جمــهوريـــة تشــاد

 جامــعة المـلك فيصــل بتشــاد

 كلية إدريس ديبي إتنو للحقوق

 

  بحث بعنوان:

الإرهاب آفة العصر (الأسباب والحلول)

للمشاركة في المؤتمر الدولي الثاني تحت عنوان: الإعلام والإرهاب.. الوسائل والاستراتيجيّات، الذي تنظّمه جامعة الملك خالد بمدينة أبها بالمملكة العربية السعوديّة في الفترة من 07-09 ربيع الأوّل 1438هـ الموافق 06-08 ديسمبر 2016م

إعداد الدكتور/ صلاح الدين حسن عبد الله

*عضــو هيئة التدريس بجامعة الملك فيصل بتشا

*وزيــر مفوّض بوزارة الشــؤون الخارجيـــة

    والتكــامل الإفريقي والتعاون الدولي لدى جمــهوريــــة تشـــاد

  *وممثل تشاد في مركز أنقرة بتركيا (دورة 2015-2017م)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة

الحمد لله القائل في كتابه العزيز: {لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة:8) والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107) وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين.

أمّا بعد؛

فإن الشعوب المحبّة للسلام لا تزال تسعى جاهدة في البحث عن السبل الكفيلة بتحقيق الأمن والاستقرار في ربوع المعمورة إلّا أنّ ظاهرة الإرهاب في هذا العصر جاءت لتكدّر صفو الحياة وتشوّه صورة الإسلام، والإسلام منها براء، براءة الذئب من دم يوسف – عليه السلام-فأصبحت هذه الظاهرة من البلاوى العامة التي اكتوى بلهيب نيرانها العالم العربي والإسلامي قبل العالم الغربي؛ ومن هنا يُعلم أنّ الإرهاب لا يرتبط بدين أو مذهب أو موقع جغرافي، إذ إنّ ما يجري في السّاحة الدوليّة من عمليّات التخريب والتفجير، ما هي إلّا حالة شاذّة حاربها الإسلام منذ فجر التاريخ الإسلامي، وذلك في عهد الخليفة  علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-عند مقاتلته للخوارج، وهذا إن دلّ فإنما يدل على أهمية هذا الأمر ومن ثَمّ وجوب تضافر الجهود لإخماد هذه الفتنة؛ لذا جاء هذا البحث مساهمةً في إيجاد الحلول المناسبة لهذه المعضلة، فكان بعنوان: الإرهاب آفة العصر (الأسباب والحلول) أمّا خطّة البحث فجاءت على النحو التالي:

المبحث الأوّل: تعريف الإرهاب وصنوفه والفرق بينه وبين المصطلحات الأخرى، وتحته سبعة مطالب:   

المطلب الأول: تعريف الإرهاب

المطلب الثاني: المصطلحات ذات الصلة بالإرهاب(الغلوّ-التطرف-التنطّع-العنف)

المطلب الثالث: الفرق بين الجهاد والإرهاب

المطلب الرابع: الفرق بين الكِفاح والإرهاب

المطلب الخامس: الفرق بين الإرهاب والأعمال الإجرامية الأخرى

المطلب السادس: خصائص الإرهاب

المطلب السابع: أهمّ صنوف الإرهاب

المبحث الثاني: أسباب الإرهاب، وتحته ستة مطالب:

المطلب الأول: الاستعمار (الاحتلال والتخريب)

المطلب الثاني: الجهل

المطلب الثالث: الغلو والبغي

المطلب الرابع: شدّة وطأة الظلم

المطلب الخامس: تردّي الحالة الاقتصاديّة والاجتماعية والسياسية

المطلب السادس: شيوع ثقافة العنف في الأوساط الاجتماعية

المبحث الثالث: الحلول المناسبة لقضايا الإرهاب، وتحته عشرة مطالب:

المطلب الأول: رفع الظلم عن كاهل الأفراد والجماعات

المطلب الثاني: تحقيق العدل والمساواة

المطلب الثالث: حث الناس على طلب العلم وأخذ الفتوي من صدور العلماء الربّانيين

المطلب الرابع: تصحيح مفهوم الجهاد

المطلب الخامس: توعية المجتمعات بخطورة الإرهاب

المطلب السادس: اعتماد مبدأ الحوار مع الآخر

المطلب السابع: نشر ثقافة التعايش السلمي

المطلب الثامن: نشر ثقافة الوسطيّة بين الأفراد والجماعات

المطلب التاسع: توفير فرص العمل للعاطلين من الجنسين

المطلب العاشر: إصلاح نظام الحكم باعتماد مبدأ الشورى

المبحث الرابع: موقف الإسلام من الإرهاب بشكل عام، وتحته ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: العلاج الإسلامي للتطرف والإرهاب بشكل عام

المطلب الثاني: موقف المؤسسات الإسلامية من الإرهاب

المطلب الثالث: توصيّات الندوة العلمية في موقف الإسلام من الإرهاب التي نظّمها تحالف الجمعيّات الإسلاميّة بالسنغال، في يوم الأحد24/05/2015م بدكار.

الخاتمة

ثبت المصادر والمراجع


المبحث الأول: تعريف الإرهاب وصنوفه والفرق بينه وبين المصطلحات الأخرى

 

المطلب الأول: تعريف الإرهاب

  • الإرهاب في اللغة:

الإرهاب في اللغة، هو الإخافة، يقال: أرهبه واسترهبه إذا أخافه[1]، ومنه قوله تعالى: {وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} (الأَعراف: 116)

  • الإرهاب في الاصطلاح:

الإرهاب في الاصطلاح، هو العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياَ على الإنسان، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق، وكلّ فعل من أفعال العنف أو التهديد يقع تنفيذاَ لمشروع إجرامي فردي أو جماعي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم أو حريّتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر[2].

وقد عرّف البروفسير مطيع الله الإرهاب بأنّه: رعب تنشره جماعة منظّمة على نطاق واسع أو محدّد، عن طريق استخدام وسائل العنف، أو التهديد بها؛ لتحقيق أهداف غير مشروعة في الإسلام، والديانات السماويّة.[3]

وأظنّ هذا التعريف أولى بالترجيح إنْ أضيف إليه هذه الكلمة: (لتحقيق أهداف سياسيّة واستراتيجية) لأنه بذلك يكون جامعاً، مانعاً، بخلاف الأوّل، فإنّه غير مانع؛ لأنه اشتمل على الجريمة المنظّمة، والجريمة الفردية المجرّدة، وهناك فرق كبيرٌ بين الجريمة والإرهاب كما سيأتي إن شاء الله تعالى، فقولنا(يهدف إلى تحقيق هدف سياسي) يخرج به: الأعمال الإجراميّة التي ليست لها صلة  بالإرهاب، فيكون التعريف المختار كالآتي: الإرهاب، هو رعب تنشره جماعة منظّمة على نطاق واسع أو محدّد، عن طريق استخدام وسائل العنف، أو التهديد بها؛ لتحقيق أهداف سياسيّة واستراتيجيّة غير مشروعة في الإسلام، والدّيانات السماويّة.

وعليه، فإنّ الإرهاب يقوم على ثلاثة عناصر رئيسة:[4]

  • اشتماله على أعمال العنف والرّعب.

  • ظهوره على أيدي جماعة منظّمة، تقوم بأعمال العنف والعدوان، وتسعى إلى تحقيق أهداف يخصّها، وفي مقدّمتها الهدف السياسي.

  • اشتماله على غاية معيّنة، يسعى الإرهابيّون في الوصول إليها، سواء أكانت تلك الغاية الوصول إلى السلطة أم إسقاطها.

  • محاولة إخضاع الآخرين لسلطان الإرهابيّين.

ومن أمثلة العمليات الإرهابية ما يلي:

  • العمليّات الإرهابية غير الإسلامية التي تمّت على أيدي المتطرّفين، المتمثلة في حوادث التفجيرات التي وقعت بالمملكة العربية السعودية في ليلة 11ربيع الأول 1424هـ في مدينة الرياض، وفي يوم 12 من شهر ربيع الأول سنة 1425هـ بمدينة ينبع، التي وقعت بالمملكة المغربية بمدينة الدار البيضاء في ليلة 16 من ربيع الأول سنة 1424هـ حيث قتل الإرهابيون عدداً من المواطنين الأبرياء، والتي وقعت في 16محافظة بجمهورية بنغلاديش يوم 17 أغسطس سنة 2005م، وغيرها من التفجيرات التي حدثت باسم جماعات المجاهدين، فهذه كلّها عمليات غير مشروعة تخدم أهداف أعدائنا، وتؤدي إلى إثارة القوى الدولية ضدّ الإسلام والمسلمين، واتهام رسالة الإسلام بالتحريض على الكراهية والعدوان[5].

  • تفجير المسجد الجامع بـ(كانو) من قِبَل جماعة(بوكو-حرام) وذلك في يوم الجمعة 28/نوفمبر/2014م بمدينة(كانو) شمال شرق نيجيريا، حيث قام انتحاريّان بتفجير نفسيهما في وسط المصلين داخل المسجد، فكان ذلك سبباً في قتل كثير من المدنيين الأبرياء، وعند ما أراد المصلون الفرار من المسجد، قام مسلّحون آخرون بفتح النار على الفارّين، فقتل منهم 120 شخصاً وجرح المئات منهم في هذا الهجوم المسلح.[6]

  • ممارسة عمليّات القتل والترويع بصورة منظَّمة من قِبَل جماعة(بوكو-حرام) في نيجيريا، وجماعة التوحيد والجهاد في(مالي) وحركة (أنْتِي-بَالاكَا) المسيحيّة في جمهورية إفريقيا الوسطى[7].

  • الهجومين الإرهابيين-من قبل جماعة(بوكو-حرام) النيجيريّة-اللذين استهدفا أكاديميّة الشرطة الوطنية، ومباني الإدارة المركزيّة للشرطة، وكانت الحصيلة المؤقتة لخسائر هذين التفجيرين: 28 قتيلاً، وأكثر من 101جريح، وذلك بتاريخ15/06/2015م بمدينة أنجمينا-تشاد.[8]

المطلب الثاني: المصطلحات ذات الصلة

تتمثل هذه المصطلحات في الآتي:

  • الغلو، وهو الخروج عن الحق، ومن أسمائه الإفراط والإغراق،[9] ومن مظاهره ما يلي[10]:

  • الغلو في التكفير كالتكفير بارتكاب الكبائر.

  • الغلو في الولاء والبراء كالخلط بين المحبة القلبية للإسلام والمسلمين والكره لمبادئ الكفر والمشركين، وبين المعاملة بالمعروف في مجال المصالح الدنيوية.

  • الغلو في الخروج على الحكّام كمن يرى جواز الخروج عليهم لمجرد معصية الحكام.

  • الغلو في فهم الجهاد الذي يُفضي بصاحبه إلى سلّ السيف على أمّته ومجتمعه، بينما الجهاد هو قتال الكفّار لنصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله عزّ وجلّ، وفي هذا قلب لمفهوم الجهاد عن معناه الحقيقي.

  • التطرّف، وهو مجاوزة حدّ الاعتدال، وهو ظاهرة مرضيّة تُعبّر عن حالة غضب واحتقان، وهو مؤشر على وجود خلل ما في النفس، والإنسان السويّ يرفض التطرف؛ لأنّ الفطرة السليمة تنفر منه.[11]

  • التنطّع، وهو مجاوزة الحدّ والخروج عن حدّ الوسط.[12]

  • العنف، ضدّ الرّفق، وهو الشدّة والقسوة.[13]

وكلّها منهي عنها بنص الكتاب والسنّة، قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا} ( النساء: 171) وقال سبحانه وتعالى:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78)} (المائدة: 77 -78)

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( يا أيها الناس، إيّاكم والغلوّ في الدين؛ فإنه أهلك من كان قبلكم الغلوّ في الدّين) رواه ابن ماجه بسند صحيح.[14] وعن أبي هريرة-رضي الله      عنه-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-(إنّ الدين يسر، ولن يُشادّ الدين أحد إلّا غلبه، فسدّدوا وقاربوا) رواه البخاري في صحيحه.[15] قال الحافظ في الفتح:( قوله ( فسدّدوا) أي ألزموا السّداد، وهو الصّواب من غير إفراط ولا تفريط).[16] وعن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( هلك المتنطّعون، قالها ثلاثاً) رواه مسلم[17]، قال النووي: المتنطّعون، هم المتعمّقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.[18]

والمتأمّل في الكتاب والسنة يجد أنّ هناك إشارات قويّة تدعو إلى نبذ العنف واستعمال القوّة إلّا في حالة الوقوع تحت ظلم الآخر أو عدوانه، قال تعالى: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) } (النحل: 126 – 128) وقال سبحانه وتعالى: { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) } (الشورى: 40 – 43)، أمّا عند ما لا تكون هناك ضرورة لاستعمال القوّة؛ فإنّ الإسلام يمنع اللجوء إلى استعمالها بأيّ وجه من الوجوه.[19]

 

 المطلب الثالث: الفرق بين الجهاد والإرهاب

من نظَرَ وتأمّل في نصوص الكتاب والسّنة في شأن الجهاد، علم يقيناً أنّ الجهاد والإرهاب يفترقان ولا يجتمعان؛ وذلك للآتي:[20]

  • الاختلاف في المشروعيّة، حيث إنّ الجهاد عمل مشروع، وهو ذروة سنام الإسلام، ومن أعظم القربات التي يُتقرّب بها إلى الله تعالى، أمّا الإرهاب فعمل إجرامي، وتعدٍّ، يُحرّمه الإسلام ويمنعه، ويُوجب محاربته والقضاء عليه.

  • الاختلاف في المضمون والمحتوى؛ وذلك لأنّ الجهاد عملٌ منظّم، منضبط بقواعد وأسس شرعيّة، يهدف إلى رفع الظّلم وحماية دولة الإسلام، وإعلاء كلمة الله عزّ وجلّ، أمّا الإرهاب فعمل تخريبي، لا يحكمه قواعد، يسعى إلى تحقيق أهدافه بوسائل الرعب والإخافة والعدوان، لا يفرّق بين صديق وعدوّ، ولا بين ديانة وأخرى، هدفه إحراق الأخضر واليابس.

  • الاختلاف في المحلّ والمستهدف؛ وذلك لأنّ الجهاد إنّما يُعلن ضدّ الكفّار المعتدين المحاربين، دون سواهم من الذّمّيين والموادعين، أمّا الإرهاب فإنّما يُعلن على الجميع، لا فرق بين مسلم وكافر، ولا بين ذمّيٍّ ومعاهد، فالعدوّ لدى الإرهابيّين، هو كلّ من خالفهم، كائناً منْ كان، مسلماً كان أو كافراً، صغيراً أو كبيراً، رجلاً أو امرأة.

  • الاختلاف في الأخلاقيّات، فلو تأمّلنا في أبواب الجهاد لوجدنا أنّه تحكمه أخلاقيّات نبيلة بينما الإرهاب اعتداء بلا أخلاقيّات، وهذه الأخلاقيّات تتمثّل في الآتي:

  • عدم قتل النّساء والصبيان.

  • عدم قتل الشيوخ والأجراء.

  • عدم قتل من لا يقوى على القتال أو من أقعدته علّة مرضية.

عن ابن عمر -رضي الله عنهما-قال: (وُجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فنهى عن قتل النساء والصبيان) متفق عليه.[21]

وعن حنظلة الكاتب، قال: غزونا مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فمررنا على امرأة مقتولة قد اجتمع عليها الناس، فأفْرجوا له، فقال: (ما كانت هذه لتقاتل فيمن يقاتل، ثم قال لرجل: انطلق إلى خالد بن الوليد فقل له: إنّ رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يأمرك، يقول: لا تقتلنّ ذرّية ولا عسيفاً) رواه ابن ماجة بسند صحيح.[22]

المطلب الرابع: الفرق بين الكفاح والإرهاب

المقصود بالكفاح، هو محاربة المعتدي المحتل بكافّة الطرق؛ لإجباره على وقف عدوانه، والتّخلّي عن احتلال الأوطان[23]، فإذا كان استعمال العنف هو الجامع بين الكفاح والإرهاب فإنّ غاية كلٍّ منهما تختلف؛ لأنّه لا ارتباط بينهما، وذلك لما يلي:[24]

  • الدفاع في كلٍّ منهما: إنّ المحرّك للمقاومة والكفاح هو دافع وطني أو ديني أو قومي من أجل تحرير الوطن من الظّلم والعدوان، بينما المحرّك في حالة الإرهاب، هو دافع الرغبة في تحقيق الانتقام، وإلحاق الأذى بالآخرين.

  • المشروعيّة: الكفاح من أجل التحرير أمرٌ مشروع، نصّ عليه الشّرع والقانون، أمّا الإرهاب فهو جرم وظلم، تحرّمه الأديان والقوانين، قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} (النساء: 75)

لذا؛ فإنّ العمليّات الفدائية التي قام بها الفلسطينيّون ضدّ الإسرائيليين الذين دمّروا بيوتهم وقتّلوهم وشرّدوهم وأخرجوهم من ديارهم بغير حقّ ليست إرهاباً ولا تطرّفاً[25]؛ لأنّ نضال الشعوب من أجل تقرير المصير ونيل الحريّة أمر جائز، مشروع، نصّت عليه قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدّة والعهد الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية، والبروتكول الاختياري الملحق به، والعهد الدولي بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية[26].  وقد نصّت الفقرة الثانية من المادة الأولى لميثاق الأمم المتحدة على ما يلي:(إنماء العلاقات الودّية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأنّ يكون لكل منها تقرير مصيرها)[27]  لذا؛ فإنّ المجمع الفقهي الإسلامي يدين جميع ممارسات إسرائيل العدوانية ضدّ فلسطين وشعبها والمقدّسات الإسلامية فيها، ويدعو الدول المحبّة للسلام إلى مساعدة الشعب الفلسطيني في إعلان دولته المستقلّة، وأنّ عدم حلّ قضية الشعب الفلسطيني وغيره من الشعوب والأقليات المسلمة في العالم على أسس عادلة أوْجَدَ بؤرةً للصراع والعنف في الحقل الدولي.[28]

  • الهدف والغاية: الكفاح من أجل التحرير، متوجّه نحو المعتدين الظالمين، أمّا الإرهاب فهو متوجّه نحو الأبرياء الذين لا ذنب لهم؛ فلذلك كان مستقبحاً عند العقلاء.

  • القبول والرفض في الرأي العام: من ناحية القبول والرفض الشعبي؛ فإنّ الكفاح يحظى بتأييد شعبي من قبل الشعوب المحبّة للسلام، بينما الإرهاب مرفوض من قبل عامة الناس، فهما أمران مختلفان شكلاً ومضموناً.

 المطلب الخامس: الفرق بين الإرهاب والأعمال الإجرامية الأخرى

يتميز الإرهاب بميزة معينة، تتمثّل في أنّه يسعى إلى تحقيق هدف سياسي، والمتتبع للأعمال الإرهابية يصل إلى حقيقة مفادها: كلُّ عمل إرهابي يرمي إلى تحقيق غرض ما، وهذه الأغراض دائماً نجدها في المجال السياسي، فمن هنا جاء الربط بين الإرهاب والسياسة، وبه يتميّز عن بقية أعمال العنف الأخرى كعصابات السطو المسلح ونحوها ، ويُمكن أن يلتقي الإرهاب والعنف في أنّ كليهما ينطوي على استخدام القوّة أو التهديد بها بينما الإرهاب غالباً ما يهدف إلى إثارة الرأي العام ولفت الانتباه، وتوجيه رسالة إلى الطرف الآخر لثنيه عن موقفه أو الرضوخ إلى مطالب المرهبين[29].

المطلب السادس: خصائص الإرهاب

يمكننا أن نوجز أهم خصائص الإرهاب في النّقاط التالية:[30]

  • العنف واستعمال القوّة

  • أنه ذو طابع سياسي

  • أنه فعل يثير الخوف والرعب

  • أنه ينطوي على تهديد ما

  • أنه ذو تأثيرات سيكولوجيّة، وردود فعل مقدّرة سلفاً

  • أنه فعل منظّم، مخطّط، ذو أهداف محدّدة

  • أنه يتضمّن الحثّ على الإذعان

  • أنّه يتضمن جانباً إعلانياً

  • أنه يُسفر عن ضحايا من المدنيين الأبرياء

  • أنّه فعل يتعذّر التنبؤ به أو توقع العنف الذي ينطوي عليه

  • أنه ذو طابع سرّي، خفي

س-أنه فعل يتكرر

المطلب السابع: أهم صنوف الإرهاب

تتمثل أهمّ صنوف الإرهاب في الآتي[31]:

  • التخويف والتهديد والقتل بغير حق

  • إخافة السبيل وقطع الطريق

  • إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة

  • تعريض الموارد الوطنية والطبيعية للخطر.

فكل ذلك من صور الفساد في الأرض، وقد نهى الله تعالى عن ذلك في كتابه العزيز حيث قال: { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) } (المائدة: 27 – 33) وقال سبحانه وتعالى: { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } (الأَنعام: 151) وقال جلّ شأنه: { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا ِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا } (الإسراء: 33).

المبحث الثاني: أهمّ أسباب الإرهاب

 

المطلب الأول: الاستعمار (الاحتلال والتخريب)

لا يختلف اثنان في أنّ الاستعمار هو أساس الإرهاب ومنبعه، ولولاه لما وُجد الإرهاب بهذه الكثرة، وما زالت الأمة الإسلامية تُضمّد جراحها من ويلات الاستعمار وآلامه، فهو لا يكتفي باحتلال الأرض ونهب خيراتها بل ينتهك الحرمات ويسفك الدماء بغير حق، ويمارس الأعمال القمعيّة ضدّ الشعوب التي تناضل من أجل تحريرها وحقوقها المشروعة في تقرير مصيرها واستقلالها؛[32] لذا كان لزاماً على المجتمعات المحبة للسلام أن تمارس الضغوط الفاعلة لمحاربة الاستعمار بجميع أشكاله، وخاصة الاستغلال الاقتصاديّ من قبل المؤسسات الدولية الكبرى.

 

المطلب الثاني: الجهل

وهو نوعان: بسيط، وهو عدم العلم بما من شأنه أن يُعلم، ومركّب، وهو اعتقاد جازم غير مطابق للواقع، ومن مظاهره ما يلي[33]:

  • التشدد على النفس، ومن أمثلة ذلك قصّة الرهط الذين جاؤوا إلى بيوت أزواج النبي-صلى الله عليه وسلم-يسألون عن عبادته، فعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: ((جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي-صلى الله عليه وسلم-يسألون عن عبادة النبي-صلى الله عليه وسلم-فلمّا أُخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قال أحدهم: أمّا أنا أصلي الليل أبداً، وقال الآخر: أنا أصوم الدّهر ولا أُفطر، وقال الآخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوّج أبداً، فجاء رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أمَا والله إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنّي أصوم وأُفطر، وأُصلّي وأرقد، وأتزوّج النساء، فمن رغب عن سنّتي فليس مني)) متفق عليه واللفظ للبخاري.[34]

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال:( (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله، ألم أُخبر أنّك تصوم النهار وتقوم الليل؟ قلتُ: بلى يا رسول الله، قال: فلا تفعل، صُم وأفطر، وقم ونم، فإنّ لجسدك عليك حقّاً، وإنّ لعينك عليك حقّاً، وإنّ لزوجك عليك حقّاً)) متفق عليه، واللفظ للبخاري.[35]

  • اجتناب الوسطيّة والاعتدال، فمن مظاهر الجهل اجتناب الوسطية التي أمر الله-تعالى-بها في كتابه العزيز حيث قال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة: 143) قال الطبري رحمه الله تعالى:(إنّما وصفهم بأنهم وسط؛ لتوسّطهم في الدّين، فلا هم أهل غلوّ فيه غلوّ النصارى الذين غلوا بالترهّب، ولا هم أهل تقصير فيه تقصير اليهود الذين بدّلوا كتاب الله وقتلوا أنبياء هم وكذبوا على ربّهم وكفروا به، ولكنّهم أهل توسّط واعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك؛ إذ كان أحبّ الأمور إلى الله أوسطها)[36]

  • الجهل بتعليم الدّين، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النحل: 43) فالقرآن الكريم حمّال أوجه، يحمل معانٍ كثيرة في ألفاظ موجزة، فيجب على الداعية أن يعرف ما يجب أن تُحمل عليه الآية حتّى لا يؤولها تأويلاً خاطئاً كما حصل لبعض الفرق الإسلامية المنحرفة التي قامت بتأويل بعض الآيات القرآنية على غير وجهها الصحيح، فتعسّفوا في تفسيرها وجعلوها في غير محلّها كالمعتزلة والخوارج، يقول ابن عمر- رضي الله عنهما- في الخوارج: (إنّهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفّار فجعلوها على المؤمنين) رواه البخاري في صحيحه.[37]

  • تكفير حكومات الدول الإسلامية، لأنّها لا تحكّم شرع الله تعالى، وقد قال تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } (المائدة: 44) وقال تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (المائدة 45) وقال سبحانه وتعالى: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (المائدة 47) وهذا أمرٌ خطير؛ لأنه يترتب عليه استحلال الدماء وإ باحة الأموال والأعراض والتفريق بين الأزواج ومنع التوارث وتحريم الدفن في مقابر المسلمين؛ لذا شرع الإسلام ضوابط وأسباب وموانع للتكفير لا يُدركها إلّا أهل العلم، فليس من حقّ أيّ إنسان أن يُكفّر من شاء لمجرد شبهة يتشبّث بها بل لا بدّ من الحكم به من جهة الاختصاص متى ثبت ذلك، فالحكم على معيّن بالكفر الأكبر لا يُقرّه الإسلام، فلا يُكفّر المسلم بعصيانه مهما بلغ من الكبائر؛ لأن أهل السنّة والجماعة مجمعون على أنّ مرتكب الكبيرة لا يكفر بخلاف الخوارج فإنهم يُكفّرونه بها. قال الشنقيطي -رحمه الله تعالى- في تأويل الآيات السابقة ما نصّه:((فالكفر إمّا كفر دون كفر وإمّا أن يكون فَعَل ذلك مستحلّاً له أو قاصداً به جحد أحكام الله وردّها مع العلم بها، أمّا من حكم بغير حكم الله وهو عالم أنّه مرتكب ذنباً فاعلٌ قبيحاً، وإنّما حمله على ذلك الهوى فهو من سائر عصاة المسلمين…فالكفر والظلم والفسق كلّ واحد منها ربّما أُطلق في الشرع مراداً به المعصية تارة، والكفر المخرج من الملّة أخرى(ومن لم يحكم بما أنزل الله) معارضةً للرسل وإبطالاً لأحكام الله، فظلمه وفسقه وكفره كلّها كفر مخرج عن الملّة، (ومن لم يحكم بما أنزل الله) معتقداً أنّه مرتكب حراماً فاعلاً قبيحاً، فكفره وظلمه وفسقه غير مخرج عن الملّة))[38]

المطلب الثالث: الغلو والبغي

أمّا الغلو فقد سبق ذكره[39] وأمّا البغي فهو في اللغة بمعنى الظلم والاعتداء والسعي بالفساد، يقال: بغى على الناس بغياً فهو باغ والجمع بغاة[40]، والبغاة عند الفقهاء: هم الخارجون من المسلمين عن طاعة الإمام الحق بتأويل، ولهم شوكة[41].

فالبغي حرام، والبغاة آثمون بنص الكتاب والسنة، قال تعالى: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين} (الحجرات: 9) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم( سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البريّة، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السهم من الرميّة، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنّ في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة) متفق عليه[42]، واللفظ للبخاري.

ويرى جمهور الفقهاء أنّه لا يجوز الخروج على الحكّام الجائرين الظلمة ما لم يكفروا[43]؛ لما جاء عن عبادة بن الصامة-رضي الله عنه-قال: (دعانا النبي-صلى الله عليه وسلم-فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا أنْ بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعُسرنا ويُسرنا وأُثْرة علينا وأنْ لا ننازع الأمر أهله إلّا أن تروا كُفراً بواحاً عندكم من الله فيه بُرهانٌ) متفق عليه.[44]

المطلب الرابع: شدة وطْأة الظلم

من المعلوم أنّ الظلم لا يعالج بالظلم، فظلم الحكّام لا يُعالج بالإرهاب؛ لأنّ الإرهاب ظلم في الشرع، والغاية لا تبرر الوسيلة[45]، قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (الشورى: 40) وقال تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} (هود: 113).

المطلب الخامس: تردّي الحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية

لقد كان تردّي الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في أغلب البلدان العربية والإفريقية بالإضافة إلى موقف أمريكا المنحاز لإسرائيل كان ذلك كلّه من الأسباب المباشرة لعدد من العمليّات الانتقامية ضدّ مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الأخرى المساندة لها في المنطقة[46].

المطلب السادس: شيوع ثقافة العنف في الأوساط الاجتماعيّة

هناك علاقة وثيقة بين الإرهاب وظاهرة العنف؛ لأنّ انتشار العنف يُعدّ مناخاً ملائماً لظهور الإرهاب وتفشّيه؛ إذ إنّ المحيط الاجتماعي الذي يُمارس فيه العنف بشكل سافر يولّد الجرأة لدى كثير من الأفراد لممارسة الإرهاب، وقد تلعب وسائل الاتصال والإعلام الحديثة دوراً في إذكاء نار العنف والإرهاب، وتشجّع ذوي النفوس الضعيفة على القيام بأعمال مشابهة للأعمال التي تقام في بلدان أخرى من قبل جماعات منحرفة، ولا سيّما في هذا العصر الذي أصبح العالم كلّه عبارة عن قرية صغيرة، إذ يُشاهد كلّ فرد ما يجري في العالم وهو جالس في بيته، فوسائل الإعلام المروّجة للعنف تعرض أعمال العنف بتشويق، فتتأثر النفوس المليئة بالإحباط واليأس، فترتكب الجريمة، وترى أنّ ذلك أمراً عاديّاً[47].أمّا موقف الإسلام من هذا النوع من العنف فواضح حيث إنّه حثّ على ترك العنف وحض على الأخذ بالرفق، فعن عائشة رضي الله عنه قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنّ الله رفيق يحب الرفق ويُعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف وما لا يُعطي على سواه) رواه مسلم،[48] وعنها رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنّ  الرفق لا يكون في شيء إلّا زانه، ولا يُنزع من شيء إلّا شانه) رواه مسلم[49]، وعن جرير -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من يُحرم الرفقَ يُحرم الخيرَ) رواه مسلم[50].

المبحث الثالث: الحلول المناسبة لقضايا الإرهاب

 

المطلب الأوّل: رفع الظلم عن كاهل الأفراد والجماعات

أمر الله سبحانه وتعالى برفع الظلم عن المستضعفين في الأرض فقال سبحانه وتعالى:{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا }  (النساء: 75) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربّه عزّ وجلّ أنّه قال:(يا عبادي إنّي حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا) رواه مسلم.[51] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولْينصر الرجلُ أخاه ظالماً أو مظلوماً، إن كان ظالماً فلْينهه؛ فإنّه له نصرٌ، وإن كان مظلوماً فلينصره) رواه مسلم[52] وعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخواناً المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا، ويُشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه) رواه مسلم،[53] قال النووي: أمّا (لا يخذله) فقال العلماء: الخذل هو ترك الإعانة  والنصرة، ومعناه إذا استعان به في دفع الظلم ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه ذلك ولم يكن له عذر شرعي.[54] وعن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال:(أتدرون ما المفلس، قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إنّ المفلس من أمّتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبْل أن يُقضى ما عليه أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه ثمّ طُرح في النار) رواه مسلم.[55]

وعليه فإنّ رفع الظلم عن كاهل الأفراد والجماعات واجب شرعي، ووسيلة لتحقيق الأمن والاستقرار بين الأمم والشعوب.

المطلب الثاني: تحقيق العدل والمساواة

إنّ تحقيق العدل والمساواة بين الناس مطلب شرعي وضرورة اجتماعية؛ لذا قال الحق تبارك وتعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل: 90)

قال الطبري في تفسيره: (ذُكر عن ابن مسعود-رضي الله عنه-أنّه قال: ((إنّ أجمع آية في القرآن لخير أو لشر في سورة النّحل (إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان) الآية)).[56]

وقال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحديد: 25)

فالعدل هو جماع الفضائل كلها، ولا تسمى الخصلة فضيلة إلّا إذا كانت وسطاً بين الإفراط والتفريط، وهو ميزان الله المبرّأ من كل تحريف أو تفاوت، وبه يستتب أمر العالم كلّه؛ لذا قال الحكماء: العدل أساس الملك[57]، قال تعالى: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} (الرحمن: 7) فإذا أقام الحاكم قواعد العدل بين الناس زالت الأحقاد، وتلاشت الضغائن، وأمن كلّ امرئ على نفسه من أن يُظلم أو يُهان، أو أن يُصادر رأيه أو أن تُرفض نصيحته.[58]

قال ابن خلدون في مقدّمته: قال المُوبَذَان لملك الفرس ناصحاً: (إنّ المُلْك لا يتم عزّه إلّا بالشريعة، والقيام لله بطاعته، والتصرف تحت أمره ونهيه، ولا قِوام للشريعة إلّا بالملك، ولا عزّ للملك إلّا بالرجال، ولا قِوام للرجال إلّا بالمال، ولا سبيل إلى المال إلّا بالعمارة، ولا سبيل للعمارة إلّا بالعدل، والعدل: الميزان المنصوب بين الخليقة، نصبه الرّب، وجعل له قيّماً، وهو الملك).[59]

المطلب الثالث: حث الناس على طلب العلم الشرعي وأخذ الفتوى من صدور العلماء المتخصصين

لقد حض الإسلام على طلب العلم الشرعي وبيّن أهميّته، وأشاد بمكانة العلماء الربّانيين، و دعى إلى اتباعهم في أمور الدّين،  فقال سبحانه وتعالى:{ شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ( آل عمران: 18) وقال سبحانه وتعالى:{ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الزمر:9) وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } ( فاطر: 28) وقال تعالى:{ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا } ( النساء: 83) وقال تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } ( النحل: 43) إلى غير ذلك من الآيات في هذا المجال.

قال البخاري رحمه الله تعالى: (باب العلم قبل القول والعمل، لقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ} (محمد: 19) فبدأ بالعلم، وأنّ العلماء هم ورثة الأنبياء، ورَثوا العلم من أخذه بحظّ وافر، ومن سلك طريقاّ يطلب به علماً سهّل الله له طريقاً إلى الجنّة).[60]

ومن خلال الواقع المعيش نرى أنّ الأمة الإسلامية تواجه تحدّيات داخلية كبرى، من أبرزها جهل بعض المسلمين بحقيقة الدّين وسماحته وعدله، فأدّى ذلك إلى الأخذ ببعض الفتاوى الشاذة المضللة، فكانت من نتائج تلك الفتاوى  ظهور فئات مغالية في الدّين، ساقها الجهل إلى تفريق الأمّة في دينها؛ لذا، كانت رسالة الإسلام توجب معالجة هذه الحالة بتبصير المسلمين بحقيقة الدّين وجوهره، ولا يُدرك ذلك إلّا بالعلم الشرعي الصحيح[61]، قال تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } ( يوسف: 108).

المطلب الرابع: تصحيح مفهوم الجهاد

لقد شُرع الجهاد من أجل نشر الدّين، ونصرة الحق وأهله، ودفع الظلم عن المستضعفين، وإقرار السلام والأمن بين الأمم والشعوب، وهو بذلك يختلف عن الإرهاب اختلافاً جوهريّاً؛ لأنّ الجهاد مشروع والعدوان ممنوع، فالجهاد شرع لذلك وللدفاع عن الوطن ضدّ احتلال الأرض ونهب الثروات، وضدّ الذين ينقضون الميثاق، كما أنّه شرع –أيضاً-لدفع فتنة المسلمين في دينهم أو سلب حرّيتهم[62]، قال تعالى:{ لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (الممتحنة: 8 – 9). لذا، فإنّ المجمع الفقهي الإسلامي يدعو الأمم والشعوب والمنظّمات الدولية إلى ضرورة التمييز بين الجهاد المشروع لإقامة الحق والعدل وبين العنف العدواني الذي يروّع المدنيين المسالمين، ويُحوّلهم إلى لاجئين.[63] قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة: 190).

المطلب الخامس: توعية المجتمعات بخطورة الإرهاب

الإسلام مأخوذ من السّلم والسّلام، فهو يُحرّم على اتباعه أن يظلموا أحداً أو أن يؤذوه أو أن يعتدوا عليه، ولا يسمح الإسلام بقتل الأبرياء بتاتاً، ويجب أن يُعاقب المجرمون على ذلك؛ لذا، يجب علينا أن نحذّر الشباب من خطر الأفكار والمفاهيم الخاطئة التي يُروّجها المتطرّفون من عصابات الإرهاب؛ لأنّ الإسلام دين عالمي وعقيدة ربّانيّة يدعو إلى الأمان والتعاون على البرّ والتقوى ومحاربة الإثم والعدوان، أمّا الذين يخلطون بين الجهاد والإرهاب فإنّهم يُعتبرون جاهلين ضالين، يُسيئون للإسلام والإنسانية؛ لأنّ الجهاد إنّما شرع لمقاصد سامية من أهمّها: الدفاع عن الدّين والنفس والأوطان والعرض  ونصرة المظلوم وتأديب الظالم بينما الإرهاب نقيض الجهاد؛ لأنّه من أجل العدوان ونصرة الظالم، والفرق بينهما كالفرق بين السماء والأرض؛ لأنّهما لا يجتمعان أبداً.[64]

المطلب السادس: اعتماد مبدأ الحوار مع الآخر

اقتضت حكمة الله تعالى أن تختلف آراء الناس؛ لأنهم خلقوا مختلفين في الفهم والعلم كما خلقوا مختلفين في الأمزجة والميول والرغبات، وفي الضعف والقوّة، ولو تساوت العقول والأفهام لما كان هناك اختلاف؛ لذا، عنى القرآن الكريم عناية بالغة بالحوار، وهذا أمر لا غربة فيه؛ إذ هو الطريق الأمثل للإقناع الذي ينبع من أعماق صاحبه، وقد قدّم لنا القرآن الكريم نماذج كثيرة من الحوار، منها ما دار بين الله عزّ وجلّ وملائكته في خلق آدم عليه السلام، ومنها قصة صاحب الجنّتين في سورة الكهف ومنها قصة إبراهيم عليه السلام حين همّ بذبح ابنه، وكذا قصة نوح عليه السلام مع قومه، وشعيب عليه السلام مع قومه، وقصة موسى والعبد الصالح، والأمثلة في هذا الباب كثيرة، وكلها تدلّ على أهمية الحوار وفاعليّته، ومن هنا يتأكد لنا أنّ القرآن الكريم يعتمد اعتماداً كبيراً على أسلوب الحوار في توضيح المواقف وجلاء الحقائق وهداية العقل وتحريك الوُجدان، واستجاشة الضمير، وفتح المسالك المؤدّية إلى حسن الاستجابة والتدرّج بالحجّة، احتراماً للإنسان وإعلاءً لشأن عقله،[65] ومن أمثلة ذلك ما يلي:

  • قال تعالى وهو أصدق القائلين:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29) وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (30) وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْرًا اللهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31) قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ } (هود: 25 – 33)

  • وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا } (مريم: 77 – 78)

  • وقال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} (يس: 78 -79)

  • وقال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} (الطور: 35 -38)

ومن أمثلة الحوار في التاريخ الإسلامي، قصة علي-رضي الله عنه-مع الخوارج، فقد أتى على -رضي عنه-إلى الخوارج، وقبل القتال قال لهم: ما ذا نقمتم منّي؟ فقالوا: قاتلنا معك يوم الجمل، فلما انهزم القوم، أبحت لنا المال ومنعتنا من سبي نسائهم وذراريهم، فكيف استحللت المال ومنعت الذريّة والنساء؟ فقال: إنّما أبحت لكم أموالهم بدلاً عمّا أغاروا عليه من بيت المال بالبصرة قبل قدومي عليهم، والنساء والذريّة لم يُقاتلونا، ولم يكن منهم ردّة، فلا يجوز استرقاقهم، ولو أبحت لكم النساء، أيّكم يأخذ عائشة في سهمه؟ فخجل القوم، ثمّ قالوا: نقمنا عليك محو إمْرة أمير المؤمنين على اسمك في الكتاب بينك وبين معاوية لمّا نازعك معاوية في ذلك، فقال: فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية حين قال له سُهيل بن عمرو: لو علمت أنّك رسول الله لما نازعتك، ولكن اكتب باسمك واسم أبيك، فكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله، وسهيل بن عمرو، وأخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ لي منهم يوماً مثل ذلك، فكانت قصّتي هذه، فقالوا له: فلم قلت للحكمين: إن كنت أهلاً للخلافة فأثبتاني، فإن كنت في شك من خلافتك، فغيرك بالشك أولى، فقال: إنّما أردت بذلك النّصَفة لمعاوية، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم نصارى نجران إلى المباهلة، وقال لهم:{تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } (آل عمران: 61) فأنصفهم من نفسه، لذلك أنصفت معاوية من نفسي، ولم أدر غدر عمرو بن العاص، قالوا: فلم حكّمت الحكمين في حقّ كان لك؟ فقال: لقد حكّم رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ في بني قريظة، ولو شاء لم يفعل، فهل عندكم شيء غير هذا؟ فسكت القوم، وقال أكثرهم: صدق والله، وقالوا: التوبة، واستأمن إليه منهم يومئذ ثمانية آلاف، وانفرد منهم أربعة آلاف بقتاله.[66]

وعليه فإنّ مبدأ الحوار مع الآخر مبدأ أصيل في الإسلام، يحتل مكانة بارزةً أساسها توجيهات الكتاب والسنّة، وأنّه لا حلّ لكثير من القضايا العالقة إلّا بسلوك هذا المنهج القويم ومن ثَمّ توضيح رسالة الإسلام للطرف الآخر بأسلوب حكيم.

المطلب السابع: نشر ثقافة التعايش السلمي

إنّ الحديث عن التعايش السلمي بين الفئات الدينية والحضارية المختلفة أصبح من سمات هذا العصر، ويعتقد المسلمون أنّ المجتمعات البشرية لم تخل في يوم من الدّهر عن الإرشاد الإلهي إلى الأصول السامية التي تستقيم بها حياة الناس، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} (النساء: 174) وقال تعالى: { قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } ( المائدة: 15 – 16) فالجذور الصحيحة التي ترتكز عليها الأديان تتوافر فيها كثير من القيم التي يدعو إليها الإسلام كالدعوة إلى العدل والإحسان والفضيلة ونبذ العنف ونحو ذلك مما يدل على أنّ الدّين في أساسه إنّما هو مصدر صلاح وإصلاح، وإنّما سوء استعماله وعدم تطبيقه هو الذي أدّى إلى سفك الدّماء ونهب الأموال وانتهاك الأعراض تحت شعارات دينيّة منحرفة، فالله سبحانه وتعالى خلق الخلق من أصل واحد، وجعل الأصل في العلاقة بينهم التعارف والمحبّة والإخاء والسّلم[67] فقال سبحانه وتعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } (النساء: 1) وقال سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } (الحجرات: 13). وفي ضوء ما سبق يمكننا أن نحدد أهمّ أسس التعايش السلمي في النقاط التالية:[68]

  • الكرامة الإنسانية، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء: 70)

  • العدل، قال تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (النساء: 58)

  • الأمن، قال صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه) رواه مسلم،[69] وقال صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) رواه البخاري في صحيحه.[70]

  • الوفاء بالعهود، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (المائدة: 1) وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} (الإسراء: 34)

  • التعاون التجاري والمعرفي، قال تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (المائدة: 2)

  • البعد عن التكبر والخيلاء، قال تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لقمان: 18)

  • الكلمة الطّيبة، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} (البقرة: 83)

فهذه هي أهمّ أسس التعايش السلمي بين المجتمعات، فنشر هذه المبادئ والأسس بين الأفراد والجماعات، يُساهم مساهمةً فاعلة في الحدّ من العنف، وبالتالي يعيش المجتمع في جوّ من السعادة والوئام.

المطلب الثامن: نشر ثقافة الوسطيّة بين الأفراد والجماعات

إنّ ثقافة الوسطيّة، تعني: التوازن والاعتدال في كلّ شيء؛ لذا، رفض الإسلام رهبانيّة النصارى، وتبرأ منها، قال تعالى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } ( الحديد: 27) ورفض حرمانهم أنفسهم من التمتع بالطيّبات، فقال سبحانه وتعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } ( الأَعراف: 32) كما رفض في الوقت نفسه اتّجاه اليهود المادي الدنيوي، ودعا إلى التوفيق بين مطالب الروح ورغبات النفس، ومن ثَمّ الموازنة بين أمور الدنيا  والآخرة، قال تعالى:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } ( القصص: 77) فكان الحدّ الوسط، هو الطابع العام في حياة النبي-صلى الله عليه وسلم- والمنهج الملموس في جميع أفعاله وتصرّفاته وأخلاقه، وشؤونه التربويّة والسياسيّة والاجتماعيّة والعباديّة وغيرها، وعلى هذا الأساس  المتين تتجلّى لنا صورة الوسطيّة الإسلاميّة في كلّ مرفق من مرافق الحياة حتّى في الأكل والشرب[71]، قال تعالى:{ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ( } ( الأَعراف: 31) قال بعض أهل العلم: (جمع الله الطبّ كلّه في نصف آية) يقصد بذلك هذه الآية.[72]

فالوسطية منهج ربّاني كامل، وهي علاج لكلّ أمراض الأمّة، ودواء لجميع الأسقام الروحيّة والذهنيّة، وهي الدعوة الراشدة التي تستقبلها الظروف المتأزّمة، ومن هنا كان على أصحاب الدعوة إلى الوسطيّة أن يُدركوا عظمة مسؤوليّتهم، وأنّ الأمّة تنتظرهم بفارغ الصبر؛ لذا، كان عليهم أن يأخذوا بواجبات الوسطية، وهي كالآتي:[73]

  • إنشاء جيل يحمل راية الوسطيّة ويدعو إليها.

  • تقريب المفاهيم، والوقوف صفّاً واحداً في القضايا المصيريّة، بحيث يتعاون الجميع في المتفق عليه، ويتسامحون في المختلف فيه.

  • التفريق بين اختلاف التنوع الممدوح، واختلاف التناقض المذموم.

  • تحذير المسلمين من الحركات الهدّامة.

  • إشاعة رغبة الإسلام في التقدم الصناعي، والعلمي، ورفضه للجمود الفكري والتخلّف العقلي مع بيان موقف الإسلام من الاستفادة من بعض ما في الحضارة الغربية من المحاسن.

  • إشاعة محبّة الإسلام الخير لعموم الناس.

  • الاعتماد على منهج التدرّج العلمي في النّصيحة والإرشاد والمعالجة.

  • التفريق بين الثوابت التي لا تقبل التغيير وبين المتغيّرات التي لا ترفض التطوير.

  • مراعات المصالح والمفاسد في عملية علاج عيوب المجتمع.

  • الاعتماد على الكتاب والسنّة في حلّ المسائل العلميّة ومعالجة القضايا العمليّة، وربط الحاضر بالماضي، وذلك بقراءة أحداث العالم، قراءةً إسلاميّة جديدة وفق منهج الكتاب والسنّة.

  • دراسة فقه الأولويّات، وفهم مقاصد الشريعة وأسرارها.

  • معرفة شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودراسة وسائل تغيير المنكر.

المطلب التاسع: توفير فرص العمل للعاطلين عن العمل من الجنسين

إنّ الخلل الاقتصادي الكبير الذي تشهده بلدان العالم الثالث هو في الحقيقة نتيجة هيمنة الاقتصاد الرأسمالي، وسيطرة الشركات الكبرى المتعدّدة الجِنسيّات لاستغلال موارد الدول وربطها بالاقتصاد الغربي، ويُعتبر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من أدوات تنفيذ هذه السياسة؛ إذ إنّ أيّ دولة توافق على شوطهما تقع ضحيّة الديون الربويّة، وتتصاعد الفوائد حتى تستنزف الديون وفوائدها اقتصاد الدولة، ويصل التضخّم إلى عنان السماء وتهبط قيمة العملة الوطنيّة إلى الحضيض، فينتج عن ذلك كارثة اقتصاديّة تصطلي بنارها الدولة، ويكون أكثر من تقع عليه تلك الويلات هم الفقراء، وقديماً قيل: قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق[74]، فكان لزاماّ على الدولة أن تبحث عن مصادر دخل كفيلة بسدّ حاجة الفقراء من الجنسين أو أن تتحمّل التّبعات وتقوم بتوظيف أكبر عدد منهم في مؤسساتها المختلفة، فتسلم من تبعات الإرهاب وآثاره  وإلّا فإنّ الأمر جدّ خطير للغاية.

المطلب العاشر: إصلاح نظام الحكم باعتماد مبدأ الشورى

لا شك في أنّ الإصلاح السياسي هو أمر ضروري في هذا العصر؛ لأنّ الشعوب بدأت تثُور وتندّد بالأنظمة الفرديّة المستبدّة، وتنادي بالتعددية الحزبية، وبحق الشعب في تقرير المصير، وبتفعيل مؤسسات المجتمع المدني، وهذا إن دلّ فإنّما يدل على الوعي الثقافي والسياسي لكثير من الأمم والشعوب في بقاع المعمورة، وعدم الرضى بالدكتاتوريّة المتسلّطة؛ لأنها نمط قديم عفى عنه الزمن، وهذه النّقلة النوعيّة  مع ما فيها من الجوانب الإيجابيّة المفيدة إلّا أنّ النظام السياسي الإسلامي القائم على مبدأ الشورى واحترام الرأي والرأي الآخر، خير مثال يُحتذى به في هذا الباب؛ لأنه نظام ربّاني، يدعو إلى الوسطيّة، قال تعالى: { وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } ( الشورى: 38). والدارس للتشريع الإسلامي يجد أنّ من مزايا هذا التشريع  أنّه وضع أصل مبدأ الشورى دون تحديد لوسائلها، وإنّما ترك هذا الجانب دون تحديد ملزم؛ لأنه من الشؤون التي تتغير فيها وجهات النظر بتغير الأجيال والأزمان، فكان نظاما مرناً يجب التوقف عنده والأخذ بمبادئه، فقيام المؤسسات التنفيذيّة والتشريعيّة لم يحدده الإسلام بشكل ملزم؛ لأنّ ذلك يخضع في تكوينه لمعايير متغيّرة بحكم الزمان والمكان، فالمسلمون أحرار في تنظيم شكل الدولة وأجهزة الحكم فيها بما يتناسب مقتضيات العصر مع الأخذ في الاعتبار تجاربهم وتجارب الآخرين من الأمم الأخرى بحيث يستخلصون لأنفسهم أفضل الأشكال التي يرون فيها الضّمان الموضوعي لتحقيق مبادئ العدالة والمساواة وبسط الشورى بين الناس،[75] فالنظام الإسلامي له من الشمول ما يُمكّنه من مجاراة كلّ تطور مهما كان نوعه، وأنّه صالح لكلّ زمان ومكان، وأنّه قائم بذاته متميّز بقسماته، فهو النّظام الأصلح والأمثل القادر على استيعاب كلّ تطوّر سياسي واجتماعي واقتصادي في كلّ زمان ومكان[76]، قال تعالى: {صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ } (البقرة: 138) وقال سبحانه وتعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} (المائدة:3).

 

المبحث الثالث: موقف الإسلام من الإرهاب بشكل عام

المطلب الأول: العلاج الإسلامي للتطرف والإرهاب بشكل عام

لقد سبق الإسلام جميع القوانين في مكافحة الإرهاب، وحماية المجتمعات من شروره، وذلك من خلال حدود واضحة، منع مِنْ تَجَاوُزها، وعالج نوازع الشر المؤدّية إلى التخويف والإرهاب بتوجهات نبويّة سديدة، حيث أوصى الله-تعالى-بمعاملة أهل الذمّة بالقسط والعدل، ومنحهم الأمان في ديار المسلمين، وأوجب الدية والكفارة على من قام بقتل أحدهم خطأً،[77] فقال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } ( البقرة: 229) وقال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ } (البقرة: 204 – 205) وقال تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (الأَعراف: 33) وقال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } ( النساء: 92) وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ( المائدة: 8) وقال تعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة: 8).

 

المطلب الثاني: موقف المؤسسات الإسلامية من الإرهاب

تصدت المنظمات الإسلاميّة لآفة الإرهاب، وفي مقدّمتها رابطة العالم الإسلامي، كبرى المنظمّات الإسلاميّة العالميّة، وقد أعلنت الرابطة عن استنكارها الشديد لعمليّات الإرهاب التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة، وأدانت الأعمال الإرهابيّة في كلّ من الولايات المتحدة الأمريكيّة، والمملكة العربية السعوديّة، والمملكة المغربية، وإندونيسيا، وغيرها من البلدان، وأكّدت على أنّ الشعوب والمنظّمات الإسلاميّة الممثلة فيها تتعاون في مكافحة الإرهاب، واجتثاثه من نفوس المنحرفين؛ ومن أجل ذلك عقدت الرابطة العديد من المؤتمرات و الندوات والمجالس والاجتماعات التي ناقشت موضوع الإرهاب، وبيّنت خطره على الإنسانيّة، وتحريم الإسلام له، وتجريم فاعليه؛ لأنه من أشد أنواع الفساد في الأرض،[78] قال تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (المائدة: 33 – 34).

المطلب الثالث: توصيّات الندوة العلمية في موقف الإسلام من الإرهاب التي نظّمها تحالف الجمعيّات الإسلاميّة بالسنغال، في يوم الأحد24/05/2015م بـ(داكار)[79].

بعد مناقشة أسباب الإرهاب وآثاره الوخيمةِ على الفرد والمجتمع، أوصت الندوة العلميّة في موقف الإسلام من الإرهاب التي قام بتنظيمها تحالف الجمعيّات الإسلاميّة بالسنغال بما يلي:

1-وضع الحكومةِ خطةً استراتيجيةً متكاملةً للوقاية من الإرهاب بكافة أنواعه، والتعاونُ مع من يهمه الأمر في مجال مكافحته، وفضُّ النزاعات الإقليمية ورعايةُ التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتطبيق معايير الحكم الرشيد.

2-تعزيزُ التكافلِ الاجتماعي، ووضعُ خُطَطٍ اقتصادية فعَّالة للحَدِّ من الفقر والبطالة.

3-إنشاءُ مراكزِ أبحاثٍ متخصصةٍ تضم كافةَ القُوى الحيَّة لمكافحة كلِّ أنواعِ العنف والجريمة، تقوم بجمع المعلومات بكل حِيادية وتجرد عن الأفعال الإجرامية، وتحليلها، وتبادُلِها بين الأجهزة المعَنية، وتكون مَرجعيةً لكلِّ الهيئات العاملةِ في هذا المجال.

4-ضرورةُ محاربة العنف والجريمة بكل أنواعها، من سرقةٍ وغصبٍ واغتيال، وسَطوٍ على المنازل والممتلكات، وهذه الأمور هي التي نعاني منها أكثر من معاناتنا من الإرهاب.

5-دعمُ المؤسسات الدعوية والخيرية، وإفساحُ المجال لها للقيام بواجبها في توعيةِ الشباب، ونشر ِالوسطية، ومحاربةِ الفقرِ، وتحقيقِ التنمية.

6-إسهامُ الحكومةِ في تيسير سبلِ التعاونِ بين المؤسسات الإسلامية المحلية وشركائها في العالم الإسلامي، للاستفادةِ من هذه الشراكةِ في تحقيق التقدُّمِ والتنمية في البلد، وأن تلتزم المؤسساتُ الإسلامية الشفافيةَ في التمويل وفي أعمالها، وأن تحترم تقديمَ التقاريرِ اللازمةِ إلى الحكومةِ في الوقت المناسب.

7-نشرُ العلم الشرعي المستمَدِّ من نصوص القرآن والسنة، وِفق فهم السلفِ الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، وتعزيزِ نهج الوسطية والاعتدال.

8-الانفتاحُ على الشباب بالحوار، والتباحث معهم في مشكلات الحياة المعاصرة، لتصويب المفاهيم الخاطئةِ بالعلم الصحيح، وردِّ الشبهات المُضللة والأهواءِ المهلكة.

9-نشرُ القيم الإسلامية، واستثمارُ المخزون الثقافي للأمة، وإدراج موادٍّ في مناهج التعليم تُركز على التسامحِ والعدالة والسلام مع مراعاةِ آداب الحوار، وتحريمِ الظلم، ونبذ ِالعنف، وتعظيمِ حرمة الدماء.

10-التأكيدُ على أهمية دور المساجد في توعية رُوادها من خطر التطرفِ والإرهاب من خلال الخطب المنبرية، والحلقات العلمية والمحاضرات العامة وغيرها.

11-ترشيدُ مناهج التربية والتعليم بما يتوافق مع عقيدة الأمة وثوابتها، وعلاجُ ضعف المؤسسات التعليمية في المجتمع، وتعزيز قدْرتها على الوقايةِ من الفكرِ المضلِّل، ودرءِ الانحرافِ السلوكي والفكري، وتحويلِ المعرفة إلى سلوك مؤَثر في شخصية النشء.

12-توظيفُ الإعلامِ الجديد وأدواتِه في نشر الوعي بين شرائح المجتمع – ولاسيما الشباب -بمخاطرِ التعامل مع المواقع التي تُشجع على الإرهاب.

13-إيقافُ نشرِ ما يستفز شبابَ الأمة من تطاولٍ على الكتاب والسنة، وقدحٍ في العقيدة الصحيحة، وخدْشٍ لِلأخلاق والآداب الإسلامية.

14-تكامُلُ الجهودِ بين المؤسسات الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية، لترسيخ القيم الإنسانية والوقايةِ من الإرهاب ومكافحته.

15-وأخيراً ترى الندوة أن الإرهاب لا دين له ولا وطن، وأن محاربته مسؤولية الجميع، قال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته .. ». [متفق عليه].

وصلى الله وسلم وبارك على نبيـنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

الخاتمـة

من خلال ما سبق يُعلم أنّ مفهوم الإرهاب يتضمّن أشكالاً مختلفة من صور الفساد في الأرض، وأنّه مِعْول هدم وتخريب، اكتوى بجحيمه القريب والبعيد، وقد تبينّ لنا أنّ الأسباب الرئيسة لظهوره تتمثّل في الاستعمار، والجهل، والرّكون إلى الفتاوى الدّينيّة الشاذة، وتردّي الأحوال السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، فكان لا بدّ من البحث عن الحلول المناسبة لاستئصاله أو احتوائه، فوجدنا أبرز تلك الحلول تدور في الأمور التالية: اتخاذ الحوار شعاراً للتعامل مع الطرف الآخر، واحترام الرأي والرأي الآخر، واتخاذ الفتوى من العلماء الربّانيين، ونشر ثقافة التعايش السلمي بين الأفراد والجماعات، وتبنّي ثقافة الوسطيّة في العمليّة التربويّة، وتحقيق العدل والمساواة بين الناس، وإدخال إصلاحات سياسيّة وإداريّة واقتصاديّة واجتماعيّة في المؤسسات العامة، وتبنّي مبدأ الشورى في سياسة الدولة، فلو أخذنا بهذه الإصلاحات والتوجيهات في الحياة العمليّة لربّما عاد المتطرّفون إلى رشدهم، فيكون ذلك نقلةً نوعيّةً من حالة سلبيّة إلى حالة إيجابيّة، إذ إنّ الإرهاب لا يرتبط بموقع جغرافيّ أو دين أو جنسية أو وطن، وإنّما هو حالة فكريّة منحرفة، ينتج عنها سلوك عدائي متطرّف، فكان لا بد من مواجهته بخطوات علمية فاعلة، علماً بأنّ التدابير العالميّة لا تزال جاريةً على قدم وساق في سبيل إيقافه، أو استئصاله، ولا سبيل إلى ذلك إلّا بوضع قوانين محليّة وعالميّة رادعة، بالإضافة إلى تضافر الجهود الصادقة في سبيل وضع حدّ نهائي لهذا الشّبَه المخيف الذي يلاحق الناس في أسواقهم ومساجدهم ومراكز أعمالهم ودور عبادتهم، وقد كان الإسلام سبّاقاً إلى ذلك حيث قام  بتشريع أحكام رادعةٍ في مثل هذه الحالة الشاذة المنحرفة، قال الحق تبارك وتعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (المائدة: 33) وهذا إنْ دلّ فإنّما يدلّ على العزم الجاد من التشريع الإسلامي على بسط الأمن والاستقرار في ربوع المعمورة، فهذا هو صمّام الأمان لهذه المعضلة، لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه: هل الدول العظمى جادّة في استئصال الإرهاب من جذوره؟ أو أنّها داعمة له بصورة مباشرة أو غير مباشرة؟ وهل مجلس الأمن واقفٌ في صفّ المظلومين أو مع الظالمين في القضيّة الفلسطينيّة وفي قضايا الأقليّات المسلمة المستضعفة في بعض الدول؟ وهل من العدل استعمال حقّ الاعتراض (الفيتو) في مجلس الأمن من قِبَل الدول الدائمة العضويّة؟ علماً بأنّ هذا المجلس غالباً ما يخدم مصالح الدول العظمى، وقلّما يُنصف المستضعفين، فكان حريّاً به أنْ يُطلق عليه مجلس الخوف، وعليه فإنّ على الأمم والشعوب أن تسعى جاهدة لإزالة هذه العقبات التي تُعيق عمليّة السّلام في كوكبنا الذي نعيش فيه؛ لذا، فإنّني أوصي بالآتي:

  • إنشاء مركز علمي عالمي لمكافحة الإرهاب.

  • تكثيف الجهود في سبيل تصحيح مفهوم الجهاد، ومفهوم الولاء والبراء، وذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة، والمنشورات العلميّة.

  • وضع آلية دولية لنشر ضوابط التكفير وأسبابه وموانعه ومحاربة الغلو في الدين.

  • التحذير من الفتاوى الشاذّة، وتوعية الناس بأخذ العلم الشرعي من العلماء الربّانيين.

  • تحصين الشباب من الأفكار الضالة بإقامة الندوات والمحاضرات والمؤتمرات المكثّفة حول المذاهب الهدّامة كالخوارج والمعتزلة والشيعة الإماميّة.

  • نشر ثقافة التعايش السلمي بين الناس، وذلك عن طريق الندوات والمؤتمرات واللقاءات الإقليميّة والدوليّة.

  • نشر ثقافة الوسطيّة في الإسلام بين الناس.

  • الاعتناء بتدريس أسرار الشريعة ومقاصدها في المراحل الثانوية والجامعية.

  • عقد لقاءات دوريّة بين الشباب حول تجديد الثقافة الإسلاميّة وفق قانون الثابت والمتغيّر في الشريعة الإسلاميّة.

  • توعية العامة والخاصة عبر منابر الجمعات بخطورة الإرهاب.

  • إصلاح النّظم السياسيّة والاقتصادية والاجتماعيّة.

  • رفع الظّلم عن كاهل المستضعفين في الأرض، وتحقيق العدل والمساواة بين الناس.

  • تكوين جيش إقليمي ودولي للتدخل السريع؛ لإخماد فتنة الإرهاب؛ لأنّ الإرهاب كالنّار في الهشيم لا ينتظر القرارات بل لا بُدّ من دراسات وقرارات مسبقة جاهزة التنفيذ عند الحاجة.

  • إنشاء مراكز معلوماتيّة أمنيّة إقليميّة ودوليّة، بالغة الدّقة في السريّة؛ لتبادل المعلومات بين الدول حول الإرهاب والإرهابيّين.

  • وضع آلية تنفيذيّة عُليا مشتركة؛ لمراقبة ومتابعة تنفيذ القرارات والتوصيّات حتّى لا تكون حبراً على ورق، وقد قيل: كلّ عمل ليس له رقابة فهو ضائع.

هذا، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

ثـبت المصادر والمراجـع

أـ الكــتـب:

  • القرآن الكريم

  • إبراهيم أنيس، وآخرون: المعجم الوسيط.

ط: الثانية، القاهرة، مصر، 1972م

  • أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فتح الباري.

تحقيق: محب الدين الخطيب، ط: الثالثة، المطبعة السلفية، القاهرة، مصر.

  • حسن عزوزي، الإسلام وتهمة الإرهاب.

كتاب شهري، العدد:209، سلسلة دعوة الحق، رابطة العالم الإسلامي، إدارة الدعوة والتعليم، عام 1426هـ

  • د. ثائر إبراهيم الشمّري، الوسطيّة في العقيدة الإسلاميّة.

ط: الأولى، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، عام 2005م

  • رابطة العالم الإسلامي، بحوث المؤتمر الدولي للتعايش السلمي في الإسلام.

المؤتمر الذي عقدته رابطة العالم الإسلامي بالتعاون مع المركز الإسلامي في (كو لومبو-سيلانكا) في 11-13/6/1427هـ الموافق 7-9/7/2006م

  • رابطة العالم الإسلامي، موقف رابطة العالم الإسلامي من الإرهاب.

الأمانة العامة، مكة المكرّمة.

  • د. زكريا عبد المنعم إبراهيم الخطيب، نظام الشورى في الإسلام ونظم الديمقراطية المعاصرة.

مطبعة السعادة، عام 1985م

9-عبد الرحمن بن محمد بن خلدون المغربي، مقدمة ابن خلدون.

دار إحياء التراث   العربي، بيروت، لبنان، عام 1988م

10-عبد القاهر بن طاهر البغدادي، الفرق بين الفرق.

تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الطلائع، القاهرة، مصر، 2005م

11-محمد الأمين الشنقيطي، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن.

مكتبة ابن تيمية، القاهرة، عام 1992م

12-محمد بكر إسماعيل، زاد المتعلّم والعالم من الأخلاق والمكارم.

دار المنار، القاهرة، مصر، عام 2007م

13-محمد التونجي، المعجم المفصل في الأدب.

ط: الثانية، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، عام 1999م

14-محمد بن جرير الطبري، جامع البيان في تأويل آي القرآن.

ط: الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، عام 1992م

15 -محمد فؤاد عبد الباقي، اللؤلؤ والمرجان.

ط: الأولى، دار السلام بالرياض، ودار الفيحاء بدمشق، عام 1994م

16-محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب.

ط: الثالثة، دار صادر، بيروت، لبنان، عام 1994م

17-محمد ناصر الدين الألباني، صحيح سنن ابن ماجه.

ط: الأولى، المكتب الإسلامي، بيروت، عام 1986م

18-محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، القاموس المحيط.

ط: الأولى، دار إحياء التراث، بيروت، لبنان، عام 1991م

19-أد. مطيع الله بن دخيل الله الحربي، الإرهاب في الإسلام (حقيقة أم افتراء؟)

ط: الأولى، مكتبة الملك فهد الوطنية، المملكة العربية السعوديّة، عام 2009م

20-أد. مطيع الله بن دخيل الله الحربي، أسباب الإرهاب.

ط: الأولى، مكة المكرمة، المملكة العربية السعودية، عام 2009م

21-أ.د. مصطفى عبد الله أبو القاسم، مبادئ القانون الدولي (الإطار النظري والمصادر).

ط: الأولى، دار الكتب الوطنية، بنغازي، ليبيا.

22-الندوة العالمية للشباب الإسلامي، في أصول الحوار.

ط: الخامسة، مطابع سحر، عام 1998م

23-د. هيثم عبد السلام محمد، مفهوم الإرهاب في الشريعة الإسلامية.

ط: الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، عام 2005م

24-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الموسوعة الفقهية.

ط: الثانية، طباعة ذات السلاسل، الكويت، عام 1986م

25-يحيى بن شرف النووي، صحيح مسلم بشرح النووي.

ط: الأولى، عام 1929

 

ب-البحوث والجرائد والمواقع:

  • د. عبد الله بخيت صالح، التوزيع الجغرافي لبؤر الإرهاب والتطرف الديني في قارة إفريقيا (مسبباته والحلول المطروحة).

تمت المشاركة به في المؤتمر الدولي حول مكافحة الإرهاب، في الفترة ما بين 22-24 فبرايل 2015م، رابطة العالم الإسلامي، المملكة العربية السعودية.

  • جريدة أنجمينا الجديدة، تصدر مؤقّتاً كلّ أسبوع، العدد364، الإثنين22/06/2015م، أنجمينا-تشاد.

  • ملتقى علماء إفريقيا، تلغرام، بتاريخ: 26/05/2015م عند الساعة: 13:56

[1] الفيروز آبادي، القاموس المحيط: باب الباء فصل الراء؛ المعجم الوسيط: حرف الراء مع الهاء

[2] رابطة العالم الإسلامي، موقف رابطة العالم الإسلامي من الإرهاب: ص 10

[3] أ.د. مطيع الله الحربي، الإرهاب في الإسلام (حقيقة أم افتراء؟): ص 18

[4] المصدر نفسه: ص 13

[5] رابطة العالم الإسلامي، بحوث المؤتمر الدولي للتعايش السلمي في الإسلام: ص258

[6] د. عبد الله بخيت، التوزيع الجغرافي لبؤر الإرهاب والتطرف الديني في قارة إفريقيا: ص 16

[7] المرجع نفسه: ص 41

[8][8] جريدة أنجمينا الجديدة، العدد364: ص2

[9] د. التونجي، المعجم المفصل في الأدب، حرف الغين مع اللام

[10] أ.د. مطيع الله الحربي، أسباب الإرهاب: ص36

[11] حسن عزوزي، الإسلام وتهمة الإرهاب: ص 21

[12] المصدر نفسه: ص22

[13] الفيروزآبادي، القاموس المحيط: باب الفاء، فصل العين، إبراهيم أنيس، وآخرون، المعجم الوسيط: حرف العين مع النون

[14] الألباني، صحيح سنن ابن ماجه:2/177

[15] العسقلاني، فتح الباري:1/116

[16] المصدر نفسه:1/117

[17] النووي، صحيح مسلم بشرح النووي:16/220

[18] المصدر نفسه:16/220

[19] حسن عزوزي، الإسلام وتهمة الإرهاب: ص30-31

[20] أ.د. مطيع الله الحربي، الإرهاب في الإسلام (حقيقة أم افتراء؟): 82-85

[21] العسقلاني، فتح الباري: 6/172؛ النووي، صحيح مسلم بشرح النووي:12/ 48

[22] الألباني، صحيح سنن ابن ماجة:2/137

[23] : أ.د. مطيع الله الحربي، الإرهاب في الإ%B