التاريخ: 14/3/1446هـ الموافق 17/9/2024م  

 

فتوى رقم 19-46

حول حكم جماعة ادعى مؤسسها النبوة والمهدوية وبأن ابنه هو عيسى بن مريم  الذي ينزل في آخر الزمان

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فقد ورد استفتاء من بعض أعضاء الجالية الإفريقية المسلمة المقيمة في أوروبا إلى اتحاد علماء إفريقيا عن حكم جماعة ادعى مؤسسها المهدوية والنبوة وأن ابنه هو عيسى ابن مريم u؛ فنظرت لجنة الإفتاء والإرشاد في المسألة وأصدرت هذه الفتوى ، وبالله التوفيق:

نص الفتوى :

تضمن الاستفتاء ثلاثة أمور:

الأمر الأول: ادعاء النبوة بعد نبينا محمد e ، والأشد والأسوأ ادعاء مؤسس الجماعة بأنه هو محمد e .

ومعلوم بإجماع أهل العلم أنَّ من لم يؤمن بأن محمداً e خاتم الأنبياء والمرسلين فإنه كافر ؛ لتكذيبه نصوص القرآن والسنة وإجماع أهل العلم ، قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}  [الأحزاب: ٤٠] .   

فهذه الآية أوضحت أن رسالة نبينا محمد e ختمت رسالات الله إلى خلقه ، فليس بعده رسولٌ ولا نبيٌ، فعقيدة ختم النبوة بمحمد e عقيدةٌ أساسية عند المسلمين .

قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – عند تفسيره لهذه الآية : ” هذه الآية نصٌ في أنه لا نبي بعده ، وإذا كان لا نبيَّ بعده فلا رسولَ بطريق الأولى والأحرى ؛ لأنَّ مقام الرسالة أخصُّ من مقام النبوة ، فإنَّ كلَّ رسول نبي ، ولا ينعكس ” ([1]).

وقال الألوسي : ” وقد دلَّ قوله تعالى { وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } على انقطاعها ، وكونه e خاتم النبيين مما نطق به الكتاب ، وصدعت به السنة ، وأجمعت عليه الأمة ، فيكفر مدعي خلافه ، ويُقتل إن أصرَّ ” ([2]).

 

أما الأحاديث الواردة في ختم النبوة فمنها :

  • ما رواه البخاري ومسلم بسندهما إلى أبي هريرة t أن رسول الله e قال : (( إنَّ مَثَلِي ومثَل الأنبياء من قبلي ، كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله ، إلا موضع لَبِنَة من زاوية ، فجعل الناسُ يطوفون به ، ويعجبون له ، ويقولون : هلا وُضِعت هذه اللبنة ؟ قال : فأنا اللبنة وأنا خاتم الأنبياء )) ([3]).
  • وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة t أنَّ رسول الله e قال : (( فُضِّلْتُ على الأنبياء بستٍّ : أُعطيتُ جوامعَ الكلم ، ونُصرتُ بالرعب ، وأُحلَّتْ لي الغنائمُ ، وجُعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ، وأرسلتُ إلى الخلق كافةً ، وخُتِم بي النبيون )) ([4]).

الأمر الثاني : ادعاء الرجل بأنه المهدي :

ادعاء المهدية هو داء قديم لدى طائفة ممن ينتسب إلى الإسلام ، ومجرد ادعاء المهدية لا يستوجب الحكم بردة صاحبه ما لم تصاحبه أمور أخرى كادعاء النبوة .

والمهدي في عقيدة أهل السنة والجماعة حقيقة لا خرافة ، وقد صحت فيه الأحاديث عن النبي e بأنه يأتي في آخر الزمان، بل بلغت مبلغ التواتر المعنوي ، ومنها حديث ابن مسعود t مرفوعاً : ((لو لم يبقَ من الدنيا إلا يومٌ لطوَّل اللهُ ذلك اليومَ ، حتى يبعث فيه رجلاً منِّي أو من أهل بيتي ، يُواطئُ اسمه اسمي، واسمُ أبيه اسم أبي ، يملأ الأرض قِسطاً وعدلا كما ملئت جورا وظلما )) ([5]).

ولتحقيق ذلك في مدعي المهدوية ينظر في اسمه واسم أبيه، ثم ينظر في أمره، هل يحكم بالعدل والقسط؟ وهذا يدعي النبوة؛ ودعوى النبوة كما سبق ينافي كونه المهدي، فكيف لكذّاب أن يملأ الأرض عدلا وقسطا؟

ومن أهل العلم من أفرد كتابا في شأن المهدي كالسيوطي، وابن حجر المكي ، وملا علي قارئ ، ومرعي بن يوسف الحنبلي ، والشوكاني ، والصنعاني ، واتفق الجميع على أن أحاديث المهدي متواترة تواترا معنويا لكثرة طرقها واختلاف مخارجها ورواتها، وأنه لم يخرج حتى الآن، وسيخرج في آخر الزمان ويقتل المسيح الدجال بالتعاون مع عيسى عليه الصلاة والسلام.

الأمر الثالث : ادعاؤه بأنَّ ابنه هو نبي الله عيسى u الذي أخبرت النصوص الشرعية بنزوله في آخر الزمان :

وردت الأدلة القرآنية الدالة على أنَّ عيسى u رفع إلى السماء بجسده الشريف وروحه ، وأنه لم يمت ولم يقتل ولم يُصلب ، قال تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:157-158] .

وتواترت الأخبار عن رسول الله e بنزوله في آخر الزمان حاكما بشريعة محمد e، وسيقتل الدجَّال ، ويَكسر الصليب ، ويضع الجزية ، ولا يقبل إلا الإسلام .

وأما من ادَّعى بأن ابنه هو عيسى u ، أو أنه فلانٌ من الناس ، فقد أعظم على الله الفرية ، وكذَّب نصوص القرآن والسنة الصحيحة ، ومن كذَّب الله ورسوله فقد كفر .

والواجب الشرعي هو أن يُستتاب من قبل ولي الأمر فإن تاب ورجع إلى الحق ، وإلا قُتل كافراً إذا وجد قضاءٌ شرعي.

ولعلَّ سائلاً يسأل : ما الأسباب التي تجعل بعض الأشخاص يدعي مثلَ تلك المزاعم ( النبوة والمهدوية)؟

الجواب : يمكن تلخيص أهم الأسباب في النقاط التالية :

  • الاعتماد على الأحلام والرؤى المنامية، فالشيطان قد يأتي الإنسان ويوهمه بأنه نبي يوحى إليه، وأنه هو المهدي المنتظر ، ومعلوم لدى أهل العلم أن المنامات والأحلام لا تُبنى عليها الأحكام الشرعية .
  • الدجل : وقد جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قول النبي e : (( يكون في آخر الزمان دجَّالون كذَّابون ، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم ، فإياكم وإياهم، لا يُضلونكم ولا يَفتنونكم )) ([6]).
  • اختلال في العقل أو مرض نفسي أو جنونٌ نصفي.
  • البحث عن الشهرة وحب الظهور على حساب ثوابت الدين وقطعياته.
  • الكسب المادي والتربح السريع عن طريق خداع المغفلين والسذج.

وصلى الله على نبينا محمد على آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،

أعضاء لجنة الإفتاء والإرشاد في اتحاد علماء إفريقيا:

  • فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد أحمد لوح  (السنغال)  رئيسا     
  • فضيلة الشيخ الدكتور جيلان خضر ( إثيوبيا)      مقررا
  • فضيلة الشيخ الدكتور حسين محمد بوا (يوغندا)              عضوا
  • فضيلة الشيخ الدكتور أبو بكر باه (السنغال)         عضوا
  • فضيلة الشيخ الدكتور سياكا ديارا (كوت ديفوار) عضوا
  • فضيلة الشيخ محمد تراوي (مالي)                         عضوا
  • فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرزاق حسين (جيبوتي)     عضوا
  • فضيلة الشيخ أبو بكر موري (ليبيريا)      عضوا
  • السيدة الأستاذة مام جارية نيانغ ( السنغال)      عضوا

عنهم:

فضيلة  الشيخ الدكتور  محمد أحمد لوح

                                 رئيس اللجنة

 

[1] – تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير ( 6/ 428 ) .

[2] – روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للألوسي ( 22/ 40 – 41 ) .

[3] – صحيح البخاري برقم ( 3535) كتاب المناقب ، باب خاتم النبيين e ، وصحيح مسلم برقم ( 5920) كتاب الفضائل ، باب ذكر كونه e خاتم النبيين .

[4] – صحيح مسلم برقم (1167) كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب جُعلت لي الأرض مسجدا وطهورا .

[5] – أخرجه أبو داود في سننه برقم ( 4282 ) كتاب المهدي ، والترمذي برقم ( 2231) كتاب الفتن ، باب ما جاء في المهدي .

وقال الترمذي : ” هذا حديث حسن صحيح ” .

[6] – أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه برقم ( 16)  باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *