مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
رقم | عنوان الخطبة | معد الخطبة | التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
190 | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر | 05 /05 /1446هـ الموافق 08 /11 /2024م | الأمانة العامة |
الموضوع: ” طلب العلم والحاجة إليه ”
الحمد لله جعل العلم نورًا للعباد، ورفعةً لأهله وحملته في الحياة الدنيا وفي يوم المعاد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المنزَّهُ عن الشركاء والنظراء والأنداد، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله الداعي إلى الحق والهدى والسداد، الناهي عن الشر والضلال والفساد؛ r وعلى آله وصحبه الخيار الأمجاد. أمَّا بعد:
أيها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا الله -تعالى-؛ فإن تقوى الله -جل وعلا- خير زاد، قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ البقرة: 197
أيها المؤمنون: إن أشرف المطالب، وأعلى المواهب؛ طلب العلم الشرعي، والعناية بتحصيله، ومن وُفِّق لطلب العلم فقد وُفق للخير كله؛ كما قال نبينا -r -: “مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ”. ويقول عليه الصلاة والسلام: “خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ”.
أيها المؤمنون: إن حاجة المسلم إلى طلب العلم الشرعي والعناية به من أشد الحاجات وأعظمها؛ لأن سعادته وفلاحه في دنياه وأخراه متوقفٌ على العلم، فلا سبيل إلى الجنة ولا وسيلة لتحصيل تمام المنة إلا بالعلم وتحصيله، قال r: “مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ”.
أيها المؤمنون -عباد الله-: ويكفي أهل العلم شرفا وفضيلةً ونُبلا أنَّ الله -سبحانه وتعالى- قرَن شهادتهم بشهادته جل في علاه في أعظم مشهودٍ به؛ ألا وهو توحيده سبحانه؛ قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ آل عمران: 18
وقال الله -تعالى-:﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ الرعد: 19 والآيات -أيها المؤمنون- في هذا المعنى كثيرة.
عباد الله: ولهذا ينبغي للمسلم أن يجعل العلم الشرعي في أولويات مطالبه، وأهم مقاصده، في كل يوم من أيامه. رواه أهل السنن والإمام أحمد في مسنده عن أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي -r- كان يقول بعد صلاة الصبح بعد أن يسلِّم: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا”.
وهذه الثلاث -أيها المؤمنون-: هي أهداف المسلم في يومه ليس له أهداف غيرها؛ علمٌ نافع، ورزقٌ طيب، وعملٌ متقبَّل، وأهم هذه الأهداف وأعظمها شأنا العلم النافع؛ لأنه به يميز المرء بين طيِّب الرزق وخبيثه، وصالح العمل وفاسده.
أيها المؤمنون -عباد الله-: ينبغي على المسلم إذا استشعر مكانة العلم، ومنزلته وفضيلته: أن يجعل لنفسه حظًا ونصيبًا منه، فلا يفوِّت يومًا من أيامه إلا ويتزود فيه شيئًا من العلم وإن قلّ لئلا يخسر يومه بضياعه دون ما يفيده في تقريبه من الله -جلَّ في علاه-.
أيها المؤمنون -عباد الله-: والعلم مراتب: أولها -كما قال أئمة السلف ومنهم عبد الله بن المبارك -رحمه الله تعالى-:
أولها: النية، ثم الاستماع، ثم الفهم، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر؛ ألا ما أعظمها من رُتبٍ في الفضيلة وعلوٍ ورفعة عندما يوفق المرء لتحقيقها والعمل على تحصيلها.
أيها المؤمنون -عباد الله-: ولابد في هذا المقام من استعانةٍ دائمةٍ بالله -جل وعلا- وطلبٍ للمدد والعون منه جل في علاه، قال الله -تعالى-: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ النساء: 113
فسل الله وأقبِل عليه بصدقٍ جل في علاه أن يمنَّ عليك بالعلم النافع، وأن يشرح صدرك لتحصيله ونيله، وأن يجعلك من أهله، فإذا صدقتَ مع الله في سؤالك، وبذلتَ الأسباب النافعات، والوسائل المفيدات؛ أعطاك الله -تبارك وتعالى- من العلم حظًا ونصيبا، قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ العنكبوت: 69
عباد الله: ومن أهم ما يكون في هذا المقام أن يتحلى المسلم بالأخلاق الفاضلات، والآداب الكاملات، التي هي عنوانٌ لفلاح صاحبها؛ قال عبد الله ابن المبارك -رحمه الله تعالى-: “كاد الأدب أن يكون ثلثي الدين”. و وسيلةً وسببًا عظيما للتوفيق في تحصيل العلم ونيله، فما حُصِّلت المطالب العلية بمثله، وما حُرم المسلم من الخيرات والفضائل بمثل إضاعته.
نسأل الله -جل في علاه- بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يشرح صدورنا أجمعين للخير بمنِّه وكرمه.
ونسأله -سبحانه- أن يرزقنا علمًا نافعا ورزقًا طيبا وعملًا متقبلا.
اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزدنا علما، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمد الشاكرين، وأثني عليه ثناء الذاكرين، لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، أحمده جل وعلا بمحامده التي هو لها أهل، أحمده -جل وعلا- على كل نعمة أنعم بها علينا في قديمٍ أو حديث أو سرٍّ أو علانية أو خاصة أو عامة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
عباد الله: ومما ينبغي أن يُعلم أن طلب العلم عبادة من العبادات وقربة من القرب، بل هو من أعظم ما يُتقرب به إلى الله -جل وعلا-؛ قال بعض السلف: “ما تُقرب إلى الله بشيء مثل طلب العلم”.
فطلب العلم عبادة، وكل عبادة لا يقبلها الله إلا إذا كانت خالصةً لوجهه جل في علاه، قال الله -تعالى-: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ البينة: 5
ولهذا عباد الله: من طلب العلم الشرعي لا يطلبه إلا رياءً أو سمعة، ولا يطلبه إلا لأجل الدنيا، ولا يطلبه إلا لأجل الشهرة، أو لمجاراة العلماء، أو مماراة السفهاء، أو صرف وجوه الناس إليه، أو غير ذلك من الأغراض فإنه لا يجد عليه يوم القيامة ثوابًا ولا أجرا؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- لا يقبل من الأعمال ومنها طلب العلم إلا ما كان خالصًا لوجهه وابتغاء مرضاته جلَّ في علاه، وهو القائل سبحانه في الحديث القدسي: “أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ“.
اللهم اجعل أعمالنا كلها لك خالصة، ولسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم- موافقة، ولا تجعل لأحدٍ فيها شيئا.
واعلموا -رعاكم الله- أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمد -r-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد ابن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ الأحزاب: 56.
وقال r: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر اعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين. اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
أضف تعليقاً