* اتحاد علماء إفريقيا  *

* لجنة الإفتاء والإرشاد *

الموضوع: فتوى حول تهنئة غير المسلمين بأعيادهم 

الحمد لله وحده، والصّلاة والسّلام على من لا نبيّ بعده، محمّد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فقد وردت إلى لجنة الإفتاء والإرشاد في اتّحاد علماء إفريقيا رسالة من الأمانة العامّة تطلب فيها إصدار فتوى مؤصّلة حول تهنئة غير المسلمين بأعيادهم.

الجواب:

أولا: إنّ لكلّ قوم عيدًا، والعيد قضية دينية عقدية وليست عادات دنيوية كما دل عليه حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا عند البخاري ومسلم: ” لكل قوم عيد وهذا عيدنا “

فالأعياد التي تخصّ غير المسلمين من اليهود والنّصارى والمشركين تدل على اعتقادات شركية كفرية فاسدة، لا تجوز للمسلم مشاركتهم فيها ألبتّة، لا بحضور، ولا بإعانة، ولا بتهنئة.

وذلك لأدلة منها:

1- قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّور} [الفرقان: 72]، وقد فسّره غير واحد من السّلف بأعياد المشركين.

2-  حَدِيث ثَابت بن الضَّحَّاك رضي الله عنه قَالَ: نذر رجل عَلَى عهد النَّبِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم- أَن ينْحَر إبِلا ببوانة، فقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ: ” هَل كَانَ فِيهَا وثن من أوثان الْجَاهِلِيَّة يعبد؟” قَالُوا: لَا، قَالَ: ” فَهَل كَانَ فِيهَا عيد من أعيادهم؟ ” قَالُوا: لَا. فقَالَ رَسُول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم:” أوف بِنَذْرِك … ” [ أخرجه أبو دَاوُدَ وغيره بسند صحيح على شرط الشيخين]

3- أن المشاركة في أعيادهم نوع من مودتهم و محبتهم وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين} [المائدة:51]  وقال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ … } الآية [الممتحنة: 1] .

4- ولأنّ المشاركة فيها مشابهة لهم، وقد حذرنا النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم – عنها في نصوص عدّة، منها قوله:” من تشبه بقوم فهو منهم.” [أخرجه أبو دَاوُدَ وصححه الألباني]

ثانيا: أن الله أبدلنا في ديننا ما هو خير ممّا عند الآخرين، كما ورد في حديث أنس رضي الله عنه أنّ الأنصار كان لهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية، فلمّا قدم رسول الله -صلى الله عليه وآله و سلم – قال: “قد أبدلكم الله يومين خيرا منهما: الفطر والأضحى.” [ أخرجه أبو دَاوُدَ والنسائي وأحمد بإسناد صحيح ] فالواجب الاكتفاء بهما.

ثالثا: أن أعياد غير المسلمين، منها ما يشتمل على الشّرك والكفر الواضح كعيد الكريسماس الواقع ليلة 25 من شهر ديسمبر، وهذا العيد مستحدث في دينهم، شامل لطقوس يقدمونها لمن يعتقدون أنه إله أو ابن إله.

رابعا: أن المسلمين متفقون على أن ميلاد الأنبياء وبعثتهم، من النِّعم العظيمة على البشريَّة، لما في ذلك من الهدى الذي أخرج الله به من شاء من الظلمات إلى النور، وهذا يستوجب شكره تعالى على ذلك في كل وقت وحين، ولا يتقيد ذلك بتحديد يوم المولد من كل عام؛  فإن الله لم يشرع لعباده أن يتخذوا عيدا يخص بعبادات وعادات من بين سائر الأيام، غير عيد الفطر وعيد الأضحى، فاحتفال المسلمين بمولد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بدعة في الدين مردودة ، فكيف ببدعة أحدثت في غير ديننا.؟

خامسا: وأمّا تهنئتهم بأعيادهم فحرام ؛ لأنها تستلزم الفرح بها، واتخاذها مناسبة سعيدة  فيهنئ بعضهم بعضاً، ويظهرون من مظاهر الفرح ما جرت به العادة في الأعياد، وهذا أقبح ما يكون من المسلم ، فعلى أي شيء يفرح المسلم فيهنئهم ؟ أ على قولهم: {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ } [ المائدة: 73]  أم على قولهم : {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ } [المائدة: 17] ؟!

يقول ابن القيّم رحمه الله: “وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصّة به فحرام بالاتّفاق مثل أن يهنّئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرّمات، وهو بمنزلة أن يهنّئه بسجوده للصّليب بل ذلك أعظم إثما عند الله، وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه..”

سادسا: تعلق بعضهم  في إباحته لتهنئة المشركين في أعيادهم  بمثل قوله تعالى عن يحيى عليه السلام: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴾[مريم: 15] ،  وعن عيسى عليه السلام: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 33] ، وقوله تعالى: ﴿ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات: 79] ، وقوله تعالى: ﴿ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾[الصافات: 109] ،وقوله تعالى:﴿ سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الصافات: 120] ، وقوله تعالى:﴿ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات: 181] .

وما جاء في كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى هرقل من قوله: “سلام على من اتبع الهدى”

فهذا تعلق ساقط ، واستدلال أوهى من بيت العنكبوت ، وما كنّا مصدقين أن فقيها يحترم نفسه استدل بهذه النصوص على جواز الاحتفال بأعياد النصارى وتهنئتهم لو لم نقف على فتوى مستندة إلى تلك النصوص وما شابهها صادرة من بعض الهيئات الإفتائية المحترمة ؛ فإن سلام الله على أنبياء إخبار منه تعالى بأن لهم الأمان والسلام من الشرك في الدنيا والعذاب في الآخرة.

أما قوله  صلى الله عليه وآله وسلم: { سلام على من اتبع الهدى}  فليس سلاما على هرقل، وإنما سلام على من اتبع الهدى، وهرقل لم يكن كذلك ، فلو أسلم هرقل كان من أهل هذه التحية، هذا مع البون الشاسع بين التحية بتحية الإسلام، وبين التهنئة  للمشركين في أعيادهم.

ونختم هذه الفتوى بفتوى لأحد علماء المالكية  في حكم الاحتفال بعيد الكفار :

قال أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي رحمه الله المتوفى بفاس سنة 914هـ :

[الاحتفال بفاتح السنة الميلادية]

” وسئل أبو الاصبغ عيسى بن محمد التميلي عن ليلة ينير(يناير) التي يسمونها الناس الميلاد ويجتهدون لها في الاستعداد، ويجعلونها كأحد الأعياد، ويتهادون بينهم صنوف الأطعمة وأنواع التحف والطرف المثوبة لوجه الصلة، ويترك الرجالُ والنساءُ أعمالهم صبيحتها تعظيماً لليوم، ويعدونه رأس السنة أترى ذلك أكرمك الله بدعة محرمة لا يحل لمسلم أن يفعل ذلك، ولا أن يجيب أحداً من أقاربه وأصهاره إلى شيء من ذلك الطعام الذي أعده لها؟ أم هو مكروه ليس بالحرام الصراح؟ أم مستقل؟ وقد جاءت أحاديث مأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتشبهين من أمته بالنصارى في نيروزهم ومهرجانهم وأنهم محشورون معهم يوم القيامة. وجاء عنه أيضاً أنه قال: “من تَشَبه بقوم فهو منهم” فبين لنا أكرمك الله ما صح عندك في ذلك ان شاء الله؟

فأجاب : قرأت كتابك هذا ووقفت على ما عنه سألت وكل ما ذكرته في كتابك فمحرم فعله عند أهل العلم. وقد رويت الأحاديث التي ذكرتها من التشديد في ذلك ورويت أيضاً أن يحيى بن يحيى الليثي قال: لا تجوز الهدايا في الميلاد من نصراني ولا من مسلم، ولا إجابة الدعوة فيه، ولا استعداد له، وينبغي أن يجعل كسائر الأيام، ورفع فيه حديثاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوماً لأصحابه :”إنكم مستنزلون بين ظهراني عجم فمن تشبه بهم في نيروزهم ومهرجانهم حُشر معهم” قال يحيى وسألت عن ذلك ابن كنانة، وأخبرته حالنا في بلدنا فأنكره وعابه .،. ، وكذلك سمعت مالكا يقول ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من تشبه بقوم حشر معهم”.

انتهى من (المعيار المعرب عن فتاوي أهل إفريقية والأندلس والمغرب) تأليف: الونشريسي/ طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية سنة 1401هـ -1981م (ج1/ ص: 180)

والله أعلم  وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

************

صدرت يوم الأحد 23 ربيع الثاني 1440هـ الموافق 30/12/2018م  ، ووقع عليها:

فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور  محمد أحمد لوح  (السنغال)   رئيسا

فضيلة الشيخ الدكتور عثمان دكوري  (غينيا كوناكري)           عضوا

فضيلة الشيخ الدكتور أبو بكر باه (السنغال)                          عضوا

فضيلة الشيخ الدكتور فوفانا (كوت ديفوار)                            عضوا

فضيلة الشيخ  محمد تراوي (مالي)                                      عضوا

فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرزاق   حسين (جيبوتي)            عضوا

*****************

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *