
مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم | عنوان الخطبة | معد الخطبة | التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
217 | الحج والعمرة خطوة بخطوة |
د. عثمان صالح تروري ـــ عضو الاتحاد في مالي |
11/11/1445هـ الموافق 09/05/2025م | الأمانة العامة |
الموضوع ” الحج والعمرة خطوة بخطوة”
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أفضل من حج واعتمر وأمر أمته بأخذ مناسكهم عنه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه أمهات المؤمنين وأصحابه ما لبى ملب بحج بيت ربه. أَمَّا بَعْدُ:
فاتقوا الله أيها المؤمنون، وتذكروا بمفارقتكم أهليكم إلى الحج يوم مفارقتكم لهم إلى القبور، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى.
وبعد أن أحرمتم من الميقات، وأكثرتم من التلبية على الطريق إلى مكة ، فعند دخولكم فيها فاستعروا عظمة تلك البلدة، وهي خير بلاد الأرض وأحبها إليه وإلى رسوله كما قال صلى الله عليه وسلم (إِنَّكِ، لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَيَّ…) ابن ماجة .
- وإذا وصلتم مكة ففي الغالب يتوجه الحجاج إلى منازلهم، ثم منها إلى المسجد الحرام لإتمام العمرة ويتم ذلك على النحو التالي:
- إذا دخلت المسجد فعليك بالالتزام بآداب المسجد من: تقديم اليمنى، الدعاء،……
- تقطع التلبية قبل بدء الطواف ومن السنة أن يكشف الرجل عن كتفه الأيمن جاعلا وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر
- ثم تبدأ الطواف من الحجر الأسود، فإذا تسنى لك الوصول إلى الحجر الأسود فقبله، وإلا فأشر إليه قائلا الله أكبر، والطواف يكون بسبعة أشواط
- وأثناء الطواف تذكر الله وتدعوه بما تشاء من خيري الدنيا والآخرة،
- وإذا وصلت الركن اليماني إن تيسر لك فاستلمه دون تقبيل وإلا فواصل ولا تشر إليه، ويسن الدعاء بقوله: ]رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[ بين الركن اليماني والحجر الأسود .
- ويسن للرجال الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى (وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطي) وهذا في طواف القدوم فقط.
- وإذا اكتملت الأشواط السبعة يغطي الرجال أكتافهم المكشوفة
- تصلي ركعتين خلف المقام إن تيسر وإلا ففي أي مكان من المسجد، تقرأ في الأولى بسورة الكافرون وفي الثانية بالإخلاص.
- وبعد الفراغ من ذلك يسن الشرب من ماء الزمزم .
- وبعد ذلك تتوجه إلى المسعى بدء بالصفا ،وعند الصعود على الصفا يسن قول : (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ)،
- ثم تصعد الصفا وتقف عليه مستقبلا الكعبة وتحمد الله تعالى وتكبره ثلاثا وتدعو وتكثر من الدعاء رافعا يديك قائلا : (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ).
- ثم تنزل من الصفا قاصدا المروة وتدعو وتذكر الله تعالى بما تشاء وتسعى سبعة أشواط ، فمن الصفا إلى المروة شوط ، ومن المروة إلى الصفا شوط وهكذا .
- ويسن للرجال الإسراع بين الضوئين الأخضرين ( بطن الوادي ).
- وإذا صعدت المروة فافعل مثل ما فعلت على الصفا
- وإذا كملت سبعة أشواط فعلى الرجال الحلق أو القصر، والحلق أفضل، وعلى النساء قصر قدر أنملة.
- وبهذا تتحلل من العمرة وتنتظر الحج.
وأثناء هذا الانتظار عليكم بالحرص على الصلاة في المسجد الحرام، والإكثار من الطواف بالبيت، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ t قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ r (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ ) رواه أحمد .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: (مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ) رواه ابن ماجه .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ]الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ[ البقرة 197
قلت ما أصغيتم إليه والله تعالى أسأل المغفرة والرحمة لي ولكم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي فرض حج بيته الحرام، والصلاة والسلام على رسوله خير الأنام
أيها المؤمنون: فإذا أتم الحاج المعتمر عمرته، وانتظر الحج فإن أعمال حجه يبدأ من اليوم الثامن إلى اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، والأعمال المشروعة في هذه الأيام هي كالتالي:
* أعمال اليوم الثامن :
- الإحرام للحج في المنزل قائلا: لبيك حجا – الخروج إلى منى وقت الضحى، وفي الغالب يبدأ الحجاج الخروج من الليل لأجل الزحمة.
- وإذا وصل منى صلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصرا بلا جمع، والفجر.
* أعمال اليوم التاسع ( يوم عرفة ) :
- الخروج إلى عرفة وقت الضحى – الوقوف فيه من الزوال وصلاة الظهر والعصر فيه جمعا وقصرا، وعرفات كلها موقف.
- الإكثار من الدعاء والذكر فيه بعد الصلاة إلى الغروب، وليكثر من قول: لا إله الله وحده لا شريك له ….. ، لما رواه مالك عن طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r: (قَالَ أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ) ويستقبل القبلة عند الدعاء .
وقد ورد فضل يوم عرفة في أحاديث كثيرة منها ما روي عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ t قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ) مسلم
- مغادرة عرفة عند الغروب إلى المزدلفة وصلاة المغرب والعشاء فيها والمبيت بها
* أعمال اليوم العاشر ( يوم العيد ) :
- صلاة الفجر بالمزدلفة، والإكثار من ذكر الله بعد الصلاة بالمشعر الحرام – مغادرة المزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس
- التقاط سبع حصيات على الطريق إلى منى – رمي جمرة العقبة بالحصيات السبع ويكبر مع كل حصاة
- ذبح الهدي – حلق الرأس أو قصره والحلق أفضل
- طواف الإفاضة بالكعبة، وهو مثل الأول إلا أنه لا يكشف الكتف، ولا يسرع في الأشواط الثالثة الأولى.
- يصلى ركعتين بعد الطواف، ثم يسعى بين الصفا والمروة كما فعل في العمرة.
- ولا بأس من تقديم هذه الأعمال بعضها على بعض، فمن أدى ثلاثة منها تحلل تحللا أصغر فيباح له كل المحظورات إلا النساء، ومن أداها كلها فقد تحلل تحللا أكبر ويباح له كل المحظورات حتى النساء
- العودة إلى منى للإقامة
* أعمال اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر :
- الإقامة في منى والإكثار من ذكر الله تعالى أثناءها
- رمي الجمرات بعد الزوال من كل يوم، وصفة رمي الجمرات كالآتي:
× يبدأ بالجمرة الدنيا فيرميها بسبع حصيات ويكبر مع كل حصاة، وإذا رماها تنحى يمينا ووقف مستقبلا القبلة، ودعا طويلا
× ينتقل إلى الجمرة الوسطى ويرميها بسع حصيات مثل الأولى، ثم يتنحى يمينا مستقبلا القبلة ويدعو طويلا
× ثم ينتقل إلى جمرة العقبة ( الأخيرة ) ويرميها بسبع حصيات كالسابقة ، ولا يدعو بعده.
فإذا اكتمل له يومان أو ثلاثة نزل مكة، وقد انتهى له حجه، وإذا تقرر سفره طاف البيت طواف وداع، لما روي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
( أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْحَائِضِ ) البخاري وليس من المشروع الخروج من المسجد على الظهر.
فهكذا يؤدى الحج والعمرة، والله تعالى نسأل أن يوفقنا جميعا لحسن أدائهما، وأن يتقبله منا بقبول حسن، وأن يرفع به درجاتنا في الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالين وحسن أولئك رفيقا، وصلى الله على سيدنا محمد وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم | عنوان الخطبة | معد الخطبة | التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
216 | تعظيم الأشهر الحرم | الشيخ أسامة خياط – خطيب مسجد الحرام | 04 /11 /1446هـ الموافق 02/05 /2025م | الأمانة العامة |
الموضوع: ” تعظيم الأشهر الحرم “
الحمد لله حمدَ مَنْ يرجو من الله النجاة وحُسْن العقبى، أحمده -سبحانه- على ترادُف نعمه التي لا تُحصى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى والصفات العلا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، النبي المجتبى والرسول المرتضى، صاحب الحوض والشفاعة العظمى، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أُولِي الريادة والزهادة والنهى.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وراقِبُوه وعظِّمُوه، وأنيبوا إليه وأطيعوه واحذروا أسباب سخطه، ولا تعصوه، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ البقرة 281
عباد الله: إن الله -تعالى- يختص بحكمته ورحمته ما شاء من الأزمنة والأمكنة بما شاء من العبادات والقربات التي يزدلف العباد القانتون المخبتون بها إليه، مبتغين بها الوسيلة في سَيْرِهم إلى ربهم، بحُسْن القدوم عليه، ويُمْن الوفود عليه، ولقد كان مما كتبه -عز اسمه- وافترضه على لسان خليله إبراهيم وولده إسماعيل -عليهما السلام-: تحريم أشهر من السنة وتعظيمها بتحريم القتال فيها، وتواتر ذلك التحريمُ حتى نقلته العرب بالتواتر القولي والعملي، وتلك هي الأشهر الأربعة التي أشار إليها -سبحانه- بقوله: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ التوبة 36
وبينها رسول الهدى ﷺ بقوله في خطبة حجة الوداع: “إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ –تَعَالَى- السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ؛ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ” الشيخان، من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-.
وإنما كانت الأشهر الحرم على هذه الصفة ثلاثة سرد وواحد فرد كما قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: “لأجل أداء مناسك الحج والعمرة، وحرم قبل شهر الحج شهر وهو ذو القعدة؛ لأنهم يقعدون فيه عن القتال، وحرم شهر ذي الحجة لأنهم يُوقِعُونَ فيه الحجَّ، ويشتغلون فيه بأداء المناسك، وحرَّم بعده شهرًا آخر؛ وهو المحرم ليرجعوا فيه إلى نائي بلادهم آمنين، وحرم رجبًا في وسط الحَوْل؛ لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب، فيزوره ثم يعود إلى وطنه آمنا”. انتهى كلامه -رحمه الله-.
وأما استدارة الزمان فهي عودة حساب الشهور إلى ما كان عليه من أول نظام الخلق الذي كتبه الله وقدره، فوقع حجه ﷺ في تلك السنة في ذي الحجة الذي هو شهره الأصلي، ذلك أنهم -كما قال أهل العلم بالحديث؛ كالإمام الخطابي والحافظ ابن حجر وغيرهما- كانوا على أنحاء: منهم من يسمي المحرم صفرا، فيحل فيه القتال ويحرم القتال في صفر ويسميه المحرم.
ومنهم من كان يجعل سنة هكذا وسنة هكذا، ومنهم من يجعله سنتين هكذا وسنتين هكذا، ومنهم من يؤخر صفر إلى ربيع الأول وربيعا إلى ما يليه، وهكذا إلى أن يصير شوال ذا القعدة وذو القعدة ذا الحجة، ثم يعود العدد على الأصل فكانوا يخالفون بين أشهر السنة بالتحليل والتحريم والتقديم والتأخير لأسباب تعرض لهم، منها: استعجال الحرب فيستحلون الشهر الحرام ثم يحرمون بدله شهرا غيره، فتتحول في ذلك شهور السنة وتتبدل. انتهى.
وذلك هو النسيء الذي ذمه الله -تعالى- وبين أنه زيادة في الكفر؛ لأنه تشريع ما لم يأذن به الله مضاف إلى أصل كفرهم بالله والشرك به فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ التوبة 37، فتشريع الحلال والحرام والعبادة -يا عباد الله- هو حق لله وحده، فمن شرَّع من عند نفسه شرعًا فقد نازع الله -عز وجل- في حقه، وذلك شرك بربوبيته كما دل عليه قوله -سبحانه-: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ الشورى 21
فيُضلون به سائر من يتبعهم من الكافرين، الذين يتبعونهم فيه ويتوهمون أنهم لم يخرجوا به عن ملة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-؛ حيث وطؤوا فيه عدة ما حرم الله من الشهور في ملته، وإن أحلوا ما حرمه الله وهو المقصود بالذات من شرعه لا مجرد العدل، وهذا كله من ظلم النفس في الشهر الحرام الذي نهى عنه ربنا بقوله: ﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ التوبة 36
وظلم النفس -يا عباد الله- يشمل كل محظور يوبق المرء فيه نفسه، ويدخل فيه: هتك حرمة الشهر الحرام دخولا أوليًّا محقَّقًا، وهذا الظلم للنفس كما يكون بالشرك بالله -تعالى- وهو أعظم ظلم لها، كما قال تعالى على لسان لقمان: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لُقْمَانَ: 13]، فإنه يكون أيضا بالتبديل والتغيير في شرع الله، والتحليل والتحريم لمجرد الهوى والآراء الشخصية والاجتهادات والاستحسانات التي لا يسندها دليل صحيح من كتاب ربنا، أو سنة نبينا ﷺ.
ويكون ظلم النفس أيضا: باقتراف الآثام واجتراح السيئات في مختلف دروبها، فالذنب سوء وشؤم وظلم للنفس في كل زمان؛ لأنه اجتراء على العظيم المنتقم الجبار، المحسن إلى عباده من نعم الخاصة والعامة، المتحبب إليهم بالآلاء وهو الغني عنهم، لكنه في الشهر الحرام أشد سوءا، وأعظم جرما، وأفدح ظلما؛ لأنه جَامِعٌ بين الاجتراء والاستخفاف وبين امتهان وانتهاك حرمة ما حرمه الله وعظَّمه واصطفاه، فكما أن المعاصي تغلظ في البلد الحرام لقوله -عز اسمه-:
﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ الحج 25، فكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام، ولهذا غلظت فيه الدية عند كثير من العلماء؛ كالإمام الشافعي -رحمه الله- وغيره.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: “إن الله اختص من الأشهر أربعة أشهر، جعلهن حراما وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيها أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم”، وقال قتادة -رحمه الله-: “إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيما، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء”. انتهى.
فاتقوا الله -عباد الله-، وعظِّمُوا ما عظَّم اللهُ، ومنها هذا الشهر الحرام الذي أظلكم، فعظِّمُوه بما شرَع اللهُ، وباتباع سنة الحبيب الهادي رسول الله ﷺ، وحذار من الابتداع حذار، حذار من الابتداع في دين الله ما لم يأذن به الله.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولجميع المسلمين من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل لبعض الأزمان مزيدا من الفضل والحرمة، أحمده -سبحانه- على عميم الخير والنعمة، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، يشمل العباد في العفو والغفران والمنة، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، المبعوث إلى خير أمة، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ذوي الحجا والحكمة.
أما بعد فيا عباد الله: حَرِيٌّ بمن رضي بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا أن يحجز نفسه عن الولوغ في الذنوب، وينأى بها عن مزالق الخطايا، ويكفها عن التلوث بأرجاس الإثم، وأن يترفع عن دواعي الهوى والنزوات والشطحات الموبقات المهلكات وتسويل الشيطان وتسويل النفس الأمارة بالسوء، وخطرات الشيطان وخطواته، وأن يذكر على الدوام أن الحياة أشواط ومنازل، تفنى فيها الأعمار وتنتهي الآجال، وتنقطع الأعمال، ولا يدري المرء متى يكون الفراق لها، وكم من الأشواط يقطع منها، وإلى أي مرحلة يقف به المسير.
فالسعيد مَنْ سَمَتْ نفسُه إلى طلب أرفع المراتب، وإلى ارتقاء أعلى الدرجات من رضوان الله ومحبته وغفرانه، فاتقوا الله -عباد الله- باستدراك ما فات، واغتنام ما بقي من الأزمنة الشريفة والأوقات الفاضلة المباركة، والتزام المسلك الراشد والنهج السديد في هذا الشهر الحرام وفي كل شهور العام بالإقبال على موائد الطاعة، ورياض القربات والاستمساك بما صح وثبت عن سيد الأنام ﷺ، وَأَعْرِضُوا عن كل مبتدَع لا أصل له، في كتاب الله ولا في سنة رسوله ﷺ.
فاتقوا الله -عباد الله- وعظِّموا ما عظَّمه الله باتباع رسول الله ﷺ واذكروا على الدوام أن الله -تعالى- قد أمركم بالصلاة والسلام على خير الأنام فقال في أصدق الحديث وأحسن الكلام: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزال 56.
وصلِّ اللهم وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبِه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله
بفضل الله تعالى اختتمت مساء يوم الأحد 27 أبريل 2025م أعمال المؤتمر الثالث لاتحاد علماء إفريقيا بفندق الملك فهد للمؤتمرات في مدينة دكار، وقام المؤتمرون بإجراء تعديلات في النظام الأساسي للاتحاد، وتجديد مكتبه، ووضع خطة خمسية لأنشطة المكتب الجديد، كما قأقبم كذلك ورشات عمل وندوات حول تفعيل الأوقاف في إفريقيا المزيد…

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله
بفضل الله تعالى اختتمت مساء يوم الأحد 27 أبريل 2025م أعمال المؤتمر الثالث لاتحاد علماء إفريقيا بفندق الملك فهد للمؤتمرات في مدينة دكار، وقام المؤتمرون بإجراء تعديلات في النظام الأساسي للاتحاد، وتجديد مكتبه، ووضع خطة خمسية لأنشطة المكتب الجديد، كما قأقبم كذلك ورشات عمل وندوات حول تفعيل الأوقاف في إفريقيا، وتوجت الأعمال بقراءة بيان ختامي وتوصيات.
ولقد حضر في الحفل الختامي شخصيات بارزة من بينهم وزير الاتصالات في السنغال، وزير الشؤون الدينية والعبادة والعادات في مالي، وجم غفير من رجال الدين في السنغال.
والله تعالى نسأل أن يبارك في الجهود ويكللها بالنجاح والتوفيق إنه سميع مجيب.

مؤتمر اتحاد علماء أفريقيا: حدث علمي ودعوي استثنائي.
انطلق يوم السبت 28 شوال 1446هـ الموافق 26 أبريل 2025م أعمال مؤتمر اتحاد علماء إفريقيا في دكار عاصمة السنغال، وبرعاية كريمة من رئيس الجمهورية السيد بشير جوماي جخار فاي حفظه الله ورعاه، وبمشاركة وازنة من علماء أتوا من جميع الدول الأعضاء المزيد…

مؤتمر اتحاد علماء أفريقيا: حدث علمي ودعوي استثنائي.
انطلق يوم السبت 28 شوال 1446هـ الموافق 26 أبريل 2025م أعمال مؤتمر اتحاد علماء إفريقيا في دكار عاصمة السنغال، وبرعاية كريمة من رئيس الجمهورية السيد بشير جوماي جخار فاي حفظه الله ورعاه، وبمشاركة وازنة من علماء أتوا من جميع الدول الأعضاء ، وبعض المؤسسات العلمائية الدولية.
يُعد مؤتمر اتحاد علماء إفريقيا حدثًا علميًا ودعويًا ذا خصوصية فريدة، تنبع من عدة اعتبارات استراتيجية. ولعل من أبرز هذه الخصوصيات أن المؤتمر يخص اتحاد علماء من أفريقيا، ولأفريقيا، وفي داخل أفريقيا.
فجميع المشاركين فيه هم من أبناء قارتنا الحبيبة، أفريقيا، وتحديدًا من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، تلك المنطقة ذات الدلالات الجغرافية، والتاريخية، والسياسية العميقة، والتي تكاد تُعد “شبه قارة” لما تتمتع به من تميز ثقافي وحضاري مستقل.
هؤلاء العلماء، جميعهم، يكنّون لأفريقيا حبًا خالصًا وتقديرًا صادقًا؛ كما أن أفريقيا تبادلهم الحب وتفخر بانتمائهم. فما أكرمهم من أبناء بررة، وما أصدقهم من مواطنين مخلصين!
ومما يلفت النظر أن أغلب هؤلاء العلماء قد تلقوا تعليمهم العالي في جامعات دولية خارج القارة السمراء. غير أن قلوبهم لم تغادر مواطنهم أبدًا؛ فقد عادوا بكل فخر وعزم للمشاركة في نهضة بلادهم، والعمل على تطويرها في مختلف المجالات الحيوية: العلمية، والثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية.
إن هذا الحدث العلمي المميز يجيب بوضوح عن كثير من الأسئلة الملحة حول:
مدى ولاء النخبة العلمية الشرعية في أفريقيا.
اهتمامهم العميق بقضايا أوطانهم.
مستوى وعيهم بالتحديات الكبرى والمشكلات العويصة التي تواجه قارتهم.
وهكذا يتجلى المؤتمر ليس مجرد لقاء علمي، بل مشروع ولاء وانتماء، وتجديد لعهد العلماء بمسؤولياتهم تجاه شعوبهم، ونهضتهم، ومستقبلهم المشرق بإذن الله.
كتبه المفتش الدكتور انجوغو صمب
عضو لجنة التربية في اتحاد علماء إفريقيا

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم | عنوان الخطبة | معد الخطبة | التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
215 | فضائل الحج والبلد الحرام | الشيخ صالح بن محمد آل طالب – خطيب مسجد الحرام | 27 /10 /1446هـ الموافق 25/04 /2025م | الأمانة العامة |
الموضوع: فضائل الحج و البلد الحرام
الحمد لله جعل بيتَه الحرامَ مثابةً للناس وأمنًا، هدانا لأقوم السُّبُل وشرعَ لنا أفضلَ الشرائِعَ فضلاً منه ومنًّا، أحمده تعالى وأشكرُه، وأُثنِي عليه وأستغفرُه حرَّم الحُرُمات أنفسًا وأشهرًا وبقاعًا، وتابعَ مواسمَ الخيرات علينا تِباعًا، وجعلَ خيرَ الناسِ أخلَصَهم لله وأشدَّهم لنبيِّه تأسيًّا واتباعًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمدُ ، وله الشكرُ إعلانًا وإسرارًا وجهرًا، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه علَّم أمَّتَه العبادات وأوضحَ لهم المناسِك، ودلَّهم على طُرق الخير وأبانَ لهم المسالِك، له حُجَّةٌ لا يزيغُ عنها إلا هالِك، بشَّر به الأنبياءُ قبلَه، وهداه ربُّه لخير قِبلة، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد:
فاتقوا الله حقَّ تقواه، وسارِعوا إلى مرضاته واستعِدُّوا ليوم لِقاه؛ فإن اليومَ عملٌ ومُهلة، وغدًا حسابٌ وجزاء، وسيلقَى كلُ عاملٍ ما عمِلَ.
أيها المؤمنون: تستقبِلُ الأمةُ موسمًا عظيمًا من أيام الله تعالى، وركنًا من أركان الإسلام العِظام، موسمٌ تُغفَرُ فيه الذنوبُ والخطايا، وتُقالُ فيه العثَرات وتُقبَلُ الدعوات، موسمُ الحجِّ إلى بيت الله العتيق، شِعارُ الوحدة والتوحيد، وموسمُ إعلان العهود والمواثيق وحفظِ الحقوق والكرامات، وحقنِ الدماء وعصمةِ النفوسِ والأموال، وما فاضَت به الوصايا في خُطبة الوداع.
وها هي طلائعُ الحُجَّاج تُضيءُ مُحيَّاهم أباريقُ الحرم، وينتظِمُ عِقدُهم في رِحابِه الطاهرة، آمِّين البيتَ الحرام يبتغون فضلاً من ربهم ورِضوانًا، يحطُّون رِحالَهم عند بيت الله العتيق، ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾ (آل عمران 96)
مُلبِّين النداءَ القديمَ المُتجدِّد: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ (الحج 27 -28 ) ويُؤدُّون ركنَ الإسلام الخامسَ، ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ (آل عمران 97) ويُلبُّون بالتوحيد: لبَّيكَ اللهم لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لبَّيك، إن الحمدَ والنعمةَ لك والمُلك، لا شريكَ لك، يأمَلون من الله القَبول، ويرجُون رحمتَه ويخافُون عذابَه.
يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: (العُمرة إلى العمرة كفَّارةٌ لما بينهما، والحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنة)؛ متفق عليه. وفي “الصحيحين” أيضًا يقول الصادقُ المصدوق – صلى الله عليه وسلم -: (من حجَّ هذا البيتَ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ كيوم ولدَتْ أمُّه) – أي: نقيًّا من الذنوب والخطايا -.
وأخرج ابن حبان في “صحيحه” عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (الغازي في سبيل الله، والحاجُّ إلى بيت الله، والمُعتمِر وفدُ الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم).
وفي رحلة الإيمان الخالدة مُضاعفةُ الصلوات، وتكثير الحسنات، وإجابةُ الدعوات، ومواقفُ الرحمات في مِنَى ومُزدلِفة وعرفات.
وإذا ذكرتَ تلك الصعُوبات فاذكُر حين يُباهِي اللهُ بحُجَاج بيته ملائكةَ السماوات، ويقول – سبحانه -: (هؤلاء عبادي جاءوني شُعثًا غُبرا، أُشهِدكم أني قد غفرتُ لهم) فيُعتِقُهم من النار، ويكتبُ لهم السعادةَ الأبديَّة.
فمن نصوص الوحيين أدركنا من فضائل الحج: 1- أداء الفريضة (تلبية نداء الله ) 2- غفران الذنوب 3- سبب لدخول الجنة 4- مضاعفة الأجر 5- يُباهِي اللهُ بك ملائكةَ السماوات، وفضائل أخرى
أيها المسلمون: الحديثُ عن الحجِّ وفضله يحدُو الأرواحَ، ويبعثُ الأشواقَ لإجابة نداء الرحمن لحجِّ بيت الله الحرام، فيا خسارةَ من قعدَت به همَّتُه واستولَى عليه كسلُه، فلم يلحَق بركبِ الإيمان، قال – عليه الصلاة والسلام -: (تعجَّلوا إلى الحجِّ؛ فإن أحدَكم لا يدري ما يعرِضُ له)؛ أخرجه الإمام أحمد.
وعن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال: “لقد هممتُ أن أبعثَ إلى الأنصار فينظرُوا من كانت له جِدَةٌ فلم يحُجَّ فليضرِبوا عليهم الجِزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين”؛ قال المُنذري: إسناده حسن.
فبادِروا بالحجِّ – أيها المسلمون -، واغتنِموا أعمارَكم قبل أن يُحالَ بينكم وبين ما تشتَهون فتعجَزون أو تموتون.
عباد الله: وفي الحجِّ شرفُ الزمان والمكان؛ فالمكان: بلدُ الله الحرام، والزمان: عشرٌ مُعظَّمةٌ في أشهرٍ مُحرَّمة: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ (البقرة: 197) وهذه البُقعة عظَّم الله حُمرتها غايةَ التعظيم، وجعل إجلالَها من التقوى وسببًا للتقوى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ ( الحج: 32 )
وحرَّم تنفيرَ صيدِها وعضدَ شوكِها فضلاً عن قطع شجرها وقتل صيدِها؛ فكيف بحُمرة المُسلم فيها؟
حتى إن مجر رادة الشر في الحرَم مُوجِبٌ للعذاب؛ قال الله – عز وجل -: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ (الحج :25)
وفي وصف أشهُركم هذه أشهر الجج إنها محرمة ما عدا شوال، قال ابن كثيرٍ – رحمه الله -: “كان الرجلُ يلقَى قاتلَ أبيه في الأشهُر الحرم فلا يمُدُّ إليه يدَه”. وقال أيضًا: “إن الظلمَ في الأشهُر الحُرم أعظمُ خطيئةً ووِزرًا من الظلم فيما سواها”.
إذا كان الأمرُ كذلك؛ فإنه لا ذنبَ بعد الشرك أعظمُ من قتل النفس المؤمنة، وسفك الدم الحرام في الشهر الحرام ظلمًا وعُدوانًا.
لقد سبقَ الإسلامُ كل المُحاولات البشرة لإيجاد منطقةٍ آمنةٍ وزمنٍ آمِن، وإن شئتَ فقل: زمانًا ومكانًا مُحرَّمًا منزوعَ السلاح يأمَنُ الناسُ فيه وينعَمون بالسلام، وهذا من أعظم مقاصِد الإسلام الذي قصدَ إلى إشاعة الأمن والسلام، فالواجبُ على المسلمين أن يستشعِروا هذه الحُرمة، ويُعظِّموا الأشهُر الحُرم، خصوصًا بعد عامٍ عصَفَت فيه الفتنُ واضطرَبَت الأحوالُ، وأُزهِقَت أنفسٌ واختلطَت أمور.
ومن الناس من تشابَهت عليهم الأزمِنة، واختلفَت في أفهامهم الأمكِنة؛ فكأنما الأشهُر الحُرُم حِلٌّ لأشدِّ المُحرَّمات – وهي الدماء -، وكأنما البلادُ في بعث الفتنةِ بها سواء، وكأننا نعيشُ زمنَ الخبر النبوي المُتحقِّق في آخر الزمان -: (يكثُر الهَرج – وهو القتل -، ولا يدري القاتلُ فيمَ قتَل، ولا المقتولُ فيمَ قُتِل، وهي فتنٌ الراقِدُ فيها خيرٌ من القاعِد، والقاعِدُ خيرٌ من الماشي). وغفلَ المخذولُ عن قول الله – عز وجل -: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ (النساء 93)
أيها الناس: لقد حانَ الوقتُ لإلقاء السلاح، وحقنِ الدماء، والاستجابةِ لأصول الحقوق التي وصَّى النبي – صلى الله عليه وسلم – بها في حجَّة الوداع، وأرسَى قواعدَها بقوله: (إن دماءَكم وأموالكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ كحُرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهرِكم هذا).
آنَ الأوان لأَن يُراجِعَ المعنيُّون واقِعَهم، وأن يحترِموا الأشهُر الحُرم، وأن تتغلَّب المصالحُ على المفاسِد، ومكاسِبُ الأمة على مصالح الأفراد؛ صيانةً للنفوس والحقوق، وحال العباد والبلاد، والله لا يحبُّ الفساد. ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأبانَ طريقَ الإيمان، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه ومن تبِعَهم بإحسانٍ.
أما بعد، أيها المسلمون: من حُرمَة مكة المكرمة: أن سَفكَ الدم فيها بغير حقٍّ أشدُّ حُرمةً من غيرها، قال – عليه الصلاة والسلام -: «لا يحِلُّ لامرئٍ يُؤمِنُ بالله واليوم الآخرِ أن يسفِكَ بها دمًا»؛ متفقٌ عليه.
ولا يُخافُ أهلُها بحملِ سلاحٍ فيها، قال – عليه الصلاة والسلام -: «لا يَحِلُّ لِأَحَدِكُم أنْ يَحْمِلَ بِمكةَ السلاحَ»؛ رواه مسلم.
والحيواناتُ آمنةٌ بأمان الله في العَرَاء، والطيورُ سابِحةٌ في الفَضاء، وأشجارهُا تُرفرِفُ بالأمنِ فلا تُقطَع، والأمْوالُ المفقودةُ لا تُلتقَطُ كسائرِ البُلدان، قال – عليه الصلاة والسلام -: «لا يُختَلى خَلاها، ولا يُعضَدُ شجرُها، ولا يُنَفَّرُ صيدُها، ولا تُلتَقَطُ لُقَطَتُها إلا لمُعَرِّفٍ»؛ متفقٌ عليه.
شبّه – عليه الصلاة والسلام – حُرمةَ الأموالِ والأعراضِ والدماءِ بحُرمَتها، لعلوِّ منزلَتِها عند الله، فقال: «إنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ كحُرمةِ يومِكم هذا، في بلدِكم هذا، في شهرِكم هذا»؛ متفقٌ عليه
اللهم وحِّد به كلمةَ المسلمين، وارفع به لواءَ الدين، ..
اللهم أصلِح أحوال المسلمين، اللهم أصلِح أحوال المسلمين، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، واجمعهم على الحق والهدى، اللهم احقِن دماءهم، وآمِن روعاتهم، وسُدَّ خُلَّتهم، وأطعِم جائعَهم.
اللهم احفَظ الحُجَّاج والمُعتمِرين، ويسِّر لهم أداء مناسِكهم آمِنين، يا حيُّ يا قيُوم يا ذا الجلال والإكرام.
نستغفِرُ الله، نستغفِرُ الله، نستغفِرُ الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيُّوم ونتوبُ إليه.