مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم الخطبة عنوان الخطبة معد الخطبة تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
149 الطريق نحو الإخلاص لله د. عثمان صالح ترويري – عضو الاتحاد في مالي 21/07/1445هـ  الموافق 02/02/2024م الأمانة العامة

 

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، امتنَّ على عباده المؤمنين فهداهم للإسلام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل المخلوقات , صلاة ربي وسلامه الأتمان الأكملان عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم تطاير صحف المؤمنين بالحسنات . أما بعد :

فاتقوا الله -رحمكم الله- وبادروا آجالكم بأعمالكم، واستعدوا للرحيل فقد جد بكم، فربكم لم يخلقكم عبثاً، ولم يترككم سدىً، فتزودوا من دنياكم ما تحرزون به أنفسكم غداً، فرحم الله عبداً اتقى ربه، ونصح نفسه، وقدم توبته، وغلب شهوته، وباع دنياه لآخرته فربح بهما ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ النازعات 40 – 41

أيها المؤمنون: لقد تناولنا في الجمعة أن الرياء يبطل العمل ويورث الصغار، وأن إخلاص الأعمال لله تعالى أصل الدين وروح العمل،ولنا اليوم وقفة أخيرة بعنوان: الطريق نحو الإخلاص لله.

أيها المؤمنون:إن مجاهدة النفس هي الطريق الواسع لاكتساب الإخلاص، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾  العنكبوت 69.  قال سفيان الثوري-رحمه الله-:( ما عالجت شيئا أشد علي من نيتي )، ومجاهدة النفس لاكتساب الإخلاص تكون بالأمور  التالية:

1/ التحصن بالعلم الشرعي:بالعلم النَّافع يعرف الحقّ من الباطل ويعرف الهدى من الضلال ويعرف الصحيح من السقيم، والجهل يقود إلى الرياء والفساد، قال تعالى    ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾  المائدة 15-  16 ،قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (( إذا انقطع عن الناس نورُ النبوة وقعوا في ظلمة الفتن، وحدثت البدع والفجور…)) (المجموع). وقال تعالى:(( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك…))، فالإخلاص يحتاج إلى علم.

2/ لزوم الجماعة:فمن لزم الجماعة على الحق عصم من فتنة رياء المخالفة، عن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال : سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : «ما من ثلاثةِ في قَرْيَة ولا بَدْو لا تقامُ فيهم الصلاةُ ، إلا قد استحوذَ عليهم الشيطانُ ، فعليكَ بالجماعة ، فإنما يأكلُ الذِّئبُ من الغنم القاصية». رواه النسائي وأحمد وصححه الألباني.

3 / الحرص إخفاء العمل ما لم يكن في إظهاره مصلحة: قال تعالى  : ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾  البقرة 271، وعن أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ثَلاَثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ ، وَثَلاَثَةٌ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ ، فَأَمَّا الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ ، فَرَجُلٌ أَتَى قَوْمًا فَسَأَلَهُمْ بِاللَّهِ وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ بِقَرَابَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَمَنَعُوهُ ، فَتَخَلَّفَ رَجُلٌ بِأَعْيَانِهِمْ فَأَعْطَاهُ سِرًّا لاَ يَعْلَمُ بِعَطِيَّتِهِ إِلاَّ اللَّهُ ، وَالَّذِي أَعْطَاهُ ، وَقَوْمٌ سَارُوا لَيْلَتَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ النَّوْمُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِمَّا يُعْدَلُ بِهِ نَزَلُوا فَوَضَعُوا رُءُوسَهُمْ ، فَقَامَ أَحَدُهُمْ يَتَمَلَّقُنِي وَيَتْلُو آيَاتِي ، وَرَجُلٌ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ فَلَقِيَ العَدُوَّ فَهُزِمُوا وَأَقْبَلَ بِصَدْرِهِ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يُفْتَحَ لَهُ ، وَالثَّلاَثَةُ الَّذِينَ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ ، الشَّيْخُ الزَّانِي ، وَالفَقِيرُ الْمُخْتَالُ ، وَالغَنِيُّ الظَّلُومُ)) رواه الترمذي والنسائي وصححه الحاكم في المستدرك وضعفه الألباني.

قال الحسن البصري -رحمه الله- : ((إن كان الرجل لقد جمع القرآن  وما يشعر به الناس،وإن كان الرجل قد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس ،  وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الضيوف الزوّر وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقوامًا ما كان على ظهر الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه سرًا فيكون علانية أبدًا ))الزهد لابن المبارك: 1 / 45.

4 / النظر إلى أعمال الصالحين ممن هم فوقك  قال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ﴾ الأنعام 90.

5 / استصغار العمل والخوف من عدم قبوله:فمن نظر إلى عمله بعين العجب قل معه الإخلاص أو نزع منه يقول سعيد بن المسيب ( دخل رجل الجنة بمعصية ودخل رجل النار بحسنة , فقيل له : وكيف ذلك ؟ قال : عمل رجل معصية فما زال خائفا من عقاب الله من تلك الخطيئة فلقي الله فغفر له من خوفه منه تعالى , وعمل رجل حسنة فما زال معجبا بها ولقي الله بها فأدخله النار )

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين )) أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الأحد الصمد الذي لم يولد ولم يولد،والصلاة والسلام على أفضل رسله على الأبد

6 / عدم التأثر بكلام الناس:فمن أثنى عليك خيرا فلا يزيدنك ثناؤه إلا تواضعا وخشية من الله,فادع الله تعالى أن ينجيك من هذه الفتنة,وَقَالَ بَعْض السَّلَف:إِذَا مُدِحَ الرَّجُل فِي وَجْهه فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ,وَلَا تُؤَاخِذنِي بِمَا يَقُولُونَ , وَاجْعَلْنِي خَيْرًا مِمَّا يَظُنُّونَ)) أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَب.

7 / استصحاب أن الناس لا يملكون جنة و لا نارا :فليدرك العبد أن الذين يرائي لهم كلهم واقفون معه في المحشر خائفين من النار والطامعين في الجنة  وكل ذلك من الله وحده،فمن هنا يعلم أن صرف النية لغير الله عند العمل في غير محله،ولا قيمة للعمل الصالح إذا لم يكن لطلب الجنة ووقاية النفس من النار،  قال تعالى: ﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ الحج 56-57

8 / تذكر أنك في القبر بمفردك: يقول ابن القيم – رحمه الله- ((صدق التأهب للقاء الله من أنفع ما للعبد وأبلغه في حصول استقامته , فإن من استعد للقاء الله انقطع قلبه عن الدنيا وما فيها من مطالبها)).

9/ الدعاء:فالقلوب بيد الرحمن يقلبها كيف يشاء،فالجأ إليه بالدعاء لنيل الإخلاص، ومن الأدعية المأثورة في ذلك ما روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ، فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، فَقَالَ لَهُ، مَنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ: وَكَيْفَ نَتَّقِيهِ وَهُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نَعْلَمُهُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ نَعْلَمه)). وقد كان من أكثر دعاء سيدنا عمر رضي الله عنه ( اللهم اجعل عملي كله صالحا , واجعله لوجهك خالصا , ولا تجعل لأحد فيه نصيبا ).

أيها المؤمنون: فمن وفقه الله للإخلاص في أعماله جنى به ثمارا يانعة نافعة في الدنيا و الآخرة، قال ابن القيم-رحمه الله-: (( الإخلاص والتوحيد شجرة في القلب؛ فروعها الأعمال, وثمرها طِـيب الحياة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة، وكما أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك. والشرك والكذب والرياء شجرة في القلب؛ ثمرها في الدنيا الخوف والهم والغم وضيق الصدر وظلمة القلب, وثمرها في الآخرة الزقوم والعذاب المقيم، وقد ذكر الله هاتين الشجرتين في سورة إبراهيم)).

ألا وصلوا وسلموا على النبي المصطفى صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر وعلى آله وصحبه وسلم.

اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنا مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِنا ، وَاقْبِضْنا إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لنا ، اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ الْخَشْيَةَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةَ وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ ، وَالْقَصْدَ فِي الْغِنَي وَالْفَقْرِ ، وَنسْأَلُكَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَنسْأَلُكَ شَوْقًا إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ ، وَلاَ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجْعَلْنا مِنَ الْهُدَاةِ الْمَهْدِيِّينَ , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

 

 

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *