مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
23 خطبة 23 الشائعات وأثرها على المجتمع د. عثمان صالح تروري ـــ عضو الاتحاد في مالي 04/14 /1443هـ  الموافق 19 /11 /2021م الأمانة العامة

 

الموضوع: ” الشائعات وأثرها على المجتمع

 

الحمدُ لله اللطيف الخبير، ذي الفضل الواسِع والخير الكثير، ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ الشورى: 11، أحمدُه سبحانهوأستعينُه، وأستغفِرُه وأتوبُ إليه، لا مانِعَ لما أعطَى، ولا مُعطِيَ لما منَع، وهو على كل شيء قدير، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه البشيرُ النذير، والسِّراجُ المُنير، صلواتُ الله وسلامُه عليه، وعلى آل بيتِه وأزواجِه أُولِي الطُّهر والتطهير، وعلى أصحابِه وأتباعِه، وسلَّم عليهم التسليمَ الكثيرَ.                   أما بعد:

فاتَّقُوا اللهَ – معاشِر المُسلمين – فإن تقوى الله زادُ المُؤمن، ودليلُ الحائِر، مَن تمسَّك بها غنِم، ومَن نأَى عنها غرِم، هي الوقايةُ بين العبدِ وبين عذابِ ربِّه، ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ يونس: 62، 63

والكيِّسُ مَن دانَ نفسَه، وعمِلَ لما بعد الموتِ، والعاجِزُ مَن أتبَعَ نفسَه هواها، وتمنَّى على الله الأمانِيَّ، ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا﴾ التغابن: 16.

عباد الله: الأخلاقُ في حياةِ الإنسان نقطةُ ارتِكازٍ تنطلِقُ منها تصرُّفاتُه القوليَّة والعمليَّة، وبها يحصُلُ التوازُن في التعامُل مع الآخرين،ويتحقق التآلف والتحالف، وإن مُراغمةَ المرء حياتَه مع الناس بلا أخلاقٍ، يهدِمُ جُسورَ الثقة، وحُسن الظنِّ، وإعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه، ويقتَلِعُ جُذورَ المودَّة والتآلُف مِن الفؤاد، فلا وُصولَ بعد ذلك إلى قلوبِ الناس المُؤدِّية إلى عقولِهم.

وإن كلَّ مُجتمعٍ لم يزَلْ على فِطرتِه التي فطَرَ الله الناسَ عليها؛ مِن خُلُقٍ كريمٍ، وسجايَا فاضِلة، فهو بخَيرٍ ما لم يعتَرِضه ما يُكدِّرُ صَفوَه، ويُنغِّصُ هناءَه، ويثلِمُ لُحمتَه، ويُفرِّقُ مُجتمعه.

ومن أسوأ ما يكدر صفاء المجتمعات وينغص هناءها ترويج الشائعات والتشبث بها وإدانة الأبرياء بسببها، ومنطلق هذا الخلق الشنيع في المجتمع هو الفراغ وإعطاء الفسحة للفضول،إذ من سِمات المُجتمع البَليد أنه يُقطِّعُ أوقاتَ فراغِه بما يزيدُها فراغًا، ويُضاعِفُ هُوَّتها؛ لأن المُجتمع إذا شغلَ نفسَه، وعمرَ وقتَه بـ قِيل وقال، فلن يُشيِّد معرفةً، ولن يستطيع حملَ الأثقال في المصاعِب.

وما انتشرت هذه الظاهرة في مُجتمعٍ إلا فرَّقَته، ولا أُسرةٍ إلا مزَّقَتها، ولا صُحبةٍ إلا قلَبَتها عداوةً وبَغضاء، وهي مِهنةٌ شيطانيَّةٌ، ما تلبَّسَ بها أحدٌ إلا أفسَدَ أيَّما إفساد، وفرَّقَ أيَّما تفريقٍ، لذا لم يُحمَد لا في شرعٍ، ولا عقلٍ، ولا فِطرةٍ، وهو شرٌّ كلُّه، وداءٌ كلُّه، وسُوءُ مغبَّةٍ كلُّه، فإنه يفرِّقُ ولا يجمعُ، ويضرُّ ولا ينفعُ، ويُهدِرُ طاقاتٍ وجُهودًا،ويهدم عمائر وبيوتا ، ويقلب وقائع وحقائق عن وجوهها الصحيحة،  لذا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فعن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قال :سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا قِيلَ وَقَالَ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ)) البخاري.  وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ » رواه أبو داود وصححه الألباني.

أيها المؤمنون: إن الهدف من الشائعات هو التشويشُ وإثارةُ البلبلة؛ لتحقيق مآرِب فِكريَّة أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو دينية، حتى يصبح أقوى دليل في المجتمع: قد قيل، ويصبح الناس نادمين على ما يفعلون، فكم من خبرٍ كاذِبٍ قتلَ نفسًا؟! وكم من خبرٍ كاذبٍ أودعَ سِجنًا؟! وكم من خبرٍ كاذِبٍ طلَّق زوجةً، ففرَّقَ أُسرةً برُمَّتها؟! وكم من خبرٍ كاذِبٍ روَّع أقوامًا وأفلسَ آخرين، وسِيئَت به ظُنون، فهُتِك به العِرضُ، واعتُدِيَ به على النفس والمال والدين. عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ ” قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: ” الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا، ذُكِرَ اللهُ تَعَالَى ” ثُمَّ قَالَ: ” أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ المشاءون بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ ))رواه أحمد وحسنه الألباني في الأدب المفرد بأحكامه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا يليق بجلاله وعظيم سطانه، والصلاة والسلام على أفضل رسله

أيها المؤمنون: إن السلامة من أضرار الشائعات تكون بالالتزام بالآداب والتعاليم الإسلامية، ومن أبرزها ما يلي:

1/ الحرص على ترك ما لا يعنيك، روى مالك في الموطأ عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ))

2/ الشعور بمسئولية الكلمة وعدم الكلام فيما لا علم لك به ولا سبيل لك للتحقيق فيه، قال تعالى ﴿ َلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾. الإسراء ٣٦، قال تعالي: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ ق ١٨.

3/ التثبت فيما يعنيك من الأخبار قبل نقلها أو بناء الحكم عليها وعدم الاغترار بصدق المخبر  قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ الحجرات ٦.

فقد سمِع الفاروقُ – رضي الله تعالى عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – طلَّق نساءَه، فجاءَه من منزلِه حتى دخلَ المسجِد، فوجدَ الناسَ يقولون ذلك، فلم يصبِر حتى استأذنَ على النبي – صلى الله عليه وسلم -، فاستفهَمَه : أطلَّقتَ نساءَك؟ فقال: «لا»، فقام عُمر على بابِ المسجِد فنادَى بأعلى صوتِه: لم يُطلِّق رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – نساءَه. فنزلَت هذه الآية: { ﭽ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم ﭼ   النساء: 83.رواه مسلم.

هذا وصلُّوا – رحمكم الله – على خيرِ البريَّة، وأزكَى البشريَّة: محمدِ بن عبد الله صاحبِ الحوضِ والشفاعة؛ فقد أمرَكم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسِه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسه، وأيَّه بكم – أيها المُؤمنون -، فقال – جلَّ وعلا -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾  الأحزاب: 56  اللهم صلِّ على مُحمدٍ وعلى آل مُحمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وبارِك على مُحمدٍ وعلى آل مُحمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائِرِ صحابةِ نبيِّك مُحمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، وعن التابِعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وجُودِك وكرمِك وإحسانِك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الشركَ والمُشركين، اللهم انصُر دينَكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّك وعبادَكَ المُؤمنين، لهم فرِّج همَّ المهمُومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكرُوبين، واقضِ الدَّينَ عن المَدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين،اللهم لا تدَعْ لنا ذنبًا إلا غفَرتَه، ولا همًّا إلا فرَّجتَه، ولا دَينًا إلا قضَيتَه، ولا حاجةً من حوائِجِ الدنيا والآخرة هي لك رِضا ولنا فيه صلاحٌ إلا أعَنتَنا على قضائِها، ويسَّرتَها برحمتِك يا أرحم الراحمين،اللهم إنا نعوذُ بك من قلبٍ لا يخشَع، ومن علمٍ لا ينفَع، ومن عينٍ لا تدمَع، ومن دعوةٍ لا يُستجابُ لها،اللهم آتِ نفوسَنا تقوَاها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها.

 

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *