جيبوتي وعلاقاتها مع دول الخليج العربي

تقول الأسطورة الأفريقية القديمة أن سلالة من بنات أوى أو ( بوتيBUTTI ) كما تسمى باللغة الأفريقية تكاثرت أسفل الجبل الذي تسكنه قبيلة العيسى ( أحد أشهر القبائل في جيبوتي) وجعلت من أسفل الجبل الذي تسكنه تلك القبيلة مقصد لها ولهجماتها الشرسه فتكاتفت القبيلة ونجحت في إبادة تلك الضواري وهزيمتها للأبد فصاحت القبيلة بلسان واحد JAB-BUTTI )) بمعنى ( هزيمة بنات أوى) والهزيمة باللغة الأفريقية ((JAB ولذلك سميت تلك المنطقة بـ (جيبوتي ).

تأتي أهمية جيبوتي بحكم موقعها الإستراتيجي الهام بمحاذاة أحد أهم الممرات البحرية الأكثر استخداما في العالم بين المحيط الهندي وقناة السويس، كما تؤمن موانئ جيبوتي بشكل رئيسي خطوط المواصلات مع أثيوبيا التي بعد إعلان استقلال أريتيريا أصبحت دولة حبيسة لا تطل على أي مسطحات مائية وتستخدم الموانئ الجيبوتية في صادراتها و ورادتها ، وتطمح جيبوتي إلى تغطية كامل القارة ، وتأكد ذلك من خلال رؤية جيبوتي المستقبلية لموانئ الأقاليم الصومالية الشبه مستقلة مثل ( صومالاند و بونتلاند ) التي ترى فيها جيبوتي منافس حقيقي لها، ومع قيام حكومة أرض الصومال بتصدير المواشي إلى دول مجلس التعاون الخليجي عبر ميناء بربرة الدولي تقدمت جيبوتي باقتراح أن يتم التصدير عبر أراضيها كونها دولة مستقلة معترف بها دوليا ًعلى عكس إقليم أرض الصومال أو إقليم بونتلاند في محاولة لعرقلة تطور اقتصاد إقليم أرض الصومال عندها جاء الرد من ( هيرجيسا/ عاصمة إقليم أرض الصومال) بعقد مؤتمر صحفي ترأسه وزير تنمية الثروة الحيوانية في أرض الصومال (إدريس إبراهيم عبدي) حذر فيه مواطنيه من استخدام الموانئ الجيبوتية وإلا سيتعرضون للمسائلة القانونية وسيواجهون تهمة تخريب الاقتصاد الوطني ، أضف إلى ذلك احتضان جيبوتي لقواعد عسكرية أجنبيه مثل قاعدة ( ليمونيه ) الأمريكية والقاعدة العسكرية الفرنسية كما تستضيف جيبوتي قاعدة يابانية، ويستخدم ميناؤها من قبل قوات بحرية أجنبية تحرس خطوط الملاحة عبر خليج عدن الذي يعد من أكثر الممرات المائية في العالم معاناةً من مخاطر القراصنة الذين ينطلقون من الصومال،ومؤخراً تم الإعلان عن وجود القاعدة الصينية في جيبوتي التي تولت أربعة عشر مشروعاً لتطوير البنية التحتية في جيبوتي والتي تقدر تكلفتها بــ 14.4 مليار دولار ممولة بشكل رئيسي من مصارف صينيه.

جيبوتي ودول الخليج العربي

برزت أهمية جيبوتي بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي عندما أعلنت رسمياً فتح مجالها الجوي لتحالف عاصفة الحزم وأكد سفير جيبوتي في المملكة العربية السعودية ( ضياء الدين بامخرمة ) أن عاصفة الحزم غيرت مفاهيم سياسية كثيرة في العالم العربي وجاءت لتضع الأمور في نصابها لردع ميلشيات الحوثثين، أما اقتصاديا نجحت جيبوتي في فرض نفسها كنقطة عبور اقتصادية مميزة بين أسيا وأفريقيا وحصلت شركة موانئ دبي العالمية على حقوق الامتياز لإدارة وتشغيل ميناء جيبوتي لمدة 20 عاماً و استثمرت دولة الإمارات مليار دولار في جيبوتي لبناء فنادق وتشييد منطقة حرة إلى جانب توفير الخدمات الجمركية ، إلا أن صفو الاستثمارات الإماراتية تعكرت في جيبوتي بسبب النزاع القضائي الذي رفعته الحكومة الجيبوتية ضد شركة موانئ دبي العالمية بشأن امتياز ميناء جيبوتي ، فحكومة جيبوتي تسعى لإلغاء الامتياز الممنوح لشركة موانئ دبي وذلك بسبب طريقة إرساء ذلك العقد الذي من وجهة النظر الجيبوتية يحابي موانئ دبي العالمية بشكل غير عادل ، وما يدعو للدهشة أن الامتياز الذي حصلت عليه شركة موانئ دبي العالمية أقره البرلمان الجيبوتي بالإجماع كما أن شركة موانئ دبي العالمية عملت كشريك وثيق في ميناء جيبوتي لمدة أربعة عشر عاماً ولم يثار موضوع إلغاء الامتياز إلا في عام 2014 وهو العام التالي الذي أعلن فيه عزم الصين بناء قاعدة عسكرية دائمة لمكافحة القرصنة والتي ستعمل بشكل كامل قبل نهاية 2017 ، لضمان أمن مضيق باب المندب وضمان أمن السفن الصينية التي تمر عبر هذا المضيق ، ومن الجدير بالذكر أن وزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف أعلن في القمة الأفريقية الصينية التي أقيمت في جنوب افريقيا ( جوهانسبرج) أن الصين ستمتلك قاعدة بحرية لوجستية في جيبوتي قبل نهاية 2017 وهذه القاعدة تندرج في إطار الجهود الجيبوتية لمكافحة الإرهاب والقرصنة خاصة أن الصين أصبح لها خبرة في إطار جهود مكافحة القرصنة ، فالبحرية الصينية قامت بأكثر من عشرين مهمة قتالية في سواحل خليج عدن والسواحل الصومالية ، وتحاول الصين الترويج لفكرة أن تلك القاعدة المزمع تدشينها في جيبوتي لا تهدف لنية بكين التوسع في منطقة القرن الأفريقي أو في عموم أفريقيا جنوب الصحراء ولكنها عازمة على محاربة القرصنة والتنظيمات الإرهابية التي باتت تهدد المصالح الدولية ، ولكن منح الصين ستين مليار دولار لدول أفريقيا جنوب الصحراء على شكل قروض وتأسسيها للمنتدى الصيني – الإفريقي ( فوكاك ) ، وحرصها على دعم وتعزيز جهود القمة الصينية الإفريقية التي تقام سنوياً في العواصم الأفريقية يؤكد أن الصين ماضية في طريقها نحو التوسع بدون توقف.

أما المملكة العربية السعودية فكان هناك مقترح بفتح خط بحري ملاحي بين جازان وجيبوتي لأن المشاريع التي يتم العمل عليها بين الجانبين تتطلب ضرورة توفر خطوط ملاحة لخلق توأمة بين موانئ البلدين،وقدمت الرياض مبلغ 50 مليون دولار كمنحة لدعم برنامج الاستثمار الوطني الجيبوتي لعام 2015 وذلك في إطار مساعدات دول مجلس التعاون الخليجي لجيبوتي والتي تقدر بــــ 200 مليون دولار أمريكي، أما دولة قطر فساهمت في تطوير مشروع طاقة الرياح حيث أفاد وزير الخارجية الجيبوتي في عام 2015 أن دولة قطر في طليعة الدول التي تشارك جيبوتي في ذلك المجال ، وتتركز الفرص الاستثمارية في جيبوتي في السياحة والفندقه والطاقة والأنشطة المصرفية ومن الأفضل أن يكون هناك برنامج خليجي استثماري مشترك في جيبوتي لأن الاستثمارات المشتركة ستكون أوفر من الاستثمارات المنفردة خاصة أن من الايجابيات المعروفة في جيبوتي استقرار العملة المرتبطة بالدولار الأمريكي، وجيبوتي ركيزة إستراتيجية هامة لدول مجلس التعاون الخليج.

رغم تباطىء الجهود العربية والخليجية في دول أفريقيا جنوب الصحراء إلا إنها ستسير في الاتجاه الصحيح إذا ما تكاتفت الجهود واجتمعت الرؤى وتوحدت الأهداف ولعل كلمة وزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف كفيلة لتخبرنا بأننا أضعنا الكثير بإهمالنا الطويل لدول أفريقيا جنوب الصحراء ، فعندما سأله أحد الصحفيين عن سر الاستثمارات الصينية اللافتة للانتباه في عموم أفريقيا جنوب الصحراء وخاصة تلك الدول التي تمتلك موانئ إستراتيجية كجيبوتي ونواكشط وأنغولا وجنوب إفريقيا ، أجاب الوزير بالنص “إن الصين تملأ فراغاً لأن الدول التي كانت من مسؤوليتها تعويض هذا النقص لم تقم بذلك ، والأفارقة انتظروا طويلاً من يأتي لمساعدتهم في عملية التنمية، والصين هي من قامت بهذا العمل”.

اقرأ المقال على موقع مجمع الأفارقة »

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *