الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه وفضله على سائر مخلوقاته بالعقل وكرمه، أحمده – سبحانه – وهو المحمود على كل حال، وأشكره على ما خولنا فيه من النعم الجزال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الربوبية والألوهية، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إلى كل البرية صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا …
أما بعد:

أيها الناس، أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأداء الواجبات واعلموا رحمكم الله أن من أهم ما أوجب الله عليكم تربية أولادكم فإنهم أمانة في رقابكم وقد استرعاكم الله عليهم ولابد سائلكم عنهم، وسيحاسبكم على ما عملتموه نحوهم، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر…
أيها الآباء، أيها الأمّهات .. معاشر المربين : لا همّ مثل همّ التربية ..

اغرسوا فيهم عقيدة التوحيد؛ تثبت بها قلوبهم، وتسكت إليها نفوسهم، وتنشرح بها صدورهم وتلهج بها ألسنتهم، وتقوم عليها أعمالهم، ربّوهم على تقوى الله وخشيته ومراقبته = حتّى لا يرجو الولدُ إلّا ربّه ولا يخاف إلّا ذنبه.

يتعلقون بالله عزّ وجلّ ويتوكلون عليه ويتمسكون بكتابه ويلتزمون بسنة نبيه ويستعينون بالصبر والصلاة ويذكرون الله كثيرًا.

اجعلوا طاعة الله لهم دثارا، والخوف منه شعارًا والإخلاص له زادًا، والصدق جُنّة، ومن استحيا من الله بلّغه عالي المقامات ورفيع المنازل.

علموهم أنّ الله سبحانه قد حكم أن لا يطيعه أحدٌ إلّا أعزّه ولا يعصيه أحدٌ إلّا أذلّه، العزّ مربوط بطاعة الله والذلُّ مربوط بمعصية الله.

معاشر المربين .. حببوا إليهم القراءة، وطلب العلم؛ فالعلم سلوة العيش ودليل الحيرة وأنيس الوحشة وخير ما يُعلّمون كتاب الله تلاوة وحفظًا واستماعًا في البيت والمدارس وفي سائر المرافق والأحوال، وبقدر ما يقرأ الولد من كتاب الله = تزداد طمأنينته وتحصل سعادته.

أيها المربين: أقيموا ألسنتهم بلغة القرآن؛ حتّى تحفظ لغتهم ويحلوَ بيانهم.

معاشر الأحبّة: ليس أعظم ضعفًا ولا أشدّ هُزالًا، من أن تتكلم الناشئة بغير لغتها، وتؤرّخ بغير تاريخها، وتُفاخر بغير انتاجها، وتحتفل بغير أعيادها !

ربّوهم على الفضيلة ومكارم الأخلاق؛ فبالفضائل تُدفع الرذائل، فجمال العقل بالفكر، وجمال اللسان بالصمت، وجمال الكلام بالصدق، وجمال الحال بالاستقامة… والقعود عن الفضائل بئس الرفيق.

معاشر الإخوة: من أعظم وسائل التربية وأنجحها: التربية بالقدوة. الأبناء بحاجة إلى قدوات لا إلى نُقّاد.

جالسوهم .. تحدثوا إليهم، فرّغوا أنفسكم من أجلهم؛ إنكم إن لم تجدوا لهم عندكم وقتًا = فلن تجدوا عندهم لكم مكانًا.

إعطاؤهم من وقتكم خير لهم من إعطائهم من مالكم، وأن تستثمروا فيهم خير لهم من أن تستثمروا لهم.

كونوا لهم قدوة: بحكمة العقل وعفّة اللسان وصدق الحديث وطهارة اليد وحسن الخلق.

يقول عمر بن عتبة – مخاطبًا معلم ولده -: (ليكن أوّل إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإنّ عيونهم معقودة بعينك؛ فالحسن عندهم ما صنعت والقبيح عندهم ما تركت).

معاشر المربين: بثّوا فيهم الوعي؛ فلا يصدّقوا كل صورة، ولا يستسلموا لكل تغريدة، ولا يقبلوا كل معلومة؛ ففي كثير منها مواقع الخَلل ومواطن الزلل. لا يجعلوا مواقع التواصل محطات عبور لشائعة أو سبيل لريبة أو طريق لكذبة تبلغ الآفاق؛ فالأوزار مكتوبة والآثام محسوبة بلمسة لم تكن في الحسبان!

بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآيات والهدي والبيان، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

—————– 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي لا يضيع أجر العاملين ويضاعف الحسنات للمحسنين، أحمده – سبحانه – على فضله العميم وأشكره على ما أولانا من كرمه الجسيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وسلم..
معاشر المسلمين: من أعظم ما يُستهدف في التربية إقامة بناء الشخصية في الناشئة، والاعتزاز بالقيم، والاعتداد بالنفس، والبعد عن التقليد المميت، والحذر من الاندفاع وراء مهازل المشاهير في ملبس أو مشرب أو سلوك؛ فالعزّة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكنّ المنافقين لا يعلمون.

اغرسوا فيهم: أن الباطل باطل ولو كثُر أتباعه، والحقّ حقٌّ ولو قلّ أتباعه، وراية الحقّ قائمة وإن لم يرفعها أحد، وراية الباطل ساقطة ولو رفعها كل أحد، والحرام حرام ولو فعله كلّ الناس !

شجعوهم على الجد، وحفظ الوقت، وشغل وقت الفراغ، وتحمل المسؤولية، واتّخاذ القرار؛ فمن أكثر الرُقاد = لم يحقق المراد، ومن كثر نومه سبقه قومه، وحب الراحة يورث الندم، ولا يبلغ الأمل إلا بالجد والعمل، والهداية طريقها المجاهدة ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ العنكبوت 69

 وبعد حفظكم الله .. فإنّ من علامة صحة التربية: قلّة الخلاف، وحسن الإنصاف، وترك تطلب العثرات، والتماس الأعذار، واحتمال الأذى، ولين الكلام، وطلاقة الوجه.  ومن العدوان في التربية: كثرة اللوم، ورفع الصوت، والمقارنة بالآخرين.

 والذي يجمع أساليب التربية ويحقق ثمرتها = التفاهم بين الوالدين والانسجام والهدوء والاستقرار في البيت في محبّة ورفق وتشجيع وثقة وتغاضٍ وتسامح؛ فينتج بإذن الله أبناءٌ صالحون، صحت عقائدهم وحَسُن سلوكم. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ التحريم 6

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا وسيدنا محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار…

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *