مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم الخطبة عنوان الخطبة معد الخطبة تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
134 مكانة الصلاة في الإسلام   د. عثمان صالح تروري  عضو الاتحاد  في مالي 04/04/1445هـ  الموافق 20/10/2023م الأمانة العامة

 

الموضوع: “مكانة الصلاة في الإسلام  “

الحمد لله الذي جعل لكل شيء عمادًا، وجعل الصلاة لنا ذخرًا وزادًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده فلا شركاء ولا أندادًا، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، أكمل الأمة إيمانًا وصلاة وأعظمها عبادة وجهادًا، صلى الله وسلم وبارك عليه، صلاة وسلامًا تامين متلازمين لا نحصيهما أعدادًا، وعلى آله وأصحابه إلى يوم يبعث الناس زرافات وفرادًا.

أمّا بعد: فاتّقوا الله أيّها المسلمون، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾  آل عمران: 102   وحاسِبوا أنفسَكم قبل أن تحاسَبوا، فإنّه أهوَن عليكم في الحِساب غدًا، واستعدّوا للعَرض الأكبر على الله، ادّخِروا راحتَكم لقبوركم، وقلِّلوا مِن لهوِكم ونومِكم، فإنّ وراء كل منا نومةً صبحُها يومُ القيامة ( إذا القبور بعثرت علمت نفس ما قدمت وأخرت ) ( يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا ) .

عباد الله : إن من أكبر وسائل النجاة , ومن أعظم سبل الفلاح يوم يصبح لكم بيوم القيامة الاهتمام بالصلاة والمحافظة عليها , وهي عبادة جليلة أعطاها الله لسائر الأنبياء والمرسلين  ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ  ﴾   الأنبياء 73,

وخص الله تعالى نبينا  بإعطائه عليه السلام إياها في السموات السبع دون سائر أحكام الشريعة كما ثبت ذلك في كتب الصحاح .

وقد تضافرت النصوص واستفاضت الأدلة في بيان مكانة هذه الشعيرة , فهي الفاصلة بين الكفر والإيمان عن  جابر قال سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ ) رواه مسلم .

وهي كفارة للعبد من الذنوب والآثام فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصَّلَاةُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ ) مسلم

وهي أقرب الأعمال إلى الجنة  فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَقْرَبُ إِلَى الْجَنَّةِ قَالَ الصَّلَاةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا قُلْتُ وَمَاذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قُلْتُ وَمَاذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) مسلم

وهي أول ما يحاسب به العبد المسلم يوم القيامة فقد روى الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك ) صححه الألباني.

وهي نور للعبد في ظلمات الصراط يوم القيامة روى مسلم بسنده  عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا )

وهي المانعة من الوقوع في الفحشاء والمنكر ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾   العنكبوت 45

ولذا كانت الصلاة من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم وهو في آخر رمقه , فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى مَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ ) ابن ماجه وصححه الألباني .

وقد ضرب لنا السلف الصالح أروع الأمثلة في المحافظة على شعيرة الصلاة فهذا عدي بن حاتم رضي الله عنه يقول: “ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا متوضئ”، ويقول سعيد بن المسيب: “ما فاتتني الصلاة في جماعة منذ أربعين سنة”، بل يقول: “ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد”، ولقد قال إبراهيم بن يزيد: “إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه”، وسمع عامر بن عبد الله بن الزبير المؤذن وهو يجود بنفسه فقال: “خذوا بيدي”، فقيل: إنك عليل فقال: “أسمع داعي الله فلا أجيبه؟! فأخذوا بيده فدخل مع الإمام في المغرب فركع ركعة ثم مات.

فاتقوا الله عباد الله، واعرفوا عِظَمَ قدر الصلاة، واحرصوا عليها رحمني الله وإياكم، وأكثروا من التوبة والاستغفار، فإن الله يحب التوابين والمستغفرين والمنيبين.  

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين , جعل التهاون بالصلاة عمل المنافقين , وصلوات الله وسلامه على رسوله إمام المتقين

يقول الله تعالى ( فخلف من بعضهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا , إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا )

عباد الله : لو تأملنا في فحوى هذه الآية الجليلة وتدبرنا معناها لخطر ببالنا أنها نزلت اليوم فينا نحن , فما أصدقا فينا , وما أبلغها في البيان لحالنا, لأننا نعيش في هذا الزمان وحال أكثرنا نحو شعيرة الصلاة على صنفين  ليس أحدهما خيرا من الآخر , فصنف ألهتهم الدنيا , وأهمهم التنافس في جمع حطامها , وانشغل قلوبهم وأجسامهم وراءها , فتركوا الصلاة ولم يبالوا بها، ولم يكترثوا بإقامتها،  ومع ذلك يدعون الانتساب إلى الإسلام والإسلام بريء منهم  براءة الذئب من دم يوسف ما لم يتوبوا . (إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ )

وصنف آخر يؤديها ولكن مع الوقوع في الزلل، والاستمرار في الخلل، يصلُّون و لا تُرى آثار الصلاة عليهم، لا يتأدبون بآدابها، ولا يلتزمون بأركانها وواجباتها وشروطها … بل تساهلوا فيها وتهانوا بها فكانوا بذلك آثمين .

عباد الله إن هناك صورا عديدة في التهاون بالصلاة , فمنها ما يلي :

عدم المحافظة على أدائها في الجماعة ( للرجال ) فقد روى مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ )

تأخيرها عن أوقاتها وجمع بعضها في بعض بغير عذر فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ نَامَ لَيْلَهُ حَتَّى أَصْبَحَ قَالَ ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ أَوْ قَالَ فِي أُذُنِهِ ) البخاري

ترك الخشوع في الصلاة الاختلاس فيها  ….. روى أحمد عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَسْوَأَ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ صَلَاتَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَسْرِقُهَا قَالَ لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا ) صححه الألباني لطرقه .

التقصير في ستر العورة … وخاصة لدى النساء  فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ )

فاتقوا الله المؤمنون , وحافظوا على صلاتكم يحفكم الله , وتعلموا صلاة نبيكم لتصلوا مثل صلاته , وأكثروا من الصلاة والسلام عليه فقد أمركم بذلك رب العزة والملكوت ( إن الله وملائكته يصلون على النبي …. )

اللهم تقبل صلاتنا , واجعلنا فيها من الخاشعين , وانهنا بها عن الفحشاء والمنكر , واجعلنا لها مقيمين ومن ذريتنا , أنت نعم المسئول وخير المأمول , ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ) فقوما إلى الله الصلاة يغفر الله لي ولكم .

 

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *