بسم الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين , وعلى آله وصحبه أجمعين .

وبعد .

فإن العملية التربوية تعتمد في تحقيق أهدافها اعتمادا كبيرا على المعلم , باعتباره محور العملية التربوية , والركن الأساسي في النهوض والتطوير بمستوى التعليم وتحسينه , والعنصر الأساسي الذي يتوقف عليه نجاح التربية في تحقيق أهدافها وبلوغ دورها المنشود في بناء المجتمع وتطويره

إن الاهتمام بالمعلم ورفع مستوى أدائه في عمله أمر بالغ الأهمية في بناء الأجيال والعقول والذوات وحفظها من الانحراف وبخاصة في هذا العصر الذي كثرت فيه التحديات  الفكرية والعقدية والتربوية .

هذه ورقة بحثية بعنوان:” دور تكوين المعلمين والمدرسين في محاربة التطرف”

قسمتها إلى مقدمة ومبحثين وخاتمة

أما المقدمة ففيها بيان اسباب اختيار الموضوع

المبحث الأول : تعريف تكوين المعلمين وأهميته وأنواعه.

المبحث الثاني :  تكوين المعلمين ودوره في محاربة التطرف

الخاتمة وفيها أهم النتائج والتوصيات

 

المبحث الأول : تعريف تكوين المعلمين وأهميته وأنواعه.

تعريف التكوين لغة : التكوين مفردة لغوية مشتقة من  فعل كوّن يكّون تكوينا , وتعنى صنع وشكّل وأنشأ , قال البستاني “:كوّن الشيء أي أوجده وأنشأه أو أوجده”[1]

تعريف التكوين في الاصطلاح : للتكوين في الاصطلاح عدة تعريفات  منها :

1ـ هو عملية مستمرة لجميع المربين على جميع المستويات , ومهمته أن يتيح الحصول على تقنيات المهنية ,  واكتساب أعلى مستوى من الكفاءة والثقافة والوعي الكامل بالرسالة التي يقوم بها .

2ـ هو كل برنامج منظم ومخطط يمكّن المربين من النمو في المهنة التعليمية بالحصول على مزيد من الخبرات , وكل ما من شأنه أن يرفع من العملية التربوية , ويزيد من طاقة المعلم الإنتاجية.

3ـ هو برنامج مخطط ومصمم لزيادة الكفاءة الإنتاجية , عن طريق علاج أوجه القصور , أو تزويد العاملين في مهنة التعليم بكل جديد من المعلومات ولمهارات والاتجاهات , بزيادة كفاءتهم الفنية وصقل خبراتهم [2]

وخلاصة هذه التعريفات أن التكوين عملية ذات غايات وأهداف محددة ,الغرض منه اكتساب المعلم معارف ومهارات للقيام بعمله , أو تحسين كفاءته.

علاقة التكوين ببعض المصطلحات القريبة منه:

يستخدم علماء التربية في مجال تكوين المعلمين  مصطلحات متعددة , وهي : الإعداد والتدريب والتأهيل وهي مصطلحات متقاربة في المعنى مع فروق بسيطة :

1ــ الإعداد : هو تكوين المعلم كي يزاول مهنة التعليمّ , ويتولاه مؤسسات تربوية متخصصة مثل معاهد إعداد المعلمين وكليات التربية , وبهذا المعنى يُعد المعلم ثقافيا وعلميا وتربويا قبل ممارسة عملية التعليم .

2ـ التدريب : يطلق على العمليات الإنمائية التي يتلقاها المعلم أثناء الخدمة , لضمان مسايرة التطور الذي يطرأ على المنهج وطرق التدريس وأساليب تعليمية جديدة نتيجة للتطور الثقافي والتقني.

إذا التدريب هو عملية تنمية مستمرة لمهارات المعلم التعليمية والثقافية والإدارية [3]

3ـ التأهيل :يقتصر على إعداد المعلمين المنتمين إلى مؤسسات التكوين , بعد أن كان هؤلاء المعلمين قد تزودوا بالإعداد الثقافي والعلمي , وبهذا يكون التأهيل جزء من التكوين أثناء الخدمة , والهدف منه تطوير كفاءة المعلم  في المادة الدراسية وطرق التدريس ومهارة إدارة الفصل .

و نرى من خلال هذه التعريفات أن الإعداد والتدريب والتأهيل عملية واحدة ومتكاملة وهي عملية التكوين طابعها الاستمرار والديمومة , وهدفها تكوين المعلم بكفاءة تمكنه من ممارسة المهنة بنجاح , وبما يتلاءم مع التغيير المستمر الذي يطرأ على المناهج التعليمية وأساليب التدريس.

أهمية تكوين المعلمين والمدرسين:

تعد عملية تكوين المعلم أو المدرس من القضايا المهمة التي تشغل بال الباحثين والمهتمين بالقضايا العلمية التربوية , فالمعلم الذي يتم تكوينه ويحسّن تدريبه هو صمام الأمان للعملية التعليمية والمجتمع وأجيال المستقبل , وهو المؤهل للتصدي للتيارات المنحرفة التي تحاول اختلاس الشباب الى مراتع التطرف والغلو.

ويؤدي تكوين المعلم إلى رفع مستوى ثقافته  وتحسين معارفه التربوية , وتطوير كفاءته المهنية ويكون عنصرا فعّالا ومهما في عمله ومجتمعه .

وتظهر أهمية تكوين المعلم في المدرسة والمجتمع , في كونه يساهم في تطوير العملية التعليمية والتربية في المدرسة , وفي تخريج جيل واعى محصن من الأفكار المنحرفة , ويساهم كذلك في بث الوعي الصحيح في مجتمعه وتطويره.

إن تكوين المعلم أو المدرس ورفع مستوى أدائه , وتوفير السبل التي تكفل نجاحه في عمله أمر بالغ الأهمية لجميع المسؤولين في المنظومة التربوية من مشرفين وإداريين وأولياء أمور التلاميذ  , لأن المعلم هو الركيزة لكل مجتمع متطور ومتحضر, والركيزة الأساسية في النهوض بمستوى التعليم وتحسينه , وهو العنصر الفعال الذي  يتوفق عليه نجاح التربية في بلوغ غاياتها وتحقيق دورها في بناء المجتمع وتطوره , وتنظيفه من الأفكار المنحرفة , مع المساهمة في التقدم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي , ويكون مواكبا لتطورات العصر ومستجداته , ويستفيد من كل جديد سواء كان ذلك عن طريق النمو الذاتي , أو عن طريق التكوين .[4]

أهداف تكوين المعلمين والمدرسين :

لتكوين المعلمين أهداف عدة يسعى لتحقيقها على أرض الواقع منها ما يأتي:

1ـ رفع مستوى أداء المعلمين وتطوير مهاراتهم التعليمية , ومعارفهم وزيادة قدرتهم على الابداع والتجديد.

2ـ تغيير اتجاهات المعلمين وسلوكهم إلى الأفضل , وتعريفهم بدورهم ومسؤوليتهم في العملية التربوية .

3ـ الإلمام بالطرائق التربوية الحديثة , وتعزيز خبراتهم في مجال التخصص, وتبصيرهم بالمشكلات التعليمية ووسائل حلها.

4ـ مساعدة المعلمين حديثي العهد بالمهنة على الاطلاع على النظم والقوانين التي تجعلهم يواجهون المواقف الجديدة في ميدان العمل.

6ـ تحسين نوعية التعليم بحث يؤثر في سلوك التلاميذ ونموهم الفكري والمعرفي والحركي والنفسي.[5]

 

أنواع تكوين المعلمين  :

هناك أربعة أنواع من التكوين:

1ـ التكوين للنمو المهني :

يهدف هذا النوع من التكوين إلى تنمية المعلم مهنيا , نتيجة للتغيرات التي تطرأ على المناهج يشكل سريع , وأساليب التعليم والوسائل التعليمية , والتقنيات والمعارف , ويتم عن طريق المحاضرات والملتقيات والندوات والورشات والمراقبات والمتابعات الميدانية وغيرها.

2ـ التكوين التأهيلي :

وهو تكوين المعلمين الذين لا يحملون مؤهلات تربوية لرفع كفايتهم إلى المستوى الذي يمكنهم من ممارسة التدريس بنجاح.

ويتم هذا التكوين في معاهد المعلمين ومراكز التكوين والجامعات , وتختلف مدتها من مؤسسة إلى مؤسسة,  وفي معاهد المعلمين تكون مدة التكوين سنتين حيث يتلقى خلالها الطالب تكوينا معرفيا ومهنيا , ويركز على الجانب المعرفي في السنة الأولى من التكوين

بينما يُعنى بالجانب المهني والتطبيقي خلال السنة الثانية مدعمة بتدريب ميداني[6]

3ـ التكوين لتغير السلوك والاتجاهات والقيم :

إن الهدف من التكوين بجميع أنواعه يهدف إلى تغير السلوك في نواحيه المختلفة , لكن هذا النوع من التكوين يستخدم الأسلوب المباشر لتغير السلوك من ناحية  معينة , مثل : تحسين العلاقات الإنسانية المختلفة عن طريق تفهم أعمق للنفس والآخرين , وتنمية القدرة على الابتكار والابداع.[7]

وهذا النوع من التكوين من الأنواع المهمة وبخاصة  في هذا العصر الذي انتشر فيه الكراهية والعنصرية والتعصب للأفكار , وعدم تقبل الآخر وانعدام التعايش السلمي بين الشعوب .

4ـ التكوين لأعمال جديدة : هذا يتم عند نقل المعلم من موقع إلى موقع جديد , فيدرب على المهارات التي يقتضيها العمل الجديد  .

وزاد بعض علماء التربية  نوع خامس من أنواع تكوبن المعلمين وهو:

التكوين الذاتي :

يعتبر هذا التكوين صيغة جديدة تساهم بقسط كبير في التكوين المستمر, وهو التعليم الذاتي أو الدراسة المستقلة , أو التعليم بمساعدة الحاسوب , أو الثقافة الذاتية عن طريق المطالعة أو الاحتكاك بالغير [8]

إن التكوين عملية يُسعى من خلاله تحقيق الهدف العلمي المنشود للمعلم , من ثقافته ومعارفه التربوية , كذلك يسعى التكوين إلى تحسين وتطوير المعايير التي من شأنها أن تساعد المعلم في عملية التعليم , فالغاية الأساسية منه هو نمو المعلم والتلاميذ والمدرسة الحديثة , ليكونوا في قلعة حصينة  تحفظهم  وتحميهم من جيوش الأفكار المنحرفة والمتطرفة .

المبحث الثاني :  تكوين المعلمين ودوره في محاربة التطرف

يشكل التطرف العنيف أهم التحديات هذا العصر , وبخاصة في محيط الشباب والتلاميذ  لمواجهة هذه التحديات يحتاج الشباب إلى تطوير معارفهم ومهاراتهم , لتساعدهم على الصمود أمامها واجتياز المرحلة بأمان , وهذا لا يحقق إلا بتكوين المعلمين تكوينا يمكنهم من تربية الشباب تربية تصونهم من الأفكار المتطرفة والهدامة , مع العناية بتصميم المناهج الدراسية بشكل تخدم عملية تكوين المعلمين لمواجهة التطرف العنيف.

ونركز هنا على نقطتين:

1ـ  المعلم وجوانب تكوينه

2ـ دور تكوين المعلمين في محاربة التطرف

أولا : المعلم وجوانب تكوينه : إن المعلم هو الشخص الذي وظفه المجتمع لتحقيق أغراض تربوية , فهو من جهة الأمين على تراث ثقافي , ومن جهة أخرى العامل الأكبر على تحديد التراث وتعزيزه , ويساهم في تحقيق أهداف المجتمع  والمحافظة  على أمنه الفكري , ومحاربة التطرف العنيف , وبقدر الاهتمام والتطور الذي يلحق بمستوى المعلم بقدر ما يؤدي إلى نمو الوعي الصحيح لدى التلاميذ وتطورهم  فكريا[9] .

وسنتطرق في هذه النقطة إلى الجوانب التكوينية التي يرُكز عليها في عملية تكوين المعلمين . يرى علماء التربية  أن يتم التركيز على جونب عدة عند تكوين المعلمين وهي : الجانب الأكاديمي والثقافي والتربوي والشخصي .

1ـ الجانب الأكاديمي: ويشمل هذا الجانب المواد الأساسية العلمية التخصصية والمواد المساعدة لها , التي ينبغي للمعلم أن يدرسها , لأن الهدف العام من الإعداد الأكاديمي أن يفهم المعلم أساسيات ومفاهيم المادة الدراسية , التي يختص بتدريسها مستقبلا مما سيجعله متمكنا من مادة تخصصه ,كما يتدرب على إتقان مهارات التدريس والتعرف على أساليب ومصادر المعرفة المرتبطة بمادة تخصصه ومستجدات العصر من العلوم والأفكار , بحيث يدرك القوانين والنظريات , بدلا على التركيز على الحقائق المنفصلة , إذ أن هذه الحقائق سرعان ما تنسى.

2ـ الجانب الثقافي : يتيح للمعلم التعرف على علوم أخرى غير تخصصه , وتكسبه احترام التلاميذ وثقتهم به , والقدرة على مواجهة المواقف العلمية المختلفة , ويتمكن من الفهم والتفسير للظواهر الطبيعية والاجتماعية والفكرية .

وقال بعض علماء  التربية في أهمية التكوين الثقافي للمعلم إن :”المعلم اليوم ليس فقط لنقل المعرفة من الكتب الدراسية المقررة إلى أذهان المتعلمين , وإنما أصبح المعلم مسؤولا عن العديد من الأدوار التي يجب أن يقوم بها في سبيل إتاحة خدمات تعليمة ثرية لهؤلاء المتعلمين , في أي مستوى الدراسي , ومن أكثر الأدوار وضوحا وتميزا دوره كمصدر رئيسي للثقافة العامة والعلمية”[10] .

وتنقسم ثقافة المعلم إلى قسمين :

أ ـ ثقاف عامة : وتتمثل في معرفة وإدراك وفهم جوانب علمية واجتماعية وأدبية وتربوية ومشكلات محلية وعالمية.

ب  ـ ثقافة خاصة : تتعلق بمادته أو مواده وما يتعلق بدراسات ونظريات جديدة حولها

3ـ الجانب التربوي: يهتم بإعداد المعلم من الناحية التربوية والنفسية , ويتعلق بالتدريس كمهنة من حيث أصوله النظرية والعلمية وتطبيقاته , وتزويد المعلم بالنظريات والأفكار

اللازمة لأداء مهمته على وجه لائق.

4ـ الجانب الشخصي : ويختص هذا الجانب بتهيئة المعلم لاكتساب السلوك السوي والمتميز  والقيم المرغوبة فيها من خلال القدوة الحسنة , ومن خلال التدريس والأنشطة المدرسية المتنوعة والتحلي بالآداب واحترام الآخرين[11]

ملاحظات حول واقع تكوين المعلمين :

لو نظرنا إلى واقع التكوين في بلدان العالم الثالث وبخاصة بلدان إفريقية نجد أن تكوين المعلمين أو المدرسين تعاني من معوقات عدة نجملها في الآتي :

1ـ عدم إعداد أساتذة مكونين للقيام بمهمة التكوين [12].

2ـ نقص المخابر والوسائل التعليمة .

3ـ غلبة الجانب النظري على التطبيقي .

4ـ عدم الانتقاء الجيد للمكونين .

5ـ غلبة الرتابة وتكرار المواضيع في ندوات ودورات التكوين , مما يجعل المعلم يعزف عن الاقبال عليها  ويشعر بالملل.

6ـ غياب التكوين الذاتي مثل القراءة الذاتية , أو القيام ببحوث تربوية ميدانية , للوقوف على الواقع التعليمي أو مشاكله.

7ـ تعيين بعض الكوادر بدون أن يحصلوا على أي تكوين تربوي أو علمي [13]

يمكن أن نستخلص في الأخير أنه لا يختلف شخصان بأن مهمة التعليم من أصعب وأشق المهن , لأنها مهنة بناء الإنسان , وبين بناء الإنسان وغيره فرق واسع , لذلك فإن جميع الدول المتقدمة تضع المعلم غي أرقى مكان وتولي له الاهتمام الذي يستحقه , فبيده تنهض الأمم , وبيده أيضا تسقط , لذلك فمن واجب الدول أن تولي المعلم الاهتمام الذي يستحقه من حيث الانتقاء والتكوين المستمر ليؤدي رسالته على الوجه اللائق , وبخاصة في هذا الزمن الذي كثر فيه الأفكار المنحرفة والهدامة التي تجتال الشباب وترمي بهم في أحضان التطرف والغلو.

ومن جانب آخر يجب على المعلم أن يحب مهنته ويخلص لها , وأن يحرص على تحسين مستواه باستمرار بالتكوين الذاتي ومداومة القراءة والاطلاع على كل جديد في ميدان التربية وعلم النفس , مع اهتمام بفقه الواقع المحلي والعالمي.

ثانيا : دور تكوين المعلمين في محاربة التطرف

من الضروري انتقاء المعلمين الذين سيقومون بالتدريس بكل دقة وحذر , بحيث يتصفون بالفطنة والذكاء والقدرة على إيصال المعلومة الصحيحة للتلاميذ  بالإضافة إلى المقدرة الشخصية التي تمكنهم من استيعاب المتغيرات الحضارية التي يعيشونها وعكسها في المناهج الدراسية بشكل مشوق ، ويحثون التلاميذ على المناقشة والإبداع والتفكير بصورة علمية من خلال استشعار الواقع والتأمل فيه وطرح الأفكار ومناقشتها بحرية وموضوعية , وهذا لا يتحقق إلا بتكوين المعلمين تكوينا جيداً قبل الخدمة وأثنائها  مما يمكنهم للقيام بالعملية التربية مثمرة , ويمثلون القدوة الحسنة لدى تلاميذهم  , فيقتدون بهم في سلوكهم ويلتزمون بتوجيهاتهم ، فالمعلم هو العمود الفقري للعملية التربوية .

تعد المناهج الدراسية  هي عماد العملية التعليمية , لأنها الوعاء الذي تقدم من خلاله المعلومة للتلميذ لكي يستوعبها ويستقي منها ما يمكن أن يساعده في مسيرته التعليمية .

ولكي تصبح المناهج الدراسية قادرة على مسايرة العصر وقادرة على حماية التلاميذ من بواعث الانحراف فإن هناك ضوابط معينة لا بد من توافرها في المناهج الدراسية لتصبح قادرة على مواكبة التطورات السريعة في مجالات الحياة المختلفة , وذلك بوضع خطة استراتيجية للمنهج الدراسي بحيث تستلهم استراتيجية المنهج أهدافها من السياسة التربوية للدولة.
ويقصد بذلك أن تكون الأهداف التربوية منبثقة من حاجات المجتمع المتغيرة ، ومواصفات التلميذ في الوقت الحاضر هي نتاج للعملية التعليمية ومخرج لها , لذا يجب أن يوافق احتياجات المجتمع المتغيرة ، وهذا يعني أن تحديد المهددات الفكرية والاجتماعية في الوقت الحاضر يجب أن تأتي ضمن أولويات المنهج الدراسي، بحيث يخرج التلميذ من العملية التعليمية ولديه القدرة على التمحيص والنقد والمفاضلة بين القضايا بشكل يحفظه من الانحراف والتطرف والغلو.

واقترح بعض علماء التربية  لمناهج المدرسية المعاصرة خصائص يجب مراعاتها عند تصميم المناهج , وعند تكوين المعلمين الذين سيقومون بتطبيقها عند ممارسة العملية التعليمية في المدارس , وهي :

1ـ أن تكون المناهج التعليمية قابلة للتعديل حسب مقتضيات العصر , وأن لا تكون قوالب جامدة لا يمكن تغييرها أو المساس بها، فالمناهج الدراسية يجب أن تساير الواقع الاجتماعي وتقدم حلول عملية لمشكلاته.

2ـ أن تهدف المواد الدراسية في مجملها إلى تعميق مفهوم حب الوطن لدى  التلاميذ خاصة وجميع أفراد المجتمع عامة ,  حيث أصبحت التنشئة الوطنية إحدى الضرورات الأساسية في هذا العصر الذي نعيشه لإيجاد إحساس عام بالالتزام والولاء للدولة والمجتمع.

3ـ أن تبرز أدب الخلاف والحوار وحرية الرأي واحترام الرأي الآخر وضرورة مواجهة الفكرة بالفكرة وليس الفكرة بالمعاندة.

4ـ  أن تعيش المناهج الواقع الحالي للأمة بكل تعقيداته وترسم الحلول المستقبلية له كبديل عن حل التطرف العنيف .

5ـ تعزيز المناهج المدرسية بمفاهيم التعامل مع أهل الديانات الأخرى ،  وتبيين المفهوم الصحيح للجهاد وأنواعه  , وقضايا العلاقات العامة مع التجديد في الطرح ، وحسن العرض. [14]

ولا يمكن القضاء على التطرّف بإصلاح وتطوير المناهج فقط ، بل لابد من تكوين المعلم  الذي له دور كبير، في انزال محتوى المناهج على الأرض الواقع حيث هو الأقرب صِلة بالتلميذ.

أمــَّا عن دور المعلم، في الوقاية من التطرف الذي قد يتسلل إلى التلاميذ ، فيتمثل في مدى قُدرته على تأسيس فكر سليم من خلال المناهج وطرق التدريس ، تستطيع عقول التلاميذ ، في المراحل العُمرية التالية البناء عليه ، بما يُحقق طموحات الأفراد، ويخدم المجتمع، ويُحافظ على أمن واستقرار البلاد.

ويُمكن للمعلم تحقيق أهداف محتوى المناهج من خلال:

1ـ  تربية التلاميذ على أهمية الحوار كوسيلة للتعبير عن الرأي وأسلوب للحياة، وتأطيره لتحقيق التعايش من خلال منهجية شاملة تلتزم بالأصول، والضوابط الشرعية، وترسيخ ممارسة حرية التعبير وفق الضوابط الشرعية المعتبرة بما لا يتعارض مع حريات الآخرين، و فتح باب الحوار مع التلاميذ في المدارس لتأصيل هذا المبدأ واستقبال ما عند هم من استفسارات.

تناول المفاهيم الأخلاقية الشرعية مثل  : تحريم الغدر والخيانة، المساواة بين الناس في الحقوق والواجبات، الوفاء بالعهود وصيانة حقوق الآخرين، نبذ الكراهية، والرفق واللين ، والمساواة،  وحسن الجوار، والتسامح والتآلف، العفو والمودة[15].

التقويم السلوكي المُستمر، الذي هو جُزء لا يتجزأ من عملية التعليم والتعلُّم، ويُشكِّل الثنائي الأهم في أهداف السياسة التعليمية، مع الهدف الأكاديمي، حيث إن الجانب السلوكي، والجانب الأكاديمي، مفهومان مُتلازمان، سواء على مُستوى مناهج المدرسة ومُقرراتها، أو على مستوى طُرق التدريس، وفهم استعدادات التلاميذ  وقدراتهم وإمكانياتهم، وتوظيفها لخِدمة العملية التعليمية، من خلال الأنشطة الصفية واللاصفية ، أو على مستوى سياسة التقييم ، التي تُعطي الجانب السلوكي حقُّه، كما تعطي الجانب الأكاديمي قيمته.

تعزيز الجانب السلوكي الإيجابي للتلاميذ ، بتنمية احترام الآخرين، وتعظيم مبادئ وقيم الدين الإسلامي، ومنها مبدأ التشاور، الذي يجعل الباب مفتوحــًا لحرية إبداء الرأي ، ويُعزِز الحوار البنـَّاء، ويسعى إلى مُعالجة مواطن الخلل، بعد وضع اليد عليها، وتفحُّصها على نحو دقيق.

5ـ  على المعلم اتباع طُرق التدريس الحديثة، التي أثبتت فاعليتها في الوصول إلى التلميذ على نحو جيد، والابتعاد عن الطُرق التقليدية، التي تُعظِّم الحفظ على حساب الفهم، فشعور التلميذ بأنه مُجرد وعاء لحِفظ المعلومات، التي يسترجعها في ورقة الامتحان، يجعله أكثر سهولة للانقياد إلى الأفكار، وأكثر صرامة في تطبيقها، دون إعمال العقل، ومن ثم يُصبح صيدًا سهلاً للمنحرفين فكريــًا.

على المعلم أن يُمارس دوره باعتباره قُدوة ومثل أعلى، ومن ثم لا مناص أن يظهر أمامهم دائمـًا بمظهر لائق، فهو بديل الأب خارج نطاق الحياة الأسرية، ويقوم بدور مُهِم ومؤثر في حياة النشء , والمعلم الماهر، هو من يعمل على دفع تلاميذه نحو التطبيع الاجتماعي، عن طريق تشجيع ودعم الاستجابات المرغوبة، وإضعاف وإطفاء الاستجابات السلبية، مثل الأنانية والعدوانية والخشونة.

الاطلاع المُستمر على المُستجدات، وإدراك أبعاد الإشكاليات الاجتماعية المُعاصر، دوليــًا وإقليميــًا، فقد أصبح العالم قرية صغيرة، يؤثر ويتأثر سُكانها بعضهم ببعض، ومن ثم يجب على المعلم أن يستوعب المُتغيِّرات الحياتية، ويعكسها في مرآة المناهج الدراسية، بشكل مُشوِّق، يُحقق الغاية المرجوة.

الاستماع جيدًا إلى التلاميذ، الذين قد يطرحون أفكارًا مُتشدِدة، أو تتسم بحلول عنيفة، لمعرفة مصدرها، ومن ثم اتخاذ الحلول الوقائية ضدها، حيث إنه من الضروري  مُعالجة صور التطرف والانحراف الأخلاقي المُستفِز، بتوازن وموضوعية، حتى لا يكون ثمة حِجة لغرس بذور الغلو والتطرف, وتناول إشكاليات الواقع، وقضايا العصر، بوسطية واعتدال، وعدم غض الطرف عنها، فالاعتراف بوجود الإشكالية، وتشخيصها الجيِّد، هو خير وسيلة للوقاية من تداعياتها. [16]

ولا تتحقق هذه الأهداف إلا بتكوين المعلم تكوينا جيدا من خلال المحاضرات وعقد الندوات , وإقامة اللقاءات والحوارات , ومناقشات لقضايا الفكرية , وإذا لم يجد التلاميذ المعلم المكون المثقف الذي يدلهم على الفهم الصحيح للدين والأفكار المتطرف , فسوف يذهبون إلى هنا أو هناك بالأفكار والتصرفات لا تحمد عقباها.

 

الخاتمة : 

توصلنا من خلال البحث إلى النتائج الآتية:

1ـ أن الاهتمام بالمعلم ورفع مستوى أدائه في عمله أمر بالغ الأهمية في بناء الأجيال والعقول والذوات وحفظها من الانحراف وبخاصة في هذا العصر الذي كثرت فيه التحديات  الفكرية والعقدية والتربوية .

2ـ أن تكوين المعلمين والمدرسين يساهم في حفظ التلاميذ من الانحراف الفكري والتطرف

3ـ يعاني الواقع التكويني للمعلمين من التقصير في توفير الوسائل التعليمية المناسب للتكوين الجيد والملائم.

4ـ يحب الاهتمام بالمعلمين ماديا ومعنويا ليؤدوا دورهم المنوطة بهم في المجتمع .

5ـ تحديث المناهج الدراسية بمستجدات العصر مع تكريس قيم التسامح واحترام الآخر ونبذ العنف مما يساهم في التعايش السلمي بين الشعوب.

6ـ تركيز المناهج الدراسية على تدريب التلاميذ على تطبيق منهج النقد المجتمعي الذي يعتمد على الدقة والموضوعية , وتنمية مفاهيم ومهارات النقد المعرفي والعلمي .

فعال وباحث عن المعرفة، وناقد لها، بل ومقوم لنتاج جهده وتحصيله.

التوصيات: وعلى ضوء  هذه النتائج نوصي بالآتي :

1ـ  العمل على فتح مجالات لتبادل الخبرات بين المعلمين سواء على مستوى إقليمي أو دولي.

2ـ وضع برامج تكوينية تتماشى مع الواقع .

3ـ توفير الوسائل التعليمية والمادية لمعاهد تكوين المعلمين

 

 

فهرس المصادر والمراجع :

أولا: المطبوعات

1ـ بطرس البستاني , محيط المحيط , طبعة 1986 م بيروت  لبنان.

2ـ تركي رابح , أصول التربية  والتعليم  ط 1990 م ديوان المطبوعات الجامعية  الجزائر.

3ـ راشد علي  , اختيار المعلم  وإعداده دليل التربية العملية , ط 1996 م دار الفكر العربي القاهرة .

4ـ رانيا عدنان ,علم النفس المدرسي , ط1 دار البداية , عمان 2006م

5ـ صلاح السيد عبده رمضان , تطوير برنامج تكوين المعلم  بكليات التربية , القاهرة , ط1 2005م

6ـ عبد الرحمن صالح الأزرق , علم النفس التربوي للمعلمين , دار الفكر العربي , ط1 2007م بيروت , لبنان.

7ـ عبد السلام  مصطفى عبد السلام , أساسيات التدريس والتطوير المهني للمعلم , ط2 دار الجامعة الجديدة 2006م .

8ـ غياث بو فلجة , الأسس النفسية للتكوين , دار الغرب والنشر والتوزيع , ط2 بدون تاريخ ومكان الطباعة.

9ـ محمد أحمد كريم , مهنة التعليم  وأدوار المعلم فيها , شركة الجمهورية  الحديثة  للطباعة , الاسكندرية 2002م

ثانيا : مجلات وتقارير

1ـ مجلة العلوم الانسانية والاجتماعية , جامعة ورقلة , الجزائر  العدد الثاني  يونيو2011م

2ـ مجلة المعرفة , تصدر من وزارة التربية , السعودية عدد يوليو2015م.

3ـ تقرير منهج اعداد المعلمين  في جامعة نيامي 2015م ومناهج معاهد اعداد المعلمين في النيجر

[1]ـ بطرس البستاني , محيط المحيط , طبعة 1986 م ص 662

[2] ـ انظر : بو سعدة قاسم , تكوين المعلمين واشكالياته , مجلة العلوم الانسانية والاجتماعية , جامعة ورقلة , الجزائر  العدد الثاني  يونيو2011م وغياث بو فلجة , الأسس النفسية للتكوين , دار الغرب والنشر والتوزيع , ط2 ص: 3

[3] ـ انظر , صلاح السيد عبده رمضان , تطوير برنامج تكوين المعلم  بكليات التربية , القاهرة , ط1 2005م ص:20 ـ 21

[4] ـ انظر : بو سعدة قاسم , المصدر السابق , ص:  295

[5] ـ انظر : رانيا عدنان , علم النفس المدرسي , ط1 دار البداية , عمان 2006م ص 44, 45

[6] ـ انظر , بو سعدة قاسم , المصدر السابق , ص :299 ومنهج اعداد المعلمين  في جامعة نيامي 2015م ومناهج معاهد اعداد المعلمين في النيجر

[7] ـ محمد أحمد كريم , مهنة التعليم  وأدوار المعلم فيها , شركة الجمهورية  الحديثة  للطباعة , الاسكندرية 2002م

ص: 441

[8] ـ بو سعدة قاسم , المصدر السابق , ص : 300

[9] ـ عبد السلام  مصطفى عبد السلام , أساسيات التدريس والتطوير المهني للمعلم , ط2 دار الجامعة الجديدة 2006م ص 395 بتصرف

[10] ـ  راشد علي  , اختيار المعلم  وإعداده دليل التربية العملية , ط 1996 م دار الفكر العربي القاهرة , ص :81

[11] ـ انظر : عبد الرحمن صالح الأزرق , علم النفس التربوي للمعلمين , دار الفكر العربي , ط1 2007م بيروت , لبنان  ص :232, ورانيا عدنان , المصدر السابق , ص : 25

[12]ـ مثل : ما نجده في معاهد إعداد المعلمين في النيجر, مع قلة دورات تكوين المعلمين أثناء الخدمة وبخاصة بعد توقف برنامج البنك الإسلامي للتنمية  لدعم التعليم  العربي  الفرنسي في النيجر

[13] ـ  انظر , تركي رابح , أصول التربية  والتعليم  ط 1990 م ديوان المطبوعات الجامعية  الجزائر , ص : 474

[14] ــ حسني عبد الحافظ , الوقاية من التطرف عبر المناهج الدراسية  , مجلة المعرفة , تصدر من وزارة التربية , السعودية عدد يوليو2015م بتصرف

[15]ـ  المصدر السابق ,  بتصرف

[16] ـ انظر : المصدر السابق , بتصرف

 

لتحميل البحث اضعط على الرابط ?

بحث ورشة نيامي

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *