مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
220 فَضْل عَرَفَة وَبَعْض أَحْكَام الْأُضْحِيَّة وَيَوْم الْعِيد قسم المشاريع 03/03/1446هـ  الموافق 30/05/2025م الأمانة العامة

 

 

الموضوع:فَضْل عَرَفَة وَبَعْض أَحْكَام الْأُضْحِيَّة وَيَوْم الْعِيد

 

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِلَهِ الْبَرِيَّات، مَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِمَوَاسِمِ الْخَيْرَات، لِيَغْفِرَ لَهُمُ الذُّنُوبَ وَالزَّلَّات، وَيُجْزِلَ لَهُمْ عَظِيمَ الأَجْرِ وَالْهِبَات، أَشْكُرُهُ تَعَالَى وَقَدْ خَصَّ بِالْفَضِيلَةِ أَيَّامَاً مَعْدُودَات، فَالْمُوَفَّقُ مَنِ اغْتَنَمَهَا بِالطَّاعَات، وَالْمَغْبُونُ مَنْ فَرَّطَ فِيهَا وَسَوَّفَ وَتَرَدَّدَ حَتَّى ضَاعَتْ عَلَيْهِ الأَوْقَات، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عَلَّمَ الأُمَّةَ مَا يَنفْعُهَا وَوَجَّهَهَا لِصَحِيحِ الْعِبَادَات، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَعَلَى آلِهِ الطَّاهِرِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِين، وَعَنِ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين.  

 

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَهِيَ وَصِيَّةُ اللهِ لِلأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهالنساء 131.

عِبَادَ الله: هَا نَحن فِي أيامِ عَشرِ ذِي الْحُجَّة وَهْي الَّتِي سمَّاها اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابه ﴿الأيامَ الْمَعْلُومَات، كَمَا فسَّرها ابنُ عباسٍ رَضِي اللَّه عَنْهُمَا فلنكثر فِيهَا مِن الأعمالِ الصالحةِ فَهِي خيرُ أيامِ الدُّنْيَا وموسمُها خيرُ الْمَوَاسِم والمُوفقُ مَن يُوَفِّق فِيهَا للعملِ الصَّالِح، فَإِن أَي عَمَل صَالِح فِيهَا أَحَبّ إِلَى اللَّه مِن أَي عَمَل فِي غَيْرِهَا وخيرٌ وَأَزْكَى، فَلَّنَجْتَهَد فِي جَمِيع الْأَعْمَال الصَّالِحَة ولنُرِي ربَنا مَا يُرضيه عنَّا وَيَكُون مُثَقِّلاً لِمَواْزِيْنَنا يُوم الْعَرْض عَلَيْه جَلّ وَعُلَا.

 

عِبَاد اللَّه: وَمِن أعظمِ أيامِ الْعَشْر بَل مِن أَفضَلِ أَيامِ السَّنةِ يُوم عَرَفَة، أَكمَلَ اللهُ فيهِ المِلَّةَ، وأَتمَّ بهِ النِّعمَةَ.

ولأَجلِ أَن نَستفِيدَ مِن هَذا اليَومِ المُبَاركِ مَطْلُوب مِنَّا أنْ نَتَفَرَّغ لِلعِبَاْدةِ فِي هَذَا اليومِ، ونَترُكَ المشَاغِلِ والأعمالِ وَنُأجِلَهَا، وَهَنِيئاً لِمَن صَام هَذَا اليومِ؛ فقدْ بيَّنَ ﷺ مَا يتَرتَّبُ عَلَى صِيامهِ مِنَ الفضلِ العَظِيمِ؛ فَقَال: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ) رواهُ مُسلمٌ.

وللدُّعَاءِ يَومَ عَرفةَ مَزِيَّةٌ علَى غَيرِهِ، فإنَّ النبيَّ -ﷺ- قالَ: (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ) رواهُ التِّرمِذيُّ. ولْيَحرِصِ المُسلِمُ عَلَى الدُّعاءِ فِي هذَا اليومِ العَظِيمِ اغتنامًا لفِضلِهِ ورَجاءً للإجابةِ والقَبُولِ، وأنْ يَدعوَ لنفسِهِ ووالِدَيْهِ وأَهلِهِ وللإِسلامِ والمسلِمِينَ.

 

عبادَ اللهِ: إنَّ تَقرِيبَ القَرِابِينِ وذَبحَ الأَضَاحِي للهِ -عزَّ وجَلَّ- عِبادَةٌ عَظِيمَة، وكانَ ﷺ يُدَاوِمُ علَى فِعلِ الأُضحِيةِ عشرَ سِنينَ مُنذُ أنْ قَدِمَ المدينةَ… وهذِهِ العِبادةُ تَأتِي شُكرًا للهِ عَلَى النِّعْمَة، وإحياءً لسُنَّةِ إبراهيمَ الخليلِ، وتذكيرًا للمُسلمِ بصَبرِ إبراهيمَ وإسماعيلَ، وإيثَارِهِمَا طَاعةَ اللهِ ومحبَّتِهِ عَلَى محبَّةِ الوالدِ والوَلدِ، كمَا وتَأتِي تَوسِعةً عَلَى النَّفسِ وأَهلِ البيتِ، ونَفعًا للفَقِيرِ، وأَجرًا لِمَنْ تَصدَّقَ بهَا.

 

أَيُّهَا المؤمنونَ: الأُضحِيةُ سُنَّةٌ مُؤكَّدةٌ عندَ جُمهُورِ أهلِ العِلمِ، بَل قَال بَعْض أَهْل الْعِلْم بِوُجُوبِهَا عَلَى الْقَادِر مِمَّا يُبَيِّن أهميتها.

عِبادَ اللهِ: لا يَنبغِي أَبدًا للقَادرِ أَنْ يُفَوِّتَ هذِه الفُرصَةَ الثَّمِينةَ، وكانَ رَسولُ اللهِ -ﷺ- يَكرَهُ للأَغنِياءِ أَنْ يُهْمِلُوا هذِهِ السُّنَّةَ، إِلَى دَرجَةِ أنَّه قَالَ: (مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ، وَلَمْ يُضَحِّ، فَلا يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنَا).

وعلَى المُسلِمِ أنْ يَعتَنِيَ باختِيارِ الأُضحِيَةِ، وكلَّمَا كانتِ الأضحيةُ أَكْمَلَ فِي ذَاتِهَا وصِفَاتِهَا وأحسنَ مَنظَرًا وأغْلَى ثَمنًا فهِي أَحَبُّ إِلَى اللهِ وأعظمُ لأجرِ صَاحِبِهَا، قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ رحمه الله: “والأجرُ فِي الأُضحيةِ عَلَى قَدْرِ القِيمَةِ مُطْلقًا” اهـ.

ولقدْ كانَ المسلمونَ فِي عَهدِ رسولِ اللهِ -ﷺ- يُغَالُونَ فِي الهَدْيِ والأضَاحِي، ويختارونَ السَّمِينَ الحَسَنَ، قالَ أَبو أُمَامَةَ بنُ سَهْلٍ رَضِي اللهُ عَنهُ : “كُنَّا نُسَمِّنُ الأُضْحِيةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ”؛ وتَسمِينُ الذَّبِيحَةِ مِن تَعظِيمِ شَعَائِرِ اللهِ، كَمَا قالَ ذَلِك ابنُ عبَّاسٍ -رَضِي اللهُ عَنهُمَا-، فِي قَوَّلَه تَعَالَى ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ الحج 32.

 

نَسألُ اللهَ العظيمَ ربَّ العرشِ العظيمِ أن يُوفِّقَنَا وإيَّاكُم لتعظِيمِ شَرَائعِه وشَعَائِرِه، وأَن يجْعَلَنَا مِنَ المؤمِنِينَ المُخْبِتِينَ المسلمينَ التَّائِبِينَ العَابِدِينَ القَانِتِينَ.

أقولُ قَوْلِي هَذَا، وأستغفرُ اللهَ لِي وَلِكَم فاستغفرُوه، إنَّه هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحَدَه وَالصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَى رَسُول اللَّه وَآلُه وَصَحِبَه.

أمَّا بَعْدُ:

 

عبادَ اللهِ: لَقَدْ بيَّنَ سُبحانه الحكمةَ مِن ذَبحِ الأضَاحِي والهَدايَا بقولِهِ: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ الحج 37.

قَال الشَّيخُ السَّعدِيُّ -رحمهُ اللهُ-: “ليسَ المقصودُ مِنْهَا ذَبْحَهَا فَقَطُ. ولا يَنالُ اللهَ مِن لُحُومِهَا ولا دِمائِهَا شَيءٌ؛ لِكونِهِ الغَنيَّ الحميدَ، وإنَّما يَنالُهُ الإخلاصُ فيهَا، والاحتِسَابُ، والنِّيَّةُ الصَّالِحةُ، ولهَذا قالَ: ﴿وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ الحج 37.، فَفِي هَذَا حَثٌّ وتَرغِيبٌ عَلَى الإِخلاصِ فِي النَّحْرِ، وأنْ يكُونَ القَصدُ وَجهَ اللهِ وحْدَهُ، لا فَخرًا ولا رِياءً، ولا سُمعَةً، ولا مُجرَّدَ عَادةٍ، وهكَذا سَائِرُ العِباداتِ إنْ لَم يَقتَرِنْ بِهَا الإِخلاصُ وتَقوى اللهِ، كانتْ كالقُشُورِ الَّذِي لا لُبَّ فيهِ، والجَسَدِ الَّذِي لا رُوحَ فيهِ”. اهـ.

وإِلى الذِينَ عَجَزوا عَن شِرَاءِ الأُضحيةِ وَمَنّ حَال بَيْنَهُم وَبَيَّنَهَا ضِيق ذَات الْيَد يُقَال لَه أَبْشِر بِالْخَيْر يَا عَبْد اللَّه فَإِن النِّيَّة الصَّادِقَة تَبْلُغ مَكَان الْعَمَل وَيُقَال لَهُم: هَنِيئًا لكُمُ البُشْرى؛ فقَدْ ضَحَّى عنكُم رَسُولُ اللهِ -ﷺ-فإنَّه -ﷺ- لَمَّا قَضَى خُطبَتَه ونَزَلَ مِن مِنْبَرِه أُتِيَ بِكَبْشٍ فذَبَحَهُ بيدِهِ، وقالَ: “بِسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي”.

 

أَيُّهَا المؤمنونَ: وآخِرُ هذِه العَشْرِ الفَاضلَةِ، هوَ أَعظمُ الأيَّامِ عِندَ اللهِ، كمَا صحَّ عنهُ -ﷺ- أَنَّه قَالَ: (إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَوْمُ النَّحْرِ) رَوَاه وأبو دَاودَ وصحَّحَهُ الأَلبَانِيُّ.

والفَرَحُ فِيهِ مِنْ مَحَاسِنِ هذَا الدِّينِ وشَرَائِعِهِ؛ فعَنْ أَنسٍ -رِضيَ اللهُ عَنهُ- قالَ: قَدِمَ ﷺ ولأهلِ المَدِينةِ يَومَانِ يَلعَبُونَ فِيهمَا فِي الجَاهِليةِ، فقالَ: (قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ وَلَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ يَوْمَيْنِ خَيْرًا مِنْهُمَا، يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ).

ومِن أَعظَمِ شَعائِرِ الإِسلامِ فِي هَذَا اليومِ، أَداءُ صَلاةِ العِيدِ وقَد صَلاَّهَا النبيُّ -ﷺ- ودَاوَمَ علَى فِعلِهَا هُو وأَصحَابُهُ والمسلمونَ بَل ذَهَب بَعْض أَهْل الْعِلْم أَنَّهَا وَاجِبَة فِي حَقّ الرِّجَال، وَيَسُنّ الجُلُوسُ لِسمَاعِ خُطبَةِ العِيدِ، وعَدمُ الانِشغالِ عَنها بشيءٍ كالتهنِئةِ أَو رَسائِلِ الهَاتِفِ الجَوَّالِ أَو غَيرِ ذَلكَ.

 

تَقبَّلَ اللهُ مِن الجَميعِ صَالحَ العَملِ وأعَانَ ويَسَّرَ الفَوزَ بهذِه الأيامِ المبَاركَةِ.

اللهمَّ أَعنَّا عَلى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادتِكَ، اللهمَّ جَنِّبنا الفتنَ مَا ظَهرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ.

 الَّلهُمَّ اجْعَلْنَا مِمنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ.

اللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ وَأَرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ وَلا تَجْعَلْهُ مُلْتَبِسًا عَلَيْنَا فَنَضِلَّ.

 اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِيْنَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِيْنَ.

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا.

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ الْمَهْمُومِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ الْمَكْرُوبِينَ، وَاقْضِ الدَّيْنَ عَنِ الْمَدِينِينَ، وَاشْفِ مَرْضَاهُمْ، وَاغْفِرْ لِمَوْتَاهُم، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ.

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *