مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم | عنوان الخطبة | معد الخطبة | التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
37 | الشيخ حسين آل الشيخ ـــ المسجد النبوي | 17 /07 /1443هـ الموافق 18/02 /2022م | الأمانة العامة |
الموضوع: ” الظلم وعاقبته ”
الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ.
أما بعد، فيا أيها المُسلمون: إن الحياة الطيبةَ لا تكونُ إلا بتقوى الله، وإن السعادةَ في الدارَين لا تحصُلُ إلا بالتمسُّك بتلك التقوى، فاستمسِكوا بتقوى الله ليلاً ونهاراً، سرًّا وجهرًا.
إخوة الإسلام:
من أصول الإسلام: مُحاربةُ الظلمِ بشتَّى صوره ومُختلَف أشكاله، وإن المُتتبِّع لأحوال الناس مع ظهور حبِّ الدنيا وتمكُّنها في النفوس يجِدُ مُمارساتٍ تحمِلُ الظلمَ لآخرين في نفوسهم وأعراضهم وأموالهم، وإن أعظمَ ما يحمي الإنسانَ من الظلمِ ويدرأُ عنه شُرورَ الوقوع فيه: تذكُّر عاقبتَه الوخيمة في الدنيا، ومآلَه الشنيعَ في الآخرة.
إخوة الإسلام: يجبُ أن نعلمَ أن التسلُّط على الخلقِ وظُلمَهم مسلكٌ يُؤدِّي بصاحبه إلى أشنعِ حالٍ وأسوأِ مآلٍ، سنةٌ لا تتبدَّلُ ولا تتحوَّلُ، وإن مصارعَ الظلمَة في القديمِ والحديثِ لأصدقُ برهانٍ، وأعظمُ بيانٍ لمن كان له قلبٌ أو ألقَى السمعَ وهو شهيدٌ.
معاشر المسلمين: إن دعوةَ المظلوم سهامٌ لا تُخطِئ، وسلاحٌ على الظالمِ لا يُبقِي وإن طالَ الدهرُ، قال صلى الله عليه وسلم لمُعاذ بن جبلٍ رضي الله عنه حين بعثَه إلى اليمن: (.. واتَّقِ دعوةَ المظلومِ؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجابٌ)؛ متفق عليه.
وفي “السنن” بسندٍ حسنٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دعوةُ المظلومِ تُحمَلُ على الغَمام، وتُفتحُ لها أبوابُ السماوات، ويقول الربُّ: وعزَّتي! لأنصُرنَّكِ ولو بعد حينٍ).
وإن من سُوء عاقبةِ الظلمِ أن دعوةَ المظلومِ مُستجابةٌ حتى ولو من الفاجرِ أو الكافرِ؛ روى أحمد في “مسنده” بسندٍ حسنٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُردُّ دعوةُ المظلومِ ولو كان فاجِرًا ففُجورُه على نفسه).
وفي حديثٍ آخر عنده – رحمه الله – بسندٍ حسنٍ: (اتَّقوا دعوةَ المظلوم وإن كان كافرًا؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجابٌ).
وصدقَ القائلُ حينما قال:
لا تظلِمنَّ إذا ما كنتَ مُقتدرًا | فالظلمُ ترجِعُ عُقباهُ إلى النَّدَمِ |
تنامُ عيناك والمظلومُ مُنتبِهٌ | يدعُو عليكَ وعينُ الله لم تنَمِ |
فاتَّقِ الله يا مَن لا تُقيمُ لدماءِ المُسلمين حُرمة، ولا لأعراضهم صيانة، ولا لأموالهم وزنًا وحماية. من أزجَرِ ما نُقِل في التاريخ: قصةٌ عن خالد بن عبد الله البَرمَكيِّ وولده في حوارٍ بينهما وهُما في السجنِ، فيقول له: يا أبَتَاه! لقد كُنَّا بعد العِزِّ والمُلكِ صِرنا في القَيْدِ والحبس. فقال له: يا بُنيّ! دعوةُ مظلومٍ سَرَت بليلٍ غفَلنَا عنها والله لم يغفَل عنها.
وذكرَ العلماءُ – رحمهم الله – أن مالكَ بن دينارٍ الزاهدَ العابِدَ حُمَّ أيامًا – أي: وجَدَ حرارةً في بدنه -، ثم وجدَ خِفَّةً فخرجَ لبعضِ حاجته، فمرَّ بعضُ أصحاب الشُّرط بين يديه قومٌ، قال: فأعجَلوني فاعترضتُ في الطريقِ، فلحِقَني إنسانٌ من أعوانه فقنَّعَني أسواطًا – أي: ضرَبَني أسواطًا – كانت أشدَّ عليَّ من تلك الحُمَّى. فقلتُ: قطَعَ اللهُ يدَكَ، فلما كان من الغدِ غدوتُ إلى الجسرِ في حاجةٍ لي فتلقَّاني ذلك الرجلُ مقطوعةً يدُهُ يحمِلُها في عُنقِهِ.
فيا مَن تظلِمُ وتبطِشُ! تذكَّر موقِفَك بين يدَي الله، واخشَ على نفسِكَ من دعوةِ صالحٍ تسري بليلٍ والناسُ نِيامٌ، إن لم تكن خائفًا من موقفِكَ من الله.
فإن بعضَ الناس إنما يخافُ على نفسه في الدنيا، ولهذا جعل الله له زاجِرًا في دنياه قبل أُخراه؛ روى الطبراني بسندٍ رِجالُهُ رجالُ الصحيح: أن رجلاً نالَ من عليٍّ رضي الله عنه، فنهاهُ سعدُ بن أبي وقَّاصٍ، فلم ينتَهِ عن ذلك، فقال سعدٌ: أدعُو الله عليك. فدعَا عليه، فما برِحَ حتى جاءَ بعيرٌ نادٌّ فخبَطَه حتى ماتَ.
وأوردَ أبو نُعيمٍ في “الحلية”، وابنُ الجوزي في بعضِ كُتبه: أن سُليمان التيميَّ العابِدَ الحافظَ كان بينه وبين رجلٍ شيءٌ، فنازعَه فتناولَ الرجلُ سُليمان فغمَزَ بطنَه، فدعا عليه سُليمانُ فجفَّت يدُ الرجلِ.
أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أحمدُ ربي وأشكُرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ.
أخي المُسلم: اسمَع هذه العِبرةَ فاتَّعِظ وازدَجِر؛ حكى ابنُ أبي الدنيا أن رجلاً من مُناوِي عُثمان رضي الله عنه آلَى على نفسه أن يلطِمَ وجهَ عُثمان الشريف. وفي القصَّة قال: فدخلتُ مع صاحبي وإذا رأسُ عثمان في حجر امرأته، فقال لها صاحبي: اكشِفي وجهَه. فقالت: لِمَ؟ قال: ألطُمُ حُرَّ وجهِهِ. قالت: أمَا تذكُرُ ما قال فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ؟! قال فيه كذا وكذا – ثم عدَّدَت مزاياه العظيمة -، قال: فاستحيَى صاحبي بعد ذلك فرجعَ، فقلتُ لها أنا: اكشِفي عن وجههِ.
قال: فذهَبَت – أي: امرأةُ عُثمان – تدعُو عليَّ، ومع ذلك قال: فلطَمتُ وجهَهُ. فقالت: ما لكَ يبَّسَ الله يدَكَ، وأعمَى بصرَك، ولا غفرَ لك ذنبَكَ. قال: فواللهِ ما خرجتُ من البابِ حتى يبَسَت يدِي، وعمِيَ بصري، وما أرى اللهَ أن يغفِرَ لي ذنبِي. ثم رُؤِيَ يطوفُ في الكعبة ويتألَّى على الله عقوبةً له، فيقول وهو أعمَى: اللهم اغفِر لي، وما أراكَ تفعلُ!
ومن القصص التي فيها زجرٌ عن الظلمِ: ما أخرجه البخاري عن جابر بن سمُرة قال: شكا أهلُ الكوفةِ سعدًا إلى عُمر حتى قالوا: إنه لا يُحسِنُ يُصلِّي. فقال سعدٌ: أما أنا فإني كنتُ أُصلِّي بهم صلاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أخرِمُ عنها، أركُدُ في الأَوليَيْن وأحذِفُ في الأُخرَيَيْن. قال عُمر: واللهِ ذاك الظنُّ بك يا أبا إسحاق.
ثم بعثَ عُمر – وهو الخليفةُ العادلُ الذي لا تأخُذُه عاطفةٌ عن الحق والتتبُّع -، أرسلَ عُمر رجالاً يسألون عنه في مجالسِ الكوفة، فكانوا لا يأتون مجلِسًا إلا أثنَوا عليه خيرًا، وقالوا معروفًا، حتى أتَوا مسجدًا من مساجِدِهم فقال رجلٌ – يُقال له: أبو سَعدة -، فقال: اللهم إذ سألتُمُونا فإنه كان لا يعدِلُ في القضية، ولا يقسِمُ بالسَّوِيَّة، ولا يسيرُ بالسرِيَّة!
وهكذا الظالمُ إذا تبِعَ هواه انطلَقَ لسانُهُ بما يهوَى، وانطلَقَت جوارِحُه بما تهوَى نفسُه الأمَّارة. فقال سعدٌ: اللهم إن كان كاذِبًا فأعمِ بصرَه، وأطِل فقرَه، وعرِّضْه للفتن. قال عبدُ الملك – راوي الحديث -: فأنا رأيتُه يتعرَّضُ للإماءِ في السِّكَكِ، فإذا قيل له: انتَهِ يا أبا سَعدة! قال: كبيرٌ فقيرٌ مفتونٌ أصابَتني دعوةُ سعدٍ.
يا مَن ينسَى دعوةَ المظلوم! لتكُن مثلُ هذه الأمثِلَة زاجِرًا لك ورادِعًا لنفسك عن ظُلم الخلق في أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم.
حُكِي أن رجلاً من قتَلَة الحُسين بن عليٍّ رضي الله عنه، وعن أبيه، وعن أمِّه، وعن آل البيت جميعًا – رمَى الحُسين بسهمٍ. فقال الحُسين: يا هذا! إيتنِي بماءٍ أشربُه، فلما رماهُ هذا الرجلُ حالَ بينَه وبين الماءِ، فقال الحُسينُ: اللهم أظمِئْهُ.
فرُؤِيَ هذا الرامي وهو عند موته في الاحتِضار وهو يصيحُ من الحرِّ في بطنِهِ، ويصيحُ من البردِ في ظهره، فبين يدَيْه المراوِحُ والثلجُ وخلفَه المُصطَلَى، وهو يقول: أسْقُوني أهلَكَني العطشُ، فيُؤتَى بإناءٍ عظيمٍ فيه السَّوِيْقُ – وهو الماءُ واللبنُ، لو شرِبَه خمسةٌ لكفاهم -، فيشربَه جميعًا، ثم يعودُ فيقول: أسْقُوني أهلكَني العطشُ، ثم انقدَّ بطنُهُ كانقِداد البَعير.
فيا مَن تظلِمُ الناسَ! اللهُ أكبرُ عليك، إن الظالمَ تدورُ عليه الدوائرُ، وتحُلُّ به المثُلاتُ وإن طالَ الدهرُ، وامتدَّ الزمانُ؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (إن اللهَ ليُملِي للظالمِ حتى إذا أخَذَه لم يُفلِتْهُ)، ثم قرأَ: ]وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ[ هود 102.
أيها المسلمون: وصيةُ الله لنا جميعًا هي وصيةُ الله لأولين والآخرين، وهي: تقواه – جل وعلا -، ولُزومُ طاعته، والبُعد عن معاصِيهِ.
يا مَن يظلِمُ الناسَ في أموالهم فيأخُذها قهرًا، أو يمنَعُ دَينًا، أو يحبِسُ حقًّا، يا مَن يُماطِلُ الناسَ في أموالهم! اسمَع هذه المواعِظ، وكُن لنفسِك خيرَ واعِظٍ قبل أن تحُلُّ بك دعوتُهم، وتُحيطَ ببدنِكَ أو مالِك أو ولدك عاقبةُ نجواهم لخالقهم؛ ففي الحديثِ القُدُسيِّ: (يا عبادي! إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُهُ بينكم مُحرَّمًا، فلا تظالَموا).
فكُن – أيها المُسلمُ – مُتباعِدًا عن ظُلم الخلقِ، مُحاذِرًا النَّيْلَ منهم بقولٍ أو فعلٍ أو إعانةٍ على ظُلمٍ.
ثم إن اللهَ – جل وعلا – أمرَنا بما تزكُو به حياتُنا، وتسعَدُ به أُخرانا، ألا وهو: الإكثارُ من الصلاةِ والسلامِ على الحبيبِ النبيِّ.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيدِنا ونبيِّنا وحبيبِنا وقُرَّةِ عيوننا: نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن الأئمةِ المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائرِ الآلِ والصحابةِ أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
وأختِمُ قولي بصلاةٍ وسلامٍ على سيدِي ونبيِّ محمدٍ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا ورسولِنا محمدٍ.
أضف تعليقاً