مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
112 فضل المدينة النبوية وآداب زيارتها الشيخ د. عبد الرحمن السديس ـــ خطيب مسجد الحرام 13/11 /1444هـ  الموافق 02/06/2023م الأمانة العامة

 

الموضوع ” فضل المدينة النبوية وآداب زيارتها”

الخطبة الأولى

إن الحمد لله؛ نحمدُك ربي ونستعينُك ونستغفرُك ونتوبُ إليك، ونُثنِي عليك الخيرَ كلَّه.

فلله حمدٌ لا انقِضاءَ لعهدِه *** على عَدِّ ما أسدَى وقد قصُرَ الشُّكرُ

أحمدُه تعالى على نعمِه الغِزار، وأشكرُه على فضلِه المِدرار، سُبحانه هو ذو المَنِّ والاقتِدار، المُتفرِّدُ بالخلقِ والاختِيار،

وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيزُ الغفَّار، سُبحانه هو اللهُ الواحدُ القهَّار، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدَنا مُحمدًا عبدُ الله ورسولُه المُصطفى المُختار، خيرُ من درَجَ على ثرَى طَيبةَ دِيار الأنصار، ومُهاجَر الصحابةِ الأخيار، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله الأطهار، وصحبِه الأبرار، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ما تعاقَبَ الليلُ والنهار.

أما بعد .. فيا عباد الله: أُوصِيكم ونفسِي بخَير الوصايَا، ألا فاتَّقُوا الله – عزَّ وجل -؛ فهي جِماعُ الخيرات، وينبُوعُ البرَكَات، وأمانٌ من البلايَا، وحِصنٌ من الرَّزايَا، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾) آل عمران: 102)

 

مِلاكُ الأمرِ تقوَى اللهِ فاجعَلْ *** تُقاهُ عُدَّةً لصلاحِ أمرِك

وبادِرْ نحوَ طاعتِه بعَزمٍ *** فما تدرِي متى يُمضَى بعُمرِك

أيها المسلمون: إن المُتأمِّل في أحوالِ هذا الكَون يجِدُ أن أعظمَ الدلائِلِ على وحدانيَّةِ الله، وأكبرَ الشواهِدِ على ربوبيَّته وألوهيَّته، وكمال حِكمتِه وعلمِه وقُدرتِه: أنه – عزَّ وجل – يختارُ ما يشاءُ من الأشخاصِ والأمكِنة، ويخُصُّ ما يُريدُ من الأشياء والأزمِنة لمقاصِد عُظمَى، وغاياتٍ كُبرى تقومُ عليها مصالِحُ العباد، فلا شريكَ له – سبحانه – يختارُ كاختِياره، ويُدبِّرُ كتدبيره،﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ﴾ 

وإن من أجلَى ذلك الاختِيار – عباد الله -: اصطِفاءَه – سبحانه – طَيبةَ الطيِّبة المدينةَ النبويَّة المُنوَّرة؛ لتكون مُهاجَرَ رسولِه – صلى الله عليه وسلم -، هي بعد مكَّة خيرُ البِقاع، وأشرَفُ الأماكِن والأصقَاع، وتالِيَتُها في الحُرمة والإكرام، والتعظيمِ والاحتِرام.

دُرَّةُ الأوطان، وقُرَّةُ البُلدان، وزينةُ الأقطار، وبهجةُ الأمصار، إنها مدينةُ الحبيبِ المُصطفى – صلى الله عليه وسلم -، ومُستنبَتُ الشجرةِ الوارِفةِ، دولةُ الإسلام الأولى، فيها تمَّت قواعِدُ الدين، وعلى أرضِها الطيِّبة طُبِّقَت أحكامُ الإسلام وشُؤونُه.

 

نقرأُ في تأريخِها سيرةَ أمَّة، وُلدَت مع انبِثاقِ فَجرٍ أشرَقَت شمسُه، ومع انبِثاقِه أشرَقَ تأريخُها، فإذا به تأريخُ دولةٍ حافٍلٌ بكلِّ المعانِي والمُثُل إيمانًا وعقيدةً، وعُمرانًا وعلمًا وحضارةً.

يقول – سبحانه ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ ( الحجرات: 13)

إنها المدينةُ المُنوَّرة، لا زالَت بالخيرات والبرَكات مُسوَّرة، وطَيبةُ الحبيبة، وطابَةُ اللَّبيبَة، جعلَها الله مُنطلَقًا للرسالة الإسلاميَّة الخالِدة، ومُتنزَّلًا لوحيِه، ومهدًا لدعوةِ نبيِّه المُصطفى والمُجتبَى عليه – صلواتُ الله وسلامُه – تَتْرَى إلى يوم الدين.

قلعةٌ من قِلاعِ الهُدى، صَخرةٌ شمَّاء، تتهاوَى أمامَها سِهامُ العِدَا، هي منارةُ الإسلام، ومأرِزُ الإيمان، ومحضِنُ العقيدة، ومركَزُ الحضارة، ومُنطلَقُ القيادة والسيادة والريادة للعالَم الإسلاميِّ، على ضوء منهجِ الوسطيَّة والاعتِدال، ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾)  البقرة: 143 (

بعيدًا عن التطرُّف والغلُوِّ والإرهاب، والطائفيَّة والإرعاب؛ تحقيقًا للاعتِصام بالكتابِ والسنَّة، كما قال تعالى ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾)  آل عمران: 103(.

من هنا انطلَقَت حضارةُ الإسلام تنضَحُ خيرًا وأمنًا، ورحمةً وعدلًا، وتسامُحًا وسلامًا، ﴿ وَمَا  أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾  (الأنبياء: 107(.

على أساسِ التوحيدِ لله، وإخلاصِ الدينِ له، وتحقيقِ العقيدة الصحيحة، والمُعتقَد السليم، والمنهَج القَويم، وإعزاز معالِم المِلَّة، ورفع رايةِ السنَّة، ولُزوم منهَج السلَف الصالِح – رحمهم الله – الذي استمرَّ عليه نهجُ هذه البلاد المُبارَكة.

 

معاشِر المُسلمين:

إنها المدينةُ طَيبةُ الطيِّبة، أرضُ الهِجرة، وموطِنُ السنَّة، من زارَها قُربةً واحتِسابًا، وحُبًّا لتلك المرابِعِ لُبابًا، أثابَه البارِي أجرًى وثوابًا.

أليسَت هي مأرِزَ الإيمان؟! ومُهاجَر سيِّد ولدِ عدنَان – عليه الصلاة والسلام الأتمَّان الأكمَلان -؟!

أخرجَ الشيخان من حديثِ أبي هُريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم) -:  إن الإيمانَ ليأرِزُ إلى المدينةِ كما تأرِزُ الحيَّةُ إلى جُحرِها(

إخوة الإيمان: ومن فضائلِها – يا رعاكم الله -: أن الله – تبارك اسمُه، وجلَّ ثناؤُه – قد عطفَ الإيمانَ عليها، فقال – سبحانه -: (﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ﴾ )   الحشر: 9(

 

يقولُ الإمامُ مالِكٌ – رحمه الله – في سِياقِ ذِكرِه فضائِلَ المدينة على غيرِها من الآفاقِ: “إن المدينة تُبوِّئَت بالإيمانِ والهِجرةِ”.

ومن فضائِلِها – رحمكم الله -: أن اللهَ أمرَ نبيَّه – صلى الله عليه وسلم – بالهِجرة إليها؛ فعن أبي مُوسَى – رضي الله عنه – أراهُ عن النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – قال:  (رأيتُ في المنامِ أنِّي أُهاجِرُ من مكَّة إلى أرضٍ بها نَخلٌ، ذهَبَ وهَلِي إلى أنها اليمامَةُ أو هَجَر، فإذا هي المدينةُ يثْرِب) متفق عليه.

إخوة الإسلام: يا أحِبَّة سيِّد الأنام! نضَّر الله منكم الوُجوهَ، ألا وإن من أجلِّ فضائِلِ المدينة: أنه قد بُنِيَ فيها المسجِدُ النبويُّ الذي أُسِّس على التقوَى، قال تعالى: (﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾  )  التوبة: 108)

خرَّج مُسلمٌ في “صحيحه” من حديث أبي سعيدٍ الخُدريِّ – رضي الله عنه – قال: دخَلتُ على رسولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – في بيتِ بعضِ نسائِه، فقلتُ: يا رسولَ الله! أيُّ المسجِدَين الذي أُسِّسَ على التقوَى؟ قال: فأخَذَ كفًّا من حَصبَاءَ فضرَبَ به الأرضَ، ثم قال: «هو مسجِدُكم هذا، هو مسجِدُكم هذا  لمسجدِ المدينة(.

ومن مناقِبِ هذا المسجِدِ المُبارَك: أنه أحدُ المساجِدِ الثلاثة التي لا يجوزُ شَدُّ الرِّحالِ إلا إليها؛ فعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ – رضي الله عنه – قال: سمعتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ( لا تُشدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجِد: مسجِد الحرام، ومسجِدِي هذا، ومسجِد الأقصَى)   متفق عليه

ومن فضائِلِه أيضًا: أن الصلاةَ فيه مُضاعفَةُ الجزاءِ فرضًا ونَفلًا – في أصحِّ قولَي العُلماء -؛ فعن أبي هُريرةَ – رضي الله عنه -، أن النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال:  صَلاةٌ في مسجِدِي هذا أفضلُ من ألفِ صلاةٍ فيما سِوَاه إلا المسجِد الحرام  (متفق عليه

فيه بُقعةٌ هي رَوضةٌ من رِياضِ الجنَّة؛ فعن أبي هُريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -:  (ما بَين بَيتِي ومِنبَرِي رَوضةٌ من رِياضِ الجنَّة، ومِنبَرِي على حَوضِي) . رزقنا الله وإياكم زيارة مسجده صلى الله عليه وسلم .

 

معاشِر المُسلمين: لقد جعلَ الله هذه المدينةَ المُنِيفَة حرَمًا آمنًا، لا يُهراقُ فيها دم، ولا يُحمَلُ فيها سِلاحٌ لقِتالٍ.

خرَّج مُسلمٌ في “صحيحه” من حديث سَهلِ بن حُنَيفٍ – رضي الله عنه – قال: أهوَى رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – بيدِه إلى المدينة فقال: «(إنها حرَمٌ آمِنٌ).

فالمدينةُ حرامٌ ما بين لابَتَيْها وحرَّتَيها، وجبَلَيْها ومأزِمَيْها؛ فعن عليٍّ – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -)المدينةُ حرَمٌ ما بَين عَيْرٍ إلى ثَورٍ( متفق عليه.

لا يُنفَّرُ صَيدُها، ولا يُؤخَذُ طَيرُها، ولا يَعضَدُ شَوكُها، ولا يُقطَعُ عِضاهُها، ولا يُختَلَى خَلاها، ولا يُقطَعُ منها شَجرة إلا أن يُعلِفَ الرَّجُلُ بعِيرَه، ولا تُلتَقَطُ لُقطتُها إلا لمُنشِد.

ولا يَكِيدُ أهلَ المدينةِ أحَدٌ أو يُريدُهم بسُوءٍ أو شرٍّ إلا انْمَاعَ كما ينْمَاعُ المِلْحُ في الماءِ.

يقولُ رسولُ الهُدى – صلى الله عليه وسلم -: «مَن أخافَ أهلَ المدينةِ ظُلمًا أخافَه الله – عزَّ وجل -، وعليه لعنةُ الله والملائكةِ والناسِ أجمعين، لا يَقبَلُ الله منه يوم القيامةِ صَرفًا ولا عَدلًا) (أخرجه الإمامُ أحمدُ في “مسنَده(

 

أيها المُسلمون: ومَن أظهرَ في المدينة حَدَثًا، أو آوَى مُحدِثًا، فقد عرَّضَ نفسَه للوَعيدِ الشديدِ.

يقولُ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم  ) :  المدينةُ حرَمٌ ما بَين عَيْرٍ إلى ثَوْرٍ؛ فمَن أحدَثَ فيها حَدَثًا، أو آوَى مُحدِثًا فعليهِ لعنةُ الله والملائكةِ والناسِ أجمعين، لا يَقبَلُ الله منه يوم القيامةِ صَرفًا ولا عَدلًا) (متفق عليه(

أمة الإسلام: ومِن فضائِلِ المدينة: أنها حَبيبةُ المحبُوبِ – صلى الله عليه وسلم – بأبي هو وأُمِّي – عليه الصلاة والسلام -، الذي كان يقولُ: «اللهم حبِّبْ إلينَا المدينةَ كحُبِّنا مكَّة أو أشدَّ) متفق عليه

فهي دارُه ومُهاجَرُه، فيها نُصِبَ مِحرابُه، ورُفِعَ مِنبَرُه، وفيها مضجِعُه، ومنها مبعَثُه.

بلدةٌ محبُوبةُ السُّكنَى، طيِّبةُ المثوَى، سُكنُها مع الإيمانِ شرَفٌ سابِغٌ، واستِيطانُها مع العقيدةِ الصحيحةِ والتقوَى عِزٌّ شامِخ.

فيا هناءَ ساكِنِيها! ويا سعادةَ قاطِنِيها! ويا بُشْرَى مُجاوِرِيها وزائِرِيها!

كان رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – إذا قدِمَ من سفَرٍ ونظرَ إلى جُدرانِها ودَوحَاتها ودرجَاتها أوضَعَ راحِلَتَه، وحرَّكَ دابَّتَه، واستحَثَّها، وأسرَعَ بها حُبًّا في المدينةِ، فإذا أشرَفَ عليها قال: «هذه طابَة، وهذا أُحُدٌ جبَلٌ يُحبُّنَا ونُحِبُّه».

 

أيها المُسلمون: وفي سُكنَاها من البَرَكة ما يُستحقَرُ دُونَها كلُّ رغَدٍ ورَخاءٍ.

عن أبي هُريرة – رضي الله عنه -، أن رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «يأتِي على الناسِ زَمانٌ يدعُو الرَّجُلُ ابنَ عمِّه وقرِيبَه:

إخوة الإيمان: والمدينةُ مُبارَكةٌ في صاعِها ومُدِّها، ومُكْيَالِها وتَمرِها، وقَليلِها وكثيرِها، دعَا لها النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – بالبَرَكة فقال: «اللهم اجعَل في المدينةِ ضِعفَي ما بمكَّة من البَرَكة، واجعَل البَرَكةَ برَكَتَين  (متفق عليه

 

أيها المُسلمون:

إن العِنايةَ بالمدينة الشريفة مُتعيِّنة، والرِّعاية لعِظَم حُرمتها لكل خيرٍ مُتضمِّنة، والوسيلةَ بنشرِ شرَفِها شافِعة، والفضيلةَ لأشتاتِ معاهِدِها جامِعة، وجَديرٌ بمواطِن عُمِّرَت بالوحيِ والتنزيلِ، وتردَّدَ فيها جِبرائيلُ وميكائِيل، وعرَجَت منها الملائِكةُ والرُّوح أن تُعظَّمَ عرَصَاتُها، ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾)  الحج: 32  (

معاشِر المُجاوِرِين الأماثِل .. والزائِرِين الأفاضِل: ينبَغِي لمَن أرادَ المُجاوَرَة والزيارةَ للمدينة النبويَّة المُنوَّرة أن يكون ليِّنَ الأعطاف، هيِّن الانعِطاف، حافِظًا لحُرمةِ مكانِها، مُحافِظًا على مُراعاةِ سُكَّانها، يُشارِكُهم في أنديَتِهم لا في أغذِيَتهم، ويُزاحِمُهم في أوقاتِهم لا في أقوَاتهم، ويكتسِبُ من لأخلاقِهم لا مِن أرزاقِهم، ويقتَبِسُ مِن بِرِّهم لا مِن بُرِّهم، ويرغَبُ في حُبِّهم لا في حَبِّهم.

معشَر الزوَّار الأخيار: وأنتُم تقدُمُون إلى مدينةِ المُصطفى المُختار – بأبي هو وأُمِّي – عليه الصلاة والسلام – تذكَّرُوا وجوبَ اتِّباع سُنَّته، واقتِفاءَ محجَّته، والارتِواءَ مِن سِيرتِه، قال تعالى ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾   آل عمران: 31(

 

ومُقتضَى طاعتِه ومحبَّتِه – صلى الله عليه وسلم -: تعلُّمُ آداب زيارة مسجِدِه، وآداب السلامِ عليه وعلى صاحِبَيه – رِضوانُ الله عليهما -، وآداب الإقامةِ في مدينتِه النبويَّة المُنوَّرة، لا زالَت بالبرَكات مُحاطةً مُسوَّرة، وتجريدُ المُتابعةِ له في أخلاقِه المُحمديَّة، وشمائِلِه المُصطفويَّة، وعدمُ التقدُّم عليه ورفعُ الصوتِ عندَه، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾)   الحجرات: 2، 3).

أمة الإسلام: إن الواجِبَ علينا جميعًا أن نرعَى الآدابَ الشرعيَّة تِجاهَ هذه المدينة الطاهِرة، وتِجاهَ هذا المسجد النبويِّ الشريفِ. ولكن، الله المُستعان! هل من الأدبِ أن يُمارِسَ العبدُ فيها ما يُخالِفُ العقيدةَ الصحيحةَ، والسنَّةَ القويمَةَ، أو يقترِفَ بدعةً أو مُخالفةً.

 

ألا فاتَّقُوا الله – عباد الله -، اتَّقُوا الله – يا أحبابَ رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم -، وأحسِنُوا الأدبَ مع مدينةِ سيِّدِ الأبرار، والتَزِمُوا جميعًا بالآداب الإسلاميَّة، والأخُوَّة الدينية في مسجِد خيرِ البرِيَّة.

وإن علينا جميعًا أن نحمدَ اللهَ ونشكُرَه على ما حبَانَا من نعمةِ هذه البِقاعِ المُبارَكة، وأن نرعَى الأدبَ فيها، والأمنَ والنظامَ في رُبُوعِها وبين زائِرِيها، ونتعاوَن مع رِجالِ أمنِنا والعامِلِين في شُؤون المسجِد الحرام والمسجِد النبويِّ، لا زالُوا مُوفَّقين مُسدَّدين، وأن يتفرَّغَ زائِرُوها للزيارَة، ولا ينشغِلُوا عن العبادة والزيارة بالهواتِفِ المحمُولة، أو التصوير، أو نحوِه، وأن يجتنِبُوا الزِّحامَ والإيذاءَ لإخوانِهم.

والمرأةُ إذا حضَرَت هذا المسجِدَ الشريفَ فينبغي أن تتحلَّى بالحِجابِ والعفافِ والاحتِشام، وعدم الاختِلاطِ بالرِّجال.

نسألُ الله تعالى بأسمائِه الحُسنى، وصِفاتِه العُلَى أن يرزُقَنا التأدُّبَ بآدابِ الإسلام، وأن يرزُقَنا اتِّباعَ سُنَّة سيِّد الأنام بمنِّهِ وكرمِه.

اللهم أورِدنا حوضَه، اللهم أورِدنا حوضَه، اللهم ارزُقنا شفاعَتَه، اللهم اسقِنا بيدِه الشريفةِ شربَةً لا نظمَأُ بعدَها أبدًا.

– عليه أفضلُ الصلاة وأتمُّ التسليم -، وعلى آلِهِ الطيبين الطاهِرين، وصحابتِه الكرامِ الغُرِّ الميامِين بمَنِّ الله وكرَمِه.

أعوذُ بالله من الشيطانِ الرجيم    ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾)  الأحزاب: 21(.

بارَكَ الله لي ولكم في الوحيَين، ونفعَني وإياكم بهَديِ سيِّد الثَّقَلَين، أقولُ قولِي هذا، وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولجميعِ المُسلمين والمسلمات من كلِّ الذنوبِ والخطيئَاتِ؛ فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إنه كان للأوَّابِين غفورًا.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله ذي الطَّولِ نِعَمًا وامتِنانًا، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أفاضَ علينا من جَزيلِ آلائِه أمنًا وإيمانًا، وأسبَغَ علينا من كريمِ ألطافِهِ مَنًّا وإحسانًا، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، صلَّى الله وبارَك عليه، وعلى آلِهِ وصحبِه والتابِعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتَّقُوا الله – عباد الله -، واشكُروه على ما مَنَّ به عليكم من هذه الأماكِن المُقدَّسة، والبِقاع الشريفةِ المُعظَّمة.

إخوة الإسلام: ألا وإن من فضلِ الله – سبحانه -: أن حظِيَت مدينةُ المُصطفى – صلى الله عليه وسلم – بمزيدِ العنايةِ الفائِقَة، والرِّعاية السانِقَة من وُلاةِ الأمر في بلادِنا المُبارَكة المملكة العربيَّة السعوديَّة، منذ تأسِيسِها على يدِ العبدِ الصالحِ والإمامِ العادلِ عبد العزيز بن عبد الرحمن – رحمه الله – إلى هذا العصر عهدِ خادمِ الحرمَين الشريفَين الملكِ سَلمان بن عبد العزيز – وفَّقه الله .

فجزَى الله قادةَ هذه البلادِ المُبارَكة بلاد التوحيدِ، بلاد القرآن والسنَّة، بلاد الحرمَين الشريفَين، بلاد نُصرة قضايَا المُسلمين في كل مكان خيرَ الجزاءِ وأوفاه، وأثابَ خادمَ الحرمَين الشريفَين خيرًا على تلك الجُهود المُسدَّدة في خِدمةِ الحرمَين الشريفَين وقاصِدِيهما وزائِرِيهما، وعلى ما قدَّم ويُقدِّمُ للإسلام والمُسلمين، جعلَها الله في موازِينِ أعمالِه الصالِحة.

هذا وصلُّوا وسلِّمُوا – رحِمَكم الله – على الهادِي البشير، والسِّراجِ المُنير، كما أمرَكم بذلك المولَى اللطِيفُ الخَبيرُ، فقال تعالى  ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾  )  الأحزاب: 56).

 

وقال – صلى الله عليه وسلم -: «مَن صلَّى علَيَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا)

اللهم صلِّ على مُحمدٍ وعلى آل مُحمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وبارِك على مُحمدٍ وعلى آل مُحمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالَمين، إنك حميدٌ مجيد.

﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾    (البقرة: 201)

سُبحانَ ربِّك ربِّ العزَّة عمَّا يصِفُون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *