مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم الخطبة | عنوان الخطبة | معد الخطبة | تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
83 | د. عبد الرحمن بن علي العسكر المستشار بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في السعودية | 24/04/1444هـ الموافق 18/11/2022م | الأمانة العامة |
الموضوع : تَوْحِيد الأسماء والصفات
الخطبة الأولى:
أما بعد: فاتقوا الله تعالى ـ أيها الناس ـ وأطيعوه، وأخلصوا له العبادة ووحدوه، واعلموا أن أفضل ما وعظ به الواعظون وذكّر به المذكّرون معرفة الله تعالى بأنه ربّ العالمين الرحمن الرحيم المالك المتصرف ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، وأن جميع الكون وكل ما فيه خلقه وملكه وعبيده وتحت ربوبيته وتصرفه وقهره.
عباد الله، لقد أخبر ـ وخبره صدق ـ عن افتراق أمته إلى ثلاث وسبعين فرقه كلهم في ضلال إلا فرقةً واحدةً هي التي وافقت هدي الكتاب والسنة وسارت على نهج المصطفى ونهج أصحابه من بعده. وإن هذا الافتراق شامل لكل أمور الدين والعبادة، ولكن عند إطلاقه يتبادر إلى ذهن قائله وسامعه التفرق في باب التوحيد والاعتقاد، فأهل الزيغ والضلال في باب الاعتقاد طوائف شتى وفرق عديدة كل فرقة فرحة بما عندها.
أما أهل السنة والجماعة الذين ساروا على النهج القويم فإنهم على خط مستقيم في هذا الأمر، بل وفي جميع أمورهم، ولكن في باب العقيدة والتوحيد يخصونه بمزيد اهتمام ومزيد عناية؛ لأن الضلال فيه ضلال كبير ليس كالضلال في غيره، والخطأ فيه عظيم، الخطأ في العقيدة ليس كالخطأ فيما دونها؛ لأن من أخطأ في التوحيد والاعتقاد يخشى عليه من الكفر والانحراف الشديد والضلال البعيد.
عباد الله، الله سبحانه هو المستحق للعبادة دون سواه، والجن والإنس ما خلقوا إلا لعبادته سبحانه، والعبادة هي منتهى الذل مع منتهى المحبة، فهي حقيقة جامعة لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال القلبية والحسية البدنية الظاهرة والباطنة.
عباد الله، التوحيد ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وهذا القسم الثالث لا بد للموحد أن يعرفه، فمنزلته في الدين عالية وأهميته عظيمة، ولا يمكن لأحد أن يعبد الله على الوجه الأكمل حتى يكون على علمٍ بأسماء الله وصفاته ليعبده على بصيرة.
توحيد الأسماء والصفات زلّت فيه أقدام وضلّت فيه أفهام وتحيّرت فيه عقول، ولكن الله هدى من شاء من عباده إلى توحيده بأسمائه وصفاته حين ساروا على منهج القرآن والسنة.
فمما ينبغي أن يعلمه كل موحدٍ في هذا الباب أن الله سبحانه وصف نفسه بصفات ووصفه رسوله بصفات، ونفى سبحانه عن نفسه صفات ونفى عنه رسوله صفات؛ فيجب علينا أن نثبت لله ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله ، وأن ننفي عن الله تعالى ما نفاه عن نفسه وما نفاه عنه رسوله .
ومما ينبغي أن نعرفه أن أسماء الله وصفاته حسنى لا نقصَ فيها، بل إنها بلغت في الحسن غايته وفي الكمال منتهاه وفي الجمال أقصاه وأعلاه، وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، فالعليم اسم لله تعالى، وقد اقتضى العلم الكامل الذي لم يسبق بجهل ولا يلحقه نسيان، قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى [طه:52]، العلم الواسع المحيط بكلّ شيء، وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59]، يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [التغابن:4].
عباد الله، إن مما ينبغي أن يعلم علم يقينٍ لا شكّ فيه أن أسماء الله وصفاته مجالها مقصور على الكتاب والسنة، فليس لأحد أن يصف الله بصفةٍ لم ترد عنه ولا عن رسوله ، بل يجب الوقوف على ما في الكتاب والسنة لا يزاد فيه ولا ينقص؛ لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقّه تعالى من الأسماء، وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [الإسراء:36].
أيها الإخوة، إذا ما أثبت الإنسان هذا فليعلم أن أسماء الله لا عدد لها ولا حصر، يقول : ((أسألك بكل اسم هو لك، سميتَ به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك)) رواه أحمد وابن حبان والحاكم. فما استأثر الله بعلمه لا يستطيع أحد معرفته.
فإذا ما أثبت المسلم هذه الأمور لله سبحانه فلا يجوز له الميل عنها ولا الإلحاد فيها، يقول الله سبحانه: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:180]، فالله سبحانه أوضح في هذه الآية أربعة أمور: أن له أسماء، وأنها حسنى، وأمرنا أن ندعوه ونتعبّده بها، ونهانا عن الإلحاد فيها. والإلحاد ـ عباد الله ـ في أسماء الله هو الميل بها عما دلّت عليه بتحريفها وتأويلها إلى ما لا تحتمله، كما تفله كثير من فرق الضلال. والله سبحانه يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:74]. فلا نتدخل بعقولنا، ولا نؤوّل بأفهامنا ومداركنا، ولا نحكم على الله سبحانه وتعالى، لا نمثله بخلقه، ولا نكيّف صفته، كما أننا لا نعطلها عن معناها، ولا نسميه بما لم يسمّ به نفسه كما فعلت النصارى، ولا نشتق من أسمائه أسماء للأصنام كما فعلت قريش حين اشتقت العزّى من العزيز.
هذا هو الإلحاد الذي نهانا الله عنه في أسمائه وصفاته: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [طه:5-8].
هذا ـ عباد الله ـ مجمل الاعتقاد في أسماء الله وصفاته، اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لم يتّخذ ولدًا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له وليّ من الذل, وما كان معه من إله، لا إله إلا هو، ولا خالق غيره، ولا رب سواه، المستحق لجميع أنواع العبادة، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [الحج:62]، أحمده سبحانه وأشكره، وأثني عليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فإن الناس يتفاضلون في أمور كثيرة حسب معرفتهم لها، وكذلك التفاضل الحقيقي إنما يكون بحسب معرفة الله تعالى ومحبته، ومعرفة الله بأسمائه وصفاته هي جماع السعادة في الدنيا والآخرة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “أصل التفاضل بين الناس إنما هو بمعرفة الله ومحبته، وإذا كانوا يتفاضلون فيما يعرفونه من المعروفات فتفاضلهم في معرفة الله وصفاته والتصديق به أعظم، بل إذا كانوا يتفاضلون في معرفة أي شيء من أمور الدنيا أو أمور الآخرة فتفاضلهم في معرفة الله تعالى أعظم وأعظم. إن كل ما يعلم ويقال يدخل في معرفة الله تعالى، إذ لا موجود إلا وهو خَلقه، وكل ما في المخلوقات من الصفات والأسماء والأقدار شواهد ودلائل على ما لله سبحانه من الأسماء الحسنى والصفات العلى، وكل كمال في المخلوقات من أثر كماله، وكل كمال ثبت لمخلوق فالله أحق به، وكل نقص تنزه عنه مخلوق فالخالق أحق بتنزيهه عنه، لقد ثبت في الحديث الشريف أن لله أسماء استأثر بها في علم الغيب عنده، وأسماء الله متضمنة لصفاته، وليست أسماء محضة، وإذا كان من أسمائه ما اختص هو بمعرفته ومن أسمائه ما خصّ به من شاء من عباده علم أن تفاضل الناس في معرفته أعظم من تفاضلهم في معرفة كل ما يعرفونه” اهـ.
عباد الله، جاء في صحيح البخاري أن الرسول قال: ((إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة))، وهذا الحديث لا يحدّد عددا ولكنه ينبّه الناس إلى أمر مهم وهو أن إحصاءها هو معرفة لفظها ومعناها، وأن يتعبّد الله بما دلّت عليه وما تقتضيه، فإن مما يعين على العبادة معرفة أسماء الله وصفاته.
فمن أسمائه الرحمن الرحيم، فكل ما نحن فيه من نعمة فهو من آثار رحمته تعالى، وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص:73]، فهل استشعر المؤمن هذه المعاني عند سماعه لهذا الاسم؟!
ومن أسمائه العليم، الذي أحاط علمه بكل شيء من ماض وآت وظاهر وكامن ومتحرك وساكن وجليل وحقير، فهل استشعر هذا المعنى من أقدم على معصية الله سبحانه؟!
ومن أسمائه السميع البصير، يسمع كل شيء، ويرى كل شيء، ولا يخفى عليه دبيب نملة سوداء في ليلة مظلمة تسير على صخرة صماء، إن جهرتَ بقولك سمعه، وإن أسررت به لصاحبك سمعه، وإن أخفيته في نفسك سمعه، بل إنه سبحانه يعلم ما توسوس به نفسك وإن لم تنطق به، هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد:3]، لا تخفى عليه خافية، حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم.
عباد الله، معرفة الله بأسمائه وصفاته هي أساس الإيمان به والتصديق برسله وما أرسلوا به. معرفة الله بأسمائه وصفاته تورث السكينة والرضا، وتبعد العبد عن السخط والغضب. العارف بالله من أطيب الناس عيشا. معرفة الله تورث معيّته سبحانه. معرفة الله بأسمائه وصفاته سراج ينير الطريق، الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء:78-82]، إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40].
من عرف الله خافه وحذر من بطشه، ومن عرف الله علم بقرب نصره لعباده وانتقامه من الظالم، ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)).
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر:22-24].
ألا وصلوا على سيدنا محمد كما أمركم الله -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
أضف تعليقاً