{ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ}

فوجعت الأمة باغتيال الشيخ الداعية عبد العزيز التويجري في إطلاق نار على يد وثني في إحدى القرى الواقعة على حدود غينيا كوناكري مع مالي ؛ هكذا بعد سنين من الجولات الدعوية في أدغال إفريقيا ووسط أنهارها ؛ حاملا نور الإسلام ؛ نسأل الله أن يتقبله الله من الشهداء والصديقين، وحسن أولئك رفيقا .
فور الحدث انهالت الآلاف من رسائل التعزية والدعاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية الأخرى ؛ وهي تحمل الدعاء للشيخ أن يتقبله الله شهيدا ؛ بل وصل الأمر ببعض الناس إلى أن تمنوا أن لو كانوا مكانه اغتباطا بما يرجى له من حسن الخاتمة ؛ وختم آخرون في دعواتهم بالدعاء لأنفسهم أن ينالوا مثل هذا المصير على درب الدعوة إلى الله .
وفي خضم ما انتشر حول هذه الفاجعة أثار كثيرون مسألة العناية بتوفير الحماية الأمنية للمشايخ الدعاة الوافدين إلى إفريقيا واتخاذ التدابير الممكنة ؛ لا سيما وفي الذاكرة القريبة مقتل الشيخين الدكتور وليد العلي وفهد الحسيني من الكويت في هجوم بوركينافاسو قبل أقل من سنة ؛ ولا أعرف غير هذين الحدثين خلال هذه العقود الثلاث ؛ وهذا الجانب – أقصد الاحتياطات الأمنية – تجب العناية به فهي من باب الأخذ بالأسباب ؛ لكن أصواتا من بين هذه الأصوات يشم منها رائحة اللوم لما يرى أصحابها أن هذه الرحلات الدعوية مغامرات ومن باب إلقاء النفس إلى التهلكة ؛ كيف يفدون إلى إفريقيا المضطربة ولا يكفيهم المدن فيواصلون إلى القرى والأدغال ويركبون القوارب والدراجات ؛ ويكاد أن يصل الأمر لدى البعض إلى ما يشبه مقولة أولئك الذين قالوا { لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا ) [آل عمران:156].
وهكذا هناك مواقف وآراء أخرى تنبع من الشفقة على الدعاة والدعوة وعلى المستضيفين من أهل البلد من توابع مثل هذه الأحداث .
وقفت مليا إزاء هذين الحدثين – ولست أعرف غيرهما – وقلت هذا ما أصابنا ؛ فما ذا عن الآخرين في هذا الميدان؟؛ فانصرف ذهني مباشرة إلى المنصرين الغربيين الذين يجوبون القارة منذ قرنين من الزمن ؛ ماذا عنهم ؟ وما ذا أصابهم ؟ ؛ تتبعت بعض الحوادث خلال العقود الثلاث؛ فإذا هم قد ذاقوا أضعاف ما ذقنا ؛ وجاء إلى ذهني بعض الأحداث القريبة زمانا بما أصابهم في هذا الميدان من القتل والاختطاف ؛ وهذه بعضها :
• سبعة رهبان فرنسيون : قتلوا جميعا بتاريخ 27/3/1996م في دير تيبحيرين في بلدية ذراع السمار ولاية المدية جنوب الجزائر العاصمة .
• الأسقف الكندي بينارد غاي PINARD Guy : قتل في 2/2/1997م بإطلاق النار عليه في رواندا .
• المنصر الإرلندي باتريس أنوس كامبل : قتل بتاريخ 22/5/2003م في كنيسته قرب دربن في جنوب إفريقيا .
• الكاهن الإيطالي جوزيبي بيرتانيا (58 عاماً) قتل بتاريخ 16/01/2009 في نيروبي – كينيا
• المنصر الفرنسي الأب لويس بلونديل Louis Blondel : قتل بتاريخ 99/12/2009م في جنوب إفريقيا عن 70 من العمر ؛ بعد 22 سنة في التنصير في دول إفريقيا الجنوبية .
• الكاهن الفرنسي الأب جورج فاندينبوش : خطف في شمال الكاميرون بتاريخ 16/11/2013م ثم أطلق سراحه بعد شهر في ظروف لم يكشف عنها وغالبا ما تكون فدية قد دفعت .
• اثنان من الكهنة الإيطاليين وراهبة كندية : خطفوا 2014/04/07 في شمال الكاميرون .
• المنصرة السويسرية بياتريس ستوكلي اختطفت بتاريخ 09‏/01‏/2016 في تمبكتو، شمال غربي مالي، حيث كانت تقيم منذ سنوات عدة ؛ ثم أطلق سراحها .
• الراهبة الكولومبية غلوريا نارفيز Gloria Narvaez : اختطفت بتاريخ 13/2/2017م في مدينة كوتيالا جنوب مالي على بعد 400 من العاصمة .
وبما أن المقام ليس مقام دراسة تاريخية لهذه الحالات فقد وقفت عند قائمة عن هيئة تنصيرية واحدة تسمى بـ (الآباء البيض ) حيث سردوا قائمة بأسماء (48) ثمانية وأربعين منهم ما بين قس وكاهن وراهب قتلوا جميعا في إفريقيا أثناء مهامهم التنصيرية خلال قرنين ومعظمهم من الفرنسيين والبلجيك ؛ لكنهم لا زالوا على دربهم يسيرون ؛ وفي القارة يجوبون ؛ ويمكن الاطلاع على القائمة من رابط موقع الهيئة بالفرنسية http://peresblancs.org/assassines.htm .
أخيرا ، ومرة أخرى أقول نعم للاحتياطات والتدابير الأمنية للدعاة الوافدين من الخارج ؛ لكن الحقيقة التي يجب أن ندركها أيضا أنه لا يمكن أن نصل في هذا الميدان إلى ما يعرف بالخطر= صفر Risk=0 فذاك مستحيل لنا ولغيرنا ؛ كيف وقد سار على ذلك الدرب الرسل والأنبياء والصالحون ؛ فليستمر السائرون على الدرب وإن لاقوا ما لاقوا وليكن عزاؤنا قول الباري جل وعلا : { إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء : 104]
5 جمادى الأولى 1439هـ

 

الدكتور سعيد محمدبابا سيلا

الأمين العام لاتحاد علماء إفريقيا

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *