الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي مَنَّ على عباده بمواسم الخيرات ليغفر لهم الذنوب ويجزل لهم الهبات، وفَّق من شاء لاغتنامها فأطاعه واتّقاه، خذل من شاء فأضاع أمره وعصاه، أحمده وأشكره، أكمل لنا الدين وأتمَّ علينا النعمة، رضي لنا الإسلام ديناً وشرع لنا الأعمال الصالحة، ووفق للقيام بها ورتب عليها الأجر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :

فاتقوا الله تعالى ربكم أيها المؤمنون وعظموا ما عظمه فإن ذلك من تقواه قال تعالى:  (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [ الحج 32ِِ]

يقول الله – جل في علاه- : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [ التوبة 36 ]

عن أبي بكرة – رضي الله عنه- أن النبي – صلى الله عليه وسلم – خطب في حجته فقال: (إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) أخرجه البخاري ومسلم.
أيها المؤمنون: لقد دخلنا في شهر من أشهر الحرم وهو شهر ذو القعدة، وها نحن في الأسبوع الأخير منه، ويتبعه شهر حرام آخر وهو شهر ذو الحجة، روي عن كعب أنه قال: (اخْتَارَ اللهُ الزَّمَانَ، فَأَحَبُّ الزَّمَانِ إِلَى اللهِ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ، وَأَحَبُّ الأشْهر الحُرُمُ إلى الله ذِي الْحِجَّةَ، وَأَحَبُّ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى اللهِ الْعَشْرُ الْأُوَلُ)، فتح الباري لابن رجب.  

وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال : يقول رسول الله  صلى الله عليه وسلم : (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ (يعني أيامَ العشر).

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ) أبو داود ، الحديث رقم 2438 ، ص 370.

أيها المؤمنون: من أكبر وظائف ذي القعدة وعشر ذي الحجة حسن اختيار الأضحية لما رواه الترمذي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى الله مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلاَفِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ الله بِمَكانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الأَرْضِ فطِيبُوا بِهَا نَفْساً) رواه الترمذي وصحح الحاكم إسناده، صححه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح.

فما حكم الأضحية؟ وما شروط صحتها؟

اختلف العلماء في حكمها على قولين:
الأول: أنها سنة مؤكدة، وهذا قول الجمهور.

واستدل الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ) رواه مسلم.
وبأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن أمته، وبقوله: (ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَلَكُمْ تَطَوُّعٌ: النَّحْرُ، وَالْوِتْرُ، وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ)، أخرجه الحاكم .
الثاني: أنها واجبة، وهو قول الأوزاعي والليث، ومذهب أبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن أحمد
ومن أدلة القائلين بالوجوب ما روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:  مَنْ وَجَدَ سَعَةً لأَنْ يُضَحِّىَ فَلَمْ يُضَحِّ؛ فَلاَ يَحْضُرْ مُصَلاَّنَا) أخرجه أحمد والحاكم وحسنه الألباني في صحيح الترغيب 1087.

ومن حكمة مشروعية الأضحية التقرب إلى الله تعالى بفعل أمره (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر[، وإعلان التوحيد) (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [ الأنعام 162 ]، وشكر لنعمة الله، وإطعام للمساكين، وتوسعة على الأهل.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) [ الحج 37 ]، بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي شرع لعباده التقرب إليه بذبح القربان وقرن النحر بالصلاة في محكم القرآن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل والامتنان، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من قام بشرائع الإسلام وحقق الإيمان صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما .

عباد الله: أما شروط صحة الأضحية فهي ستة كالآتي:

أحدها : أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها لقوله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) [ الحج 34 ]، وبهيمة الأنعام هي الإبل ، والبقر ، والغنم هذا هو المعروف عند العرب ، وقاله الحسن وقتادة وغير واحد .

الشرط الثاني : أن تبلغ السن المحدود شرعاً، ويجزئ من الضأن ما بلغ ستة أشهر، ومن الماعز ما بلغ سنة، ومن البقر ما بلغ سنتين ومن الإبل ما بلغ خمس، قال r: (لا تَذبَحوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا أن تَعسُرَ عَلَيكُم فتَذبَحوا جَذَعَةً مِنَ الضأنِ) . رواه مسلم .

والجذع : ما تم له نصف سنة، فلا تصح التضحية بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز، ولا بما دون الجذع من الضأن .

الشرط الثالث : أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء وهي أربعة :

1 ـ العور البين: وهو الذي تنخسف به العين، أو تبرز حتى تكون كالزر، أو تبيض ابيضاضاً يدل دلالة بينة على عورها .

2 ـ المرض البين: وهو الذي تظهر أعراضه على البهيمة كالحمى التي تقعدها عن المرعى وتمنع شهيتها، والجرب الظاهر المفسد للحمها أو المؤثر في صحته، والجرح العميق المؤثر عليها في صحتها ونحوه.

3 ـ العرج البين: وهو الذي يمنع البهيمة من مسايرة السليمة في ممشاها .

4 ـ الهزال المزيل للمخ : لقول النبي r حين سئل ماذا يتقي من الضحايا فأشار بيده وقال: (أربعاً : الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لاَ تُنْقِي)، رواه مالك في الموطأ من حديث البراء بن عازب.

الشرط الرابع : أن تكون ملكاً للمضحي، أو مأذوناً له فيها من قبل الشرع، أو من قبل المالك فلا تصح التضحية بما لا يملكه كالمغصوب والمسروق والمأخوذ بدعوى باطلة ونحوه؛ لأنه لا يصح التقرب إلى الله بمعصيته. وتصح تضحية ولي اليتيم له من ماله إذا جرت به العادة وكان ينكسر قلبه بعدم الأضحية .

الشرط الخامس : أن لا يتعلق بها حق للغير فلا تصح التضحية بالمرهون.

الشرط السادس : أن يضحي بها في الوقت المحدود شرعاً وهو من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فتكون أيام الذبح أربعة: يوم العيد بعد الصلاة، وثلاثة أيام بعده، فمن ذبح قبل فراغ صلاة العيد، أو بعد غروب الشمس يوم الثالث عشر لم تصح أضحيته؛ لما روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي r قال : (مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ).

أيها المؤمنون: أحسنوا اختيار أضاحيكم، واسعوا لتيسيرها على غيركم، فإن حسن اختيار الأضحية تعظيم لشعائر الله (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)

وصلوا وسلموا على النذير البشير وعلى آله وأصحابه … اللهم صل على محمد ………………….
اللهم! إنا نسألك الهدى والتقوى والعفاف والغنى ………………….

اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، واجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين،…. الحمد لله رب العالمين .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *