بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله الذي خلق الإنسان وكرّمه ، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا ؛ والصلاة والسلام على خير من علّم وربّى ؛ محمد المصطفى ، وعلى آله وأصحابه أولي البر والتقى ، والتابعين لهم بإحسان إلى اللقا .

أما بعد : فبفضل الله جل وعلا شرفت بتقديم بحث حول موضوع ” الآفاق الدينية والتاريخية للتربية في الإسلام ” ضمن أوراق ” الورشة الإقليمية حول دور التربية الدينية في مواجهة التطرف العنيف والراديكالية ”  في رحاب الجامعة الإسلامية بالنيجر .

وهو موضوع له أهميته في ظل ما تعيشه أمتنا بل والبشرية عموما فيما يشبه التيه ؛ لا سيما فئة الشباب الذين هم حاضر الأمم ومستقبلها ؛ فمع التقدم التكنولوجي الذي يميز عصرنا هذا فإن الإنسان ككائن حي حساس حضري يكاد يزداد يوما بعد يوم شقاوة وحيرة في حياته اليومية ومستقبله القريب والبعيد لا سيما في الجوانب الروحية والخلقية .

والإسلام ذلك الدين الرباني أتى بما لو تمسك به الإنسان  لكان له منجاة من هذا الشقاء بل ومن الشقاء الأبدي في الحياة الآخرة .

والمسلمون يمكن أن يقدموا الكثير والكثير إلى الإنسانية في هذا الميدان إن تمكنوا من تجسيد ما وضعه الإسلام من أسس ومبادئ في التربية المتكاملة للإنسان؛ كما فعلوا في فترات من تاريخهم الذي هو تاريخ للبشرية أيضا .

ومن خلال هذه الورقة أسعى قدر جهدي في استعراض الآفاق الدينية والتاريخية للتربية في الإسلام ؛ سائلا المولى التوفيق بالسداد .

وبما أن البحث ليس بالبحث الأكاديمي من نمط الرسائل العلمية التي تحتاج  إلى التقسيمات والتفريعات الكثيرة فقد جعلته في تمهيد وثلاثة مباحث .

والتمهيد :وقد خصصته لتعريف التربية دون سائر مفردات العنوان لعدم الحاجة إلى ذلك.

أما المباحث الثلاث فهي :

المبحث الأول : الآفاق الدينية للتربية في الإسلام

المبحث الثاني : الآفاق التاريخية للتربية في الإسلام

المبحث الثالث : آفاق التربية في الإسلام في ظل تحديات العصر .

التمهيد :

التربية لغة واصطلاحا :

هذه الكلمة أو هذا المصطلح كتب عنها الكثير والكثير من المؤلفات والبحوث والدراسات ؛ وبالطبع غالبا ما يصدر الكتّاب والباحثون بالتعريف أو بيان الحد ، وعلى ذلك المنوال سرت مع مراعاة الاختصار ؛ فمعاجمنا وقواميسنا قد أسهبت في الكلام عن هذه الكلمة وجذرها اللغوي .

 

التربية لغة :

بالبحث عن جذر هذه الكلمة من خلال ما أوردته معاجم اللغة نجد أن لام الفعل هي الراء وعين الفعل هي الباء (ر.ب ) أما لام الفعل ففيها هذه الأوجه:

الوجه الأول : أن تكون واو أي (ربا يربو)  ومعناه النماء والزيادة ؛ كما في قوله تعالى : { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الروم:39] .

الوجه الثاني : أن تكون  ياء  مثل خفي يخفى بمعنى : نشأ وترعرع.

وعليه قول قُصيّ بن كلاب:

فَمن يَك سَائِلًا عنّي فإنّي … بمكّةَ مَوْلِدي وَبهَا رَبِيتُ [1]

الوجه الثالث : أن تكون باء أي بالتضعيف (ربّ يربّ)  وهو عينه جذر كلمة ” الرب ” قال صاحب الصحاح : “[ ربب] رب كل شيء: مالكه. والربُّ: اسم من أسماء الله عَزَّ وجَلَّ، ولا يقال في غيره إلا بالإضافة، وقد قالوه في الجاهلية للملِك “[2]

وأوردوا قول حسان :

من درة بيضاء صافية … مما تربب حائر البحر

يعني الدُرَّةَ التي يُرَبِّبها الصَدَفُ في قَعْرِ الماءِ [3]

وهذا بعض ما أوردته المعاجم عن تصريفات هذه الكلمة :

ففي تهذيب اللغة للأزهري  ” قال الأصمعيّ: رَبَوْت فِي بني فلَان أَرْبُو، إِذا نَبَتّ فيهم ونَشأت.

قَالَ: ورَبَّيْت فلَانا أُرَبِّيه تَرْبِيةً، وتَرَبَّيْته، ورَبَيْته، ورَبَّيته، بِمَعْنى وَاحِد” [4]

وقال صاحب الصحاح : ” ورَبَّيْتُهُ تَرْبِيَةً وتَرَبَّيْتُهُ، أي غذوته. هذا لكلِّ ما ينمي، كالولد والزرع ونحوه” [5]

ولأبي هلال العسكري عند ذكر التربية ”   وربَّيْتُ الصبيَّ تربيةً، وربَّبْتُهُ تربيباً” [6] .

وفي المحكم لابن سيده ” ورَبَّ الصَّبِيِّ يَرُبُّه رَبّا ورَبَّبَهُ تَرْبِيبًا وتَرِبَّةً عن اللِّحْيانِيِّ وتَرْبِيَةً وارْتَبَّه ورَبّاهُ تَرْبِيَةً على تَحْوِيلِ التَّضْعيف وتَرَبّاهُ على تَحْوِيلِ التَّضْعِيفِ أَيْضًا أَحْسَنَ القِيامَ عليه ووَلِيَه حتى يُفارِقَ الطُّفُولِيَّةً كانَ ابْنَهُ أَو لم يَكُنْ ” [7]

التربية اصطلاحا :

ورد تعريف التربية كمصطلح عند الأقدمين ، ومن ذلك قول الأصفهاني ” “الرب: في الأصل التربية، وهو إنشاء الشيء حالا فحالا إلى حد التمام ، يقال رَبَّهُ، وربّاه ورَبَّبَهُ. ” [8]

وقال البيضاوي : ” الرب: في الأصل بمعنى التربية، وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا، ثم وصف به للمبالغة ” [9]

أما المتأخرون وبالأحرى التربويون فهنا نجد اختلافا شديدا في عباراتهم ؛ ومعظم تلك التعريفات ليست من قبيل التعريفات الجذلة القصيرة الجامعة المانعة كما هو دأب الأقدمين ؛ بل عبارات طويلة أقرب إلى الشرح ؛ وهذه بعضها :

  • التربية : ” كلّ عملية تُساعد على تشكيل عقل الفرد وخُلُقه وجسمه[10]
  • التربية: تعني غرس المعلومات والمهارات المعرفية من خلال مؤسّسات معيّنة أُنشئت لهذا الغرض[11]
  • التربية: “تغذية الجسم وتربيته بما يحتاج إليه من مأكل ومشرب ليشّب قوياً معافى قادراً على مواجهة تكاليف الحياة ومشقاتها. فتغذية الإنسان والوصول به إلى حد الكمال هو معنى التربية، ويقصد بهذا المفهوم كلّ ما يُغذي في الإنسان جسماً وعقلاً وروحاً وإحساساً ووجداناً وعاطفة[12] ” ويظهر فيه ما يعرف بالدور في التعريفات أي ذكر كلمة التربية في ( وتربيته) .

واختار بعضهم ذكر عناصرها كما فعل علي أحمد مدكور مستنبطا من تعريفات بعض الأقدمين لإعطاء تصور عام عنها ” إن التربية تتكون من مجموعة من العناصر، أهمها ما يلي:

1- المحافظة على فطرة الناشئ ورعايتها.

2- تنمية مواهبه واستعداداته كلها، وهي كثيرة ومتنوعة.

3- إيصال كل مربي إلى درجة كماله الخاصة التي هيأه الله لها.

4- توجيه هذه الفطرة وهذه المواهب للعمل في الأرض والقيام بحق الخلافة فيها عن الله.

5- التدرج في هذه العملية ” [13]

وبما أن هذا البحث في الحديث عن التربية في الإسلام ؛ فمن الجيد التعريف أيضا بمصطلح ” التربية الإسلامية ” كمركب وصفي  ليحدد إطارها عن مفهوم التربية بصفة عامة ؛ ومن التعريفات المختصرة في ذلك أن التربية هي “إعداد الفرد أو الكائن الإنساني لحياته في الدنيا والآخرة”[14] .

المبحث الأول : الآفاق الدينية للتربية في الإسلام

الدين باعتباره منهجا للحياة ذو شقين: الشق الأول هو العقيدة أو التصور الاعتقادي، والشق الثاني هو التصور الاجتماعي النابع من الشق الأول، فعقيدة الإنسان هي التي توجه سلوكه الاجتماعي ونشاطه في الحياة كلها، وبذلك فإن الدين الإسلامي بتصوره الشامل للألوهية والكون والإنسان والحياة هو الإطار المرجعي للإنسان المسلم وللحياة الإسلامية[15].

ويدلل لهذا التصور والحكم قوله تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } [الأنعام : 162-163]

فهذا أمر رباني للنبي e – وأمته تبع له  – بالخضوع التام للباري جل وعلا يكون الالتزام به نتاج تربية متكاملة ؛ فالأمر يشمل كل جوانب الدين العقدية والتعبدية والسلوكية ؛  وهكذا كان النبي e في حياته كلها ؛ وكان هو القدوة لأمته كما قال تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } [الأحزاب: 21] .

ولهذا السبب فإن المنظومة التربوية في الإسلام تتسم بالشمولية والتوزان في العناية بالجسد والروح وكافة المراحل العمرية والفئات .

ومصادر التربية هي مصادر سائر أحكام الإسلام التعبدية والتشريعية ؛ وعمدة ذلك هو القرآن الكريم والسنة النبوية  ؛ وهذه وقفة حولهما :

أولا : القرآن الكريم

القرآن الكريم تنزيل إلهي وكتاب تربوي ؛ أنزله الله جل على محمد e وجعله برهانا وهداية ونورا له ولأمته ؛ ففيه ما يحتاجونه ضرورة من أمور دينهم ودنياهم؛ قال تعالى : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل: 89] .

وقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي e فأجابت في عبارة موجزة جامعة ” كان خلقه القرآن ” فعنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْبِرِينِي بِخُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: ” كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ، أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ، قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] ” قُلْتُ: فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَبَتَّلَ، قَالَتْ: ” لَا تَفْعَلْ، أَمَا تَقْرَأُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ} [الأحزاب: 21] حَسَنَةٌ؟ فَقَدْ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ وُلِدَ لَهُ ” رواه أحمد وغيره [16].

وقديما استفرغ العلماء جهدهم من استنباط مسائل التربية من القرآن ، وحديثا نجد باحثين ركزوا على الجوانب التربوية من القرآن الكريم ، والمؤلفات والبحوث في ذلك كثيرة ومتنوعة ؛ وقد اثار انتباهي لطف الاختيار لعنوان مؤلف باسم”السؤال في القرآن الكريم وأثره في التربية والتعليم [17]؛ للدكتور أحمد بن عبد الفتاح ضليمي الأستاذ المساعد بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة .

وآيات القرآن الكريم عالجت كل القضايا التربوية التي يحتاجها المسلمون ؛ من خلال آيات الأحكام والقصص والأخبار ؛ بالأساليب المختلفة حسب المخاطبين ؛ والمراحل والمواقف التي تمر بها الأمة .

وفي بعض المواطن في القرآن الكريم نجد تركيزا على نوع معين من التربية الموجهة لفئة معينة ؛ فهذه سورة سميت باسم لقمان عليه السلام ، وتضمنت السورة وصايا تربوية من لقمان لابنه تعتبر نبراسا للآباء والأمهات والمربين  ؛ عالج فيها: الوحيد ونبذ الشرك ، وبر الوالدين ، ومراقبة الله جل وعلا ، والخضوع لله بالعبادات ، وقواعد الإصلاح الاجتماعي ؛ ونبذ الأخلاق الشنيعة [18].

بل إن القرآن الكريم تعرض للمناهج التربوية المنحرفة لبعض الأمم السابقة التي كفرت بالرسالات الإلهية كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم شعيب ونظائرهم من الأمم ؛ وكذا التي تنتمي إلى بعض الرسالات الإلهية لكنها انحرفت عن كثير من مبادئ تلك الرسالات كقصص انحرافات بني إسرائيل ؛ قال تعالى : {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } [المائدة: 79] .

ثانيا : السنة النبوية

السنة النبوية هي الشارحة والمبينة للقرآن الكريم قال تعالى : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }  [النحل: 44] .

وفي السنة النبوية نجد المواقف العملية التربوية من خلال حياة النبي e وتعامله مع أصحابه ؛ وكتب السنة النبوية قد تناولت هذا الجانب من خلال تبويب الأبواب وإيراد الأحاديث التي تبرز التربية العملية للنبي e لأمته .

وهناك مؤلفات أخرى استخلص العلماء فيها الجوانب التربوية لسيرة النبي e ؛ مثل كتب الأدب ؛ كالأدب المفرد للإمام البخاري ؛ وكتب الشمائل المحمدية ؛ وكتب الترغيب والترهيب ، وكتب عمل اليوم والليلة ؛ والكتب الموسوعية كزاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم ؛ رحمهم الله جميعا .

وثمت أصول عامة وضعها الإسلام للتربية وجعلها هي المنطلق للمربين ؛ وتتركز على الجوانب الإيمانية ؛ ومن أبزرها :

1 – الإيمان أن هداية التوفيق والتسديد والتثبيت بيد الله تعالى، قال الله – عز وجل -: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين} [القصص:56] .

2 – الإيمان بأن الله تعالى عَلِمَ هداية المهتدين، وضلال الضالين في علمه السابق، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} [التغابن : 2] .

3- الإيمان بأن ذلك التفاوت: من الشقاوة والسعادة، لحكمةٍ عظيمة جعلها الله سبحانه من أمور الغيب وأوجب على عباده الإيمان بها، والتَّسليم بأن ذلك عين الحكمة، والعدل، والرحمة، كما لقال الخضر لموسى عليهما السلام : لموسى: {وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [الكهف: 80] .

4- الإيمان بأن الله قادر على أن يجعل الناس كلهم مؤمنين؛ لقوله – عز وجل -: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أفَأنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُوْنُوا مُؤْمِنين} [يونس: 99] .

5-  التبرؤ من الحول والقوة «لا حول ولا قوة إلا بالله» وأن يخاف المؤمن سوء الخاتمة، فهو لا يدري بما يختم له، وهذا نبينا e كان من أكثر دعائه وهو النبي e المعصوم : «يا مُقَلِّبَ القُلوبَ ثَبِّتْ قَلْبي عَلَى دِينِك» رواه الترمذي وغيره بسند حسن [19].

6 – الإيمان بأن الله تعالى يجيب الدعوات، فينبغي للعبد أن يسأل الله تعالى الذرية الصالحة، ويسأله صلاح الذرية، ويلح في ذلك كما سبق في حال الأنبياء والصالحين [20]

والشعائر التعبدية للإسلام لا يخلو أي منها من مقصد تربوي ؛ لنأخذ الصلاة مثلا فهي الركن الثاني من أركان الإسلام ؛ ولها مكانتها في ترتيب الأعمال حسب المسؤولية عنها يوم القيامة ؛ فهي أول ما يسأل العبد عنه يوم القيامة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي e قال : ((إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ، فَإِنْ أَتَمَّهَا، وَإِلَّا قِيلَ: انْظُرُوا هَلْ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ أُكْمِلَتِ الْفَرِيضَةُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ يُفْعَلُ بِسَائِرِ الْأَعْمَالِ الْمَفْرُوضَةِ مِثْلُ ذَلِكَ )) رواه الترمذي وابن ماجه بسند صحيح [21]

والجوانب التربوية للصلاة كثيرة ؛ وهذه بعضها على سبيل المثال لا الحصر:

التربية على الالتزام بالمواعيد:

الصلوات الخمس محددة بأوقات يجب على المسلم الالتزام به ؛ قال تعالى : {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } [النساء:103]  ، وهذا الجانب التربوي للصلوات الخمس مما قل أثره عند المسلمين مقارنة ببعض الأمم المتقدمة مدنيا  .

التربية على الألفة والاجتماع :

الصلوات المفروضة أصلها أن تؤدى في المساجد وفي جماعة لتحقيق الألفة والتضامن ؛ ورتب الشرع على ذلك الجزيل من الأجر  ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه ؛ عن النبي e قال : (( صَلاَةُ الجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَصَلاَتِهِ فِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ، وَأَتَى المَسْجِدَ، لاَ يُرِيدُ إِلَّا الصَّلاَةَ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً، حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ، وَإِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ، كَانَ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّي – يَعْنِي عَلَيْهِ المَلاَئِكَةُ – مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ)) متفق عليه . [22]

بل ورد الوعيد على التخلف عنها لما لها من رمزية بالغة للمجتمع المسلم الملتزم بشعائر الإسلام ؛ وفي ذلك يقول النبي e متوعدا المتخلفين عن سبيل الجماعة : ((عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى مَنَازِلِ قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ )) متفق عليه [23]

التربية على المساواة بين الناس :  

ففي صلاة الجماعة في المساجد يقف المصلون صفا متراصي الأقدام ؛ الغني إلى جنب الفقير ؛ والأمير إلى جنب المأمور ؛ وهذا يقدم رسالة يومية متكررة لتربية المسلمين على المبدء الذي قرره الإسلام كما في النداء الإلهي إلى البشرية : {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]

هذا بالإضافة إلى جانب التربية الروحية التي تتجذر من خلال الصلاة ؛ حتى قال النبي e : ((وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ )) رواه النسائي [24] ؛ وكان e يقول عندما يحين وقت الصلاة : «يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا» رواه أبوداود بسند صحيح [25].

 

 

المبحث الثاني : الآفاق التاريخية للتربية في الإسلام

النبي e كان المربي الأول للأمة فكانت التربية من صميم مهام بعثته كما وصفها الباري جل وعلا في دعوة إبراهيم عليه السلام { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [البقرة: 129] وفي موطن ثان قال جل وعلا : {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164] ؛ والموطن الثالث هو قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }[الجمعة: 2] .

فالجمع في هذه المواطن كلها بين التعليم والتزكية وهما من مرتكزات التربية في مقام الدعاء والامتنان والإخبار عن بعثته e إلى الخلق يرشدنا إلى مكانة العمل التربوي في دعوة النبي e لأمته .

وقد اتسمت هذه التربية بسمات الكمال مبدء وأسلوبا وهدفا ؛ ووصلت إلى التمام أثرا ونتيجة ؛ فربى النبي e جيلا من الصحابة رضوان الله عليهم كانوا مضرب المثل في القيادة والأخلاق .

وتربية النبي e للصحابة اتسمت بالشمول لكافة فئات المجتمع : الرجال النساء، الكبار والصغار ؛  الخدم  والمخدومين ؛ ومن لطيف المؤلفات في هذا الجانب ” الهدي النبوي في تربية الأولاد في ضوء الكتاب والسنة ؛ للشيخ سعيد بن وهف القحطاني مؤلف حصن المسلم ” الذي انتشر في بقاع الأرض .

لكني لطبيعة البحث أورد كنموذج يقاس على منواله المواقف التربوية للنبي  e مع الشباب ، ومنها :

الرفق بهم والشفقة عليهم :

عن أبي سليمان مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – قال: أتينا النبي e ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمن تركنا في أهلنا فأخبرناه، وكان رقيقاً  رحيماً، فقال: ((ارْجِعُوا إلى أهْلِيكُمْ فعَلِّمُوهم ومُرُوهُم، وصَلُّوا كَمَا رأيْتُمونِي أصَلِّي، وإذَا حَضَرتِ الصَّلاة فليؤذِّنْ لَكُمْ أحَدَكُم، ثمَّ ليؤُمَّكُمْ أكبَرُكُم)) متفق عليه [26].

غرس التوكل والمراقبة :

عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ((يَا غُلَام إِنِّي أعلمك كَلِمَات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تَجدهُ تجاهك، إِذا سَأَلت فاسأل الله، وَإِذا استعنت فَاسْتَعِنْ بِاللَّه، وَاعْلَم أَن الْأمة لَو اجْتمعت على أَن ينفعوك بِشَيْء لم ينفعوك إِلَّا بِشَيْء قد كتبه الله لَك، وَلَو اجْتَمعُوا على أَن يضروك بِشَيْء لم يضروك إِلَّا بِشَيْء قد كتبه الله عَلَيْك، رفعت الأقلام وجفت الصُّحُف)) رواه الترمذي بسند صحيح [27]

التوجيه إلى تحمل المسؤولية الاجتماعية :

فعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي e قال : ((يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ )) متفق عليه [28].

غرس الهمة العالية :

فهذه عبارة ذكرها النبي e في شأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في غير حضرته ؛ فما إن وصلت إليه حتى غيّر مجرى حياته ؛ القصة كما وردت في الصحيحين عنه – أي عبد الله بن عمر – قَالَ: ” كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْتُ غُلاَمًا شَابًّا أَعْزَبَ، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي المَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ البِئْرِ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ فَجَعَلْتُ أَقُولُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ، فَقَالَ لِي: لَنْ تُرَاعَ فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «نِعْمَ الرَّجُلُ  عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ» قَالَ سَالِمٌ  – أي ابنه – : «فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا» متفق عليه .

التربية على الاعتدال والقصد في العبادة :

فترة الشباب هي فترة العنفوان والحماس ؛ وهذا الحماس قد لا يتجه دائما إلى العمل الجاد أو تتبع الملذات ؛ بل قد يقود إلى الغلو في العبادة ؛ وكان النبي e يوجه الشباب عندما يلاحظ فيه مثل هذه النزعات ؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: أَنْكَحَنِي أَبِي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ، فَكَانَ يَتَعَاهَدُ كَنَّتَهُ، فَيَسْأَلُهَا عَنْ بَعْلِهَا، فَتَقُولُ: نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا، وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُنْذُ أَتَيْنَاهُ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «القَنِي بِهِ»، فَلَقِيتُهُ بَعْدُ، فَقَالَ: «كَيْفَ تَصُومُ؟» قَالَ: كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: «وَكَيْفَ تَخْتِمُ؟»، قَالَ: كُلَّ لَيْلَةٍ، قَالَ: «صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةً، وَاقْرَإِ القُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ»، قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الجُمُعَةِ»، قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَصُمْ يَوْمًا» قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمَ دَاوُدَ صِيَامَ يَوْمٍ وَإِفْطَارَ يَوْمٍ، وَاقْرَأْ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً» فَلَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَاكَ أَنِّي كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ …)) الحديث . رواه البخاري  [29].

هذه نماذج من تربية النبي e فيما خص به فئة الشباب وهم أحوج الناس إلى التربية .

ولم ينتقل النبي e إلى الرفيق الأعلى حتى ترك جيلا تلقى من التربية والرعاية ما جعله يحمل إلى العالم مشاعل الحق  ؛ فأقاموا دولة إسلامية تمددت شرقا وغربا ؛ وقدمت نموذجا للبشرية في المبادئ والأخلاق .

كَانُوا رُعَاة جمال قبل نهضتهم … وَبعدهَـــا مــلأوا الْعَــــالم تمدينـــا

لَو كَبرت بِأَرْض الصين مئذنة … سَمِعت فِي الغرب تهليل المصلينا[30]

وبعد انتقال النبي e إلى الرفيق الأعلى صار أصحابه الذين رباهم  على دربه؛ فكان نشر العلم والدعوة مقترنا أينما حلوا بالتربة المنبثقة من مبادئ الإسلام ؛ ففتحوا الفتوحات ودخلت شعوب من الفرس والروم وأمم أخرى في الإسلام ؛ وعلى الرغم من الحضارات المدنية التي عرفتها تلك الشعوب وجدوا في الإسلام ما جعلهم فيما بعد قادة في نشره وخدمته .

والتربية كانت مقترنة بالتعليم لا سيما في صدر الإسلام ؛ فعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْ كَانَ يُقْرِئُنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُمْ كَانُوا ” يَقْتَرِئُونَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ “، فَلَا يَأْخُذُونَ فِي الْعَشْرِ الْأُخْرَى حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِي هَذِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، قَالُوا: فَعَلِمْنَا الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ ” . رواه أحمد في المسند بسند حسن [31].

ففي هذه الفترة أي صدر الإسلام كان التعليم مقترنا بالتربوية العملية على ما كان عليه منهج النبي e مع الصحابة ؛ فبرز من الصحابة من اشتهروا بنشر العلم من التفسير كابن عباس وابن مسعود وابن عمر وعلي بن أبي طالب وأبي بن كعب رضي الله عنهم أجمعين ؛ وبرز في نشر الحديث بعض الصحابة كأبي هريرة وأنس وابن عمر وعائشة أم المؤمنين ؛ وكان منهجهم في ذلك كما سبق ربط العلم بالتربية.

وقد وجدت الحلقات في المساجد والدور ، والكتاتيب لإقراء الصبية وتربيتهم ؛ وبدت نهضة علمية منذ عصر ما قبل التدوين وما بعد عصر التدوين ؛ وفي عهد الدولة الأموية ، وكذا عهود الازدهار العلمي إبان الدولة العباسية القرنين الثاني والثالث ؛ وهي الفترة التي ألفت فيها أمهات كتب الإسلام في التفسير والحديث وشهدت ظهور أئمة الفقه وعلى رأسهم الأئمة الأربعة وتأسست معظم الفنون .

وشهدت هذه الفترات ظهور فلسفات تحمل مبادئ تربوية لأمم وديانات لا سيما مع حملة الترجمة التي ازدهرت في عهد المأمون الخليفة العباسي وقاوم العلماء الجوانب المناقضة لمبادئ الإسلام التربوية من تلك الفلسفات ؛ وألفت مؤلفات من قبل عباقرة مسلمين مثل الإمام الغزالي في كتابه ” تهافت الفلسفة ” والإمام ابن تيمية في كتابه ” الرد على المنطقيين” ولا يعني هذا نفي بعض الجوانب الإيجابية لهذا التدافع بين الإسلام والفلسفات والمذاهب الوافدة عبر الترجمات ؛ فكان هناك تطور في العلوم التجريبية بمجالاتها المختلفة والتي تركت أثرا في الطب وعلم الفلك والجغرافيا وغيرها .

وهذا المسلك التربوي المعتمد على نشر العلم المرتبط بالتربية العملية كان هو المسار الذي درجت  عليه الأمة في عمومها .

وإلى جانب هذا المسار ظهرت طرائق في التربية لدى المتصوفة وهي معتمدة في الأصل على الزهد والإفراط فيه أحيانا قبل أن يلبس بالفلسفات المتناقضة من شرق أو غرب .

وظهر لدى هؤلاء قواعد وأساليب في علاقة المريد بالشيخ تناولها الكثير من الغلو خلاف ما كان عليه الأمر في بداية ظهور التصوف في القرن الثاني الهجري حتى وصل الأمر إلى الحالة التي يذكرون أن يكون عليها المريد ” كالميت بين يدي الغاسل ” ودخل على الخط كثيرون باسم الزهد طلبا للدنيا ؛ حتى قال الشعراني (ت973هـ ) رحمه الله وهو يذكر سبب تأليف  كتابه ” الأنوار القدسية في قواعد الصوفية ” وهو من أهم المراجع لدى أهل التصوف : ” وكان من الباعث لي على تأليف هذه الرسالة طلب النصح لنفسي ولإخواني حيث تحلسنا بحلاس الأشياخ ومشينا على مراسمهم الظاهرة، وظن كل واحد منا نفسه أنه صار من أشياخ الطريق فوضعت هذه الرسالة كالميزان الذي يوزن بها المحق والمبطل، فمن وافق حاله ما فيها فليحمد الله، وإلا فليستغفر الله من دعاويه الكاذبة”.

وقد بلغنا أن الذئب الذي اتهم بأنه أكل يوسف عليه الصلاة والسلام كان من حلفه أنه قال: “وألا أكون من مشايخ القرن العاشر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما أكلت يوسف؟!” فكيف يصح لأحد منا دعوى الطريق وهو في النصف الثاني من القرن العاشر الذي استعاذ الذئب أن يكون واحدا من أشباهنا فيها!؟” [32]

ومع ذلك قد نجد بعض الجوانب الإيجابية في المدرسة التربوية لدى المتصوفة فيما لا يتعارض مع قواعد الشرع .

وهناك أعلام في التاريخ الإسلامي اشتهروا بتوجههم في مؤلفاتهم إلى التفصيل في الجوانب التربوية  حتى لو لم تكن تحت مسمى هذا المصطلح مثل :

الغزالي (ت505) في إحياء علوم الدين .

الزرنوجي (ت591هـ) في كتابه الشهير ( تعليم المتعلم طريق التعلم ) .

ابن الجوزي (ت 597هـ )  في كتبه لا سيما صيد الخاطر

ابن القيم (ت 751هـ) ، في معظم كتبه لا سيما مدارج السالكين .

وكذا معظم من ألف في الأخلاق والرقائق ؛ مثل الكتب المعنونة بالزهد أو التواضع والخمول ونحوها .

وهكذا استمر العطاء في ميدان التربية إلى أن تأثرت أيضا بحالة الركود العلمي الذي أصاب الأمة الإسلامية في معظم ديارها ابتداء من القرن الثامن ؛ فانحسر العطاء على الانكباب على معارف السلف بشرحها أو تلخيصها وتدريسها ؛ مع الاقتصار على العلوم الدينية [33]

ويستثنى من ذلك بعض المناطق في ديار الإسلام والتي كانت نهضتها العلمية والتربوية في أوج صعودها في فترات الركود التي أصابت معظم المناطق ؛ كما هو الحال بالنسبة لغرب إفريقيا حيث كانت النهضة العلمية وقيام الحواضر العلمية الإسلامية في تلك الفترة أي ما بعد القرن الثامن .

المبحث الثالث : آفاق التربية في الإسلام في ظل تحديات العصر .

من خلال ما ذكر في المبحثين السابقين يتبين لنا بجلاء أن هناك مخزونا كبيرا من الأساليب والوسائل التربوية المعتمدة على المصادر الإسلامية والتجارب العملية للأمة عبر فترات التاريخ ؛ ومهما صبغت المجتمعات المعاصرة بنواتج التقنية ووسائلها وأدواتها فإن الأمة بل البشرية بحاجة إلى هذا المخزون لإصلاح الكثير من ظواهر الاعوجاج في مسيرة البشرية ؛ فالإنسان في النهاية كائن بشري من جسد وروح وليس آلة ولا أداة .

وهذا المخزون التربوي الإسلامي منه ما يعتبر من اجتهادات العلماء المسلمين؛ سواء أكانوا من القدماء أم من المتأخرين ، كما هو الحال مع الأحكام الفقهية التفصيلية ؛ فالاجتهادات الفكرية نتاج عقل بشري يمكن أن يصيب أو يخطئ، لأن العقل البشري ليس معصوما، ولا عصمة إلا للأنبياء عليهم السلام .

فالأفكار والأساليب والوسائل وصولا إلى الخطط والبرامج وإن اعتمدت على الأصلين والكتاب والسنة فتبقى في الأخير اجتهادات كالحال مع المسائل الفقهية .

وبالتالي فهي قابلة للمراجعات  ؛ لكن تلك المراجعة ليست ميدانا مشاعا لكل من أراد فلا بد – كما في سائر العلوم – أن يقتحم ميدانها من هم من فرسانها ؛ وسواء تناول الدارس الفكر التربوي الإسلامي في عصور تاريخية ماضية، أو تناول فكرا تربويا إسلاميا معاصرا، أو حتى تصور لفكر تربوي إسلامي مستقبلي، لابد أن يكون لديه المعرفة الإسلامية الأصولية من القرآن والسنة، والتي تمكنه من القدرة على الموازنة والحكم على هذا الفكر في ضوء القرآن والسنة. [34]

وفي إطار الاستفادة من هذا المخزون الكبير لصالح الأمة من أجل نهضتها من كبوتها ظهر مصطلح التربية الإسلامية بقوة ؛ وألف عنها المؤلفات ؛ وأقيمت حولها الكثير من المؤتمرات والملتقيات والندوات ؛ وأجريت آلاف الدراسات ؛ بل وفتحت الأقسام والشعب في الجامعات والمعاهد العليا لها .

وتمت الاستفادة من المناهج المعاصرة للأمم  الأخرى ؛ لا سيما المناهج الغربية ؛ في الجوانب التنظيمية ؛ على الرغم مما احتف بذلك أحيانا ما يعرف بالتقليد الأعمى ؛ على ضوء مقولة ابن خلدون رحمه الله ” المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده” [35]  فأدى تيار القص واللصق  إلى ظهور التناقضات والتحولات الخطيرة في الجانب التربوي للأمة ؛ ولم تزل آثارها تتراكم إلى أن وصلنا إلى ما صلنا إليه من التحديات التربوية لا سيما ما يتعلق بالشباب ؛ فأضحت ظاهرة الانقلاب بنسبة 180 درجة بين الإفراط والتفريط أمرا شائعا ؛ ونعيش ثماره المرة في هذه الفترة .

وبما أن الحديث هنا عن الآفاق المعاصرة للتربية في الإسلام فإنني أكتفي بذكر جانبين يجدر الاهتمام بهما في سعينا إلى تربية إسلامية مؤصلة ومعاصرة نواجه بها التحديات الكثيرة؛

الجانب الأول : خصائص التربية في الإسلام ؛ وهذه جملة مما وقفت عليه [36] :

1- الخلق الهادف:

يعتبر الإسلام التربية صورة من أسمى صور العبادة، فالمعلم يعبد الله إذا علم الناس الخير, والمتعلم الذي يسعى وراء الحقيقة يعبد الله أيضًا.

وهذه العبادة ميدانها الكون بما فيها من مخلوقات الله، والإنسان محور التربية؛ لأنه أفضل المخلوقات, ولأنه مناط التكليف, والتربية الإسلامية تؤكد على استمرارية التعليم مدى الحياة.

2- الوحدة والشمول:

خلق الله الناس جميعًا للتعاون على البر والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وهذا ما تعبر عنه وحدة الإنسانية. والإسلام يحث على طلب العلم والاهتمام بجميع مجالات وحقول المعرفة التي تفيد الفرد والمجتمع, وتنظر إليها نظرة واحدة. ويطالب الإسلام الإنسان بالنظر في مختلف المعارف والعلوم التي تقوي الإيمان بالله, وتحقق الفوائد للناس في حياتهم, وفي تطوير مجتمعاتهم.

ويوجه القرآن النظر إلى الآيات الكونية التي تتدبر العلوم الفلكية, والطبيعة وما فيها من عبر بالغة تهدي الناس إلى الإيمان بالله وحده.

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 190-191] .

وتتطابق التربية الإسلامية مع شمول نظرة الإسلام إلى الإنسان، كذلك تهتم بالتربية الدينية والخلقية والعلمية والبدنية اهتمامًا متوازنًا دون إفراط أو تفريط، فهي تعنى بتربية النفس والعقل, وبتربية الجسم أيضًا.

3- التوازن الدقيق:

تحقق التربية الإسلامية التوازن في النظرية والتطبيق, والتوازن في تنظيم المعرفة الإنسانية التي تفيد الفرد والمجتمع, وتعنى التربية الإسلامية بالتطبيق العملي الذي يعود بالفائدة على البشر. ويلوم الله -جل وعلا- الذين يقولون ما لا يفعلون بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:1] .

والتربية الإسلامية حريصة أشد الحرص على إيجاد التوازن بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة. قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:77] .

وتوازن التربية الإسلامية بين تنمية روحانية الفرد وتلبية حاجاته المادية والاجتماعية، فهي مزيج متوازن بين الدنيا والآخرة بين الفرد والمجتمع، وبين عالم الواقع وعالم المثل .

ومع ما بيّن الإسلام من الأجر الجزيل على القيام بالعبادات والتفاني فقد راعى التوازن في ذلك مع حاجات الإنسان بطبيعته البشرية  ؛ “فعن  أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ e  فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ e  إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» متفق عليه [37]

4- المرونة:

تتجلى مرونة التربية في الإسلام في أن القرآن، “لم يحدد منهجا سياسيا, ولم يرسم دستورا محددا, فقد أراد الله أن يفتح سبيل الاجتهاد والأخذ بالعلم, واستنباط المناهج والأحكام من الظروف المتغيرة دون تكبيل بمنهج سماوي جامد محدد”

وقد تأثرت مناهج الدراسة بهذه المرونة، فمنهج التربية الإسلامية المتميز والأصيل يتسع للتطور والتغيير كلما دعت الحاجة إلى ذلك؛ لأنه مرتبط بواقع المجتمع وبتغيرات الحياة وبحاجاته ومشكلاته المتطورة  .

الجانب الثاني: الجهات التي ينبغي أن تكون قلاع التربية للأمة ؛ وهي بموجب أركان مجتمعاتنا المعاصرة كالآتي :

 الأسرة :

وهي نواة المجتمع وفيها يتلقى الولد أولى دروس التربية ؛ فمتى ما تخلى الآباء والمربون عن دورهم في التربية داخل الأسرة فيكون من شبه المحال تعويض ذلك الخلل في الميادين الأخرى .

وبكل أسف ومع ضغوط المدنية الحديثة  نجد تراجعا كبيرا في قيام الأسرة بدورها في التربية بحجج مختلفة لكنها واهية ؛ فالمسؤولية في ديننا في هذا الجانب واضحة ومحددة ؛ يقول المصطفى e : «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» متفق عليه [38].

المدرسة :

أقصد هنا المدارس النظامية بمراحلها المختلفة من الحضانة إلى الثانوية بل وما بعدها في المراحل الجامعية ؛ فالمدرسة بهذه الصفة هي الجهاز المنوط به تأمين الجانب التربوي للمجتمع ؛ حتى أضحى مألوفا تسمية الوزارة التي تتبع لها المدارس بوزارة التربية في كثير من الدول .

والأجهزة الموزاية للمدرسة كالكتاتيب والحلقات القرآنية والمحاضن التربوية تحتاج كلها إلى برامج جادة تربوية نابعة من مبادئ الإسلام السمحة ؛ دون إقصاء لما يمكن الاستفادة منها من تجارب الأمم فالحكمة ضالة المؤمن .

المجتمع :

ذكر المجتمع هنا يقصد به إثبات المسؤولية الجماعية للمجتمع ككل أفرادا أو داخل مجموعات ما يعرف بالمجتمع المدني من الجمعيات والمنظمات والنقابات وغيرها في القيام بالأدوار المنوطة بها في التربية .

وسائل الإعلام :

وسائل الإعلام قوة لا يستهان بها ، بل يطلق عليها أيضا اسم السلطة الرابعة إلى جانب السلطات القانونية والقضائية والتنفيذية في المنظومة الديمقراطية ؛ وهي في تطور متسارع ؛ فإلى وقت قريب كانت الصحف والمجلات والإذاعات والقنوات هي المسيطرة ؛ لكننا الآن نشهد سيطرة ما يطلق عليها وسائل التواصل الاجتماعي والتي صارت متحكمة في التوجهات التربوية لا سيما في أوساط الشباب؛ ولم يعد الأمر منحصرا على دعاة الانحلال بل دخل على هذا الخط دعاة الغلو والتطرف ؛ فسقطت في براثهم شباب من الأمة ؛ ركبوا موجة التطرف والغلو؛ وذاقت منها الأمة الويلات ؛ ولا زال الأمر ميدان تحد خطير  فلا بد من خطط وبرامج يستفاد منها لاستغلال هذه الوسائل لصالح التربية .

التوصيات :

في ختام هذا البحث الموجز أسجل هنا بعض التوصيات ؛ وأطرها بإطار المكان ؛ أعني ذلك الجزء من عالمنا الإسلامي ؛ المجتمعات الإسلامية في إفريقيا ؛ فالبحث كتب ليلقى في رحاب الجامعة  الإسلامية في النيجر ؛ قلعة العلم والمعرفة بين الساحل والصحراء ؛ وهي :

  • جعل التربية مهمة مشاعة بين الجميع وأن لا ينظر إليها على أنها شأن من يطلق عليهم التربويون بحكم تخصصاتهم الجامعية أو وظائفهم المهنية ؛ فلتعد مجتمعاتنا كما كانت إلى عهد قريب ؛ كل فرد يعتبر نفسه مسؤولا عن التربية انطلاقا من المقولة النبوية ” كلهم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ” .
  • إدراج التربية الدينية في المنظومة المدرسية في مراحلها الابتدائية إلى الثانوية ؛ فاستبعاد هذه التربية بحجة العلمانية لا سيما في المستعمرات الفرنسية السابقة لم تخلف لنا إلا انهيارا أخلاقيا ترك أثره في سوء الإدارة وتفاقم كل أنواع الفساد الإداري ؛ والأمر يسير ؛ فالتلاميذ يوجهون حسب دياناتهم وينالون على ضوء ذلك تربية تعزز فيهم جانب الأخلاق ، وتحفظهم أن يقعوا في براثن الغلو والتطرف بحكم معرفتهم بمبادئ الإسلام السمحة .
  • إجراء المزيد من الدراسات والبحوث حول آفاق التربية الإسلامية في هذه المنطقة إبان عهود الممالك والإمارات ؛ مملكة غانة ، ومملكة مالي ، ومملكة الصنغاي ، وإمارة كانم والبونو ؛ عسى أن يساعد في إيجاد الحلول للمشاكل التي تعصف بالمنطقة منذ عقدين من الزمن .

هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا .

 

 

باماكو

22 ربيع الآخر 1439هـ الموافق 9 يناير 2018م

 

 

المصادر والمراجع

 

  • القرآن الكريم .
  • أصول التربية، لمحمد منير مرسي ، نقلا عن موقع almaaref.org/
  • أصول الفكر التربوي في الإسلام ، لعباس محجوب ، نقلا عن موقع http://www.alukah.net .
  • الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية ؛ لعبد الوهاب الشعراني ؛ تحقيق : طه عبد الباقي سرور ، والسيد محمد عيد الشافعي ؛ ط 1414هـ /1993م ، مكتبة المعارف ، بيروت .
  • تاريخ ابن خلدون (ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر) ؛ عبد الرحمن بن محمد، ابن خلدون، الإشبيلي؛ تحقيق: خليل شحادة، الطبعة الثانية 1408/ 1988، دار الفكر بيروت.
  • التربية في عصور ما قبل الإسلام وما بعده ؛ عباس محجوب طبعة 1400/ 1980.
  • التربية وبناء الأجيال في الإسلام، أنور الجندي ؛ الطبعة الأولى 1975م ؛ دار الكتاب اللبناني ، بيروت .
  • تفسير البيضاوي (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) عبد الله بن عمر البيضاوي؛ تحقيق محمد عبد الرحمن المرعشلي، الطبعة الأولى 1418 هـ، دار إحياء التراث العربي – بيروت.
  • التلخيص في معرفة أسماء الأشياء؛ الحسن بن عبد الله العسكري؛ تحقيق: د . عزة حسن، الطبعة الثانية 1996؛ دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، دمشق.
  • تهذيب اللغة ؛ محمد بن أحمد الأزهري؛ تحقيق: محمد عوض مرعب، الطبعة الأولى 2001، دار إحياء التراث العربي – بيروت.
  • جمهرة اللغة؛ محمد بن الحسن الأزدي؛ تحقيق: رمزي منير بعلبكي، الطبعة الأولى؛ دار العلم للملايين – بيروت.
  • سنن أبي داود؛ سليمان بن الأشعث السجستاني؛ تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الطبعة الأولى 1430 / 2009 ؛ دار الرسالة العالمية .
  • سنن الترمذي؛ محمد بن عيسى الترمذي؛ تحقيق: بشار عواد معروف، طبعة 1998؛ دار الغرب الإسلامي- بيروت.
  • الصحاح تاج اللغة صحاح العربية ؛ لإسماعيل بن حماد الجوهري ؛ تحقيق: أحمد عبد الغفار عطار ، الطبعة الرابعة 1407/1987؛ دار العلم للملايين ، بيروت .
  • صحيح البخاري (الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله e وسننه وأيامه)  محمد بن إسماعيل البخاري؛ تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، الطبعة الأولى 1422؛ دار طرق النجاة.
  • صحيح مسلم (المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله e ) ؛ مسلم بن الحجاج النيسابوري؛ تحقيق: فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي – بيروت.
  • المجتبى من السنن؛ أحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة ، الطبعة الثانية 1406/ 1986، مكتب المطبوعات الإسلامية – حلب.
  • مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، أعداد مختلفة ، من منشور الجامعة الإسلامية بالمدينة .
  • المحكم والمحيط الأعظم ؛ علي بن إسماعيل بن سيده ؛ تحقيق عبد الحميد هنداوي، الطبعة الأولى 1421/ 2000؛ دار كتب العلمية – بيروت.
  • مدخل إلى دراسة تاريخ التربية الإسلامية د. داود كوناتي ،  منشور على موقع https://dkwoodda.wordpress.com
  • المسند ؛ للإمام أحمد بن حنبل ؛ تحقيق أحمد محمد شاكر، الطبعة الأولى 1416/ 1995، دار الحديث – القاهرة.
  • معالم أصول التربية الإسلامية من خلال وصايا لقمان لابنه ، لعبد الرحمن الأنصاري ، الطبعة الثامنة والعشرون 1417/ 1418 هـ ، ضمن مجلة الجامعة الإسلامية .
  • المفردات في غريب القرآن؛ الحسين محمد الراغب الأصفهاني، تحقيق: صفوان عدنان الداودي، الطبعة الأولى 1412؛ دار القلم- الدار الشامية- دمشق.
  • مناهج التربية أسسها وتطبيقاتها ، لعلي أحمد مدكور، الطبعة 1421 / 2001 ، دار الفكر العربي.
  • الهدي النبوي في تربية الأولاد في ضوء الكتاب والسنة؛ للدكتور سعيد بن علي بن وهف القحطاني، مطبعة سفير- الرياض.

 

[1] جمهرة اللغة 3/1306

[2] الصحاح 1/130 .

[3] الصحاح 1/131 .

[4] تهذيب اللغة 15/198

[5] الصحاح للجوهري 6/2350

[6] التلخيص في معرفة أسماء الأشياء صـ 117

[7] المحكم لابن سيدة 10/234 ، وذر نحوه ابن منظور في اللسان 1/401 .

[8] المفردات في غريب القرآن صـ 336 .

[9] تفسير البيضاوي 1/28 .

[10] أصول التربية ، لمحمد منير مرسي صـ 8 ، نقلا عن موقع www.almaaref.org/

[11] المصدر السابق .

[12] أصول الفكر التربوي في الإسلام ، لعباس محجوب ، نقلا عن موقع http://www.alukah.net .

[13] مناهج التربية أسسها وتطبيقاتها صـ 29 .

[14] التربية وبناء الأجيال في الإسلام، أنور الجندي  ص 153.

[15] ينظر : مناهج التربية أسسها وتطبيقاتها ، لعلي أحمد مدكور صـ 33 .

[16] المسند 41/149 برقم 24602 .

[17] منشور في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، العدد 111 سنة 1421هـ / 2001م

[18] ينظر : معالم أصول التربية الإسلامية من خلال وصايا لقمان لابنه ، لعبد الرحمن الأنصاري صـ 443 ضمن مجلة الجامعة الإسلامية .

[19] سنن الترمذي 5/423 برقم 3522 .

[20] ينظر : الهدي النبوي في تربية الأولاد في ضوء الكتاب والسنة للدكتور سعيد بن علي بن وهف القحطاني صـ 32-36 .

[21] سنن الترمذي 1/535 برقم 413 ، وسنن ابن ماجه 1/458 برقم 1425 .

[22] صحيح البخاري 1/103 برقم 477 ، وصحيح مسلم 1/459 برقم 272 .

[23] صحيح البخاري 3/122 برقم 2420 وصحيح مسلم 1/451 برقم 651 .

[24] سنن النسائي 7/61 برقم 3939 .

[25] سنن أبي داود 4/296 برقم 4985 .

[26] صحيح البخاري 1/128 برقم 631 وصحيح مسلم 1/465 برقم 229 .

[27]  سنن الترمذي 4/248 برقم 2516 .

[28] صحيح البخاري 3/26 برقم 1905 وصحيح مسلم 2/1018 برقم 1400 .

[29]  صحيح البخاري 6/156 برقم 5052 .

[30] نقلت عن : وقفات مع أحاديث تربية النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته ، لعبد الرحمن بن عبدالكريم الزيد ، ولم أقف على قائله ، مجلة الجامعة الإسلامية العدد  112 صـ 103 .

[31] المسند 38/466 برقم 23482 .

[32] الأنوار القدسية للشعراني صـ 18 ؛ وهذه الحكاية عن الذئب المتهم بأكل يوسف مما تسلل إلى بعض كتب التفسير والقصص من الإسرائيليات التي تحمل الكثير من الأساطير .

[33] ينظر : التربية في عصور ما قبل الإسلام وما بعده ؛ عباس محجوب صـ 122 .

[34] ينظر : مدخل إلى دراسة تاريخ التربية الإسلامية  د. داود كوناتي ، عن موقع https://dkwoodda.wordpress.com

[35] مقدمة ابن خلدون ضمن تاريخه 1/184 .

[36]  مستفاد بتصرف من كتاب ” التربية الإسلامية أصولها ومنهجها ومعلمها صـ 22-24 .

[37]  صحيح البخاري 7/2 برقم 5063 ومسلم 4/2100 برقم 2743.

[38]  صحيح البخاري 2/5 برقم 893 وصحيح مسلم 3/1459 برقم 1829 .

 

لتحميل البحث اضعط على الرابط ?

ورقة_البجث_الافاق_الدينية_والتاريخية

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *