحمد لله الذي مَنَّ على عباده بمواسم الخيرات ليغفر لهم الذنوب ويجزل لهم الهبات، وفَّق من شاء لاغتنامها فأطاعه واتّقاه، خذل من شاء فأضاع أمره وعصاه، أحمده وأشكره، أكمل لنا الدين وأتمَّ علينا النعمة، رضي لنا الإسلام ديناً وشرع لنا الأعمال الصالحة، ووفق للقيام بها ورتب عليها الأجر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:

فاتقوا الله تعالى ربكم أيها المؤمنون وعظموا ما عظمه فإن ذلك من تقواه قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ الحج 32

 

أيها المؤمنون: من أكبر وظائف ذي القعدة وعشر ذي الحجة حسن اختيار الأضحية لما رواه الترمذي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: (مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى الله مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلاَفِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ الله بِمَكانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الأَرْضِ فطِيبُوا بِهَا نَفْساً) رواه الترمذي وصحح الحاكم إسناده، صححه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح.

فما حكم الأضحية؟ وما شروط صحتها؟  اختلف العلماء في حكمها على قولين:


الأول: أنها سنة مؤكدة، وهذا قول الجمهور.

واستدل الجمهور. أن النبي ﷺ ضحى عن أمته، وبقوله (ثلاث هن علي فرائض ولكم تطوع: النحر والوتر وركعتا الضحى) أخرجه الحاكم .
الثاني: أنها واجبة، وهو قول الأوزاعي والليث، ومذهب أبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن أحمد
ومن أدلة القائلين بالوجوب ما روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : (مَنْ وَجَدَ سَعَةً لأَنْ يُضَحِّىَ فَلَمْ يُضَحِّ؛ فَلاَ يَحْضُرْ مُصَلاَّنَا) أخرجه أحمد والحاكم وحسنه الألباني في صحيح الترغيب 1087.

ومن حكمة مشروعية الأضحية التقرب إلى الله تعالى بفعل أمره ﴿فصل لربك وانحر، وإعلان التوحيد ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الأنعام 162. وشكر لنعمة الله، وإطعام للمساكين، وتوسعة على الأهل.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ..﴾ بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي شرع لعباده التقرب إليه بذبح القربان وقرن النحر بالصلاة في محكم القرآن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل والامتنان، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من قام بشرائع الإسلام وحقق الإيمان صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما.

عباد الله: أما شروط صحة الأضحية فهي ستة كالآتي:

أحدها : أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها لقوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ الحج 34  وبهيمة الأنعام هي الإبل ، والبقر ، والغنم هذا هو المعروف عند العرب ، وقاله الحسن وقتادة وغير واحد .

 

الشرط الثاني: أن تبلغ السن المحدود شرعاً، ويجزئ من الضأن ما بلغ ستة أشهر، ومن الماعز ما بلغ سنة، ومن البقر ما بلغ سنتين ومن الإبل ما بلغ خمس قال ﷺ: (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) رواه مسلم.

والجذع: ما تم له نصف سنة، فلا تصح التضحية بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز، ولا بما دون الجذع من الضأن.

 

الشرط الثالث:  أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء وهي أربعة:

1 ـ العور البين: وهو الذي تنخسف به العين، أو تبرز حتى تكون كالزر، أو تبيض ابيضاضاً يدل دلالة بينة على عورها.

2 ـ المرض البين: وهو الذي تظهر أعراضه على البهيمة كالحمى التي تقعدها عن المرعى وتمنع شهيتها، والجرب الظاهر المفسد للحمها أو المؤثر في صحته، والجرح العميق المؤثر عليها في صحتها ونحوه.

3 ـ العرج البين: وهو الذي يمنع البهيمة من مسايرة السليمة في ممشاها.

4 ـ الهزال المزيل للمخ: لقول النبي ﷺ حين سئل ماذا يتقي من الضحايا فأشار بيده وقال: (أربعاً: العرجاء البين ظلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى ) رواه مالك في الموطأ من حديث البراء بن عازب

 

الشرط الرابع : أن تكون ملكاً للمضحي ، أو مأذوناً له فيها من قبل الشرع ، أو من قبل المالك فلا تصح التضحية بما لا يملكه كالمغصوب والمسروق والمأخوذ بدعوى باطلة ونحوه ؛ لأنه لا يصح التقرب إلى الله بمعصيته . وتصح تضحية ولي اليتيم له من ماله إذا جرت به العادة وكان ينكسر قلبه بعدم الأضحية.

الشرط الخامس : أن لا يتعلق بها حق للغير فلا تصح التضحية بالمرهون.

 

الشرط السادس : أن يضحي بها في الوقت المحدود شرعاً وهو من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فتكون أيام الذبح أربعة: يوم العيد بعد الصلاة، وثلاثة أيام بعده، فمن ذبح قبل فراغ صلاة العيد، أو بعد غروب الشمس يوم الثالث عشر لم تصح أضحيته ؛ لما روى البخاري عن البراء بن عازب t أن النبي ﷺ قال : (من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله وليس من النسك في شيء ).

 

 

أيها المؤمنون: أحسنوا اختيار أضاحيكم، واسعوا لتيسيرها على غيركم، فإن حسن اختيار الأضحية تعظيم لشعائر الله ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ الحج 32 وصلوا وسلموا على النذير البشير وعلى آله وأصحابه … اللهم صل على محمد ﷺ……
اللهم! إنا نسألك الهدى والتقوى والعفاف والغنى. اللهم! إنا أسألك قلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً.. .

اللهم! عاملنا بالحسنى واجمع لنا خير الآخرة والأولى.

اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، وأصلح من في صلاحه صلاح للإسلام والمسلمين، وأهلك من في هلاكه صلاح للإسلام والمسلمين.

 

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم الخطبة عنوان الخطبة معد الخطبة تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
168 فضل عشر ذي الحجة د. سعيد محمد بابا سيلا ـــ عضو الاتحاد في مالي 30/11/1445هـ  الموافق 07/06/2024م الأمانة العامة

 

الموضوع : “عشر ذي الحجة ”

الحمد لله مقلب الليل والنهار؛ ومصرف الدهور والأعصار؛ لا إله إلا هو إليه المصير؛ نحمده على آلائه ونعمه فقد هدانا إلى الإسلام وجعلنا من أمة محمد e خاتمِ الأنبياء والمرسلين؛ صاحب الشفاعة العظمى يوم القيامة؛ اللهم ثبتنا على سنته واحشرنا في زمرته وشفعه فينا وأسقنا من حوضه شربة لا نظمأ بعدها أبدا؛ وصل ّ عليه ما اختلف الليل والنهار وعلى آله وصحبه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: إخوة الإسلام ! في مثل هذا الوقت أن يكون ملايين المسلمين قد حَلوا في الأراضي المقدسة أو في طريقهم إليها لأداء مناسك الحج من أجل الفوز بما وعد الله به من الثواب الجزيل.

إخوة الإسلام ! من رحمة الله الواسعة – وقد علم أن الجميع غير قادرين على الحج – أن جعل موسم العشر الأول من ذي الحجة مشتركاً بين الحجاج وغيرهم فمن عجز عن الحج في عام قدر على الاجتهاد في العبادة في هذه العشر، فيحصل على المضاعف من الحسنات؛ فحري بنا أن نتذاكر حول فضائل هذه الأيام وما ينبغي أن يكون عليه المسلم؛ لنعلم ما قد نجهله من السنن أو نتذكر ما قد نسيناه ؛ فنقول وبالله التوفيق:

 

أولا:  فضل العشر الأول من ذي الحجة:

–  أقسم الله عز وجل في كتابه لشرفها وعظمها قال -تعالى-: )وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ[ قال ابن كثير -رحمه الله-: “المُراد بها عشر ذي الحجة” كما قاله ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغيرهم وقال تعالى )وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ[ قال ابن عباس “أيام العشر”

– وفى البخاري وغيره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ” مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ، مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ (يعني العشر)، قَالُوا: “يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟” قَالَ: -صلى الله عليه وسلم-: “وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ”. قال الحافظ بن حجر في الفتح: “والذي يظهر أن السبب في امتياز العشر من ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه وهى الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره”.

 

ثانيا:  كيف يستقبل المسلم هذا الموسم العظيم؟

1) بالتوبة الصادقة النصوح وبالإقلاع عن الذنوب والمعاصي؛ فإن الذنوب هي التي تحرم الإنسان فضل ربه وتحجب قلبه عن مولاه.

2) كذلك تُستقبل مواسم الخيرات بالعزم الصادق الجادّ على اغتنامها بما يُرضي الله.

3) التواصي بالأعمال الصالحة في الأسرة وفي أماكن العمل، والدال على الخير كفاعله.

 

ثالثا:  ما هي الأعمال التي يُستحب للمسلم أن يفعلها في هذه الأيام ليكون من الفائزين؟

من اليوم الأول إلى اليوم الثامن من ذي الحجة:

1 ــ الصلاة: يجب المحافظة عليها في جماعة والتبكير إليها والإكثار من النوافل وقيام الليل؛ فإن ذلك من أفضل القربات؛ ففي الحديث “عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً” (رواه مسلم).

2 ــ الصيام: لدخوله في الأعمال الصالحة؛ ففي المسند والسنن عن حفصة أم المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم “كان لا يدع صيام عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر”.

3 ــ الصدقة يقول جلّ وعلا )الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ[ البقرة : 262

 وكلما لاقت الصدقة حاجة الفقير كان الأجر أعظم ؛ وكم من فقير مهموم باستقبال العيد ؛ ما ذا يفعل لأولاده ؟ ونبيكم e يقول “وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَة” رواه مسلم

4 ــ الإكثار من الذكر: (التكبير والتهليل والتحميد)؛ ففي مسند الإمام أحمد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد”، وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.

وهذا تكبير عام يبدأ منذ دخول الشهر، أما التكبير عقب الصلوات فيبدأ من يوم العيد إلى نهاية أيام التشريق وهي ثلاثة أيام بعد يوم العيد.

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم؛

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله ولي الصالحين ؛ والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين؛ وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد:

من مسائل هذه الأيام:

ثبت عن النبي e من حديث  أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها  « إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَعِنْدَهُ أُضْحِيَّةٌ يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّىَ فَلاَ يَأْخُذَنَّ شَعْرًا وَلاَ يَقْلِمَنَّ ظُفُرًا » رواه مسلم .

اليوم التاسع من ذي الحجة (يوم عرفة): ففي الحديث “صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ ” (صحيح مسلم).

الأضحية:

أ- حكمها: سنة ثابتة بالكتاب والسنة، على أهل كل بيت مسلم قدر أهله عليها، وذبحها أفضل من التصدق بقيمتها بإجماع الأمة؛

ب- وقتها: بعد صلاة العيد ولا تُجزئ قبل الصلاة للحديث ” إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ ” (صحيح البخاري) ويمكن في أيام التشريق الثلاث.

د- صفتها:

(1) الضأن سنة، والماعز سنة ودخلت في الثانية، والإبل ما دخلت في الخامسة، والبقرة ما دخلت في الثالثة، ويجزئ البقر والإبل عن سبعة .

(2) أن تكون سليمة خالية من كل عيب، فلا تكون عوراء أو مريضة أو هزيلة أو مكسورة القرن، وأفضلها الكبش الأقرن الأبيض.

وتذكروا مرة أخرى إخوانكم وجيرانكم من الفقراء؛ فبذلة لطفل فقير أو يتيم قد تكون المنجية لك من مصائب الدنيا وأهوال يوم القيامة.

اللهم يا منان يا كريم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم ؛ متبعين فيها لسنة نبيك الكريم ؛

ألا وصلوا على البشير النذير …

 

 

 

 

 

الملتقى الدعويالملتقى الدعوي في تنجا بتنزانيا حول أهمية الأمن و التعايش السلمي في التنمية
في الفترة 28-30 يونيو 2024م، سيشارك بعض أعضاء اتحاد علماء إفريقيا في الملتقى الدعوي لدعاة شرق إفريقيا الذي ينظمه مركز الأنصار للشباب المسلم تحت عنوان: أهمية الأمن والتعايش السلمي في التنمية المزيد…

الملتقى الدعوي في تنجا بتنزانيا حول أهمية الأمن و التعايش السلمي في التنمية
في الفترة 28-30 يونيو 2024م، سيشارك بعض أعضاء اتحاد علماء إفريقيا في الملتقى الدعوي لدعاة شرق إفريقيا الذي ينظمه مركز الأنصار للشباب المسلم تحت عنوان: أهمية الأمن والتعايش السلمي في التنمية بمدينة تانغا التي تبعد عن دار السلام بحوالي ٣٥٠ كم، وهو المركز الذي يديره عضو الاتحاد في تنزانيا الشيخ سالم عبد الرحيم بارهيان.

 

ومن الأعضاء المشاركين في هذا الملتقى:
الشيخ سالم عبدالرحيم بارهيان
الشيخ جمعة عمر بولي
الشيخ محرم إدريس مويتا
الشيخ علي زبير علي
د. أبوبكر عبده أبوبكر ياسين

 

ونسأل الله التوفيق على أمل أن يكون مشاركتهم إسهاما لتحقيق ما فيه خير الإسلام والمسلمين

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم الخطبة عنوان الخطبة معد الخطبة تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
167 الحج اسرارٌ وحِكم للشـيخ عبـدالمـلك القاسـم 23/11/1445هـ  الموافق 31/05/2024م الأمانة العامة

 

 

الموضوع ” الحج اسرارٌ وحِكم

الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ إيماناً بكمالهِ وعظمتهِ، وخضوعاً لجلالهِ وعزتهِ، وتسليماً لحُكمهِ ومشيئته، وطمعاً في كرمِه وجنتهِ، {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ}..  وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، يهدي من يشاءُ بفضله ورحمته، ويضِلُ من يشاءُ بعدلهِ وحكمته، {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ}.. وأشهدُ أنّ محمداً عبدُ اللهِ وسولهُ، ومصطفاهُ وخليلهُ، وأمينهُ على وحيه ورسالته، و{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}، صلى الله وسلم وأنْعمَ عليه، وعلى آله وأهلِ بيتهِ وعترته، والأخيار الأطهار صحابتهِ، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ، وسلم تسليماً كثيراً لا حدَّ لنهايته..

أمَّا بعدُ: فأوصيكم أيُّها النَّاسُ ونفسي بتقوى الله عزَّ وجلَّ، فاتقوا اللهَ رحمكم اللهُ، واغتنموا السّاعات، وسارعوا في الخيرات والمكرمات، واحذروا الغفلاتِ فإنَّها دركاتٌ.. الأيامُ قوافِلٌ، والحياةُ مراحِل، وجميعُنا عن هذه الدنيا راحِلٌ وابن راحِل، فأينَ المتبصِّرُ وأين العاقلُ: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيل}.

معاشر المؤمنين الكرام: الحجُّ إلى بيت الله الحرام، رحلةٌ إيمانيةٌ فريدة، ينطلقُ فيها المؤمنُ بروحه ومشاعره، وبقلبه وقالبهِ شوقاً إلى الله، وتلبيةً لنداء مولاه، وسعياً لنيل رضاه، وتعظيماً لشعائر الله، فما أروعها من رحلة، وما أعظمها من شعائر، وما أصدقها من مشاعر.. رحلةٌ جمعت بين شرف الزمان، وشرفِ المكان، وشرفِ الأعمالِ، فيا لجلال الموقف، ويا لروعة الحال..  وكم للحجِّ من مقاصدَ عظيمة، ومزايا فريدة، ودروسٍ بليغة، وأسرارٍ حكيمة، فتعالوا بنا اليوم لنتذاكرَ شيئاً من تلك الدروس والمزايا والأسرار..  لعلنا نزدادُ بذلك بإذن الله إيماناً بالله، وتعظيماً لشعائر الله: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب}..    

فمن دروس الحجِّ البليغة، وأسراره الجليلة: أنه يصلُ حاضرَ الأمةِ الإسلاميةِ بماضيها، ويربط آخرها بأولها، والمسلمُ كلّما ارتبطَ بتلك البقاعِ الطاهرةِ المباركة, وشعائِرها الراسخةِ المقدّسة، كلما كانَ أقربَ إلى الهداية، وإلى الاقتداءِ بالسلف الصالحِ الذين أُمرنا أنّ نقتدي بهم، قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}..   

ومن أسرار الحِّج وحِكمهِ الجليلة: أنه فرصةٌ سانحةٌ للتعارف والتقاربِ وتقويةِ الأواصرِ بين المسلمين، يقولُ اللهُ جلّ وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}.. فوحدة الدين هيَ التي توحِدُ القلوبَ وتربطُ ما بين الشعوب، وصدق الله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}..   

كما أنّ من أسرار الحجّ وحِكمهِ العظيمة: سُهولةُ اجتماعِ كلمةِ المسلمينَ وتوحُّدِ صفِهم، فكما جمعهم الحجُّ من كلّ فجٍّ عميق.. فمنَ الممكنِ أن تجتمعَ كلمتهم، وأن تتوحدَ صفوفهم، وما ذلك على الله بعزيز..  كما أن من دروس الحجّ وأسرارهِ العجيبة: أنَّ هذه الأمةَ مهما بلغَ الكيدُ والمكرُ بها.. فإنها أمّةٌ خالدةٌ بخلودِ رسالتها وكتابِها، باقيةٌ ما بقيت شعائُرها وأنساكُها.. وصدقَ اللهُ القائِل: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون}..   

 

ومن أسرار الحجِّ وحِكمه: أنه يذكرُ بالرحيل الى الدار الآخرة، فالحاجُّ يُغادرُ وطنهُ الذي أَلِفهُ ونشأَ في ربوعه، وكذا الميتُ إذا انقضى أجلهُ يُغادرُ دنياهُ التي عاشَ فيها، وكما أن الميتَ يُجردُ من ثيابه، ويُغسلُ ويُكفنُ في أكفانٍ بيضاء، فكذلك الحاجُّ يتجردُ من ثيابه طاعةً لله تعالى، ويغتسلُ ويلبسُ رداءينِ أبيضينِ لإحرامه، وفي وقوف الحجّاجِ في يوم عرفة، مشهدٌ مصغرٌ ليوم القيامة، {يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ}، ولذا افتتحَ اللهُ سورةَ الحجِّ بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}..

 

ومن مزايا الحجِّ الفريدة: أنَّه أفضلُ عملٍ يُحبهُ اللهُ عزَّ وجلَّ بعد التوحيدِ والجهاد، فقد جاء في الحديث الصحيح: “أفضلُ الأعمالِ الإيمانُ باللهِ وحدَه، ثمَّ الجهادُ، ثمَّ حجَّةٌ مَبرورةٌ، تَفضُلُ سائرَ الأعمالِ، كما بين مطلِعِ الشَّمسِ إلى مغرِبِها”.. وفي الصحيحين، قال ﷺ: “العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ».. وفي الصحيحين أيضاً، قال ﷺ: “مَن حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ”..   

 

ومن أسرار الحجِّ ودروسهِ العظيمة: أنه ترسيخٌ عمليٌّ لمبدأ المساواةِ بين المسلمين، وفيه تطبيقٌ حقيقيٌ لمعاني الأخوةِ بين المؤمنين: فالمقصدُ واحد، والهدَفُ واحِد، واللباسُ واحد، والنداءُ واحد، والوقوفُ في مكانٍ واحد، وأداءُ الشعائرِ كُلها بطريقةٍ واحدة.. فتتحققُ المساواة بين المسلمين بأرقى صورها، رغم اختلافِ أجناسهم، وتمايز ألوانهم، وتباينِ ألسنتهم، واختلافِ بلدانهم، وقد صح عن المصطفى ﷺ أنه قال في حجة الوداع: “يا أيُّها النَّاسُ، أَلَا إنَّ رَبَّكم واحِدٌ، وإنَّ أباكم واحِدٌ، أَلَا لا فَضْلَ لِعَربيٍّ على أَعجَميٍّ، ولا لِعَجَميٍّ على عَرَبيٍّ، ولا لِأَحمَرَ على أَسوَدَ، ولا أَسوَدَ على أَحمَرَ إلَّا بالتَّقْوى”..     

 

ومن أسرار الحج ودروسه البليغة: أن فيه تربية للنّفوس على الفضائل ومكارم الأخلاق، كالصّبر والعَفو والتسامح، وبذل المعروف، وفيه تحريرٌ للنفس من رقِّ الشّهوات، والارتقاءِ بها لأعلى الدرجات.. فحين يتركُ الحاجّ بيئته التي تعودَ عليها، والتي فيها كثيرٌ مما يُشغِلُ عن ذكر الله، ويُلهي عن طاعته، فيترك كلّ ذلك لينتقلَ إلى بيئةٍ مُغايرة، كلُّ ما فيها يُذكِّرُ بالله ويُعينُ على طاعته.. فلا يرجعُ الحاجُّ إلى بيئته الأولى إلا وقد صفت نفسه، وطهُرَ قلبه، وسمت روحه، ولانت جوارحهُ وصلُحت أحوالهُ بإذن الله..    كما أنّ من أسرار الحجِّ البديعة: أنه يغيرُ الكثيرَ من القناعاتِ السلبية، ويُصحِحُ الكثيرَ من الآراء الخاطئة، ففي الحجّ يتعلمُ المسلمُ أنّ كثيراً مما تعوّدَ عليه الانسانُ وألِفهُ من زخارف الدّنيا وزينتها، وكان يراهُ ضروريًّا لا يمكنُ الاستغناءُ عنه، أنّه ليس كذلك، وأنَّ كثيراً من الأعمال الصالحةِ التي كان يراها صعبة الأداء، أنها ليست كذلك..    

 

ومن أسرار الحجِّ ومزاياه الرائعة: كثرةُ المصالح والمنافع، ولنتأمَّلْ قولَ الحقِّ جلَّ وعلا: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}، وكيف أنَّ كلمةَ: {مَنَافِعَ} جاءت نِكرة بصيغة الجمع؛ لتفيدُ العمومَ والشمول والتعظيم.. فهي منافعُ كثيرةٌ وعظيمة ومتنوعة، تشملُ منافعَ الدنيا ومنافعَ الآخرة..  ومن أسرار الحجِّ ودروسه: أنه تربيةٌ على كَثرة الذكرِ والمناجاة, والتضرُّع والدعاء؛ فالله جلَّ وعلا يقول: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}، ويقول: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}، وإذا تأملت أعمال الحاجّ رأيت أنها كُلها ذكرٌ ومناجاة: فالتلبيةُ ذكرٌ ومناجاة، وفي الطوافُ والسعي ذكرٌ ومنجاة، والوقوفُ بعرفة ومزدلفة كله ذكرٌ ومناجاة، وعند الرَمْي ذكرٌ ومنجاة؛ وبعد كل صلاةٍ ذكرٌ ومناجاة، وفي كل موطنٍ وموقفٍ هناك ذكرٌ ودعاء ومناجاة.. بل حتى بعد انقضاءِ المناسك: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}..  

 

ومن مزايا الحجِّ الرائعة: أنهُ رحلةٌ قدسيةٌ مباركة، تتضاعفُ فيها الأجورُ أضعافاً كثيرة؛ ففي الحديث الصحيح: قال ﷺ: “صلاةٌ في المسجد الحرامِ خيرٌ من مائة ألف صلاة فيما سواه”.. وفي الحديث الحسن قال ﷺ لرجلٍ أراد الحج:  “فإنَّكَ إذا خرَجْتَ مِن بَيتِكَ تَؤُمُّ البيتَ الحرامَ، لا تضَعُ ناقتُكَ خُفًّا، ولا تَرْفعُهُ، إلَّا كَتَبَ (اللهُ) لكَ به حسنةً، ومَحَا عنكَ خطيئةً، وأمَّا ركعتاكَ بعدَ الطَّوافِ؛ كعِتْقِ رَقَبةٍ مِن بني إسماعيلَ، وأمَّا طوافُكَ بالصَّفا والمروةِ؛ كعِتْقِ سبعينَ رقبةً، وأمَّا وقوفُكَ عَشِيَّةَ عرفةَ؛ فإنَّ اللهَ يَهبِطُ إلى سماءِ الدُّنيا فيُباهي بكُمُ الملائكةَ، يقولُ: عِبادي جاؤُوني شُعْثًا مِن كلِّ فَجٍّ عميقٍ يرجونَ رحْمتي، فلو كانتْ ذُنوبُكم كعددِ الرَّملِ، أو كقَطْرِ المطرِ، أو كزَبَدِ البحرِ، لغَفَرْتُها، أَفيضوا عِبادي مغفورًا لكم، ولِمَن شَفَعْتم له، وأمَّا رَمْيُكَ الجِمارَ؛ فلكَ بكلِّ حصاةٍ رَمَيْتَها تكفيرُ كبيرةٍ مِنَ المُوبقاتِ، وأمَّا نَحْرُكَ؛ فمَدْخورٌ لكَ عندَ ربِّكَ، وأمَّا حِلاقُكَ رأسَكَ؛ فلكَ بكلِّ شَعرةٍ حَلَقْتَها حسنةٌ، وتُمْحى عنكَ بها خطيئةٌ، وأمَّا طَوافُكَ بالبيتِ بعدَ ذلكَ؛ فإنَّكَ تَطوفُ ولا ذَنْبَ لكَ.. يأتي مَلَكٌ حتَّى يضَعَ يدَيْهِ بينَ كَتِفَيْكَ، فيقولُ: اعمَلْ فيما تَستَقبِلُ؛ فقد غُفِرَ لكَ ما مَضى”.. 

 

فلا إله إلا الله، ما أَعظمَ فضل اللهِ، وما أجلَّ كرمه..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}..   أقول ما تسمعون.

 

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على عباده اللذين اصطفى.. 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك ….

معاشر المؤمنين الكرام: لانزال نتذاكر شيئاً من دروس الحجّ وحِكمهِ وأسراره، فمن أعظم دروس الحج وحكمهِ البليغة: ترسيخُ مبدأ التسليمِ والانقيادِ للهِ ربِّ العالمين، فمنذُ أن يدخلَ الحاجُّ في النسك، وهو يُعلنُ تمامَ التسليمِ لربه، ثمّ تراهُ في كل مشعرٍ ومنسكٍ يتحرى السنة ويقتفي أثرَ الخليلين، ليحقّقَ التوحيد، ويُسلِّمُ أمرهُ كُلهُ لله، دونَ أن يكون في صدره أدنى حرجٍ مما أُمر به..    

 

أوليسَ من أشدِّ العجبِ يا عباد الله: أن يأتيَ الحُجاّجُ من أقاصي الدنيا وأطرافها النائية، يتركونَ بلادهم ذات الطبيعة الخلابة، والمناظر الجميلة، والجو العليل، يقطعون مسافاتٍ هائلة، ويتكبدون مشاقَ كثيرة، ويبذلونَ الغالي والنفيس، تتقطعُ نفوسُهم شوقاً ورغبة إلى بلادٍ ذات طبيعةٍ قاسية، وحرارةٍ مُرتفعة، جبالٌ سوداء، وأرضٌ قاحلةٌ جرداء، وأوديةٌ مُقفرة، لا زرعَ فيها ولا ماء.. فإذا بدأوا في أداء المناسك، رأيتهُم في قمة السعادة والرضا، يترقبونَ بكل شوقٍ ولهفة, الانتقالَ من شعيرةٍ إلى أخرى، وحين يُسألونَ عن مشاعرهم، ترى عبراتِهم تُسابق عِباراتهم.. وتراهُم يستعذبون المشقةَ والتعب، ولا يبالون بحرٍّ ولا نصب.. إنه سرٌّ من أسرار الحجِّ، يقولُ العلامة ولي الله الدهلوي: وربما يشتاقُ الإنسانُ إلى ربه أشدَّ الشوقِ فيحتاجُ إلى شيءٍ يُترجِم به شوقهُ فلا يجدُ إلا الحجّ.. ولذا قال المصطفى ﷺ: “تابعوا بين الحج والعمرة, فإنهما ينفيان الفقر والذنوب, كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة”، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة .. 

 

أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم … {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُوْلِي الأَلْبَاب}..

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.. 

اللهم صل على محمد…  

 

 

روانداتجري انتخاب أعضاء المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في رواندا الٱن…

انتخابات أعضاء المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في رواندا، ومنها سيتم انتخاب مفتي رواندا ورئيس المجلس الجديد ونائبه
الشيخ موسى سندايغايا مفتي الجمهورية
الشيخ يونس موشومبا نائبه

وهما من أعضاء اتحاد