مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم الخطبة | عنوان الخطبة | معد الخطبة | تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
140 | يوم القيامة | الشيخ عمر بن عبد الله المشاري خطيب الحرم | 16/05/1445هـ الموافق 30/11/2023م | الأمانة العامة |
الموضوع:” يوم القيامة “
الحمد لله القائل في كتابه ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثًا ﴾: النساء: 87 ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله -أيها المؤمنون-، واعملوا صالحاً كما أمركم الله بذلك، واجعلوا التقوى زادكم ليوم معادكم، يقول الله تعالى ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ * فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ يس: 51-54 ينفخ في الصور نفختان: نفخة الفزع والموت، ونفخة البعث والنشور التي يخرج الناس من قبورهم يأتون أفواجاً إلى أرض المحشر، يقومون قياماً طويلاً، ومن هول ذلك اليوم ينسون أنسابهم، وكلٌّ ينشغل بنفسه، يريد لها النجاة، ولا يسأل أحدهم عن حال غيره حتى ولو كان صديقاً حميماً، يُحشرون حفاة عراة غرلاً، قالت عائشة -رضي الله عنها- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: “الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟ فَقَالَ: “الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ“، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “يَطْوِي اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- السَّمَوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ “(أخرجه مسلم.
وفي يوم القيامة تكون الأرض جميعاً قبضته والسموات مطويات بيمينه، قال تعالى ﴿ وَمَا قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ الزمر: 67.
عباد الله: من شدة أهوال القيامة: فرار المرء من أخيه وأُمِّه وأبيه وصاحبته وبنيه. إنَّ يوم القيامة عظيم لعظم ما فيه وشدَّته، وهو يوم البعث، قال تعالى ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ المؤمنون: 16. عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ ﴾ : قَالَ: “يَقُومُ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ” (أخرجه البخاري، ومقدار ذلك اليوم خمسون ألف سنة، فَقَالَ رَسُولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) : “كَيْفَ بِكُمْ إِذَا جَمَعَكُمُ اللهُ كَمَا يُجْمَعُ النَّبْلُ فِي الْكِنَانَةِ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْكُمْ“(أخرجه الحاكم وصححه. يُهوِّنه الله – تعالى- على المؤمنين، قال النبي – صلى الله عليه وسلم ) -“يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ مِقْدَارَ نِصْفِ يَوْمٍ مِنْ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، يُهَوِّنُ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كَتَدَلِّي الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ”(أخرجه ابن حبان وصححه الألباني.
وفي يوم القيامة تكون السماء كالمهل (وهو الرصاص المذاب من تشققها وبلوغ الهول منها كلَّ مبلغ)، ويُخسف بالقمر وتُجمع فيه الشمس والقمر، قال تعالى﴿ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ﴾ الْمَفَرُّ القيامة: 7-10
قال السعدي -رحمه الله-: “إذا كانت القيامة برقت الأبصار من الهول العظيم، وشخصت فلا تطرف“.
عباد الله: من مشاهد يوم القيامة ما قاله الله -تعالى- في سورة التكوير﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ﴾ لتكوير: 1-14 . إنَّه يوم تكوَّرُ فيه الشمس وتنكدر فيه النجوم وتسقط وتنتثر، وتُسيِّر فيه الجبال تمرُّ مرَّ السحاب، تكون كالعهن المنفوش، والبحار تُسجَّر، فتوقدُ على عظمها حتى تصبح ناراً تتوقد، يوم القيامة عظيم يكونُ فيه الناس كالفراشِ المبثوث.
عباد الله: من مشاهد يوم القيامة ورود المؤمنين على حوض النبي -صلى الله عليه وسلم- يشربون من مائه، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلاَ يَظْمَأُ أَبَدًا”(أخرجه الشيخان)، وقال عليه.
ثم بعد ذلك يُرفع لكل نبي حوضه فيسقى منه صالح أمته، قال النبي -صلى الله عليه وسلم : “( إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا وَإِنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً، وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً”(أخرجه الترمذي وحسنه الألباني.
ثم يقوم الناس مقاماً طويلاً ثم تكون الشفاعة العظمى لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بأن يُعجِّل الله حساب الخلائق، ثم يكون عرض الأعمال، ثم الحساب، ثم يؤتى أهل اليمين كتابهم باليمين -جعلني الله وإياكم ووالدينا منهم-، ثم يؤتى أهل الشمال كتابهم بالشمال -عياذاً بالله من ذلك-، وكلٌّ يقرأ كتابه ثم يكون الميزان توزن به الأعمال، قال تعالى﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ الأنبياء: 47.
وفي يوم القيامة تسوَّد وجوه أهل النار، ويُنجِّي الله أهل التقوى، قال تعالى ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ الله هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * تِلْكَ آيَاتُ الله نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ﴾ آل عمران: 106- 108.
وقَالَ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “يَجْمَعُ اللهُ – تَبَارَكَ وَتعالى- النَّاسَ، فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تُزْلَفَ لَهُمُ الْجَنَّةُ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: يَا أَبَانَا، اسْتَفْتِحْ لَنَا الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: وَهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ آدَمَ، لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى ابْنِي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللهِ” قَالَ: “فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلًا مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ، اعْمِدُوا إِلَى مُوسَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي كَلَّمَهُ اللهُ تَكْلِيمًا، فَيَأْتُونَ مُوسَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى كَلِمَةِ اللهِ وَرُوحِهِ، فَيَقُولُ عِيسَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيَقُومُ فَيُؤْذَنُ لَهُ، وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ” قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ؟ قَالَ: “أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ؟ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ، وَشَدِّ الرِّجَالِ، تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ، وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلَا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلَّا زَحْفًا” قَالَ: “وَفِي حَافَتَيِ الصِّرَاطِ كَلَالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنِ اُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ، وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا”(أخرجه مسلم.
عباد الله: أعدِّوا الزاد ليوم المعاد، واستعدوا له كلَّ استعداد.
يا من أراد السلامة والعافية والنجاة في الآخرة: اجتهد في الأعمال الصالحة، واجتنب كل إثمٍ وخطيئةٍ وتب إلى الله، ولا تُسوِّف فإنَّ الدنيا مهما رأيتها طويلة فهي جد قصيرة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
أضف تعليقاً