في صبيحة يوم الخميس الأول من شهر ديسمبر عام 2016 م الموافق الثاني من شهر ربيع الأول عام 1438 هـ، غدا الناس في جمهورية غامبيا الإسلامية على صناديق الاقتراع، في انتخابات رئاسية لاختيار رئيس يرأس البلاد في الفترة القادمة وهي لمدة خمس سنوات.

وقد بلغت الأحزاب المشاركة في هذه الانتخابات إلى ثمانية أحزاب تحالفت منها ستة على النحو التالي:

1 – التحالف:

• حزب التجمع الديمقراطي / يتزعمه السيد : آدم بارو

• جمعية الشعب الديمقراطية للاستقلال والاشتراكية/ يتزعمه السيد : خليفة سالا

• حزب المصالحة الوطنية / يتزعمه السيد : حمد باه

• المترشحة المستقلة السيدة : عائشة توري

• حزب التقدم القومي / يتزعمه السيد : عمر جالو

• حزب الميثاق الوطني / يتزعمه السيد : ماي فاتي

2 – الحزب الغامبي الديمقراطي / يتزعمه السيد : ماما كاندي

3 – حزب التحالف والوطنية والمصالحة والبناء / وهو حزب الرئيس المنتهية فترته.

وقد جرت الانتخابات في جو سياسي هادئ بعد فترة دعائية لمدة أسبوعين تجول فيها كل حزب على طول البلاد وعرضه ، ثم في يوم الخميس 1 ديسمبر 2016 م غدا الناس على صناديق الاقتراع .

ومع بداية ليلة الجمعة عكف الناس على وسائل الإعلام الوطنية المرئية والمسموعة لمتابعة أخبار النتائج التي تعلن عبرها رسميا ، عن طريق لجنة الانتخابات المستقلة وهي المؤسسة المسؤولة عن ذلك.

وما إن بدأت النتائج تظهر حتى شعر المحللون المتخصصون في مكتب الحسابات والتحليلات الحسابية الذين كونوا لجنة خاصة للمتابعة لمقارنة مجريات الأمور ، فتحسسوا من خلال نتيجتين اثنين من منطقتين تم العد فيهما ، حدوث عزوف كبير في أعداد الناخبين عن الاقتراع ، فبدأوا يبحثون ويحللون عن السبب للعزوف ؟

وهكذا صار توقعاتهم حقيقة رقمية واقعة فعزف ما يربو على ( 300,000 ) ثلاثمائة ألف ناخب من مجموع ( 860000 ) ثمانمائة وستين ألفا تقريبا .

وعندما أعلنت لجنة الانتخابات المستقلة عن النتائج بفوز التحالف باسم رئيسه السيد / آدم بارو ، وصار هو الرئيس المنتخب ، قبل الرئيس المنتهية فترته فورا النتائج واتصل به وهنأه على الفوز الذي أحرزه عليه ، وبين له أن هذا هو اختيار الشعب الغامبي ، وأنه سوف يخلي له الطريق وسيسلمه مقاليد البلاد في شهر يناير اليوم التاسع عشر منه 2017 م حسب المتبع في القانون.

فرح الناس بهذا الحدث الإيجابي منه ، وبدأت الاتصالات بالرئيس المنتخب لتهنئته من قبل كثير من المؤسسات والأفراد والجمعيات بما في ذلك المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في غامبيا، بعد عقد اجتماع طارئ للجنة التنفيذية بالمجلس يوم السبت 3 ديسمبر 2016 م ، وبالفعل اتصل بالرئيس المنتخب  رئيس المجلس ونهأه بالفوز وتمنى له فترة سعادة وازدهار ، مع طلب اللقاء به في الوقت الذي يناسبه من ذلك اليوم ، وكل هذا على الوضع الأول الذي وافق فيه الرئيس على النتائج .

وفي صبيحة يوم الاثنين 5 ديسمبر 2016 م ، دعت لجنة الانتخابات المستقلة جميع الأحزاب المشاركة في الانتخابات إلى مقر مكتبها في – كانفن – وأبلغتهم جميعا أنها أخطأت في الحسابات والأعداد التي أعلنتها سابقا ، وأنها عدلت النتيجة واعتمدت النتيجة الجديدة ، وأعلنت ذلك في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة في خطاب رسمي موقع من رئيس لجنة الانتخابات المستقلة ، سلمت منه نسخة لكل حزب ، وهذا التعديل أدى إلى تغيير المجموع الكلي لكل حزب فقط ،وإن كان ذلك لم يغير في كون الفائز السابق المعلن هو الفائز حتى بعد تعديل النتيجة.

وعقب تسلم كل حزب نسخته من هذا الخطاب ، أصدر الرئيس بيانا عبر التلفزيون الوطني والإذاعة فأعلن أن له خطابا يوجهه إلى الشعب ليلة الخميس أوالجمعة – الشك من الكاتب – وترقب الناس خطابه الذي جاء بعد نشرة الأخبار الساعة العاشرة ليلا ، بين فيه ما يلي :

• أن لجنة الانتخابات المستقلة أعلنت أنها أخطأت في الحسابات في نتيجة الانتخابات المعلنة يوم الجمعة الماضي وقد عدلت النتيجة ، قال : ولم تبين اللجنة كيف أخطأت وكيف أصلح الخطأ .

• أن مندوب حزبه في بعض المناطق منعوا من التواجد في مكان الاقتراع من الساعة الثامنة صباحا حتى الساعة الواحدة ظهرا ، وهذا مخالف للقانون.

• أن الناس منعوا من الاقتراع مع تواجدهم في الصف / السيرة قبل الساعة الخامسة المحددة لمن يريد الانتخاب ، وعندما حانت الخامسة مساء قالوا للمتواجدين في الصف انصرفوا فقد انتهى الوقت ، قال : وهذا مخالف للقانون.

• أن بعد الناس صرفوهم عن الاقتراع بالقول إن التحالف قد فاز وانتهى ، فلا فائدة في الانتخاب لأن الفائز قد فاز ، قال : وهذا صرف للناس عن حقوقهم وفي مناطق هو له فيها شعبية كبيرة .

• قال وهناك أشياء أخرى لم يفصح عنها، ثم قال :

• وعليه أعلن رفضي لهذه النتائج وأعلن أن نتيجة هذه الانتخابات ملغاة ، وأنه سوف يرفع حزبي القضية إلى المحكمة العليا في غامبيا لطلب النظر فيها ولإجراءات انتخاب جديدة.

موقف العلماء والأئمة والدعاة :

عقب هذا أجرى المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية اتصالات بالأعضاء وعقد اجتماعا طارئا قرر فيه طلب اللقاء بالرئيس لمخاطبته في هذه التطورات الجديدة ، ونصحه  بما يقرر السلام والأمن والاستقرار في البلد وأعد لذلك خطابا أرسل إلى مكتبه ، وفي اليوم الذي أرسل الخطاب ، تم إذاعة بيان في وسائل الإعلام أن الرئيس يدعو ويريد اللقاء بالأئمة والدعاة المسلمين ، وكذلك الجانب المسيحي ، وتم تحديد يوم الخميس 15 ديسمبر 2016م الساعة الثالثة ظهرا.

وفعلا تم اللقاء به وبحضور نائبته ووزراء ، فافتتحت الجلسة بالدعاء ، ثم تناول الرئيس الكلمة وبين أنه دعا الزعماء الدينيين لسبب واحد هو : أن يقوموا بدعوة الناس إلى السلام والعفو والمسامحة فيما بينهم ، ويذكرونهم أن غامبيا دولة معلومة بالأمن والاستقرار والسلام والمسامحة، واستشهد بأن الناس يمشون فيها على حوائجهم في أي ساعة من ليل أو نهار دون خوف أو تعرض للاعتداء .

ثم بعد كلمته هذه تناول أعضاء المجلس الكلمة وشكروه على دعوته إياهم في مكتبه وأشادوا بما يكنه للإسلام والمسلمين من احترام ، وبينوا له أن الأئمة بذلوا جهودا كبيرة في نصح الناس ودعوتهم إلى السلام ، قبل الانتخاب وفي أثنائه وأنهم سوف يستمرون على ذلك بعد الانتخاب كذلك ، وطلبوا منه أيضا الرجوع إلى التمسك بموقفه الأول في تسليم السلطة إلى الرئيس المنتخب ، لأن ذلك يؤدي إلى الأمن والاستقرار والسلامة والسعادة .

وانتهى اللقاء بتعليق منه على هذه الكلمات أن حزبه: يتابع القضية من خلال القنوات القانونية ، وأي نتيجة خرجت بها المحكمة العليا فإنه مستعد لقبوله ، ووعد أنه لا ولن يكون سببا في إراقة الدماء ولا في تدمير ما بناه في خلال عشرين عاما .

وفي الوقت نفسه وفي موقف آخر توجه كثير من المؤسسات والجمعيات الإسلامية بما في ذلك المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية إلى الرئيس المنتخب للقاء به والحديث إليه بما يولد السلامة ويوفر الأمن والاستقرار للمواطنين .

وقد وعد هو الآخر خيرا في هذا الخصوص وأنه يسعى إلى استتباب الأمن والاستقرار ويسعى إلى استلام السلطة سلميا ، ولا يريد أي انفلات للأمن في البلد .

بهذا يتلخص موقف الدعاة والأئمة في دعوة الطرفين إلى التهدئة والمحافظة على الأمن والاستقرار .

وهذا ما أدى إلى ظهور الحالة الاعتيادية في حياة الناس اليومية في الإدارات والأسواق وجميع أماكن العمل والشوارع فلا يلوح في الأفق إلا مظاهر الحياة اليومية العادية ، فرغم التهديدات التي نسمعها من هنا وهناك من – أهل الحل والعقد في الخارج – الذين يريدون حل وإطلاق الأزمة المقيدة في الداخل، فالأوضاع الداخلية مطمئنة ، ولله الحمد والمنة .

في الختام

نرجو من الإعلام الخارجي الموجه الذي هو مصدر التهديد والتخويف بالصور والأخبار التي لا أساس لها من الصحة على أرض الواقع – حتى الآن –  فالأوضاع الداخلية والحياة اليومية حتى وقت كتابة هذه الأسطر هادئة مستقرة ولله الحمد والمنة – وإن كنا لا نعلم ما يدبر خلف الكواليس – فالصلوات تقام في المساجد ، والأذان يرفع فيها ، والدروس مستمرة في المدارس – إلا في جامعة غامبيا التي قاطع طلابها امتحاناتهم للفترة الأولى-والمصالح التجارية مفتوحة ، والحدود البرية والبحرية والجوية أيضا مفتوحة .

فليعلموا أن غامبيا دولة من أفريقيا صغيرة ولكن بها عدد كبير من المسلمين من أهل السنة ، ولا يجوز شرعا تخويف الآمين وترويعهم .

والله تعالى نسأل أن يجنب بلادنا من المحن والفتن ما ظهر منها وما بطن ، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

(*) نائب الأمين العام لاتحاد علماء أفريقيا

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *