مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم الخطبة عنوان الخطبة معد الخطبة تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
144 حقيقة محبة الرسول ﷺ الشيخ عبد العزيز بن أحمد الغامدي 16/ 06/ 1445هـ  الموافق 29 /12 /2023م الأمانة العامة

 

الخطبة الأولى

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، نحمدُه – سبحانه – على نعمِه السوابِغ، وآلائِه البوالِغ.

وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، خصَّنا بعقيدةٍ بَلجَاء أفعَمَت العالمين بسُمُوِّها وسَناها، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه جلَّى معالِمَ رُقيِّ الحضارة وأقامَ صُواها، اللهم صلِّ عليه وعلى آلهِ صفوةِ الخليقَة سيرةً وأزكاها، وصحبِه الكرامِ البرَرَة البالِغين من ثُريَّا الأمجاد عُلاها، والتابِعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلِّم يا رب تسليمًا طيبًا مُبارَكًا لا يتناهَى.

أما بعد: فيا عباد الله إن مقام نبينا محمد ﷺ عظيم، وإنّ محبتَه ليست كمحبة أي شخص كائناً من كان، ذلك أنه ﷺ كمّله ربه الكمال البشري؛ واصطفاه لختم الرسالات؛ وبعثه للناس كافة بالرحمة والهداية، فمحبة النبي ﷺ عبادةٌ عظيمةٌ؛ نتعبد بها لله عز وجل؛ وقربةٌ نتقرب بها إلى الله، فهي أصل عظيم من أصول الدين؛ ودِعامة أساسية من دعائم الإيمان؛ كما قال تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ الأحزاب: 6، وكما قال رسول الله ﷺ: (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين) رواه البخاري.

 

وفي الصحيح أيضاً أن عمر – رضي الله عنه – قال: يا رسول اللّه؛ واللّه لأنت أحبُّ إليَّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال ﷺ: (لا يا عمر؛ حتى أكون أحب إليك من نفسك)، فقال: يا رسول اللّه؛ واللّه لأنت أحبُّ إليَّ من كل شيء حتى من نفسي، فقال ﷺ: (الآن يا عمر)، إذن محبة النبي ﷺ من الواجبات العظام على كل مسلم؛ وهي من صميم الإيمان؛ ولابد لهذا الحب أن يكون أقوى من أي حبٍّ لأي مخلوق؛ حتى من حبِّ المرء لنفسه.

 

عباد الله؛ كيف لا يكونُ ﷺ أحبَّ الخلق إلينا وهو أحبُّ الخلق إلى الله تعالى؛ فقد اتخذه الله خليلا؛ وأثنى عليه ما لم يثن على غيره من الخلق جميعا. كيف لا يكونُ ﷺ أحبَّ الخلق إلينا؛ وحبُّه من أصول إيماننا بربنا.

كيف لا يكونُ ﷺ أحبَّ الخلق إلينا؛ وهو أشرفُ الناسِ؛ وأكرم الناسِ؛ وأطهر الناسِ؛ وأعظم الناسِ في كل شيء.

كيف لا يكونُ ﷺ أحبَّ الخلق إلينا؛ وهو يحبنا ويشفقُ علينا؛ حتى إنه ﷺ أرجأ استجابة دعوته شفاعةً لأمته يوم القيامة، يقول تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ التوبة 128.

كيف لا يكون ﷺ أحبَّ الخلق إلينا؛ وقد بذل جهده الكبير في دعوة أمته؛ وإخراج الناس من الظلمات إلى النور.

وهنا يأتي السؤال: ما هي دلائل محبته ﷺ؛ ومظاهر تعظيمه؛ والتي يجب علينا أن نحققها في أنفسنا وبيوتنا ومجتمعاتنا؟

والجواب :

1 ــ بتقديم النبي ﷺ على كل أحد من الخلق، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ الحجرات 1.

2 ــ  سلوك الأدب معه ﷺ ويتحقق بأمور؛ منها:

  • الثناء عليه؛ والصلاة والسلام عليه؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ الأحزاب 56.
  • وأيضًا من الأدب معه ﷺ التأدبُ عند ذكره؛ بأن لا يذكره مجرد الاسم؛ بل مقرونا بالنبـوة أو الرسالـة؛ قال تعالى: ﴿ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ﴾ النور 63 قال سعيد بن جبير ومجاهد: المعنى قولوا: يا رسول الله؛ في رفق ولين، ولا تقولوا يا محمد بتجهم. وقال قتادة: أَمَرَهم أن يُشَرِّفوه ويُفَخِّموه.
  • وأيضًا من الأدب معه ﷺ توقيرُ حديثه؛ والتأدبُ عند سماعه وعند دراسته؛ كما كان يفعل سلفُ الأمة وعلماؤها في إجلال حديث رسول الله ﷺ، فهو ﷺ ما ينطق عن الهوى؛ إن هو إلا وحي يوحى؛ فمقام حديثه مقام عظيم، فالسنة قرينة القرآن في بيان دين الله؛ بل هي المبينة لما أجمل في القرآن، قال ﷺ: (ألا إني أوتيت القرآنَ ومثلَه معه) رواه الإمام أحمد في مسنده.

3 ــ من علامات محبة النبي ﷺ وتعظيمه:  تصديقُه ﷺ فيما أخبر به وعدمُ الترددِ في ذلك، وهذا من أصول الإيمان وركائزه العظام، فهو عليه الصلاة والسلام يخبر بما أوحى الله إليه.

4 ــ اتّباعُه ﷺ وطاعتُه والاهتداءُ بهديه؛ فطاعة الرسول هي العلامة البارزة لمحبته ﷺ؛ بل ومحبة رب العالمين، ولهذا قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ آل عمران 31، إن الاقتداء به ﷺ من أكبر العلامات على حبه: قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ الأحزاب 21؛ فالمؤمنُ الذي يحبُّ النبيَّ ﷺ هو الذي يتأسى به في كل شيء؛ في عبادته وفي أخلاقه وفي سلوكه وآدابه؛ وفي سائر تعاملاته مع الآخرين. ولذلك فنقول: إنّ مَن يحتفل بمولده ﷺ أو بهجرته أو بإسرائه لم يبرهنوا على دعواهم محبةَ النبي ﷺ، بل فعلُهم هذا يثبت ضعفَ محبتهم للنبي ﷺ، لأنهم يخالفون سنته وهديه ويبتدعون في دين الله. وعلامة المحبة الصادقة له صلى الله عليه وسلم اتباع هديه وسنته وما جاء به.

5 ــ من علامات محبته ﷺ عدمُ الغلو؛ استجابةً لوصيته، قال ﷺ : (لا تَطرُوني كما أطرت النصارى ابنَ مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبدُ الله ورسوله) البخاري.

6 ــ الدفاع عنه ﷺ ونصرتُه، وقد سطَّر الصحابةُ أروعَ الأمثلةِ وأصدقَ الأعمالِ في الدفاع عن رسول الله ﷺ وفدائه بالأموال والأولاد والأنفس. والدفاع عن النبي ﷺ بعد موته أنواع؛ نذكر منها:

1 ــ  نصرة دعوتِه ورسالتِه بكل ما يملك المرء من مال ونفس وجهد ووقت….

2 ــ بالدفاع عن سنته صلى الله عليه وسلم : بحفظها وتنقيحها وحمايتها ورد الشبهات عنها.

33 ــ بنشر سنته ﷺ وتبليغها. قال ﷺ: (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها)، وقال ﷺ: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثلُ أجور من تبعه)؛ ولا شك أن خير الهدي هدي نبينا محمد ﷺ.

أقول ما سمعتم وأستغفر الله..

 

الخطبة الثانية

 

الحمدُ لله أسبغَ علينا نعَمًا تتالَت أفواجًا، وحذَّرَ ممن سعَى بالفتنِ بين المُسلمين وَدَاجا، والصلاةُ والسلامُ الأتمَّان الأكمَلان الأزكَيَان الأشرَفَان على النبي المُصطفى، وعلى آله وصحابتِه، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ وسارَ على نَهجِهم واقتفَى.

أما بعد: فاتَّقُوا الله – عباد الله -؛ فإن تقوَاه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب.

 

روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – t: أَنَّ أَعْرَابِيَّا قَالَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ: مَتَىَ السَّاعَةُ؟ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟) قَالَ: حُبُّ اللهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ). قال أنس: فما رأيتُ المسلمين فرحوا بعد الإسلام بشيء ما فرحوا به،‏ فنحن نحب رسولَ الله ﷺ ولا نستطيع أن نعمل كعمله؛ فإذا كنَّا معه فحَسْبُنا.‏

عباد الله؛ إننا لم نشْرُفْ بصحبة نبينا محمد ﷺ؛ ولم نشرف بالجهاد معه؛ ولم نشرف بحماية شخصه؛ لم نشرف بالكفاح معه في دعوته إلى الله؛ لم تكتحل أعينُنَا برؤية وجهه المشرق؛ ومشاهدة سمته وهيئته ووقاره وأخلاقه وتواضعه وحلمه وشجاعته وحسن عبوديته لربه؛ ولم نحضَ بشرف خدمته؛ لم نحضَ بمعانقته؛ لم نحضَ بدعواته المباركة لأصحابه؛ لم نحضَ بالصلاة خلفَه؛ لم نحضَ بسماع صوته بالقرآن؛ لم نحضَ بسماع خُطَبِه؛ لم نحضَ بمجالسه المباركة؛ وسماع حديثه فيها.

 

ماذا بقي لنا من بركاته عليه الصلاة والسلام؟ بقي لنا الكثير ولله الحمد؛ بقي لنا الإيمانُ به؛ ومحبتُه؛ واتباعُه، والذودُ عن عرضه الشريف، وهذه سنته ﷺ حفظها الله؛ وذلك من حفظه سبحانه للقرآن فالسنة هي المفسرة للقرآن؛ فعلينا عباد الله أن نحرص على تعلم سنة نبينا ﷺ؛ وامتثالها والعمل بها في سائر أوقاتنا وأحوالنا؛ وأن نسعى لنشرها وتعليمها؛ لنحظى بمرافقته ﷺ في جنات عدن.
اللهم ارزقنا إجلالَ نبينا وتعظيمَ هديه وسنته.

اللهم ارزقنا تَعَلُّمَ وتعليم أحاديثه وسنته والعمل بها.

اللهم ارزقنا شفاعته؛ وأوردنا حوضه؛ واسقنا من يده الشريفة شربةً هنيئة لا نظمأ بعدها أبدًا.

اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد..

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *