مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
38 الاستغفار والتوبة إلى الله د. محمد أحمد لوح ـــ عضو الاتحاد في السنغال 24 /07 /1443هـ  الموافق 25/02 /2022م الأمانة العامة

 

الموضوع: ” الاستغفار والتوبة إلى الله

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد لا إله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:
عباد الله، اتقوا الله واعلموا أن الله قد أوجب التوبة على عباده المؤمنين، فقال تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ النور 31، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ التحريم 8 ، وقال سبحانه: ﴿وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ هود 3.

 

وقد أمر النبي r بالتوبة والاستغفارـ كما عند مسلم فيصححه مرفوعا: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ) وفي رواية عند البخاري قال: (وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً)، فهذا رسول الله r الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر الله و يتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ،فكيف بمن دونه من الناس؟!
وقد تضافرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوب التوبة على كل مسلم ومسلمة، ومن جميع الذنوب والمعاصي بدون استثناء؛ صغيرة كانت أم كبيرة.
والتوبة عباد الله: هي الإقلاع عن الذنب من ترك واجب أو فعل محرم، فهي الرجوع من معصية الله إلى طاعته سبحانه و تعالى.
وكما أن لكل عمل من الأعمال شروطًا، فإن للتوبة شروطًا كذلك قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾ التحريم 8، أي: توبة صادقة، ولتكون التوبة توبة نصوحًا كما قال تعالى وتكون مقبولة و صحيحة يجب أن يتوفر فيها شروط:
فإن التوبة من الذنب على حالتين، الحالة الأولى: أن يكون الذنب بين العبد وبين ربه سبحانه، ولا يتعلق بحق آدمي آخر، ففي هذه الحالة للتوبة خمسة شروط:

الشرط الأول: الإقلاع عن المعصية، من ترك واجب أو فعل محرم.
الشرط الثاني: الندم على فعلها بأن يشعر بالحزن على فعله لتلك المعصية، ويتمنى أنه لم يفعلها، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: (الندم توبة) صححه الألباني.
الشرط الثالث: العزم على عدم الرجوع إلى ذلك الذنب؛ أن تعزم بإرادة قوية في قلبك أن لا تعود أبدًا إلى تلك المعصية مستقبلاً.
الشرط الرابع: الإخلاص، بأن يقصد بها وجه الله رغبة في مغفرته وثوابه، وخوفًا من عذابه وعقابه، ولا تصح التوبة إذا كانت خوفًا من عصا سلطان، أو رغبة في جاه أو مال أو شيء من عرض الدنيا.
الشرط الخامس: أن تقع التوبة قبل إغلاق بابها، ويغلق باب التوبة عند الغرغرة، كما قال تعالى: ﴿وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ﴾ النساء 18، وقال r: (إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ) صحيح الترمذي، وكذلك عند طلوع الشمس من مغربها، قال r:

(مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمسُ من مَغربِهَا؛ تَابَ اللهُ عَلَيهِ) مسلم.

وأما الحالة الثانية: إذا كان الذنب بين آدمي وآدمي آخر ففي هذه الحالة يجب أن يتوفر في التوبة ستة شروط، الخمسة التي ذكرناها سابقًا، والشرط السادس: أن يبرَأ التائب من حق صاحبه، فإن كان أخذ ماله رده إلى صاحبه، وإن كانت غيبة استحله منها، فإن فقدت التوبة أحد الشروط لم تصح.
ومن مسائل التوبة  عباد الله:

1.أنه قد يحدث للمسلم أن يتوب من ذنب ما، ثم يمرّ عليه وقت و يقع في الذنب مرة أخرى بعد توبته منه، فوقوعه في الذنب لا يبطل توبته الأولى، ما دام يأتي في كل مرة بشروط التوبة.

  1. أن التوبة من بعض الذنوب دون الأخرى صحيحة على الراجح من أقوال أهل العلم، فإذا كان الإنسان تاركًا للصلاة ولا يؤدي زكاة أمواله، فتاب من ترك الصلاة وأصبح يصلي، فتوبته صحيحة، و تبقى عليه معصية و كبيرة منع الزكاة.
  2. أنه لا يجوز أن يوصف الإنسان بذنب قد تاب منه، وفي الحديث الثابت: (التوبة تجب ما قبلها).
  3. أنه لا ينبغي للإنسان أن يظن بنفسه السلامة من الذنب؛ فإن ذلك من مكايد الشيطان. قال r: (كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) حسنه الألباني
  4. إياك ـ أخي المسلم ـ أن تحقر ذنبًا من الذنوب، وتحسبه صغيرًا فتترك التوبة منه، فقد تحقر ذنبًا وتراه عيناك صغيرًا و هو عند الله عظيم، والذنب الصغير مع الذنب الصغير يتراكم و يصبح كبيرا.

لا تحقرن صغيـرة # إنّ الجبال من الحصى

  1. أنه لا يجوز ارتكاب الحرام بنية التوبة، فإن ذلك مما يسهل على الإنسان ارتكاب المعاصي بالحيل الباطلة. وكل هذا تلبيس من إبليس، وكيد من مكائده لإيقاع الناس في الحرام، وأنت أيها الأخ لا تدري متى يحين وقت رحيلك، وهل بقي من عمرك فسحة للإقلاع من الذنب؟ فكم من شخص جاءته منيته وزجاجة الخمر في يديه! وكم من شخص جاءه قابض الأرواح وهو في طريقه إلى المعاصي؟

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

  1. ينبغي على المسلم أن يعلم أن الجهر بالمعصية أخطر وأعظم إثماً من الإسرار بها، قال r: (كلُّ أمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرينَ، وإنَّ منَ المُجاهرةِ أن يعمَلَ الرَّجلُ باللَّيلِ عملًا، ثُمَّ يصبِحَ وقد سترَه اللَّهُ، فيقولَ: يا فلانُ، عمِلتُ البارحةَ كذا وَكذا، وقد باتَ يسترُه ربُّهُ، ويصبِحُ يَكشِفُ سترَ اللَّهِ عنهُ ) متفق عليه.

ذلك لأن المجاهرة بالمعصية فيه دعاية و إشهار للحرام، والناس مفطورون على حب التوافق ومشابهة بعضهم بعضًا خاصة عند قصار العقول و ضعاف النفوس فيزين لهم الشيطان ارتكاب الحرام، فيكثر الفساد ويشيع و ينتشر في أوساط المسلمين، فمن ستر معصيته عن أعين الناس و ستر نفسه مع ترفًا بذنبه ستره الله تعالى في الدنيا والآخرة و وفقه للتوبة.

  1. أن من الناس من قد أسر فعلى نفسه بكثرة الذنوب والمعاصي حتى غرق فيها، ويرى نفسه أنه قد هلك بها فيدخله القنوط و اليأس من رحمة الله، وإذا تذكر التوبة أيس وظن أنه لا توبة له، ومثل هذا نقوله: استمع ـ يا أخي المسلم المذنب ـ إلى هذا النداء الرباني، نداء الرحمن الرحيم، قال تعالى:﴿قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ الزمر 53، وقال تعالى عن يعقوب: ﴿وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ﴾ يوسف 87، وقال أيضًا سبحانه:﴿وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ﴾ الحجر 56.

وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ الفرقان 68-70.
وقال r: (لَوْلَا أَنَّكُمْ تُذْنِبُونَ لَخَلَقَ اللهُ خَلْقًا يُذْنِبُونَ يَغْفِرُ لَهُمْ) رواه مسلم

  1. وعلى عكس هذا من يرتكب المعاصي من السرقة والزنا وأكل أموال الناس بالباطل، ومن التبرج والسفور، حتى إذا نصح قال بكل ارتياح و طمأنينة: ربي غفور رحيم. فنقول: نعم صدقت، إن الله غفور رحيم، قال تعالى:﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ﴾ الحجر 49-50
    وقال تعالى:﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ الأعراف 156.

نعم ربنا غفور رحيم لكن لمن اعترف بذنبه و تاب و آمن وعمل صالحًا، وشديد العقاب لمن تكبر على الله تعالى، وأصر على ذنبه، وتهاون في الرجوع والتوبة، وقد كان من تمام منهج الأنبياء والصالحين من عباد الله الجمع بين الخوف و الرجاء، فلا يؤخذ بالرجاء ويهمل الخوف، أو العكس، بل يؤخذ بهما معًا.
قال تعالى – يمتدح عباده الصالحين: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ السجدة 16

 

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا للتوبة النصوح، وأن يجعلنا من التوابين المستغفرين.
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة والنجاة من النار.

 

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *