مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم | عنوان الخطبة | معد الخطبة | التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
109 | فضائل الحج و البلد الحرام | الشيخ صالح بن محمد آل طالب – خطيب مسجد الحرام | 23/10 /1444هـ الموافق 12/05/2023م | الأمانة العامة |
الموضوع: فضائل الحج و البلد الحرام
الخطبة الأولى
الحمد لله جعل بيتَه الحرامَ مثابةً للناس وأمنًا، هدانا لأقوم السُّبُل وشرعَ لنا أفضلَ الشرائِعَ فضلاً منه ومنًّا، أحمده تعالى وأشكرُه، وأُثنِي عليه وأستغفرُه حرَّم الحُرُمات أنفسًا وأشهرًا وبقاعًا، وتابعَ مواسمَ الخيرات علينا تِباعًا، وجعلَ خيرَ الناسِ أخلَصَهم لله وأشدَّهم لنبيِّه تأسيًّا واتباعًا، وجعل أبعدَهم عنه أجفاهم لهديِه وأكثرُهم ابتداعًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمدُ ، وله الشكرُ إعلانًا وإسرارًا وجهرًا، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه علَّم أمَّتَه العبادات وأوضحَ لهم المناسِك، ودلَّهم على طُرق الخير وأبانَ لهم المسالِك، له حُجَّةٌ لا يزيغُ عنها إلا هالِك، بشَّر به الأنبياءُ قبلَه، وهداه ربُّه لخير قِبلة، فقال – سبحانه –: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ (البقرة 144 ) اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله حقَّ تقواه، وسارِعوا إلى مرضاته واستعِدُّوا ليوم لِقاه؛ فإن اليومَ عملٌ ومُهلة، وغدًا حسابٌ وجزاء، وسيلقَى كلُ عاملٍ ما عمِلَ، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ (لقمان 33).
أيها المؤمنون: تستقبِلُ الأمةُ موسمًا عظيمًا من أيام الله تعالى، وركنًا من أركان الإسلام العِظام، موسمٌ تُغفَرُ فيه الذنوبُ والخطايا، وتُقالُ فيه العثَرات وتُقبَلُ الدعوات، موسمُ الحجِّ إلى بيت الله العتيق، شِعارُ الوحدة والتوحيد، وموسمُ إعلان العهود والمواثيق وحفظِ الحقوق والكرامات، وحقنِ الدماء وعصمةِ النفوسِ والأموال، وما فاضَت به الوصايا في خُطبة الوداع.
وها هي طلائعُ الحُجَّاج تُضيءُ مُحيَّاهم أباريقُ الحرم، وينتظِمُ عِقدُهم في رِحابِه الطاهرة، آمِّين البيتَ الحرام يبتغون فضلاً من ربهم ورِضوانًا، يحطُّون رِحالَهم عند بيت الله العتيق، ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾ (آل عمران 96)
مُلبِّين النداءَ القديمَ المُتجدِّد: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ (الحج 27 -28 ) ويُؤدُّون ركنَ الإسلام الخامسَ، ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ (آل عمران 97) ويُلبُّون بالتوحيد: لبَّيكَ اللهم لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لبَّيك، إن الحمدَ والنعمةَ لك والمُلك، لا شريكَ لك، يأمَلون من الله القَبول، ويرجُون رحمتَه ويخافُون عذابَه.
يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: (العُمرة إلى العمرة كفَّارةٌ لما بينهما، والحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنة)؛ متفق عليه. وفي “الصحيحين” أيضًا يقول الصادقُ المصدوق – صلى الله عليه وسلم -: (من حجَّ هذا البيتَ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ كيوم ولدَتْ أمُّه) – أي: نقيًّا من الذنوب والخطايا -.
وأخرج ابن حبان في “صحيحه” عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (الغازي في سبيل الله، والحاجُّ إلى بيت الله، والمُعتمِر وفدُ الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم).
وفي رحلة الإيمان الخالدة مُضاعفةُ الصلوات، وتكثير الحسنات، وإجابةُ الدعوات، ومواقفُ الرحمات في مِنَى ومُزدلِفة وعرفات.
وإذا ذكرتَ تلك الصعُوبات فاذكُر حين يُباهِي اللهُ بحُجَاج بيته ملائكةَ السماوات، ويقول – سبحانه -: (هؤلاء عبادي جاءوني شُعثًا غُبرا، أُشهِدكم أني قد غفرتُ لهم) فيُعتِقُهم من النار، ويكتبُ لهم السعادةَ الأبديَّة.
فمن نصوص الوحيين أدركنا من فضائل الحج: 1- أداء الفريضة (تلبية نداء الله ) 2- غفران الذنوب 3- سبب لدخول الجنة 4- مضاعفة الأجر 5- يُباهِي اللهُ بك ملائكةَ السماوات، وفضائل أخرى
أيها المسلمون: الحديثُ عن الحجِّ وفضله يحدُو الأرواحَ، ويبعثُ الأشواقَ لإجابة نداء الرحمن لحجِّ بيت الله الحرام، فيا خسارةَ من قعدَت به همَّتُه واستولَى عليه كسلُه، فلم يلحَق بركبِ الإيمان، قال – عليه الصلاة والسلام -: (تعجَّلوا إلى الحجِّ؛ فإن أحدَكم لا يدري ما يعرِضُ له)؛ أخرجه الإمام أحمد.
وعن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال: “لقد هممتُ أن أبعثَ إلى الأنصار فينظرُوا من كانت له جِدَةٌ فلم يحُجَّ فليضرِبوا عليهم الجِزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين”؛ قال المُنذري: إسناده حسن.
فبادِروا بالحجِّ – أيها المسلمون -، واغتنِموا أعمارَكم قبل أن يُحالَ بينكم وبين ما تشتَهون فتعجَزون أو تموتون.
عباد الله: وفي الحجِّ شرفُ الزمان والمكان؛ فالمكان: بلدُ الله الحرام، والزمان: عشرٌ مُعظَّمةٌ في أشهرٍ مُحرَّمة: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ (البقرة: 197) وهذه البُقعة عظَّم الله حُمرتها غايةَ التعظيم، وجعل إجلالَها من التقوى وسببًا للتقوى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ ( الحج: 32 )
وحرَّم تنفيرَ صيدِها وعضدَ شوكِها فضلاً عن قطع شجرها وقتل صيدِها؛ فكيف بحُمرة المُسلم فيها؟
حتى إن مجر رادة الشر في الحرَم مُوجِبٌ للعذاب؛ قال الله – عز وجل -: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ (الحج :25)
وفي وصف أشهُركم هذه أشهر الجج إنها محرمة ما عدا شوال، قال ابن كثيرٍ – رحمه الله -: “كان الرجلُ يلقَى قاتلَ أبيه في الأشهُر الحرم فلا يمُدُّ إليه يدَه”. وقال أيضًا: “إن الظلمَ في الأشهُر الحُرم أعظمُ خطيئةً ووِزرًا من الظلم فيما سواها”.
إذا كان الأمرُ كذلك؛ فإنه لا ذنبَ بعد الشرك أعظمُ من قتل النفس المؤمنة، وسفك الدم الحرام في الشهر الحرام ظلمًا وعُدوانًا.
لقد سبقَ الإسلامُ كل المُحاولات البشرة لإيجاد منطقةٍ آمنةٍ وزمنٍ آمِن، وإن شئتَ فقل: زمانًا ومكانًا مُحرَّمًا منزوعَ السلاح يأمَنُ الناسُ فيه وينعَمون بالسلام، وهذا من أعظم مقاصِد الإسلام الذي قصدَ إلى إشاعة الأمن والسلام، فالواجبُ على المسلمين أن يستشعِروا هذه الحُرمة، ويُعظِّموا الأشهُر الحُرم، خصوصًا بعد عامٍ عصَفَت فيه الفتنُ واضطرَبَت الأحوالُ، وأُزهِقَت أنفسٌ واختلطَت أمور.
ومن الناس من تشابَهت عليهم الأزمِنة، واختلفَت في أفهامهم الأمكِنة؛ فكأنما الأشهُر الحُرُم حِلٌّ لأشدِّ المُحرَّمات – وهي الدماء -، وكأنما البلادُ في بعث الفتنةِ بها سواء، وكأننا نعيشُ زمنَ الخبر النبوي المُتحقِّق في آخر الزمان -: (يكثُر الهَرج – وهو القتل -، ولا يدري القاتلُ فيمَ قتَل، ولا المقتولُ فيمَ قُتِل، وهي فتنٌ الراقِدُ فيها خيرٌ من القاعِد، والقاعِدُ خيرٌ من الماشي). وغفلَ المخذولُ عن قول الله – عز وجل -: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ (النساء 93)
أيها الناس: لقد حانَ الوقتُ لإلقاء السلاح، وحقنِ الدماء، والاستجابةِ لأصول الحقوق التي وصَّى النبي – صلى الله عليه وسلم – بها في حجَّة الوداع، وأرسَى قواعدَها بقوله: (إن دماءَكم وأموالكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ كحُرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهرِكم هذا).
آنَ الأوان لأَن يُراجِعَ المعنيُّون واقِعَهم، وأن يحترِموا الأشهُر الحُرم، وأن تتغلَّب المصالحُ على المفاسِد، ومكاسِبُ الأمة على مصالح الأفراد؛ صيانةً للنفوس والحقوق، وحال العباد والبلاد، والله لا يحبُّ الفساد.
الواجبُ على القادة والعلماء القيامُ بما يستطيعون لوقفِ النزيفِ الهادِر من دماء المسلمين وأرواحهم؛ فهي من أولَى مُقتَضَيات الأُخوَّة والمُوالاة، والتناصُر واجبٌ بين المسلمين: وفي الحديث المتفق عليه: (انصر أخاكَ ظالمًا أو مظلومًا). فقال رجلٌ: أنصرُه مظلومًا، أفرأيتَ إذا كان ظالمًا كيف أنصرُه؟ قال: (تحجُزُه أو تمنعُه عن الظلم؛ فإن ذلك نصره).
إن النزاعات قطَعَت أوصالَ المسلمين، وجعلَت الأمةَ الواحدَة أممًا مُتناكِرة، ولن نستعيدَ مكانتنا ونصونَ رسالتَنا إلا إذا صحَّحنا انتماءَنا، وأصغَينا إلى قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ (الأنبياء 92) .
ولو سألتَ أشدَّ الخائضين فيها: كيف بدأَت تلك الفتنة؟ ولمصلحة من؟ لم تجِد جوابًا، وقديمًا قيل: إن أنجحَ المؤامرات هي التي لا يعلمُ الساعُونَ فيها أنها مُؤامرَة.
اللهم جنِّبنا والمسلمين شرَّ الفتن ما ظهرَ منها وما بطَن.
اللهم بارِك لنا في الكتاب والسنة، وانفَعنا بما فيهما من الآيات والحِكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأبانَ طريقَ الإيمان، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه ومن تبِعَهم بإحسانٍ.
أما بعد، أيها المسلمون: من حُرمَة مكة المكرمة: أن سَفكَ الدم فيها بغير حقٍّ أشدُّ حُرمةً من غيرها، قال – عليه الصلاة والسلام -: «لا يحِلُّ لامرئٍ يُؤمِنُ بالله واليوم الآخرِ أن يسفِكَ بها دمًا»؛ متفقٌ عليه.
ولا يُخافُ أهلُها بحملِ سلاحٍ فيها، قال – عليه الصلاة والسلام -: «لا يَحِلُّ لِأَحَدِكُم أنْ يَحْمِلَ بِمكةَ السلاحَ»؛ رواه مسلم.
والحيواناتُ آمنةٌ بأمان الله في العَرَاء، والطيورُ سابِحةٌ في الفَضاء، وأشجارهُا تُرفرِفُ بالأمنِ فلا تُقطَع، والأمْوالُ المفقودةُ لا تُلتقَطُ كسائرِ البُلدان، قال – عليه الصلاة والسلام -: «لا يُختَلى خَلاها، ولا يُعضَدُ شجرُها، ولا يُنَفَّرُ صيدُها، ولا تُلتَقَطُ لُقَطَتُها إلا لمُعَرِّفٍ»؛ متفقٌ عليه.
شبّه – عليه الصلاة والسلام – حُرمةَ الأموالِ والأعراضِ والدماءِ بحُرمَتها، لعلوِّ منزلَتِها عند الله، فقال: «إنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ كحُرمةِ يومِكم هذا، في بلدِكم هذا، في شهرِكم هذا»؛ متفقٌ عليه
اللهم وحِّد به كلمةَ المسلمين، وارفع به لواءَ الدين، ..
اللهم أصلِح أحوال المسلمين، اللهم أصلِح أحوال المسلمين، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، واجمعهم على الحق والهدى، اللهم احقِن دماءهم، وآمِن روعاتهم، وسُدَّ خُلَّتهم، وأطعِم جائعَهم.
اللهم احفَظ الحُجَّاج والمُعتمِرين، ويسِّر لهم أداء مناسِكهم آمِنين، يا حيُّ يا قيُوم يا ذا الجلال والإكرام.
نستغفِرُ الله، نستغفِرُ الله، نستغفِرُ الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيُّوم ونتوبُ إليه.
أضف تعليقاً