الموضوع: ” توجيهات للأولياء قرب الإجازة الصيفية في شأن أولادهم

الحمد لله الذي خلقنا في أحسن تقويم، وربانا على موائد بره وخيره العميم، نحمده حمدا يليق بجلاله وسلطانه العظيم، نشكره على نعمه فإنه شكور حليم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يهدي من يشاء إلى الصراط المستقيم، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله المبعوث بالدين القيم، وأصلى صلاة دائمة وقائمة وأسلم سلاما تاما وكاملا عليه وعلى آله وأزواجه وذرياته وعلى جميع  صحابته وكل من تبعهم بإحسان إلى يوم الوقوف بين يدي الملك العليم.

أما بعد :

فيا أيها المؤمنون اتقوا الله تعالى وراقبوه في سركم وعلنكم وقد كفى به عليكم رقيبا )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[ النساء 1

 

أيها المؤمنون : لقد كنا قد وجهنا أولادنا للحاق بسفينة العلم والعلماء في المدارس والمعاهد بغية الحصول على غد مشرق لهم، وإن هذه السفينة قد أشرفت مرساها، فكانت قاب قوسين أو أدنى، وإن أولادنا في هذه الأيام يختتمون عامهم الدراسي – بإذن الله تعالى – بعد أن تجشموا فيه أصناف الكد وتكبدوا فيه ضروب الجهد، وهم الآن سيدخلون في فترة أخرى – فترة الإجازة الصيفية – وهذه الفترة جزء مهم في حياتهم، وإنهم سوف يعانون فيها من مشكلة الفراغ الذي قال فيه صادق المصدوق عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام فيما روي عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ r (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) البخاري.

 

أجل فهاتان النعمتان ستكتملان عند أولادنا قريبا، نعمة الفراغ لأن المدارس ستغلق أبوابها، ونعمة الصحة لأن أولادنا صغار وشباب وهما أكثر الناس صحة، فليت شعري أيكون أولادنا من أولئك الكثير المغبون فيهما، أم سيكونون من القليل الفائز فيهما ؟ ! فهذا ما يجب أن يكون تساؤل كل والد ووالدة، وهذا ما ينبغي أن يقض مضجع كل ولي أمر يشعر بمسئولته أمام الله تعالى في شأن أولاده، فليختر كل منا لأولاده أنسب الأمرين.

 

عباد الله: اعلموا أن هناك وسائل وسبلا من اتخذها لأولاده فقد اختار لهم الغبن والخسارة في فراغ العطلة، وأن هناك وسائل وسبلا أخرى من مهدها لأولاده فقد اختار لهم الفوز والربح في هذا الفراغ، وبيان ذلك في الآتي:

 

أما وسائل وسبل الغبن والخسارة فمنها ما يلي :

1/ بعث الأولاد في قوافل الرحلة والمخيمات إلى بلاد الفسق والفساد والكفر، (Colonie de vacance)، فإن السير في الأرض للتدبر ولتوسيع الأفق المعرفي مطلب شرعي إذا روعيت فيه الضوابط والحدود الشرعية، ولكن إذا تجرد من ضوابط الشرع  وفسق عن حدوده صار منهيا شرعيا، والحاصل في القوافل التي تنظم عندنا أنها مليئة بالفساد الخلقي والديني: من اختلاط، وتبرج، وتوفير فرص للقاء بين الشباب والشابات …، وهي أيضا بعيدة كل البعد عن الإسلام وتعاليمه، لأن بعضها تنظم من قبل جهات نصرانية …  وإذا كان لا بد منها فليقم المسلمون بتنظيمها على شكل إسلامي.

2/ إقامة مسابقات الرقص بين الشباب والشابات حتى الصغار منهم الذين هم دون سن التمييز، فنرى أولادنا يكوّنون الفرق والنوادي للرقص والمباراة فيه على المستوى الرسمي في التلفاز (Maxi vacance)، والمحلي في الشوارع، ونشجعهم عليه ونفرح بفوزهم ونحزن لهزمهم، فمن كان هذا حاله فليكبر أربعا على مستقبل أولاده، وإنا لله وإليه راجعون.

 

3/ ترك الأولاد يسحرون الليل في علب الفجور وأماكن اللهو وفي ألوان الفسوق والعصيان، وينامون طول النهار، وإذا استيقظوا في جزء من النهار قتلوه بمشاهدة الأفلام الخليعة، وهذا مما يشاهد في أكثر بيوتنا والله تعالى المستعان.

 

4/ زيارة غير الصالحين الموجِهين من معارفنا وذَوِينا، فقد نكون موفقين في تربية أولادنا في بيوتنا، ولكن في الإجازات الصيفية نرسلهم لزيارة بعض أقربائنا ومعارفنا الذين لا يعرفون للتربية معنى، فهذه الفترة التي سيقضيها أولادنا عندهم قد تؤثر في أخلاقهم وسلوكهم، فيكون ذلك هدما لما بنيناه، لأن الهدم أيسر من البناء، وقد يكون سببا لعجزنا عن توجيههم وضبط سلوكهم بعد عودتهم إلينا.

 

5/ تركهم في مرافقة الأشرار والأقران السوء، الذين قد يخلق الفراغ فرصة اللقاء بينهم، فتصير بيوتنا نوادي الموسيقى واللهو في النهار ونحن في المعامل.

 

6/ إرسال البنات إلى الأسواق والأماكن العامة للكسب بالتجارة وغيرها، فيفقدن الحياء ويتخلقن بالأخلاق السيئة.

 

7/ ترك الأولاد في الإباحة التامة؛ لأن بعض الأولياء يعتقدون أن دوره التربوي قاصر على إرسال الأولاد إلى المدارس فقط وأن واجب الأولاد الاجتهاد في الدراسة، وإذا أغلقت أبواب المدارس فالحبل يترك على غاربه وللأولاد أن يفعلوا كل ما يريدون …

 

أيها المؤمنون: فهذه بعض الوسائل التي نتخذها بقصد أو بغير قصد فتبوء أولادنا بخسارة وغبن من فراغهم، ونبوء نحن وهم بسخط وغضب من الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم )وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ[ النحل 72

 

قلت ما أصغيتم إليه، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من جميع الذنوب والخطايا إنه كان غفورا حليما.
 

الخطبة الثانية:

اللهم لك الحمد على نعمة الأولاد فهب لنا منهم قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما، وصل اللهم على عبدك ورسولك محمد وسلم تسليما

أيها المؤمنون: إن كانت المدارس ستغلق أبوابها للإجازة الصيفية فاعلموا أنه لا إجازة في حياة المؤمن، لأنه يؤمن بأنه محاسب على كل يوم ودقيقة في عمره يوم الوقوف أمام ربه فيحرص في كل لحظة على ما ينفعه قال صلى الله عليه وسلم: (… احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ) وإن أبواب النفع في حياتنا وفي حياة  أولادنا كثيرة ومتعددة وليست قاصرة على المدارس فحسب، لذا علينا نستغل الإجازة المدرسية لما ينفعنا وينفع أولادنا، وبذلك نكون من الرابحين في نعمة فراغ الإجازة، وهناك سبل ووسائل لذلك منها ما يلي:

1/ توجيه الأولاد بنين وبنات وإرسالهم إلى المحاضن التربوية التعليمية الإسلامية، من مواقع الدروس الصيفية، والحلقات القرآنية، أو اتخاذ المدرسين لتعليم الأولاد مبادئ الدين في البيوت،  وخاصة أولادنا الذين يدرسون في المدارس غير الإسلامية، لأن تعليم الأولاد مبادئ الدين من حقوقهم الواجبة علينا، وكل منا مسئول أمام الله تعالى عن ذلك .

 

2/ استصحاب الأولاد إلى المعامل من مزارع وغيرها فإن صحبة الوالد لولده يكسبه الأدب والقيم وقد أوصى سيدنا عمر المسلمين بمصاحبة أولادهم.

3/ إكساب الأولاد المهارات الزائدة وتنمية قدراتهم وتحسين مستواهم في بعض المجالات …

4/ إرسالهم لزيارة الصالحين من أقربائنا ومعارفنا لكي يستفيدوا  من صلاحهم…

5/ الحذر كل الحذر من إرسال البنات البالغات لقضاء الإجازة في أماكن أخرى، فإن تربية الابن في هذا الزمان صعبة ولكن تربية البنت أصعب، فهناك بعض أهل الفجور همهم في العطل الصيفية الحصول على المرأة الغريبة (التي جاءت من بلد آخر لقضاء العطلة)  لتكون صديقته في العطلة فيمارس معها الفسق خلال مقامها وكذا العكس …

6/ وإذا كان لا بد من إرسال الأولاد إلى الخارج فأرسلوهم إلى البلاد الإسلامية، أرسلوهم للعمرة فتكون الإجازة إجازة عبادة لا إجازة إباحية.

وليعلم كل والد أن صلاح ولده يعود نفعه الأول إليه قبل غيره … قال صلى الله عليه وسلم : (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: … أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ).

 

وفي الختام: أوصي من عُلا هذا المنبر المسئولين في المساجد والجمعيات الإسلامية وغيرهم بأن يكونوا أعوانا للأولياء في رعاية أولادهم في هذه الإجازة وذلك بوضع برامج صيفية إسلامية نافعة : من دروس، ومخيمات، ورحلات …

 

 

ألا وصلوا وسلموا على أفضل المربين وخير المعلمين كما أمركم بذلك رب العالمين فقال جل علا

)إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[

 

فصل اللهم على عبد ك ورسولك محمد وعلى آله وصحابته الكرام وكل اهتدى بهديه وتمسك بسنته إلى يوم الدين اللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما، اللهم بارك لنا في أولادنا، وفي ذرياتنا ووفقنا وإياهم لطاعتك ولنيل رضاك وألههم الرشد وخذنا وإياهم بنواصينا إلى ما فيه صلاحنا في الدنيا والآخرة إنك السميع القريب المجيب الدعاء.

وصل الله على محمد وسلم والحمد لله رب العالمين .

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *