الموضوع: ” وداع  عام واستقبال عام 1442-1443هــ

الحمد لله ذي العزة والملكوت؛ خالق الأرض والسموات؛ جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا؛ نحمده على توالي نعمه الظاهرة والباطنة، ونسأله العون على شكرها؛ ونعوذ به من كفرانها؛ ونصلي ونسلم على الرحمة المهداة والنعمة المسداة؛ محمد بن عبد الله؛ وعلى آله الطاهرين؛ وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين.

أما بعد :

أيها المسلمون: إن هذه الجمعة هي الجمعة الأخيرة في هذا العام الهجري 1442هـ، حسب التقويم الإسلامي؛ فهذا هو التقويم الهجري الذي أرخ به الخليفة عمر بن الخطاب للمسلمين بمشاورة أصحاب رسول الله e؛ وعمل به المسلمون في أنحاء المعمورة إلى مجيء الاستعمار؛ ففرضوا تقويمهم الميلادي؛ وأخذ به معظم البلاد الإسلامية في حالة الانهزامية والضعف؛ ومع استخدامنا لذلك التقويم الميلادي فلا أقل أن نعرف التقويم الذي هو تقويمنا نحن المسلمين.

 

عباد الله! ينتهي عام ويبدأ عام جديد؛ وصدق الله العظيم، ومن أصدق من الله قيلاً: )يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ[ النور 44.

 

نعم سينقضي هذا العام وتلك سنة الله لهذه الدنيا؛ فالثواني تفني الدقائق والدقائق تفني الساعات؛ والساعات تفني الأيام، والأيام تفني الأسابيع؛ والأسابيع تفني الشهور، والشهور تفني السنين، والسنون تفني الأعمار؛ وهكذا تنقضي بمن فيها؛ إنها عبرة لمن يعتبر.

 

وهذا السير الحثيث يباعد عن الدنيا ويقرب إلى الآخرة، يباعد من دار العمل ويقرب من دار الجزاء. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه

في كلام يقطر حكمة : (ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَلاَ تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ اليَوْمَ عَمَلٌ وَلاَ حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلاَ عَمَلٌ) أخرجه البخاري في صحيحه معلقا.

 

 

أيها المسلمون !

هذا العام كان مسطرا بالكثير من الأحداث والابتلاءات والمحن في كثير من أنحاء العالم من وباء كرونا وآثاره الاقتصادية والاجتماعية المدمرة، ومن الحروب والفتن في بعض بلاد المسلمين، وما ترتب عليها من قتل وتشريد للسكان، وغير ذلك.

 

إخوة الإسلام !

الأيام تمضي بما فيها من المسرات من نيل مطلوب والسلامة من مخوف؛ وكذا الابتلاءات ، من فقدان حبيب أو عدم نيل مطلوب وما أكثره؛ وعمدة المؤمن في ذلك توجيهات نبوية منها هذا الحديث الجامع، عن صهيب رضي الله عنه فيما رواه مسلم بسنده عنه قال قال رسول الله e: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ).

 

والابتلاء سنة كونية ربانية ،يقول الباري جلّ وعلا: )الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ[ العنكبوت : 1 -2

 

ويقول الباري إنذارا للبشر: )ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[ الروم 41

 

اللهم ثبت قلوبنا على دينك وقنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.

نفعني الله وإياكم بالذكر الحكيم؛ وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله مُقدِّر الأزمان والآجال، مُبدِع الكون على غير مِثال، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له ذو الكمال الذي يعجزُ عن وصفِه بليغُ البيان والمقال، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه خيرُ من عبَدَ ربَّه في الغِنى والإقلال، صلَّى الله عليه صلاةً تَترَى في الغُدوِّ والآصال، وعلى آله وصحبِه خيرِ صحبٍ وآل، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم المآل، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

إخوة الإسلام !  إنها لحظة تأمل ومحاسبة للنفس؛ وكل إنسان أعرف بنفسه؛ ونحن أدركنا نهاية العام وما يدرينا هل ندرك غيرها؛

فالبدار البدار إلى الخيرات؛ ولا تغتر بالصحة ولا بالشباب؛ فالدنيا دار مرور وغرور لا دار قرار فلنقم بما يلي:

  • البحث عن أعمال فاتتك في السنة: العبادات / صلة الرحم / الإنفاق في سبيل الله / الاهتمام بأمور المسلمين.
  • التخطيط لتكون أكثر قربا إلى المولى فيما يأتي بما ذكرنا من الأمور.

 

ألا فاتقوا الله – عباد الله -، وتفاءَلوا بالخير، واستفتِحوا عامَكم بتوبةٍ نَصُوح من الزلاَّت والسيئات، وداوِموا على الأعمال الصالِحات، وأكثِروا من القُرُبات والطاعات، وسجِّلوا في صحائِف عامِكم الجديد ما يسُرُّكم في دُنياكم وأُخراكم.

 

ثم صلُّوا وسلِّموا – رحمكم الله – على البشير النذير، والسراجُ المُنير، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبير، فقال  سبحانه: )إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[ الأحزاب: 56

 

اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وبارِك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما بارَكتَ على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميدٌ مجيد.

 

 

وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، الذين قضَوا بالحقِّ وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتِك يا أرحم الراحمين.

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *