مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم | عنوان الخطبة | معد الخطبة | التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
196 | الرقية الشرعية وضوابطها ومخالفتها | الشيخ محمد بن مبارك الشرافي | 19 /06 /1446هـ الموافق 20/12 /2024م | الأمانة العامة |
الموضوع: ” الرقية الشرعية وضوابطها ومخالفتها “
الْحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، وعَلِمَ السِرَّ وَالنَّجْوَى، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى حُلْوِ النِّعَمِ وَمُرِّ الْبَلْوَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، وَالصِّفَاتُ الْعُلَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى وَالرَّسُولُ الْمُجْتَبَى، ﷺ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ لِسُنَّتِهِ اقْتَفَى.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ شَرِيعَتُنَا الغَرَّاءُ وَمِلَّتَنَا السَّمْحَاءُ الرُّقْيَةَ الشَّرْعِيَّةَ، وَالنَّاسُ فِي حَاجَتِهَا دَوْمًا، وَنَحْنُ نَتَنَاوَلُهَا فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ عَلَى هَيْئَةِ مَسَائِلَ لِتَكُونَ أَيْسَرَ فِي الْفَهْمِ.
أَوَّلاً: مَا مَعْنَى الرُّقْيَةُ؟ الْجَوَابُ: مَعْنَاهَا الْقِرَاءَةُ، وَالْمُرَادُ الْقِرَاءَةُ عَلَى النَّفْسِ أَوِ الْغَيْرِ بِقَصْدِ الشِّفَاءِ مِنَ الْمَرَضِ.
ثَانِياً: بِمَاذَا تَكُونُ الرُّقْيَةُ؟ الْجَوَابُ: تَكُونُ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْكَلَامِ الصَّحِيحِ، وَأَنْفَعُ ذَلِكَ مَا كَانَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
ثَالِثاً: مَا الدَّلِيلُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الرُّقْيَةِ؟ الْجَوَابُ: أَمَّا مِنَ الْقُرْآنِ فَقَوْلِهِ –تَعَالَى ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ الإسراء:82.
وَأَمَّا السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ فَسَيَمُرُّ بِنَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ.
رَابِعاً: هَلِ الرُّقْيَةُ تَكُونُ قَبْلَ الْمَرَضِ أَوْ بَعْدَ وُقُوعِهِ؟ الْجَوَابُ: تَكُونُ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَبَعْدَ وُقُوعِهِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ كُلَّ لَيْلَةٍ يَرْقِي نَفْسَهُ، فَفِي صَحِيح ِالْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ النَّبِيَّ – ﷺ – كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقرَأَ فِيهِمَا: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. وَهَذِهِ سُنَّةٌ نَبَوِيَّةٌ غَفَلَ عَنْهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَجَهِلُوهَا.
خَامِساً: مَا شُرُوطُ الرُّقْيَةِ لِتَكُونَ شَرْعِيَّةً؟ الْجَوَابُ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّ شُرُوطَ الرُّقْيَةِ ثَلاثَةٌ: الأَوَّلُ: أَلَّا يَعْتَقِدَ أَنَّهَا تَنْفَعُ بِذَاتِهَا دُونَ اللهِ، فَإِنِ اعْتَقَدَ أَنَّهَا تَنْفَعُ بِذَاتِهَا مِنْ دُونِ اللهِ فَهُوَ شِرْكٌ مُحَرَّمٌ، والوَاجِبُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهَا سَبَبٌ لا تَنْفَعُ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ. الثَّانِي: أَلا تَكُونَ مِمَّا يُخَالِفُ الشَّرْعَ، كَمَا إِذَا كَانَتْ مُتَضَمِّنَةً دُعَاءَ غَيْرِ اللهِ، أَوِ اسْتِغَاثَةً بِالْجِنِّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا شِرْكٌ. الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنَ اللُّغَاتِ الْمَفْهُومَةِ الْمَعْلُومَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الطَّلَاسِمِ وَالشَّعْوَذَةِ فَإِنَّهَا لا تَجُوزُ.
سَادِساً: مَا الْأَمْرَاضُ التِي تَنْفَعُ مِنْهَا الرُّقْيَةُ؟ الْجَوَابُ: هِيَ نَافِعَةٌ -بِإِذْنِ اللهِ- مِنْ كُلِّ مَرَضٍ، لَكِنَّهَا أَنْفَعُ مَا يَكُونُ مِنَ الْعَيْنِ وَالْمَسِّ وَالسِّحْرِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَمْرَاضَ الثَّلاثَةَ لا يَنْفَعُ فِيهَا الطِّبُّ الْحَدِيثُ.
سَابِعاً: مَنِ الذِي يَرْقِي؟ هَلْ هُوَ إِمَامُ الْمَسْجِدِ أَمِ الْخَطِيبُ أَمْ مَنْ؟ الْجَوَابُ: لَيْسَ هُنَاكَ أَحَدٌ مُعَيَّنٌ هُوَ الذِي يَرْقِي، بَلْ كُلُّ مُسْلِمٍ يَصْلحُ أَنْ يَرْقِي، وَأَنْفَعُ مَا يَكُونُ أَنْ يَقْرَأَ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ وَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ. وَأَمَّا مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لا يَصْلَحُ لِلْقِرَاءَةِ إِلَّا أَشْخَاصٌ مُعَيَّنُونَ فَهَذَا خَطَأٌ، بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ فِيهِ نَوْعُ تَعَلُّقٍ بِغَيْرِ اللهِ.
ثَامِناً: مَا صُوَرُ الرُّقْيَةِ وَكَيْفِيَّتُهَا؟ الْجَوَابُ: لَيْسَ لَهَا كَيْفِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ لازِمَةٌ وَلَكِنْ هُنَاكَ كَيْفِيَّاتٌ تَنْفَعُ بِإِذْنِ اللهِ؛ فَمِنْهَا: أَنْ يَقْرَأَ عَلَى الْمَرِيضِ وَيَنْفُثَ كُلَّمَا قَرَأَ بَعْضاً مِنَ الْقُرْآنِ سَوَاءٌ كَانَتْ آيَةً أَوْ صَفْحَةً، فَلَيْسَ هُنَاكَ حَدٌّ مُعَيَّنٌ لابُدَّ مِنْهُ. وَمِنْهَا: أَنْ يَقْرَأَ وَيَمْسَحَ بِيَدِهِ عَلَى الْمَكَانِ الذِي يُؤْلِمُ الْمَرِيضَ. وَمِنْهَا: أَنْ يَقْرَأَ فِي مَاءٍ وَيَشْرَبُهُ الْمَرِيضُ أو يَغْتَسِلُ بِه.
تَاسِعَاً: مَا السُّوَرُ أَوِ الآيَاتُ التِي يُرْقَى بِهَا الْمَرِيضُ؟ الْجَوَابُ: لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ مُحَدَّدٌ، فَكُلُّ الْقُرْآنِ نَافِعٌ -بِإِذْنِ اللهِ-، وَلَكِنْ قَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِبَعْضِ الْمَوَاضِعِ فِي الْقُرْآنِ كَالْفَاتِحَةِ وَسُورَةِ الصَّمَدِ وَالْفَلَقِ وَالنَّاسِ، وَمِنْهَا: آيَةُ الْكُرْسِيِّ وَآخِرُ آيَتَيْنِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، بَلْ كُلُّ سُورَةِ الْبَقَرَةِ نَافِعَةٌ -بِإِذْنِ اللهِ-، وَكَذَلِكَ آخِرُ ثَلاثِ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْحَشْرِ، وَإِذَا كَانَ فِي الْإِنْسَانِ سِحْرٌ فَإِنَّهَا تُقْرَأُ عَلَيْهِ الآيَاتُ التِي فِيهَا ذِكْرُ السِّحْرِ، كَمَا فِي سُوَرِ الْبَقَرَةِ وَالْأَعْرَافِ وَيُونُسْ وَطَهَ.
وَمِنْ صُوَرِ الرُّقْيَةِ: أَنْ تَمْسَحَ بِيَدِكَ اليُمْنَى وَتَقُولُ: “اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ البَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا”. وَمِنْهَا أَنْ تجْعَلَ يَدَكَ الْيُمْنَى عَلَى الْمَكَانِ الذِي تَأْلَمُ وَتَقُولُ “بِسْمِ اللَّهِ” ثَلاثاً و”أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ، وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ، وَأُحَاذِرُ” سَبْعَ مَرَّاتٍ.
عَاشِراً: كَمْ مُدَّةُ الْقِرَاءَةِ باِلرُّقْيَةِ؟ الْجَوَابُ: لَيْسَ هُنَاكَ أَيَّامٌ مُحَدَّدَةٌ يَقْرَأُ فِيهَا ثُمَّ يَنْتَهِي، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَاضَ تَخْتَلِفُ قُوَّةً وَضَعْفاً، فَقَدْ يَحْتَاجُ الإِنْسَانُ أَنْ يَرْقِي نَفْسَهُ مَرَّةً وَيَزُولُ الْمَرَضُ -بِإِذْنِ اللهِ-، وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ لِأَيَّامٍ وَرُبَّمَا لِشُهُورٍ، وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ حَتَّى فِي الْعِلَاجَاتِ الْحِسِّيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ فيِ الْمُسْتَشْفَيَاتِ وَعِنْدَ الْأَطِبَّاءِ، فَبَعْضُ الأَمْرَاضِ يَأْخُذُ لَهَا حَبَّةً أَوْ حَبَّتَيْنِ، وَبَعْضُ الْأَمْرَاضِ يُعْطِيهِ الطَّبِيبُ عِلَاجاً يَسْتَمِرُّ عَلَيْهِ شَهْراً، بَلْ بَعْضُ الْأَمْرَاضِ يَكُونُ عِلَاجُهَا مُسْتَمِراً طُولَ الْحَيَاةِ، فَهَكَذَا الرُّقْيَةُ قَدْ تَحْتَاجُ لِأَيَّامٍ وَقَدْ تَتَطَلَّبُ شُهُوراً مِنَ الرُّقْيَةِ الْيَوْمِيَّةِ.
وَلِذَلِكَ يُخْطِئُ بَعْضُ النَّاسِ جِدًّا حِينَ يَرْقِي نَفْسَهُ مُدَّةً قَصِيرَةً ثُمَّ يَسْتَبْطِئُ الشِّفَاءَ، ثُمَّ يَقُولُ: الرُّقْيَةُ لَا تَنْفَعُ، ثُمَّ يَذْهَبُ لِلسَّحَرَةِ وَالْمُشَعْوِذِينَ؛ نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ أَنَّهُ صَبَرَ وَوَاصَلَ الرُّقْيَةَ لَحَصَلَ لَهُ بِإِذْنِ اللهِ النَّفْعُ، فَإِمَّا أَنْ يَزُولَ مَا يُعَانِي بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ يَخِفَّ وَيَشْفَى بَعْضَ الشَّيْءِ وَلا بُدَّ، وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ –تَعَالَى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى إِمَامِ الْمُتَّقِينَ وَخَاتَمِ الْمُرْسَلِينَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصْحَبْهِ وَالتَّابِعِينَ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ الحَادِيَةَ عَشْرَة أَنَّهُ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَتَعَوَّدَ أَنْ تَرْقِيَ نَفْسَكَ بِنَفْسِكَ وَلا تَبْحَثْ عَمَّنْ يَرْقِيكَ، وَذَلِكَ لِعِدَّةِ فَوَائِدَ:
أَوَّلاً: أَنَّ هَذِهِ هِيَ السُّنَّةُ فَقَدْ كَانَ رَسُولُنَا قُدْوَتُنَا – ﷺ – يَرْقِي نَفْسَهُ. وَثَانِياً: أَنَّ رُقْيَتَكَ لِنَفْسِكَ أَعْظَمُ فِي التَّعَلُّقِ بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، لِأَنَّكَ تَرْقِي نَفْسَكَ وَأَنْتَ تَرْجُو مِنْ رَبِّكَ الشِّفَاءَ. ثَالِثاً: أَنَّ رُقْيَتَكَ لِنَفْسِكَ أَقْوَى مِنْ رُقْيَةِ غَيْرِكَ؛ لِأَنَّكَ تُحِسُّ بِالأَلَمِ وَتَرْجُو أَنْ يَرْتَفِعَ مِنْكَ السَّقَمُ، وَقَدْ قِيلَ: مَا حَكَّ جِلْدَكَ مِثْلُ ظُفُرِكَ.
رَابِعاً: أَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَيْكَ، فَبَدَلاً مِنْ ذَهَابِكَ وَإِيَابِكَ لِلرَّاقِي والبَحْثُ عَنْه، تَبْقَى فِي بَيْتِكَ أَوْ مَسْجِدِكَ وَتَرْقِي نَفْسَكَ، وَرُبَّمَا تَجِدُ عِنْدَ الرَّاقِي زِحَاماً وَأُنَاساً غَيْرَكَ. خَامِساً: أَنَّكَ تَحْفَظُ تَوْحِيدَكَ وَدِينَكَ، فَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ إِذَا رَقَاهُمْ أَحَدٌ تَعَلَّقُوا بِهِ، وَرُبَّمَا نَسُوا اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ-، ونَسَبُوا الفضلَ لِغَيرِه، وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي صِفَاتِ السَّبْعِينَ أَلْفَاً الذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ “أَنَّهُمْ لا يَسْتَرْقُونَ”؛ أَيْ: لا يَطْلُبُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنْ يَرْقِيَهُمْ.
سَادِساً: بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ: أَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَأَبْعَدُ عَنِ الْفِتْنَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثانيَةَ عَشْرَة: التَّنْبِيهِ عَلَى بَعْضِ الْأَخْطَاءِ التِي تَقَعُ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الْفَضِيلَةِ الرُّقَاةِ، فَمِنْ ذَلِكَ اتْخَاذُ الرَّقْيَةِ مِهْنَةً وَمَصْدَرَ رِزْق… وَأَخْذُ الْمَالِ عَلَى الرُّقْيَةِ جَائِزٌ لَكِنْ لَا يُتَّخَذُ وَظِيفَة.
وَمِنْ ذَلِكَ الْمُبَالَغَةُ فِي الأَمْوَالِ الَّتِي يَأْخُذُونَهَا مِنَ الْمَرضَى، سَواءٌ كَانَ لِلْقِرَاءةِ أَوْ لِمَا يَبِيعُوْنَهُ. وَمِنْهَا الضَّرْبُ الْمُبَرِّحُ لِلْمَرِيضِ، وَاسْتِخْدامُ أَدَوَاتٍ فِي ذَلِكَ كَالْعُصِيِّ، وَالْكَيِّ بِالْكَهْرَبَاءِ. وَمِنْهَا اقْتِصَارُ الْبَعْضِ عَلَى إِسْمَاعِ الْمَرِيضِ آيَاتِ الرُّقْيَةِ مِنْ شَرِيطٍ مُسَجَّلٍ، دُونَ الْقِرَاءَةِ الْمُبَاشِرَةِ عَلَى الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ الرُّقْيَةَ لابُدَّ أَنْ تَكُونَ عَلَى الْمَرِيضِ مُبَاشَرَةً، وَلا تَكُونُ بِوَاسِطَةِ مُكَبِّرِ الصَّوْتِ وَلا بِوَاسِطَةِ الْهَاتِفِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُخَالِفُ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللهِ – ﷺ – وَأَصْحَابُهُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- فِي الرُّقْيَةِ المبَاشِرَةِ، وَقَد قَالَ – ﷺ : ( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْه فَهُوَ رَدٌّ” (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَمِنَ الْأَخْطَاءِ الْخَلْوَةُ بِالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَمَسُّ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهَا، بِأَيِّ حُجَّةٍ كَانَتْ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – ﷺ : (لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ”(رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
وَمِنَ الْأَخْطَاءِ التَّعَامُلُ مَعَ الْجِنِّ فِي فَكِّ السِّحْرِ، أَوْ فِي عِلَاجِ الْمَسْحُورِ، قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَأَمَّا اللُّجُوءُ إِلَى الْجِنِّ فَلَا؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى عِبَادَتِهِمْ وَتَصْدِيقِهِمْ؛ لِأَنَّ فِي الْجِنِّ مَنْ هُوَ كَافِرٌ وَمَنْ هُوَ مُسْلِمٌ وَمَنْ هُوَ مُبْتَدِعٌ، وَلا تُعْرَفُ أَحْوَالُهُمْ، فَلا يَنْبَغِي الاعْتِمَادُ عَلَيْهِمْ وَلا يُسْأَلُونَ.
فَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَ كُلَّ مُبْتَلَى وَأَنْ يَشْفِيَ كُلَّ مَرِيضٍ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا طَيِّبًا وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا، اللَّهُمَّ إِنَّا نعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ وَمِنْ قُلُوبٍ لَا تَخْشَعُ وَمِنْ نَفُوسٍ لَا تَشْبَعُ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَناَ الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنا آخِرَتَنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والْمُسْلمِينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، اللهم احْمِ حَوْزَةَ الدْينِ. اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَأْنَ بِلَادِ المسْلِمِينَ وَاحْقِنْ دِماءَهُم، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاكْفِهِمْ شَرَّ الأَشْرَارِ وَكَيْدَ الكُفَّارِ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلَاةَ أَمْرِنَا وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلَامِ واجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ
مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم | عنوان الخطبة | معد الخطبة | التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
195 | محمد بن عبد العزيز الشمالي | 12 /06 /1446هـ الموافق 13 /12 /2024م | الأمانة العامة |
الموضوع: “ تربية الأولاد “
الحمد لله الذي لا إله غيره، ولا رب سواه، أحمده سبحانه، من توكل عليه كفاه، ومن لاذ بجنابه حفظه وحماه، وسدده وتولاه، ومن تعلق بغيره فليس له من دونه ولي يتولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، هو الملك الكبير، السميع البصير، الحكيم ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله رحمة للعالمين أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله حق التقوى كما أمركم الله بذلك فقال : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ الحشر:18.
أيها المؤمنون: في زمنٍ تكالب فيه أعداء الإسلام على أهله، وفي زمنٍ كشر الشر فيه عن أنيابه، وفي زمنٍ انتشرت فيه وسائل الفساد وعمت وطمّت، كان لزامًا علينا -نحن الآباء والمربين وأولياء الأمور- أن نهتمّ بشأن تربية الأولاد، وأن نبحث عن كل ما مِن شأنه أن يعيننا على القيام بهذه المسؤولية.
وإن مما يحزن له القلب، ويتفتّت له الفؤاد، أن ترى كثيرًا من الناس قد أهملوا تربية أولادهم، واستهانوا بها، وأضاعوها، فلا حفظوا أولادهم، ولا ربوهم على البر والتقوى، بل ومع الأسف الشديد فإن كثيرًا من الآباء -أصلح الله أحوالهم- يكونون سببًا لشقاء أولادهم وفسادهم؛ قال ابن القيم -رحمه الله-: “وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته على شهواته، وهو بذلك يزعم أنه يكرمه وقد أهانه، ويرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوّت على ولده حظّه في الدنيا والآخرة”، ثم قال -رحمه الله–: “وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء”. انتهى كلامه -رحمه الله-.
أيها الآباء: إليكم هذه الوصايا وهذه المعالم التي تعينكم على القيام الحق بتوجيه أولادكم وتربيتهم التربية التي تسعدون بها في الدارين:
أولاً: سؤال الله الذرية الصالحة: فهذا العمل دأب الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين، كما قال تعالى عن زكريا -عليه السلام: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ آل عمران: 38. وكما حكى عن الصالحين أن من صفاتهم أنهم يقولون ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ الفرقان: 74 .
ثانيًا: غرس الإيمان والعقيدة الصحيحة في نفوس الأولاد: فمما يجب -بل هو أوجب شيء على الوالدين- أن يحرصوا كل الحرص على غرس العقيدة الصحيحة، وأن يتعاهدوها بالسقي والرعاية، كأن يعلّم الوالد أولاده منذ الصغر أن ينطقوا بالشهادتين، وأن يستظهروها، وينمي في قلوبهم محبة الله -عز وجل-، وأنّ ما بنا من نعمة فمنه وحده، ويعلمهم أيضًا أن الله في السماء، وأنه سميع بصير، ليس كمثله شيء، وأن ينمي في قلبه محبة نبيه محمد –صلى الله عليه وسلم-… إلى غير ذلك من أمور العقيدة.
ثالثًا: غرس القيم الحميدة والخلال الكريمة في نفوسهم؛ مِن صدق ووفاء واحترام وبذل وحسن خلق وطيب معشر وحُسن حديث وحبّ للعلم والعلماء وصبر وحِلم… وغيرها من الصفات الحميدة؛ فالطفل منذ نعومة أظفاره جوهرة لامعة، فمتى حرصت على هذه الجوهرة بقيت غالية وثمينة، ومتى أهملتها فقدت قيمتها ولمعانها، وأصبح من الصعب إعادتها إلى ما كانت عليه.
رابعًا: تنشئتهم على الآداب الإسلامية وتدريبهم عليها؛ من آداب الأكل والشرب، وآداب النوم، وآداب الضيافة، وآداب المجلس، وآداب السلام، وآداب قضاء الحاجة، وآداب الجار، وتشميت العاطس، وغير ذلك، فمتى اعتادها في الصغر نشأ عليها في الكبر، وسهل عليه القيام بها، وسرّ الأب بها، وأثنى الآخرون على حسن تربيته.
خامسًا: الحرص على استعمال العبارات المقبولة الطيبة مع الأولاد، والبعد عن العبارات السيئة؛ و البعد عن الإسفاف في مخاطبة الأولاد، والشتم واللجاج، وغير ذلك من العبارات البذيئة والسيئة.
سادسًا: الحرص على تحفيظهم كتاب الله -عز وجل-: فهذا العمل من أجلّ الأعمال التي يمكن أن يقوم بها الوالدان؛ فالاشتغال بحفظه والعمل به اشتغال بأعلى المطالب وأشرف المواهب، ثم إن فيه حفظًا لأوقاتهم وحماية لهم من الضياع والانحراف، فإذا حفظوا القرآن أثَّر ذلك في سلوكهم وأخلاقهم، وفجر ينابيع الحكمة في قلوبهم.
سابعًا: أن تكون قدوة صالحة لأولادك؛ يقول الله تعالى: ﴿وَكَانَ أُبُوهُمَا صَالِحًا ﴾ الكهف: 82 فينبغي للوالدين أن يكونا قدوة صالحة لأولادهما في الصدق والاستقامة وجميع شؤونهم، وأن يتمثلا ما يقولانه.
ومن الأمور المستحسنة في ذلك أن يقوم الوالدان بالصلاة أمام الأولاد؛ حتى يتعلم الأولاد الصلاة عمليًّا من الوالدين، وهذا من الحكم التي شرعت لأجلها صلاة النافلة في البيت.
ثامنًا: إبعاد المنكرات وأجهزة الفساد عن الأولاد: فمما يجب على الوالد تجاه أولاده أن يحميهم من المنكرات، وأن يطهر بيته منها، حتى يحافظ على سلامة فطر الأولاد وعقائدهم وأخلاقهم، ويجدر به أن يوجد البدائل المناسبة المباحة، سواء من الألعاب أو الأجهزة التي تجمع بين المتعة والفائدة، حتى يجد الأولاد ما يشغلون به وقت فراغهم. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
تاسعًا: أن تقدر مراحل العمر للأولاد: فالولد يكبر وينمو تفكيره، فلا بد أن تكون معاملته ملائمة لسنه وتفكيره واستعداده، وأن لا يعامل على أنه صغير دائمًا، ولا يعامل أيضًا وهو صغير على أنه كبير؛ فيطالب بما يطالب به الكبار، ويعاتب كما يعاتبون، ويعاقب كما يعاقبون ويدربهم على تحمل المسؤولية.
عاشرًا: العدل بين الأولاد: روى النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- أن أباه أتى به إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: إني نحلت ابني هذا غلامًا -أي: وهبته عبدًا كان عندي-، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: “أكلَّ ولدك نحلته مثله؟!”، فقال: لا، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: “فأرجعه”. رواه البخاري. وفي رواية: فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: “فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم”، قال فرجع فرد عطيته، وفي رواية: “فلا تشهدني إذًا؛ فإني لا أشهد على جور”. رواه مسلم.
فما قامت السماوات والأرض إلا بالعدل، ولا يمكن أن تستقيم أحوال الناس إلا بالعدل؛ فمما يجب على الوالدين تجاه أولادهما أن يعدلا بينهم، وأن يتجنّبا تفضيل بعضهم على بعض، سواء في الأمور المادية كالعطايا والهدايا والهبات، أو الأمور المعنوية كالعطف والحنان والفرح والحزن.
حادي عشر: عدم استعجال النتائج في التربية: فعلى الوالد -إذا بذل مستطاعه لولده وبيّن له وحذّره ونصح له واستنفد كل طاقته- أن لا يستعجل النتائج، بل عليه أن يصبر ويصابر ويستمر في دعائه لولده وحرصه عليه؛ فلربما استجاب الولد بعد حين وادَّكر بعد أمة.
ثالث عشر: استشارة من لديه خبرة بالتربية من العلماء والدعاة والمعلمين والمربين، ممن لديهم خبرة في التربية وسبر لأحوال الشباب وتفهم لأوضاعهم وما يحيط بهم وما يدور في أذهانهم، فحبذا استشارتهم والاستنارة برأيهم في هذا الصدد، فهذا الأمر يعين على تربية الأولاد.
أيها الآباء: أبشروا بمرضاة الرب -عز وجل-، وبقرار أعينكم بصلاح أبنائكم ونفعهم لكم في الدنيا وبرّهم بكم، وأعظم من ذلك بعد وفاتكم كما قال -عليه السلام-: “إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ”. رواه مسلم (1631)، وليس ذلك فحسب، بل إنهم نفع لكم في الآخرة لقوله -عليه السلام-: “إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ: أَنَّى لِي هَذِهِ؟! فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ”. رواه ابن ماجه (3660)، وأحمد (10232) واللفظ له، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ الطور: 21 . ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إمامًا.
أيها الآباء: اتقوا الله في أبنائكم، وربوهم على حب الله وخوفه ورجاء ما عنده، ربوهم على منهج الله، وعودوهم على الطاعة، وعلموهم العبادة، ربوهم على أن يعيشوا في الدنيا بمنظار الآخرة، فيتزودوا من ممرهم لمقرهم؛ حتى تكونوا وإياهم في الجنة في شغل فاكهين، وعلى الأرائك تنظرون.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذرياته وكل من سلك مسلكه واهتدى بهديه وتمسك بسنته إلى يوم الدين …
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه وأرنا الباطن باطلا وارزقنا اجتنابه
مشاركة الأمين العام في المؤتمر الدولي في يوغندا
في الفترة 9 إلى 10 ديسمبر 2024م شارك أمين عام اتحاد علماء إفريقيا الدكتور سعيد محمدبابا سيلا في المؤتمر الدولي الأول للمجلس الأعلى الإسلامي اليوغندي في مقر المجلس في كامبالا عاصمة يوغندا، بعنوان “قضايا فقهية معاصرة” المزيد…
مشاركة الأمين العام في المؤتمر الدولي في يوغندا
في الفترة 9 إلى 10 ديسمبر 2024م شارك أمين عام اتحاد علماء إفريقيا الدكتور سعيد محمدبابا سيلا في المؤتمر الدولي الأول للمجلس الأعلى الإسلامي اليوغندي في مقر المجلس في كامبالا عاصمة يوغندا، بعنوان “قضايا فقهية معاصرة”.
وشارك في المؤتمر رؤساء مجالس إسلامية ومفتون من عدة دول إفريقية .
وكان ضيف الشرف في المؤتمر معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي في جدة البروفيسور قطب مصطفى سانو عضو الشرف في اتحاد علماء إفريقيا .
وممن شارك بورقة رئيس اللجنة المحلية للاتحاد في كينيا الدكتور المحامي حسن ناندوا، ومن أعضاء الاتحاد مفتي رواندا الشيخ موسى سانديغايا، والشيخ عمر فيري من زبنبابوي وعضو الشرف في اتحاد علماء إفريقيا الدكتور أبوبكر دكوري من بوركينافاسو ، وآخرون.
مع خالص الشكر والتقدير وتحيات مكتب الأمانة العامة، قسم الإعلام والمعلوماتية.
مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم | عنوان الخطبة | معد الخطبة | التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
194 | قسم المشاريع | 04 /06 /1446هـ الموافق 06 /12 /2024م | الأمانة العامة |
الموضوع: “ بِرُّ الوَالِدَيْنِ “
الحَمْدُ للهِ الآمِرِ بِالبِرِّ وَالإِحْسَانِ، النَّاهِي عَن الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ هَدَانَا لِلإِيمَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء 1.
عِبَادَ اللهِ: جُبِلَت النُّفُوْسُ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهَا، وَتَتَعّلَّقُ القُلُوْبُ بِمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ أَعْظَمُ إِحْسَاناً وَلَا أَكْثَرُ فَضْلاً -بَعْدَ إِحْسَانِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَفَضْلِهِ- عَلَى الإِنْسَانِ مِنْ إِحْسَانِ وَالِدَيْهِ إِلَيْهِ وَفَضْلِهِمَا عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ قَرَنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ حَقَّ الوَالِدَيْنِ بِحَقِّهِ سُبْحَانَهُ، وَالَّذِي هُوَ عِبَادَتُهُ وَتَوْحِيدُهُ وُالبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِعِظَمِ حَقِّهِمَا، وَجَزِيلِ فَضْلِهِمَا، قَالَ اللهُ تَعَالَى: )وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا( [النساء: 36]. وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: )وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا( [الإسراء: 23].
وَعَن ابْنِ مَسْعُودٍ t قَالَ: سَأَلْتُ النبيَّ ﷺ: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قالَ: “الصَّلاةُ علَى وقْتِها”، قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: “برُّ الوالِدَيْنِ”، قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: “الجِهادُ في سَبيلِ اللَّهِ”. متفق عليه. وَفِي هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ تَصْرِيحٌ وَاضِحٌ بِأَنَّ بِرَّ الوَالِدَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِي هُوَ ذِرْوَةُ سَنَامِ الِإسْلَامِ وَالَّذِي رَتَّبَ لَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنَ الأُجُورِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ.
هَذَانِ مَنْ لَيْسَ بَعْدَ اللهِ غَيْرُهُمَا # يُرْجَى رِضَــاهُ وَلَا يُعْصَى بِبُهْتَــــانِ
فَـلَا تَقُلْ لَهُمَـــا قَوْلاً يَسُــــوْؤُهُمَا # وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ مِنْ ذُلٍّ وَعِرْفَانِ
إِخْوَةَ الإِيْمَانِ: الوَالِدَانِ الـمُسْلِمَانِ بِرُّهُمَا وَاجِبٌ، وَالإِحْسَانُ إِلَيْهمَا مُتَعَيِّنٌ، وَطَاعَتُهُمَا مُتَحَتِّمَةٌ، أَمَّا إِذَا كَانَ الوَالِدَانِ غَيْرَ مُسْلِمَيْنِ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى أَرْشَدَنَا إِلَى مُصَاحَبَتِهِمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوْفاً حَتَّى لَوْ كَانَا يَأْمُرَانِ أَوْلَادَهُمَا بِمَا لَا يَرْضَاهُ اللهُ تَعَالَى، فَوَجَّهَنَا اللهُ سُبْحَانَهُ إِلَى عَدَمِ طَاعَتِهِمَا فِي الـمَعْصِيَةِ، مَعَ مُصَاحَبَتِهِمَا بِالـمَعْرُوفِ، كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَلَا: ) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا( [ لقمان: 15].
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أَسْمَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ e، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ e فَقُلْتُ: “إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟”، قَالَ: “نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ” متفق عليه. هَذَا فِي حَالِ الشِّرْكِ يَا عِبَادَ اللهِ؛ فَكَيْفَ يَكُونُ حَقُّهُمَا وَهُمَا مُسْلِمَانِ؟.
وَقَدْ سَطَّرَ سَلَفُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ وَأَجْمَلَ الدُّرُوسِ فِي بِرِّ الوَالِدَيْنِ: فَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: “بَلَغَتِ النَّخْلَةُ عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَعَمَدَ أُسَامَةُ بْن زَيْدٍ إِلَى نَخْلَةٍ فَنَقَرَهَا وَأَخْرَجَ جُمَّارَهَا فَأَطْعَمَهَا أُمَّهُ، فَقَالَوا لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ وَأَنْتَ تَرَى النَّخْلَةَ قَدْ بَلَغَتْ أَلْفًا، فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي سَأَلَتْنِيهِ، وَلَا تَسْأَلُنِي شَيْئًا أَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهَا” أخرجه الحاكم في المستدرك.
وَهَذَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، وَهُوَ مِنْ سَادَاتِ تَابِعِي التَّابِعِينَ، وَشَيْخُ الدِّيَارِ الـمِصْرِيَّةِ كَمَا وَصَفَهُ الإِمَامُ الذَّهَبِيُّ رَحِمَهُمَا اللهُ، كَانَ يَقْعُدُ فِي حَلْقَتِهِ يُعَلِّمُ النَّاسَ وَيَأْتِيهِ الطُّلَّابُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ لِيَسْمَعُوا عَنْهُ، فَتُنَادِيهِ أُمُّهُ وَهُوَ بَيْنَ طُلَّابِهِ: “قُمْ يَا حَيْوَةُ فَاعْلِف الدَّجَاجَ”، فَيَقُوْمُ مِن مَجْلِسِهِ وَيُنَفِّذُ أَمْرَهَا، وَيَتْرُكُ التَّعْلِيمَ، ثُمَّ يَعُودُ إِلَى طُلَّابِهِ إِذَا فَرَغَ مِمَّا طَلَبَتْهُ مِنْهُ أُمُّهُ.
عِبَادَ اللهِ: اعْلَمُوْا أَنَّ بِرَّ الوَالِدَيْنِ سَبَبٌ فِي سَعَةِ الرِّزْقِ، وَطُولِ العُمُرِ، وَالسَعَادَةِ فِي الحَيَاةِ، وَحُسْنِ الخَاتِمَةِ، والفَوْزُ فِي الآخِرَةِ.
أَعُوذُ بِاللهِ مِن الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ : )وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّـٰهُ وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا *وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا * رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِى نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَـٰلِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلاْوَّابِينَ غَفُوراً( . [ الإسراء: 23-25].
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، وَاحْفَظْنَا يَا رَبِّ مِن الفُحْشِ فِي الأَعْمَالِ وَزَلَّاتِ الأَلْسِنَةِ.
أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَا.. واستَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيْمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ.
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الـمُؤْمِنُونَ:
فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة:281].
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ لِلْوَالِدَيْنِ حُقُوْقاً عَظِيْمَةً عَلَى أَوْلَادِهِمَا، وَقَدْ جَاءَ التَّأْكِيْدُ عَلَى بَعْضِ صُنُوفِ البِرِّ بِالوَالِدَيْنِ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِي سُنَّةِ نَبِيِّهِ e وَمِنْهَا: الدُّعَاءُ لَهُمَا، فَيَدْعُو الوَلَدُ لِوَالِدَيْهِ بِالرَّحْمَةِ وَالـمَغْفِرَةِ، وَالِهدَايَةِ وَالصَّلَاحِ، وَتَيْسِيرِ الأُمُورِ، وَحُسْنِ الخَاتِمَةِ، وَرِضَا اللهِ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي حَالِ حَيَاتِهِمَا، وَيُكْثِرُ مِنْ ذَلِكَ بعْدَ مَوْتِهِمَا، فَعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ السَّاعِدِيِّ رt قَالَ: “بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟” قَالَ: “نَعَمْ، الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، -أي الدعاء لهما- وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ َصَدِيقِهِمَا”رواه ابن حبان في صحيحه.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: “أَنَّ رجُلًا مِنَ الأَعْرابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مكَّة، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمرَ، وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ، وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رأْسِهِ، قَالَ ابْنُ دِينَارٍ: فَقُلْنَا لهُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ! إِنَّهُمْ الأَعْرَابُ، وَهُمْ يَرْضَونَ بِاليَسِيرِ، فَقَالَ عبدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ: إِنَّ أَبَا هَذَا كَان وُدًّا لِعُمَرَ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ يقول: “إِنَّ أَبرَّ البِرِّ صِلَةُ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيه” رواه مسلم.
وَمِنْ بِرِّ الوَالِدَيْنِ: الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا، قَدْرَ الـمُسْتَطَاعِ فِي شَتَّى أَوْجُهِ البِرِّ وَالخَيْرِ، كَبِنَاءِ مَسْجِدٍ، أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ، أَوْ طِبَاعَةِ مُصْحَفٍ، أَوْ إِنْشَاءِ وَقْفٍ، أَوْ الـمُشَارَكَةَ فِيهِ، أَوْ إِطْعَامِ جَائِعٍ، أَوْ كِسْوَةِ مُحْتَاجٍ، أَوْ كَفَالَةِ يَتِيمٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَوْجُهِ الخَيْرِ الـمُتَعَدِّدَةِ.
وَمِنْ حُقُوْقِ الوَالِدَيْنِ: إِجَابَةُ نِدَائِهِمَا دُوْنَ تَرَاخٍ، وَقَدْ رَأَى بَعْضُ العُلَمَاءِ أَن يَقْطَعَ الإِنْسَانُ صَلَاتَهُ إِذَا كَانَتْ نَافِلَةً، لِيُجِيْبَ نِدَاءَ وَالِدَيْهِ.
وَمِنْ تِلْكَ الحُقُوْقِ: التَّوَاضُعُ لَهُمَا، وَمُعَامَلَتُهُمَا بِرِفْقٍ وَلِيْنٍ، وَتَقْدِيمِهِمَا فِي الكَلَامِ وَالـمَشْيِ والطَّعَامِ والـمَجْلِسِ وَالـمَرْكَبِ، احْتَرَاماً لَهُمَا وَإِجْلَالاً لِقَدْرِهِمَا.
وَمِنْ حُقُوْقِهِمَا: خَفْضُ الصَّوْتِ عِنْدَ الحَدِيثِ مَعَهُمَا، وَعَدَمُ إِزْعَاجِهِمَا إِنْ كَانَا نَائِمَيْنِ، وَاسْتِعْمَالُ أَعْذَبِ الكَلِمَاتِ وَأَجْمَلِهَا عِنْدَ الحَدِيثِ مَعَهُمَا.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الـمُؤْمِنُوْنَ: اللهَ اللهَ فِي بِرِّ وَالِدِيْكُمْ وَالإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَانِ، وَمَنْ كَانَ لَدَيْهِ تَقْصِيْرٌ فِي أَدَاءِ حُقُوْقِهِمَا، أَوْ وَقَعَ فِي شَيْءٍ مِن العُقُوْقِ فَلْيُبَادِرْ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ أَنْ تَقُوْلَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ، وَعَلَى مَا قَصَّرْتُ فِي حَقِّهِمَا.
عِبَادَ اللهِ: صَلُّوا وَسَلِّمُوا -رَحِمَكُمْ اللهُ- عَلَى النَّبِيِّ الـمُصْطَفَى، وَالرَّسُولِ الـمُجْتَبَى، كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلَكَ الـمَوْلَى -جَلَّ وَعَلَا-، فَقَالَ تَعَالَى قَوْلاً كَرِيمًا:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَرَحْمَةِ اللهِ لِلْعَالَمِينَ،
نَبِيِّنَا وَقُدْوَتِنَا وَسَيِّدِنَا مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ،
وَزَوْجَاتِهِ الطَّاهِرَاتِ أُمَّهَاتِ الـمُؤْمِنِينَ، وَصَحَابَتِهِ الغُرِّ الـمَيَامِينِ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إَلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالـمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالـمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ، وَاجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، وَسَائِرَ بِلَادِ الـمُسْلِمِينَ.
مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم | عنوان الخطبة | معد الخطبة | التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
193 | تأملات في سيرة أبي هريرة | الشيخ محمد بن عبد الرحمن العريفي | 27 /05 /1446هـ الموافق 28 /11 /2024م | الأمانة العامة |
الموضوع: ” تأملات في سيرة أبي هريرة رضي الله عنه”
الحمدُ للهِ عالمِ الخفيّاتِ، المطّلعِ على السرائرِ والنياتِ، لا يخفى عليه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماواتِ، أحمدُهُ –سبحانَه- أنْ هدانا للإسلام وما كنا لنِهتديَ لَولا أن هدانا الله، وأسألُهُ أن يجعلنا من خيرِ أمّةٍ أُخرِجت للناس، تأمرُ بالمعروفِ وتنهى عن المنكرِ وتؤمنُ بالله.
وأشهدُ أن لا إلهَ إلّا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له؛ ﴿ أمَرَ أن لا تعبدوا إلّا إيّاهُ ذلكَ الدِّينُ القيِّمُ ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يعلمون ﴾ ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ المبعوثُ رحمةً للناسِ بشيراً ونذيراً، لِتُطيعوهُ وتتَّبعوهُ لعلكم تُفلحون، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابهِ وسلَّمَ تسليماً.
أيها الإخوةُ المؤمنون: إنَّ لكلِّ أمَّةٍ عُظَماءَ تفخرُ بهم وتنشرُ سيرتَهم، وأعظمُ عظماءَ هذهِ الأمَّة: رسولُ اللهِ – ﷺ -، يقولُ اللهُ –عزَّ وجلَّ : ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ الفتح: 29 فأثْنَى –سبحانهُ- على أصحابِ نبيِّهِ ومدحَهم؛ لأنهم القدوةُ لمن أرادَ الاقتداءَ والسراجُ لمن أرادَ الاهتداء، ونقفُ في هذه اللَّحظاتِ مع سيرةِ عَلَمٍ من هؤُلاءِ الأعلامِ، يحفظُ اسمَهُ الصغيرُ قبلَ الكبيرِ، ويعرفهُ عوامُّ المسلمين قبل علمائهم، نقف ُمعَ الإمامِ الفقيهِ، المجتهدِ الحافظِ، بل مع سيِّدِ الحفَّاظِ الأثباتِ، صاحبِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مع أبي هريرةَ عبدِ الرَّحمنِ بنِ صخْرٍ الدَّوسي -رضي الله عنه-.
إنَّ من يتأملُ مسارَ حياتهِ، وينظرُ في إسلامهِ وطلبهِ للعلم، يجدُ عجباً من العَجب.. يجدُ رجلاً لا كالرجالِ، جمعَ إمامةَ العلمِ، مع إمامةِ الحفظِ، مع إمامةِ الجهادِ، والصدَقةِ والصيامِ والقيامِ، و الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر. ومع أنَّ أبا هريرةَ -رضي الله عنه-أسلمَ متأخِّراً وما صاحبَ رسولَ الله -ﷺ- إلا أربعَ سنواتٍ فقط إلّا أنه سبقَ فِئاماً أسلموا قبله، وذلك فضلُ اللهِ يؤتيهِ من يشاء
كان اسمهُ في الجاهليةِ عبدَ شمسٍ، فسماهُ النبيُّ – ﷺ – عبدَ الرحمن وقيلَ سماهُ عبدَ الله.
واشتُهر بكنيتهِ أبو هريرة؛ وذلك لأنه وجد هِرَّةً بريَّةً فأخذها وربَّاها، فاشتُهر بها، وكان – ﷺ – يسميهِ أبا هِرْ، ويقول له : “(الذَّكرُ خيرٌ من الأنثى) رواها الحاكم في المستدرك.
أبو هريرة -رضي الله عنه-، حمَل عن النبي – ﷺ – علماً كثيراً طيباً مباركاً فيه لم يُلْحق في كثرتهِ، حتى بلغَ ما رواه من الأحاديثِ خمسةَ آلافٍ وثلاثَمائةٍ وأربعةً وسبعين حديثاً، كما ذكر الحافظ الذهبي -رحمه الله-.
وروى عنه خلقٌ كثيرٌ من الصحابةِ، والتابعينَ وحتى بلغ عددُ أصحابه ثمانمائةٍ، كلهم يَغرِفونَ من بحرهِ، وَيَرِدُونَ حوضه..
أسلم -رضي الله عنه- في السنة السابعة للهجرة وعمره يزيدُ عن الثلاثين بقليل، ومنذُ أسلم لازمَ رسولَ الله – ﷺ – في مدخله ومخرجه ومسجده، وجميع مجالسه، فلا عجب أن يكون بهذه الملازمةِ أكثرَ الصحابة روايةً عن رسول الله – ﷺ -.
وقد حدَّث عن نفسه فقال: “إنكم تقولون: إنَّ أبا هريرة يكثرُ الحديثَ عن رسول الله – ﷺ – وتقولون: ما للمهاجرين والأنصار لا يحدِّثون مثله! وإنَّ إخواني من المهاجرين كان يَشغلُهم الصفْقُ بالأسواق، وكان إخواني من الأنصار يشغلهم عملُ أموالهم، وكنت امرأً مسكيناً من مساكين الصُّفة، ألزمُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- على مَلءِ بطني، فأحضُر حين يغيبون، وأعي حين ينسون، ثم قال: وإنَّ رسول الله – ﷺ – قال: ألا تسألني من هذه الغنائم التي يسألُني أصحابُك؟ قلت: أسألُك أن تعلمني مما علمك الله، فنزعَ نَمِرَةً كانت على ظهري، فبسَطها بيني وبينه، حتى كأنّي أنظرُ إلى القملِ يدُبُّ عليها، فحدثني حتى إذا استوعبتُ حديثَه، قال اجمعها فَصُرْها إليك، ففعلت فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ مَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ” رواه البخاري
ودعته عائشةُ أمُّ المؤمنين يوماً فقالت له: “يا أبا هريرة، ما هذه الأحاديثُ التي تبلُغنا أَنَّكَ تُحدِّثُ بها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هل سمعتَ إلا ما سمعنا؟! وهل رأيتَ إلا ما رأينا؟”، فقال: “يا أمَّاهُ، إنه كان يشغلُك عن رسول الله – ﷺ – المرآةُ والمِكْحَلة والتصنُّع لرسول الله – ﷺ -، ( وإني والله ما كان يشغلني عنه شيء” (روى ذلك الحاكم وصححه و وافقه الذهبي
وأخرج الترمذي وحسّنه أن رجلاً جاء إلى طلحةَ بنِ عبيدِ الله، فقال: يا أبا محمد، أرأيتَ هذا اليماني – يعني أبا هريرة– أهوَ أعلمُ بحديثِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- منكم؟! نسمعُ منه أشياءَ لا نسمعُها منكم، أم هو يقول على رسول الله – ﷺ – ما لم يقُل؟ فقال طلحةُ: “أمَّا أن يكون سمع مالم نسمع فلا أشكُّ، سأحدِّثك عن ذلك: إنا كنا أهلَ بيوتاتٍ وغَنَمٍ وعمل، كنا نأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طرفي النهار، وكان مِسكيناً، ضَيفاً على باب رسول الله – ﷺ – يدُه مع يدِه، فلا نشكُّ أنه سمع ما لم نسمع، ولا تجدُ أحداً فيه خيرٌ يقول على رسول الله – ﷺ – ما لم يقل”.
أيها الإخوة الكرام: ولم يبلغ أبو هريرة -رضي الله عنه- هذه الرُّتبةَ العظيمةَ من الرواية والدِّراية إلَّا بالتَّعبِ والجوعِ والنصَبِ، وصَدَقَ القائلُ: لَنْ تَبْلُغَ المَجْدَ حتَّى تلْعَقَ الصَّبِرَ.
ولقد حدَّثَ -رضي الله عنه- عن شيءٍ من الشدَّةِ التي لَقِيَها في ذلك، فقال: خرجتُ يوماً من بيتي إلى المسجد، فوجدت نفراً فقالوا: ما أخرجكَ؟ قلت الجوعُ، فقالوا: ونحنُ واللهِ ما أخرجَنا إلَّا الجوعُ، فمضينا فدخلنا على رسول الله – ﷺ – فقال: “ما جاءَ بكُم هذهِ الساعةِ؟ فأخبرناهُ، فدعا بطبقٍ فيه تمرٌ، فأعطى كلَّ رجلٍ منا تمرتين، فقال: “كلوا هاتين التمرتين واشربوا عليهما من الماء، فإنهما ستجزيانِكم يومَكم هذا”، قال: فأكلتُ تمرةً وخبَّأتُ الأخرى، فقال: يا أبا هريرة لمَ رفعتَها؟ قلت لأمِّي، قال: “كُلْها فسنُعطيكَ لها تمرتين” (رواها البيهقي في شعب الإيمان، وذكرها الذهبي في السير بإسناد حسن).
وكان أبو هريرة ذا لسانٍ سَؤولٍ وقلبٍ عَقولٍ؛ أما لسانهُ السَّؤول فيدلُّ عليه ما رواه البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله من أسعدُ الناس بشفاعتِك؟ قال: “لقد ظننت يا أبا هريرة ألَّا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أوّلَ منك؛ لِما رأيت من حرصك على الحديث؛ إنَّ أسعدَ الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلَّا الله خالصاً من نفسه”.
وأما قلبُهُ العَقول فيدل عليه سعةُ حفظه وفهمه وإدراكه، ومن ذلك ما رواه الحاكم وصححه عن أبي الزعيزعة – كاتب مروان أمير المدينة – قال: “أرسل مروان إلى أبي هريرة فجعل يسأله وجعلني خلف السرير، وأنا أكتب، حتى إذا كان رأسُ الحَول (أي بعد سنة) دعا به فأقعدَهُ من وراء الحجاب، فجعل يسأله عن ذلك الكتاب، فما زاد ولا نقص، ولا قدَّم ولا أخَّر”.
قال الذهبي -رحمه الله- بعدما أوردَ هذه الحكاية: “هكذا فليكن الحفظ”. وقال الشافعي: “أبو هريرة أحفظُ من روى الحديث في دَهرِه”.
وأخرج الحاكم في المستدرك أنه قيل لابن عمر -رضي الله عنهما-: “هل تُنكرُ مما يحدث بهِ أبو هريرةَ شيئاً؟ فقال: لا، ولكنه اجتَرأ وجَبُنَّا، فقال أبو هريرة: فما ذنبي إن كنت حفظتُ ونَسوا؟!”
لذا أيها الإخوة الكرام: لا يُلتفَتُ إلى من يقدح في الأحاديث صِحَّةً وضَعفاً، أو يتكلم في حفظ رُواتِها، وهو لا يفقهُ من علم الحديث ومصطلحه شيئاً.
وقد ذكر الذهبي -رحمه الله- في ترجمته لأبي هريرة -رضي الله عنه- حكاية ساقها بسند قال عنه: كلُّه إسنادٌ بأئِمةٍ ثقات، عن القاضي أبي الطيب قال: كنا في مجلسِ النَظَر بجامع المنصور، فجاء شابٌّ خراساني فسألَ عن مسألةِ المُصَرَّاةِ -والمصراةُ هي الناقة أو البقرة أو الشاة تُحبس عن الحَلْب أياماً حتى يكبُر ضَرعُها ثم تباع ليظن المشتري أنها دارّة كثيرة اللَّبن-.
قال: فأجيب عن سؤاله، فطالب بالدليل، فأسْندَ الناسُ حديثَ أبي هريرة الواردَ فيها، فقال الشاب وكان حنفياً مُتعصباً: أبو هريرة غيرُ مقبولِ الحديث، فما استتَمَّ كلامَه حتى سقطَ عليه حيةٌ عظيمةٌ من سقف الجامع، فوثبَ الناسُ من أجلها وهرب الشاب منها وهي تتبعه، فقيل له: تُبْ.. تُبْ، فقال: تُبْتُ، فغابت الحيَّةُ، فلم تتركْ أثَراً.. “اللهُ أكبر ! (﴿إنَّ اللهَ يُدافِعُ عنِ الَّذينَ آمنوا إنَّ اللهَ لا يحبُّ كلَّ مُختالٍ فَخُور ﴾ الحج: 38 .
قال – ﷺ -: “لا تَسُبُّوا أصحابي واللهِ لَو أنَّ أحدَكم أنفقَ مثلَ أُحُدٍ ذهباً، ما بلغَ مُدَّ أحدِهِم ولا نَصِيفَه” (رواه البخاري ومسلم
اللهم ارضَ عن أصحابِ نبيِّكَ و أَرضِهم. أقولُ قولي هذا وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبةُ الثانية:
الحمدُ للهِ أكمَلَ لنا الدِّين، وأتمَّ علينا النِّعمةَ، ورضيَ لنا الإسلامَ ديناً، أحمَدُهُ سبحانهُ وأشكُره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إلَه إلَّا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُه ورسولُه، ترَكَنا على المَحَجَّةِ البَيضاء.. ليلُها كنهارِها.. لا يزيغُ عنها إلَّا هالِك..
أمَّا بعد: أيها الإخوةُ الكرام: ولا بُدَّ لعبدٍ قد فتحَ اللهُ –تعالى- عليه هذا الفتحَ العظيم، من العلمِ الواسع، والسُّمعةِ والشُّهرةِ عند القاصي والداني، لا بد لهذا العبد من معاملةٍ خفيَّةٍ، عبادةٍ بينَه وبينَ ربِّه -عزَّ وجل-، يحفظُ بها هذه النِّعم (﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرْتُم لَأَزِيدَنَّكُم ﴾ إبراهيم: 7 ،
فكيف كانت عبادَتُه؟! قال أبو عُثمان النَّهْدي: “تَضَيَّفتُ أبا هريرة سَبعاً فكان هو، وامرأَتُه، وخادِمُه، يعْتَقِبون اللَّيلَ أثلاثاً: يصلي هذا، ثم يوقَظُ هذا فيصلي، ثم يوقَظُ الثالث”.
وقال عكرمة: “كان أبو هريرة -رضي الله عنه- يسبِّح كلَّ يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحةٍ ويقول: أُسبِّح بقدر دِيَتي أفتَكُّ بها نفسي من النار”.
وكان -رضي الله عنه- يصوم الاثنين والخميس. وكان متصدِّقاً مِعطاءً، حتى إنَّ مروان بنَ الحكم بعث إليه مِائةَ دينارٍ ذهباً، فلما كان من الغد أرسل إليه يقول: إنَّ خادمي غلِط فأعطاك الدنانير، وأنا لم أُرِدْك بها وإنما أردت غيرَك، فأُسْقِطَ في يدِ أبي هريرة، وقال: أخرجتُها في سبيل الله، ولم يبِت عندي منها دينار، فإذا خرجَ عطائي من بيت المال فخُذْها منه، وإنما فعل مروانُ ذلك ليختبرَهُ، فلما تحرَّى الأمرَ وجده صحيحاً.
ومع كلُّ ذلك.. لما نزل به الموتُ بكى فقيل: ما يُبكيكَ؟ قال: “ما أبكي على دنياكم هذه، ولكن على بُعدِ سفري وقِلَّةِ زادي وأني أمسيتُ في صُعود مَهبِطُه على جَنَّة أو نار، فلا أدري إلى أيِّهِما يُؤخَذُ بي”.
وكان يقول في مرضِ موتهِ: “اللهم إني أُحِبُّ لِقاءَك فأَحِبَّ لِقَائي”.
اللهم إنا نسألك أنْ تجمَعَنا بنَبِيِّك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابهِ في جنَّتِك يا ربَّ العالمين.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت إلى إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، سبحان ربك ربّ العزّة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ لله رب العالمين
الأمين العام وبعض أعضاء اتحاد علماء إفريقيا يشاركون في حفلة تخرج دفعة الحادي عشر من حافظات كتاب الله في مركز آسية بنت مزاحم للبنات
شارك الأمين العام الدكتور سعيد محمد بابا سيلا يوم الأحد 21 جمادى الأولى 1446هـ الموافق 24 نوفمبر 2024م في حفل تخرج الدفعة الحادي عشر لتحفيظ القرآن الكريم المسمى: دفعة العلامة شيخ كالي رحمه الله في مركز الثقافي في بادلابوغو باماكو المزيد…
الأمين العام وبعض أعضاء اتحاد علماء إفريقيا يشاركون في حفلة تخرج دفعة الحادي عشر من حافظات كتاب الله في مركز آسية بنت مزاحم للبنات
شارك الأمين العام الدكتور سعيد محمد بابا سيلا يوم الأحد 21 جمادى الأولى 1446هـ الموافق 24 نوفمبر 2024م في حفل تخرج الدفعة الحادي عشر لتحفيظ القرآن الكريم المسمى: دفعة العلامة شيخ كالي رحمه الله في مركز الثقافي في بادلابوغو باماكو
تحت
الرعي: آل كالي في طوبى
رعاية: السيدة فاطمة سيلا
وقد شارك في هذا الحفل الكريم كل من:
– الدكتور عثمان تراوري رئيس اتحاد مدارس ومراكز تحفيظ القرآن الكريم وعضو لجنة الإعلام والعلاقات العامة في مكتب إدارة الاتحاد.
-الدكتور إبراهيم جابي الأمين العام لرابطة الدعاة وعضو اتحاد علماء إفريقيا
– الدكتور إسماعيل دوكوري عضو اتحاد علماء إفريقيا
-الشيخ الداعية محمود كوما عضو اتحاد علماء إفريقيا
وآخرين…