
مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم الخطبة | عنوان الخطبة | معد الخطبة | تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
131 | حقيقة محبة النبي صلى الله عليه وسلم | الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ | 13/03/1445هـ الموافق 29/09/2023م | الأمانة العامة |
الموضوع:” حقيقة محبة النبي صلى الله عليه وسلم “
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد لا إله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، إن الله جل جلاله ذكَّر عبادَه المؤمنين منَّته عليهم وفضلَه عليهم بمبعث محمد ، ليعرفوا قدرَ هذه النعمة، فيشكروا الله عليها، ويحمدوه عليها، ويلتزموا ما جاء به محمد علماً وعملاً: ﴿ لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ ﴾ [آل عمران:164].
أجل، إنها منة كبرى ونعمة عظمى لمن تدبَّر وتعقل.
لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ، فالمؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله هم الذين يستشعرون هذه المنة، ويعرفون قدرَ هذه النعمة حقَّ المعرفة، لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنفُسِهِمْ، يعرفون حسبه، يعرفون نسبَه، يعرفون صدقَه، ما جُرِّب عليه كذب، وما عُرف بخيانة، ولا عُثر فيه على خلقٍ سيئ، بل هو محفوظ بحفظ الله من نشأته إلى وفاته، محفوظ بحفظ الله من كل سوء، ما عبد وثناً، وما تعاطى مسكراً، وما اقترف جريمةً، بل هو معروف عندهم بالصادق الأمين، أدَّبه ربه فأحسن تأديبَه، وعلَّمه فأحسن تعليمَه، واختاره لهذا الأمر العظيم، لهذه الرسالة الكبرى، وربُّك يعلم حيث يجعل رسالته.
يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِهِ، يتلو عليهم هذا القرآن، فيه خبر من قبلهم، وحكم ما بينهم، ونبأ ما بعدهم. يتلو عليهم هذا القرآن الذي هو سبب لإخراجهم من ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم والهدى، ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم:1].
وَيُزَكّيهِمْ، يزكي أخلاقهم، يزكي نفوسهم، يزكي عقولهم بطهارتها من الشرك قليله وكثيرة، وطهارتها من رذائل الأخلاق وسفاسف الأعمال.
وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ، علَّمهم القرآن، وعلمهم السنة، وإن كانوا من قبل مبعثه لفي ضلال مبين. أجل، كانوا قبل مبعث محمد في غاية من الضلال، لا يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً، في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، نظر الله إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمَهم إلا بقايا من أهل الكتاب، يقول جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه مخبراً النجاشي لما سأله قال: كنا عبادَ أوثان، نأكل الميتة، ونشرب الخمر، ونقطع الرحم، ونأتي الفواحش، حتى بعث الله فينا محمداً ، فأخرجنا الله به من الظلمات إلى النو. فهم قبل مبعثه في غاية من الضلال، قد اندرست أعلامُ الهدى، فليس الحق معروفاً، ولكن الله أنقذ هذه الأمة بمبعث محمد .
إن مبعثَه رحمةٌ للعالمين، وكتابه نذير للعالمين، بعثه الله برسالةٍ للخلق كلهم، عربِهم وعجمهم، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ:28]
فنسخ الله به كلَّ الشرائع، نسخ الله بشريعته كلَّ الشرائع، وألزم الخلقَ طاعتَه، وحكم على من خرج عن شريعته بالخسارة في الدنيا والآخرة: ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ ﴾ [آل عمران:85]، ويقول : ((لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار)) ، لأن الله جل وعلا ختم برسالته كلَّ الرسالات، ﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيّينَ ﴾ [الأحزاب:40].
أيها المسلم، حقُّ محمد علينا أمور، فمن أعظم حقه الإيمان به، فمن أعظم حقه أن نؤمن به، ونصدق رسالته، ونعتقد أنه عبد الله ورسوله، أرسله الله إلى الخلق كلهم. ومن حقه علينا أن نسمع ونطيع له، فإن طاعته طاعة لله، ﴿ مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ ﴾ [النساء:80]، وطاعته سبب للهدى، ﴿ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ ﴾ [النور:54]. ومن حقه علينا أن نحكِّم سنته، ونتحاكم إليها، ونرضى بها، وتطمئن بها نفوسنا، وتنشرح لذلك صدورنا، فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً [النساء:65]، وإذا أمر بأمر أو حكم بحكم نقبله وليس لنا خيرة في ذلك، ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب:36]. إن طاعته سبب لدخول الجنة، يقول : ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى))، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: ((من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)).
أيها المسلم، إن محبة رسول الله عنوانُ الإيمان، محبةُ رسول الله المحبة الصادقة، بأن تحبَّه محبةً فوق محبة نفسك التي بين جنبيك، قال عمر: يا رسول الله، والله إنك لأحب الناس إليَّ إلا نفسي، قال: ((لا والله، حتى أكون أحب إليك من نفسك))، قال: لأنت الآن أحب إلي من نفسي، قال: ((الآن يا عمر)). وأخبر أن محبته محبة فوق محبة الولد والوالد فقال: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده)). وأخبر أن العبد لا ينال كمال الإيمان حتى يحب هذا النبي محبة فوق محبة الأهل والناس أجمعين، فيقول : ((لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من أهله والناس أجمعين))
أيها المسلم، ثمرة تلك المحبة أولاً: طاعة الله ومحبة الله، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ ﴾ [آل عمران:31]، فلا ينال عبدٌ محبة الله حتى يحبَّ هذا النبي الكريم محبةً صادقة من عميق قلبه. ومِن ثمرات محبته أن المحبَّ له يُحشَر معه يوم القيامة، ويلتحق به يوم القيامة، سأل رجلٌ النبي فقال: يا رسول الله، متى الساعة؟ قال: ((ما أعددتَ لها؟)) قال: حب الله ورسوله، قال: ((المرء مع من أحب))، قال أنس: فما فرح المسلمون بعد الإسلام فرحَهم بما قال النبي : ((المرء مع من أحب))، قال أنس رضي الله عنه: فإني لأحب رسول الله وأبا بكر وعمر، وأرجو الله أن يلحقني بهم وإن قلَّ عملي
أيها المسلم، إن لمحبة رسول الله علاماتٍ تدلّ على كمال محبة المسلم لمحمد ، فليست المحبة له مجردَ ادعاء، ولكنها حقائقُ واقعة باتباع سنته وتطبيقها، والسؤال عنها ومحبتها، ومحاولة تطبيق المسلم سنةَ رسول الله في كل عباداته وأحواله، فما بلغه من سنته من شيء إلا أخذ بها وعمل بها وطبقها وفرح بذلك. إن محبتَه لا تكون بغلوِّ الغالين فيه، ولا تكون بجفاء الجافي. إن محبتَه اتباعُ ما جاء به وتحكيمُ شريعته، وأعظم ذلك عبادةُ الله وحده لا شريك له، وصرف كل أنواع العبادة لرب العالمين، وأن لا يُصرف منها شيء لغير الله، وقد أمره الله أن يقول: ﴿ قُلْ إِنّى لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً قُلْ إِنّى لَن يُجِيرَنِى مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً ﴾ [الجن:21، 22]، وقال له: ﴿ قُل لا أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرّا إِلاَّ مَا شَاء ٱللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ ٱلسُّوء ﴾ [الأعراف:188]، وحذرنا أن نغلو فيه فقال: ((إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)) ، وقال لنا: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله)) ، ولعن في آخر حياته اليهود والنصارى الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وقال : ((ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني أين كنتم))
هكذا أرشدنا ، هو مبعوثٌ لإقامة شرع الله، للدعوة إلى توحيد الله وإخلاص الدين له، والعبادةُ لا حقَّ له ولا لغيره فيها، بل هي حقّ خالص لربنا جل وعلا، لما قال له رجل: ما شاء الله وشئت، قال: ((أجعلتني لله ندا؟! بل ما شاء الله وحده))
أيها المسلم، إن علامةََ محبة النبي تكون ـ كما سبق ـ باتباع سنته، والعمل بشريعته، والاقتداء به في القليل والكثير، ﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً ﴾ [الأحزاب:21]. فالمحب له هو المعظمُ لسنته، العامل بها إذا بلغته، سواء في العبادات أو في المعاملات أو في كل الأحوال، يقتفي سنته، ويبحث عنها، ويسأل عنها، ويهتمُّ بها، ويقيم لها وزناً، هكذا المؤمن المحب له .
أيها المسلم، إن أصحابَه الكرام قد أظهروا من كمال محبتهم له وحرصهم على سنته ما لا يخفى، أظهروا من محبتهم له وشفقتهم عليه وحرصهم على الاقتداء به ما جعلهم خيرَ الخلق وأفضلَ الخلق على الإطلاق بعد الأنبياء عليهم السلام، فاسمع ـ أخي ـ إلى أنواع من محبتهم له تدلُّ على قوة الإيمان به، ومحبتهم له، رضي الله عنهم وأرضاهم.
يومَ أراد المهاجرة من مكة إلى المدينة أتى الصديق في الظهيرة، فلما قيل للصديق: هذا رسول الله، قال: بأبي وأمي، ما أتى به إلا لأمرٍ جَلَل، فلما دخل عليه قال: ((أُذِن لي بالهجرة))، فقال الصديق: الصحبةَ يا رسول الله؟ فقال: ((نعم))، قالوا: فبكى الصديق رضي الله عنه فرحاً، تقول عائشة: وما كنت أظن الفرح يوجب البكاء بعد الذي رأيت من أبي رضي الله عنه وأرضاه
ومن ذلكم أن الصديق رضي الله عنه لما فطن لخطبة خطبها النبي أنها توديعٌ لهم وإخبارٌ بقرب أجله بكى الصديق رضي الله عنه، فخطب في آخر حياته قائلاً: ((إن عبداً خيَّره الله بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده))، فبكى الصديق رضي الله عنه، قالوا: إن المخيَّر هو رسول الله، وإن الصديق كان أعلمنا بذلك رضي الله عنه وأرضاه
ولما خطب بعد موت النبي بسنة، وأراد أن يقول: إن رسول الله خطبنا في هذا اليوم من العام الأول بكى رضي الله عنه، وغلبه البكاء مراراً، ثم قال: سمعت رسول الله يقول: ((ما أوتي عبد بعد الإسلام خيراً من العافية، فاسألوا الله العافية))
ولما حضرت أبا بكر الوفاة، قال لهم: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم الاثنين، قال: إن متُّ مساءً فلا تنتظروا بي إلى الصباح، فإن أفضلَ يوم أو ليلة عندي أن ألحق بمحمد ، فرضي الله عنه وأرضاه.
وهذا خليفته عمر رضي الله عنه، حينما طُعن وعلم أنه قرب أجله قال لابنه: يا بني، إن أهمَّ أمر علي أن أدفن بجوار محمد وصاحبه أبي بكر، فاذهب إلى عائشة فقل لها: يقرئك عمر السلام، ويستأذنك في أن يدفَن بجوار محمد وصاحبه، فذهب عبد الله إليها، وإذا هي تبكي على عمر حزناً عليه، فقال: يقرئك عمر السلام، ويقول: أستأذنُ منك أن أدفَن بجوار محمد وصاحبه، قالت: لقد كنتُ أعدُّه لنفسي، وإني لأوثره على نفسي، فرجع عبد الله إلى عمر، فقيل: هذا عبد الله، فقال: أسندوني، ما وراءك؟ قال: ما يسرُّك يا أمير المؤمنين، لقد أذنتْ أن تُدفَن بجوار محمد وصاحبه، قال: الحمد لله، إنه لأمرٌ كان يهمّني، ثم قال: يا عبد الله، إذا صليتُم عليَّ، فمرُّوا بجنازتي إلى عائشة، فلعلها أن تكون قالته حياءً مني، فإني أذنتْ لي وإلا فضعوني مع المسلمين، فلما صلَّوا عليه مرّوا به فقالت: ما كنت لآذن له حياً وأمنعه ميتا، رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.
وهؤلاء أنصارُ الإسلام الأوس والخزرج، كانت محبتهم لرسول الله محبةً صادقة حقاً، فلما قسم النبي غنائم حنين، ولم يعطهم ولا المهاجرين شيئاً، وخصّ بها المؤلفةَ قلوبهم، وجد بعضهم في نفسه شيئاً، فدعا الأنصار وقال لهم: ((يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟! وعالة فأغناكم الله بي؟! ومتفرقين فألفكم الله بي؟!))، فكلما قال شيئاً قالوا: الله ورسوله أمنّ، قال: ((يا معشر الأنصار، أترضون أن يرجع الناس بالشاء والبعير وترجعون بالنبي إلى رحالكم؟!)) قالوا: نعم، قال: ((المحيا محياكم، والممات مماتكم، الأنصار شعار، والناس دثار، اللهم اغفر للأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار)) رضي الله عنهم وأرضاهم.
صحابيٌّ آخر أتى النبي قائلاً: يا رسول الله، كلما ذكرتُك وأنا في بيتي، لا تطيب نفسي حتى أخرج وأنظر إليك، ولكن إذا ذكرتُ موتي وموتَك وعلوَّ منزلتك وأنا دون ذلك حزنتُ حزناً شديداً على ذلك، فأنزل الله: وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مّنَ ٱلنَّبِيّينَ وَٱلصّدّيقِينَ وَٱلشُّهَدَاء وَٱلصَّـٰلِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً [النساء:69][19].
أيها المسلمون، محبةُ المسلم لرسول الله لا تكون بغلوٍّ فيه، ولا بإطرائه، ولا برفعه عن منزلته، ولا بإحياء مولدٍ أو أمثال ذلك مما ابتدعه المبتدعون وأحدثه الضالون، وإنما تكون باتباع سنته والعمل بشريعته والطمأنينة إليها. إن صلة المسلم بنبيه صلةٌ دائمة، وصلة مستمرة، وصلة لا تنقطع، في كل أحواله، في كل حركاته وسكناته، فله صلة بنبيه ، إن صلى فإن صلته برسول الله الاقتداءُ به ليحقق قوله: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) ، إن حج فصلته بنبيه: ((خذوا عني مناسككم)) ، إن صام أو زكى فدائماً صلته بنبيه، في أكله وشربه ونومه وبكائه وضحكه وغضبه ورضاه، [في] كل أحواله هو يقتدى بمحمد ، ويتحرى الاقتداءَ به والتأسيَ به في القليل والكثير.
هكذا المسلم المحبُّ له، أما محيو هذه الليلة ليلة المولد وأمثالها، فإن صلى الله عليه وسلم صلة مبتورة، ليلة من الليالي يأتي فيها من الخرافات والبدع والضلالات ما الله به عليم، ويدَّعون أنهم بذلك معظمون لسنته، وهم بعيدون كلَّ البعد عنها.
إن أصحابَه الكرام، خلفاءَه ثم سائر أصحابه يعلمون ليلة مولده، ويعلمون ليلةَ مهاجره، ويعلمون أيامَ انتصاره، ويعلمون ليلةَ موته، ويعلمون كلَّ هذه الأمور، وما نُقل عنهم شيء من هذا، وهو أحب الناس إليهم، وهم المحبون له على الحقيقة والكمال، ومع هذا ما علمنا شيئاً أحدثوه، ولكنهم متبعون ومقتدون ومتأسون به ، فليكن المسلمون على ذلك. هذه حقيقة المحبة، حقيقة الإيمان والاتباع، السير على ما سار عليه، وعلى ما كان عليه أصحابه والتابعون وتابعوهم السائرون على المنهج القويم والطريق المستقيم، وفي الحديث: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) ، وفيه: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثاني
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، الأصلُ في عباداتنا أن تكون خالصةً لله، وأن تكون على وفق ما دل الكتاب والسنة عليه، فكل عبادة نتعبَّدها لا أصل لها في سنة محمد فإنها عبادة باطلة؛ لكونها غيرَ موافقة لسنة محمد . وإن أصحابه الكرام أقرب الناس إليه، عاشوا معه وعرفوا هديَه، وعرفوا عبادتَه، فكل عبادة ما تعبَّدوها فلنعلم أنها عبادة على غير هدى، إذ لو كانت عبادة حقاً لكانوا أولى الناس بها، ﴿ وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلأوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَـٰجِرِينَ وَٱلأنْصَـٰرِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ﴾ [التوبة:100]، فهم أسوتنا وقدوتُنا، ما نقلوا لنا عن محمد فهو الحق المقبول، وما لم ينقلوه في العبادة فالأصل أن كل عبادة لم يتعبَّدها أصحاب رسول الله نعلم أنها مبتدعة لكونها لا دليل عليها، وإنما الحق ما وافق هديه ، وكل بدعة تُنشأ وتقام فلا بد أن يقابلها تعطيل لسنة من السنن.
إن المحيين لليلة المولد قد يكون قصدُ بعضهم خيراً لكنه لم يوفَّق للصواب، والغالبُ عليها أنها تُعمَر بأذكار وقصائد ودعوات باطلة، فيها دعاء للنبي، واستغاثة به، وغلو فيه، وإشراكه بالله، فهو يكره هذا ويأباه ولا يرضاه. وأحب الناس إليه من أمته من كان متبعاً لسنته سائراً عليها بعيداً عن هذه البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان، ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُواْ لَهُمْ مّنَ ٱلدّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱلله ﴾
[الشورى:21]، قال بعض السلف: (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم) فالحق ما كان عليه أصحابه الكرام والتابعون لهم بإحسان، وهم المطبقون لسنته العاملون بها، جعلنا الله وإياكم من أتباعهم، إنه على كل شيء قدير.
اعلموا ـ رحمكم الله ـ أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
وصلوا ـ رحمكم الله ـ على محمد بن عبد الله، كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، الأئمة المهديين…

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم الخطبة | عنوان الخطبة | معد الخطبة | تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
230 | حفلات الموالد حقيقتها من أحدثها حكمها | الشيخ صالح بن عبد الله الهذلول | 13/03/1445هـ الموافق 29/09/2023م | الأمانة العامة |
الموضوع:” حفلات الموالد: حقيقتها، من أحدثها، حكمها “
الحمدُ لله خَلَقَ فقدَّر، سُبْحَانَهُ مَا أَقْوى سُلطانَه، وَأَوسَعَ حِلمَهُ وغُفرَانَهُ، سبَّحت لَهُ السَّمواتُ وأَمَلاكُهَا، وَالنُّجُومُ وأَفْلاكُهَا، والأَرَضُونَ وسُكَّانُها، أَشْهَدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، أَظْهَرَ الأَدِلَّةَ على قُدرتِهِ وجلاَّها، وتَوَعَّدَ الظَّالِمِينَ والْمُفْسِدِينَ بِالنَّارِ وَلَظَاهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خَيرُ البَرِيَّةِ وَأَزْكَاهَا، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وَبَارَكَ علَيهِ، وَعلى آلِهِ وَأَصَحَابَهِ، وَمَنْ تَبِعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
أما بعد:
أيها المسلمون، فإن رسول الله ﷺ هو الصورة العملية التطبيقية لهذا الدين، ويمتنع أن تعرف دين الله ويصح لك إسلامك بدون معرفة الرسول ﷺ وكيف كان هديه وعمله وأمره ونهيه، لقد سالم وحارب، وأقام وسافر، وباع واشترى، وأخذ وأعطى، وما عاش ﷺ وحده، ولا غاب عن الناس يومًا واحدًا، ولا سافر وحده، وقد لاقى أنواع الأذى، وقاسى أشد أنواع الظلم، وكانت العاقبة والنصر له. بُعث على فترةٍ من الرسل وضلال من البشر وانحرافٍ في الفطر، وواجه ركامًا هائلاً من الضلال والانحراف والبعد عن الله والإغراق في الوثنية، فاستطاع بعون الله أن يُخرجهم من الظلام إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى، ومن الشقاء إلى السعادة، فأحبُّوه وفدوه بأنفسهم وأهليهم وأموالهم وأولادهم وأوطانهم، واقتدوا به في كل صغيرة وكبيرة، وجعلوه نبراسًا لهم يستضيئون بنوره ويهتدون بهديه، فأصبحوا أئمة الهدى وقادة البشرية.
هل تطلبون من الْمختـار معجزةً يكفيه شعب من الأجداث أحياه
من وحّد العُرْب حتى كان واترهم إذا رأى ولـد الموتـور آخـاه
وما نقل الشرع إلى منَ بعدهم ولا وصل إلينا إلا عن طريقهم، فما لم يفعلوه أو لم ينقلوه فليس شرعًا، وما أصيب المسلمون إلا بسبب الإخلال بجانب الاقتداء به والأخذ بهديه واتباع سنته، وقد قال الله تعالى ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ الأحزاب: 21، حتى اكتفى بعض المسلمين من سيرته بقراءتها في المنتديات والاحتفالات، ولا يتجاوز ذلك إلى موضع الاهتداء والتطبيق، وبعضهم اكتفى بقراءتها للبركة أو للاطلاع على أحداثها ووقائعها أو لحفظ غزواته وأيامه وبعوثه وسراياه.
معاشر المسلمين، ماذا تمثل احتفالات الموالد في حقيقتها؟ ومتى بدأت؟ ومن أول من قام بها؟ وماذا يجري فيها؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة يسلمنا إلى معرفة حكم الاحتفال بالموالد، هل هو واجب أو سنة أو مباح أو حرام؟
الموالد ـ عباد الله ـ جمع مولِد، وهو من حيث المدلول والمعنى والحقيقة لا يختلف بين إقليم إسلامي وآخر وإن اختلفت التسمية، فتسمى في بلاد المغرب الأقصى: المواسم، وأهل المغرب الأوسط يسمونها: الزرد جمع زردة، فيقال: زردة سيدي أبي الحسن الشاذلي مثلاً، وأهل مصر والشام وبلدان الجزيرة العربية يسمونها: الموالد، فأهل مصر يقولون مثلاً: مولد السيدة زينب أو مولد السيد البدوي، ونحو ذلك، وربما سميت الحضرة لاعتقاد من يقيمها بحضور روح الولي فيها ولو بالعناية والبركة، أما أهل الباكستان وفي الهند فيسمونه: ميلاد.
وأما ما يجري فيها من أعمال فتختلف كيفًا وكما، بحسب وعي أهل الإقليم وفقرهم وغناهم، فالمولد النبوي الشريف عبارة عن اجتماعات في المساجد أو في بيوت الأغنياء، وربما استأجر القائمون عليه موقعًا عامًا كالفنادق وقصور الأفراح والاستراحات، وهي تبتدئ غالبًا من هلال ربيع الأول إلى اليوم الثاني عشر منه، وربما توسعوا في الزمان ليشمل شهر ربيع الأول كله، تُتْلى فيها جوانب من السيرة النبوية؛ كالنسب الشريف، وقصة المولد، وبعض الشمائل المحمدية الطاهرة الخَلْقية والخُلُقية، مع جعل اليوم الثاني عشر من ربيع يوم عيد يوسع فيه على العيال وتعطل فيه المدارس والكتاتيب ويلعب فيه الأطفال ويلهون.
ربما توسّع بعض الجهات فأقاموا حفلة المولد عند وجود أية مناسبة من موت أو حياة أو تجدد حال؛ فتذبح الذبائح وتعد الأطعمة ويدعى الأقارب والأصدقاء وقليل من الفقراء، ثم يجلس الكل للاستماع، ويتقدم شاب حسن الصوت فينشد الأشعار ويترنم بالمدائح، وهم يرددون معه بعض الصلوات على النبي ﷺ ، وتقرأ قصة المولد، إلى آخر ما هنالك من المظاهر، حتى إذا بلغ القارئ عبارة: “وولدته آمنة مختونًا” قام الجميع إجلالاً وتعظيمًا، ووقفوا دقائق في إجلال وإكبار تخيُّلاً منهم وضعَ آمنة لرسول الله ﷺ ، ثم يؤتى بالمجامر وطيب البخور فيتطيب الكل، ثم تُدار كؤوس المشروبات فيشربون، وتقدّم قصاع الطعام فيأكلون ثم ينصرفون، وهم بهذا يعتقدون فعل قربةٍ حسنة يؤجرون عليها، بل ربما ظنَّ بعضهم واعتقد أنه غُفِر له ذنبه بحضور هذا الاحتفال حتى ولو كان يتخلف عن الصلاة ويقصِّر في أداء الفرائض والمكتوبات.
عباد الله، مما يجدر التنبيه إليه هنا أن جُلَّ القصائد والمدائح التي يتغنى بها في الموالد لا تخلو من ألفاظ الشرك وعبارات الغلو الذي نهى الرسول ﷺ عنه بقوله: ((لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، وإنما أنا عبد الله ورسولُه، فقولوا: عبد الله ورسوله)) رواه البخاري ومسلم.
كما يُختم الحفل بدعوات تحمل ألفاظ التوسلات المنكرة والكلمات الشركية المحرمة؛ لأن جُلَّ الحاضرين عوام أو غلاة في حب التوسلات الباطلة التي نهى عنها الشرع، كالسؤال بجاه فلان وحق فلان. والشيء الذي يجب أن يقال في هذا الصدد أن هناك قاسمًا مشتركًا بين المتحمسين لإقامة الموالد والساعين في الدعوة إليها، في الغالب يتمثل فيما يلي:
1- ذبح النذور والقرابين للسيد أو الولي المقام له الاحتفال، سواء كان الرسول ﷺ أو غيره.
2- اختلاط الرجال الأجانب والنساء الأجنبيات.
3- الرقص وضرب الدفوف والتزمير بالمزامير المختلفة.
4- إقامة الأسواق للبيع والشراء، وهذه الأسواق غير مقصودة لهذا الشيء نفسه، غير أن التجار يستغلون التجمعات الكبرى ويجلبون إليها بضائعهم لعرضها وبيعها.
5- دعاء الولي أو السيد والاستغاثةُ به والاستشفاع وطلبُ المدد، مما يتعذر الحصول عليه من رغائب وحاجات، وهو شرك أكبر.
6- سعي بعض الحكومات في الدول الإسلامية وغيرها على إقامة هذه المواسم وإعطائها التسهيلات التي تكفل لها القيام بها وإتمامها، وقد تسهم بشيء من المال واللحم والطعام ونحوها، حتى إن فرنسا النصرانية أيام استعمارها لبلدان المغرب العربي كانت تخفض تذاكر الإركاب بالقطارات أيام الموالد تشجيعًا منها لذلك، هذا في الوقت الذي يجد فيه المسلمون عنتًا ومشقة عند ممارستهم لشعائرهم الدينية.
هذه هي الموالد في عرف الناس اليوم، ومنذ ابتداعها وإحداثها على يد العُبيديين الذين يسمون أنفسهم الفاطميين، وكانت بدايتها في منتصف القرن الرابع الهجري، أحدثوها في القاهرة سنة 362هـ أيام حكمهم لمصر. وقد نقل المقريزي في كتابه “الخطط المقريزية” (2/384) أنه كان للعبيديين طوال السنة أعياد ومواسم، هي: موسم رأس السنة، وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي ﷺ ، ومولد علي بن أبي طالب t، ومولد الحسن، ومولد الحسين رضي الله عنهما، ومولد فاطمة الزهراء رضي الله عنها، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه، وموسم ليلة رمضان، وغرة رمضان، وسماط رمضان، وليلة الختم، وموسم عيد الفطر، وموسم عيد النحر، وعيد الغدير، وكسوة الشتاء، وكسوة الصيف، وموسم فتح الخليج، ويوم النوروز، ويوم الغطاس، ويوم الميلاد، وخميس العدس، وأيام الركوبات. اهـ كلامه.
كما قد صرح مفتي الديار المصرية الأسبق محمد بخيت المطيعي الحنفي رحمه المتوفى سنة 1354هـ ـ أي: قبل سبعين عامًا ـ بأن أول من ابتدع الموالد وأحدثها هم العبيديون، وذكر ذلك أيضًا من علماء مصر الشيخ علي محفوظ والسيد علي فكري. والعبيديون هؤلاء هم فرقة من الفرق الإسماعيلية الباطنية التي قال عنها الإمام القاضي الباقلاني الشافعي رحمه الله: “قوم ظاهرهم الرفض، وحقيقتهم الكفر المحض”. والفرق الباطنية على اختلافها يجمعها الكفر بالله تعالى وإنكار وجوده والقول بتعدد الآلهة والطعن في الرسل والاستهتار بالشرائع وإنكار البعث والجزاء وإباحة المحرمات. وقوم هذا شأنهم ليس غريبًا أن يسعوا جادين في هدم شرائع الإسلام وشعائره.
أيها المسلمون، بعد هذا البيان لعله من المناسب الآن ذكر حكم إقامة احتفالات الموالد، سواء كانت لميلاد الرسول ﷺ أم لغيره، فقد عرفتم أنها أُحدثت في القرن الرابع الهجري، إذ القرون المفضلة الأولى مضت ولم تعرف فيها هذه الموالد، ومن المعلوم أنّ كل ما لم يكن على عهد رسول الله ﷺ وأصحابه دينًا لم يكن لمن بعدهم دينًا إذا كان بإمكان الرسول ﷺ وصحابته فعله. وحفلات الموالد المستحدثة لم تكن موجودة على عهد رسول الله ﷺ ولا أصحابه ولا في عهود التابعين وتابعيهم، فكيف تكون دينًا يؤجر عليها صاحبها؟! وإنما هي بدعة، وبدعة ضلالة بقول رسول الله ﷺ: ((إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)) رواه أصحاب السنن بسند صحيح.
فإذا كان الرسول ﷺ قد حذرنا من محدثات الأمور وأخبرنا أن كل محدثة بدعة وأن كل بدعة ضلالة وأن الإمام مالك رحمه الله قال لتلميذه الإمام الشافعي رحمه الله: “إنّ كل ما لم يكن على عهد رسول الله ﷺ وأصحابه دينًا لم يكن اليوم دينًا” وقال: “من ابتدع في الإسلام بدعة فرآها حسنة فقد زعم أن محمدًا ﷺ قد خان الرسالة؛ وذلك لأن الله تعالى قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا” المائدة: 3 فهل يكون ـ أيها المؤمنون ـ المولد النبوي بالمعنى العرفي غير بدعة وهو لم يكن سنة من سنن الرسول ﷺ ولا من سنن الخلفاء الراشدين ولا من عمل السلف الصالح، وإنما أحدثته في الإسلام فرقة يجمع علماء الإسلام على أنها كافرة وإن تسمّت بالإسلام وادعته؟!
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وارزقنا علمًا نافعًا، وبصرنا بعيوب أنفسنا، ووفقنا للهدى وسددنا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا بني بعده.
أَمّا بَعدُ:
معاشر المسلمين، إن مما يدل على أن مسألة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف قد اتُّبِع فيها الهوى ولم يتبع فيها الشرع تبرير أهلها لها بالعلل الآتية:
أولاً: كونها ذكرى سنوية يتذكر فيها المسلمون نبيهم ﷺ ، فيزداد حبهم وتعظيمهم له. هذه شبهة.
والجواب عليها: أن هذا التعليل باطل، فالنبي ﷺ يذكر في اليوم عشرات المرات ليس مرة واحدة في السنة، فالمسلم لا يصلي صلاة من ليل أو نهار إلا ذكر فيها رسول الله ﷺ ، ولا يدخل وقت صلاة ولا يقام لها إلا ويذكر الرسول ﷺ ويصلي عليه، واسمه يذكر كل حين على المنابر والمنائر.
ثانيًا: من الشبه التي يروج لها أصحاب حفلات الموالد أنه يسمع فيها بعض الشمائل المحمدية، ويتلى فيها النسب النبوي الشريف.
والجواب عليها: أن معرفة الشمائل المحمدية والنسب الشريف لا يكفي فيها أن تسمع مرة في العام، وماذا يغني سماعها مرة وهي جزء من العقيدة الإسلامية؟! فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يعرف نسب نبيه ﷺ وصفاته، وهذا لا بد له من تعليم، فلا يكفي فيه مجرد سماع تلاوة قصة المولد مرة في كل عام.
ثالثًا: ومن الشبه: أن الاحتفال يرمز إلى إظهار الفرح بولادة الرسول ﷺ ؛ لما يدل ذلك على حب الرسول وكمال الإيمان به.
والجواب عليها: أن الفرح إما أن يكون بالرسول ﷺ أو بيوم وُلد فيه، فإن كان بالرسول ﷺ فليكن دائمًا كلما ذكر ﷺ ، ولا يختص بوقت دون وقت، وإن كان باليوم الذي ولد فيه فإنه أيضًا هو اليوم الذي مات فيه، ولا يُظن أن عاقلاً يقيم احتفال فرح وسرور باليوم الذي مات فيه حبيبه ﷺ ، وموت الرسول ﷺ أعظم مصيبة أصابت المسلمين، والفطرة البشرية تقتضي أن الإنسان يفرح بالمولود يوم ولادته ويحزن عليه يوم موته، فسبحان الله كيف يحاول الإنسان غرورًا تغيير الطبيعة؟!
رابعًا: ومن الشبه أن مما يتم في الاحتفال إطعام الطعام وهو مأمور به، وفيه أجر كبير، لا سيما بنية الشكر لله تعالى.
والجواب عليها: أن إطعام الطعام مندوب إليه مرغب فيه كلما دعت الحاجة إليه، فالمسلم يقري الضيف ويطعم الجائع ويتصدق طوال العام، ولم يكن في حاجة إلى يوم خاص من السنة يطعم فيه الطعام.
خامسًا: يقول أصحاب الموالد إن الاجتماع يتم على ذكر الله تعالى من قراءة القرآن والصلاة على النبي ﷺ.
والجواب: أن الاجتماع على الذكر بصوت واحد لم يفعله الرسول ﷺ مع صحابته، ولم يكن معروفًا عن السلف، ولو كان فيه أجرٌ لما تأخر عنه أصحاب محمد ﷺ ورغبوا عنه، فهو في حد ذاته بدعة وليس سنة. وأما المدائح والقصائد بالأصوات المطربة الشجية فهي بدعة أقبح، ولا يفعلها إلا المتهوكون في دينهم، مع أن المسلمين يجتمعون كل يوم وليلة خمس مرات على مدار العام في المساجد، كما يجتمعون في حلق العلم، فليسوا بحاجة إلى جلسة سنوية الدافع إليها في الغالب الحظوظ النفسية من سماع الطرب والأكل والشرب.
سادسًا: ومن الشبه في هذا الشأن أنهم يقولون: صح عن النبي ﷺ صيامُ عاشوراء، كما أمر بصيامه، ولما سئل عن ذلك قال: ((إنه يوم صالح أنجى الله تعالى فيه موسى وبني إسرائيل))، فصامه موسى شكرًا لله على ذلك، وصامه محمد ﷺ أيضًا شكرًا، وأمر أمته بصيامه شكرًا لله، فلماذا لا نفرح بذكرى مولده شكرًا لله على ذلك؟!
والجواب: أولاً: إن النبي ﷺ أظهر شكره لربه صومًا وليس أكلاً وشربًا وغناءً ورقصًا واختلاطًا.
وثانيًا: ليس لنا حق أن نشرع لأنفسنا صيامًا ولا غيره، وإنما واجبنا الاتباع فقط، فالرسول ﷺ صام يوم عاشوراء وحض على صيامه، وسكت عن يوم ولادته فلم يشرع فيه شيئًا، فوجب أن نسكت كذلك.
أيها المؤمنون: لنتفقه في دين الله، ولندرس كتاب الله، ولندرس سنة النبي ﷺ من منابعها الصافية، فسنجد قلباً واسعاً، وقلباً رحيماً، إنه محمد ﷺ من أوجب الله علينا محبته، والسير على نهجه، والاقتداء بأثره، والاستنان بسنته.
اللهم وأصلح بيوتنا، وبناتنا، وأولادنا، اللهم اجعلهم لنا بارين، اللهم اجعلهم لنا مطيعين.
اللهم اجعلهم من عبادك الصالحين والراكعين والساجدين. اللهم أصلح لنا زوجاتنا، واجعلهن قرة أعين لنا.
اللهم من أراد بيوت المسلمين سوء فاشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره.
اللهم أصلح أحوالنا، اللهم أصلح إعلامنا، اللهم أصلح اقتصادنا، اللهم أصلح أوضاعنا.
اللهم ارفع عنا الغلاء والفقر والوباء، وارفع عنا جميع الأمراض يا رب العالمين.
عباد الله: إن الله -تعالى- غفور رحيم، تواب، فاستغفروا الله لي ولكم، إنه غفور رحيم.

*الأمين العام والمدير التنفيذي وكثير من أعضاء اتحاد علماء إفريقيا يشاركون في النسخة الثالثة من #مزامير داود# في مالي*
بتنظيم من بعض الشباب الغيورين على دينهم، و بإشراف المكتب التنسيقي لفعالية *مزامير داود* وللمرة الثالثة من نوعها في مالي المزيد…

*الأمين العام والمدير التنفيذي وكثير من أعضاء اتحاد علماء إفريقيا يشاركون في النسخة الثالثة من #مزامير داود# في مالي*
بتنظيم من بعض الشباب الغيورين على دينهم، و بإشراف المكتب التنسيقي لفعالية *مزامير داود* وللمرة الثالثة من نوعها في مالي؛ يوم الأحد 24 سبتمبر 2023 في ملعب كرة السلة بباماكو تكريسا لذكرى المرحوم *سمبا جاكيتي* الذي كرس حياته في توحيد الله سبحانه وتعالى، تمت إقامة الفعالية من أجل إبراز الأصوات الذهبية المميزة رنانة في تلاوة وقراءة القرآن الكريم في مالي بصفة خاصة، و ميزت هذه النسخة الثالثة بمشاركة بعض القراء من غرب إفريقيا منهم :
1- القارئ *الشيخ أحمد سليمان من نيجيريا*
2- *الشيخ عمر توري من غينيا كوناكري* الفائز بالمرتبة الأولى في المسابقة الدولية بماليزيا سنة 2023.
3- *الشيخة اندي زينب انغوم من السنغال* الفائزة بالمرتبة الثانية في المسابقة الدولية بماليزيا الفرع النسائي سنة 2023.
و يهدف مزامير داود في مالي إلى نشر الإسلام والعناية بالقرآن الكريم بشكل عام، ورفع شأن القرآن الكريم والقيم الإسلامية بشكل خاص .
وقد شارك في الفعالية جمع غفير من الحضور و عدد من الشخصيات في البلد وممثلي الجمعيات والهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية والمحلية منهم:
الشيخ الدكتور محمود ديكو رئيس الأعلى الإسلامي سابقا،
والشيخ إبراهيم كونتاو مساعد الأمين العام للشؤون المالية والمدير العام لمنظمة الفاروق، ونائب الأول لرئيس المجلس الأعلى الإسلامي في مالي
ووزير الرياضة والشباب،
وممثل وزير الشؤون الدينية والعبادة والعادات في مالي؛
والأمين العام لاتحاد علماء إفريقيا الدكتور سعيد محمد بابا سيلا
والمدير التنفيذي الدكتور عمر بامبا
وكثير من أعضاء اتحاد علماء إفريقيا في بلد المقر.
وإليكم بعض اللقطات من الفعالية مع خالص الشكر والتقدير وتحيات مكتب الأمانة العامة لاتحاد علماء إفريقيا/ قسم الإعلام والمعلوماتية
https://t.me/africanulama

مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم الخطبة | عنوان الخطبة | معد الخطبة | تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
129 | زلزال واعصار آيات واعتبار | الشيخ سعد بن سعيد الصفار | 30/02/1445هـ الموافق 15/09/2023م | الأمانة العامة |
الموضوع:” زلزال واعصار آيات واعتبار !! “
الحمدُ لله خَلَقَ فقدَّر، سُبْحَانَهُ مَا أَقْوى سُلطانَه، وَأَوسَعَ حِلمَهُ وغُفرَانَهُ، سبَّحت لَهُ السَّمواتُ وأَمَلاكُهَا، وَالنُّجُومُ وأَفْلاكُهَا، والأَرَضُونَ وسُكَّانُها، أَشْهَدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، أَظْهَرَ الأَدِلَّةَ على قُدرتِهِ وجلاَّها، وتَوَعَّدَ الظَّالِمِينَ والْمُفْسِدِينَ بِالنَّارِ وَلَظَاهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خَيرُ البَرِيَّةِ وَأَزْكَاهَا، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وَبَارَكَ علَيهِ، وَعلى آلِهِ وَأَصَحَابَهِ، وَمَنْ تَبِعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
أما بعد:
فَاتقُوا اللهَ، واعلَموا أنَّهُ بالتَّقوى تُدفَعُ البَلايَا، وتُرفَعُ الرَّزَايَا، ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ النحل 128
إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: تَمُوجُ الْأَرْضُ بِالْكَوَارِثِ وَالْمُتَغَيِّرَاتِ، وَيَتَفَاجَأُ الْبَشَرُ بِالْتَّغَيُّرَاتِ، آيَاتٌ كَوْنِيَّةٌ تَضْرِبُ الْبَشَرَ هُنَا وَهُنَاكَ؛ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وَيَتَضَرَّعُونَ: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ الأنعام 43.
فَمِن قُدرَةِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ أَن يَأذَنَ لِلأَرضِ فَتَضطَرِبَ بِأَهلِهَا، أَوْ تَأْتِيَ رِيحٌ عَاصِفٌ فِيهَا هَلاكٌ عَظِيمٌ، أَو يُنْزِّلَ مَاءً فيهِ غَرقٌ أَليمٌ! فَتَخِرُّ عَلَيهِم السُّقُفُ مِن فَوقِهِم؛ وَتَنْهَارُ الأَرْضُ مِنْ تَحْتِهِمْ، لِيُرِيَهُم سُبحَانَهُ مِن آيَاتِ قُدرَتِهِ مَا يَحصُلُ لَهُم بِهِ التَّذَكُّرُ وَالِاعتِبَارُ، وَالتَّوبَةُ وَالِاستِبصَارُ، فَتُفِيقَ النُّفُوسُ بَعدَ غَفلَتِهَا، وَتَلِينَ القُلُوبُ بَعدَ قَسوَتِهَا.
عِبَادَ اللهِ: الزَّلَازِلُ وَالأَعَاصِيرُ والْفَيَضَانَاتُ، مِن أَمرِ اللَّهِ تَعَالَى وَجُنْدْهِ، يُصِيبُ بِهَا مَن شَاءَ مِن عِبَادِهِ! إما عذابا وهلاكا، أو رحمة وابتلاء.
فَفِي مَطْلَعِ الأُسْبُوعِ الْمَاضِي أَمَرَ اللهُ الأَرْضَ أنْ تَتَحَرَّكَ وَتَهْتَزَّ عَلى إخْوَانِنَا فِي بِلادِ الْمَغْرِبِ! والرِّيحَ أَنْ تَثُورَ عَلى إخْوَانِنَا فِي لِيبِيا، فَفِي ثَوَانٍ مَعْدُودَةٍ! تَزَلْزَلَتِ الأَرْضُ بِقُوَّةٍ بَالِغَةٍ! وَعَصَفَتْ رِيحٌ عَاتِيَةٌ! لِتُدَمِّرَ كلَّ شيء بأمر ربها! فَصَارَتِ قُرىً خَبَرًا بَعْدَ عَيَانٍ! أَمَّا القَتْلَى والْجَرْحَى وَمَنْ هُمْ تَحْتَ الأَنْقَاضِ وَفِي الْعَرَاءِ فَعَشَرَاتُ الآلاف! وَالخَسَائِرُ بِالْمِلَيَارَاتِ! فَتَحَوَّلَتْ تِلْكَ الْمُدُنُ النَّاضِرَةُ العَامِرَةُ خَرَابًا يَبَابًا! وَتَبَدَّلَ الأَمْنُ خَوفًا ورعبا! وَالحَيَاةُ مَوتًا وَبُؤسًا! وَاسْتَبَدَّ الأَلمُ بِالجَمِيعِ حتَّى خُيِّلَ إليهِمْ أَنَّ القِيَامَةَ قَامَتْ! وَأَنَّ الدُّنْيَا انْتَهَتْ!.
عِبَادَ اللهِ: وَالْمُؤمِنُونَ على يَقِينٍ تَامٍّ أَنَّ أَفْعَالَ اللهِ سُبْحَانَهُ تَتَضَمَّنُ حِكَمًا بَالِغَةً، وَإنْ غَابَتْ عَن عُقُولِنَا! كَمَا قَالَ رَبُّنَا: ﴿َمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا﴾ الإسراء 59
وَإِنّمَا كَانَتْ هَذِهِ الزَّلَازِلُ تَخوِيفًا لِأَنّ اللَّهَ تَعَالَى عَذَّبَ بِهَا أَقوَامًا وَجَعَلَهَا سَبَبًا لِهَلَاكِهِم؛ كَمَا قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿فَأَخَذَتهُمُ الرَّجفَةُ فَأَصبَحُوا فِي دَارِهِم جَاثِمِينَ ﴾ الأعراف 78، قَالَ ابنُ القَيّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ : ” فَإِنّهُ سُبحَانَهُ لَا يَزَالُ يُحدِثُ لِعِبَادِهِ مِنَ الآيَاتِ مَا يُخَوِّفُهُم بِهَا وَيُذَكّرُهُم بِهَا ” .
وَإِنّمَا يَكُونُ التّخوِيفُ بِهَذِهِ الآيَاتِ وَالوَعِيدُ بِهَا إِذَا جَاهَرَ النَّاسُ بِالمَعَاصِي، وَأَعلَنُوا بِالفَوَاحِشِ، وَكَثُرَ فِيهِمُ الخَبَثُ، وَقَلَّ فِيهِم النّاصِحُونَ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ ظُهُورُ هَذِهِ الزَّلَازِلِ وَعِيدًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَهلِ الأَرضِ: ﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيّئَاتِ أَن يَخسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَو يَأتِيَهُمُ العَذَابُ مِن حَيثُ لاَ يَشعُرُونَ ﴾ النحل 45، ﴿ إِن نَّشَأ نَخسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ أَو نُسقِطْ عَلَيهِم كِسَفاً مِّنَ السَّمَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبدٍ مُّنِيبٍ ﴾ سبأ 9.
واللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ : ﴿مَا أَصَابَ مِن مُصِيبَةٍ في الأَرضِ وَلا في أَنفُسِكُم إِلاَّ في كِتَابٍ مِن قَبلِ أَن نَبرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ لِكَيلا تَأسَوا عَلَى مَا فَاتَكُم وَلا تَفرَحُوا بِمَا آتَاكُم وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُختَالٍ فَخُورٍ﴾ الحديد 22، وَحِينَ تَقَعُ مِثلُ هَذِهِ الأَحدَاثِ وَالمَصَائِبِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَختَلِفُونَ في تَلَقِّيهَا، وَتَتَضَارَبُ آرَاؤُهُم في تَفسِيرِهَا، فَمِن مُذِيعٍ لَهَا لِيُحَصِّلَ سَبقًا في نَقلِ الخَبرِ فَحَسبُ، إِلى شَامِتٍ بِالمُبتَلَينَ وَظَانٍّ بِهِم ظَنَّ السَّوءِ، إِلى مَن يَرَى أَنَّ ذَلِكَ أَمرٌ طَبِيعِيٌّ وَحَدَثٌ كَونيٌّ، لا يَخرُجُ عَن أَسبَابٍ مَادِّيَّةٍ مَعرُوفَةٍ، وَقَلِيلٌ هُم أُولَئِكَ المُوَفَّقُونَ، الَّذِينَ يَنظُرُونَ لِمَا يَحصُلُ بِنُورٍ مِمَّا نَزَلَ في الكِتَابِ أَو ثَبَتَ في السُّنَّةِ، لِيَتَعَامَلُوا مَعَ هَذِهِ الأَحدَاثِ وَالمَصَائِبِ بِمَا يَقتَضِيهِ المَقَامُ وَتَستَدعِيهِ الحَالُ، وَمَا يَجِبُ عَلَيهِم نَحوَهَا مِنِ اعتِبَارٍ وَاتِّعَاظٍ، وَخَوفٍ مِنَ العُقُوبَاتِ، وَاستِعدَادٍ لِمَا قَد يَحصُلُ مِن مُفَاجَآتٍ.
أيُّها الْمُؤمِنُونَ: صَدَقَ اللهُ العَظِيمُ: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾، فَأَينَ التَّطوُّرُاتُ العِلْمِيُّةُ، وَالأَقْمَارُ الصِّنَاعِيُّةُ، عَنْ صَدِّ تِلْكَ الزَّلازِلِ أَو الرِّيحِ أو التَّنَبُؤِ لهَا قَبْلَ وُقُوعِهَا ؟ حَقًّا إنَّها رَسَالةٌ لِمَنْ اغْتَرَّ بِعِلْمِهِ! بَأَنَّهُ ضَعِيفٌ أَمَامَ قُدرةِ اللهِ، عَاجِزٌ عَنْ دَفْعِ أَمْرٍ كَتَبَهُ اللهُ، فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ، وَأَنَّهُ يَبْقَى فَقِيرًا ذَلِيلًا، مَا لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ شَيئًا فَإِنّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ، حِينَهَا لَا يَملِكُ أَيَّ بَشَرٍ أَن يُسَكِّنَ الأَرضَ إِذَا تَحَرَّكَت، وَلَا يَمنَعَ البَلَايَا إِذَا تَحَقَّقَتْ !
عِبَادَ اللهِ: مَا أَعْظَمَ قُدْرَةَ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ! وَمَا أَشَدَّ بَطْشَهُ! تَعَالَتْ عَظَمَتُهُ، وَجَلَّتْ قُدْرَتُهُ، ﴿إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ﴾ الرعد 11، لَا رَادَّ لِقَضَائِهِ وَلَا معقب لحكمه ، خَرَّتْ لِعَظَمَةِ اللَّهِ الْجِبَالُ الرَّاسِيَاتُ ، وَتَشَقَّقَتْ مِنْ خَشْيَتِهِ الصُّخُورُ الْقَاسِيَاتُ، فكَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إِلَى أَنْ نَسْتَشْعِرَ عَظَمَةَ ربنا : ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ الزمر 67
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ يَتَّعِظُ بالأيات، وَأَنْ يَهْدِيَنَا سَوَاءَ السَّبِيلِ، وَأَنْ يَحْفَظَنَا مِنْ طَوَارِقِ الدَّهْرِ وَفَوَاجِعِ الزَّمَانِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبٌ.
أستغفِر اللهَ لي ولكم، فاستغفروه إنَّه هو الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية
الحَمدُ لِلَّهِ لَا يَسكُنُ شَيءٌ وَلَا يَتَحَرَّكُ إِلَّا بِتَقدِيرِهِ، خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فَجَعَلَهُ طَوعَ أَمرِهِ وَتَدبِيرِهِ، أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، خَضَعَتْ لَهُ الرِّقَابُ وَذَلَّتْ لَهُ الْصِّعَابُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، الْتَّقِيُّ الأَوَّابُ، صَلّى اللَّهُ وَسَلَّم وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى جَمِيعِ الآلِ والأصْحَابِ.
أَمّا بَعدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ حَقَّ التَّقوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنّجوَى.
يا مُؤمِنُونَ: وَمِنْ حِكَمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي وُقُوعِ هَذِهِ الزَّلَازِلِ التَّذكِيرُ بِزَلزَلَةِ السّاعَةِ وَهَولِهَا العَظِيمِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى قُربِهَا وَصِدقِ وُقُوعِهَا: فَقَد أَخبَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنّ السّاعَةَ لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَكثُرَ الزَّلَازِلُ، وَالمُرَادُ بِكَثرَتِهَا: شُمُولُهَا وَدَوَامُهَا، كَمَا قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.
فَحُدُوثُ الزَّلَازِلِ مُذَكِّرٌ بِالزِّلزَالِ الأَعظَمِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ السَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيمٌ * يَومَ تَرَونَها تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَملٍ حَملَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُم بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ الحج 1-2
اهتَزّتِ الأَرضُ مِن ذَنبٍ سَرَى فِيهَا # فَارْتَجَّ نَائِمُهَا وَارْتَاعَ صَاحِيهَا
وَالهَزُّ قَدْرَ ثَـــــــــــوَانٍ قَــــــــــضَّ مَضْجَعَنَا # فَكَيفَ بِالهَزَّةِ الكُبرَى توَافِيهَا؟
عِبَادَ اللهِ: فِي مِثْلِ تِلْكَ الأَحْدَاثِ تَظْهَرُ الْوِحْدَةُ الإسْلامِيَّةُ والأُخُوُّةُ الإيمِانِيَّةُ فِعْلاً: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾.
فلاَ نَغْفُلَ عن الدُّعَاءِ لإِخْوَانِنَا بِأَنْ يَرْحَمَ اللهُ مَوْتَاهُمْ، وَيَشْفِيَ مَرْضَاهُمْ، وَيَرْفَعَ مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ وَبَلاَءٍ، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ.
اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بكَ من الغَلاءِ، والوَبَاءِ، والرِّبا، والزَّلازِلِ، وَسُوءِ الفِتَنِ. ر
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ ….

حفل تخرج الدفعة الأولى من حفظة كتاب الله العزيز من مركز محمود كعت للتحفيظ والعلوم الإسلامية في مالي.
بحمد لله وتوفيقه تم حفل تخرج الدفعة الأولى من حفظة كتاب الله العزيز 16 شخصا من مركز محمود كعت للتحفيظ والعلوم الإسلامية بنياماكورو كوراني بباماكو – مالي يوم الأحد 20 أوت 2023 في ساحة المركز المزيد…

حفل تخرج الدفعة الأولى من حفظة كتاب الله العزيز من مركز محمود كعت للتحفيظ والعلوم الإسلامية في مالي.
بحمد لله وتوفيقه تم حفل تخرج الدفعة الأولى من حفظة كتاب الله العزيز 16 شخصا من مركز محمود كعت للتحفيظ والعلوم الإسلامية بنياماكورو كوراني بباماكو – مالي يوم الأحد 20 أوت 2023 في ساحة المركز ، دفعة ” الدكتور إبراهيم جابي” عضو اتحاد علماء إفريقيا وأمين عام رابطة الدعاة في مالي برعاية الشيخ عمر سوماري عضو اتحاد علماء إفريقيا من مالي المقيم في الكاميرون ، وبرعاية السيدة فاطمة دانسيرا
وقد حضر الحفل كثير من الشخصيات في البلد من راعي الحفل الشيخ عمر سوماري – حفظه الله ورعاه- ، والأستاذ عمر بولي عضو اتحاد علماء إفريقيا من مالي.
و قد حضر الحفل مدير ديوان مكتب وزير التعليم الأساسي والتربية الوطنية ومحو الأمية،
لاتحاد علماء إفريقيا لشؤون المرأة، وكاتب هذه السطور الدكتور عمر بامبا المدير التنفيذي لاتحاد علماء إفريقيا. وكثير من الشخصيات والدعاة والأئمة و مديري مراكز ومدارس تحفيظ القرآن الكريم .
وإليكم بعض اللقطات من الفعالية. 👇👇👇
مع خالص الشكر والتقدير وتحيات مكتب الأمانة العامة/ قسم الإعلام والمعلوماتية
https://t.me/africanulama
