مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم | عنوان الخطبة | معد الخطبة | التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
185 | حفظ اللسان | د. أحمد عبد الله بُولي ـــ عضو الاتحاد في مالي | 01 /04 /1446هـ الموافق 04 /10 /2024م | الأمانة العامة |
الموضوع: ” حــفــــظ اللــســان ”
الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان نشهد أن لا إله إلا هو إله الأولين والآخرين الذي منّ على البشرية بالإفصاح عما يخالج الجنان بآلة اللسان.
ونشهد أن محمدا خير مخلوق تكلم بالكلام الحسن عبدُه ورسولُه ، وعلى آله وصحبه الذين حفظوا ألسنتهم ففازوا بسعادة الدارين .
أما بعد :
عباد الله أوصيكم وإياي بتقوى الله عز وجل في السر والعلن .
ولنعلم أن من أكبر أسباب الخسران في العاجل والآجل إطلاق اللسان وتمهيد السبيل له ليرتاع حيث شاء وكيف شاء وبما شاء . ولنذكر قولَه تعالى ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ (سورة ق 17 ـ 18)
وقولَه تعالى ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ (الانشقاق 10 ـ 12)
وقد اختلف العلماء هل يكتب الملك كل شيء من الكلام أو يكتب ما فيه ثواب وعقاب فقط ، وبالأول قال الحسن البصري وقتادة ، وبالثاني قال ابن عباس رحمهم الله ، قال ابن كثير :
{{ وظاهر الآية العموم }} ( تفسير ابن كثير ج4 ص 225) وقد ورد أن معاذا رضي الله عنه سأل الرسول عن عمل يدخل الجنة ويباعد من النار فقال عليه الصلاة والسلام : لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسّره الله عليه : تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة
وتصوم رمضان وتحج البيت …. ثم قال في آخر الحديث: ألا أخبرك بملاك ذلك كله : قلت بلى يا رسول الله ، فأخذ بلسانه وقال : كُفَّ عليك هذا ، قلت : يارسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : ثكلتك أمك ،
{{ وهل يكبّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم }} (رواه الترمذي وأحمد في مسنده)
ولنسمع هذا الحديث لنزداد معرفة بخطورة اللسان ، فقد ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي يقول :{{ إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقى لها بالا يرفعه الله بها درجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقى لها بالا يهوي بها في جهنم }} (رواه الشيخان) ؛ ولهذا وذاك قال عليه الصلاة والسلام ناصحاً أمته :
{{ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت }} (متفق عليه).
دونكم آفاتِ الكلام :
الآفة الأولى : الغيبة ، قال سبحانه : ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ (الحجرات 12) .
الآفة الثانية : الكذب والنميمة ، قال عليه الصلاة والسلام {{ إياكم والكذب فإن الكذب
يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار }} (رواه أبو داود) . وفي حديث صحيح : {{ لا يدخل الجنة قتّات }} وهو النمّام (رواه مسلم )
الآفة الثالثة : السبّ والبذاءة ، وفي الحديث المستدرك على الشيخين :
{{ ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء }} (أخرجه الحاكم في المستدرك)
الآفة الرابعة : اللعن ، فعن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء ، فتغلق أبواب السماء دونها ، ثم تهبط إلى الأرض فتغلق الأبواب دونها ، ثم يأخذ يمينا وشمالا ، فإذا لم تجد مساغا رجعت على الذي لُعن إن كان أهلا لذلك ، وإلا رجعت إلى قائلها }} (رواه أبو داود) وقد ثبت أن الرسول في بعض أسفاره أمر بعزل ناقةٍ لعنها صاحبها فقال {{ لا تصاحبنا ناقة عليها اللعنة }} (أخرجه مسلم) .
الآفة الخامسة : السخرية والاستهزاء ، قال سبحانه :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (الحجرات 11)
الآفة السادسة : الكلام فيما لا يعنيك ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :
{{ من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه }} (رواه الترمذي وحسّنه) وقيل للقمان الحكيم : ما بلغ من حكمتك ؟ قال : لا أسأل عمّا كفيته ، ولا أتكلم بما لا يعنيني .
الخطبة الثانية *
الحمد لله الذي جعل الكلماتِ الحسنةَ زينةً للألسنة .
والصلاة والسلام على من ربّى أصحابه على الكلام الزكيّ الطيّب .
إخوة الإيمان :
لقد كان لنا في رسول الله أسوة حسنة ، فقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه : خدمت رسول الله عشر سنين ، لا والله ما سبّني قط ، وما قال لي أفّ قط ، ولا قال لي لشيء فعلته لم فعلته ولا لشيء لم أفعله ألا فعلته ؟}} (أخرجه الشيخان) .
قال ابن مسعود : ما شيء أحوج إلى طول سجن من لساني .
قال أبو الدرداء : أنصف أذنيك من فيك فإنما جُعلت لك أذنان وفم واحد لتسمع
أكثر مما تتكلم به .
وقال مخلد بن الحسين : ما تكلمت منذ خمسين سنة بكلمة أريد أن أعتذر منها .
وذكر عن الإمام أحمد بن حنبل أنه كان يئنّ في مرضه فبلغه عن طاوس اليماني أنه
قال : يكتب الملك كل شيء حتى الأنين ، فلم يئنَّ الإمام حتّى مات رحمه الله .
هؤلاء هم الأصفياء البررة عرفوا خطورة اللسان وبوائقه فحفظوا ألسنتهم وصانوها ففازوا بالدارين.
ألا وصلوا وسلموا على البشير النذير.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
أضف تعليقاً