مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم الخطبة عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
125 الشهادتان ركن من أركان الإسلام أحمد بن عبد الله الحزيمي 09 / 02 / 1445هـ  الموافق 25/ 08/ 2023م الأمانة العامة

 

الموضوع: ” ركن الإسلام الشهادتين”

 

الْحَمْدُ للَهُ الَّذِي خَلَقَ الْجَنَّةَ وَجَعَلَ مِفْتَاحَهَا لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَه، وَأَشْهَدُ أَن لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةَ مُخْلِصٍ فِيهَا مُوقِنٍ بِهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ محمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَأَخْلِصُوا الْعِبَادَةَ لِرَبِّكُمْ تَسْعَدُوا وَتَنْجُوا.

عِبَادَ اللَّهِ: يَقِفُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ سَرِيرِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ يَلْفِظُ آخِرَ أَنْفَاسِ الْحَيَاةِ.. فَيَقْضِي أَعْظَمَ حَقٍّ لَهُ فِي الدُّنْيا عَلَيه وَهُوَ أَنْ يَدْعُوَهُ إِلَى التَّوْحِيدِ، فَيَقُولُ لَهُ: “أَيْ عَمِّ، قُلْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ”، فَيَأْبَى عَمُّهُ أَنْ يَقُولَهَا، وَيَتَمَسَّكُ بِمَا كَانَ عَلَيه آباؤُهُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، فَيُكَرِّرُهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَيَجْتَهِدُ، لَكِنَّ أَبَا طَالِبٍ يَأْبَى اتِّبَاعَهَا حَتَّى مَاتَ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ آدَمَ وَبَعْدَه إِلَى عَشرَةِ قُرُونٍ كُلُّهُمْ عَلَى تَوْحِيدِ اللهِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، ثُمَّ وَقَعَ الشِّرْكُ فِي قَوْمِ نُوحٍ فَعَبَدُوا مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرَى، فَأَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيهِمْ نُوحًا -عَلَيهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلامُ- يَدْعُوهُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللهِ ويُنْذِرُهُمْ نِقْمَةَ اللهِ وَعِقَابَهُ، فَاسْتَمَرُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ وَكُفْرِهِمْ وَضَلالِهِمْ وَلَمْ يُؤْمِنْ إلَّا الْقَلِيلُ، فَأهْلَكَهُمُ اللهُ بِالطُّوفَانِ.

 

 ثُمَّ جَاءَتْ عَادٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ هُودًا بَعْدَ نُوحٍ، فَسَلَكُوا مَسْلَكَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعِنَادِ وَالْكُفْرِ بِاللهِ وَالضَّلالِ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ فَأُهْلِكُوا عَنْ آخِرِهِمْ وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ آمَنَ بِهُودٍ وَهُمُ الْقَلِيلُ.

 

ثُمَّ جَاءَ بَعْدَهُمْ أُمَمٌ أُخْرَى مِنهَا أُمَّةُ إبراهيمَ ولُوطٍ وَشُعَيْبٍ، وَأُمَّةُ يَعْقُوبَ وإِسحَاقَ ويُوسفَ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَهُمْ مُوسى وَهارُونَ وَداوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الأنبياءِ، كُلُّهُمْ دَعَوُا النَّاسَ إِلَى تَوْحِيدِ اللهِ كَمَا أَمَرَهُمْ رَبُّهُمْ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل:36]، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:25].

 

وَكُلُّهُمْ أَدَّوْا مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَلاغِ وَالْبَيَانِ، -عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلامُ-، بَلَّغُوا الرِّسَالَةَ وَأَدَّوُا الأمَانَةَ وَنَصَحُوا الأُمَّةَ، وَبَيَّنُوا لَهُمْ مَعْنَى “لا إلَهَ إلَّا اللهُ”، وأنَّ مِن دَلالَتِهَا إِخْلاَصُ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَأَنَّه هُوَ الْمُسْتَحِقُّ للْعِبَادَةِ دونَ مَا سِوَاهُ، وَأَنَّ الْأَشْجَارَ وَالْأَحْجارَ وَالْأَصْنَامَ وَالْكَوَاكِبَ وَالْجِنَّ وَالإِنْسَ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ إنَّما هِيَ خَلْقٌ مِن خَلْقِ اللهِ ﴿لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا﴾ [الفرقان:3]

 

ثُمَّ جَاءَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو إِلَى ذَلِكَ، يَدْعُو إِلَى الْإيمَانِ بِهَا، وَاعْتِقادِ مَعْنَاهَا، وَتَعْطِيلِ الْآلِهَةِ الَّتِي عَبَدُوهَا مِنْ دُونِ اللهِ وَإِنْكارِهَا، وَإِخْلاَصِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالْمُشْرِكُونَ يَأْبَوْنَ ذَلِكَ، وَيَقُولُونَ إِنَّهُمْ عَلَى طَرِيقَةِ أَسْلافِهِمْ، وَيَقُولُونَ: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزُّخْرُفِ:24] سَالِكُونَ مَسْلَكَ مَنْ قَبْلَهُمْ فِي الْعِنَادِ وَالْكُفرِ وَالضَّلالِ وَالتَّكْذيبِ، وَنَبِيُّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طِيلَةَ ثَلاثَةَ عَشَرَ سَنَةً فِي مَكَّةَ يَدْعُوهُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللهِ، وَإِلَى تَرْكِ الشِّرْكِ بِاللهِ، فَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ إلَّا الْقَلِيلُ، وَقَاتَلَهُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَعَارِكَ عَدِيدَةٍ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيهِ مَكَّةَ، وَدَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا.

 

فَهَذَا هُوَ الدِّينُ الْعَظِيمُ، دِينُ اللَّهِ، دِينُ الإِسْلامِ، الَّذِي بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ، وَأَصْلُهُ وَأَسَاسُهُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ، الَّتِي بَعَثَ اللهُ بِهَا جَمِيعَ الرُّسُلِ؛ فَلَا إِسْلامَ إلَّا بِهَا مِنْ عَهْدِ نُوحٍ إِلَى عَهْدِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لَا إِسْلامَ إلَّا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ قَوْلاً وَعَمَلًا وَعَقِيدَةً، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُ:”لَا إلَهَ إلّا اللهُ” بِلسَانِهِ وَيُصَدِّقُهَا بِقَلْبِهِ وَأَعْمَالِهِ، فَيُوَحِّدُ اللهَ، وَيَخُصُّهُ بِالْعِبَادَةِ، وَيَتَبَرَّأُ مِنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ.

 

مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ -أَيُّهَا الْمُوَحِّدُونَ- أَنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ هُوَ اللهُ وَحْدَهُ دُونَ مَا سِوَاهُ، فَلَا مَعْبُودَ بحَقٍّ سِوَى الله، وَكُلُّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ فَبَاطِلٌ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [الحج:62].

 

عِبَادَ اللَّهِ: كُلُّ مَنْ أَتَى بِناقِضٍ مِنْ نواقضِ الْإِسْلامِ أَبْطَلَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ؛ كَائِنا مَنْ كَانَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ إِنَّمَا تَنْفَعُ أهْلَهَا إِذَا عَمِلُوا بِهَا وَاسْتَقَامُوا عَلَيهَا، فَأَفْرَدُوا اللهَ بِالْعِبَادَةِ وَخَصُّوهُ بِهَا، وَتَرَكُوا عِبَادَةَ مَا سِوَاهُ، وَاسْتَقَامُوا عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيهِ مِنَ الْمَعْنَى، فأَطاعُوا أوامِرَ اللهِ وَتَرَكُوا نَوَاهِيَهُ، وَلَمْ يَأْتُوا بِناقَضٍ يَنْقُضُهَا. وَبِذَلِكَ يَسْتَحِقُّونَ كَرَامَةَ اللهِ، وَالْفَوْزَ بِالسَّعَادَةِ، وَالنّجاةَ مِنَ النَّارِ.

 

أَمَّا مَنْ نَقَضَهَا بِقَولٍ أَوْ عَمَلٍ فَإِنَّهَا لَا تَنْفَعُهُ وَلَوْ قَالَهَا ألْفَ مَرَّةٍ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ، فَلَوْ قَالَ: أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَصَلَّى وَصَامَ وَزَكَّى وَحَجَّ، وَلَكِنَّه يَعْتَقِدُ في أَحَدٍ أَنَّه يَنْفَعُ أو يَضُرُّ مِنْ دُونِ اللهِ؛ كمن يَعتقِدُ ذلكَ في الْجِيلانِيِّ، أَوْ الْبَدَوِيِّ أَوْ الْحُسينِ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ قُبُورِ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، أو يَدْعُوهُمْ أو يَسْتَغِيثُ بِهِمْ، أو يَنْذُرُ لَهُمْ، أَوْ يَطُوفُ عَلَى قُبُورِهِمْ، أو يَطْلُبُ مِنْهُمُ الْمَدَدَ وَالْعَوْنَ، لَمْ تَنْفَعْهُ “لَا إلَهَ إلّا اللهُ” وَصَارَ بِذَلِكَ كَافِرًا ضَالاً، وَناقِضًا لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، مُبْطِلاً لَهَا. وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: لَا إلَهَ إلّا اللهُ، وَصَلَّى وَصَامَ.. وَلَكِنَّه يَسُبُّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَوْ يَتَنَقَّصُهُ أَوْ يَهْزَأُ بِهِ، أَوْ يَقُولُ: إِنَّه لَمْ يُبَلِّغِ الرِّسَالَةَ كَمَا يَنبغِي، أَوْ يَعِيبُهُ بِشَيْءٍ مِنَ الْعُيُوبِ، صَارَ كَافِرًا.

 

وكذلكَ لَوْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَجَحَدَ وُجُوبَ الصَّلاَةِ، فَقَالَ: إِنَّ الصَّلاَةَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً، أَوْ الصَّوْمَ لَيْسَ وَاجِبًا، أَوْ الزَّكاةَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً، كَفَرَ إِجْمَاعًا وَلَمْ يَنْفَعْهُ قَوْلُهُ: “لَا إلَهَ إلّا اللهُ”

وكَذا مَن أَحَلَّ شيئًا مِمَّا أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِهِ -كالزِّنا أو الخمرِ- كَفَرَ عندَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِهَذَا ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ -رحِمَهُمُ اللهُ- فِي كُتُبِهِمْ بَابًا ذكروا فيهِ أحكَامَ الْمُرْتَدِّ، وَهُوَ الَّذِي يَكْفُرُ بَعْدَ إِسْلامِهِ، وَذَكَرُوا فِيه أَنْوَاعًا مِنْ نَواقِضِ الْإِسْلامِ؛ كالكُفرِ باللهِ أو بِنبوَّةِ أحدِ الرُّسلِ أو وجودِ الملائكةِ أو الجنَّةِ والنَّارِ ونحوِ ذلكَ مِن أُمُورِ الإسلامِ المتوَاتِرَةِ؛ فللهِ الْحَمْدُ أَوَّلاً وآخِرًا، وَلَهُ الشُّكرُ ظاهِرًا وَباطِنًا أَنْ عَرَّفَنَا بلَا إلَهَ إلّا اللهُ، وجَعَلَنَا مِنْ أَهْلِهَا، اللهمَّ أَحْينَا على لَا إلَهَ إلّا اللهُ، وَتَوَفَّنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَاجْعَلْهَا آخِرَ كَلِمَةٍ نَقُولُهَا فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ.

أَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ …

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ وَاقْتَفَى أَثَرَهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

إنَّ كَلِمَةَ “لا إلهَ إلا اللهُ” ليستْ اسمًا لا مَعنى لَهُ، أوْ قولًا لا حقيقةَ لَهُ، أوْ لفظًا لا مَضمُونَ لَهُ -كما قدْ يظنُّهُ البعضُ-، بلْ هوَ اسمٌ لمعنًى عظيمٍ، وقولٌ لَهُ معنىً جَلِيلٌ، هوَ أَجَلُّ مِنْ جَمِيعِ المعَانِي في هذهِ الدنيَا، وحَاصِلُهُ البراءةُ مِنْ عِبَادةِ كلِّ ما سِوَى اللهِ، والإقبالِ على اللهِ وَحدَهُ؛ طَمعًا ورَغَبًا، إِنابةً وتوكُّلاً، هيبةً لَهُ وإجلالاً.

 

فَصَاحبُ “لا إلهَ إلا اللهُ” لا يَسألُ إلا اللهَ، صَاحبُ “لا إلهَ إلا اللهُ” لا يَستغيثُ ولا يَتَوسَّلُ إلا باللهِ، ولا يتوكَّلُ إلا على اللهِ، ولا يَرجُو غيرَ اللهِ جلَّ وعلا، صاحبُ “لا إلهَ إلا اللهُ” لا يَذبحُ إلا للهِ، لا يَصرِفُ شيئًا منَ العبادةِ والخُضُوعِ والتَّذَلُّلِ إلا للهِ وَحدَهُ. صَاحبُ “لا إلهَ إلا اللهُ” لا يَطُوفُ على قَبرٍ، ولا يَعتقِدُ في وَليٍّ أنْ يَنفعَ أوْ يَضرَّ، ولا يَدعوهُ مِنْ دُونِ اللهِ.

صَاحبُ “لا إلهَ إلا اللهُ” لا يَأتِي سَاحرًا أوْ مُشعوِذًا أوْ كَاهنًا.

 

صَاحبُ “لا إلهَ إلا اللهُ” لا يَتَطَيَّرُ ولا يَتشَاءَمُ ولا يُعَلِّقُ تَمِيمةً أوْ حِرْزًا.

فلا إلهَ إلا اللهُ -أيُّها الموحِّدونَ- تُحَرِّرُ العَبدَ منْ رِقِّ المخلوقِينَ والتَّعلُّقِ بهمْ وخَوفِهمْ ورجائِهمْ والعَمَلِ لأجلِهمْ إلى التعلُّقِ بالواحدِ الأحدِ الفردِ الصَّمدِ سُبحانَهُ.

فاللهُ -جلَّ وعلا- يقولُ لسَيِّدِ الموحِّدينَ وأفضَلِ العَالمَيِنَ نبيِّنا محمدٍ ﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الزمر:13].

 

عبادَ اللهِ: إنَّ جَميعَ أعمالِ الإسْلامِ دَاخِلةٌ في شهادةِ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ؛ مِنْ إقامةِ الصلاةِ وإِيتاءِ الزكاةِ وصَومِ رمضانَ وحجِّ البيتِ لمنِ استطاعَ إليهِ سبيلًا، وكلِّ أمرٍ أمرَ اللهُ بهِ ورسولِهِ وكلِّ أمرٍ نهى اللهُ عنهُ ورسولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 

تقضي “لا إلهَ إلا اللهُ” -أيُّها الأخوةُ- أنْ تسلمَ المجتمعاتُ الإسلاميةُ حكامًا ومحكومينَ، أنْ يسلمُوا الوجوهَ للهِ، وأنْ ينقادُوا لأوامرِهِ، وأنْ يلتزموا ذلكَ في المنهجِ والعملِ، وفقَ منهجٍ كاملٍ متكاملٍ بكافةِ جوانبِ حياتِهمُ السياسيةِ والاجتماعيةِ والاقتصاديةِ وغيرِهَا، وأنْ تسيرَ وفقَ ضوابطِ هذا الدينِ، ووفقَ تعاليمِهِ وأهدافِهِ ومقاصدِهِ، كما أقامَ بذلكَ نبيُّنا محمدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دولةَ الإسلامِ العظمى.

﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء:65]، وإنَّا لنسألُ اللهَ- عزَّ وجلَّ- أنْ يجعلَنَا أجمعينَ منْ أهلِ لا إلهَ إلا اللهُ حقًّا وصدقًا، إنَّهُ – جلَّ وعلا- سميعُ الدعاءِ، وأهلُ الرجاءِ، وهوَ حسبُنا ونِعمَ الوكيلِ.

 

اللهمّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *