مشروع خطب الجمعة في إفريقيا

رقم الخطبة عنوان الخطبة معد الخطبة تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر

172 وقفات مع نهاية العامالهجري   الشيخ عبد الرحمن السديس خطيب الحرم المكي 21/12/1445هـ الموافق 28/06/2024م الأمانة العامة

الموضوع ” وقفات مع نهاية العام الهجري ”

إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، سبحانه وبحمده أيَّدَنا بمِنَحٍ لألاء، وأوردَنا موارِد الفضل والجُود والآلاء.

 

وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعلَ لنا من تصرُّم الزمان عِبرًا عِظامًا، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه خيرُ الناس قُدوةً وإمامًا، صلَّى الله وبارَك عليه، وعلى آله المُتألِّقين بدورًا وأعلامًا، وصحبِه البالغين من الهمَّة الشمَّاء مجدًا ترامَى، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ وسلَّم تسليمًا كثيرًا ما تعاقَبَ الملَوان وداما.

 

أما بعد: فاتقوا الله – عباد الله -؛ فالتقوى خيرُ زادٍ في المعاش والمعاد، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة: 197].

أيها المسلمون: في هذا الأوان الذي جدَحَت فيه يدُ الإملاق كأسَ الفراق، وأوشكَ العامُ على التمام والإغلاق، والتحدياتُ المُحدِقةُ بالأمة عديدة، والأحوالُ أزماتُها شديدة، والأيامُ في لُبِّها بالأماني مُبديةٌ مُعيدة، لا بُدَّ لأهل الحِجَى من وقفات، للعِبرة ومُراجعة الذات، والتفكُّر فيما هو آت.

 

وهذا ديدَنُ المُسلم الأريبِ اللوذَعيِّ، ومنهجُ اللَّقِن الأحوَذيِّ، حتى لا ينعكِس الأمل، أو يستنوِقَ الجمل، فيُبصِرُ كل إنسانٍ وَسمَ قِدحه، فتترقَّى همَّتُه، وتصفُو نفسُه، وتحسُنُ سيرتُه وسريرتُه.

 

الوقفةُ الأولى: وقفةُ اعتبارٍ وعِظة، لما في مرور الأيام والليالي من عِبرةٍ وموعِظة، فكم من خُطواتٍ قُطِعت، وأوقاتٍ صُرِفت، والإحساسُ بمُضيِّها قليل، والتذكُّر والاعتبارُ بمُرورها ضئيل، مهما طالَت مُدَّتُها، وعظُمَت فترتُها، وربما دامَت بعد ذلك حسرتُها.

ولا يتبقَّى من الزمان إلا ذكرَى ما تبدَّى، وطيفُ ما تجلَّى، وها هو انقلبَ بما لنا وما علينا في مطاوِيه، وآخرُ استهلَّ شاهِدًا على مُضيِّ الدهر في تعادِيه. فاللهم إنا نسألُك أن تُبارِك للأمة فيما قدَّرتَ فيه.

وليكُن منكم بحُسبانٍ – يا رعاكم الله -: أن الزمنَ أنفاسٌ لا تعُود، فمن غفلَ عنه تصرَّمَت أوقاتُه، وعظُم فواتُه، واشتدَّت حسراتُه، فإذا علِم حقيقةَ ما ضاع، طلبَ الرُّجعَى فحِيلَ بينَه وبين الاستِرجاع.

وما المرءُ إلا راكبٌ ظهرَ عُمره *على سفرٍ يُفنِيه باليوم والشهرِ

يبيتُ ويُضحِي كل يومٍ وليلةٍ * بعيدًا عن الدنيا قريبًا من القبرِ

ومن لم يتَّعِظ بزوال الأيام، ولم يعتبِر بتصرُّم الأعوام، فما تفكَّر في مصيره ولا أناب، ولا اتَّصَف بمكارِم أُولِي الألباب، يقولُ الرحيمُ التواب: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [آل عمران: 190].

 

فما أحوجَ أمَّتنا في هذه السانِحة البينيَّة أن تنعطِفَ حِيالَ أنوار البصيرة، فتستدرِك فرَطَاتها، وتنعتِقَ من ورطَاتها، وتُفعَمَ روحُها بمعاني التفاؤُل السنيَّة، والرجاءات الربانيَّة، والعزائِم العليَّة، وصوارِم الهِمَم الفتيَّة، كي تفِيءَ إلى مراسِي الاهتِداء والقِمَم، وبدائِع الخِلال والقِيَم، على ضوء المورِد المَعين، والنبع الإلهيِّ المُبين: هديِ الوحيين الشريفين، مُستمسِكةً بالتوحيد والسنَّة بمنهَج سلَف الأمة.

تحقيقًا لقولِ النبي – صلى الله عليه وسلم -: «تركتُ فيكم أمرَين لن تضِلُّوا ما تمسَّكتُم بهما: كتابَ الله وسُنَّتي»؛ أخرجه مالك في “الموطأ”.

باركَ الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكرِ الحكيم، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم من كل خطيئةٍ وإثمٍ، فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إنه هو الغفورُ الرحيم.

 

الخطبة الثانية :

الحمدُ لله مُقدِّر الأزمان والآجال، مُبدِع الكون على غير مِثال، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له ذو الكمال الذي يعجزُ عن وصفِه بليغُ البيان والمقال، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه خيرُ من عبَدَ ربَّه في الغِنى والإقلال، صلَّى الله عليه صلاةً تَترَى في الغُدوِّ والآصال، وعلى آله وصحبِه خيرِ صحبٍ وآل، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم المآل، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: فاتَّقوا الله – عباد الله -؛ فإن تقواه – سبحانه – أوثقُ الوثائِق، وبها تُكشفُ وجوه الحقائِق.

 

أمة الإيمان: وفي حوالِك الكُروب، ومعامِع الخُطوب، ومُدلهِمَّات الدُّروب، تشرئِبُّ طُلَى أهل الإيمان إلى إشراقات التفاؤُل والنصر وبشائر الانبِلاج، وتتطلَّع إلى أَرَج الانفِراج.

 

فمع أن أمَّتنا لا تزالُ رهينةَ المآسِي والنَّكَبات، والشَّتات والمُلِمَّات، فلا بُدَّ من الادِّراع بالتفاؤُل والاستِبشار والأمل، فالأملُ يُخفِّف عناءَ العمل، ويذهبُ باليأس والقُنوط والملَل، وبعد حُلكة الليل الشديد تُشرِقُ شمسُ يومٍ جديد.

بالتفاؤُل والأمل تتدفَّق روحُ العزيمة، وتتألَّقُ نسَمَاتُ النبُوغ، وتتأنَّقُ بواعِثُ الثقة والتحدِّي.

وهذه القوةُ الأخَّاذة، والكُوَّة النورانيَّة هي من أزاهير الشريعة الربانيَّة، والسيرة المُحمديَّة لرسول الهُدى – صلى الله عليه وسلم -، وإن حياتَه الكريمة – بأبي هو وأمي – عليه الصلاة والسلام – لأُنموذجٌ عمليٌّ للتدرُّع بالتفاؤُل والأمل والاستِبشار، في أحلَك الأزمَات، والنوازِل والمُلِمَّات.

 

وهجرتُه – صلى الله عليه وسلم – حدثٌ لو تعلَمون عظيم، فيه من الدروس والفوائِد، والعِبَر والفرائِد ما لا تحوِيه أجلاد، ولا يُوفِّيه جلَدٌ ولا اجتِهاد. فرغم خروجِه – عليه الصلاة والسلام – من أحبّذ البلاد إليه، إلا أنه كان مُتفائِلاً مُستبشِرًا. ولقد كان حدَثُ الهجرة أمرًا فارِقًا في تأريخ البشرية جمعاء.

 

ألا فاتقوا الله – عباد الله -، وتفاءَلوا بالخير، واستفتِحوا عامَكم بتوبةٍ نَصُوح من الزلاَّت والسيئات، وداوِموا على الأعمال الصالِحات، وأكثِروا من القُرُبات والطاعات، وسجِّلوا في صحائِف عامِكم الجديد ما يسُرُّكم في دُنياكم وأُخراكم.

 

ثم صلُّوا وسلِّموا – رحمكم الله – على البشير النذير، والسراجُ المُنير، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبير، فقال – سبحانه -: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

ألا وصلوا على البشير النذير …

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *