مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
44

كيف نستقبل شهر رمضان؟

الشيخ علي عبد الرحمن الحذيفي خطيب المسجد النبوي 22 /08 /1443هـ  الموافق 25/03 /2022م الأمانة العامة

 

الموضوع: “كيف نستقبل شهر رمضان؟ ”

الحمدُ لله، الحمدُ لله العزيز الغفار، يخلقُ ما يشاءُ ويختار، ]يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ[ النور 44، أحمدُ ربي وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفرُه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحدُ القهَّار، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه المُجتبَى المُختار، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه الأبرار.

أما بعد: فاتقوا الله وأطيعُوه؛ فما شقِيَ بطاعةِ الله أحد، وما سعِدَ بمعصيةِ الله أحد.

عباد الله: ثِقُوا بوعدِ الله على صالح الأعمال، واجتهِدُوا لحُسن العاقبةِ والمآل؛ فربُّكم شكورٌ عليم، غنيٌّ كريم، يدعوكُم للتقرُّب إليه بما يحبُّ، وهو غنيٌّ عن الطاعات، ويُحذِّرُكم من العِصيان، وهو لا يضُرُّه من أقامَ على المُوبِقات، قال الله تعالى: ]مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ[ فصلت 46، وقال سبحانه: ]وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ[ آل عمران144.

 

وكُونوا – أيها الناسِ – على خوفٍ من وعيدِ الله؛ فما نزلَ بأحدٍ إلا أرداه، وما أحاطَ بمُعرِضٍ وغافلٍ إلا عذَّبَه وأشقاه، قال الله تعالى: ]وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى[ طه 81. عجَبًا لمن يعملُ للدنيا وينسَى الآخرة؛ فالدنيا تُنالُ بعمل، وتُنالُ بغير عملٍ لمن كان عاجزًا عن العمل. وأما الآخرةُ ونعيمُها فلا تُنالُ إلا بعمل، قال الله تعالى: ]وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[ الزخرف 72.

 

أيها المسلمون: لقد نزلَ بكم موسِمٌ عظيمٌ، وشهرٌ كريمٌ، تتنزَّلُ فيه الخيراتُ والبركات، وتُكفَّرُ فيه السيئات؛ شهرُ رمضان الذي فضَّله الله تعالى.

عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيِّدُ الشهور: رمضان، وأعظمُ حُرمةً: ذو الحجَّة) رواه البزار.

قال الله تعالى: ]شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ[ البقرة185.

 

زمنُ رمضان مُبارَك، جمعَ الله فيه العبادات: الصيام مع الصلوات، والزكاة لمن زكَّى فيه، والصدقات، والحجَّ الأصغَر العُمرة، وكثرة تلاوة القرآن، وأنواع الذكر، والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر، وبقيَّة الطاعات لمن أراد أن يستكثِرَ من القُرُبات.

 

فأسبابُ الخير فيه كثيرةٌ ظاهرةٌ، وأسبابُ الشرِّ في رمضان قليلةٌ صاغِرة، ويُحال فيه بين الشياطين وبين ما تُريد من الإفساد والغوايةِ للمُسلم، وصدِّه عن الطاعة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا دخلَ رمضان فُتِّحت أبوابُ الجنة، وأُغلِقَت أبوابُ جهنَّم، وسُلسِلَت الشياطين)؛ رواه البخاري ومسلم.

وأنواعُ الثوابِ والنعيمِ في الجنة لأنواع الطاعات والعبادات في الدنيا؛ فكل طاعةٍ لها ثوابٌ ونعيمٌ، قال الله تعالى: ]كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ[ الحاقة 24.

وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (في الجنةِ بابٌ يُدعَى الريَّان، يُدعَى له الصائِمون؛ فمن كان من الصائمين دخلَه، ومن دخلَه لم يظمَأ أبدًا)؛ رواه البخاري ومسلم.

وأعظمُ تكريمٍ لمن دخلَ الجنة: النظرُ إلى وجهِ الله الكريم، وهو جزاءُ الإحسان بعبادةِ الله كأنَّ المُسلم يراه، قال الله تعالى: ]لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ[ يونس 26.

وفسَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم الزيادةَ بالنظرِ إلى وجهِ الله الكريم، كما في حديث سلمان رضي الله عنه  الذي رواه مسلم، فالجزاءُ من جنسِ العمل.

كما أن أنواعَ العذابِ لأنواع المعاصِي؛ فأكل الزقُّوم وشرابُ الحميم جزاءُ أكل الرِّبا والحرام، وشراب المُسكِر والمُخدِّرات. وصبُّ الماء الحار على الرأس جزاءُ الكِبر والتعاظُم على امتِثال الشرع، قال الله تعالى: ]إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ @ طَعَامُ الْأَثِيمِ @ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ @ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ @ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ @ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ @ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ[ الدخان 43- 49. فالجزاءُ من جنسِ العمل في الدنيا والآخرة.

 

أبشِروا – أيها المسلمون – ببِشارة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لأصحابِه برمضان؛ فقد كان يُبشِّرُهم به في آخر شعبان ليستعِدُّوا.

فاستقبِلوا هذا الشهر بكل خيرٍ، وأعِدُّوا له العُدَّة. فاستقبِلُوه بالإخلاص لله، والاحتِساب، والفرح الشديد بأن الله بلَّغَكم إياه، قال الله تعالى: ]قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[ يونس 58.

واستقبِلوه بالتوبة من كل ذنبٍ، ليمحُو الله به ما سلَفَ من الذنوبِ.

واستقبِلوه بردِّ المظالِم لأهلها، وإعطاء الحُقوق لأهلها؛ ليحفظَ لك ربُّك الحسنات، ويُكفِّر عنك السيئات.

وتذكَّر أنه سيأتي يومٌ لا تُدرِكُ رمضان. فكُن مُستعِدًّا للموت وما بعدَه من الأهوال.

واحفَظ صيامَك من اللغو والرَّفَث، والغِيبة والنَّميمة، وقولِ الباطل، والمعاصِي، والنظر إلى المُحرَّمات

واحفَظ قلبَك من خواطِر السُّوء؛ فإن مداخِل الشيطان على الإنسان هي خواطِرُ السوء.

عن ابن عُمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رُبَّ صائمٍ حظُّه من صيامِه الجُوعُ والعطش، ورُبَّ قائمٍ حظُّه من قيامِه السهرُ)؛ رواه الطبراني في “الكبير”، ، وقال المُنذِريُّ: وإسنادُه لا بأس به.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يدَع قولَ الزُّور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدَعَ طعامَه وشرابَه)؛ رواه البخاري وأبو داود والترمذي.

وعن أبي عُبيدة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصومُ جُنَّة – أي: وقاية – ما لم يخرِقها)؛ رواه النسائي والطبراني في “الأوسط”، وزادَ: قيل بما يخرِقُها؟ قال: (بكذِبٍ أو غِيبَة).

وليُعظِّم المُسلمُ ثوابَ صيامه بكثرة الطاعات والقُرُبات في رمضان؛ من تلاوة القرآن، فإن رمضان هو شهرُ القرآن، نزل فيه. وكثرة الذكر، والاستغفار، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكثرتها، والصدقات والهدية ابتِغاء وجهِ الله، وأنواع الإحسان؛ كتعليم العلم، والأمر بالخير، والحثِّ عليه، والنهي عن الشرِّ والتحذير منه. فكثرةُ الطاعات مع الصيام تزيدُ في ثوابِ الصيام.

ومن فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجرِه، من غير أن ينقُص من أجرِه شيء.

ولا تزهَدَنَّ – أيها المسلم – في التراويح والقيام، ولاسيَّما الاجتهادُ في ليلةِ القدر في العشرِ الأواخِر.

وصيامُ رمضان كفَّارةٌ للذنوبِ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صامَ رمضان إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه)؛ رواه البخاري.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قامَ رمضان إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه)؛ رواه البخاري ومسلم.

وعن عُبادة بن الصامِت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: (التمِسُوها في العشر الأواخر، فمن قامَها إيمانًا واحتِسابًا ثم وُفِّقَت له غُفر له ما تقدَّم من ذنبِه وما تأخَّر)؛ أحمد والطبراني في “الكبير”.

واحرِص – أيها المسلم – على صلاةِ الجماعة؛ فبها يحفظُ الله العبدَ، ويتولَّى أمورَه، ويُسدِّدُ أحوالَه. ومن ضيَّع الصلاةَ ذهبَت دُنياه وأُخراه، ومُتِّع في الدنيا متاعَ البهائِم، وقِيل له يوم القيامة: ادخُل النارَ مع الداخِلين.

وفي الحديث: (من صلَّى العشاءَ مع الجماعةِ فكأنما قامَ نصفَ الليل، ومن صلَّى الفجرَ فكأنما قامَ الليل كلَّه)؛ رواه مسلم من حديث عُثمان رضي الله عنه.

ومما تعظُمُ به الخسارة، ويُحرَمُ به العبدُ الخيرَ: الصيامُ مع ترك الصلاة أو ترك بعضِها، ومن تضييع العُمر وساعاته: السهرُ على اللهو واللعب، أو تتبُّع المواقِع المُفسِدة، ومُشاهَدة المُسلسلات الضارَّة الهابِطة المُدمِّرة للأخلاق، ويعظُمُ الخِذلانُ والخُسرانُ بالاشتِغال بها في هذا الشهر عن القُرُبات.

قال الله تعالى: ]وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ @ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران 133، 134.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَنا وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، ونفعَنا بهديِ سيِّد المرسلين وقولِه القويم، أقول قولي هذا وأستغفرُ الله لي ولكم وللمسلمينٍ، فاستغفِروه إنه هو الغفورُ الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الهادِي إلى صراطٍ مُستقيم، ذي الفضل العظيم، يمُنُّ على من يشاءُ بفضلِه، ويمنعُ من يشاءُ بعدلِه وهو العزيزُ الحكيم، أحمدُ ربي وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له القدير العليم، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه ذي الشريعة الغرَّاء والهديِ القَويم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه المُتَّصِفين بكل خُلُقٍ كريم.

أما بعد: فاتقوا الله حقَّ التقوى، وتمسَّكُوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى.

عباد الله: اجعَلوا لكل ذنبٍ توبة؛ فقد أفلحَ التائِبون، وتعِسَ المُصِرُّون المُذنِبون، قال الله تعالى: ]وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ النور31.

وهذا الشهرُ زمنُ التوبة.

ومن أعظمِ الذنوبِ التي تجبُ التوبةُ منها: شربُ الدخان، فطيِّب فمَكَ – أيها المسلم – من شُربه، وطهِّر فمَكَ منه لذكرِ الله وتلاوةِ القرآن، وتطييبُ رائحتِك للصالِحين المُجالِسين، وللملائكة الكرام الكاتِبين؛ فشُربُ الدخان يُقرِّبُ الشياطين، ويُفسِدُ الدمَ، ويجلِبُ الأمراضَ الفتَّاكة، ويُقصِّرُ العُمر، وقواعدُ الشريعة تُحرِّمُه.

واعلَم – أيها المسلم – أن الصيامَ تجبُ نيَّتُه من الليل؛ عن حفصَة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يُجمِع الصيامَ قبل الفجر فلا صيامَ له)؛ رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

وفي الحديث: (من أفطرَ يومًا من رمضان من غير عُذرٍ لم يقضِه وإن صامَ الدهرَ).

 

 

عباد الله: ]إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[ الأحزاب 56.

وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا).

فصلُّوا وسلِّموا على سيِّد الأولين والآخرين، وإمام المرسلين.

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وارضَ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتِك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمُسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمُسلمين، اللهم أذِلَّ الكفرَ والكافرين يا رب العالمين.

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *