مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم الخطبة عنوان الخطبة معد الخطبة تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
85 عناية الإسلام بحقن الدماء وحفظ الأنفس الشيخ صالح آل طالب – المسجد الحرام 08/05/1444هـ  الموافق 02/12/2022م الأمانة العامة

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد :

فاتقوا الله تعالى حق التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].

التقوى شعورٌ حيٌّ في داخلِك يُشعِرك أن الله يراك ويُراقِبُك ويُحصِي عملك، فاتقوا الله واعلموا أنكم مُلاقوه.

أيها المسلمون: لله في خلقه إبداعٌ وتصوير، وله في ملكوته تكوينٌ مُذهِلٌ وتقدير، السماوات وعُمَّارُها، والأراضون وسُكَّانُها، والبحار وأعماقُها، وكل ما جرى عليه قدر النشأة وإرادة التكوين، كل أولئك بالغاتٌ من الحُسن أعلاه، ومن الجمال ذُراه، ومن الإبداع غايته ومُنتهاه.

ألا وإن محلَّ الإنسان من ذلك الخَلق، وقدرَه من ذلك الإبداع هو محلُّ الجوهرة من التاج، ومكان الغُرَّة من الجبين، الإنسان أحسنُ خلق الله تقويمًا، وأعدلُه تسويةً وأحكمُه تركيبًا، وأعظمُه حُرمةً وأكثرُه تكريمًا، وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء: 70]، يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار: 6 – 8]، وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين: 1- 4].

الإنسان بُنيان الله، وهو محلُّ التكليف من الخلق، رُوحه وديعةُ الله فيه، ودمُه أمانةٌ تنسابُ في أورِدَته ومجاريه، خلقَه وسوَّاه ونفخَ فيه من روحه، فأعظمُ الإثم وأشدُّ الحَوْب: أن يعتدي مُعتدٍ فيهدِم ذلك البُنيان، ويستلِبَ تلك الروح، ويُهدِر ذلك الدم، كائنًا من كان المُعتدِي وكائنًا من كان المُعتدَى عليه.

 

أما إذا كان المُعتدَى عليه مُسلمًا قد لهَجَ لسانُه بالشهادتين، واطمأنَّ قلبُه بالوحيَيْن، وذلَّتْ جوارِحُه لأحكام الدين؛ فإن العُدوان عليه أشد خطرًا، وأعظمُ وِزرًا، لذا كانت حُرمتُه أشدَّ من حُرمة الكعبة، وكان زوالُ الدين أهون عند الله من قتل رجلٍ مسلمٍ؛ رواه الترمذي، والنسائي.

إن مكانة الفرد في الإسلام رسالةٌ مُقدَّسةٌ تنزَّلت من رب العالمين: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء: 93]، وعيدٌ شديد لا يحتاج إلى شرحٍ أو تعقيب.

 

أيها المسلمون: لقد طال الأمَدُ على الناس بعد الأنبياء، وخبَت في نفوسهم قيمةُ الإنسان وحُرمتُه، فاسترخَصوا الدماء، واستسهَلوا الاعتداء، واحتقَروا الإنسان؛ إما لطمعٍ دنيوي، أو تأوُّلٍ ديني، أو دافعٍ عنصري وقبَلي، أو حِراكٍ سياسي، وجِماعُ ذلك كله: ضعفُ الدين في النفوس وبقايا جاهليةٍ في العقول.

لقد جاء الإسلام يوم جاء والعربُ ترفُلُ في ثيابٍ من الجهل، حُرمة البهيمة عند بعضهم أشد من حُرمة الإنسان، فلأجل ناقة البَسُوس امتدَّت حربٌ بين العرب لعقود، وذهَبَت فيها كثيرٌ من الأرواح، وانتقَضَت جراحٌ وسالَت شِعابٌ من الدماء، وكانت الحربُ بين الحيَّيْن من العرب تقومُ بسبب بيتٍ من الشعر أو كلمة، وقال قائلُهم: وأمرُ الحرب مبدأُه كلام.

وكان إذا قُتِل الشريفُ في قومٍ لم يبرُد دمُه إلا بالقِصاص من عددٍ من قومِ القاتل أو أشرافهم، إلى هذا القدر كان التساهُل في الدماء، واسترخاصُ الجِناية والاعتداء.

وكلما خبَت أنوار العلم في أمة، وتضاءَل الدينُ في نفوس أفرادها؛ كلما اقتبَسوا من تلك الجاهلية شُعَلاً، واستمدُّوا من جهلها جهلاً، إلى أن جاء الإسلام فكرَّم الإنسان، وجعل أول ما جعل معبودَه الله، وخلَّصه من عبادة الشجر والحجر، ثم أسَّس وعظَّم مسألة الدماء؛ فأكَّد القرآنُ الكريمُ شريعةً غابرةً من شرائع بني إسرائيل، فقال الله – عز وجل -: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة: 32].

لأن الاستهانة بحياة واحدٍ هي استهانةٌ بحياة الناس كلهم، وقتلُ النفس الواحدة هو بمثابة قتل الإنسانية جمعاء، فجعل الواحدَ يُساوي أمةً في حُرمة دمه، بعكس الجاهلية التي جعلت الأمةَ من الناس تُساوي واحدًا، إلا إنه عند الإحياء جعل القرآنُ إحياءَ الواحد يُساوي إحياءَ أمة.

وتوالَت النصوص وتتابَعَت التشريعات تحفظُ للإنسان دمَه، وتحرِمُ رُوحه وحقَّه في الحياة مُسلمًا كان أو كافرًا؛ بل إن أعظم ذنبٍ – وهو الشرك – أجمعَت الأمة على أن لمن اقترَفَه توبة منه – وهو الإسلام والتوحيد -، في حين أن القاتل اختلف أهلُ العلم فيه هل له توبةٌ أو لا؟ إلى هذا الحد بلغ الخطرُ في التعرُّض للإنسان قتلاً كان أو جرحًا، قال رسول الله – ﷺ-: «كل دمٍ عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموتُ كافرًا، أو الرجل يقتل مؤمنًا متعمِّدًا»؛ أخرجه أبو داود، وقال الحاكم: صحيحٌ الإسناد، وأخرجه النسائي أيضًا.

وقد كان ابن عباس وجمعٌ من الصحابة – رضي الله عنهم – يرون أنه لا توبة لقاتل المؤمن عمدًا.

وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – ﷺ -: «لن يزال المسلمُ في فُسحةٍ من دينه ما لم يُصِب دمًا حرامًا»؛ البخاري.

وعن عبد الله بن عمر – t- قال: “إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسَه فيها: سفكَ الدم الحرام بغير حِلِّه”؛ البخاري.

وفي التنزيل العزيز: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [الفرقان: 68، 69].

وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال النبي – ﷺ -: «أول ما يُقضَى بين الناس في الدماء»؛ أخرجه البخاري ومسلم.

وفي “الصحيحين” قال النبي – ﷺ -: «أكبرُ الكبائر: الشرك بالله، وقتل النفس ..» الحديث.

 

عباد الله: ولأن الله اختصَّ بشأن هذه النفس وبأمر الروح فلا يملِك الإنسانُ أن يعتدِي على نفسه، أو يُزهِقَ روحَه، فهي وديعةُ الله ومُلكُه، ليس لصاحبها إلا حراستُها حتى تُستوفَى منه، فمن حاول الاعتداء على نفسه ولم يمُت عُوقِبَ، وإن مات فوعِيدُه في الآخرة شديد، وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا [النساء: 29، 30].

إن الانتحار والإلقاء بالنفس للهلاك جريمةٌ واعتداء تجاه الفطرة والإنسانية والدين، عن جُندب – رضي الله عنه – أن النبي – ﷺ – قال: «كان برجلٍ جراحٌ فقتلَ نفسَه، فقال الله: بَدَرَني عبدي بنفسه، حرَّمتُ عليه الجنة»؛ رواه البخاري ومسلم.

وفي “الصحيحين” أيضًا: شهِدَ النبي – ﷺ – لقاتل نفسه بالنار مع أنه كان يُجاهِد مع المسلمين، لكنه جزِعَ من جِراحه.

أيها المكروبون: من خاف شيئًا أو أصابه بلاء، أو نزلت به محنةٌ أو اشتدَّت عليه كُربة، فلا يجوز له أبدًا أن يقتُل نفسَه، فإن فعل فإن مصيره إلى النار.

إن بروز ظاهرة الانتحار تستلزِم من أرباب التربية والمُصلِحين وقفةً جادَّةً تجاه ملاحظة أصحابها وأسبابها ومُؤجِّجاتها؛ من ضعف الدين، والانحراف، والبَطَالة، وتعاطِي المُسكِرات والمُخدِّرات، ومُثيرات الضغوط النفسية في الحياة، يجبُ أن يُعالَج كل ما يؤدِّي إلى اليأس والإحباط، وأن تُربَّى النفوس على الإيمان بالله، والاعتصام به، واللَّجَأ إليه، وما يؤدِّي إلى الطمأنينة بالله، ولا يكون ذلك إلا بالتزكية بالإيمان.

 

عباد الله: ولما اقتضَت سنة الله في الكون أن يتعاظَم الشر في بعض النفوس فلا تنتهي عن شرها إلا بالقتل، وأن يصطرع الهدى والضلال فلا يحكم بينهم إلا السيف؛ كانت شِرعة الله العادلة: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 179]، القِصاص إبقاءٌ على الحياة كلها، وربطَ الأمرَ بالتقوى؛ لأنه بغير التقوى لا تقوم شريعة، ولا يُفلِح قانون، ولا يتحرَّج مُتحرِّج.

 

وما أكثر الأمراض النفسية والفكرية التي تظهر أو تخفى في سلوك الأفراد، وقد شُرِعت سيرٌ وعباداتٌ منوعة يستشفي بها الذين ينشُدون العافية، والذين يُؤثِرون حياة الشرف والسِّلم، فلا يبسُطون أيديهم بالأذى، ولا يلَغون في دمٍ أو عِرضٍ أو مال؛ فهل نعتذِر لشخصٍ يهتِك الحُرمات؛ لأنه مُستطار الشهوة، أو نعتذِر لسفَّاكٍ يُرخِصُ الدماء؛ لأنه مُنحرِف المزاج، وإلا فلماذا إذًا تُقتل الكلابُ المسعورة والذئابُ المُغتالة.

إن القاتل يُقتل ولا مساغ للجدال عنه، وإن القِصاص في النفس والأطراف شريعةٌ قديمة عادلةٌ حكيمة: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة: 45]، وكانت الشريعةُ حاسمةً في صيانة النفس بلا تهاونٍ ولا تساهُل.

أيها المسلمون: أحكام القِصاص والمغازي والحروب من أدق الأحكام وأكثرها تفصيلاً، وجُعِل أمرُها لأمراء المسلمين وقضاتهم، واحتيطَ في أمرها أشد الاحتياط، وكم غضب النبي – ﷺ – وتبرَّأ من فعل بعض أصحابه حين اجتهدوا وتجاوزوا في مقاتلة المُشركين، وعاتَبَ أسامة بن زيد عتابًا مُرًّا، وقال: «أقتلتَه بعد ما قال: لا إله إلا الله» حتى قال أسامة: ودِدتُ أني لم أُسلِم إلا حينئذٍ؛ متفق عليه.

وقال النبي – ﷺ -: «من خرج على أمتي يضرِبُ بَرَّها وفاجِرَها، ولا يتحاشَى من مؤمنها ولا يفي لذي عهدٍ عهدَه فليس مني ولستُ منه»؛ مسلم.

ألا فليسمع ذلك وليعِه شبابٌ أغرار جعلوا دماء المسلمين والمُستأمنين مسألةً خاضعةً لنقاش سُفهاء وجُهلاء لم يتجاوزوا ربيع العشرين من أعمارهم، فتنطلق رصاصةٌ هنا وتنفجِر عبوةٌ هناك، سالبةً معها أرواحًا ومُحدِثةً جِراحًا، ويأملون بعد ذلك الأجرَ من الله، وربما كُتِبوا في عِداد الأشقياء وهم لا يعلمون.

 

ألا فاتقوا الله تعالى في الدماء، واحذروا التهاون في إزهاق الأنفس والأرواح، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

  قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الأنعام: 151].

بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أيها المسلمون: ولما كانت كثيرٌ من وسائل الإعلام تُربِّي على العُنف قتلاً وجرحًا وضربًا، حتى إن كثيرًا من ألعاب الأطفال عبر الأجهزة والشاشات غصَّت بتلك المشاهد والمظاهر وتفنَّن صُنَّاعُها في جعل الأطفال يعيشون اللُّعبة وأجواءَها، ولما كانت كثيرٌ من المجالس والقنوات تُثير النَّعَرات الجاهلية والعنصرية القبَلية، وتحشن الشباب بتمايُزٍ موهوم، وتواريخ من صراعاتٍ عشائرية طرفَاها الجهل، والمنتصرة فيها الجاهلية، وقد قال النبي – ﷺ -: «من قاتَلَ تحت رايةٍ عمِيَّة يغضبُ لعُصبة، أو يدعو إلى عُصبة، أو ينصرُ عُصبةً فقُتِل فقِتلةٌ جاهلية»؛ أخرجه مسلم.

وقال – ﷺ -: «سِباب المسلم فسوق، وقِتاله كفر»؛ رواه البخاري ومسلم.

وقال – ﷺ -: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار». قلتُ: يا رسول الله! هذا القاتل، فما بالُ المقتول؟ قال: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه»؛ رواه البخاري.

ولما خَبَت كثيرٌ من قِيَم الجمال في النفوس، فأصبح التسامُح ضعفًا، والحلمُ هوانًا، وكتمُ الغيظ ذُلاًّ، ولما أُمِنَت العقوبات في بعض قضايا الاعتداءات أو خفَّت؛ قام سوق المتاجرة بالدماء، ودخل سماسرة العفو والصلح بأموال طائلة ومبالغ باهِظة، كان المجتمع بسبب ذلك كله بيئةً خِصبةً للاعتداءات، وميدانًا للمُشاحنات، واجتُرِئ فيه على الدم والجِراحات.

إنه لمن المُؤسِف أن تتربَّى بعضُ النفوس على العُدوانية والتربُّص بالآخرين، وأن يحمِل الشبابُ معهم أو في سياراتهم العصيَّ والسكاكين، وعدوهم كل من لا يُعجِبُهم، فما إن يختلفوا مع أحد حتى تنشَب المعارِك، وتُسال الدماء، وتُوقَع جِراحات، والملائكةُ تلعنُ من أشار إلى أخيه بحديدة، وفي “الصحيحين”: «من حمل علينا السلاح فليس منا»، وربما وصل الأمر إلى القتل.

وأروِقة المحاكم ومراكزُ الأمن تئِنُّ من مثل هذا، فما مبعثُ هذه الظاهرة وأسبابُها؟ وما هو طبُّها ودواؤها؟

إن المجتمع بأفراده ومؤسساته الحكومية والشعبية مسؤولٌ عن هذه الظاهرة ومعنِيٌّ بها، وهي مظهرٌ متخلِّفٌ وواقعٌ مُخجِل يجبُ أن تُبذَل الجهود لمحوه، وتُغرَس معاني الأُخُوَّة والفضيلة، والحب والتآلُف، والإحساس بالانتماء للمجتمع المسلم كالبيت الواحد، وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً [المؤمنون: 52].

 

هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير البرية، وأزكى البشرية: محمد بن عبد الله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، وارضَ اللهم عن الأئمة المهديين، والخلفاء المَرْضِيِّين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابة نبيك أجمعين، ومن سار على نهجهم واتبع سنتهم يا رب العالمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.

 

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *