اتحاد علماء إفريقيا
لجنة الإفتاء والإرشاد الجمعة 1 جمادى الثانية 1445هـ الموفق: 15/12/2023م
فتوى 17-45 حول حكم مشاركة غير المسلمين في أعيادهم وتهنئتهم بها
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير الأنام صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. وبعد:

فبين يدي الفتوى في هذه المسألة حقائق لا بد أن نشير إليها؛ نظرا لكونها مبادئ أساسية لا مجال للخروج عنها، وهي:
✍🏽أن الدين الصحيح والمقبول عند الله هو الإسلام {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران:19] {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [آل عمران: 85]

 

✍🏽يحرم على المسلم ممارسة أي عبادة من عبادات غير المسلمين التي هي من خصائص دينهم ، أو مشاركتهم فيها بحضور أو إسهام في النفقات ونحو ذلك.

 

✍🏽كما يحرم على المسلم موالاة غير المسلمين وإبراز المودة والمحبة لهم في الشؤون الدينية والتعبدية.

 

✍🏽إن من واجبات المسلم “الدعوة إلى الله” والعمل على نشر الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة كما قال عز من قائل: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}[يوسف: 108] وهذا يعني لزوم الابتعاد عن كل ما قد يحدث الشكوك والفجوات والتنافر بين أبناء المجتمع الواحد، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور غير المسلمين، ويتعامل معهم بالحسنى، كل ذلك حفاظاً على حسن المعاملة واستبقاءً على مجالات الدعوة مفتوحة أمامه. ومع كل ذلك لم نجده صلى الله عليه وسلم يشاركهم في أي نوعٍ من أنواع طقوسهم أو عباداتهم أو أعيادهم.

 

ومن خلال ما سبق يظهر لنا أن مشاركة غير المسلمين في أعيادهم والدخول معهم في كنائسهم مُحرَّم على المسلم. ” ومن تشبه بقومٍ فهو منهم” (سنن أبي داود، برقم (3512) وصححه الألباني في صحيح أبي داود ) لأن الأعياد من أساسيات معتقدهم التي يُعْرَفُونَ بها. فيجب التأكيد على أنه لا تجوز مشاركتهم في احتفالاتهم بأعيادهم، فنحن لنا أعيادنا، وهم لهم أعيادهم، كما لنا ديننا ولهم دينهم.

 

حكم تهنئة غير المسلمين بالأعياد:
إننا معاشرة سكان القارة الإفريقية جنوب الصحراء بحكم المواطنة والمجاورة مع غير المسلمين خاصة في مناطق الأقليات المسلمة، نجد:
• أن كثيراً من الأسر الإفريقية المسلمة انبثقت من أصول غير إسلامية ، فيظل التعايش بينهم قائماً مع استمرار الاختلاف والتباين في التديُّنِ.

 

• إن غير المسلمين يحضرون مناسبات المسلمين وأفراحهم وحفلاتهم الاجتماعية كالزواج، والدينية كالاحتفاء بمناسبة قدوم الحجاج وغير ذلك. كما نجدهم يشاركوننا في أتراحنا ويعزُّونَنا عند فقدان الأحبَّة وحدوث الآلام والمصائب.

 

• يُهنِّئُون المسلمين بأعيادهم كقولهم: “عيدكم سعيد” “مبروك عليكم” ونحوه.

 

• هناك تبادل للأطعمة ليس في الأعياد فحسب بل بحكم الجوار يحدث ذلك بشكل دائم ، حيث يُشمِلُهم المسلمون بِلُحُومِ الأضاحي في عيد الأضحى.

 

وفي خضم تلك الأجواء، التي تَنْعَقِدُ فيها بين المسلمين وغيرهم كثيرٌ من الرَّوابط التي تفرضها الحياة، مثل الجوار في المنزل، والرفقة في العمل، والزمالة في الدراسة وإشراف الأساتذة على بحوث الطلبة المسلمين وبالعكس، والأطباء الذين يعالجون المرضى المسلمين، نجد أن حكم التهنئة ينظر إليه بثلاثة اعتبارات:
الأول: ما يعتبر عقيدة فلا يجوز تهنئتهم بها كعيد الميلاد وعيد الفسح، وحفلات بناء الكنائس، لمخالفتها الصريحة لأصول العقيدة الإسلامية.

 

الثاني: ما يعتبر تفاعلاً في أعيادهم، ولذلك جانبان:
أولهما: تهنئتهم للمسلمين في أعيادهم، مثل قولهم للمسلم: “عام سعيد”، “كل عام وأنتم بخير”، فيجوز الرد عليهم بالمناسب إذا بدأونا بالتهنئة، والتحية، قال الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء: 86]، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يردّ السلام على قائلي “السام عليكم”: “وعليكم” وقال تعالى: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].
ثانيهما: بدؤهم بالتحية والدعاء لهم في أعيادهم، وهذا له حالتان:
الأولى: إن كان يحقق ذلك مصلحة دعوية راجحةً، أو يرفع ضرراً واقعاً أو يدفع ضرراً متوقعاً، فلا مانع من الدعاء لهم بالهداية والإسلام. وهذا من باب الترجيح بالمصلحة.

 

الثانية: إن كان ذلك تذللاً، وتملقاً، ومداهنة فلا يجوز، فالإسلام يعلو ولا يعلى عليه.

 

الثالث: ما يعتبر عادة، كبناء منزل، وقدوم مسافر، أو حصول منصب جديد ، فلا بأس بتهنئة غير المسلمين فيها، وخاصةً لمن كان بينه وبينهم صلة قرابة أو جوار أو زمالة، أو غير ذلك من العلاقات الاجتماعية، التي تقتضي حسن الصلة، ولطف المعاشرة التي يقرها الشرع الحنيف، والعرف السليم.

فالله سبحانه وتعالى بين في القرآن الكريم مبادئ العلاقة بين المسلمين وغيرهم من المسالمين لهم . قال تعالى: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].
ومعاملة هؤلاء المسالمين لا تخرج عن الأخلاق الحسنة التي أوصى به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أبا ذر بقوله: “اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن” (الترمذي 4/355 ، قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح) هكذا قال: “خالق الناس” ولم يقل: خالق المسلمين. وهو أيضاً لون من ألوان الدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة قولاً وعملاً.

وليحذر المسلم – وهو يهنئهم بالمناسبات الاجتماعية- أن يخرج عن الكلمات التي لا تتضمن إقرارهم على دينهم، أو تعبر عن الرضا بما هم فيه، فليقل على سبيل المثال: فتح الله عليكم ، أعاده الله عليك بالهداية، مما فيه الدعاء بالخروج من الضلال، وليس فيه ترضٍّ عن عقيدتهم أو الإشارة إلى صلاح دينهم؛ وإنما يحرص المسلم على هذه المجاملة لما تحمل من ورائها من أجواء دعوية، واستبقاء لقرابة أسرية، وحسن التعايش، وهي مبادئ إنسانية راقية يدعو إليها الشرع كتابًا وسنةً.
والله أعلم وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

أعضاء لجنة الإفتاء والإرشاد في اتحاد علماء إفريقيا:
فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد أحمد لوح (السنغال) رئيسا
فضيلة الشيخ الدكتور جيلان خضر ( إثيوبيا) مقررا
فضيلة الشيخ الدكتور حسين محمد بوا (يوغندا) عضوا
فضيلة الشيخ الدكتور أبو بكر باه (السنغال) عضوا
فضيلة الشيخ الدكتور سياكا ديارا (كوت ديفوار) عضوا
فضيلة الشيخ محمد تراوي (مالي) عضوا
فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرزاق حسين (جيبوتي) عضوا
فضيلة الشيخ أبو بكر موري (ليبيريا) عضوا
السيدة الأستاذة مام جارية نيانغ ( السنغال) عضوا

 

رئيس لجنة الإفتاء والإرشاد في اتحاد علماء إفريقيا
أ . د محمد أحمد لوح
عميد الكلية الإفريقية للدراسات الإسلامية بالسنغال

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *