الخطبة الأولى :

الحمد لله مقلب الليل والنهار؛ ومصرف الدهور والأعصار؛ لا إله إلا هو إليه المصير؛ نحمده على آلائه ونعمه فقد هدانا إلى الإسلام وجعلنا من أمة محمد e خاتمِ الأنبياء والمرسلين؛ صاحب الشفاعة العظمى يوم القيامة؛ اللهم ثبتنا على سنته واحشرنا في زمرته وشفعه فينا وأسقنا من حوضه شربة لا نظمأ بعدها أبدا؛ وصل ّ عليه ما اختلف الليل والنهار وعلى آله وصحبه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: إخوة الإسلام ! ها نحن في الجمعة قبل الأخيرة من شهر ذي القعدة لعام 1442 من هجرة المصطفى e، والمعتاد في مثل هذا الوقت أن يكون ملايين المسلمين قد حَلوا في الأراضي المقدسة أو في طريقهم إليها لأداء مناسك الحج من أجل الفوز بما وعد الله به من الثواب الجزيل؛ لكن من قدر الله هذا العام أن الحج اقتصر على عدد محدود ممن يعيشون في المملكة العربية السعودية بناء على قرار السلطات المختصة هناك ضمن التدابير المرتبطة بجائحة كرونا، عافانا الله جميعا.

إخوة الإسلام ! من رحمة الله الواسعة – وقد علم أن الجميع غير قادرين على الحج – أن جعل موسم العشر الأول من ذي الحجة مشتركاً بين الحجاج وغيرهم فمن عجز عن الحج في عام قدر على الاجتهاد في العبادة في هذه العشر، فيحصل على المضاعف من الحسنات؛ فحري بنا أن نتذاكر حول فضائل هذه الأيام وما ينبغي أن يكون عليه المسلم؛ لنعلم ما قد نجهله من السنن أو نتذكر ما قد نسيناه ؛ فنقول وبالله التوفيق:

أولا:  فضل العشر الأول من ذي الحجة:

–  أقسم الله عز وجل في كتابه لشرفها وعظمها قال -تعالى-: )وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ[ قال ابن كثير -رحمه الله-: “المُراد بها عشر ذي الحجة” كما قاله ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغيرهم وقال تعالى )وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ[ قال ابن عباس “أيام العشر”

– وفى البخاري وغيره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “ مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ، مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ (يعني العشر)، قَالُوا: “يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟” قَالَ: -صلى الله عليه وسلم-: “وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ”. قال الحافظ بن حجر في الفتح: “والذي يظهر أن السبب في امتياز العشر من ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه وهى الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره”.

ثانيا:  كيف يستقبل المسلم هذا الموسم العظيم؟

1) بالتوبة الصادقة النصوح وبالإقلاع عن الذنوب والمعاصي؛ فإن الذنوب هي التي تحرم الإنسان فضل ربه وتحجب قلبه عن مولاه.

2) كذلك تُستقبل مواسم الخيرات بالعزم الصادق الجادّ على اغتنامها بما يُرضي الله.

3) التواصي بالأعمال الصالحة في الأسرة وفي أماكن العمل، والدال على الخير كفاعله.

ثالثا:  ما هي الأعمال التي يُستحب للمسلم أن يفعلها في هذه الأيام ليكون من الفائزين؟

من اليوم الأول إلى اليوم الثامن من ذي الحجة:

1 ــ الصلاة: يجب المحافظة عليها في جماعة والتبكير إليها والإكثار من النوافل وقيام الليل؛ فإن ذلك من أفضل القربات؛ ففي الحديث “عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً” (رواه مسلم).

2 ــ الصيام: لدخوله في الأعمال الصالحة؛ ففي المسند والسنن عن حفصة أم المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم “كان لا يدع صيام عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر”.

3 ــ الصدقة يقول جلّ وعلا )الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ[ البقرة : 262 وكلما لاقت الصدقة حاجة الفقير كان الأجر أعظم ؛ وكم من فقير مهموم باستقبال العيد ؛ ما ذا يفعل لأولاده ؟ ونبيكم e يقول “وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَة” رواه مسلم

4 ــ الإكثار من الذكر: (التكبير والتهليل والتحميد)؛ ففي مسند الإمام أحمد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد”، وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.

وهذا تكبير عام يبدأ منذ دخول الشهر، أما التكبير عقب الصلوات فيبدأ من يوم العيد إلى نهاية أيام التشريق وهي ثلاثة أيام بعد يوم العيد.

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم؛

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله ولي الصالحين ؛ والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين؛ وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد:

من مسائل هذه الأيام:

ثبت عن النبي e من حديث  أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها  « إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَعِنْدَهُ أُضْحِيَّةٌ يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّىَ فَلاَ يَأْخُذَنَّ شَعْرًا وَلاَ يَقْلِمَنَّ ظُفُرًا » رواه مسلم .

اليوم التاسع من ذي الحجة (يوم عرفة): ففي الحديث “صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ ” (صحيح مسلم).

الأضحية:           

أ- حكمها: سنة ثابتة بالكتاب والسنة، على أهل كل بيت مسلم قدر أهله عليها، وذبحها أفضل من التصدق بقيمتها بإجماع الأمة؛

ب- وقتها: بعد صلاة العيد ولا تُجزئ قبل الصلاة للحديث ” إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ ” (صحيح البخاري) ويمكن في أيام التشريق الثلاث.

د- صفتها:

(1) الضأن سنة، والماعز سنة ودخلت في الثانية، والإبل ما دخلت في الخامسة، والبقرة ما دخلت في الثالثة، ويجزئ البقر والإبل عن سبعة .

(2) أن تكون سليمة خالية من كل عيب، فلا تكون عوراء أو مريضة أو هزيلة أو مكسورة القرن، وأفضلها الكبش الأقرن الأبيض.

وتذكروا مرة أخرى إخوانكم وجيرانكم من الفقراء؛ فبذلة لطفل فقير أو يتيم قد تكون المنجية لك من مصائب الدنيا وأهوال يوم القيامة.

اللهم يا منان يا كريم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم ؛ متبعين فيها لسنة نبيك الكريم ؛

ألا وصلوا على البشير النذير …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *