| مشروع خطب الجمعة في إفريقيا | ||||
| رقم الخطبة | عنوان الخطبة | معد الخطبة | تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة | المراجعة والنشر |
| 247 | حسن المعاملة مع الآخرين | قسم المشاريع | 30/05/1447هـ الموافق 21/11/2025م | الأمانة العامة |
الموضوع:” حسن المعاملة مع الآخرين”
إن الحمد لله، نحمَده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران: 102.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ النساء: 1
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ الأحزاب: 70، 71.
أما بعد:
فيا أيها الناس: في هذه الدنيا يعيش المرء مع الآخرين، ولا يمكن له العيش بمفرده منعزلًا عن الناس، منغلقًا عنهم، وكما قيل ما سمي الإنسان إنسانًا إلا لأنه يأنس بالغير، ويؤنس به.
وهذا شيء واضح واقعي، ولكن ليس كل أحد يصلح للمعاشرة والمصاحبة، وقد لا تجد في الناس بين المائة إلا واحدًا وهم يعزون ويقلون مع تقدم الزمن؛ كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر قال ﷺ “إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة”.
قال القاضي: “معناه لا تكاد تجد في مائة إبل راحلة تصلح للركوب، وطيئة سهلة الانقياد، فكذا تجد في مائة من الناس من يصلح للصحبة فيعاون صاحبه ويلين له جانبه” أ. هـ.
معاشر المسلمين: من هذا المنطلق وجب على الجميع أن يعرف من يصاحب، وكيف يصاحب.
وفي الحقيقة أنه لا يكاد يصفو للمرء صاحبٌ على خلق سليم، فلا بد من خلل في كل شخص، ولكن الناس يتفاوتون فمستقل ومستكثر، وخير الأصحاب من يملك كيف يعامل صاحبة بالحسنى، وهذا هو موضوع خطبتنا لهذا اليوم: المعاملة الحسنة بين الناس.
أيها المسلمون: إن المسلم مطالب أن يحسّن معاملته في كل شيء، بدءًا بمعاملته مع الله -سبحانه- في أدائه لعباداته، قال تعالى : ﴿وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ البقرة: 195.
إن إحسان المعاملة مع الآخرين سبب لدخول الجنة؛ كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي مسعود البدري قال ﷺ: (حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَىْءٌ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ رَجُلاً مُوسِرًا يُخَالِطُ النَّاسَ فَيَقُولُ لِغِلْمَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ فَقَالَ اللَّهُ لِمَلاَئِكَتِهِ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ فَتَجَاوَزُوا عَنْه).
وحسن المعاملة مع الآخرين، سبب لنيل رحمة الله، أخرج البخاري في صحيحه من حديث جابر قال ﷺ : (رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى).
بل إن حسن المعاملة مع الآخرين، تنفع العبد ولو قلت ودقت في أعين الناس فهي عند الله بالمنزلة العظيمة؛ كما أخرج مسلم من حديث أبي ذر قال ﷺ : (لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق).
وأخرج الترمذي في جامعه من حديث أبي هريرة قال ﷺ: (من أنظر معسرًا، أو وضع عنه، أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله).
أيها المؤمنون: إن أول ما يؤمر العبد به من حسن المعاملة بعد الله هو معاملة والديه، وذلك بالإحسان إليهما، وقد قرن الله حقهما بحقه في أكثر من موضع: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ الإسراء: 23. وقال: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾ الأحقاف: 15.
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ فقال”أمك”، قال: ثم من؟ قال: “أمك”، قال: ثم من؟ قال: “أمك”، قال: ثم من؟ قال: “أبوك”.
ومن بعد الوالدين، الأهل والأزواج والعيال، أخرج الترمذي في جامعه من حديث عائشة قال ﷺ: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”.
قال المناوى: “وكان أحسنَ الناس عشرة لهم حتى أنه كان يرسل بنات الأنصار لعائشة يلعبن معها، وكانت إذا هويت شيئًا لا محذور فيه تابعها عليه، وإذا شربت شرب من موضع فمها ويقبلها وهو صائم، وأراها الحبشة وهم يلعبون في المسجد وهي متكئة على منكبه، وسابقها في السفر مرتين فسبقها وسبقته، ثم قال: “هذه بتلك” وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة، وفي الصحيح أن نساءه كن يراجعنه الحديث، وتهجره الواحدة منهن يومًا إلى الليل، وجرى بينه وبين عائشة كلام، حتى أدخل بينهما أبا بكر حكمًا، كما في خبر الطبراني” أ. هـ.
وأخرج البخاري ومسلم من حديث عن أبي هريرة قال ﷺ: (استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا).
أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال ﷺ: (لا يفركن مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها غيره).
لقد أوصى النبي ﷺ بالنساء خيرًا، حتى وهو في سكرات الموت: فليتق الله أقوام يظلمون نساءهم، وليتق الله أقوام جعلوا القوامة للزوجة، فقادت البيت للهاوية، وذلك ظلم لها للسماح لها بقيادة المنزل، وليست له بأهل.
ثم من بعد الأهل والأولاد، العمال والعاملات الذين يعملون معك، أخرج مسلم في صحيحه من حديث ابن مسعود قال ﷺ: (إذا جاء خادم أحدكم بطعامه فليقعده معه، أو ليناوله منه، فإنه هو الذي ولي حره ودخانه).
ثم بعد ذلك الجيران، أخرج ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قيل للنبي ﷺ: “إن فلانة تصوم النهار، وتقوم الليل، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال: “لا خير فيها هي في النار” قيل: فإن فلانة تصلي المكتوبة، وتصوم رمضان، وتتصدق بأثوار من إقط، ولا تؤذي أحدًا بلسانها؟ قال: “هي في الجنة”.
وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر قال: قال لي النبي ﷺ -: “إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك”.
وأخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر قال ﷺ: “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه”.
اللهم ارزقنا حسن المعاملة، والراحة النفسية، يا رب العالمين. أقول قولي هذا…
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلى الله على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن لآثارهم اقتفى
أما بعد:
يا أيها الناس: لا شيء أثقل عند الله في الميزان يوم القيامة من حسن الخلق، أخرج الإمام أحمد وأبو داود من حديث أبي الدرداء، قا ل ﷺ: “ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق”
معاشر المسلمين: لقد كان النبي ﷺ آية لمن أراد حسن المعاملة مع الآخرين، ولهذا أثنى الله عليه في كتابه، فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ القلم: 4.
وقال: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ آل عمران: 159.
ومن طالع سيرة النبي ﷺ استفاد الشيء الكثير في كيفية معاملة الناس، وكسب ودهم، ولهذا دخل الناس في دين الله أفواجًا، أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: “كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَقٌّ فَأَغْلَظَ لَهُ فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُ النَّبِىِّ ﷺ، فَقَالَ النَّبِىُّ ﷺ -: “إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً” فَقَالَ لَهُمُ: “اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ” فَقَالُوا: إِنَّا لاَ نَجِدُ إِلاَّ سِنًّا هُوَ خَيْرٌ مِنْ سِنِّهِ؟ قَالَ: “فَاشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ -أَوْ خَيْرَكُمْ- أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً”.
وأخرج مسلم في صحيحه من حديث عائشة قالت: “ما ضرب رسول الله ﷺ بيده خادمًا له قط، ولا ضرب امرأة، ولا ضرب بيده شيئًا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا خير بين شيئين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما، حتى يكون إثمًا، فإذا كان إثمًا كان أبعد الناس من الإثم، وما انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه إلا أن تنتهك حرمات الله، فيكون هو ينتقم لله -عز وجل-“.
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أنس قال: “كنت أمشي مع النبي ﷺ وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي ﷺ قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال: مر لي من مال الله الذي عندك؟ فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء”.
أخرج البخاري في صحيحه من حديث عبد الله -رضي الله عنه- قال: “لما كان يوم حنين آثر النبي ﷺ أناسًا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسًا من أشراف العرب، فآثرهم يومئذ في القسمة، قال رجل: والله إن هذه القسمة ما عُدل فيها، وما أريد بها وجه الله، فقلت: والله لأخبرن النبي ﷺ فأتيته فأخبرته، فقال: “فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله، رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر”.
وقد كانت المرأة تأخذ بيد النبي ﷺ في سكك المدينة فيقضي لها حاجتها، وكان يمازح الكبير والصغير بالمعروف، ولا يقول إلا حقًا، أخرج البخاري ومسلم واللفظ لمسلم من حديث أنس بن مالك قال: كان رسول الله ﷺ أحسن الناس خلقًا، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير، قال أحسبه قال: كان فطيمًا، قال: فكان إذا جاء رسول الله ﷺ فرآه، قال: “أبا عمير ما فعل النغير؟” قال: فكان يلعب به”.
أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة قال: قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا؟ قال: “إني لا أقول إلا حقًا”.
أيها الناس: لقد كان النبي ﷺ على درجة عالية من الخلق، وحسن المعاملة، حتى أحبه الصغير قبل الكبير، والعدو قبل الصديق، ولكن كانت معاملته مع الناس بلا إفراط ولا تفريط، وإنما كان يمزح ويخالط الناس بقدر، فهو ينفعهم ويفيدهم من غير أن يملوه أو يملهم، أو يحرجوه أو يحرجهم، وعلى هذا يجب أن يسير من أراد الراحة في الدنيا فالناس لا يملكون إلا بذلك.
عباد الله: إِنَّ الله وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.
اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه،
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي،
وعن بقية الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
















































أضف تعليقاً