الموضوع: ” الحث على إخراج الزكاة والتحذير من التحايل فيه

الحمد لله الملك الوهاب الرحيم الرحمن التواب خلق الناس كلهم من تراب وهيأهم لما يكلفون بما أعطاهم من العقول والألباب وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له بلا شك ولا ارتياب وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أنزل عليه الكتاب تبصرة وذكرى لأولي الألباب صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآب وسلم تسليما               أما بعد  …

 

فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه وانظروا في أموركم في شؤونكم الدينية والدنيوية هل أنتم قمتم بما أوجب الله عليكم هل تركتم ما حرم الله عليكم هل أنتم فرطتم في الأوامر فأضعتموها واعتديتم في النواهي فانتهكتموها، فلا سعادة إلا في طاعة الله، ولا شقاوة إلا في معصية الله: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا @ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب 70-71

 

عباد الله: اعلموا أن الله تعالى خلقكم بقدرته، وقسم أرزاقكم بفضله، وفضل بعضكم على بعض في الرزق بعدله، وهو الفعال لما يريد الحكيم في صنعه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، )وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ[ النحل 71

 

ومن عدل الله تعالى ومن رحمته أن فرض على من فضله في الرزق حقا واجبا، قال تعالى: )وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ @ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ[ المعارج 24-25 )خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[ التوبة 103

 

لقد شرع الله الزكاة على عباده، وجعلها ركنا من أركان الإسلام، وقرينة للصلاة عماد الدين )وَأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ….. [  وجعلها مربطا من مرابط الأخوة في الله، قال تعالى )فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ…[ التوبة 11، وهي وصية الأنبياء قال تعالى )وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا @ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا[ مريم 54-55.

أيها المؤمنون : إن في إخراج الزكاة على أحسن وجهها لمنافع جما، منافع دنيوية، وأخروية، فمن منافعها : أنها تطهير لنفس المزكي من داء الشح وذلك سبب للفلاح، )وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[ التغابن 16 .

وشكر لنعمة المنعم على إنعامه، وذلك مجلب للمزيد في النعمة قال تعالى )وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ[ إبراهيم 7،  ونماء وتطهير للمال قال تعالى )قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ[ سبأ 39

وهي أيضا دليل على كياسة المرء وعلى سعادته، فإن السعادة والكياسة ليستا في الانشغال بطلب المال وجمعه، وإنما في إنفاق المال وبذله في طلب مرضاة الله فعن عَبْدُ اللَّهِ قَالَ قال النَّبِيُّ r (أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ قَالَ فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ[ رواه البخاري .

_ وإن في منع الزكاة أو عدم صرفها على غير وجهها المشروع  لمفاسد طامة، مفاسد دنيوية وأخروية، فردية وجماعية، ومن ذلكم :

_ أنه  ممحق لبركة المال، وملحق بصاحبه وسمة النفاق والفسوق )…فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ… [ التوبة 77،  )… وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[ التوبة 67

_ وهو معرض صاحبَه للوعيد في المحشر وفي النار، قال تعالى )وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ @ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ[ التوبة 34-35

 

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r (مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ ثُمَّ تَلَا لَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ الْآيَةَ[ البخاري .

 

وعنه أيضا t يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ r (تَأْتِي الْإِبِلُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ إِذَا هُوَ لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَأْتِي الْغَنَمُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ إِذَا لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا تَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَقَالَ وَمِنْ حَقِّهَا أَنْ تُحْلَبَ عَلَى الْمَاءِ قَالَ وَلَا يَأْتِي أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِشَاةٍ يَحْمِلُهَا عَلَى رَقَبَتِهِ لَهَا يُعَارٌ فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُ وَلَا يَأْتِي بِبَعِيرٍ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ لَهُ رُغَاءٌ فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُ) البخاري .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم  )الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[ البقرة 268

قلت ما أصغيتم والله تعالى أسأل التوفيق والسداد .

 

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله محبِ المحسنين المخلصين، جعل التحايل في أحكامه عمل الظالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين.

عباد الله :  اعلموا – رحمكم الله – أن للناس أخطاء كثيرة في أداء الزكاة ومن تلكم الأخطاء ما ينشأ من جهل، ومنها ما ينشأ من حب المال وقبض اليد عليه فيتحايل صاحبه على الله بما أوحت إليه شيطانه، ومن صور ذلكم ما يلي :

1 ــ  إخراج النفس من جملة المزكين مع توفر شروط وجوبها عليه، فتجد الشخص له كسب يملك  فيه ما يوجب عليه الزكاة، ولكنه لا يزكي اعتقادا منه أن الزكاة على التجار فقط .

2 ــ عدم حصر جميع الأموال عند الحساب، بحيث يحسب البعض ويترك البعض الآخر مخافة تضاخم الزكاة، ومخافة إفساد سمعته إن منعها.

3 ــ صرف الأموال فيما لا تجب الزكاة في أعيانها من العقارات عند قرب الحول فرارا من إخراج الزكاة.

4 ــ تكريم أهل البيت ( الأقرباء ) من الآباء والأعمام والأخوال … بالزكاة مع عدم كونهم من المستحقين، مما يجعل الزكاة تأخذ صبغة العادة لا صبغة العبادة.

5 ــ  تغذية العلاقات المنفعية بالزكاة، بدفعها إلى الحكام والجمركيين ونحوهم.

6 ــ  جمع الزكاة وصرفها في الاشتراكات الاجتماعية، أو في سداد الضرائب.

7 ــ إسقاط الديون واعتبارها زكاة.

8 ــ إخراج زكاة جنس مال من جنس آخر، كمن يخرج البهائم من المال النقدي حفاظا على رؤوس بهائمه.

9 ــ فقدان الإخلاص عند إخراج الزكاة (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ).

10 ــ التماطل في إخراج الزكاة، أو إخراجها في بعض السنوات دون بعض.

فهذه الصور وما شاكلها كلها مما حرمها علينا الشارع، وهي مخلة بمقاصده في مشروعية الزكاة، فمن كان مبتلى بشيء منها فليتق الله تعالى بنبذها.

أيها المؤمنون : فإن الأموال التي معكم هي لله تعالى، وهي فضل منه ونعمة عليكم، وإن الزكاة حق الله تعالى، ألا فأحسنوا في أدائها، واعلموا أنكم مسئولون أمام الله تعالى عن كل قرش من تلكم الأموال، وليس لكم فيها إلا ما أكلتم، وما لبستم، وما تصدقتم به والصدقة خير وأبقى .

 

اللهم أكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك يالكريم و يالرزاق، وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأزوجه أمهات المؤمنين، وارض عن صحابته الكرام، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العامين.

 

د. عثمان صالح تروري ـــ عضو الاتحاد في مالي

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *