مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم الخطبة عنوان الخطبة معد الخطبة تاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
150 كتابة الوصية الشرعية د. عثمان صالح ترويري – عضو الاتحاد في مالي 28/07/1445هـ  الموافق 09/02/2024م الأمانة العامة

 

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله وأمينه على وحيه، ومبلِّغُ الناس شرعه، وصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.   أما بعد:

فاتقوا الله أيها المؤمنون ,اتَّقُوا اللهَ ذَا الْعِزَّةِ وَالْجَلاَلِ، وَبَادِرُوا قَبْلَ انْتِهَاءِ الآجَالِ بِصَالِحِ الأَعْمَالِ، وَاطْلُبُوا لأَنْفُسِكُمُ الأَمَانَ لِيَوْمِ الْفَزَعِ وَالأَهْوَالِ، قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾   البقرة 281

بادروا مناياكم، بصالح أعمالكم وبصادق وصاياكم، قبل أن تبلغ الحلقوم، وتفضوا إلى الحي القيوم، فإن القوى في انقضاض، والأعمال في انتقاص، والآجال مغيبة، والمنايا لا تأتي إلا فجأة،فالدنيا فانية والآخرة باقية، الدنيا زائلة والآخرة دائمة، الدنيا لهو زائف، وأما الآخرة فهي حقٌّ وحقيقةٌ ونعيمٌ مقيمٌ خالدٌ، ولهذا فالعارفون بالله حقيقة، هم الفطناء الذين لا يُؤثِرون متع الدنيا الفانية على خيرات الآخرة الباقية، ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾  الأعلى  16 -17

عباد الله:لقد كثر في زمننا الحاضر موت الفجأة:بالسَّكتات القلبيَّة، أوِ الجلطات الدِّماغيَّة، أوِ الذَّبحة الصَّدريَّة، أو ارتفاع ضغط الدَّم أو السُّكر أوِ انخفاضهما،أو حوادث المرور والسير،فأصبح الإنسان يصلي المغرب والعشاء مع القوم في الدنيا والفجر يدركه في الآخرة،ويصلي الجمعة مع القوم في المسجد والقابلة تدركه راقدا مع أهل القبور،فلا غرو في ذلك،إنها من علامات السَّاعة الّتي أخبر عنها النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ قال -صلّى الله عليه وسلّم: «من اقتراب السَّاعة…… وأن يظهر موت الفجاة» حسَّنه الألباني 5899 في صحيح الجامع.

أيها المؤمنون:فما أحوجنا في هذه الحالة إلى عمل تغافل عنه كثير من الناس،أتدرون ما هو-يارعاكم الله-؟ أنه كتابة الوصية،التي بها تبرأ ذمتنا عن حقوق الله تعالى،ويحافظ بها على حقوق العباد،ويرسم بها الطريق المستقيم لورثتنا،ويحمى بها جناب التوحيد وسنة المصطفى لدى ذريتنا،وبها تكون حياتنا قبل الموت متصلة بحياتنا بعد الموت،ولذا وذاك فقد حث الكتاب والسنة على الوصية،وحث عليها سلف الأمة قال تعالى﴿ كتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾  البقرة: 180.وروى البخاري (2738) ومسلم (1627) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ ) .قال النووي رحمه الله : “فيه الْحَثّ عَلَى الْوَصِيَّة ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْأَمْر بِهَا ، لَكِنَّ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجَمَاهِير أَنَّهَا مَنْدُوبَة لَا وَاجِبَة . وَقَالَ دَاوُدُ وَغَيْره مِنْ أَهْل الظَّاهِر : هِيَ وَاجِبَة ؛ لِهَذَا الْحَدِيث ، وَلَا دَلَالَة لَهُمْ فِيهِ ، فَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيح بِإِيجَابِهَا ، لَكِنْ إِنْ كَانَ عَلَى الْإِنْسَان دَيْن أَوْ حَقّ أَوْ عِنْده وَدِيعَة وَنَحْوهَا لَزِمَهُ الْإِيصَاء بِذَلِكَ . قَالَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه : مَعْنَى الْحَدِيث : مَا الْحَزْم وَالِاحْتِيَاط لِلْمُسْلِمِ إِلَّا أَنْ تَكُون وَصِيَّته مَكْتُوبَة عِنْده .
وَيُسْتَحَبّ تَعْجِيلهَا ، وَأَنْ يَكْتُبهَا فِي صِحَّته ، وَيُشْهِد عَلَيْهِ فِيهَا ، وَيَكْتُب فِيهَا مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ ، فَإِنْ تَجَدَّدَ لَهُ أَمْر يَحْتَاج إِلَى الْوَصِيَّة بِهِ أَلْحَقَهُ بِهَا . قَالُوا : وَلَا يُكَلَّف أَنْ يَكْتُب كُلّ يَوْم مُحَقَّرَات الْمُعَامَلَات وَجُزْئِيَّات الْأُمُور الْمُتَكَرِّرَة” انتهى .

قال الإمام الشافعي:” من صواب الأمر للمرء أن لا تفارقه وصيته، وقد قال:”من مات وقد أوصى مات على سبيل وسنة”
وقال بكر المزني: إن استطاع أحدكم وعهده عند رأسه مكتوب فليفعل. فإنه لا يدري لعله أن يبيت في أهل الدنيا ويصبح من أهل الآخرة.

أعوذ بالله بالله من الشيطان الرجيم ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾  الجمعة 8

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب،فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين،والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

الوصيّة – أيها الأحبة الكرام! – وصالٌ ورباطٌ بين أمرين: ما قبل الوفاة وما بعد الوفاة، فالموصِى وصل ما كان في حياته بعد موته،والموت ليس آخر المطاف، بل بعد الموت بعثٌ وحياة، هي الحياة الحقيقيّة، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ العنكبوت: 64

شبّه الله تعالى الحياة الدنيا التي نعيشها، “وما فيها من حطام، فى سرعة انقضائها وزوال متعها، بالأشياء التى يلهو بها الأطفال، يجتمعون عليها وقتاً، ثم ينفضّون عنها.

واعلموا عباد الله: أن كتابة الوصية لا تقرب أجلاً، ولا تقطع أملا، وعدم كتابته لا يؤخر أجلا،ولا يحقق أملا،بل كتابتها من الحزم، وفعل أولي العزم، وحسن نظر المرء لنفسه في حياته، وبعد وفاته، وهي كذلكم عون لأولياء المرء على نفعه وإبراء ذمته من حقوق الله تعالى وحقوق خلقه،وليست الوصية لليائسين من الحياة،ولا للطاعنين في الشيخوخة ،ولا للمرضى المزمنين فحسب،ولكنها لكل مسلم بالغ عاقل، قال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: “ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال ذلك، إلا وعندي وصيتي”  رواه مسلم 1627.وقد مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتجاوز ابن عمر الواحد والعشرين من عمره.

وكيف تكتب الوصية الشرعية ؟ فالجواب في الخطبة القادمة إن شاء الله.

فاتقوا الله أيها المسلمون،فإن القضاء محكوم ، والأجل محتوم ،وساعة الموت لابد آتية ،والدنيا فانية ، والآخرة دانية ، فاحرصوا على حسن الخاتمة.

هذا وصلوا رحمكم الله على خير البرية وأزكى البشرية محمد ابن عبد الله صاحب الحوض والشفاعة فقد أمركم الله بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته المسبحة بقدسه وأيه بكم أيها المؤمنون فقال جل وعلا (﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾   الأحزاب: 56.

اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر صحابة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأخذل الشرك والمشركين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين،اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ونفس كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين،واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين…

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *