مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم الخطبة | عنوان الخطبة | معد الخطبة | تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
102 | بعض أحكام الصوم وبيان المفطرات | الشيخ صلاح بن محمد البدير خطيب المسجد النبوي | 02/09/1444هـ الموافق 24/03/2023م | الأمانة العامة |
الموضوع: “ بعض أحكام الصوم وبيان المفطرات “
الحمد لله على قدوم رمضان حمدًا يوافي نعمه وعطاياه، وأشكره على ما أفاض من الخير وأسداه، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ولا معبود بحق سواه، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، ونبيُّه وصفيُّه ونجيُّه، ووليُّه ورضيُّه ومجتباه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، صلاةً دائمةً ما دام انفلاق الصبح وإشراق ضياه.
أما بعدُ: فيا أيها المسلمون اتقوا الله بالسعي إلى مراضيه واجتناب معاصيه؛ ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[ الْبَقَرَةِ 183.
أيها المسلمون: والصوم المشروع هو الإمساكُ عن المُفْطرات من طلوع الفجر الثاني، إلى غروب الشمس؛ لقوله تعالى: ]وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ[ الْبَقَرَةِ18.
ويؤمَر الصبيُّ بالصيام إِذَا أطاقه؛ ليتمرَّن عليه ويعتاده، فإن كان ممَّن يضعُف ويخور ولا يُطِيق لَمْ يُكَلَّفْ بما يشقُّ عليه، ومَنْ عَجَزَ عن الصوم لكِبَرٍ أو مَرَضٍ لا يُرجَى بُرؤُهُ أفطَر وأطعَم عن كل يوم مسكينًا في أصحِّ قولَيِ العلماء، والمريض إذا خاف بصومه زيادةً مرضه وتطاوُلَه وتجدُّدَه وتباطُؤَ بُرْئِهِ استُحِبَّ له الفطرُ، فإن حمَل نفسَه وتحامَل عليها وصام صحَّ صومُه وأجزأه، ولكِنْ فعَل مكروهًا؛ لأنه أضرَّ بنفسه، وترك تخفيف الله وقبول رخصته، وكل مرض لا يضر الصوم صاحبه؛ كوجع الضرس وجرح الإصبع والدُّمَّل وأشباه ذلك لا يجوز الفطر بسببه، ويباح الفِطْرُ للمسافر، سواء وجَد مشقةً أم لا، والفطرُ أفضلً خاصةً إذا شق عليه؛ لحديث حمزة بن عمر الأسلمي رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله، أجد مني قوةً على الصوم في السفر فهل عليَّ جُناحٌ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: هي رخصةٌ مِنَ اللهِ تعالى، فمَنْ أخَذ بها فحَسَنٌ، ومَنْ أَحَبَّ أن يصومَ فلا جناحَ عليه (رواه مسلم، قال المجد ابن تيمية “وهو قويُّ الدلالةِ على فضيلةِ الفطرِ”، ولا يباح للمسافر الفطر حتى يخلِّف البيوت وراء ظهره، والقول بأن له أن يفطر في بيته إن عزم على السفر قولٌ شاذٌّ لا يعوَّل عليه.
أيها المسلمون: والحاملُ والمرضعُ إذا خافَتَا على أنفسهما إذا صامَتَا فلهما الفطرُ وعليهما القضاءُ ولا يلزمهما إطعامٌ؛ لأنهما بمنزلة المريض الخائف على نفسه، وإن خافَتَا على ولديهما أفطَرَتا وعليهما القضاء وإطعام مسكين لكلِّ يومٍ، وهو أحوطُ أقوال العلماء؛ فإن عجزَتَا عن الإطعام سقط عنهما بالعجز على الصحيح.
أيها المسلمون: والمفطرات التي تُفسِد الصومَ ستةُ أنواعٍ:
النوع الأول: الأكل والشرب وما في معناهما، فإن أَكَلَ أو شَرِبَ مختارًا ذاكِرًا لصومه أبطَلَه، وإن ابتلَع ما بين أسنانه أفطَر، وإن ابتلع ريقه لم يُفطِر، حتى ولو جمَعَه ثم ابتلعه؛ لأنه ممَّا يصل إلى معدته بدون اختياره، ولا يَفسُد الصوم إن ابتلع النخامة؛ لأنها معتادةٌ في الفم أشبَه الريقَ، وإن وصلَت إلى طرف لسانه وإمكانه، فينبغي له إخراجُها وإلقاؤها احتياطًا لصومه وخروجًا من الخلاف، والخروجُ من الخلاف مستحبٌّ، والتحوُّطُ للعبادة مطلوبٌ، ويُفطِر بكل ما أدخَلَه إلى جوفه، سواءٌ وصَل من الفم على العادة، أو من الأنف، أو من الأذن؛ لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه: (وبالِغْ في الاستنشاق إلَّا أن تكون صائمًا( أخرجه أبو داود.
والمضمضة العلاجية والغرغرة الدوائية، إذا لم يبتلع ما نفَذ منها إلى الحلق لم يفطر، وتأخيرُها إلى الليل تحرزًا للصوم أَوْلَى، وإن قطَر في أنفه أو أذنه دواءً فوصل إلى جوفه أو معدته أفطَر، وإن اكتحل بذرور أو قتور أو إثمد لم يُفطِر في أصحِّ قولَيِ العلماءِ، فإن وجَد مرارةَ الكحل وطعمَه في حلقه أو خرجت أجزاؤُه في نخاعته فالاحتياط القضاء، واتقاءُ الكحلِ وتجنُّبُه في نهار رمضان أَوْلَى؛ تحرزًا للصوم واحتياطًا له، ومَنْ تطيَّب بنوعٍ من أنواع الطِّيب في نهار رمضان وهو صائم لم يفسد صومه، ويجتنب استنشاق البخور والطيب المسحوق؛ لأن لهما أجزاء متطايرة، تتصاعد وتنفُذ بالاستنشاق إلى المعدة والجوف، والإبر والحقن المغذية تُفسِد الصومَ؛ لأنها في معنى الأكل والشرب، والإبر العلاجية التي ليست في معنى الأكل والشرب كالبنسلين والأنسولين وإبر التطعيم ولقاحات كورونا ونحوها لا تُفسِد الصيامَ، والأحوطُ أخذُها في غير نهار رمضان.
ومن زرق في إحليله دواء أو محلولًا أو أدخل مِيلًا أو منظارًا لم يبطل صومه، وإحليل الذَّكَر ثَقبُه الذي يَخرُج منه البولُ؛ لأن ما يصل إلى المثانة لا يصل إلى الجوف، وما يدخل إلى الجوف من الدُّبُر من الأدوية والمحاليل بالحقنة يُفطِر الصائمَ عند جمهور الفقهاء، وتأخيرُ ذلك إلى الليل أسلمُ للعبادة.
النوع الثاني: استدعاء القيء عمدًا، سواءٌ فَحُشَ أم لا، وسواءٌ استقام طعامًا أو مُرارًا أو غير ذلك، قال ابن المنذر: أجمَع أهلُ العلمِ على إبطالِ صومِ مَنِ استقاء عامِدًا، فمن استفرَغ باختياره عامِدًا فسَد صومُه، وعليه القضاء، ومن ذرَعَه القيءُ وغلَبَه وخرَج بغير اختياره فلا قضاءَ عليه؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ ذرَعَه القيءُ فليس عليه قضاءٌ، ومن استقاء عمدًا فليقضِ (أخرجه أبو داود والترمذي.
النوع الثالث: الحجامة: فإذا احتجَم الصائمُ أفطَر عند الإمام أحمد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفطَر الحاجمُ والمحجومُ (أخرجه أبو داود وابن ماجه، وعند الأئمة الثلاثة أبي حنفيه ومالك والشافعي يجوز للصائم أن يحتجم ولا يُفطِر؛ لِمَا رَوى ابنُ عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم. أخرجه البخاري، وجاء في بعض الأحاديث ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم بالقاحة، فوجد لذلك ضعفًا شديدًا فنهى عنها، والأَوْلَى بالصائم ألَّا يحتجم إلا ليلًا؛ خروجًا من الخلاف، واحتياطًا للعبادة، وبعدًا مما قد يكون مفسدًا لها.
وغسيل الكُلَى الذي يقتضي خروجَ الدم وتنقيتَه، ثم رجوعه مرةً أخرى إلى البدن بعد إضافة المواد الكيماوية والغذائية كالسُّكَّريات والأملاح وغيرها إليه يُعتبَر من المفطرات، ولا فطرَ بِفَصْدٍ وشَرْطٍ ورُعَافٍ وأَخْذِ يسيرٍ من دم الصائم لغرضِ التحليلِ والفحصِ؛ لأنه لا نصَّ فيه، والقياس لا يقتضيه، وأما التبرع بالدم فالأحوطُ تأجيلُه إلى ما بعد الإفطار؛ لأنه يُضعِف الصائمَ، وهو كثيرٌ؛ فأشبَه الحجامةَ.
جعلني الله وإياكم ممَّن صام وقام إيمانًا واحتسابًا. أقول ما تسمعون وأستغفِر الله فاستغفِروه، إنه كان للأوابين غفورًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، آوى مَنْ إلى لطفه أوَى، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، داوى بإنعامِه مَنْ يئس من أسقامه الدوا، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاةً تبقى وسلامًا يترى.
أما بعد فيا أيها المسلمون: اتقوا الله وراقِبوه وأطيعوه ولا تعصوه؛ ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[ آلِ عِمْرَانَ 102.
أيها المسلمون: النوع الرابع من المفطرات: إنزال المني، ويُباح للصائم مباشَرةُ زوجتِه ولَمْسُها وتقبيلُها؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي يقبِّل ويباشِر وهو صائم، وكان أملَكَكم لأَرَبِه، وقيل: وكان أَمْلَكَكُم لإِرْبِهِ( متفق عليه، ومعنى لأربه أو لإربه؛ أي: لحاجته ورغبته؛ فإن كان يخشى من المباشَرة بالتقبيل ونحوه فسادَ صومه وغلبةَ الشهوة عليه وسرعة نزول المني منه، فعليه اجتنابُ ذلك صيانةً لصومه، فإن باشَر فيما دون الفَرْج أو قبَّل أو لَمَسَ فأنزَل المنيَّ فسَد صومُه وعليه القضاءُ، وإن لم يُنزِل لم يفسد صومه، وإن كرر النظر في حلال أو حرام فأنزل المني فقد أفسد صومه وعليه القضاء، وإن استمنى بيده فأنزَل أفطَر وعليه القضاءُ، ولو أمذى بالمباشَرة دون الفَرْج أو أمذى بسبب قُبلة أو لَمْس أو تَكْرار نَظَرٍ لم يُفطِر في أصحِّ قولَي العلماءِ، وهو قولُ الإمامينِ أبي حنفية والشافعي، واختارَه الآجريُّ وأبو محمد الجوزي والشيخ تقي الدين.
النوع الخامس: الجِماع، وهو من مبطلات الصوم بالإجماع، والصائم إذا جامَع في نهار رمضان في الفَرْج فأنزَل أو لم يُنزِل فقد فسَد صومُه وعليه القضاءُ والكفارةُ، والكفارةُ عتقُ رقبةٍ، فمَنْ لم يجد فصيامُ شهرينِ متتابعينِ، فمن لم يستطع فإطعامُ ستينَ مسكينًا، وقد دلَّ على ذلك حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه، الذي رواه الشيخان، وإن عجز عن الأصناف كلها سقَطَتْ؛ لأنه لا واجبَ مع العجز، وإن كانت المرأة مطاوِعةً فسَد صومُها، وعليها القضاءُ والكفارةُ، وإن أُكرِهَتْ على الجماع فلا كفارةَ عليها، وعليها القضاء في أصح قولَيِ العلماءِ.
النوع السادس: خروج دم الحيض والنفاس: والحائض والنُّفَسَاء لهما الفطرُ، ولا يصحُّ منهما الصيامُ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أليس إحداكُنَّ إذا حاضَتْ لم تَصُمْ ولم تُصَلِّ قلنَ: بلى( أخرجه البخاري، ومتى وجد ذلك في جزء من اليوم أفسَده، وإن انقطَع دمُها ليلًا فنوتِ الصومَ ثم اغتسلَتْ من النهار صحَّ صومُها، ولا يسقط عنهما وجوبُه، وتقضيان إذا طَهُرَتَا بعدد الأيام التي أفطَرَتَا فيهما؛ لحديث عائشة رضي الله عنه أنها قال: (كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة (متفق عليه.
أيها المسلمون: لا تجرحوا صيامكم بالزور، والإثم، والجهل، والظلم، فرُبَّ صائمٌ لا يقوم ثوابُ صيامه في موازنة إثم ظلمِه وإجرامه، فاتقوا اللهَ يا مَنْ أمسكتُم عن المفطِرات والمفسِدات أثناءَ الصيام، وفعلتُم ما يجب اجتنابُه على الدوام، عن أبي هريرة عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رُبَّ صائمٍ حظُّه من صيامِه الجوعُ والعطشُ، ورُبَّ قائمٍ حظُّه من قيامه السهر( رواه أحمد، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لم يَدَعْ قولَ الزورِ والعملَ به، فليس لله حاجةٌ في أن يَدَعَ طعامَه وشرابَه(، وعن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: (إذا صمتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً(
جعلني اللهُ وإيَّاكم ممَّن صامَ رمضانَ وصانَه، ولم يكدر بالذنوب عملَه وإحسانَه، وصلُّوا وسلِّموا على أحمد الهادي شفيع الورى طرًّا، فمن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الآل والأصحاب، وعنَّا معهم يا كريم يا وهَّاب.
اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأَذِلَّ الشركَ والمشركينَ، ودَمِّر أعداءَ الدِّينِ، واحفظ بلادنا وبلاد المسلمين، من كيد الكائدين وعدوان المعتدين يا ربَّ العالمينَ، اللهم ابسط الأمن والسلام على ديار الإسلام، يا ربَّ العالمينَ.
أضف تعليقاً