مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم الخطبة عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
94

شهر رجب بين الإتباع والابتداع

الدكتور عثمان صالح تروري – عضو في مالي 05/07/1444هـ  الموافق 27/01/2023م الأمانة العامة

الموضوع: شهر رجب بين الإتباع والابتداع

الحمد لله مرسل النعم على العباد مدرارا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فضل أياما وشهورا، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله خير خلقه طرا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم على الخير بإحسان إلى يوم تبعث الخلائق إلى مولاهم نشورا

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى ربكم أيها المؤمنون، فإن تقواه مكفرة للذنوب والآثام ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ الأنفال 29 وبين لنا النبي ﷺ المراد بهذه الأربعة فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ  قَال : (إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) البخاري.

 

ولقد فضل الله تعالى أياما وليالي من هذه الأشهر المفضلة، ففضل ليلة القدر في رمضان وفضل يوم عرفة والأيام العشرة في ذي الحجة، وفضل يوم عاشوراء في المحرم وخصص الله تعالى بعض هذه الأشهر بعبادات لحكمة يعلمها فجعل شهر رمضان شهر الصوم الواجب، وجعل شهر ذي الحجة شهر حج بيته الحرام وشرع الصوم في يوم عاشوراء شكرا لنعمته كما ثبت ذلك في نصوص السنة.

 

أيها المؤمنون:  ولقد حل عليكم أحد الأشهر الحرم الأربعة وهو شهر رجب الذي بين جمادى وشعبان، ولقد علمنا أن له فضلا عاما لكونه واحدا من  الأشهر الحرم الأربعة، ولنتساءل هل له فضل خاص ؟ وهل لبعض أيامه فضل خاص؟ وهل شرع لنا النبي عبادة خاصة فيه؟

فالجواب عن هذه التساؤلات كما يلي: لم يرد في هدي نبيكم لشهر رجب شيء من الفضائل الخاصة، ولم يثبت ليوم من أيامه فضل خاص ولم يشرع لكم نبيكم عبادة خاصة من صوم أو صلاة في يوم من أيامه أو في ليلة من لياليه يقول ابن حجر رحمه الله: (لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه .. حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رويناه عن غيره). تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب، لابن حجر، ص6، وانظر: السنن والمبتدعات للشقيري، ص125.

وقال أيضاً: (وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب أو في فضل صيامه، أو صيام شيء منه صريحة: فهي على قسمين: ضعيفة وموضوعة،…) المرجع نفسه، ومن الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي يستند إليها بعض الناس في تخصيص شهر رجب بفضائل ما يلي:

– (خمس ليال لا ترد فيهن الدعوة: أول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان، وليلة الجمعة وليلة الفطر وليلة النحر) قال فيه المحققون إنه: حديث موضوع. السلسلة.

–  إن في الجنة نهرا يقال له: رجب (ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل) من صام من رجب يوما واحدا سقاه الله من ذلك النهر). قال فيه المحققون إنه : حديث باطل، السلسلة .

حديث: (اللهم بارك لنا في رجب و شعبان و بلغنا رمضان) رواه أحمد و الطبراني في الأوسط وقال عنه الهيثمي: رواه البزار وفيه زائدة بن أبي الرقاد قال البخاري منكر الحديث وجهله جماعة.  انظر:كتاب مجمع الزوائد للهيثمي 2 / 165 طبعة دار الريان لعام 1407هـ و ضعفه النووي كما في الأذكار و الذهبي كما في الميزان 3 / 96 طبعة دار الكتب العلمية لعام 1995م.
–  حديث: (فضل شهر رجب على الشهور كفضل القرآن على سائر الكلام) قال ابن حجر إنه موضوع انظر:كتاب كشف الخفاء 2 / 110 للعجلوني طبعة مؤسسة الرسالة لعام 1405هـ و كتاب المصنوع لعلي بن سلطان القاري 1 / 128 طبعة مكتبة الرشد لعام 1404هـ.
–  حديث: (رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي) رواه الديلمي وغيره عن أنس مرفوعا لكن ذكره ابن الجوزي في الموضوعات بطرق عديدة وكذا الحافظ ابن حجر في كتاب تبيين العجب فيما ورد في رجب، انظر : كتاب فيض القدير للمناوي 4 / 162 و 166 طبعة المكتبة التجارية الكبرى لعام 1356هـ، وكتاب كشف الخفاء للعجلوني 2 / 13 طبعة مؤسسة الرسالة لعام 1405هـ


أقول ما أصغيتم إليه وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من الذنوب والخطايا إنه بر رحيم كريم فاستغفروه وهو خير المسئول

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وصلواته وسلامه عل أشرف المرسلين

أيها المؤمنوناعلموا أن الناس قد أحدثوا في رجب استنادا على الهوى وعلى بعض الأحاديث الضعيفة أعمالا كثيرة يحسبونها قربة، ولكن القربة ما شرعه الله ورسول الله  ومن جملة هذه الأعمال:

1/ صيام رجب كله: ويستندون في ذلك على حديث باطل وهو حديث: (صوم أول يوم من رجب كفارة ثلاث سنين، والثاني كفارة سنتين، ثم كلّ يوم شهراً)

انظر: كتاب فيض القدير للمناوي 4 / 210  طبعة المكتبة التجارية الكبرى لعام 1356هـ .
2/  صلاة الرغائب:

أولاً: صفتها وردت صفتها في حديث موضوع عن أنس عن النبي ﷺ أنه قال: (ما من أحد يصوم يوم الخميس (أول خميس من رجب) ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة يعني ليلة الجمعة اثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة و ﴿إنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ﴾ ثلاث مرات، و ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ اثنتي عشرة مرة، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، فإذا فرغ من صلاته صلى عليّ سبعين، فيقول في سجوده سبعين مرة: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت العزيز الأعظم، ثم يسجد الثانية فيقول مثل ما قال في السجدة الأولى، ثم يسأل الله تعالى حاجته ، فإنها تقضى) .. قال رسول الله ﷺ: (والذي نفسي بيده، ما من عبد ولا أَمَة صلى هذه الصلاة إلا غفر الله له جميع ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر، وعدد الرمل، ووزن الجبال، وورق الأشجار، ويشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممن قد استوجب النار) إحياء علوم الدين / تبيين العجب  .

 

ثانياً: كلام أهل العلم حولها:

قال النووي في فتاواه: (هي بدعة قبيحة منكرة أشد إنكار، مشتملة على منكرات، فيتعين تركها والإعراض عنها، وإنكارها على فاعلها) فتاوى النووي 57  .

وقال ابن النحاس: (وهي بدعة، الحديث الوارد فيها موضوع باتفاق المحدثين ) تنبيه الغافلين 496. وقال ابن تيمية: (وأما صلاة الرغائب: فلا أصل لها، بل هي محدثة، فلا تستحب، لا جماعة ولا فرادى؛ فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي ﷺ نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام أو يوم الجمعة بصيام، والأثر الذي ذكر فيها كذب موضوع باتفاق العلماء، ولم يذكره أحد من السلف والأئمة أصلاً) الفتاوى.

3/ الاحتفال بالليلة السابعة والعشرين من رجب بالزعم أن الإسراء والمعراج وقع فيها: يقول ابن رجب: (لم يقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة، ليس فيها ما يقطع به) لطائف المعارف 233. وقد ذكر ابن حجر في فتح الباري الخلاف في شهره أنه قيل فيه إنه: رجب وقيل: ربيع الآخر، وقيل رمضان، وقيل شوال.

ولو فرضنا على أنه ثبت تعيين ليلة الإسراء والمعراج لَما شرع لأحد تخصيصها بشيء؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من صحابته أو التابعين لهم بإحسان أنهم جعلوا لليلة الإسراء مزية عن غيرها، فضلاً عن أن يقيموا احتفالاً بذكراها.

4/ تخصيصه بالذبح: لا بأس في الذبح في رجب كبقية شهور السنة، وأما تخصيصه أو تخصيص يوم فيه بالذبح فلم يصح ذلك في هدي النبي  ﷺ،  ويزيد فعله قبحا ما يحوم حوله من اعتقادات وخرافات باطلة … وقد روى ابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا فرعة ولا عتيرة) قال هشام في حديثه والفرعة أول النتاج والعتيرة الشاة يذبحها أهل البيت في رجب ( صحيح ) الإرواء 1180، الصحيح 2520 – 2521 ابن ماجه .

وبعد:  أيها الأحبة في الله: فلا بأس في الاجتهاد خلال شهر رجب في الطاعات المطلقة بكل أنواعها قياما وصياما وصدقة، فتكون فاضلة بفضل الشهر لا غير، وورد حديث في النهي عن الصيام فيه وهو ما رواه ابن ماجه عن ابن عباس أن النبي ﷺ نهى عن صيام رجب وقد قال المحققون فيه إنه ضعيف جدا _ سلسلة الضعيفة 404. ولذا يبقى الأمر على أصله وهو مشروعية العبادة المطلقة في رجب، وبقاء رجب في إطار الفضل العام لكونه من أشهر الحرم.

 

هذا فصلوا وسلموا على النذير البشير الذي قال المولى في شأنه ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾

اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وسلم، اللهم أحل علينا الشهر بالأمن والأمان والصحة والبركة والتوفيق للعمل الصالح وزدنا فيه إيمانا وتقوى، واحفظنا فيه بما تحفظ به عبادك الصالحين

وآخر دعوانا عن الحمد لله ربّ العالمين.

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *