مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم الخطبة عنوان الخطبة معد الخطبة تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
158

زكاة الفطر وآداب العيد

الشيخ صلاح البدير– خطيب المسجد النبوي 26/09/1445هـ  الموافق 05/04/2024م الأمانة العامة

الموضوع: “ زكاة الفطر وآداب  العيد “

الحمد لله العظيم المنَّان، أحمدُه وما أقضِي بالحمد حقًّا، وأشكرُه ولم يزَل للشكر مُستحقًّا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المالك للرقاب كلِّها رِقًّا، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسوله أشرف الخلائق خُلُقًا وخَلقًا، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين حازُوا الفضائلَ سبقًا، وسلَّم تسليمًا يدوم ويبقَى.

أما بعد، فيا أيها المسلمون: اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران102.

أيها المسلمون: هذا رمضان قد دنا رحيلُه، وأزِف تحويلُه؛ فهنيئًا لمن زكَت فيه نفسُه، ورقَّ فيه قلبُه، وتهذَّبَت فيه أخلاقُه، وعظُمت للخير فيه رغبتُه.

هنيئًا لمن كان رمضان عنوانَ توبته، وساعةَ إيابه وعودتِه، ولحظة رجوعه واستقامته .. هنيئًا لمن غُفرت فيه زلَّتُه، وأُقيلت فيه عثرتُه، ومُحِيَت عنه خطيئتُه، وعفا عنه العفوُّ الكريمُ، وصفَحَ عنه الغفورُ الرحيم.

 

هنيئًا لمن حقَّق جائزتَه ونالَ غنيمتَه، فأُعتِقَت رقبتُه، وفُكَّ أسرُه، وفازَ بالجنة وزُحزِح عن النار .. ويا ضيعَةَ من قطعَه غافلاً ساهيًا، وطواهُ عاصيًا لاهيًا، وبدَّده مُتكاسِلًا متثاقلًا متشاغلًا.

يا من أغوَته نفسُه، وألهَاهُ شيطانُه، وضيَّعَه قُرناؤه: هذا شهر رمضانَ قد قارَبَ الزوال، وأذِن بساعة الانتقال؛ فاستدرِك ما بقِيَ منه قبل تمامه، وتيقَّظ بالإنابة قبل ختامه، وبادِر بالتوبة قبل انصِرامه.

فكم مُتأهِّبٍ لفِطره صار مرتهنًا في قبره! وكم من أعدَّ طيبًا لعيده جُعل في تلحِيده! وكم من خاطَ ثيابًا لتزيينه صارت لتكفينه! وكم من لا يصوم بعده سِواه.

يا من قُمتم وصُمتم! بُشراكم رحمةٌ ورِضوان، وعِتقٌ وغفران؛ فربُّكم رحيمٌ كريمٌ جوادٌ عظيمٌ، لا يُضيعُ أجرَ من أحسن عملًا. فأحسِنوا به الظنَّ، واحمَدُوه على بلوغ الختام، وسَلُوه قبولَ الصيام والقيام.

وراقِبُوه بأداء حقوقه، واستقيموا على عبادته، واستمرُّوا على طاعته؛ فشهرُكم قد ودَّعَ وحانَ الفراق، فشهرُكم قد ودَّعَ وحانَ الفراق.

فيا شهر البركة غيرَ مودَّعٍ سنودِّعُك، وغير مقليٍّ سنُفارِقُك .. ولا ندري أتعود علينا؟ أم تخترِمُنا المنونُ فلا تعودُ علينا؟!

 

أيها المسلمون: ومن لطيف حكمة الله – عز وجل – وتمام رحمته، وكمال علمه وجميل عفوه وإحسانه: أن شرعَ زكاة الفطر عند تمام عدَّة الصيام؛ طُهرةً للصائم من الرَّفَث واللَّغو والمآثِم، وجبرًا لما نقَصَ من صومه، وطُعمةً للمساكين، ومُواساةً للفقراء، ومعونةً لذوي الحاجات، وشُكرًا لله على بلوغ ختامِ الشهر الكريم.

فعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: (فرضَ رسول الله زكاةَ الفطر؛ طُهرةً للصائم من اللَّغو والرَّفَث، وطُعمةً للمساكين. من أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقةٌ من الصدقات)؛ أخرجه أبو داود وابن ماجه.

وتلزمُ الإنسانَ عن نفسه وعن كل من تجِبُ عليه نفقتُه، ومِقدارُها عن كل شخص صاعٌ من بُرٍّ أو شعيرٍ، أو تمرٍ أو زبيبٍ، أو أقِط، أو مما يقتاتُه الناس؛ كالأرز والدُّخلِ والذرة.

 

فعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: (فرضَ رسول اللهزكاةَ الفِطر صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ، على العبدِ والحُرِّ، والذكَر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر أن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة)؛ متفق عليه.

 

 

ومن أراد صاعًا وافيًا وكيلًا ضافيًا فليجعَله ثلاثة كيلو، ويُستحبُّ إخراجها عن الجنين وهو الحمل؛ لفعل عثمان – رضي الله عنه – ولا يجب.

 

ويبدأ وقتها من غروب شمس آخر يومٍ من رمضان، وينتهي بصلاة العيد، ويجوزُ إخراجُها قبل ذلك بيومٍ أو يومين، والأفضلُ أن تُخرَج يوم العيد قبل أن يخرُجَ إلى صلاة العيد – إن أمكنَه ذلك -، ومن أخَّرها عن وقتها عامدًا أثِمَ وعليه التوبة وإخراجُها فورًا، وإن كان ناسيًا فلا إثمَ عليه ويُخرِجُها متى ذَكَر.

 

وتُعطَى فقراء المسلمين في بلد مُخرِجِها، ويجوز نقلُها إلى فقراء بلدٍ أخرى أهلها أشدُّ حاجة، ولا تُدفَع لكافر، ولا حرجَ في إعطاء الفقير الواحد فِطرَتَين أو أكثر، وليس لزكاة الفطر دعاءٌ مُعيَّن أو ذكرٌ مُعيَّن يُقالُ عليها.

 

ومن لم يكن لديه صاعٌ يوم العيد وليلته زائدٌ عن قُوته وقُوت عياله وضروراته وحاجاته الأصلية لم تجِب عليه زكاة الفطر؛ لقوله ﷺ: (لا صدقةَ إلا عن ظهر غنًى)؛ متفق عليه.

وإذا أخذ الفقير زكاةَ الفِطر من غيره وفضَلَ عنده منها صاعٌ وجَبَ عليه إخراجُه عن نفسه، فإن فضَلَ عنده منها عدةُ آصُع أخرجَها عمَّن يمونُ، وقدَّم الأقرب فالأقرب.

فطِيبُوا بها نفسًا، وأخرِجُوها كاملةً غير منقوصة، واختارُوا أطيَبَها وأنفَعَها للفقراء.

ولقد أصدر لجنة الإفتاء لاتحاد علماء إفريقيا بجواز إخراج زكاة الفطر نقدا لأن الحكم يدور مع العلة. رائيس لجنة الإفتاء والإرشاد

 

ويُشرعُ التكبير ليلةَ عيد الفطر وصباح يومها إلى انتهاء خطبة العيد؛ تعظيمًا لله سبحانه، وشُكرًا له على هدايته وتوفيقه، قال جل وعلا: ﴿وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ البقرة 185. قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: (حقٌّ على المسلمين إذا رأَوا هلال شوال أن يُكبِّروا).

 

فاجهَروا بالتكبير من غُروب الشمس ليلة العيد إلى صلاةِ العيد في مساجِدِكم وأسواقكم، ومنازِلكم وطُرقِكم، مُسافِرين كنتم أو مُقيمين، وأظهِرُوا هذه الشعيرة العظيمة، ولتُكبِّر النساءُ سرًّا، وليَقصُر أهلُ الغفلة عن آلات الطَّرَب والموسيقى والأغاني المحرمة الماجنة، ولا يُكدِّروا هذه الأوقات الشريفة بمزامِر الشياطين وكلامِ الفاسقين.

أقولُ ما تسمعون وأستغفِرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفِرُوه إنه كان للأوابين غفورًا.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الهادِي من استَهداه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنَا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وخليلُه ومُرتضَاه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه ومن استنَّ بسُنَّته واهتدَى بهُداه.

أما بعد:

أيها المسلمون: صلاةُ العيد من أعلام الدين الظاهرة وشعائره العظيمة، فاخرُجُوا إليها مُتطهِّرين مُتجمِّلين مُتزيِّنين لابِسِين أحسنَ ثيابكم، حتى المُعتَكِف يخرُجُ إلى صلاةِ العيد في أحسن ثيابه، وليس من السنة خروجُه في ثيابِ اعتكافه.

ويخرُجُ النساء إلى صلاة العيد حتى الحُيَّض، يشهَدن بركةَ ذلك اليوم وطُهرتَه والخيرَ ودعوة المسلمين، ويخرُجن مُتستِّراتٍ مُحتشِماتٍ، غيرَ مُتطيِّباتٍ ولا مُتبرِّجات، ولا يلبَسنَ ثوبَ فتنةٍ ولا زينةٍ.

قال ﷺ: (لا تمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله، وليَخرُجن تَفِلاتٍ) – يعني: غير مُتطيِّبات -؛ أخرجه أبو داود.

ويُسنُّ لمن فاتَته صلاةُ العيد أو بعضُها قضاؤها على صفتها، ويُسنُّ الأكل يوم الفِطرِ قبل الخروج لصلاة العيد؛ فعن أنسٍ – رضي الله عنه – قال:

(كان رسول اللهلا يغدُو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكُلُهنَّ وِترًا)؛ أخرجه البخاري.

 

 

وصلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادي شفيعِ الورَى طُرًّا؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن الآلِ والصحابة أجمعين، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بفضلِك يا كريم.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمُشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل بلدنا آمنًا مُطمئنًّا، وسائر بلاد المسلمين.

اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وارحم موتانا، وفُكَّ أسرانا، وانصُرنا على من عادانا.

اللهم كُن للمُستضعَفين من المسلمين يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل دعاءَنا مسموعًا، ونداءَنا مرفوعًا يا كريمُ يا عظيمُ يا رحيمُ.

 

 

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم الخطبة عنوان الخطبة معد الخطبة تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
159 عيد الفطر 1445هــ الشيخ صلاح البدير– خطيب المسجد النبوي 01/10/1445هـ الموافق 10/04/2024م الأمانة العامة

الموضوع: ” خطبة عيد الفظر 1445هــ “
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا…
الحمد لله الذي أنزلَنا ربيعَ فضلِه الخصيب، وأحلَّنا في ربوة كرمه الرحيب، وأكرَمَنا بالعيش المغدِق الناعم الرطيب، وجعَل الأعياد مربحًا للعبد التوَّاب الأوَّاب الثوَّاب المنيب، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، إليه أدعو وإليه أنيب، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله، ذو النَّسَب النسيب والحَسَب الحسيب، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاة ننال بها أجزلَ الأجر وأعظم النصيب.

أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله فإن الأمس مَثَل واليوم عَمَل، وغدا أَمَل، ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا﴾ الْمُزَّمِّلِ: 20

أيها المسلمون: لقد أظلَّكم عيدُ الفطر السعيد، الذي شامت بروقُه، وعلاكم شروقُه، ها هو العيد وقد نثَر في أرجائكم عبقَه الفوَّاح، ونشَر فيكم ضياءه الوضَّاح، وانبلج بأريجه نورُ الصباح، عيد أزهر بالمسرَّة والأفراح، وأسفَر بنسائم السَّكِينة والانشراح، عيد احلولى زمانُه ومكانُه، واعلولى محلُّه وميدانه، واعذوذب اسمُه وعنوانُه، فهنيئًا لكم يوم العيد السعيد، هنيئا لكم يوم الفطر المجيد.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: طوبى لكم يوم أكملتُم عدةَ شهركم، وأخرجتُم زكاةَ فطركم، وجلجلتُم بالتكبير لربكم، والتكبيرُ أبلغُ لفظ في معاني التعظيم، فعَظِّموا خالِقَكم حقَّ عظمته، وخافوا من بأسه ونقمته، ولا تغفلوا عن شكر فضله ونعمته، وانقادوا لأمره ونهيه، ولا تعارضوهما بترخُّصٍ جافٍ أو تشديد غالٍ أو علة تُوهِن صدقَ الانقياد، وعظِّموه ونزِّهوه، عما يقول ويفعل عَبَدةُ الأوثانِ والمشركون، ولا تخففوا صحائفكم بالبدع والمحدَثات، ولا تُفسِدوا دينَكم بالذهاب إلى السحرة والكهان، والدجالين والمشعوِذِينَ الذين يدَّعون علمَ المغيَّبات، وكَشْف المضمَرات، ولا تخدشوا إيمانَكم بتعليق الخيوط والحروز، والتمائم وسائر المعلَّقات، التي لا تجلب مالًا، ولا تدفع وبالًا، ولا تحمي عيالًا، ولا تُحبِطوا أعمالَكم بعبادة الرِّمم البالية، والعظام النَّخِرة، ولا تطوفوا بقبر، ولا تذبحوا عند قبر، ولا تستغيثوا بقبر كما يفعله عباد القبور والأوثان، ومن صان عقيدتَه وتوحيدَه لربه فقد استشعر معنى التكبير، وقام بواجب التعظيم للرب العظيم.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: إذا أشرَق العيدُ تهلَّلت الوجوهُ فرحًا وأشرقت، وتلألأت واستهلت، واستبشرت واستنارت، والفَرَح بالعيد سُنَّة المسلمين، وشعيرة من شعائر الدين، شرع في العيد إشهار السرور والأفراح، لا إشهار الحزن والنُّوَاح، ولا تذكُّر الأوجاع ونَكْث الجراح.
فأعلِنوا الأفراحَ وأظهِروها، وانشروا السعادةَ وعمموها، وبدِّدوا غيمةَ الأحزان، وروِّحُوا الأبدانَ، وأدخلوا السرورَ على الأهل والأقارب والجيران، وانفحوا بالمال نفحًا، وابسطوا اليدينِ إعطاءً ومَنْحًا، ووسِّعوا على العيال وأسعِدوا الأطفالَ، وجودوا بالتبسُّم وبَسْط الوجه، عن عمر بن الخطاب  قال: سئل رسول الله ﷺ: “أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: إدخالُكَ السرورَ على مؤمن، أشبعتَ جوعتَه، أو كسوتَ عورتَه، أو قضيتَ له حاجةً” (رواه الطبراني في الأوسط).

فطوبى لكل منَّاح فيَّاح، ولكل رؤوف عطَّاف، يحنو على الفقراء والمساكين، ويُدخِل الفرحَ في قلوب اليتامى والمحرومين والمنكوبين، ويُشفِق على الأيامى والأرامل والمقطوعين، ويحدُب على الضعفاء والمكروبينَ، ويواسي المستضعفينَ والمشردينَ، وإدخال السرور على الوالدين وبرهما وإزالة ما يحزنهما ألزم وأوجب.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: عاد العيد لتعود جداول الحب وسواقيه، وتفيض مسايل الوُدِّ ومجاريه، فتطهر القلوب من أوضار الحقد والشحناء، وتغسلها من أدران الكراهية والبغضاء، عاد العيد لتنتشل نفحتُه كلَّ كئيب، وتسلِّي فرحتُه كلَّ مكلوم، وتواسِي بهجتُه كلَّ مهموم، جاء العيد ليغسل وجوهًا ارتسم الحزنُ على قسماتها، وخيَّم الأسى في ساحتها، وتسلَّل اليأسُ إلى باحتها، اللهف لا يرد فَوَاتًا، والتحسُّر لا يُحيي مواتًا.
فاستثِمروا العيد في علاج القلوب الكسيرة، ومداواة النفوس الحسيرة، وزورا المرضى والزَّمْنى والمكلومين، وأَعِيدُوا البسمةَ لمن فقدها، والفرحة لمن أضاعها.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: التهنئة بالعيد تزيد المودةَ وتوثِّق المحبةَ، والمصافحة تفتح جسورَ التعارف والألفة، فاجعلوا تصافُحَ الكفوف عنوان صفاء القلوب وسلامة الصدور، واصفحوا عمن زلَّ وأخطأ، واعفوا عمَّن ظلَم وأساء، وجُودوا بالمودة وبوحوا بالمحبة، وعبِّقوا عيدَكم برائحة العفو الزكية الذكية، وأعلِنُوا العفو وأظهِرُوه حتى يفوح عبيرُه ويطيب نميرُه، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيُعرِض هذا ويُعرِض هذا، وخيرُهما الذي يبدأ بالسلام، وأيُّ عيد للقلوب المتهاجرة، وأي بهجة للنفوس المتناحرة، وأي فرح للأيدي المتشاجرة، العيد مَيدانٌ للسلام والتآلُف، عيد تتآلَف فيه القلوبُ وتجتمع فيه الكلمةُ ويلتئم فيه الصدعُ، ويَخْزى فيه الشيطانُ، لا عيد لنفوس يقودها الكبرُ والغرورُ والظلمُ، ولا عيد لمن اغتسل غسل العيد ولم يغتسل من أدران الشحناء والبغضاء والعداوات، ولا عيد لمن لبس ثيابَ الأعياد على أدران الأحقاد.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه، إنه كان للأوابين غفورا.

الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الحمد لله على سوابق نعمائه، وسوالف آلائه، أحمده أبلغَ الحمد وأكملَه وأتمَّه وأشملَه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاةً متضاعِفةً دائمةً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا إخوة الإسلام: احذروا ركوب المعاصي، والانبعاث فيها والعَبَّ منها، والتساهل في خرق سياج الآداب، والتعدي على حمى الشريعة والدين، وتباعَدُوا عن المحرَّمات، واحذروا مقاربتها ومباشرتها، ولا تخالِطوا أسبابَها ودواعِيَها، شكرًا لله منكم على سوابغ إحسانه، وعظيم امتنانه، وأحسِنُوا جوارَ النِّعَم، تحفظوا النِّعَمَ الموجودة، وتجلبوا النعمَ المفقودةَ، وتستديموا عطاءَ الله وكرمَه وجودَه، فما أدبرت نعمةٌ بعدما أقبلت، ولا رُفِعت مِنَّة بعدما نزلت، ولا سُلِبَتْ كرامةٌ بعدما مُنِحَتْ إلا لعطايا لم تُشكَرْ، أو لخطايا تُظْهَر وتُشْهَر، والنعم إذا شُكِرَتْ قرَّت، وإذا كُفِرَتْ فرَّت، فادلفوا إلى باب التوبة والإنابة، واقطعوا حبائلَ التسويف، وامحوا سوابقَ العصيان بلواحق الإحسان، وحافِظُوا على الصلوات الخمس المفروضة حيث ينادَى بهن، ولا تتخلفوا عن الجماعة إلا مِنْ عُذرٍ، وأدوا زكاة أموالكم، وبادِرُوا بالحج ما استعطتُم،

أيها المسلمون: صِلُوا مَنْ قطَعَكم، وأعطُوا مَنْ حَرَمَكُمْ، واعفوا عمَّن ظلَمَكم، فليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمُه وصَلَها، ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، ولا تتعاملوا بصفقات الربا الخاسرة، وزياداته الظالمة، ومضاعَفاته الفاحشة، واحذروا جحدَ الحقوق، والتلاعب بأثمان السلع، والغش والنش والتطفيف في المكاييل والموازين، واحذروا أموال اليتامى والأوقاف والوصايا، لا تأكلوها ظلما وعدوانا، وأحسِنوا إلى نسائكم، وزوجاتكم، وأبنائكم، وبناتكم، وقوموا بالنفقة الشرعية اللازمة، وعاملوهم باللطف والعطف والمحبة والشفقة والرحمة، وصونوا ألسنتكم، واحفظوا فروجكم، وطهِّروا قلوبَكم من الغل والحقد والحسد والكراهية والبغضاء، وإياكم ومجالسَ الفسوق والفجور، واحذروا الخصومات والمشاحَنات، واقبلوا المعذرة، وأَقِيلُوا العثرةَ، ولا تقاطَعُوا، ولا تدابَرُوا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عبادَ الله إخوانا.

أيها المسلمون: هذا يوم التسامُح والتصافُح والتصالُح، فتراحموا وتلاحموا، وتسامحوا، وتصافحوا وتصالحوا حتى يكون فرحكم أفراحًا، وعيدكم أعيادًا.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: إن ضيفَكم قد رحَل، ورمضان قد أفَل، ولا منتهى من صالح العمل، فلا تغلقوا مصحفًا، ولا تمنعوا رغيفًا، ولا تحرموا لهيفًا، ولا تقطعوا إحسانًا، ولا تهجروا صيامًا، ولا تتركوا قيامًا، فما أحسنَ الإحسانَ يتبعه الإحسانُ، وما أقبح العصيانَ بعد الإحسانِ، ومَنْ صام رمضانَ ثم أتبَعَه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر، ومن لم يُخرِجْ زكاةَ الفطر فليبادِرْ إلى إخراجها فورًا، ومن أتى منكم من طريق فليرجع من طريق أخرى إن تيسَّر له ذلك؛ اقتداءً بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمات: اتقين الله ولا تبرجن ترج الجاهية الأولى، أسترن زيتكن ولا تفتتن المؤمنين، ولا تكفرن العشير وأكثرن الصدقات وأقمن الصلاة وأطعن أزواجكن.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
بشراكم يا من قمتُم وصمتُم، بشراكم يا من تصدقتُم واجتهدتُم، فقد ذهَب التعبُ، وزال النَّصَبُ، وثبَت الأجرُ إن شاء الله -تعالى-، تقبَّل اللهُ صيامكم وقيامَكم، وأعاد اللهُ عليكم هذه الأيامَ المباركةَ أعوامًا عديدةً وأزمنةً مديدةً، ونحن في صحة وعافية وحياة سعيدة، اللهم تقبَّل مساعينا وزكِّها، وارفع درجاتنا وأَعْلِهَا، اللهم أعطِنا من الآمال منتهاها، ومن الخيرات أقصاها، اللهم تقبَّلْ صيامَنا وقيامَنا ودعاءنا يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، وأدم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها وعِزَّها واستقرارَها وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
157

العشر الأواخر من رمضان

قسم البرامج والمشاريع 19 /09 /1445هـ  الموافق29/03 /2024م الأمانة العامة

 

الموضوع:  “العشر الأواخر من رمضان”

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا..

 

أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم – أيُّها الناسُ – وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ، فَتَزَوَّدُوا بِهَا فَإِنَّهَا خَيرُ الزَّادِ، وَاستَعِدُّوا بِصَالِحِ الأَعمَالِ لِيَومِ المَعَادِ ” يَا قَومِ إِنَّمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ. مَن عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجزَى إِلاَّ مِثلَهَا وَمَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ يُرزَقُونَ فِيهَا بِغَيرِ حِسَابٍ “

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، بَينَمَا نَحنُ قَبلَ أَيَّامٍ يُبَشِّرُ بَعضُنَا بَعضًا بِدُخُولِ الشَّهرِ العَظِيمِ، إِذْ تَصَرَّمَت لَيَالِيهِ سِرَاعًا، وَمَضَت أَيَّامُهُ المُبَارَكَةُ تِبَاعًا، وَهَا نَحنُ نَتَهَيَّأُ لِدُخُولِ العَشرِ الأَوَاخِرِ مِنهُ، وَنَستَعِدُّ لأَفضَلِ لَيَالي العَامِ عَلَى الإِطلاقِ، تِلكُمُ اللَّيَالي المُبَارَكَةُ النَّيِّرَةُ، الَّتي كَانَ رَسُولُنَا وَإِمَامُنَا – – يَجتَهِدُ فِيهَا مَا لا يَجتَهِدُ فِي غَيرِهَا، حَتَّى لَقَد كَانَ يُحيِي اللَّيلَ كُلَّهُ، وَيَعتَكِفُ فِي مَسجِدِهِ وَيَتَجَنَّبُ نِسَاءَهُ، لِيَتَفَرَّغَ لِعِبَادَةِ رَبِّهِ وَمُنَاجَاتِهِ، وَيُدرِكَ لَيلَةَ القَدرِ وَيَحظَى بِبَرَكَاتِهَا، فَعَن عَائِشَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنهَا – قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – يَجتَهِدُ فِي العَشرِ الأَوَاخِرِ مَا لا يَجتَهِدُ فِي غَيرِهَا. رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَعَنها – رَضِيَ اللهُ عَنهَا – قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللهِ – – إِذَا دَخَلَ العَشرُ شَدَّ مِئزَرَهُ، وَأَحيَا لَيلَهُ، وَأَيقَظَ أَهلَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 

وكل ذلك من أجل الموافقة لليلة المباركة كما وصفه الله قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ القدر

 

أَجَلْ – أَيُّهَا الإِخوَةُ – لَقَد كَانَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – يَعتَكِفُ فِي هَذِهِ العَشرِ لِيَنقَطِعَ عَنِ الدُّنيَا وَمُلهِيَاتِهَا، وَلِيَتَفَرَّغَ لِلآخِرَةِ وَخَيرَاتِهَا وَبَرَكَاتِهَا، مُتَحَرِّيًّا لَيلَةَ القَدرِ وَنَفَحَاتِهَا، تِلكُمُ اللَّيلَةُ العَظِيمَةُ المُبَارَكَةُ، الَّتي لا يُحرَمُ خَيرَهَا إِلاَّ مَحرُومٌ، وَلا يَقُومُهَا إِلاَّ مُوَفَّقٌ مُسَدَّدٌ عَزُومٌ، وَالَّتي مَن أَدرَكَهَا فَقَامَهَا، فَكَأَنَّمَا قَامَ ثَلاثَةً وَثَمَانِينَ عَامًا، فَطُوبَى لِعَبدٍ أَحيَا اللهُ قَلبَهُ، فَانتَظَمَ فِي قَوَافِلِ القَائِمِينَ فِي بُيُوتِ اللهِ، الَّذِينَ ” تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا ” طُوبَى لِمَن قَامَ هَذِهِ اللَّياليَ كُلَّهَا مَعَ إِمَامِهِ حَتى يَنصَرِفَ، وَصَبَرَ نَفسَهُ وَصَابَرَ وَرَابَطَ، وَاستَعَانَ بِاللهِ وَلم يَعجَزْ أَو يَجزَعْ، وَلم يَضعُفْ أَو يتَلَفَّتْ أَو يَخرِمْ، فَقَد قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ –: ” إِنَّهُ مَن قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيلَةٍ ” رَوَاهُ أَهلُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. طُوبى لِمَن قَامَ لَيلَةَ القَدرِ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا، فَقَد قَالَ – صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ –: ” مَن قَامَ لَيلةَ القَدرِ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ ” مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَيلَةُ القَدرِ فِي العَشرِ الأَوَاخِرِ يَقِينًا، وَلَيسَ مِن شَرطِ تَحصِيلِ العَبدِ أَجرَ قِيَامِهَا أَن يَعلَمَ أَيَّ لَيلَةٍ هِيَ، وَلِذَا فَإِنَّهُ لَيسَ بِكَثِيرٍ عَلَى لَيلَةٍ كَهَذِهِ اللَّيلَةِ العَظِيمَةِ أَن يَقُومَ العَبدُ فِي طَلَبِهَا عَشرَ لَيَالٍ، وَمَعَ هَذَا فَقَد نَدَبَنَا رَسُولُنَا – صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ – إِلى التِمَاسِهَا فِي لَيَالي الوِترِ مِنَ العَشرِ الأَوَاخِرِ، أَو فِي السَّبعِ البَوَاقي، فَعَن عَبدِاللهِ بنِ عُمَرَ – رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ –: ” اِلتَمِسُوهَا فِي العَشرِ الأَوَاخِرِ، فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُم أَو عَجَزَ فَلا يُغلَبَنَّ عَلَى السَّبعِ البَوَاقي ” رَوَاهُ مُسلِمٌ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، مَا بَقِيَ مِنَ الشَّهرِ هُوَ الأَقَلُّ وَهُوَ الأَعظَمُ، وَلَيلَةُ القَدرِ لَيسَت كَاللَّيالي، القَلِيلُ مِنَ العَمَلِ فِيهَا كَثِيرٌ، وَالكَثِيرُ مِنهُ مُضَاعَفٌ مُبَارَكٌ ” لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ ” مَن أَدرَكَهَا فَهُوَ المُفلِحُ الفَائِزُ، وَمَن فَرَّطَ فِيهَا فَهُوَ المَغبُونُ الخَاسِرُ، فَشَمِّرُوا عَن سَوَاعِدِ الجِدِّ وَضَاعِفُوا الاجتِهَادِ، وَصَفُّوا قُلُوبَكُم فِي مَيَادِينِ العُبُودِيَّةِ بِالإِخلاصِ للهِ، وَصُفُّوا أَقدَامَكُم فِي المَسَاجِدِ مَعَ عِبَادِ اللهِ، وَاستَعِينُوا بِاللهِ فَإِنَّهُ لا تَوفِيقَ لِلقِيَامِ بِطَاعَتِهِ إِلاَّ بِإِعَانَتهِ، وَإِنَّ خَيرَ مَا تُستَجلَبُ بِهِ الخَيرَاتُ، وَتُكتَسَبُ الحَسَنَاتُ فِي مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ، الإِقبَالُ عَلَى اللهِ بِصَادِقِ الدَّعَوَاتِ، وَأَعظَمُ ذَلِكَ سُؤَالُ اللهِ الإِعَانَةَ عَلَى ذِكرِهِ وَشُكرِهِ وَحُسنِ عِبَادَتِهِ، فَعَن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – أَنَّ رَسُولَ اللهِ – – أَخَذَ بِيَدِهِ يَومًا فَقَالَ: ” يَا مُعَاذُ، وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ ” قَالَ لَهُ مُعَاذٌ: بِأَبي أَنتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَنَا وَاللهِ أُحِبُّكَ. قَالَ: ” أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ أَلاَّ تَدَعَنَّ دُبَرَ كُلِّ صَلاةٍ أَن تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ ” رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. فَأَلِحُّوا عَلَى اللهِ بِالدُّعَاءِ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ اللهِ فِي هَذِهِ العَشرِ المُبَارَكَةِ، وَإِيَّاكُم إِيَّاكُم وَالإِعرَاضَ عَن مَوَائِدِ الحَسَنَاتِ المَمدُودَةِ فِي هَذِهِ اللَّيالي، فَإِنَّ الرَّبَّ كَرِيمٌ، وَالفَضلَ عَظِيمٌ، وَمَن جَاهَدَ وَأَحسَنَ وَصَدَقَ، هُدِيَ وَأُعِينَ وَوُفِّقَ، وَلا يُحرَمُ إِلاَّ مَن تَكَاسَلَ وأَعرَضَ وَأَدبَرَ، قَالَ – سُبحَانَهُ –: ” وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ ” وَفي الصَّحِيحَينِ: يَقُولُ اللهُ – تَعَالى –: ” أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَني، فَإِنْ ذَكَرَني فِي نَفسِهِ ذَكَرتُهُ فِي نَفسِي، وَإِنْ ذَكَرَني فِي مَلأٍ ذَكَرتُهُ فِي مَلأٍ خَيرٍ مِنهُم، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبرٍ تَقَرَّبتُ إِلَيهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبتُ إِلَيهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَاني يَمشِي أَتَيتُهُ هَروَلَةً ” وَعَن أَبي وَاقِدٍ اللَّيثِيِّ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – أَنَّ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – بَينَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي المَسجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقبَلَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ، فَأَقبَلَ اثنَانِ إِلى رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – وَذَهَبَ وَاحِدٌ، قَالَ: فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرجَةً فِي الحَلقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا، وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلفَهُم، وَأَمَّا الثَّالَثُ فَأَدبَرَ ذَاهِبًا، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ – – قَالَ: ” أَلا أُخبِرُكُم عَنِ النَّفَرِ الثَّلاثَةِ، أَمَّا أَحَدُهُم فَأَوَى إِلى اللهِ فَآوَاهُ اللهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاستَحيَا فَاستَحيَا اللهُ مِنهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعرَضَ فَأَعرَضَ اللهُ عَنهُ ” رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.

اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، وَوَفِّقْنَا لِمَا وَفَّقتَ إِلَيهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ، لا حَولَ وَلا قُوَّةَ لَنَا إِلاَّ بِكَ، وَأَقُولُ هَذَا القَولَ وَأَستَغفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِلمُسلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍّ وَخَطِيئَةٍ، فَاستَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إليهِ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطْبَة الثَّانِيَة :

الْحَمْدُ للهِ وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – حَقَّ التَّقوَى، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى ” وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا “

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِذَا كَانَ قَد مَضَى مِنْ الشَّهرَ الكَرِيمِ شَطْرُهُ، وَاكْتَمَلَ بَدْرُهُ، وَلَيسَ بَعْدَ الكَمَالِ إلاَّ النُّقْصَانُ، فَاغْتَنِمُوا فُرَصَاً تَمرُّ مَرَّ السَّحَابِ، وَاجْتَهِدُوا فيهِ بِالطَّاعَاتِ قَبْلَ أَنْ يُغلَقَ البَابُ، فَقَد بَقِيَ ثُلُثٌه الَّذِي هُوَ الأَفضَلُ وَالأَكمَلُ، وَعَمَّا قَلِيلٍ نُوَدِّعُ الشَّهرَ وَكَأَنْ لَم يَكُنْ، وَتَبقَى الأَعمَالُ أَمَامَنَا خَيرَهَا وَشَرَّهَا ” فَمَن يَعمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ. وَمَن يَعمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ” وَفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ: ” يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعمَالُكُم أُحصِيهَا لَكُم ثُمَّ أُوَفِّيكُم إِيَّاهَا، فَمَن وَجَدَ خَيرًا فَليَحمَدِ اللهَ، وَمَن وَجَدَ غَيرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفسَهُ ” رَوَاهُ مُسلِمٌ.

 

فَاللهَ اللهَ – أَيُّهَا الإِخوَةُ – أَقبِلُوا عَلَى رَبِّكُم، وَاعمُرُوا المَسَاجِدَ بِالطَّاعَاتِ، وَأَحيُوا هَذِهِ اللَّيَالي بِالقُرُبَاتِ، اِقرَؤُوا القُرآنَ، وَأَكثِرُوا الدُّعَاءَ وَالاستِغفَارَ، وَتَصَدَّقُوا وَابذُلُوا، وَاعفُوا وَاصفَحُوا، وَاحذَرُوا القَطِيعَةَ وَالتَّلاحِيَ وَالشِّقَاقَ وَكَثرَةَ الجِدَالِ، فَإِنَّهَا مِن أَسبَابِ الحِرمَانِ مِنَ الخَيرِ، بَل لَقَد كَانَت مِن أَسبَابِ إِخفَاءِ لَيلَةِ القَدرِ، فَفِي البُخَارِيِّ عَن عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – أَنَّ رَسُولَ اللهِ – – خَرَجَ يُخبِرُ بِلَيلَةِ القَدرِ فَتَلاحَى رَجُلانِ مِنَ المُسلِمِينَ، فَقَالَ: ” إِنِّي خَرَجتُ لأُخبِرَكُم بِلَيلَةِ القَدرِ، وَإِنَّهُ تَلاحَى فُلانٌ وَفُلانٌ فَرُفِعَت، وَعَسَى أَن يَكُونَ خَيرًا لَكُم، اِلتَمِسُوهَا فِي السَّبعِ وَالتِّسعِ وَالخَمسِ “

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْماً نَافِعاً وَعَمَلاً صَالِحاً, اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَامَهُ إِيَماناً وَاحْتِسَاباً, اللَّهُمَّ اجْعَلْ رَمَضَانَ هَذَا فَاتِحَةَ خَيْرٍ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينْ، اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ, اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سُبَلَ السَّلامِ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنْ، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَاجْعَلْنَا شاَكِرِينَ لِنِعَمِكِ , مُثْنِينَ بِهَا عَلَيْكَ, قَابِلِينَ لَهَا وَأَتْمِمْهَا عَلَيْنَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.

 

 اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالمُسلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشَّرْكَ وَالمُشرِكِينَ، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الملَّةِ وَالدِّينِ، يَا رَبَّ العَالَمِين، ودَمِّرْ أعداءَك أعداءَ الدِّينِ، وَأَرِنَا فِيهِم يومًا عجيبًا يَا ربَّ الْعَالَمِين ، اللَّهُمّ أصلحْ أحوالَ المسلمينَ فِي كلِ مكانٍ، واحْمِ حَوْزَةَ الدْينِ، اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَأْنَ المسْلِمِينَ , وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ، اللَّهُمَّ كُنْ لِإخْوَانِنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ عَوْناً وَنَصِيراً , اللَّهُمَّ انْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِم , اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِمَوْتَاهُمْ وَاشْفِ مَرْضَاهُمْ وَسُدَّ جَوْعَاتِهِمْ وَارْحَمْهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْ عِنْدِكَ تُغْنِيهِمْ بِهَا عَمَّنْ سِوَاكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

 

 

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
156

تحقيق التقوى في صيام رمضان

الشيخ فهد بن عبد الرحمن العبيان – رياض 12 /09 /1445هـ  الموافق 22/03 /2024م الأمانة العامة

 

الموضوع: “ تحقيق التقوى في صيام رمضان

الحمد لله على قدوم رمضان حمدًا يوافي نعمه وعطاياه، وأشكره على ما أفاض من الخير وأسداه، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ولا معبود بحق سواه، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، ونبيُّه وصفيُّه ونجيُّه، ووليُّه ورضيُّه ومجتباه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، صلاةً دائمةً ما دام انفلاق الصبح وإشراق ضياه.

 

أما بعدُ:  فيا أيها المسلمون اتقوا الله بالسعي إلى مراضيه واجتناب معاصيه؛ ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[ الْبَقَرَةِ 183.

أيها المؤمنون: قد أظلنا شهر الرحمات والبركات شهر الطاعات والصدقات، شهر يجازي فيه الله على القليل بالكثير، ويضاعف فيه الحسنات ] شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [ البقرة 185

قال  ﷺ :  (أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين،لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حرم) وقال ﷺ:  (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان).  قال  ﷺ : (ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً).

وقال  ﷺ : (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به). أي أن أجره عظيم تكفل الله به لعباده الصائمين المخلصين.

 

عباد الله: شهر رمضان عند سلفنا الصالح ليس شهر النوم والبطالة والبدانة، إنه شهر عظيم عرفوا قدره ومكانته وعلموا أن من حرم الخير والرحمة فيه فهو المحروم حقاً.

شهر رمضان عندهم هو شهر الجد والنشاط والاستعداد للدار الآخرة، فشهر رمضان عندهم هو شهر جميع الطاعات، فهو شهر الصلاة والقيام حيث كانوا يحيون ليله كله قياماً وتهجداً، وهو شهر القرآن حيث كانوا يختمون في كل يوم مرة أو مرتين، فكان لبعضهم في رمضان ستون ختمة، وهو شهر الصدقات حيث كانوا يطعمون الطعام ويفطرون الصوام،ورمضان عندهم هو شهر الجهاد حيث وقعت فيه أعظم فتوحات الإسلام، فيه معركة الفرقان الكبرى معركة بدر التي فرق الله فيها بين التوحيد والشرك،وفي رمضان كذلك كان الفتح الأعظم فتح مكة الذي فيه أزهق الباطق وهدمت قلاعه ودخل الناس في دين الله أفواجاً.

إذاً شهر رمضان عند أسلافنا ليس شهر النوم والكسل والعبث بل شهر ملؤوا ساعاته ولياليه بالطاعات والعبرات والبكاء والانطراح بين يدي الله يرجون رحمته ومغفرته. إذا كان هذا حالهم في رمضان فما هي حالنا في رمضان كيف هو حال الأمة يدخل عليها هذا الشهر الكريم هل استعدت للقائه؟ هل عزمت على استثماره واغتنامه؟ هل أعطته حقه من التكريم والتعظيم؟ نعم قد استعد سفهاء هذه الأمة لهذا الشهر الكريم بقنواتهم الفضائية وبرامجهم التي يصدون بها عن دين الله عز وجل. نعم قد استعدت الأمة بأسواقها لتلقي أفواج الناس الذين تمتلئ بهم الأسواق أضعاف ما يكون في صلاة التراويح، قد استعدت الأمة لإعداد أصناف المأكولات بخاصة برمضان، بل إنك لتعجب أن يأخذ الطعام في رمضان من الهم والوقت والجهد أكثر مما تأخذه العبادة عند كثير من الناس، وبالأخص النساء.

إن حال الأمة في استقبالها لهذا الشهر حال يرثى له فصنف منها يستثقل هذا الشهر وقدومه لأنه سيفقد فيه ما اعتاده من الشهوات المباحة وغير المباحة في النهار، ولذا لو تسنى له السفر عن بلاد المسلمين لسافر وتخفف من هذا الشهر وتكاليفه، فتجده يقضي نهاره كله بالنوم وتضييع الصلوات، وليله بالسهر والعبث، وصنف آخر من هذه الأمة لا يستثقل هذا الشهر الكريم لكنه أيضاً لم يستعد له بالقيام وتلاوة القرآن وبذل المعروف، فمثل هذا قد استعد ببطنه وجسمه لا بروحه وقلبه.

وصنف آخر من هذه الأمة أولو بقية قد استقبلوا هذا الشهر الكريم بالفرح والاستبشار وحمد الله أن بلغهم رمضان، قد عقدوا العزم على اغتنام نهاره ولياليه بالطاعات والقربات والبعد عن المحرمات قد امتلأت بمثل هؤلاء المساجد وخلت منهم الأسواق، فهؤلاء هم صلة السلف الذين عرفوا لهذا الشهر قدره ومنزلته، فعمروه بطاعة الله وطلب رضوانه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون﴾.

بارك الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله، آوى مَنْ إلى لطفه أوَى، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، داوى بإنعامِه مَنْ يئس من أسقامه الدوا، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاةً تبقى وسلامًا يترى.

أما بعد فيا أيها المسلمون: اتقوا الله وراقِبوه وأطيعوه ولا تعصوه؛ ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[ آلِ عِمْرَانَ 102.

أيها المؤمنون: هذه وقفتان نقفهما عند آية وحديث.

الوقفة الأولى: عند قوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون[ فهذه الآية دلت على أن الغاية الكبرى من هذا الصيام هو حصول تقوى الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه، فالصائم الذي لم يحقق تقوى الله في صيامه قد خسر الثمرة من هذا الصيام الذي لم يشرعه الله لمجرد الامتناع عن الطعام والشراب والشهوة قال ﷺ:  (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) والمعنى من لم يترك الكذب والميل عن الحق.

 

إذاً هل حقق التقوى من يدخل عليه الشهر الكريم ويخرج ولم يحرك فيه ساكناً، فصلاته مضيعة، ومنكراته مستمرة، فإن لم يزده رمضان بعداً عن الله فلم يزده قرباً. أم هل حقق التقوى ونال ثمرة الصيام من حافظ على الصلوات وتصدق وقرأ القرآن وتخفف من المنكرات لكنه ما إن يهلَّ شهر شوال حتى يعود كما كان في شعبان.

وهل حقق التقوى من يصوم ويصلي ويقرأ القرآن لكنه لا يتورع عن تضييع ليالي هذا الشهر الكريم في جلسات وسهرات منكرة قد امتلأت بالغيبة والمشاهد المحرمة.

 

الوقفة الثانية: عند قوله ﷺ: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).

(من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)،  (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).

ومعنى قوله: (إيماناً واحتساباً) أي مصدقاً بوجوبه راغباً في ثوابه طيبة به نفسه غير مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه.

ولا نعجب أيها المؤمنون ممن يصوم ويصلي مع الناس ومع ذلك لا نجد أثراً للصيام في أعماله وتصرفاته بل يوم صومه وفطره سواء، وسر ذلك أن كثيراً من الناس يصومون ويصلون التراويح مع الناس، لكن فعلهم هذا قد غلبت فيه العادة نية العباد، ولذلك لا نجد للصيام والقيام أثراً في حياتهم قال جابر t: (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الجار، وليكن عليكم وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء).

فإذاً قوله  في صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً هو سبب حصول ثمرة الصيام، وهو غفران الذنوب وحصول الرضى من الله. وأما من صام لأن الناس يصومون وقام لأن الناس يقومون غافلاً عن إصلاح النية واحتساب الأجر على الله، فهذا قد خسر الخسران المبين.

 

أيها المؤمنون: هذا الشهر الكريم قد هل علينا وما أسرع ما تنقضي أيامه ولياليه، وصدق الله إذ يقول عن هذا الشهر ]أياماً معدودات[. فبادروا فيه بالأعمال الصالحة والتوبة إلى الله من جميع الذنوب والمعاصي، فهو فرصة للتوبة والدعاء والعتق من النيران، فمن لم يتب فيه فمتى يتوب؟ ومن لم يدع فيه المعصية ولم يستجب له فمتى يدع؟ ومن لم يعتق من فيه من النار فقد خسر أعظم الخسارة.

عباد الله: أبشروا بموعود الله، فربنا غفور رحيم يقبل التوبة من عباده ويغفر الذنب العظيم ويجازي على العمل اليسير بالأجر العظيم، قد أعد جنة عرضها السماوات والأرض، فتحت أبوابها في هذا الشهر الكريم وجرت أنهارها وتزينت حورها واكتمل نعيمها وأعدت للمتقين.

 

اللهم أعنا على صيام رمضان وقيامه وتقبله منا يا أرحم الراحمين.

عباد الله صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه.

 

 

انطلاق أعمال مؤتمر رابطة العالم الإسلاميانطلاق أعمال مؤتمر رابطة العالم الإسلامي “بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية ” بمشاركة اتحاد علماء إفريقيا.
في يوم الأحد ٧ من رمضان المبارك ١٤٤٥هـ الموافق ١٧ مارس ٢٠٢٤ وبجوار البيت الحرام انطلقت أعمال المؤتمر الدولي ” بناء الجسور يين المذاهب الإسلامية” بمشاركة جمع من العلماء في العالم الإسلامي المزيد…

انطلاق أعمال مؤتمر رابطة العالم الإسلامي “بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية ” بمشاركة اتحاد علماء إفريقيا.
في يوم الأحد ٧ من رمضان المبارك ١٤٤٥ الموافق ١٧ مارس ٢٠٢٤ وبجوار البيت الحرام انطلقت أعمال المؤتمر الدولي ” بناء الجسور يين المذاهب الإسلامية” بمشاركة جمع من العلماء في العالم الإسلامي .

ويشارك من المؤتمر أعضاء من اتحاد علماء إفريقيا، منهم:
د. سعيد برهان عبد الله،  رئيس الاتحاد.
د. سعيد محمدبابا سيلا،  الأمين العام
د. موسى فاديقا ، رئيس لجنة الحوار والمساعي الحميدة .
د. أبوبكر دكوري ، عضو الشرف.
البرفيسور قطب سانو ، عضو الشرف والأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي .
د. أحمد عبد الله سيد جمل الليل ، عضو من جزر القمر
الشيخ شعبان رمضان موباجي ، مفتي اوغندا، عضو.
د. زياد لوبانغا ، عضو من يوغندا
الشيخ حجي إبراهيم تحفة ، العضو ورئيس المجلس الأعلى الإسلامي في إثيوبيا .
وشخصيات من دول إفريقية .
ويستمر المؤتمر ليومين .

مع خالص الشكر والتقدير وتحيات مكتب الأمانة العامة/ قسم الإعلام والمعلوماتية.
https://t.me/africanulama

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
155 مفطرات الصوم وآدابه وسننه د. عثمان صالح تروري – الاتحاد في مالي 05 /09 /1445هـ  الموافق 15/03 /2024م الأمانة العامة

 

الموضوع:مفطرات الصوم وآدابه وسننه

الحمد لله الذي أذاق الطائعين حلاوة الطاعة، وعلق قلوب المؤمنين بالمساجد والجماعة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وفق من شاء للصيام والقيام، وهيأ لهم سبيل الوصول إلى دار السلام، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله إمام المتقين وأفضل الصائمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وأخلصوا عملكم لله ولا تتعلقوا بغيره سبحانه، فإنه قد خلقكم لعبادته.

واعلموا أنه قد حل عليكم أجلّ مواسم العبادة، موسم التجارة مع الله، فإنه موسم لا يضاهيه موسم من مواسم الدنيا، لأن الخسارة فيه خسارة أبدية دائمة.

 

أخي الكريم: بعد أن علمت في الخُطب الماضية كيف تستقبل شهر رمضان، وعلمت فرضية صيامه على كل مسلم بالغ عاقل غير معذور شرعا، فزد اليوم على علمك – حفظك الله – أن للصوم مفطرات وسننا وآدابا، وسنتناول بعضها في هذا الموقف:

 

أما مفطرات الصوم، فهي:

1- الأكل والشرب قصدا، سواء كان الطعام أو الشراب مفيدا أم ضارا .

2- ما في معنى الأكل أو الشرب،  ومن ذلكم: القطرة في الأنف التي تصل إلى الحلق، لما روي عن النبي ﷺ لم أنه قال (وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا) والإبر المغذية، وحقن الدم في المريض  لأن الدم غاية الأكل والشرب فكان له حكمهما . ( ابن عثيمين ) ، وإذا كان الإبر غير مغذية فلا حرج .

3- الجماع، لقوله تعالى (﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ … ﴾ البقرة 187، فدلت الآية بمفهومها على تحريم الجماع في نهار الصيام.

فمن جامع أهله في نهار رمضان فعليه التوبة، والاستغفار، والكفارة، ولذا على الصائم أن يحذر عما يوقعه في هذا الإثم العظيم.

4-  إنزال المني اختيارا يقظة بمباشرة أو استمناء، لأنه في معنى الجماع، وهو من الشهوة التي يدعها الصائم كما في حديث النبي ﷺ (يدعُ شهوتَه وطعامَه وشرابَه مِنْ أجلي) أما من احتلم فأمنى فصومه صحيح.

5- التقيؤ عمدا، لقوله ﷺ (مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ) أبو داود وصححه الألباني.

6 – خروج دم الحيض أو النفاس، لما روي عن أبي سعيد مرفوعا (أَلَيْسَ إِذا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ) البخاري .

7 – إخراج الدم بحجامة، أو فصد، أو سحب للتبرع به أو لإسعاف مريض ونحو ذلك ، لقوله ﷺ (أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ) رواه أحمد وصححه الألباني.

وأما خروج الدم بنفسه كالرعاف أو خروجه بقلع سن ونحوه فلا يفطر.

 

ولا يضر بالصوم شيء مما يلي: اللعاب، خروج المذي، الطيب، الكحل، معجون الأسنان مع الحذر من وصوله الحلق، استعمال القطرة في العين والأذن في أصح قولي العلماء، أخذ دم يسير للتحليل، تذوق الطعام للحاجة دون بلعه.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿﴾ البقرة 185

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله معين الصابرين، ومجزل الجزاء للصائمين، وأصلي وأسلم على أفضل من صام وصان صومه وعلم أمته فأحسن تعليمه.

عباد الله: أما آداب الصوم وسننه فمنها ما يلي:

  • كف اللسان والجوارح عن المحارم، قال رسول الله ﷺ: (الصيام جنَّة، فإذا كان يومُ صومِ أحدكم، فلا يرفث، ولا يجهل، فإن امرؤٌ سابَّه فليقل: إني امرؤ صائم) م. ع.، و قال أيضا ﷺ: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ اَلزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، وَالْجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) البخاري.
  • المبادرة بالفطر عند تحقق الغروب لقوله ﷺ: (لاَ يَزالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ) البخاري
  • تأخير السحور والحرص عليه فعَنْ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالسَّحُورِ قَالَ: (قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً) البخاري 1787
  • قيام الليل، فعنه ﷺ: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) البخاري
  • تفطير الصائمين: قال ﷺ: (مَنْ فَطَّرَ صَائِماً، كَانَ لَهُ مِثْلُ أجْرِهِ، غَيْرَ أنَّهُ لاَ يُنْقَصُ مِنْ أجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ) الترمذي، وحسنه.

 

وفقني الله وإياكم لاغتنام الأوقات بالطاعات، وحمانا من فعل المنكر والسيئات، وهدانا صراطه المستقيم، وجنبنا صراط أصحاب الجحيم، وجعلنا ممن يصوم رمضان، ويقومه إيمانا بالله، واحتسابا لثواب الله إنه جواد كريم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

حفل تخرج الدبلوم الأخير للمجموعة الأولىسعدنا أن نشارك أبرز النقاط من حفل تخرج الدبلوم الأخير للمجموعة الأولى من طلاب الدبلوم في أكاديمية الإمام البخاري، ريجيار زكي كانو، تحت القيادة الموقرة للدكتور محمد ثاني عمر ريجيار ليمو رئيس لجنة العضوية اتحاد علماء إفريقيا، OON. في يوم الأحد 23 شعبان 1445 / 3 مارس 2024، حقق خريجونا علامة فارقة في رحلتهم بتفان ومثابرة كبيرين المزيد…

يسعدنا أن نشارك أبرز النقاط من حفل تخرج الدبلوم الأخير للمجموعة الأولى من طلاب الدبلوم في أكاديمية الإمام البخاري، ريجيار زكي كانو، تحت القيادة الموقرة للدكتور محمد ثاني عمر ريجيار ليمو رئيس لجنة العضوية اتحاد علماء إفريقيا، OON. في يوم الأحد 23 شعبان 1445 / 3 مارس 2024، حقق خريجونا علامة فارقة في رحلتهم بتفان ومثابرة كبيرين. تهانينا لجميع الخريجين على إنجازاتهم المتميزة. شكر خاص لكل من ساهم في نجاح هذه الفعالية. معًا، نواصل تعزيز مجتمع المعرفة والتميز. #مركز الامام البخاري

وإليكم بعض اللقطات من الفعالية.
مع خالص الشكر والتقدير وتحيات مكتب الأمانة العامة/ قسم الإعلام والمعلوماتية.
مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
154 كيف نستقبل رمضان؟ د. عثمان صالح تروري  ـــ عضو الاتحاد في مالي 27 /08 /1445هـ  الموافق 08/03 /2024م الأمانة العامة

 

الموضوع: ” كيف نستقبل رمضان؟”

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، امتنَّ على عباده المؤمنين فهداهم للإسلام، وأتاح لهم أوقات الفضائل ومواسم العبادة ليتزودوا من الأعمال الصالحة، ويتوبوا إلى ربهم من الأعمال السيئة، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل المخلوقات، صلاة ربي وسلامه الأتمان الأكملان عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم تطاير صحف المؤمنين بالحسنات .

أما بعد : فاتقوا الله -رحمكم الله- وبادروا آجالكم بأعمالكم، واستعدوا للرحيل فقد جد بكم، فربكم لم يخلقكم عبثاً، ولم يترككم سدىً، وتزودوا من دنياكم ما تحرزون به أنفسكم غداً، فرحم الله عبداً اتقى ربه، ونصح نفسه، وقدم توبته، وغلب شهوته، وباع دنياه لآخرته فربح بهما فإن لكم موعداً لن تُخلَفوه، وموقفاً بين يدي ربكم لا بد أن تقفوه، ولسوف تأتي كل نفس تجادل عن نفسها، ثم توفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون   ]فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى [  النازعات  37- 40

 

أيها المؤمنون: إنكم في الجمعة الأخيرة من شهر شعبان، ولنا اليوم سبع وقفات تتمة لوقفات استقبال شهر رمضان المبارك، وذلك كالآتية:

الوقفة الأولى/ التخطيط الجيد للاستفادة من رمضان، لأنه موسم الطاعات صياما وتفطيرا وقياما وصدقة واعتكافا وعمرة وذكرا وقراءة وبرا للوالدين وصلة للأرحام …موسم يتضاعف فيه الحسنات، فعلى العاقل أن يخطط لنفسه فيه حتى يغتنمه فإنه فرصة لا تتكرر في العام إلا مرة فاستغلوها بما يرضي الله عنكم قبل أن ترحل أو ترحلوا (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ) آل عمران.

الوقفة الثانية/العزيمة الصادقة وتهيئة الوسائل اللازمة لتنفيذ الخطة، قال صلى الله عليه وسلم ( احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) الحديث .البخاري، و عن أبي كبشة عمرو بن سعدٍ الأنماريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله :(( إنما الدّنيا لأربعة نفَر: عبدٍ رزقه الله مالاً وعلمًا، فهو يتّقي اللهَ ويصِل فيه رَحِمه ويَعلَم لله فيه حقًّا، فهذا بأفضل المنازل، وعبدٍ رَزَقه الله علمًا ولم يرزُقه مالاً، فهو صادِق النية يقول: لو أنَّ لي مالاً لعمِلتُ بعمَل فلان، فهو نيّته فأجرهما سواء، وعبدٍ رزَقَه الله مالا ولم يرزقه عِلمًا، فهو يخبِط في ماله بغيرِ عِلم، لا يتّقي فيه ربَّه ولا يصِل فيه رحِمه ولا يعلَم لله فيه حقًّا، فهذا بأخبَثِ المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا، فهو يقول: لو أنَّ لي مالاً لعمِلت فيه بعمل فلان، فهو نيّتُه فوِزرُهما سواء)) رواه الترمذي وقال: “حديث حسن صحيح وحسنه الألباني .

الوقفة الثالثة/ التفقه في أحكام الصيام، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَاللَّهُ الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِمُ وَلَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُون)) رواه البخاري.

الوقفة الرابعة/ إخلاص النية وتجديدها وتجريدها من الشوائب قبل الإقبال على الطاعات، ]وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ  [ البينة 05.  وعن أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ مَالَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا شَيْءَ لَهُ فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا شَيْءَ لَهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ) رواه النسائي، قال الألباني حسن صحيح. ويقول ابن المبارك: ((رب عمل صغير تعظمه النية، ورب عمل كبير تصغره النية))

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا))

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.

 

الخطة الثانية

الحمد لله على نعمائه، والشكر له على امتنانه، والصلاة والسلام على أفضل رسله

الوقفة الخامسة/الحرص على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأعمال وهو أيضا شرط في قبول العمل، قال تعالى:  ]لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [ الأحزاب 21

)) وقال صلى الله عليه وسلم:(( مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ )) رواه البخاري

الوقفة السادسة/عدم تقديم رمضان  بصيام يوم أو يومين، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ ) البخاري رقم ( 1781 ).  وعَنْ صِلَةَ بن زفر قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ رضي الله عنه فَأُتِيَ بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ فَقَالَ كُلُوا فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ قَالَ إِنِّي صَائِمٌ فَقَالَ عَمَّارٌ مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)). رواه النسائي.

الوقفة السابعة/بدء الصيام بثبوت الشهر بالرؤية أو بالإتمام لما رواه البخاري عن مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ ) البخاري رقم ( 1786 )

ويثبت الشهر على الراجح في قول جمهور العلماء برؤية مسلم واحد عدل ذكر -وفي شهادة المرأة قولان- فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنها قَالَ: تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ ) رواه أبوداد في باب شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان، وصححه الألباني، وكذا الدار مي في سننه.

وأما اختلاف المطالع فهو ثابت حسا وعقلا، وقد بات موضع خلاف بين العلماء سلفا وخلفا ولكل أدلته، وقد عرضت هذه المسألة على اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية، فأفاد بثبوت الخلاف بين العلماء وأن هذا الأمر متروك لولاة الأمور فما اختاروه من المذهبين فعلى الرعية طاعتهم، لما في ذلك من حفاظ على وحدة الأمة في البلد وتجنب الفرقة في صفوف المسلمين.

فاتقوا الله عباد الله , وارغبوا إليه , وأحسنوا تضييف ضيفه الكريم إليكم , وجدوا في طلب مرضاته  , ولا يعترينكم فتور ولا ملل في سبيل ذلك , استفرغوا الوسع في طلب جناته والنجاة من عذابه , ووليكن همكم أن تسمعوا الخطاب الرباني :(اليوم أحل عليكم رضاي فلا اسخط عليكم أبداً). وصلوا وسلموا على النذير البشير , صاحب الوجه الأنور , والجبين الأزهر, وعلى زوجاته أمهات المؤمنين وصحابته.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين.