مشروع خطب الجمعة في إفريقيا
رقم عنوان الخطبة معد الخطبة التاريخ المقترح لإلقاء الخطبة المراجعة والنشر
51 الحجُّ والمُساواة بين المسلمين الشيخ ماهر بن حمد المعيقلي خطيب المسجد الحرام 05/10/1443هـ  الموافق06/05/2022م الأمانة العامة

 

الموضوع:الحجُّ والمُساواة بين المسلمين

الحمدُ لله، الحمدُ لله الذي جَعلَ البيتَ مثابةً للناسِ وأمنًا، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، له الأسماءُ الحُسنَى والصفاتُ العُلَى، وأشهدُ أن نبيَّنَا محمدًا عبدُه ورسولُه، أزكَى من صامَ وحجَّ وصلَّى، بعثَهُ الله بين يدَي الساعةِ بشيرًا ونذيرًا، وداعِيًا إلى اللهِ بإذنِه وسِراجًا مُنيرًا، فأدَّى الأمانةَ، وبلَّغ الرسالةَ، ونصحَ للأمة، وترَكَنا على المحجَّةِ البيضاء، ليلُها كنهارِها، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلهِ وأصحابِه وأزواجِه، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعدُ .. معاشرَ المؤمنين: اتَّقُوا الله حقَّ التَّقوى، واشكُرُوه على نعمهِ التي لا تُعَدُّ ولا تُحصَى.

أمةَ الإسلام .. حُجَّاجَ بيتِ الله الحرام: في السنةِ العاشرةِ من الهجرةِ النبويَّة، نُوديَ في الناسِ بأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم  يُريدُ الحجَّ هذا العام، فقدِم إلى المدينةِ بشَرٌ كثيرٌ، كلُّهم يلتَمِسُ أن يأتمَّ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم  في حَجِّه، ويعملَ مثلَ عملِه، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يُؤكِّدُ ذلك في يومِ النحرِ بقوله: (لِتَأْخُذُوا مناسِكَكُمْ، فإِنَّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بعدَ حَجَّتي هذِهِرواه مسلم.

وكان صلى الله عليه وسلم قد جاوَزَ الستِّينَ من عُمرِه، ومعه جميعُ أهل بيته، وهو قائِمٌ بشُؤونهِم، راعٍ لأحوالهم. فكان صلى الله عليه وسلم برًّا رحيمًا، رفيقًا مُحسِنًا، يُعلِّمُ الناسَ أحكامَ مناسِكِهم، ويُفقِّهُ جاهِلَهم.

حُجَّاجَ بيت الله الحرام: كم في حجَّة الوداعِ من دُروسٍ وعِبَر، وكم فيها من مواعِظَ بليغة، ومشاهِدَ جليلة، حرِصَ فيها صلى الله عليه وسلم على بيانِ الإخلاص، فقال:

(اللهم حجَّةٌ لا رياءَ فيها ولا سُمعةٌ)؛ رواه ابن ماجه.

أهلَّ صلى الله عليه وسلم بالتوحيد: (لبَّيكَ اللهم لبَّيكَ، لبَّيكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لبَّيكَ، إِنَ الحمدَ والنعمةَ لَكَ والمُلكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ)، فهذه تلبِيةُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم التي لزِمَها، منذ أن أهلَّ بها من ميقاتِ ذي الحُلَيفة إلى أن رمَى جَمرةَ العقَبَة.

 

إهلالٌ بتوحيدِ الله – جلَّ جلالُه، وتقدَّسَت أسماؤه -، فلا يُدعَى غيرُ الله، ولا يُعبَدُ سِواه، فلا مَجالَ في الحجِّ للشِّعارات الطائفِيَّة، ولا للدعواتِ السياسيَّة، فما جُعِل الطوافُ بالبيت – يا عباد الله -، ولا رميُ الجِمار، ولا الوقوفُ بعرفة، ولا المبيتُ بمُزدلِفة، ولا السعيُ بين الصفا والمروة، إلا لذكرِ الله وحدَه لا شريكَ له، ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ @ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ الأنعام 162، 163.

 

كما حَرِصَ صلى الله عليه وسلم في حجَّةِ الوداع على تعليمِ الناسِ أمرَ دينهم، وما جاء به صلى الله عليه وسلم من الوسطيَّةِ والاعتِدال، وتحذيرهِم من الغلوِّ في الدين.

ففي “سنن ابن ماجه”، عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم غداةَ العقَبَة وهو على ناقَتِه: (القُطْ لي حصًا)، فلقَطتُ لهُ سبعَ حصَيَاتٍ هُنَّ حصَى الخَذْفِ، فجَعَلَ ينفضُهنَّ في كفِّهِ ويقولُ: (أمثالَ هؤلاءِ فارمُوا)، ثمَّ قالَ: (أيُّها النَّاسُ! إيَّاكم والغلوَّ في الدِّينِ؛ فإنَّه أهلَكَ من كانَ قبلَكم الغلوُّ في الدِّينِ).

 

فبسببِ الغُلوِّ – يا عباد الله – سُفِكَت الدماءُ، واعتُدِيَ على الأموالِ والأعراض، وقد عَظَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم  ذلك في حجَّه.

ففي “الصحيحين” من حديث أبي بكَرةَ رضي الله عنه وأرضاه: قال خطَبَنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحرِ فقال: (أتَدْرونَ أيُّ يومٍ هذَا؟). قلنَا: اللهُ ورسولُهُ أعْلَمُ. فسَكَتَ حتى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بغيرِ اسمِهِ، قالَ: (أَلَيسَ يومَ النَّحرِ؟)، قلنَا: بلَى، قالَ: (أيُّ شهرٍ هذَا؟). قلنَا: اللهُ ورسولُهُ أعلَمُ. فسَكَتَ حتى ظنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بغيرِ اسمِهِ، فقالَ: (أليسَ ذو الحجةِ؟). قلنَا: بلى، قالَ: (أيُّ بلدٍ هذَا؟). قلنَا: اللهُ ورسولُهُ أعْلمُ، فسَكَتَ حتى ظنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيِه بغيرِ اسمِهِ، قالَ: (أليستْ بالبَلْدَةِ الحرامِ؟). قلنَا: بلَى، قالَ: (فإنَّ دماءَكُمْ وأموالَكُم عليكُمْ حرَامٌ كحُرْمَةِ يومِكُمْ هذَا، في شهرِكُم هذَا، في بلَدِكُم هذَا، إلى يومِ تلقَونَ ربَّكُم، ألا هَلْ بَلَّغْتُ؟). قالوا: نعمْ، قالَ: (اللهمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى من سَامِعٍ، فلا تَرْجِعُوا بعدِي كفارًا يضرِبُ بعضُكُم رقابَ بعضٍ).

أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ @ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ @ لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ @ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ الحج 26- 29.

 

بارك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم من كلَّ ذنبٍ، فاستغفِروه؛ إنه هو الغفورُ الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله، الحمدُ لله حمدًا حمدًا، والشكرُ لله شُكرًا شُكرًا، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن نبيَّنَا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آله وأصحابِه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

وفي أيامِ الحجِّ المُباركات، والناسُ كلُّهم في موقفٍ واحد، وتلهَجُ ألسنتهم بذكرِ إلهٍ واحد، قام فيهم خطيبًا صلى الله عليه وسلم في وسطِ أيامِ التشريق، ليُؤكِّدَ معنى المساواةِ الحقيقية، ويضَعَ عنهم دعوَى الجاهلية، فقالَ: (يا أيُّها النَّاسُ! ألا إنَّ ربَّكم واحدٌ، وإنَّ أباكم واحدٌ، ألا لا فضلَ لِعَربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعَجميٍّ على عربِيٍّ، ولا أحمرَ على أسودَ، ولا أسودَ على أحمرَ إلاَّ بالتَّقوَى، أبلَّغتُ؟)، قالوا: بلَّغَ رسولُ اللَّهِ – صلَّى اللَّه عليه وسلَّمَ -؛ رواه أحمد.

 

ومن دُروسِ حجَّةِ الوداع: بيانُ رحمةِ النبي صلى الله عليه وسلم ورِفقِه بالناس؛ ففي يوم عرفة، والناس كلُّهم يطلُبون النَّفرَة، سمِعَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وراءَهُ زَجْرًا شديدًا، وضربًا وصوتًا للإبِلِ، فأشَارَ بسَوطِهِ إليهم، وقالَ: (أيُّها الناسُ! عليكم بالسَّكِينَةِ؛ فإنَّ البرَّ ليس بالإيضَاعِ)؛ رواه البخاري. أي: ليس البرُّ بالإسراع.

 

ورأَى صلى الله عليه وسلم عُمَر يُزاحِمُ على الحَجر، قال: (يا عُمر! إنَّكَ رجلٌ قويٌّ، لا تُزاحِم على الحجرِ فتُؤذِي الضَّعيفَ، إن وجدتَ خلوةً فاستلِمْهُ، وإلَّا فاستقبِلْهُ وهلِّل وكبِّر)؛ رواه أحمد. فحرِيٌّ بحُجَّاجِ بيتِ اللهِ الحرام امتِثالُ أمرِ نبيِّهم. فالسكينةَ السكينةَ، والوسطيةَ الوسطيةَ، والرِّفقَ الرِّفقَ، وفي “صحيح مسلم”: (إنَّ الرِّفقَ لا يكونُ في شيءٍ إلا زانَه، ولا يُنزعُ من شيءٍ إلا شانَه).

 

ثم اعلَمُوا – معاشر المؤمنين – أن الله أمرَكم بأمرٍ كريمٍ ابتَدَأ فيه بنفسه، فقال عزَّ مِن قائلٍ:

﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب 56.

اللهم صلِّ على نبيِّنا محمد وعلى آل نبيِّنا محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وبارِك اللهم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آل نبيِّنا محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.

وارضَ اللهم عن الخلفاءِ الراشِدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وجُودِك يا أرحمَ الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، واحمِ حوزَةَ الدين، واجعَل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا وسائرَ بلادِ المُسلمين.

اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكرُوبِين، واقضِ الدَّيْنَ عن المَدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين.

اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كلِّ مكان، اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كلِّ مكان، برحمتك يا أرحم الراحمين.

سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عما يصِفُون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله رب العالمين.

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *