مشروع خطب الجمعة في إفريقيا

رقم الخطبة

عنوان الخطبة

معد الخطبة

تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة

المراجعة والنشر

248

أهل السنة والجماعة

الشيخ عبد الرحمن السديس –  خطيب الحرم المكي

07/06/1447هـ  الموافق 28/11/2025م

الأمانة العامة

 

الخطبة الأولى

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، نحمدُه – سبحانه – على نعمِه السوابِغ، وآلائِه البوالِغ.

وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، خصَّنا بعقيدةٍ بَلجَاء أفعَمَت العالمين بسُمُوِّها وسَناها، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه جلَّى معالِمَ رُقيِّ الحضارة وأقامَ صُواها، اللهم صلِّ عليه وعلى آلهِ صفوةِ الخليقَة سيرةً وأزكاها، وصحبِه الكرامِ البرَرَة البالِغين من ثُريَّا الأمجاد عُلاها، والتابِعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلِّم يا رب تسليمًا طيبًا مُبارَكًا لا يتناهَى.

 أما بعد: فاتَّقُوا الله – عباد الله -؛ فمن اتَّقاه حفِظَه بحفظِه، وبرعايتِه رعاه، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ الأحزاب: 70، 71.

معاشرَ المُسلمين: في ظلِّ التحديَات والأزمات المُعاصِرة واحتِدامها، وجديد المُتغيِّرات والصِّراعات واشتِدادِها، تعترِي بعضَ القلوب سُجُف الشُّبُهات الغُدافيَّة، والخواطِر الجانِحة غير السوِيَّة، التي تُعيقُ مسيرَة الأمة الفِكريَّة والحضاريَّة، وتُحَتِّمُ بين الفَينَة والأخرى وقفةً جادَّةً لتصحيحِ المسارِ، وإبراز المعالِم الحقَّة وتجلِيَة الشِّعار، وبيان المنهَج المُتلألِئ الوضَّاح الذي كانَ عليه سلَفُنا الصالحُ أهلُ السنَّة والجماعة – رضي الله عنهم أجمعين -، فهم خيرُ الناس على مرِّ العُصور واختِلاف الأجناس.

 في “الصحيحين” من حديث عبد الله بن مسعُودٍ – رضي الله عنه -، أن النبي ﷺ قال: (خيرُ الناسِ قَرني، ثم الذين يلُونَهم، ثم الذين يلُونَهم).

 

 أمة الإسلام: وإن الارتباط التأريخيَّ الوَثيق، والانتِماءَ الحضاريَّ العَريق ليُؤكِّدُ أنه ليس غيرُ العقيدة الإسلامية الصافِية جامِعًا للعِقد المُتناثِر، ومُؤلِّفًا للشَّتاتِ المُتناكِر، وناظِمًا للرأي المُتنافِر. وهذا هو المعلَم الأولُ من معالِم المنهَج الوضَّاء لسلَفِنا الأصفِياء من الصحابة الأتقِياء، والتابعين الأوفِياء.

يُتوِّجُ هذا المعلَم المُهمَّ التوحيدُ الخالِصُ لله، والإخلاصُ له في القولِ والعملِ، ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ البينة: 5.

والرُّجوعُ إلى القرآن الكريم والسنَّة المُطهَّرة في كل صغيرٍ وكبيرٍ، عملاً بقولِه – سبحانه: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ النساء: 59.

كُن في أمورِك كلِّها مُتمسِّكًا *** بالوحيِ لا بزخارِفِ الهذَيَانِ

وانصُر كتابَ الله والسُّنَنَ التي *** جاءَت عن المبعُوثِ بالفُرقانِ

 ومن هنا يتبيَّن – يا رعاكم الله – أنه لا إشكالَ في تحديدِ المُصطلح لأهل السنَّة والجماعة؛ فهو يسَعُ – بحمدِ الله – أهلَ الإسلام والمِلَّة أتباعَ الكتاب والسنَّة، في منهَجٍ يتسامَى عن الطائفيَّة والمذهبيَّة، والعصبيَّة والحِزبيَّة.

وإن من القُصور في التصوُّر والنظَر، وضعفِ المعرفةِ وقِلَّة الإدرَاك: قَصرَ هذا المنهَج الوضَّاء على مذهبٍ مُعيَّن، أو علمٍ مُبيَّن، أو مكانٍ أو زمانٍ مُحدَّدَين، فهم الطائفةُ المنصُورة، والفرقةُ الناجِية، وضابِطُها قولُ المُصطفى ﷺ: (مَن كان على مثلِ ما أنا عليه اليوم وأصحابِي (رواه الطبراني في “الأوسط”، والحاكم في “المستدرك” بسندٍ صحيحٍ.

 

إخوة الإسلام: وإن من المعالِم العظيمة لمنهَج أهل السنَّة والجماعة – رحمهم الله – شعيرةً من أخصِّ خصائصِهم؛ بل سِمةً بارِزةً من سِماتِ منهَجهم الأغَرِّ، حتى نُسِبُوا إليها وعُرِفُوا بها، إنها: شعيرةُ لُزُوم الجماعة، وما تقتَضِيه من السَّمع والطاعة، يقول – سبحانه : ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ آل عمران: 103.

قال ابنُ مسعودٍ – رضي الله عنه -: “حبلُ الله هو الجماعة”.

وعن ابنِ عُمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسولُ الله ﷺ : (لن تجتمِع أمَّتي على ضلالةٍ، فعليكُم بالجماعة؛ فإن يدَ الله على الجماعة  (أخرجه الطبراني بسندٍ صحيحٍ.

 فالسَّلَفُ الصالحُ – رضي الله عنهم – أهلُ السنَّة والجماعة، ومن سارَ على دَربهم وهُداهم بعيدُون كلَّ البُعد عن مسالِك الفُرقة والخلافات، والتقسيمات والتصنيفات التي تُمزِّقُ الجمعَ النَّظيم، وتُبدِّدُ الشَّملَ الكريم.

 أُمة الإيمان: وإن من أعظم معالِم المنهَج السلَفِيِّ منهج أهل السنَّة والجماعة: التوسُّط والاعتِدال في الأقوال، ومحضُ الوسطيَّة: التِزامُ هديِ خيرِ البريَّة – صلى الله عليه وسلم – ظاهرًا وباطنًا، واتِّباعُ هدي الخُلفاء الراشِدين المهديِّين، وسائر الصحابةِ – رضي الله عنهم أجمعين -، والبُعد عن البِدع والمُحدثات، ومُخالفةُ أهل الأهواء والضلالات. قال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ التوبة: 100 الآية.  ففي هذه الآية: دلالةٌ واضِحةٌ على وجوبِ اقتِفاء أثَر السَّلَف الصالِح، من الصحابةِ – رضي الله عنهم – المُهاجِرين منهم والأنصار؛ إذ هم أعدلُ هذه الأمة وأفضُها، وأعلَمُها بدينِ الله.  والتمسُّكُ بمنهَج السَّلَف لا يُنافِي الأخذَ بالتجديدِ في وسائل وآليَّات العصر، والإفادَة من مُعطياتِه وتِقاناتِه، في مُواكبَةٍ للمُعطيَات والمُكتسَبَات، ومُواءَمةٍ بين الثوابِتِ والمُتغيِّرات، والأصالةِ والمُعاصَرة.

 معاشرَ المؤمنين: وإن مما يُثيرُ الأسَى: أن نرَى أقوامًا من أبناءِ المِلَّة في أعقابِ الزَّمن والخلَف قد فرَّطُوا فيما كان عليه منهَجُ السَّلَف، فاستقَوا كثيرًا من المزَالِّ من مشارِبِ أهل الزَّيغِ والضلالِ، وخالَفُوا الأسلافَ النُّجَباء، ومنهَجَهم البيِّنَ الوضَّاء، فقذَفُوا بأنفسِهم في مراجِلِ الفتنِ العميَاء، والمعامِعِ الهَوجَاء، وزجُّوا ببعضِ أبناءِ الأمة بإسراعٍ إلى بُؤَر الفتنِ والصِّراع، تحت راياتٍ عُمِّيَّة، ودعواتٍ جاهليَّة، في بُعدٍ واضِحٍ عن مسلَك الاعتِدال والوسطيَّة، وتشويهٍ لشَّعيرَة الجهادِ في سبيلِ الله ذِروة سَنامِ الإسلام، وضوابطِه الشرعيَّة.

وآخرين ضلَّ سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يحسَبُون أهم يُحسِنُون صُنعًا، يُلوِّحُون بأجوَف الوعيدِ، ويتردَّون في مهاوِي العصبيَّة والتهديدِ، انهمَكُوا في غواياتهم، وتغوَّلُوا في عماياتِهم. أقوالُهم من أكبر الكبائِر، وأفعالُهم من أبيَن الجرائِر.

وهل من الكِياسَة أو الحِكمةِ والحَصافَةِ توظيفُ المآسِي والأزمَات لتوجُّهاتٍ سياسيَّة، وانتِماءاتٍ فكريَّة، أو رفعُ الشِّعاراتِ والمُزايَدات، والتجريحِ والاتِّهامات؟!

 وهذا تفريطٌ وجَفاء، ودينُ الله وسَطٌ بين الغالِي فيه والجافِي عنه، ولن يخدِمَ الأمةَ ويرعَى مصالِحَها جاهلٌ أو أحمق، أو خائِنٌ أو مُنفِّر، أو مُتفحِّشٌ من الخفافِيشِ أو الرُّويبِضَة، ومن شدَّد نفَّر، ومن لانَ تألَّف، والخيرُ كلُّ الخير في اتِّباع من سلَف.

 أمة الإسلام: ومن المعالِم العُظمى، والقِيَم المُثلَى لأهل السنَّة والجماعة: رَبطُهم العقيدة بالأخلاقِ والقِيَم، وتعظيمُهم لأمرِ الدماء، والبُعد عن مسالِك العُنف والتكفير والخروج على الأئمَّة وحملِ السلاحِ على الأمة، أو نَقضِ البَيعَة الشرعيَّة اللازِمة في العُسر واليُسر، والمنشَط والمكرَه، عقيدةً وعبادةً وقُربةً، لأجلِ مصالِح دُنيويَّة، أو مُقايضَاتٍ ماديَّة، أو توجُّهاتٍ فكريَّة.

والقاعدةُ الشرعيَّة تنصُّ على: أن حُكمَ الإمام في الرعيَّة منُوطٌ بالمصلَحة، وقيامُهم بالحقِّ والقِسطِ والعدلِ على القريبِ والبعيدِ، والعدوِّ والصديقِ،

﴿َلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ المائدة: 8

ومنها ردُّ كل ما يُخالِفُ الكتاب والسنَّة. ولله درُّ الإمام الشافعيِّ – رحمه الله -؛ حيث قال: “يسقُطُ كلُّ شيءٍ خالفَ أمرَ النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولا يقومُ معه رأيٌ ولا قِياس؛ فإن الله قطعَ العُذرَ بقولِه – صلى الله عليه وسلم -“.

وقال الإمام الشاطبيُّ – رحمه الله -: “المقصدُ الشرعيُّ من وَضع الشريعَة: إخراجُ المُكلَّف عن داعِيةِ هواه حتى يكون عبدًا لله اختِيارًا، كما هو عبدٌ لله اضطِرارًا”.

أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم:  ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾  (الأحزاب: 21).

باركَ الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفَعني وإياكم بما فيهما من الآياتِ والحكمة، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ الجليل لي ولكم من كل خطيئةٍ وإثمٍ، فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إنه كان للأوابِين غفُورًا.

 

الخطبة الثانية

 

الحمدُ لله أسبغَ علينا نعَمًا تتالَت أفواجًا، وحذَّرَ ممن سعَى بالفتنِ بين المُسلمين وَدَاجا، والصلاةُ والسلامُ الأتمَّان الأكمَلان الأزكَيَان الأشرَفَان على النبي المُصطفى، وعلى آله وصحابتِه، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ وسارَ على نَهجِهم واقتفَى.

أما بعد: فاتَّقُوا الله – عباد الله -؛ فإن تقوَاه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب.

وقد بين لكم  هديَ سيِّد الأنبياء، والصحابة الفُضَلاء، وأئمة الهُدى الأتقِياء الأوفِياء في العمل بالكتاب والسنَّة، ومُجانبَة البِدع والخُرافات، والآراء الشاذَّة والضلالات، وهو منهج السلَفيِّ السنِّيِّ السَّنِيِّ، صالح في كل زمانٍ ومكان.

عباد الله إن الدعوةَ مُلِحَّةٌ لمن شرَّفَهم الله بالسنَّة والجماعة .. حذارِ فيما بينهم الخلافات والانقِسامات، والمُشاحَنات والمُنازَعات، ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ الأنفال: 46 

وأن يفقَهُوا أدبَ الاختِلاف فيما بينهم، لاسيَّما في فُروع الشريعةِ، وأن تسلَمَ صُدورُهم لإخوانِهم. فلن يستفيدَ من خلافاتهم البينيَّة إلا العدوُّ المُتربِّصُ المُمعِنُ في الكيديَّة.

 

فالحذرَ الحذرَ – يا أهل السنة والجماعة – من أن تُقدِّمُوا الخلافات فيما بينَكم على طبقٍ من ذهبٍ لأعدائِكم. ولم تكُن الحاجةُ بل الضرورةُ مُلِحَّةً لوَحدة أهل السنَّة والجماعة في زمنٍ أكثرَ وأشدَّ إلحاحًا منها في هذا العصرِ، الذي رُمُوا فيه عن قَوسٍ واحدةٍ، ولكن النصرَ والتمكينَ والعاقبةَ الحميدةَ لهم – بإذن الله -. فعليكم – عباد الله – بنَهجِ السلَف الصالِح أهل السنَّة والجماعة – رضي الله عنهم -، كما قال إمامُ دار الهِجرة الإمامُ مالكُ بن أنسٍ – رحمه الله -: “لن يصلُح أمرُ آخر هذه الأمة إلا بما صلَح به أولُها”. وأبلَغُ من ذلك وأعزُّ: قولُ المولَى – جلَّ وعزَّ: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾  الأنعام: 153

هذا وصلُّوا وسلِّموا – رحِمَكم الله – على النبيِّ الأمين،  فقال تعالى قولاً كريمًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ الأحزاب: 56، وقد قال – صلى الله عليه وسلم – فيما أخرجَه مُسلم في “صحيحه”: «من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».

 

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حَوزَةَ الدين، واجعَل هذا البلد آمنًا مًطمئنًّا وسائِرَ بلاد المسلمين. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

اللهم ادفَع عنَّا الغلا والوبا، والرِّبا والزِّنا، والزلازِلَ والمِحَن، وسُوءَ الفتن ما ظهرَ منها وما بطَن، عن بلدِنا وعن سائرِ بلاد المُسلمين عامَّةً يا رب العالمين.

يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم برحمتِك نستغيثُ، فأصلِح لنا شأنَنا كلَّه ولا تكِلنا إلى أنفُسِنا طرفةَ عينٍ يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم فرِّج همَّ المهمُومين، ونفِّس كربَ المكرُوبين، واقضِ الدَّينَ عن المَدينين، واشفِ مرضَانا ومرضَى المُسلمين.

ربَّنا تقبَّل منَّا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم، واغفِر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وجميعِ المُسلمين والمُسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

IMG_20251124_062758_154الأمين العام لاتحاد علماء إفريقيا وبعض الأعضاء في بلد المقر يشاركون في حفل افتتاح المؤتمر العادي الخامس لجمعية مالي للاتحاد وتقدم الإسلام في مالي.
شارك الأمين العام لاتحاد علماء إفريقيا الدكتور سعيد محمد بابا سيلا وبعض الأعضاء في بلد المقر في حفل افتتاح المؤتمر العادي الخامس المزيد…

الأمين العام لاتحاد علماء إفريقيا وبعض الأعضاء في بلد المقر يشاركون في حفل افتتاح المؤتمر العادي الخامس لجمعية مالي للاتحاد وتقدم الإسلام في مالي.
شارك الأمين العام لاتحاد علماء إفريقيا الدكتور سعيد محمد بابا سيلا وبعض الأعضاء في بلد المقر في حفل افتتاح المؤتمر العادي الخامس لجمعية مالي للاتحاد وتقدم الإسلام في مالي، وهي الجمعية الإسلامية الاولى في مالي ، وكانت الوحيدة قبل نظام تعدد الجمعيات ، وتأسست قبل خمسة وأربعين عاما .

  وذلك اليوم السبت 22 نوفمبر 2025م الموافق ل 01 جمادى الأخرى 1447هـ ، تحت شعار *”معا لسلام دائم”*
والمؤتمر ينعقد خلال اليومين 22-23 نوفمبر 2025م في مقر الجمعية في سوتيبا في باماكو العاصمة.

وإليكم بعض اللقطات من الفعالية مع خالص الشكر والتقدير وتحيات مكتب الأمانة العامة / قسم الإعلام والمعلوماتية

IMG_20251124_062349_753الأمين العام لاتحاد علماء إفريقيا الدكتور سعيد محمدبابا سيلا يلتقي بالقائم بالأعمال في السفارة الصينية في دولة المقر
التقى بالقائم بالأعمال المسؤول الاول في سفارة الصين في  باماكو السيد ليو كيوان المزيد… 

الأمين العام لاتحاد علماء إفريقيا الدكتور سعيد محمدبابا سيلا يلتقي بالقائم بالأعمال في السفارة الصينية في دولة المقر
التقى بالقائم بالأعمال المسؤول الاول في سفارة الصين في  باماكو السيد ليو كيوان، وذلك يوم الخميس ٢٠ نوفمبر ٢٠٢٥  بدعوة وترتيب من السفارة.

ودار اللقاء حول زيارة الأمين العام مع وفد إسلامي إلى الصين ، وتم تبادل الحديث حول الأوضاع المحلية والخارجية ، وسبل التعاون في المجالات المختلفة.

مع خالص الشكر والتقدير وتحيات مكتب الأمانة العامة / قسم الإعلام والمعلوماتية

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم الخطبة عنوان الخطبة معد الخطبة تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
247 حسن المعاملة مع الآخرين قسم المشاريع   30/05/1447هـ  الموافق 21/11/2025م الأمانة العامة

 

الموضوع:” حسن المعاملة مع الآخرين”

 

إن الحمد لله، نحمَده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له،

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران: 102.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ النساء: 1

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ الأحزاب: 70، 71.

 

 أما بعد:

فيا أيها الناس: في هذه الدنيا يعيش المرء مع الآخرين، ولا يمكن له العيش بمفرده منعزلًا عن الناس، منغلقًا عنهم، وكما قيل ما سمي الإنسان إنسانًا إلا لأنه يأنس بالغير، ويؤنس به.

وهذا شيء واضح واقعي، ولكن ليس كل أحد يصلح للمعاشرة والمصاحبة، وقد لا تجد في الناس بين المائة إلا واحدًا وهم يعزون ويقلون مع تقدم الزمن؛ كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر قال ﷺ “إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة”.

 

قال القاضي: “معناه لا تكاد تجد في مائة إبل راحلة تصلح للركوب، وطيئة سهلة الانقياد، فكذا تجد في مائة من الناس من يصلح للصحبة فيعاون صاحبه ويلين له جانبه” أ. هـ.

 معاشر المسلمين: من هذا المنطلق وجب على الجميع أن يعرف من يصاحب، وكيف يصاحب.

وفي الحقيقة أنه لا يكاد يصفو للمرء صاحبٌ على خلق سليم، فلا بد من خلل في كل شخص، ولكن الناس يتفاوتون فمستقل ومستكثر، وخير الأصحاب من يملك كيف يعامل صاحبة بالحسنى، وهذا هو موضوع خطبتنا لهذا اليوم: المعاملة الحسنة بين الناس.

أيها المسلمون: إن المسلم مطالب أن يحسّن معاملته في كل شيء، بدءًا بمعاملته مع الله -سبحانه- في أدائه لعباداته، قال تعالى : ﴿وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ البقرة: 195.

إن إحسان المعاملة مع الآخرين سبب لدخول الجنة؛ كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي مسعود البدري قال ﷺ: (حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَىْءٌ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ رَجُلاً مُوسِرًا يُخَالِطُ النَّاسَ فَيَقُولُ لِغِلْمَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ فَقَالَ اللَّهُ لِمَلاَئِكَتِهِ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ فَتَجَاوَزُوا عَنْه). 

 

وحسن المعاملة مع الآخرين، سبب لنيل رحمة الله، أخرج البخاري في صحيحه من حديث جابر قال ﷺ : (رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى).

بل إن حسن المعاملة مع الآخرين، تنفع العبد ولو قلت ودقت في أعين الناس فهي عند الله بالمنزلة العظيمة؛ كما أخرج مسلم من حديث أبي ذر قال ﷺ : (لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق).

وأخرج الترمذي في جامعه من حديث أبي هريرة قال ﷺ: (من أنظر معسرًا، أو وضع عنه، أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله).

 

أيها المؤمنون: إن أول ما يؤمر العبد به من حسن المعاملة بعد الله هو معاملة والديه، وذلك بالإحسان إليهما، وقد قرن الله حقهما بحقه في أكثر من موضع: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ الإسراء: 23. وقال: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾ الأحقاف: 15.

 

وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ فقال”أمك”، قال: ثم من؟ قال: “أمك”، قال: ثم من؟ قال: “أمك”، قال: ثم من؟ قال: “أبوك”.

ومن بعد الوالدين، الأهل والأزواج والعيال، أخرج الترمذي في جامعه من حديث عائشة قال ﷺ: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”.

 

 قال المناوى: “وكان أحسنَ الناس عشرة لهم حتى أنه كان يرسل بنات الأنصار لعائشة يلعبن معها، وكانت إذا هويت شيئًا لا محذور فيه تابعها عليه، وإذا شربت شرب من موضع فمها ويقبلها وهو صائم، وأراها الحبشة وهم يلعبون في المسجد وهي متكئة على منكبه، وسابقها في السفر مرتين فسبقها وسبقته، ثم قال: “هذه بتلك” وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة، وفي الصحيح أن نساءه كن يراجعنه الحديث، وتهجره الواحدة منهن يومًا إلى الليل، وجرى بينه وبين عائشة كلام، حتى أدخل بينهما أبا بكر حكمًا، كما في خبر الطبراني” أ. هـ.

 

 وأخرج البخاري ومسلم من حديث عن أبي هريرة قال ﷺ: (استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا).

أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال ﷺ: (لا يفركن مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها غيره).

لقد أوصى النبي ﷺ بالنساء خيرًا، حتى وهو في سكرات الموت: فليتق الله أقوام يظلمون نساءهم، وليتق الله أقوام جعلوا القوامة للزوجة، فقادت البيت للهاوية، وذلك ظلم لها للسماح لها بقيادة المنزل، وليست له بأهل.

ثم من بعد الأهل والأولاد، العمال والعاملات الذين يعملون معك، أخرج مسلم في صحيحه من حديث ابن مسعود قال ﷺ: (إذا جاء خادم أحدكم بطعامه فليقعده معه، أو ليناوله منه، فإنه هو الذي ولي حره ودخانه).

ثم بعد ذلك الجيران، أخرج ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قيل للنبي ﷺ: “إن فلانة تصوم النهار، وتقوم الليل، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال: “لا خير فيها هي في النار” قيل: فإن فلانة تصلي المكتوبة، وتصوم رمضان، وتتصدق بأثوار من إقط، ولا تؤذي أحدًا بلسانها؟ قال: “هي في الجنة”.

 

وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر قال: قال لي النبي ﷺ -: “إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك”. 

وأخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر قال ﷺ: “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه”.

اللهم ارزقنا حسن المعاملة، والراحة النفسية، يا رب العالمين. أقول قولي هذا…

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وكفى، وصلى الله على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن لآثارهم اقتفى

 أما بعد:

يا أيها الناس: لا شيء أثقل عند الله في الميزان يوم القيامة من حسن الخلق، أخرج الإمام أحمد وأبو داود من حديث أبي الدرداء، قا ل ﷺ: “ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق”

معاشر المسلمين: لقد كان النبي ﷺ آية لمن أراد حسن المعاملة مع الآخرين، ولهذا أثنى الله عليه في كتابه، فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ القلم: 4.

وقال: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ آل عمران: 159.

 ومن طالع سيرة النبي ﷺ استفاد الشيء الكثير في كيفية معاملة الناس، وكسب ودهم، ولهذا دخل الناس في دين الله أفواجًا، أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: “كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَقٌّ فَأَغْلَظَ لَهُ فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُ النَّبِىِّ ﷺ، فَقَالَ النَّبِىُّ ﷺ -: “إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً” فَقَالَ لَهُمُ: “اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ” فَقَالُوا: إِنَّا لاَ نَجِدُ إِلاَّ سِنًّا هُوَ خَيْرٌ مِنْ سِنِّهِ؟ قَالَ: “فَاشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ -أَوْ خَيْرَكُمْ- أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً”.

 

 وأخرج مسلم في صحيحه من حديث عائشة قالت: “ما ضرب رسول الله ﷺ بيده خادمًا له قط، ولا ضرب امرأة، ولا ضرب بيده شيئًا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا خير بين شيئين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما، حتى يكون إثمًا، فإذا كان إثمًا كان أبعد الناس من الإثم، وما انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه إلا أن تنتهك حرمات الله، فيكون هو ينتقم لله -عز وجل-“.

وأخرج البخاري ومسلم من حديث أنس قال: “كنت أمشي مع النبي ﷺ وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي ﷺ قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال: مر لي من مال الله الذي عندك؟ فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء”.

 

 أخرج البخاري في صحيحه من حديث عبد الله -رضي الله عنه- قال: “لما كان يوم حنين آثر النبي ﷺ أناسًا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسًا من أشراف العرب، فآثرهم يومئذ في القسمة، قال رجل: والله إن هذه القسمة ما عُدل فيها، وما أريد بها وجه الله، فقلت: والله لأخبرن النبي ﷺ فأتيته فأخبرته، فقال: “فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله، رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر”.

 

 وقد كانت المرأة تأخذ بيد النبي ﷺ في سكك المدينة فيقضي لها حاجتها، وكان يمازح الكبير والصغير بالمعروف، ولا يقول إلا حقًا، أخرج البخاري ومسلم واللفظ لمسلم من حديث أنس بن مالك قال: كان رسول الله ﷺ أحسن الناس خلقًا، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير، قال أحسبه قال: كان فطيمًا، قال: فكان إذا جاء رسول الله ﷺ فرآه، قال: “أبا عمير ما فعل النغير؟” قال: فكان يلعب به”.

أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة قال: قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا؟ قال: “إني لا أقول إلا حقًا”.

أيها الناس: لقد كان النبي ﷺ على درجة عالية من الخلق، وحسن المعاملة، حتى أحبه الصغير قبل الكبير، والعدو قبل الصديق، ولكن كانت معاملته مع الناس بلا إفراط ولا تفريط، وإنما كان يمزح ويخالط الناس بقدر، فهو ينفعهم ويفيدهم من غير أن يملوه أو يملهم، أو يحرجوه أو يحرجهم، وعلى هذا يجب أن يسير من أراد الراحة في الدنيا فالناس لا يملكون إلا بذلك.

عباد الله: إِنَّ الله وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.

اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه،

وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي،

وعن بقية الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا

رقم الخطبة

عنوان الخطبة

معد الخطبة

تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة

المراجعة والنشر

246

أحكام الجنازة

فضيلة الشيخ فوزان بن فوزان  

23/05/1447هـ  الموافق 14/11/2025م

الأمانة العامة

الموضوع:” أحكام الجنازة “

 

الحمد لله ربِّ العالمين، حكمَ بالموت على بني الإِنسان ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَام﴾ الرحمن:26-27.

وبعدَ الموت يودَعُون في القبور إلى يوم البعث والنشور، وأحمَدُه على كل حال.

وأشهَدُ أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبيرُ المتعال، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله أرسله بالهُدى ودينِ الحق، وبقمع الكفرِ والضلال، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه خيرِ صَحْبٍ وآله، وسلَّمَ تسليماً كثيراً.

 

 أما بعد:

 

أيُّها الناسُ: اتقوا الله -تعالى-، وتَذَكَّروا الموتَ، وقُربَ نزوله، فاستَعِدُّوا له بالأعمالِ الصالحةِ، والتوبةِ مِنَ الذنوب والسيئات، فإنَّ نسيانَ الموت يُقسي القلبَ، ويرغبُ في الدنيا، عن أبي هُريرة -رضي الله عنه- قال: قالَ رسولُ الله ﷺ: (أكثروا من ذكرِ هادمِ اللذات) يعني الموت. رواه ابنُ ماجة.

(إذا أمسيتَ فلا تنتظرِ الصباحَ، وإذا أصبحتَ فلا تَنتظر المساءَ، وخُذْ من صحتِك لمرضِك، ومن حياتِك لموتِك) رواه البخاري.

 

 وعن عبدِ الله عن النبي ﷺ قال: (الجنةُ أقربُ إلى أحدكم من شِراكِ نعلِهِ، والنارُ مثلُ ذلك) رواه البخاريُّ وغيره.

 عباد الله: إن تذكُّرَ الموتِ، يُزَهِّدُ في الدنيا، ويُحفزُ على العملِ الصالح، وعلى التوبة من الذنوب، والتخلُّصِ من مظالم العباد، وإعطاءِ الناس حقوقَهم، ولَمَّا كان الموت نهايةَ حياةِ الإنسان في هذه الدنيا، وقد شَرَعَ الله -سبحانه- للأمواتِ أحكاماً تجبُ معرفتُها وتنفيذها في أموات المسلمين، تُعْرَفُ بأحكامِ الجنائز، كانَ واجباً علينا معرفَتُها.

 

قال الإِمام ابنُ القيم -رحمه الله-: “كان هَدْيُ النبي ﷺ: في الجنائز أكملَ الهدي، مُخالفاً لهَدْيِ سائر الأمم، مشتملاً على الإِحسان إلى الميت ومعاملته بما ينفَعُه في قبرهِ ويوم معاده، وعلى الإِحسان إلى أهلهِ وأقاربه، وعلى إقامة عبودية الحي لله وحده فيها يعاملُ به الميت.

 

 وكانَ من هَدْيهِ في الجنائز: إقامةُ العبودية للربِّ -تبارك وتعالى- على أكملِ الأحوال، والإِحسانُ إلى الميت وتجهيزُه إلى الله على أحسنِ أحواله وأفضلِها. ووقوفُه ﷺ: ووقوف أصحابهِ صفوفاً يحمَدُون الله، ويستغفرون للميت، ويسألون له المغفرةَ والرحمةَ، والتجاوز عنه، ثم المشيُ بينَ يديه إلى أن يُودِعُوه في حُفرته، ثم يقومُ هو وأصحابه بينَ يديه على قبرهِ، سائلين له التثبيتَ، أحوجَ ما كان إليه، ثم يتعاهدُهُ بالزيارة له في قبرِه، والسلام عليه، والدعاء له، كما يتعاهَدُ الحيُّ صاحبَهُ في دارِ الدنيا.

 

 فأولُ ذلك: تعاهدُه في مرضِه، وتذكيرُهُ الآخرةَ، وأمرُه بالوصيةِ، والتوبةِ، وأمرُ مَنْ حَضَرَ بتلقينِه: شهادةَ أن لا إلهَ إلا الله، لتكونَ آخرَ كلامه.

 

فقد أجملَ الإِمامُ ابنُ القيم -رحمه الله- في هذه الكلمة الطيبة أحكامَ الجنائز، ونحن نفصِّلُها حسبَ الإِمكان.

فأولُ هذه الأحكام: أنه يُسْتَحَبُّ تلقينُ المحتضر: “لا إلهَ إلا الله”؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “لَقِّنُوا موتاكم “لا إلهَ إلا الله”رواه مسلم.

 

وذلك لتكونَ هذه الكلمة الطيبة آخرَ كلامه، ويُخْتَمَ له بها، فقد جاء في الحديث الذي رواه الإِمام أحمد وغيره مرفوعاً: “مَنْ كان آخرَ كلامه: “لا إلهَ إلا الله”، دَخَلَ الجنة”. ولأنَّ الشيطانَ يعرضُ للإِنسانِ في حالة احتضارِهِ، ليُفْسِدَ عقيدتَه، فإذا لُقِّنَ هذه الكلمةَ العظيمة، ونَطَقَ بها، فإنَّ ذلك يطرُدُ الشيطان، ويذَكِّرُه بعقيدةِ التوحيد.

 

ومن هذه الأحكام: أنه إذا ماتَ يُسرعُ في تجهيزِهِ: من تغسيله وتكفينه، والصلاة عليه، ونقله إلى قبره؛ لقولِ النبي ﷺ  “لا ينبغي لجيفةِ مسلمٍ أن تُحْبَسَ بينَ ظهراني أهلِه” رواه أبو داود.

 قال الإِمام ابنُ القيم -رحمه الله-: و”كانَ من هَدْيهِ ﷺ الإِسراعُ بتجهيزِ الميت إلى الله، وتطهيره، وتنظيفه، وتطييبه، وتكفينه في الثياب البِيض”. 

قال: “وكانَ يأمُرُ بغَسْلِ الميت ثلاثاً أو خمساً أو أكثرَ بحسب ما يراهُ الغاسلُ، ويأمرُ بالكافورِ في الغَسْلةِ الأخيرة، وكان يأمرُ مَنْ وَلِيَ الميتَ أن يُحْسِنَ كفنَه، ويكفنَه بالبياض، وينهى عن المغالاتِ في الكفنِ.

 والرجلُ يتولَّى تغسيلَه الرجالُ، والمرأةُ يتولَّى تغسيلَها النساءُ. ويجوزُ للرجل أن يغسلَ زوجتهَ.  وللمرأةِ أن تغسلَ زوجَها.

 

ومن تعذَّرَ غسلُه لعدمِ الماء، أو لكونِ جسمه محترقاً، أو متقطعاً، لا يتحملُ الماءَ، فإنه يُتَيَّمُ بالترابِ، وإن تعذَّرَ غَسْلُ بعضِه غُسِلَ ما أمكنَ غسلُه منه، ويُمِّمَ عن الباقي.

 

والسقطُ يُصَلَّى عليه، ويُدعى لوالديه، بالمغفرةِ والرحمة” رواه أحمد وأبو داود وغيرهما. 

فإذا غُسِلَ الميتُ وكُفِّنَ، فإنه يصلَّى عليه، والصلاةُ عليه جماعةً أفضلُ لفِعله ﷺ، وفعلِ أصحابه.

 قال الإِمام ابنُ القيم -رحمه الله-: “ومقصودُ الصلاةِ على الجنازة هو الدعاء للميت”.

 

وقالَ شيخُ الإِسلام ابن تيمية -رحمه الله- على قوله تعالى ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ ﴾ التوبة:84.

 لمَّا نهى الله نبيه عن الصلاة على المنافقين كان دليلاً على أن المؤمنَ يُصَلَّي عليه قبلَ الدفن، ويقامُ على قبرِهِ بعدَه.

ودلَّت الآية أيضاً على أنَّ الصلاةَ على المسلمين من أكبرِ القُربات، وأفضلِ الطاعات، ورتَّبَ الشارعُ عليها الجزاءَ الجزيل، كما في الصحاح، وغيرِها.

 

ودلَّت الآيةُ على أنَّ الصلاةَ عليه كانت عادةَ النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسلمين، وأمراً متقرراً عند المسلمين.

وكُلَّما كَثُرَ المصلُّون كان أفضلَ، لِما رَوَىَ مسلم في صحيحه: “ما مِنْ ميتٍ يُصَلِّى عليه أمةٌ من المسلمين يبلُغُونَ مئةً، كلُّهم يشفَعُون له، إلا شُفِّعُوا فيه.

 

ومَنْ فاتته الصلاةُ على الميت قبلَ دفنه، صَلَّى على قبره، لِما في الصحيحين من حديث أبي هريرة وابنِ عباس: “أنَّ النبي ﷺ صلَّى على قبرٍ، وذلك أنَّ امرأة سوداء كانت تَقُمُّ المسجدَ، ففقَدَها رسولُ الله ﷺ، فسأَلَ عنها، فقالوا: ماتت، فقال: أَفَلا كُنتم آذنْتُموني؟” قال: فكأنَّهم صَغَّرُوا أمرها، فقال: “دُلُّوني على قبرِها” فدلُّوه، فصلَّى عليها.

 ثم بعدَ الصلاةِ على الميتِ يبادرُ بحملِهِ إلى قبره.

 ويُستَحَبُّ للمسلمِ حضورُ الصلاة على أخيه المسلم، وتشييعُ جنازته إلى قبره، بسكينة وأدبٍ، وعدمِ رفع صوت، لا بقراءة ولا ذكر، ولا غير ذلك، فعن أبي هُريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله ﷺ -: “مَنْ شَهِدَ الجنازةَ حتى يُصَلِّى عليها فله قِيراطٌ، ومَنْ شَهِدَها حتى تُدْفَنَ فله قيراطانِ” قيل: وما القيراطانِ؟ قال: “مثل الجبلينِ العظيمين” متفق عليه.

 ويُسَنُّ توسيعُ القبر وتعميقه، ويوضَعُ الميتُ فيه موجهاً إلى القبلة على جنبهِ الأيمن، ويُسَدُّ اللَّحْدُ عليه سدّاً مُحْكَماً، ثم يُهالُ عليه الترابُ.

 

ويُرْفَعُ القبر عن الأرضِ قدرَ شِبْرٍ، ويكونُ مسنَّماً، أي: محدّباً، وذلك ليُرى فيُعْرَفَ أنه قبر فلا يُوطأَ، ولا بأسَ أن يُجعلَ علامةٌ عليه، بأن يوضَعَ عليه حجرٌ ونحوه، ليعرِفَهُ مَنْ يريدُ زيارته للسلام عليه، والدعاء له.

ولا تجوزُ الكتابةُ على القبر، لا كتابة اسم الميت، ولا غيرها.  ولا يجوزُ تجصيصُه، ولا البناءُ عليه.

 ولا تجوز إضاءةُ المقابر بالأنوار الكهربائية، ولا غيرها، لحديثِ جابر قال: “نَهَى رسولُ الله ﷺ أَنْ يُجَصَّصَ القبرُ، وأن يُعْقَدَ عليه، وأن يُبْنَى عليه” رواه أحمد، ومسلم، والنسائي، وأبو داود، والترمذي وصحَّحه.

 ولفظُه: “نَهَى أن تُجَصَّصَ القبورُ، وأن يُكْتَبَ عليها، وأن يُبْنَى عليها، وأنْ توطأَ”.

 

ولم يكن من هَدْيِهِ ﷺ تعليةُ القبور، ولا بناؤُها بآجُرٍّ، ولا بحجرٍ ولبن، ولا تشييدُها، ولا تطيينُها، ولا القِبابِ عليها، فكلُّ هذا بدعةٌ مكروهة مخالفةٌ لهَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم، وقد بَعَثَ عليَّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- إلى اليمن أن لا يَدَع تمثالاً إلاَّ طَمَسَه، ولا قبراً مُشْرِفاً إلا سَوَّاه”.

فسنتُه تسويةُ هذه القبورِ المشرفة كلها، ونهى أن يُجَصَّصَ القبرُ، وأن يُبنَى عليه، وأن يُكتبَ عليه، وكانت قبورُ أصحابِهِ لا مشرفةً ولا لاطئةً.

 

وهكذا كانَ قبرُهُ الكريم، وقبرا صاحبيه. فقبرُهُ صلى الله عليه وسلم مسنم مبطوحٌ ببطحاء العرضةِ الحمراء، لا مبنيٌّ ولا مُطَيَّنٌ.

 وهكذا كانَ قبرا صاحبيه. وكانَ يُعَلِّمُ قبرَ مَنْ يريدُ تعرُّفَ قبرهِ بصخرةٍ.

 ونهى صلى الله عليه وسلم عن اتخاذِ القبورِ مساجدَ، وإيقادِ السُّرُجِ عليها، واشتدَّ نهيُه في ذلك، حتى لَعَنَ فاعِلَه، ونهى عن الصلاةِ إلى القبور، ونَهَى أُمَّتَه أن يتخذوا قبرهَ عيداً، ولَعَنَ زوَّاراتِ القبور.

وكان هديُه: أَنْ لا تُهانَ القبورُ وتوطأ، وألا يُجْلَسَ عليها، ويتكَّأَ عليها، ولا تُعَظَّمَ بحيثُ تُتَّخَذُ مساجدَ، فيُصَلَّى عندها وإليها، أو تتخذُ أعياداً وأوثاناً.  وكان إذا زارَ قبورَ أصحابه يزورُها للدعاء لهم، والترحُّم عليهم، والاستغفارِ لهم.

 وهذه هي الزيارةُ التي سنَّها لأمته، وشَرَعَ لَهُم وأمرَهُم أن يقولوا إذا زاروها: “السلامُ عليكم أهلَ الديارِ من المؤمنين والمسلمين، وإنَّا إنْ شاء الله بكم لاحقون، نسألُ الله لنا ولكم العافية”.

 

وكانَ هديُهُ: أن يقولَ ويفعَلَ عند زيارتها من جنسِ ما يقولُه عند الصلاة على الميت من الدعاء، والترحُّمِ والاستغفار.

 فأبى المشركون إلا دعاء الميت، والإِشراك به، والإِقسام على الله به، وسؤال الحوائج، والاستعانة به، والتوجه إليه.

بعكس هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم، فإنه هديُ توحيدٍ وإحسانٍ إلى الميت، وهَدْيُ هؤلاءِ شِرْكٌ وإساءةٌ إلى نفوسهم، وإلى الميتِ.

 وهم ثلاثة أقسام: إما أن يدعو الميتَ، أو يدعو به أو عندَه. ويرَوْنَ الدعاءَ عنده أوجبَ وأولى من الدعاء في المساجد.

 

أيها المسلمون: ومن البدعِ المُحْدَثَةِ: القراءة عند الجنائز، أو عند القبور، قراءةُ الفاتحة أو قراءة شيءٍ من القرآن.

 يزعُمون أنَّ ذلك ينفَعُ الميتَ، وهذا بدعةٌ؛ لأنَّه لم يكن من سنةِ الرسولِ -صلى الله عليه وسلم-، ومن عوائدِ الكُفَّار، ومَنْ يُقَلِّدُهم من جهلةِ المسلمين، إلقاء أكاليل الزُّهورِ على القبور.

ومن عوائدِ الكُفَّار ومَنْ يُقَلِّدُهم من جهلة المسلمين اليومَ: إعلانَ الإِحدادِ على الأمواتِ، ولُبْسُ السواد، وتنكيسُ الأعلام، وتعطيلُ الأعمال الرسمية من أجلِ ذلك، والوقوفُ والصمتُ بضعَ دقائق لروح الميت، وما أشبهَ ذلك من عوائدِ الجاهلية الباطلة.

 فيجبُ على المسلمين الحذرُ من تقليدهم، والتشبه بهم.

 أيها المسلمون: إن الذي ينفَعُ الميتَ بعد موته، هو ما شَرَعَهُ الرسولُ ﷺ من المبادرةِ بقضاء ديونه، فإن المسلم مرتهَنٌ بدَيْنِهِ حتى يُقْضَى عنه، وتنفيذِ وصاياه الشرعية، والدعاءِ له، والتصدُّقِ عنه، والحجِّ والعمرة عنه، قالَ صلى الله عليه وسلم: “إذا ماتَ ابنُ آدم انقطَعَ عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جارية، وعلمٍ يُنتفع به، وولدٍ صالحٍ يدعو له”.

ومما يجبُ أن يُعْلَمَ: أنه يحرُمُ على النساء اتباعُ الجنائزِ، وزيارةُ القبور، لحديثِ أم عطية -رضي الله عنها- قالت: “نُهينا عن اتباعِ الجنائز”.

والنهيُ يقتضي التحريمَ. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: “أن رسولَ الله ﷺ (لَعَنَ زائراتِ القبور) صحَّحه الترمذي.

فالمرأةُ لا تزورُ القبور، لا قبرَ النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا قبرَ غيره، وإنما زيارةُ القبور خاصةٌ بالرجال.

فاتقوا الله -عبادَ الله-، ولا تَنْسَوُا الموتَ، فتغفُلوا عن العمل.

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون﴾ المنافقون:9-11 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ لله ربِّ العالمين ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ الملك:2.

وأشهَدُ أَنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خَلَقَ الخلقَ ورزقهم، ولم يتركْهُم هَمَلاً، بل أنزلَ عليهم الكتبَ، وأرسلَ إليهم رسلاً، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين تمسَّكُوا بسنَّتِهِ، ولم يرتَضُوا بها بدلاً، وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.

 

 أما بعد:

أيًّها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلَموا أنَّ الله شَرَعَ الصبرَ عند المصائب، ووعدَ الصابرين بجزيلِ الثواب، ونَهَى عن التسخُّطِ والجَزَعِ، وتوعَّدَ على ذلك بأليمِ العقاب، فنهى سبحانه عن عادةِ الأمم التي لا تؤمنُ بالبعث والنشور؛ من لطمِ الخدود، وشَقِّ الجيوب، وحلقِ الرؤوس، ورفعِ الصوت بالندب، والنياحة، وتوابعِ ذلك.

 أمَّا البكاءُ الذي لا صوتَ معه، وحُزْنُ القلب، فلا بأسَ بهما، وقد قالَ النبيُّ ﷺ : “تدمَعُ العينُ، ويحزَنُ القلبُ، ولا نقولُ إلا ما يُرضي الربَّ” رواه البخاري.

 

وتُستحبُّ تعزيةُ المصاب بالميتِ، وحثُّه على الصبرِ والاحتساب.  ولفظُ التعزية: أن يقولَ: أعظمَ الله أجركَ، وأحسنَ عزاءَك، وغَفَرَ لميتِك.

ولا ينبغي الجلوسُ للعزاءِ، والإِعلان عن مكانِ الجلوس للعَزاءِ.

قال الإِمام ابنُ القيم -رحمه الله-: وكان من هَدْيهِ ﷺ: تعزيةُ أهل الميت، ولم يكن من هَدْيِهِ أن يجتمعَ للعَزاءِ، ويقرأَ له القرآنَ، لا عندَ قبره ولا غيره، وكلُّ هذا بدعةٌ حادثة مكروهة.

وكانَ من هَدْيهِ: السكونُ والرضا بقضاءِ الله، والحمدُ لله، والاسترجاعُ.

ويبرأُ مِمَّنْ خَرَقَ لأجل المصيبةِ ثيابَه، أو رَفَعَ صوتَه بالندب والنياحة، أو حَلَقَ لها شعره. 

وكانَ من هَدْيِهِ: أَنَّ أهلَ الميت لا يُكَلَّفُونَ الطعام للناس، بل أمرَ أن يصنَعَ الناسُ لهم طعاماً يرسلونه إليهم، وهذا من أعظمِ مكارم الأخلاق، والشِّيَمِ، والحمل عن أهل الميت، فإنهم في شُغلٍ بمُصابِهم عن إطعامِ الناس.

وكان من هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم: تركُ نعي الميت، بل كان يَنْهَى عنه، ويقول هو عملُ الجاهلية.

وقد كَرِهَ حذيفةُ: أن يُعلِم به أهلُه الناسَ إذا مات، وقال: “أخافُ أن يكون من النعي”.

فهذا الذي حَذَّرَ منه ابنُ القيم يفعَلُه كثيرٌ من الناس اليوم، يجتمعون للعزاء، ويُعلنون عن مكانه في الصحف. 

وبعضُهم يهيِّئُونَ مكاناً لاجتماع الناس، ويصنعونَ الطعامَ، ويستأجرون المُقرئين.

وقد روى الإِمام أحمدُ عن جرير بن عبد الله قال: “كُنَّا نَعُدُّ الاجتماعَ إلى أهل الميت، وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحةِ” ورجالُ إسناده ثقات.

فلا ينبغي جلوسُ المُصابِ في مكان لأجلِ العزاء، بل يخرجُ لعملِه كعادته قبل المصيبة، ومَنْ لَقِيَه في طريقه، فإنه يُعزيه التعزيةَ المشروعة، أو في أي مكان.

ويذكر أنه في بعضِ الجهات يأتي الناسُ من بعيدٍ وقريب لأجل التعزية، ويأتُونَ معهم بأغنام وأكياس من الطعام، تُجْمَعُ عند المصاب، فيُذْبَحُ من الأغنام، ويطبخُ منها ومن الطعام، ويُقَدَّمُ للناس مدةً معينة من الأيام. 

وهذا العملُ بدعةٌ ومنكَرٌ، لا يجوزُ فعلُه، وصرفٌ للأموال والأوقات بغير فائدةٍ.

والواجبُ: العمل بسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا وفي غيره.

فإنَّ وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

عباد الله: إِنَّ الله وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.

اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه،

وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي،

وعن بقية الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

رئيس لجنة الأوقاف في مكتب إدارة اتحاد علماء إفريقيا ومسؤول البرامج والمشاريع في مكتب الأمانة العامة وبعض الأعضاء من دول الاتحاد يشاركون في برنامج رحلة العمرة العلمية.

سافر رئيس لجنة الأوقاف في مكتب إدارة اتحاد علماء إفريقيا الشيخ الأستاذ عبد الفتاح حسن أحمد من الصومال ومسؤول البرامج والمشاريع في مكتب الأمانة العامة الأستاذ إبراهيم سيلا للمشاركة في برنامج رحلة العمرة العلمية، والمخصصة في المزيد…

رئيس لجنة الأوقاف في مكتب إدارة اتحاد علماء إفريقيا ومسؤول البرامج والمشاريع في مكتب الأمانة العامة وبعض الأعضاء من دول الاتحاد يشاركون في برنامج رحلة العمرة العلمية.

 

سافر رئيس لجنة الأوقاف في مكتب إدارة اتحاد علماء إفريقيا الشيخ الأستاذ عبد الفتاح حسن أحمد من الصومال ومسؤول البرامج والمشاريع في مكتب الأمانة العامة الأستاذ إبراهيم سيلا للمشاركة في برنامج رحلة العمرة العلمية، والمخصصة في هذه النسخة للأوقاف وطرق تفعليها في إفريقيا .

والبرنامج بالتعاون مع بعض شركاء اتحاد علماء إفريقيا المتعاونة مع جمعية منافع الحجاج والمعتمرين والزوار.
والبرنامج يستمر من فترة 13 إلى 20 من شهر نوفمبر 2025م الجاري .
وتمنياتنا لهم بالتوفيق والنجاح.

مع خالص الشكر والتقدير وتحيات مكتب الأمانة العامة/ قسم الإعلام والمعلوماتية

الدكتور حياة محمد جبريلمن أعلام العلم والدعوة في إفريقيا

الدكتور حياة محمد جبريل

الكاميرون