الأمين العام وبعض أعضاء اتحاد علماء إفريقيا يشاركون في حفل تكريم معلمي القرآن الكريم بحج بيت الله الحرام الدورة العاشرة
شارك الأمين العام اتحاد علماء إفريقيا الدكتور سعيد محمد بابا سيلا مساء يوم الأحد 23 جمادى الآخر 1447م الموافق 14 ديسمبر 2025م في حفل تكريم معلمي القرآن الكريم بحج بيت الله الحرام الدورة العاشر التي تنظمها رابطة الدعاة في مالي سنويا المزيد…
الأمين العام وبعض أعضاء اتحاد علماء إفريقيا يشاركون في حفل تكريم معلمي القرآن الكريم بحج بيت الله الحرام الدورة العاشرة
وإليكم بعض اللقطات من الفعالية مع خالص الشكر والتقدير وتحيات مكتب الأمانة العامة قسم الإعلام والمعلوماتية.
| مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
| رقم الخطبة | عنوان الخطبة | معد الخطبة | تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
| 250 | حقوق آل البيت | الشيخ .خالد بن علي المشيقح | 21/06/1447هـ الموافق 12/12/2025م | الأمانة العامة |
الموضوع: “حقوق آل البيت”
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102 . أما بعد:
عباد الله! الشريف في ذاته يفيض بالشرف على من حوله، والكريم في معدنه يسري كرمه في المحيطين به، وكذلك بعض البشر تفيض بركة على من حولها، وتتعداها إلى غيرها، كثير من سلالة إبراهيم عليه السلام غدوا أنبياء، وأنصار عيسى عليه السلام صاروا حواريين، وصحابة محمد ﷺ شرفوا بالصحبة، وأزواجه أمهات المؤمنين ونسله استحقوا وصف الشرف والسادة.
فلكرم النبي – ﷺ – كرمت ذريته، ولشرفه شرف آل بيته، وكانت مودة آل بيته ومحبته جزءاً من عقيدة أهل السنة والجماعة، رعوها على مر الزمان كما رعوا باقي الشريعة، وأقاموها كما أقاموا بقية أحكام الدين.
آل النبي – ﷺ – بالمعنى الخاص هم أقاربه الذين حرمت عليهم الصدقة وأزواجه وذريته، خلافاً لما يدعيه الرافضة، فهم يضيفون ويدخلون في آل النبي – ﷺ – الأئمة الاثنا عشرية، وهذا لم يرد فيه نص.
عباد الله! مذهب أهل السنة والجماعة في آل النبي – ﷺ – معرفة قدرهم، وبذل المودة لهم، ومحبتهم وموالاتهم، شهدت بذلك عقائدهم المدونة وتفاسيرهم المبسوطة، وشروحات السنن وكتب الفقه، كيف لا وهم وصية نبينا محمد – ﷺ -، هم وصيته وهم بقيته، يقول عليه الصلاة والسلام: “أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي” (رواه مسلم) وقال عليه الصلاة والسلام: “فاطمة سيدة نساء أهل الجنة” (رواه البخاري.
و أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: { قَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا، بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: ” أَمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ ” فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي» فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ؟ يَا زَيْدُ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ: نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ، قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ هَؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ } وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي – ﷺ – قال للحسن: “اللهم إني أحبه فأحب من يحبه“، وقال الله -عز وجل- في كتابه الكريم وقرآنه العظيم: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ الأحزاب:33، ومعلوم أن هذه الآية نزلت في أزواجه عليه الصلاة والسلام؛ لأن ما قبلها وما بعدها كله خطاب لهن رضي الله عنهن.
وفي الصحيحين أن النبي – ﷺ – قال لأصحابه: “قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد“، وهذا يفسر اللفظ الآخر للحديث: “اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد“، فالآل هنا هم الأزواج والذرية خلافاً لما عليه الرافضة قبحهم الله، فإنهم لا يدخلون أزواجه في آله عليه الصلاة والسلام.
عباد الله! هذه بعض فضائل آل بيت النبوة كما حفظتها كتب السنة، والتزمها أهل السنة والجماعة، أنزلوهم منازلهم اللائقة بهم من غير إفراط ولا تفريط، ففي صحيح البخاري عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، أن أبا بكر -رضي الله تعالى عنه- قال: “ارقبوا محمداً في أهل بيته“، وفي الصحيحين أن أبا بكر -رضي الله عنه- قال لـعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: “والذي نفسي بيده! لقرابة رسول الله – ﷺ – أحب إليّ أن أصل من قرابتي“، وفي صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- شهد بالرضا لـعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- والسبق والفضل.
ولما وضع عمر -رضي الله عنه- الديوان بدأ بأهل النبي – ﷺ -، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول لـلعباس: “والله لإسلامك أحب إليّ من إسلام الخطاب؛ لحب النبي – ﷺ – لإسلامك“، كما استسقى عمر -رضي الله عنه- بدعاء العباس، وأكرم -رضي الله عنه- عبد الله بن العباس وأدخله مع الأشياخ، كل ذلك في صحيح البخاري وغيره.
وقد روى إمام أهل السنة أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- في فضائل أهل البيت، وحفظ للأمة أحاديث كثيرة منها ما رووا عن عبد المطلب بن ربيعة -رضي الله عنه-، أن النبي – ﷺ – قال لعمه العباس: “والله لا يدخل قلب مسلم إيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي“.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: “ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويحبون أهل بيت رسول الله – ﷺ – ويتولونهم، ويحفظون وصية رسول الله – ﷺ – فيهم، حيث قال: “أذكركم الله في أهل بيتي” (رواه مسلم.
وقال الطحاوي -رحمه الله تعالى-: “ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان، ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله – ﷺ – وأزوجه الطاهرات من كل دنس وذرياته المقدسين من كل رجس فقد برأ من النفاق“.
إن مذهب أهل السنة والجماعة زيادة حبهم وتعظيمهم واقتفاء أثرهم، والدفاع عنهم وعن منهجهم، وعن منهج أهل بيت النبي – ﷺ -، وقد اتخذوا ذلك ديناً وقربة إلى الله -عز وجل-، قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-: “لآله حق لا يشركهم فيه غيرهم، ويستحقون من زيادة المحبة والولاء والموالاة ما لا يستحقه سائر قريش، وقريش يستحقون ما لا يستحقه غيرهم من القبائل“.
وقال -رحمه الله تعالى- في موضع آخر: “وقد أوجب الله لأهل بيت رسول الله – ﷺ – على الناس حقوقاً، فلا يجوز لمسلم أن يسقط حقوقهم ويظن أنه من التوحيد، بل هو من الغلو والجفاء، ونحن ما أنكرنا إلا ادعاء الألوهية فيهم، وإكرام مدعي ذلك“، انتهى كلامه.
ومن ممن تطرفوا في حقهم كروا على مسائل العقيدة فحرفوها، كل ذلك تحت شعار محبة آل البيت، ثم أخذوا يعيثون فساداً في بقية شرائع الدين، وأطاعوا شيوخهم في التحليل والتحريم بلا هدى، حتى صاروا كمن قال الله فيهم: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ التوبة:31، فعظموا المشاهد وعطلوا المساجد، ناهيك عن أكل أموال الناس بالباطل، واستحلال فروج الحرائر، وتكفير عموم الأمة، وكن العداوة والبغضاء للعرب الذين هم مادة الإسلام وأصل الإسلام، كل هذا يحدث ويكون تحت لافتات النصرة لآل بيت نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وآل البيت بريئون من أعمالهم وعقائدهم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه. عباد الله! ولآل بيت محمد – ﷺ – حقوق أجملها بما يلي:
أولا: حقهم في الخمس والفيء كما قال الله عز وجل ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ الأنفال: 41 ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: “فآل بيت النبي – ﷺ – لهم من الحقوق ما يجب رعايتها، فإن الله جعل لهم حقاً في الخمس والفيء، وأمر بالصلاة عليهم، مع الصلاة على رسوله – ﷺ -، لكن ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- أن آل بيت النبي – ﷺ – إذا حرموا من الخمس والفيء وانقطع ذلك عنهم فإنه يجوز لهم أن يأخذوا الصدقة“.
ومن حقوقهم: اليقين الجازم بأن نسب رسول الله – ﷺ -، ونسب ذريته هو أشرف الأنساب، قال النبي – ﷺ -: “إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم“.
وأيضاً من حقوقهم: تحريم الزكاة عليهم، وذلك لكرامتهم وتنزيههم عن الأوساخ، ففي الصحيح أن النبي – ﷺ – قال: “إن الصدقة لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس“، لكن كما سبق إذا منعوا من الخمس والفيء فإن الزكاة جائزة لهم كما نص عليه ابن تيمية -رحمه الله-، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: “وأما تحريم الصدقة عليهم، فحرمت عليه -عليه الصلاة والسلام- وعلى أهل بيته؛ تكميلاً لتطهيرهم، ودفعاً للتهمة عنهم“.
ومن حقوقهم: زيادة محبتهم ومودتهم ونصرتهم، قال الله عز وجل: (﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ الشورى:23 .
ومن حقوقهم: الدفاع عنهم. ومن حقوقهم: بغض شانئهم ومبغضهم. ومن حقوقهم: معرفة فضلهم وسابقتهم. ومن حقوقهم: الصلاة عليهم.
عباد الله! وقد تسترت الرافضة بادعاء حبهم وموالاتهم، وأنهم وحدهم القائمون بهذا الحق، في حياتهم وبعد مماتهم، وأما سائر المسلمين فإنهم يعادون آل البيت ويكرهونهم، وبالغوا -قبَّحهم الله- في ذلك مبالغة واسعة، كان لها أثرها في القديم والحديث، وربوا أتباعهم وأولادهم على ذلك، ثم غالوا في حب علي -رضي الله عنه- حتى جعلوا له شيئاً من الألوهية طائفة منهم، كما أنهم بالغوا في كراهية من سواهم من صحابة رسول الله – ﷺ -، والحق الذي لا يشك فيه أي مسلم أن الرافضة أكثر الناس استغلالاً لمكانة آل البيت، والمتاجرة فيهم، أحياءاً وأمواتاً، ويتسترون وراء ذلك لهدم الإسلام والنيل من القرآن، ادعاء تحريفه، وتكفير الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-.
وهم كما ذكر ابن الجوزي -رحمه الله تعالى-: “أنهم كالقرامطة، فإن القرامطة لما أرادوا الدخول على الناس، وأرادوا تقرير مذهبهم دخلوا على الناس من باب محبة آل بيت النبي – ﷺ -، ثم بعد ذلك يغرسون في عقول أتباعهم أن أغلب آل البيت كفار، فإذا سئلوا: ما الدين الصحيح؟ قالوا: ما عليه الحكماء، ويقصدون بذلك مذهب الفلاسفة، إخوان الصفا الذي هو مذهبهم والذي هو كفر بواح“.
فأهل السنة والجماعة ولله الحمد وسط في آل بيت النبي – ﷺ -، بين الناصبة الذين ينصبونهم العداء، وبين الرافضة الذين يغلون فيهم، بل يعرفون لهم حقوقهم التي تقدمت، ويؤمنون بالله عز وجل، ويعتقدون ذلك شريعة يدينون الله عز وجل بامتثاله.
اللهم إنا نسألك محبتك، ومحبة نبيك محمد – ﷺ -، ومحبة آل بيته، اللهم إنا نؤمن بحبك وحب نبيك محمد – ﷺ -، وحب آل بيته، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
مشروع خطب الجمعة في إفريقيا |
||||
رقم الخطبة |
عنوان الخطبة |
معد الخطبة |
تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة |
المراجعة والنشر |
249 |
مصادر تلقي العقيدة الصحيحة |
قسم المشاريع |
14/06/1447هـ الموافق 04/11/2025م |
الأمانة العامة |
الخطبة الأولى
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ آل عمران: 102. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ النساء: 1. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ الأحزاب: 70-71.
أما بعد:
معاشر المسلمين: إنَّ العقيدة الإسلامية الصحيحة هي السبيل الوحيد للنجاة من عذاب الله تعالى، فهي التي تحدد علاقة العبيد بخالقهم جل وعلا، كما أنها تعصم المسلم من أن يتأثر بما يحيط به من عقائد فاسدة وتصورات وأفكار منحرفة، وكل رسل الله جاءوا بالدعوة للعقيدة الصحيحة، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ الأنبياء: 25 .أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب: 21).
وتتجلى أهمية العقيدة من كون تحقيق توحيد الألوهية وإفراد الله بالعبادة هو الغاية الأولى من خلق الإنس والجن، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ الذاريات:56، وأن قبول الله تعالى للأعمال متوقف على تحقق التوحيد من العبد، وكمال أعمال العبد تتوقف على كمال التوحيد؛ فأي نقص في التوحيد قد يحبط العمل أو ينقصه عن كماله الواجب أو المستحب، وفي الجملة فإن العقيدة الصحيحة هي الأساس الذي يقوم عليه الدين، وتصحّ معه الأعمال؛ كما قال تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ الكهف: 110، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ الزمر:65.
أيها المؤمنون: فإذا كان أمر العقيدة الصحيحة بهذا الأهمية، فهنا يظهر لنا مدى حاجتنا لمعرفة العقيدة لنتمسك بها، والمصادر التي نأخذ منها عقيدتنا الإسلامية الصافية، ولا سيما وأن قضية تلقي الدين والمعتقد لا بد أن يخضع لتمحيص وتدقيق؛ فهو طريقنا الذي نسير بها إلى الله، ولا بد من أن نتحرى استقامته من الاعوجاج، وخلوه من كل ما يكدر صفوه.
لذلك نقول –أيها المؤمنون– إنَّ مصادر العقيدة الإسلامية الصحيحة هي ثلاثة مصادر لا غير، منها نأخذ ديننا، ومن بين طياتها نقتبس معتقدنا؛ فهذا الدين العظيم واضح المعالم لا غموض في منابعه، ولا خفاء في مصادره؛ فقد حددها الشرع الحكيم، وأئمة الدين القويم، وهي:
المصدر الأول: القرآن، كتاب الله تعالى؛ وهو كلام الله المنزل على سيدنا محمد -ﷺ- المتعبد بتلاوته، والمنقول إلينا بالتواتر، المبدوء بسورة الفاتحة المختوم بسورة الناس، وهو الأصل الأول لأخذ العقيدة، قال تعالى: ﴿جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ المائدة: 15-16، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ﴾ النساء: 136؛ أي اعتقدوا جميع ما جاء في القرآن، وقال -ﷺ- : “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي“.
وأما المصدر الثاني: من مصادر تلقي العقيدة: السنة النبوية الثابتة -على صاحبها أفضل الصلاة والسلام-؛ وهي ما أضيف إلى النبي – ﷺ – من الأقوال والأفعال والتقريرات والصفات الخَلقية والخُلقية؛ فكل ما جاء عن رسول الله – ﷺ- صحيحا ثابتا يجب أخذه والتسليم له؛ فالسنة وحي مثل القرآن، أمرنا بالأخذ بها والتمسك بما جاء منها، قال تعالى عن رسول الله – ﷺ- : ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى﴾ النجم: 3-4، وقال -سبحانه وتعالى- مخاطبا أمهات المؤمنين: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾ الأحزاب: 34، والحكمة في هذا السياق هي السنة النبوية.
وقال -سبحانه وتعالى- لرسوله -ﷺ- : ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ النحل: 44؛ أي: لتبين للناس بالسنة ما نزل إليهم من القرآن.
وقال -ﷺ- في حديث العرباض بن سارية: “عليكم بسنتي“، وقال أيضا “ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه”، وقال -ﷺ-: “قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك“.
عباد الله: لقد كانت مسائل الاعتقاد وتوضيحها من أول وأولى ما علمه النبي -ﷺ- للأمة في سنتها المطهرة، وهو -ﷺ- أنصح الأمة وأفصحها، وأحرصها على أمانة البلاغ والرسالة؛ لهذا كانت نصوص السنة مع الكتاب هي معول أهل السنة، ومعتمدهم في الاستدلال على مسائل الاعتقاد.
عباد الله: إنَّ ما جاء عن رسول الله -ﷺ- يحتج به مطلقا -بشرط صحة ثبوتها-؛ فلا نفرق في ذلك بين الأحكام والعقائد من حيث حجيتها ومجالها، ولا بين المتواتر والآحاد من حيث ثبوتها وقبولها.
المصدر الثالث -عباد الله-: الإجماع؛ فهو مصدر من مصادر الأدلة الاعتقادية؛ لأنَّه يستند في حقيقته إلى الوحي المعصوم من القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وأغلب مسائل الاعتقاد هي محل إجماع بين الصحابة والسلف الصالح، وهذه الأمة لا تجتمع على ضلالة وباطل سواء في أمور العقيدة أو غيرها، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾، وقال – ﷺ -: “لا تجتمع أمتي على ضلالة“.
فإذن -أيها الأحبة- إذا اجتمع السلف الصالح في أمر من أمور الاعتقاد فإجماعهم حجة شرعية ملزمة لمن جاء بعدهم، وهو إجماع معصوم، ولا تجوز مخالفته، يقول ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: فدين المسلمين مبني على اتباع كتاب الله وسنة نبيه وما اتفقت عليه الأمة، فهذه الثلاثة أصول معصومة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد النّبي الأمي الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمّا بعد:
أيها المؤمنون: بعد أن عرفنا من أي المنابع نستقي عقيدتنا يجب أن نبين أن تلك النصوص من الكتاب والسنة لا تخضع لأي فهم، ولا يقبل فيها أي تفسير؛ بل ينبغي أن يكون فهم السلف الصالح؛ من الصحابة والتابعين وأتباعهم هو الحجة في فهم نصوص الوحي؛ فصحابة رسول الله -ﷺ- حضروا التنزيل وعلموا أسبابه، وفهموا مقاصد الرسول -ﷺ- وأدركوا مراده.. اختارهم الله تعالى على علم على العالمين سوى الأنبياء والمرسلين.
يقول الإمام الشافعي عنهم: “علموا ما أراد رسول الله -ﷺ-؛ عاماً وخاصاً، وعزما وإرشاداً، وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد، وورع وعقل، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من رأينا عند أنفسنا، ومن أدركنا ممن يرضى أو حكى لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا لرسول الله -ﷺ- فيه سنة إلى قولهم إن اجتمعوا، أو قول بعضهم إن تفرقوا، وهكذا نقول، ولم نخرج عن أقاويلهم، وإن قال أحدهم ولم يخالفه غيره أخذنا بقوله”.
ثم إن التابعين وتابعيهم قد حصل لهم من العلم بمراد الله ورسوله ما هو أقرب إلى منزلة الصحابة ممن هم دونهم؛ وذلك لملازمتهم لهم، واشتغالهم بالقرآن حفظا وتفسيراً، وبالحديث رواية ودراية، ورحلاتهم في طلب الصحابة وطلب حديثهم وعلومهم مشهورة معروفة.
فيجب أن نعتصم بحجية فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم؛ فهذا صمام أمان من التفرق والضلال، فلنقل بما قال به السلف، ونسكت عما سكتوا عنه، وليسعنا ما وسعهم.
أيها المسلمون: ولا يخفى على كل ذي عقل أن أمور الاعتقاد مبناها على التسليم بما جاء عن الله ورسوله؛ ظاهراً وباطناً، ما عقلناه من ذلك وما لم نعقله، ويجب أن نحصر وظيفة العقل في تدبر آيات الله تعالى، ومعرفة محاسن العقيدة والشريعة التي جاء بها الإسلام، ولنعلم أنه إنما هو آلة لفهم النصوص الشرعية واستخلاص المعاني المرادة منها، ولنتيقن أن العقل يحتاج دائما إلى تنبيه الشرع وإرشاده إلى الأدلة، ولنتجنب كل دعوة للاعتماد على محض العقل؛ فإنه سبيل للتفرق والتنازع، وخوض العقل في أمور الإلهيات باستقلال عن الوحي مظنة الهلاك وسبيل الضلال؛ فالعقل لن يهتدي إلا بالوحي، والوحي لا يلغي العقل.
هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية وأزكى البشرية محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بذلك في قوله:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ الأحزاب:56
مشروع خطب الجمعة في إفريقيا |
||||
رقم الخطبة |
عنوان الخطبة |
معد الخطبة |
تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة |
المراجعة والنشر |
248 |
أهل السنة والجماعة |
الشيخ عبد الرحمن السديس – خطيب الحرم المكي |
07/06/1447هـ الموافق 28/11/2025م |
الأمانة العامة |
الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، نحمدُه – سبحانه – على نعمِه السوابِغ، وآلائِه البوالِغ.
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، خصَّنا بعقيدةٍ بَلجَاء أفعَمَت العالمين بسُمُوِّها وسَناها، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه جلَّى معالِمَ رُقيِّ الحضارة وأقامَ صُواها، اللهم صلِّ عليه وعلى آلهِ صفوةِ الخليقَة سيرةً وأزكاها، وصحبِه الكرامِ البرَرَة البالِغين من ثُريَّا الأمجاد عُلاها، والتابِعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلِّم يا رب تسليمًا طيبًا مُبارَكًا لا يتناهَى.
أما بعد: فاتَّقُوا الله – عباد الله -؛ فمن اتَّقاه حفِظَه بحفظِه، وبرعايتِه رعاه، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ الأحزاب: 70، 71.
معاشرَ المُسلمين: في ظلِّ التحديَات والأزمات المُعاصِرة واحتِدامها، وجديد المُتغيِّرات والصِّراعات واشتِدادِها، تعترِي بعضَ القلوب سُجُف الشُّبُهات الغُدافيَّة، والخواطِر الجانِحة غير السوِيَّة، التي تُعيقُ مسيرَة الأمة الفِكريَّة والحضاريَّة، وتُحَتِّمُ بين الفَينَة والأخرى وقفةً جادَّةً لتصحيحِ المسارِ، وإبراز المعالِم الحقَّة وتجلِيَة الشِّعار، وبيان المنهَج المُتلألِئ الوضَّاح الذي كانَ عليه سلَفُنا الصالحُ أهلُ السنَّة والجماعة – رضي الله عنهم أجمعين -، فهم خيرُ الناس على مرِّ العُصور واختِلاف الأجناس.
في “الصحيحين” من حديث عبد الله بن مسعُودٍ – رضي الله عنه -، أن النبي ﷺ قال: (خيرُ الناسِ قَرني، ثم الذين يلُونَهم، ثم الذين يلُونَهم).
أمة الإسلام: وإن الارتباط التأريخيَّ الوَثيق، والانتِماءَ الحضاريَّ العَريق ليُؤكِّدُ أنه ليس غيرُ العقيدة الإسلامية الصافِية جامِعًا للعِقد المُتناثِر، ومُؤلِّفًا للشَّتاتِ المُتناكِر، وناظِمًا للرأي المُتنافِر. وهذا هو المعلَم الأولُ من معالِم المنهَج الوضَّاء لسلَفِنا الأصفِياء من الصحابة الأتقِياء، والتابعين الأوفِياء.
يُتوِّجُ هذا المعلَم المُهمَّ التوحيدُ الخالِصُ لله، والإخلاصُ له في القولِ والعملِ، ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ البينة: 5.
والرُّجوعُ إلى القرآن الكريم والسنَّة المُطهَّرة في كل صغيرٍ وكبيرٍ، عملاً بقولِه – سبحانه: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ النساء: 59.
كُن في أمورِك كلِّها مُتمسِّكًا *** بالوحيِ لا بزخارِفِ الهذَيَانِ
وانصُر كتابَ الله والسُّنَنَ التي *** جاءَت عن المبعُوثِ بالفُرقانِ
ومن هنا يتبيَّن – يا رعاكم الله – أنه لا إشكالَ في تحديدِ المُصطلح لأهل السنَّة والجماعة؛ فهو يسَعُ – بحمدِ الله – أهلَ الإسلام والمِلَّة أتباعَ الكتاب والسنَّة، في منهَجٍ يتسامَى عن الطائفيَّة والمذهبيَّة، والعصبيَّة والحِزبيَّة.
وإن من القُصور في التصوُّر والنظَر، وضعفِ المعرفةِ وقِلَّة الإدرَاك: قَصرَ هذا المنهَج الوضَّاء على مذهبٍ مُعيَّن، أو علمٍ مُبيَّن، أو مكانٍ أو زمانٍ مُحدَّدَين، فهم الطائفةُ المنصُورة، والفرقةُ الناجِية، وضابِطُها قولُ المُصطفى ﷺ: (مَن كان على مثلِ ما أنا عليه اليوم وأصحابِي (رواه الطبراني في “الأوسط”، والحاكم في “المستدرك” بسندٍ صحيحٍ.
إخوة الإسلام: وإن من المعالِم العظيمة لمنهَج أهل السنَّة والجماعة – رحمهم الله – شعيرةً من أخصِّ خصائصِهم؛ بل سِمةً بارِزةً من سِماتِ منهَجهم الأغَرِّ، حتى نُسِبُوا إليها وعُرِفُوا بها، إنها: شعيرةُ لُزُوم الجماعة، وما تقتَضِيه من السَّمع والطاعة، يقول – سبحانه : ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ آل عمران: 103.
قال ابنُ مسعودٍ – رضي الله عنه -: “حبلُ الله هو الجماعة”.
وعن ابنِ عُمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسولُ الله ﷺ : (لن تجتمِع أمَّتي على ضلالةٍ، فعليكُم بالجماعة؛ فإن يدَ الله على الجماعة (أخرجه الطبراني بسندٍ صحيحٍ.
فالسَّلَفُ الصالحُ – رضي الله عنهم – أهلُ السنَّة والجماعة، ومن سارَ على دَربهم وهُداهم بعيدُون كلَّ البُعد عن مسالِك الفُرقة والخلافات، والتقسيمات والتصنيفات التي تُمزِّقُ الجمعَ النَّظيم، وتُبدِّدُ الشَّملَ الكريم.
أُمة الإيمان: وإن من أعظم معالِم المنهَج السلَفِيِّ منهج أهل السنَّة والجماعة: التوسُّط والاعتِدال في الأقوال، ومحضُ الوسطيَّة: التِزامُ هديِ خيرِ البريَّة – صلى الله عليه وسلم – ظاهرًا وباطنًا، واتِّباعُ هدي الخُلفاء الراشِدين المهديِّين، وسائر الصحابةِ – رضي الله عنهم أجمعين -، والبُعد عن البِدع والمُحدثات، ومُخالفةُ أهل الأهواء والضلالات. قال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ التوبة: 100 الآية. ففي هذه الآية: دلالةٌ واضِحةٌ على وجوبِ اقتِفاء أثَر السَّلَف الصالِح، من الصحابةِ – رضي الله عنهم – المُهاجِرين منهم والأنصار؛ إذ هم أعدلُ هذه الأمة وأفضُها، وأعلَمُها بدينِ الله. والتمسُّكُ بمنهَج السَّلَف لا يُنافِي الأخذَ بالتجديدِ في وسائل وآليَّات العصر، والإفادَة من مُعطياتِه وتِقاناتِه، في مُواكبَةٍ للمُعطيَات والمُكتسَبَات، ومُواءَمةٍ بين الثوابِتِ والمُتغيِّرات، والأصالةِ والمُعاصَرة.
معاشرَ المؤمنين: وإن مما يُثيرُ الأسَى: أن نرَى أقوامًا من أبناءِ المِلَّة في أعقابِ الزَّمن والخلَف قد فرَّطُوا فيما كان عليه منهَجُ السَّلَف، فاستقَوا كثيرًا من المزَالِّ من مشارِبِ أهل الزَّيغِ والضلالِ، وخالَفُوا الأسلافَ النُّجَباء، ومنهَجَهم البيِّنَ الوضَّاء، فقذَفُوا بأنفسِهم في مراجِلِ الفتنِ العميَاء، والمعامِعِ الهَوجَاء، وزجُّوا ببعضِ أبناءِ الأمة بإسراعٍ إلى بُؤَر الفتنِ والصِّراع، تحت راياتٍ عُمِّيَّة، ودعواتٍ جاهليَّة، في بُعدٍ واضِحٍ عن مسلَك الاعتِدال والوسطيَّة، وتشويهٍ لشَّعيرَة الجهادِ في سبيلِ الله ذِروة سَنامِ الإسلام، وضوابطِه الشرعيَّة.
وآخرين ضلَّ سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يحسَبُون أهم يُحسِنُون صُنعًا، يُلوِّحُون بأجوَف الوعيدِ، ويتردَّون في مهاوِي العصبيَّة والتهديدِ، انهمَكُوا في غواياتهم، وتغوَّلُوا في عماياتِهم. أقوالُهم من أكبر الكبائِر، وأفعالُهم من أبيَن الجرائِر.
وهل من الكِياسَة أو الحِكمةِ والحَصافَةِ توظيفُ المآسِي والأزمَات لتوجُّهاتٍ سياسيَّة، وانتِماءاتٍ فكريَّة، أو رفعُ الشِّعاراتِ والمُزايَدات، والتجريحِ والاتِّهامات؟!
وهذا تفريطٌ وجَفاء، ودينُ الله وسَطٌ بين الغالِي فيه والجافِي عنه، ولن يخدِمَ الأمةَ ويرعَى مصالِحَها جاهلٌ أو أحمق، أو خائِنٌ أو مُنفِّر، أو مُتفحِّشٌ من الخفافِيشِ أو الرُّويبِضَة، ومن شدَّد نفَّر، ومن لانَ تألَّف، والخيرُ كلُّ الخير في اتِّباع من سلَف.
أمة الإسلام: ومن المعالِم العُظمى، والقِيَم المُثلَى لأهل السنَّة والجماعة: رَبطُهم العقيدة بالأخلاقِ والقِيَم، وتعظيمُهم لأمرِ الدماء، والبُعد عن مسالِك العُنف والتكفير والخروج على الأئمَّة وحملِ السلاحِ على الأمة، أو نَقضِ البَيعَة الشرعيَّة اللازِمة في العُسر واليُسر، والمنشَط والمكرَه، عقيدةً وعبادةً وقُربةً، لأجلِ مصالِح دُنيويَّة، أو مُقايضَاتٍ ماديَّة، أو توجُّهاتٍ فكريَّة.
والقاعدةُ الشرعيَّة تنصُّ على: أن حُكمَ الإمام في الرعيَّة منُوطٌ بالمصلَحة، وقيامُهم بالحقِّ والقِسطِ والعدلِ على القريبِ والبعيدِ، والعدوِّ والصديقِ،
﴿َلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ المائدة: 8
ومنها ردُّ كل ما يُخالِفُ الكتاب والسنَّة. ولله درُّ الإمام الشافعيِّ – رحمه الله -؛ حيث قال: “يسقُطُ كلُّ شيءٍ خالفَ أمرَ النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولا يقومُ معه رأيٌ ولا قِياس؛ فإن الله قطعَ العُذرَ بقولِه – صلى الله عليه وسلم -“.
وقال الإمام الشاطبيُّ – رحمه الله -: “المقصدُ الشرعيُّ من وَضع الشريعَة: إخراجُ المُكلَّف عن داعِيةِ هواه حتى يكون عبدًا لله اختِيارًا، كما هو عبدٌ لله اضطِرارًا”.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب: 21).
باركَ الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفَعني وإياكم بما فيهما من الآياتِ والحكمة، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ الجليل لي ولكم من كل خطيئةٍ وإثمٍ، فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إنه كان للأوابِين غفُورًا.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله أسبغَ علينا نعَمًا تتالَت أفواجًا، وحذَّرَ ممن سعَى بالفتنِ بين المُسلمين وَدَاجا، والصلاةُ والسلامُ الأتمَّان الأكمَلان الأزكَيَان الأشرَفَان على النبي المُصطفى، وعلى آله وصحابتِه، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ وسارَ على نَهجِهم واقتفَى.
أما بعد: فاتَّقُوا الله – عباد الله -؛ فإن تقوَاه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب.
وقد بين لكم هديَ سيِّد الأنبياء، والصحابة الفُضَلاء، وأئمة الهُدى الأتقِياء الأوفِياء في العمل بالكتاب والسنَّة، ومُجانبَة البِدع والخُرافات، والآراء الشاذَّة والضلالات، وهو منهج السلَفيِّ السنِّيِّ السَّنِيِّ، صالح في كل زمانٍ ومكان.
عباد الله إن الدعوةَ مُلِحَّةٌ لمن شرَّفَهم الله بالسنَّة والجماعة .. حذارِ فيما بينهم الخلافات والانقِسامات، والمُشاحَنات والمُنازَعات، ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ الأنفال: 46
وأن يفقَهُوا أدبَ الاختِلاف فيما بينهم، لاسيَّما في فُروع الشريعةِ، وأن تسلَمَ صُدورُهم لإخوانِهم. فلن يستفيدَ من خلافاتهم البينيَّة إلا العدوُّ المُتربِّصُ المُمعِنُ في الكيديَّة.
فالحذرَ الحذرَ – يا أهل السنة والجماعة – من أن تُقدِّمُوا الخلافات فيما بينَكم على طبقٍ من ذهبٍ لأعدائِكم. ولم تكُن الحاجةُ بل الضرورةُ مُلِحَّةً لوَحدة أهل السنَّة والجماعة في زمنٍ أكثرَ وأشدَّ إلحاحًا منها في هذا العصرِ، الذي رُمُوا فيه عن قَوسٍ واحدةٍ، ولكن النصرَ والتمكينَ والعاقبةَ الحميدةَ لهم – بإذن الله -. فعليكم – عباد الله – بنَهجِ السلَف الصالِح أهل السنَّة والجماعة – رضي الله عنهم -، كما قال إمامُ دار الهِجرة الإمامُ مالكُ بن أنسٍ – رحمه الله -: “لن يصلُح أمرُ آخر هذه الأمة إلا بما صلَح به أولُها”. وأبلَغُ من ذلك وأعزُّ: قولُ المولَى – جلَّ وعزَّ: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ الأنعام: 153
هذا وصلُّوا وسلِّموا – رحِمَكم الله – على النبيِّ الأمين، فقال تعالى قولاً كريمًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ الأحزاب: 56، وقد قال – صلى الله عليه وسلم – فيما أخرجَه مُسلم في “صحيحه”: «من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حَوزَةَ الدين، واجعَل هذا البلد آمنًا مًطمئنًّا وسائِرَ بلاد المسلمين. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
اللهم ادفَع عنَّا الغلا والوبا، والرِّبا والزِّنا، والزلازِلَ والمِحَن، وسُوءَ الفتن ما ظهرَ منها وما بطَن، عن بلدِنا وعن سائرِ بلاد المُسلمين عامَّةً يا رب العالمين.
يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم برحمتِك نستغيثُ، فأصلِح لنا شأنَنا كلَّه ولا تكِلنا إلى أنفُسِنا طرفةَ عينٍ يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم فرِّج همَّ المهمُومين، ونفِّس كربَ المكرُوبين، واقضِ الدَّينَ عن المَدينين، واشفِ مرضَانا ومرضَى المُسلمين.
ربَّنا تقبَّل منَّا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم، واغفِر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وجميعِ المُسلمين والمُسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
الأمين العام لاتحاد علماء إفريقيا وبعض الأعضاء في بلد المقر يشاركون في حفل افتتاح المؤتمر العادي الخامس لجمعية مالي للاتحاد وتقدم الإسلام في مالي.
شارك الأمين العام لاتحاد علماء إفريقيا الدكتور سعيد محمد بابا سيلا وبعض الأعضاء في بلد المقر في حفل افتتاح المؤتمر العادي الخامس المزيد…
الأمين العام لاتحاد علماء إفريقيا وبعض الأعضاء في بلد المقر يشاركون في حفل افتتاح المؤتمر العادي الخامس لجمعية مالي للاتحاد وتقدم الإسلام في مالي.
شارك الأمين العام لاتحاد علماء إفريقيا الدكتور سعيد محمد بابا سيلا وبعض الأعضاء في بلد المقر في حفل افتتاح المؤتمر العادي الخامس لجمعية مالي للاتحاد وتقدم الإسلام في مالي، وهي الجمعية الإسلامية الاولى في مالي ، وكانت الوحيدة قبل نظام تعدد الجمعيات ، وتأسست قبل خمسة وأربعين عاما .
وذلك اليوم السبت 22 نوفمبر 2025م الموافق ل 01 جمادى الأخرى 1447هـ ، تحت شعار *”معا لسلام دائم”*
والمؤتمر ينعقد خلال اليومين 22-23 نوفمبر 2025م في مقر الجمعية في سوتيبا في باماكو العاصمة.
وإليكم بعض اللقطات من الفعالية مع خالص الشكر والتقدير وتحيات مكتب الأمانة العامة / قسم الإعلام والمعلوماتية


















































