مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
13 لا يعلم الغيبَ إلا اللهُ د. أحمد عبد الله بُولي ـــ عضو الاتحاد في مالي 03 / 02 / 1443هـ  الموافق 10/ 09 / 2021م الأمانة العامة

 

الموضوع: ” لا يعلم الغيبَ إلا اللهُ

الحمد لله الذي تفرّد بعلم الغيب، وسع علمه كل شيء نشهد أن لا إله إلا الله رب الأولين والآخرين، ونصلّي ونسلّم على من أطلعه الله على بعض الغيب تعزيزا لرسالته، وعلى آله وصحبه، ومن تبع نهجهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

إخوة الإيمان أوصيكم وإياي بتقوى الله عز وجل سرّاً وعلانيةً.

عباد الله هل نحن وعَيْنَا قولَه تعالى: )قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ …[ النمل 56

وقولَه سبحانه: )عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا @ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا[ الجن 26-27

وقولَه جلّ جلاله: )…وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ…[ آل عمران 179

 

فالله يظهر الغيب على يد من يشاء من عباده، وهذا يعمّ الرسول الملكي والبشري، فمن ادّعى علم الغيب بأي من وسيلة من وسائل سواء أكان رملا أم فنجانا أم قراءة كفّ أم التنجيم أم غير ذلك كان كاذبا مكذّبا لهذه الآيات السابقة. فالحذرَ الحذرَ.

 

وقد كان الناس في زمن نبي الله سليمان عليه السلام يزعمون أن الجن يعلمون الغيب؛ فأظهر الله بطلان ذلك للناس عند موت سليمان عليه السلام، قال سبحانه في محكم تنزيله: )فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ[ النحل 14

 

(دخل أحد الكهنة على الملِك يوما، فبعد ما استقر به المجلس طفق يصف للملك ما سيكون لولده الصغير من شأن عظيم في المستقبل، فقال: سيكون ملكا عظيما يخضع له جميع ملوك الأرض….) ظانّا أن الولد ذكر فإذا إن الولد أنثى، فلما انتهى من نبؤاته قيل له: هذه أنثى، فافتضح وخجل  كذب المنجّمون ولو صدقوا.

إخوة الإيمان: لا يعلم الغيب الله إلا من أطلعه الله عليه من رسول أو ملَك، فمن أمثلة ما أطلع الله بعض رسله على الغيب ما يلي:

# قال تعالى في حق عيسى عليه السلام : )وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ آل عمران 49

# قال تعالى : )الم @ غُلِبَتِ الرُّومُ @ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ @ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ @ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ[ الروم 1-5

# واقعة عمير بن وهب مع صفوان بن أمية، اتّفقا في مكة على قتل الرسول r في سريّة تامة بينهما، فتكفّل صفوان بسداد ديون عمير والإنفاق على عائلته على أن ينفّذ عمير هذا الاتفاق في المدينة، فلما قدِم المدينة أخبره الرسول صلى الله عليه وسلم بما دار بينه وبين صفوان كأنه كان ثالثَهم، هنالك أعلن إسلامه، وأدرك أن الله علاّم الغيوب هو الذي أخبر رسوله بكل ما اتفقوا عليه، ثم رجع إلى مكة داعيا إلى الله، وقد انتهى الأمر بإسلام صاحبه أيضا، وهكذا.

# واقعة سراقة بن مالك يوم الهجرة إذ كان من الذين شمّروا لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما رأى ما رأى من عجائب أسلم، فوعده الرسول بسوار كسرى، وقد تحقّق ذلك في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

عباد الله هذا غيض من فيض، وقطر من قمطر. أنظر كتاب (رجال حول الرسول) لخالد محمد خالد.

 

فما الحلّ الإسلامي لمواجهة ما في الغيب ؟  إن في الإسلام لكل شيء حلاًّ.

فقد ورد في الحديث الصحيح مسألة الاستخارة لتكون حلا صافيا كافيا شافيا وافيا ومعافيا.

 

فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقِرآنِ يَقُولُ لَنَا: (إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْتَخِيرُكَ، بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ؛ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي – أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ – فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِى ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي – أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ – فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي – قَالَ – وَيُسَمِّى حَاجَتَهُ) البخاري.

 

قلت ما أصغيتم إليه، وأستغفر الله الغفور من كل ذنب، فاستغفروه إنه كان بالمؤمنين رحيما.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله علاّم الغيوب الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، والصلاة والسلام على من حَمى حِمى التوحيد فبيّن أن لا يعلم الغيب إلا الله.

إخوة الإيمان :  إن الاستخارة هي الحل الإسلاميّ النقيّ ، والبديل الإسلامي الصفيّ.

وإن لها لشروطاً آتية :

#  أن تكون في الأمور المباحة، لا في الأمور المحرّمة؛ لأن الله تعالى لم يجعل فيما حرّم على عباده خيرا.

#  أن تكون الاستخارة في الأمر الذي لم يتبيّن فيه وجه الخير، كسفر أو تجارة أو زواج أو وظيفة ونحو ذلك.

#  أن لا يكون في نفسك إرادة لشيء معيّن يميل إليه طبعك، فما دمت تسأل الله لنفسك الخير، فقد يكون الخير فيما تكره، والشر فيما تهوى، قال سبحانه: )وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[ البقرة 216

 

ويحسن بذل الجهد في تحرّي وجه الخير قبل الاستخارة فإن الله ركّب فيك عقلا لتميّز به الخبيث من الطيب، ثم تستعين بمولاك عز وجل. والأحسن الالتزام بهذا الدعاء بألفاظه لا بما يؤدي معناه؛ لأنّ في هذه الألفاظ حكمةً وفائدةً وخصوصيةً لا نعلمها، وإلا ما حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يعلّمها أصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن.

 

هذا، وليس من الشرط أن يرى المستخير في منامه رؤيا يتبيّن له فيها الخير من الشر كما يعتقده بعض الناس، ولكن يحدث في القلب انشراح للأمر إن كان خيرا، ويحصل انقباض إن كان شرا [1]. وقد يرى رؤيا مبشّرة أو محذّرة. والله غالب على أمره.

)… فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ[ آل عمران 159

 

 

 

وصلى الله وسلّم على البشير النذير وعلى آله وصحبه أجمعين…

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

 

 

[1] ـ راجع الفقه الواضح ج 1 ص287 للأستاذ الدكتور محمد بكر إسماعيل

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *