الخطبة الأولى:
الحمد لله مدبر الليالي والأيام، ومصرف الشهور والأعوام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك القدوس السلام، المتفرد بالعظمة والبقاء والدوام، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله أفضل الأنام صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلىيوم الدين. أما بعد :
فاتقوا الله تعالى ربكم أيها المؤمنون وعظموا ما عظمه فإنه من تقواه قال تعالى )وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ…[ سورة الحج 30، )وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ[ سورة الحج 32
عباد الله! اعلموا نفعني الله وإياكم بما نقول ونسمع أن الله – سبحانه- اختص هذه الأمة وفضلها على سائر الأمم، وجعلها من خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، واختصها وشرفها بأفضل الأنبياء والمرسلين،محمد بن عبد الله – عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
وكذلك اختص هذه الأمة بأزمنة مباركة، منها: يوم الجمعة، وليلة القدر، ورمضان، واختار من الأشهر أربعة هي الأشهر الحرم يقول الله – جل في علاه- : )إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ[ التوبة 36
فقوله تعالى (منها أربعة حرم) أي من هذه الاثني عشر شهراً أربعة حرم، وسميت هذه الأشهر الأربعة حرماً لعظم حرمتها وحرمة الذنب فيها، روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: اختص الله – تعالى – أربعة أشهر جعلهن حرماً، وعظم حرماتهن،وجعل الذنب فيها أعظم، وجعل العمل الصالح والأجر أعظم وخص الله – تعالى- الأربعة الحرم بالذكر، ونهى عن الظلم فيها تشريفاً لها، وإن كان منهياً عنه في كل زمان.
وقال قتادة رحمه الله: إن الله اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلاً، ومن الناس رسلاً، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان، والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة،واصطفى من الليالي ليلة القدر، فعظموا ما عظم الله، إنما تعظيم الأمور بما عظم الله به عند أهل الفهم وأهل العقل.
وهذه الأربعة الأشهر الحرم قد جاء بيانها في سنة المعصوم– صلى الله عليه وسلم- فقد خطب بذلك في حجة الوداع، فعن أبي بكرة – رضي الله عنه- أن النبي – صلى الله عليه وسلم – خطب في حجته فقال: (إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) أخرجه البخاري ومسلم.
أما قوله تعالى (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) أي فلا تظلموا أنفسكم بارتكاب المعاصي والآثام، صغرت أم كبرت؛ لأن الله إذا عظم شيئاً من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة،وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت له حرمة متعددة، فيضاعف فيه العقاب بالعمل القبيح؛كما يضاعف الأجر والثواب بالعمل الحسن، وأعظم الظلم هو الشرك بالله؛ كما قال الله- تعالى-:)وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[ سورة لقمان 13
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وحشرني وإياكم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الواحد القهار و الصلاة والسلام على النبي المختار و على آله و صحبه الطيبين الأطهار و بعد…
أيها المؤمنون : إنكم قد أشرفتم على شهر من الأشهر الحرم وهو شهر ذو القعدة، ومن أبرز وظائف هذا الشهر :
* المسارعة في فعل الخيرات : ففي الصحيحين عن النبي أنه قال: ((كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ)) ثم بين النبي نوع هذه الصدقة فقال: ((تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ، وَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ)) وقال الثوري: “الأشهر الحرم أحب إلي أن أصوم فيها .
* الاستعداد لشعيرة الأضحية، بشروطها وآدابها ؛ ومحل تفصيل ذلك في خطبة أخرى بإذن الله تعالى عند قرب عيد الأضحى.
واتقوا الله أيها المؤمنون, واستعدوا ليوم الرحيل، وتراحموا فيما بينكم يرحمكم الله، وأكثروا من التوبة والاستغفار فإنها ممحيات للذنوب والآثام، وموجبات لرضا الرحمن.
وصلوا وسلموا على النذير البشير وعلى آله وأصحابه … اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، في العالمين، إنك حميد مجيد،
اللهم! إنا نسألك الهدى والتقوى والعفاف والغنى. اللهم! إنا أسألك قلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، وجسداً على البلاء صابراً.
اللهم! عاملنا بالحسنى واجمع لنا خيري الآخرة والأولى.. اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، واجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين ، وأصلح من في صلاحه صلاح للإسلام والمسلمين، وأهلك من في هلاكه صلاح للإسلام والمسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
أضف تعليقاً