سؤال عاجل

 

ينتشر هذه الأيام مقطع لشخص يقول بأن الأطباء مجمعون على ضرورة شرب الماء بعد كل ساعتين على الأقل ،وكذلك بعض المشروبات الحارة كخطوة وقائية من هذا الفيروس ،
ثم بنى على ذلك جواز عدم الصوم خلال شهر رمضان ، فما الحكم الشرعي؟

 

الجواب :
الحمد لله
أولا:
من أبواب التفقه العظيمة ما يتعلق بفقه النوازل.
والنازلة عبارة عن : واقعة عظيمة مستجدة استدعت حكمًا شرعيًا عاجلا .
وهذه المسألة المسئول عنها نازلة من جهة عظمة ما يترتب عليها من آثار لو وقعت، وهو الإفتاء بجواز ترك ركن من أركان الإسلام مع القدرة عليه.

 

ثانيا:
الفتوى في النوازل ليس أمرًا يسيرا ، فهي في حاجة إلى نظر عميق وفهم دقيق للحكم الشرعي وللواقع .
قال ابن القيم رحمه الله في ( إعلام الموقعين) : «وَلا يَتَمَكَّنُ الْمُفْتِي وَلا الْحَاكِمُ من الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ بِالْحَقِّ إلا بِنَوْعَيْنِ من الْفَهْمِ:
أَحَدُهُمَا: فَهْمُ الْوَاقِعِ، وَالْفِقْهِ فيه، وَاسْتِنْبَاطُ عِلْمِ حَقِيقَةِ ما وَقَعَ بِالْقَرَائِنِ وَالأَمَارَاتِ وَالْعَلامَاتِ؛ حتى يُحِيطَ بِهِ عِلْمًا.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: فَهْمُ الْوَاجِبِ في الْوَاقِعِ، وهو فَهْمُ حُكْمِ اللَّهِ الذي حَكَمَ بِهِ في كِتَابِهِ، أو على لِسَانِ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الْوَاقِعِ، ثُمَّ يُطَبِّقُ أَحَدُهُمَا على الآخَرِ.
فَمَنْ بَذَلَ جَهْدَهُ، وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ في ذلك لم يَعْدَمْ أَجْرَيْنِ أو أَجْرًا.
فَالْعَالِمُ من يَتَوَصَّلُ بِمَعْرِفَةِ الْوَاقِعِ وَالتَّفَقُّهِ فيه إلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ»

 

ثالثا:
الناظر في نازلة من النوازل عليه أن يسلك منهجًا دقيقًا مرسومًا يسير عليه، وأي مخالفة لهذا المنهج يؤدي إلى كارثة بحجم الآثار المترتبة على حكمه في النازلة، وذلك المنهج مرسوم على ثلاثة مدارك :
التصور، ثم التكييف، ثم التطبيق.
فمن حكم في مسألة لم يتصورها أخطأ ولابد؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره . فالإقدام على الحكم في النوازل دون تصورها يعد قاصمة من القواصم التي ابتليت بها أمة الإسلام، لاسيما في هذا العصر .
أما التكييف فيعني تصنيف المسألة تحت ما يناسبها من النظر الفقهي، وردها إلى أصل من الأصول الشرعية.
وهو يحتاج إلى نظر دقيق في تشخيص المسألة والإحاطة بمآلاتها وحجم آثارها سلبيةً كانت أم إيجابية.
وتكييف النازلة إنما يحصل بواحد من ثلاثة مسالك على الترتيب الآتي:
1 ـ النص والإجماع.
2 ـ التخريج على نازلة متقدمة.
3 ـ التخريج على قاعدة فقهية أو أصل شرعي أو فتوى إمام متقدم.

 

رابعا:
الإفتاء بعدم صيام رمضان من أجل مرض متوقع يعد خطأ جسيما من عدة أوجه:
الوجه الأول: يرجع إلى عدم تصور المسألة؛ لأن الأطباء الذين تكلموا عن هذا الوباء نفوا وجود علاقة ممانعة بينه وبين الصيام، فالصيام إن لم يكن دافعا لهذا الفيروس فليس بجالب له.
وكلما يذكر من كثرة شرب الماء، وشرب الماء الحار لا يعدو كونها شائعة أو ضربا من التخمين .
فقول ذلك المتكلم إن الأطباء مجمعون على ضرورة شرب الماء كل ساعتين … إلى آخره قول لا يستند إلى أساس علمي موثق .

الوجه الثاني: عدم التفريق بين الحكم الفردي والحكم الجماعي في هذه المسألة؛ فهناك بون شاسع بين أن يخص شخص بفتوى بناءً على حالة صحية خاصة به وبين فتوى عامة تستهدف بلدا بكامله أو أمة برمتها .

الوجه الثالث: عدم التفريق في الحكم بين الواقع والمتوقع، فالمريض ينزل عليه الحكم الخاص بأهل الأعذار، والصحيح يبقى على أصله قادرا على ممارسة التكاليف مطلوبا منه ذلك ما لم يعجز .

 

ومن أسباب الوقوع في هذا الخلط عدم معرفة مناط الحكم ، قال تعالى : { شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ هُدًى لِلنّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى وَالفُرقانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَ فَليَصُمهُ وَمَن كانَ مَريضًا أَو عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أَيّامٍ أُخَرَ يُريدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلا يُريدُ بِكُمُ العُسرَ وَلِتُكمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرونَ﴾
فحكم الإفطار في رمضان منوط بوقوع عذر مقبول شرعا كمرض ، أو كسفر أو حمل أو رضاع أو حيض أو نفاس ، ومن لم يكن له عذر واقع من هذه الأعذار فالواجب أن يصوم.

 

والله أعلم والرد إليه أسلم

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *